✨️سؤال ربما يخطر في أذهان البعض منّا، فيقول:
✨️ما هي ميزة أصحاب الحسين عن بقية الشيعة، حتّى بلغوا هذه المنزلة العالية جدّاً..؟

▪︎قطعاً نحنُ مَهما ذكرنا مِن جَواب، فهذا الجوابُ لا يُمثّل الحقيقةَ بتمامها..
و السبب : لأنّنا بشرٌ ناقصون، و مداركُ عُقولنا مَهما عَلتْ، فهي ناقصة، لا يُمكنها أبداً إدراكُ الحقيقة بتمامها،
▪︎و هُناك سبب آخر أيضاً، و هو:
أنّ ما بأيدينا مِن مُعطيات هي مُعطيات ناقصة أيضاً،
فإنّ ما وصلنا مِن التأريخ و كُتب السِيرة فيه قسْمٌ كبير ضاعَ و لم يصل إلينا،
و لذلك فالمُعطيات التي عِندنا ناقصة..
و لكن رُغم ذلك، يُمكننا مِن خلال ما عندنا مِن نصوص أن نعرفَ شيئاً مِن الأسباب التي جَعلتْ لأصحاب الحُسين هذهِ المَنزلة و المقام الرفيع جدّاً دُون سائر أصحاب الأئمة "صلواتُ الله عليهم"، حتّى قال في حقّهم #سيّد_الشهداء "صلوات الله عليه":
(لا أعلم أصحاباً أوفى و لا خيراً مِن أصحابي)

■أحدُ هذهِ الأسباب التي جعلتْ هذهِ الميزة و المنزلة الرفيعة لأصحاب الحُسين "صلواتُ الله عليه"، تُبيّنه لنا زيارة عاشوراء..
فنحن نقرأ في #زيارة_عاشوراء في آخر الزيارة عند السٌجود الذي هُــو قِـمَّـة الهَرم في الزيارة.. فنقول:
(الّلهمّ ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود، و ثبّت لي قَدَم صِدْقٍ عندكَ معَ الحسين و أصحاب الحُسين، الذين بذلوا مُهجهم دون #الحسين)

▪︎قمّة الزيارة هي في السُجود و التذلّل في عُبوديّتنا..
وقمّة (الطَلَب الحُسيني) في قمّة الزيارة (و هو السجود) هـو هـذا الوِرْد الذي نَقرؤُه في السجود فنقـول:
(الّلهمّ ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود، وثبّت لي قدم صدقٍ عندك مع الحسين و #أصحاب_الحسين، الذين بذلوا مُهجهم دون الحسين)

❂ هنا لابُدّ أن نقف قليلاً و نتأمّل و نتفكّر:
أصحاب الحُسين "صلواتُ الله وسلامه عليه" بحسب نصّ الزيارة أنّهم معَ الحسين..
و نحن نطلبُ أن يُثبّتَ اللهُ لنا قدم صِدقٍ مع الحسين و أصحاب الحسين..
● فما هي الصفة التي كانت في أصحاب الحُسين حتّى جَعلتْ مَوقفهم يوم الورودِ مع الحُسين؟!

❖ الجواب نجده في نفس الزيارة حين تقول:
(الذين بذلوا مُهجهم دُون الحُسين)

عبارة (بذْل المُهج) أقوى بكثير مِن عِبارة بَذْل الأرواح أو الأنفس،
بذل المُهج : يعني أنّهم بِتمام عُقولهم و قُلوبهم و ضَمائرهم مع الحسين "صلواتُ الله عليه".
و المُهج جَمعٌ لِمُهجة و هي رُوح الروح،
هِي قلبُ القلب، إنسانُ الانسان، و ضميرُ الضمير..
يعني هِي المَركز مِن كلّ هذهِ المَعاني..

▪︎حين نقول عن أصحاب الحسين "صلواتُ الله عليه" أنّهم بذلوا مُهَجَهم دُون الحُسين..
فالمراد أنّهم بذلوا ظَواهرهم و بَواطنهم،
و لذا نَحنُ نُخاطبهم في الزيارة و نقول لهم:
(فُزتم و اللهِ فوزاً عظيما)
و بذْل المُهَج لا يتحقّق بدون العَقيدة القويّة العَميقة الراسخة الثابّتة التي لا يشوبها شك،
هذهِ العَقيدة الثابتة الأركان التي بناؤها بَراءةٌ قويةٌ مِن أعداء الله، و ولايةٌ قوية لأوليائه،
وهذا هو الذي تجلّى في #أنصار_الحسين "صلوات الله عليه".

▪︎فبذْل المُهج هو كاشف عن العقيدة القويّة التي لا تأتي إلّا مِن خلال المعرفة السليمة..
و العِلم الحقيقيّ هو ما جاء من #أهل_البيت "صلوات الله عليهم" فقط و فقط..
كما قال إمامنا #باقر_العلوم "صلوات الله عليه":
(أنّ العلم لا يُؤتى إلّا مِن ها هُنا و أشارَ إلى صَدره الشريف).

❖ أيضاً : مِيزة أخرى مِن المزايا التي تميّز بها أنصار سيّد الشهداء "صلواتُ الله عليه" هي انفعالُهم بالجَمال الحُسيني..
أصحاب الحُسين اندّكوا في الحُسين، و مِن هُنا كانتْ لهم هذه المنزلة..
لتوضيح المعنى:
مثلاً شخصية (سلمان الفارسي).. روايات أهل البيت "صلواتُ الله عليهم" تُخبرنا و تقول أنّ سلمان بلغَ مِن المَنزلة الرفيعة إلى الحدّ الذي قال فيه أهل البيت "صلواتُ الله عليهم":
(أنّ مَن عَرَفهُ كان مُؤمناً و مَن أنكرهُ كان كافراً)

هذهِ المَنزلة الرفيعة لم تتأتّى لسلمان مِن جهة أنّه سلمان،
و إنّما مِن جهة اندكاك سلمان في أهل البيت "صلواتُ الله عليهم" كانتْ لهُ هذهِ المنزلة،
يعني أنّ سلمان مِن دُون اندكاكهِ في أهل البيت هُـو ليس مِيزاناً للإيمان و الكُفر..
و إنّما أصبحَ مِيزاناً بعد إلتصاقهِ العَميق و إندكاكهِ وفنائه في فناء أهل بيت العِصمة "صلواتُ الله عليهم".

و كذلك الحال معَ أنصار سيّد الشهداء "صلوات الله عليه"،
فهم بلغوا ما بلغوا مِن الدرجات و المراتب بسبب اندكاكهم وفنائهم في فناء الحُسين "صلواتُ الله عليه"..
و مِن هنا نحنُ نقرأ في زيارة عاشوراء (فأسألُ الله الذي أكرمني بمَعرفتكم و معرفة أوليائكم)

صارتْ معرفةُ أولياء أهل البيت كرامة مِن جِهة أنّهم اندكّوا وفنوا في فناء آل محمّد "صلواتُ الله عليهم"، فمَنَحهُم أهل البيت هذهِ المنزلة،
وأصحابَ الحُسين "عليهم السلام" مِن الذين تنطبقُ عليهم هذهِ الصفة.

ما المقصود من هذه العبارة في زيارة الناحية المقدّسة:
(بَرزنَ مِن الخُدور، ناشراتِ الشُعورِ على الخُدود، لاطماتِ الوجوه، سافرات..)
• هل نساءُ المُخيّم الحُسيني خرجنَ مِن الخيام إلى مصرع الحُسين مِن دون حِجاب..؟! (إشكالٌ .. ورد)

❂ نقرأ في زيارة الناحيّة المُقدّسة الواردة عن إمام زماننا "صلواتُ الله عليه" في زيارة جدّه الحُسين، و التي تتحدّث عن وقائع يوم عاشوراء.. نقرأ فيها هذه العبارات:
(فلمّا رأينَ النِساء جَوادكَ مَخزيّا، و نَظرنَ سَرجكَ عَليه مَلويّا، بَرزنَ مِن الخُدور، ناشراتِ الشُعورِ على الخُدود، لاطماتِ الوجوه، سافرات، و بالعويل داعيات، و بعد العِزّ مُذلّلات، و إلى مَصْرعكَ مُبادرات..)
👆
▪︎هُناكَ في الوسط الشِيعي مَن يُثيرون إشكالات على هَذا المَقطع مِن زيارة الناحيّة المُقدّسة.. فيقولون: هل يُعقل أنّ نساء سيّد الشُهداء العَلَويّات الفاطميّات بَرزنَ  مِن الخِيام سافراتٍ بلا حجاب..؟!
فيقولون أنّ هذا الأمر لا يُمكن أن يُتصوَّر..
و على هذا الأساس يُشكّكون في زيارة الناحيّة المُقدّسة بكلّها.. لعدم فَهْمهم لِهذا المَقطع مِن الزيارة..

✱ و للإجابة عن هذا التساؤل.. نقول:
أولاً.. إذا دَقّقنا في العِبارات الشريفة التي هي مَحلّ الإشكال في الزيارة..
نجد أنّ الشيعة أساساً يَقرءُون هذهِ العِبارات بشكلٍ خاطىء..
فيقرءُون الجُمل الواردة في هذا المقطع مِن الزيارة كالتالي:
• بَرزنَ مِن الخُدور.
• ناشرات الشعور.
• على الخُدود، لاطماتِ.
• الوجوه سافرات!
و هذهِ القراءة قِراءة خاطئة..
لأنّ هذهِ الجُملة (الوجوه سافرات) تَركيبُها الّلغوي خاطىء و غير سليم..
فلابُدّ أن نُصحّح أولاً قراءتنا لِعبارات هذا المقطع مِن زيارة الناحيّة المُقدّسة، حَتّى نفهمَ المعنى بشكلٍ صحيح..
و القراءة الصحيحة لِجُمل هذا المَقطع مِن زيارة الناحيّة هي كالتالي:
• بَرزنَ مِن الخُدور
• ناشراتِ الشُعور على الخُدود.
• لاطماتِ الوجوه.
• سافرات.
هذهِ هي القراءة الصحيحة لعبارات هذا المقطع مِن الزيارة .. و لاحظوا الفارق في المعاني الآن.

وقفة توضيح للمعاني:
✦ قول الزيارة (برزنَ مِن الخُدور) البروز مِن الخُدور هُو خُروج المَرأة مِن الخَيمة، و هذا لا عَيبَ فيه..
فيُمكن أن تَخرجَ المرأةُ مِن الخَيمة و هي بحِجابها.

✦ أمّا عبارة (ناشراتُ الشُعور على الخُدود) و هي القِراءة الصَحيحة..
فلا يُوجد في هذا التعبير أيّ دلالة على أنّ الشُعور هُنا مَرئية للأجانب؛ لأنّ المَرأة العَربية في حُزنها تَفتحُ جَدائلها، فَإذا فَتحتْ جَدائلها سيكونُ شَعْرُها حِينئذٍ ليس مُنتَظَماً و ليس مُرجَّلاً و مُمشّطاً و هي في حالة حُزن..
و لِذا ستكون خُصَلٌ مِن شَعرها على وجهها.
فهذهِ العِبارة لا يُوجد فيها دلالة على أنّ الشَعْر المنشور على الخُدود هُنا مرئيٌ للأجانب.

✦ أمّا عبارة (لاطِماتِ الوجوه) فالّلطم في الّلغة يكونُ على الوجه، على الخُدود..
أمّا ضَرْب الصَدر فيُسمّى الّلدم.
و الّلطمُ على الخُدود لا يكون إلّا بكشف القِناع عن الوجه..
و لهذا قالتْ الزيارة بعد عبارة "لاطمات الوجوه" قالت بعدها: "سافرات"..
لأنّ مَعنى "السافرة" في الّلغة ليست هي التي مِن دُون حِجاب..
(السافرة) في الّلغة هي التي تخرجُ مِن بيتها، أو هي التي تَرفعُ القِناع و النقاب عن وجهها.
[راجعوا لسان العرب لابن منظور- المجلد 7،8.. ستجدون هذا المعنى: سَفرتْ المرأةُ نِقابها: أي رَفعتْ القِناع عن وجهها..]
فمعنى سافرة: أي رفعتْ المَقنعة أو النقاب عن وجهها.
و نساءُ الحُسين حِين رأينَ جواد الحُسين بتلك الحَال،، أردنَ أن يَلطمْنَ وُجوههُنَّ.. فكيف يلطمن وجوههن؟!
لابُدّ أن يَرفعنَ المَقنعة عن وُجوههنّ حتّى يَلطِمن وُجوههن.. يَعني رفعنَ المَقانع مِن الوجه حتّى يلطِمن وُجوههُن.. (هذا هو معنى سافرات)
فلا يُوجد هُنا خُروجٌ أمامَ الأعداء مِن دُون حِجاب.

❖ و لو فرضنا (جَدَلاً).. أنّ مَعنى هَذهِ العِبارات (ناشراتِ الشُعورِ على الخُدود لاطماتِ الوجوه سافرات...) هي أنّ نساءَ الحُسين خَرجنَ إلى المعركة مِن دون حِجاب..
و هُو معنىً غير صحيح ..
و لكن، لو فَرضنا أنّهُ صحيح.. فهُنا نقول:

إذا أردنا أن نَدرسَ التفاصيل التي حدثتْ في ذلكَ الوقت بعد ذَبْح #سيّد_الشهداء..
أو في لحظة ذبحهِ..
فسنجد أنّ الأجواء في ذلكَ الوقت كانتْ مُضطربة إلى أبعد الحُدود..
فهذه كُتب المَقاتل تَتحدّث عن عاصفة حَمراء هَبَّتْ، و عن ظلامٍ عَمّ المَنطقة عند ذَبح الحسين و انكسافٍ للشمس..
و أنّ القوم خَافوا ممّا رأوا و فرّوا على وجوههم، و هناك مَن سَمِعَ منادي ينادي مِن السماء..
و تفاصيل أخرى ذكرت.
ألا تَجعل هذهِ التفاصيل الناس في حَالةِ ذهول، بحيث أنّ نساء المخيّم الحسيني لو خَرجنَ بهذه الصُورة فلا يُوجد هُناك مَن يلتفتْ إلى هَذا الموضوع أصلاً أو يُبالي به نتيجة الاضطراب التكويني الذي حصل في الوجود..؟!