#بلال_الطيب
يَصعب الإلمام بتفاصيل حياة الشيخ محمد علي عثمان الطفولية، وهل تعكر صفو تلك الحياة البريئة بصراعات والده وعمه (عبدالله) مع الإمام يحيى، وهل عاش مُعاناتهما في مناطق نزوحهما الإجباري (ميدي، وميون، والحجاز)؛ ولهذه الاعتبارات سنتجاوز تلك المرحلة وصولًا إلى مَرحلة ما بعد بلوغه سن العشرين (مرحلة الشباب)، والتي تزامنت مع عودة والده وعمه من الحجاز (تقريبًا سنة 1930م).
هناك من يقول أنَّ الإمام يحيى أخذه كرهينة، وأمر باحتجازه في قلعة القاهرة، وقيل في صنعاء، ولا نستبعد هذا القول، مع احتمال أنَّ هذا الأمر تم قبل عملية النزوح السابق ذكرها؛ لأنَّ والده ألزم بعد عودته من الحجاز بالمكوث في العاصمة صنعاء، وموضوع أخذه في هذه الحالة كرهينة أمر مفروغ منه.
وما هو مُؤكد، أنَّ الشيخ عثمان ظل بعد عودة والده من الحجاز مُتنقلًا بين مدينتي تعز وصنعاء، مُتلقيًا عُلومه الأولية على يد العلامة القاضي يحيى بن محمد الإرياني، ومحمد حورية، ويحيى شيبان، مُكتسبًا مهارة اتقان اللغة الانجليزية بشكل ذاتي، وما أنْ بدأت قدراته المعرفية والإدارية بالظهور، حتى تم نقله إلى ميدان العمل الوظيفي.
تنقل الشيخ عثمان في عددٍ من الوظائف الحكومية، صحيح أنَّه لا يُوجد تاريخ مُحدد لشغله تلك الوظائف، إلا أنَّ هناك إشارات مُرتبطة بتاريخ البلد وحياته الأسرية (أماكن ميلاد أولاده مثلًا) تجعلنا نضع تلك الفترات على وجه التقريب، ولو تتبعنا خيوط الجزئية الأولى مثلًا، لوجدنا أنَّه كان يعمل في العام 1934م مُساعدًا لمدير مالية المخا، ففي هذا العام رست في ميناء تلك المدينة بارجة حربية عليها عدد من الجنود الإيطاليين، تَذرع قائدها أنَّه جاء لحماية رعايا دولته من سطو القبائل، وما أنْ تأزم الموقف، حتى استنجد الشيخ عثمان بالقبائل المحيطة، وأبلغ ذلك القائد بأنَّ الثوار سيقتلون أي جندي ينزل من السفينة، وأجبر بتصرفه ذاك القوات الغازية على المُغادرة.
- فقرات من دراسة مطولة عن حياة الشيخ محمد علي عثمان
- الصورة المرفقة للشيخ محمد علي عثمان واقفا جوار الشيخ شكري زيوار، وهي كما أفاد المصدر - الذي لم يحدد هوية أصحابها - التقطها هنري دي مونفريد على ظهر السفينة المسترية، عام 1934م.
يَصعب الإلمام بتفاصيل حياة الشيخ محمد علي عثمان الطفولية، وهل تعكر صفو تلك الحياة البريئة بصراعات والده وعمه (عبدالله) مع الإمام يحيى، وهل عاش مُعاناتهما في مناطق نزوحهما الإجباري (ميدي، وميون، والحجاز)؛ ولهذه الاعتبارات سنتجاوز تلك المرحلة وصولًا إلى مَرحلة ما بعد بلوغه سن العشرين (مرحلة الشباب)، والتي تزامنت مع عودة والده وعمه من الحجاز (تقريبًا سنة 1930م).
هناك من يقول أنَّ الإمام يحيى أخذه كرهينة، وأمر باحتجازه في قلعة القاهرة، وقيل في صنعاء، ولا نستبعد هذا القول، مع احتمال أنَّ هذا الأمر تم قبل عملية النزوح السابق ذكرها؛ لأنَّ والده ألزم بعد عودته من الحجاز بالمكوث في العاصمة صنعاء، وموضوع أخذه في هذه الحالة كرهينة أمر مفروغ منه.
وما هو مُؤكد، أنَّ الشيخ عثمان ظل بعد عودة والده من الحجاز مُتنقلًا بين مدينتي تعز وصنعاء، مُتلقيًا عُلومه الأولية على يد العلامة القاضي يحيى بن محمد الإرياني، ومحمد حورية، ويحيى شيبان، مُكتسبًا مهارة اتقان اللغة الانجليزية بشكل ذاتي، وما أنْ بدأت قدراته المعرفية والإدارية بالظهور، حتى تم نقله إلى ميدان العمل الوظيفي.
تنقل الشيخ عثمان في عددٍ من الوظائف الحكومية، صحيح أنَّه لا يُوجد تاريخ مُحدد لشغله تلك الوظائف، إلا أنَّ هناك إشارات مُرتبطة بتاريخ البلد وحياته الأسرية (أماكن ميلاد أولاده مثلًا) تجعلنا نضع تلك الفترات على وجه التقريب، ولو تتبعنا خيوط الجزئية الأولى مثلًا، لوجدنا أنَّه كان يعمل في العام 1934م مُساعدًا لمدير مالية المخا، ففي هذا العام رست في ميناء تلك المدينة بارجة حربية عليها عدد من الجنود الإيطاليين، تَذرع قائدها أنَّه جاء لحماية رعايا دولته من سطو القبائل، وما أنْ تأزم الموقف، حتى استنجد الشيخ عثمان بالقبائل المحيطة، وأبلغ ذلك القائد بأنَّ الثوار سيقتلون أي جندي ينزل من السفينة، وأجبر بتصرفه ذاك القوات الغازية على المُغادرة.
- فقرات من دراسة مطولة عن حياة الشيخ محمد علي عثمان
- الصورة المرفقة للشيخ محمد علي عثمان واقفا جوار الشيخ شكري زيوار، وهي كما أفاد المصدر - الذي لم يحدد هوية أصحابها - التقطها هنري دي مونفريد على ظهر السفينة المسترية، عام 1934م.
#بلال_الطيب
الشيخ الثائر #حميد بن حسين #الأحمر
دَاعية الجُمهورِية وقائد انتفاضة القبائل المنسية
بلال الطيب
لم تعد صُورة الإمام الطاغية أحمد يحيى حميد الدين بعد إخماده لحَركة مارس 1955م كما كانت، تَحول في نَظر كثير من المُفتونين به من بَطل أسطوري إلى سَفاح سادي؛ وعَصفت به - تبعًا لذلك - الأمراض النفسية، والجسدية، وقام بعد أنْ حَسَّنَ عَلاقته بالرئيس المصري جمال عبدالناصر، وبعد أنْ هادن الإنجليز في الجنوب، بالتوجه إلى روما للعلاج.
تمردات عسكرية
ما أنْ غَادر الإمام أحمد مدينة تعز، ومعه حاشيته، وحشد كبير من الرهائن 16 أبريل 1959م، حتى شَهدت مُدن البيضاء، ثم صنعاء، ثم تعز، ثم الحديدة، تمردات عسكرية قام بها عددٌ من أفراد الجيش النظامي، حيث قاموا بإحراق ومُحاصرة مَنازل بعض المسؤولين الإماميين، وكان للأمير الحسن بن الإمام يحيى المُبعد حينها في نيويورك، والغاضب من حرمانه من ولاية العهد يد في ذلك، وبتوصيف أدق في بعض تلك الحوادث.
ففي مدينة البيضاء خرج الجنود عن طاعة حاكم اللواء مايو 1959م؛ بسبب عجز الأخير عن دفع مُرتباتهم، وقاموا بإطلاق النار على مَباني الحكومة، وأشاعوا الفوضى في المدينة الصغيرة؛ الأمر الذي جعل الأمير محمد البدر يتدخل، ويُسارع باعتقال ذلك النائب، ويُرسل للجنود المُتمردين مَبلغًا من المال، كحل مُؤقت.
وفي مدينة صنعاء، التهمت الحرائق مَخازن الحبوب في العُرضي 18 مايو 1959، فَسارع ضباط الجيش بتوجيه الاتهام للقاضي يحيى بن أحمد بن حسين العمري، الغاضب لحظة ذاك من قرار عَزله من عَمالة تلك المدينة، والذي أراد - حسب اعتقادهم - إثبات فشلهم وفشل خَلفه (قاسم بن إبراهيم)؛ فقاموا من فَورهم بإحراق مَنزله ومنزلين لـمَسؤولين آخرين، وبالتجائه إلى الحدا، قام أفراد من تلك القبيلة المذحجية - بتحشيد منه - باحتلال مَرافق حكومية في مدينة زراجة، الأمر الذي زاد الطين بلة.
سارع الأمير محمد البدر بِحظر التجوال في مدينة صنعاء، واعتقال عددٍ من الضباط والجنود، وإعلان بعض الإصلاحات، وتعيين القاضي محمد حسين العمري عُضوًا في المجلس النيابي الذي استحدثه حينها، إرضاءً للأسرة الغاضبة.
وبعد أيام مَعدودة من حَادثة حرق منازل المسؤولين في مدينة صنعاء، أراد جنود غاضبين في مدينة تعز، تحت قيادة الملازم شرف حسين المروني (أعدمه الإمام أحمد بعد عودته من روما، بعد أن قطع يده ورجله) اقتحام منزل القاضي أحمد محسن الجبري بالقوة 12 يونيو 1959م، والقبض على أخيه القاضي علي الذي تشاجر صبيحة ذلك اليوم مع أحد الجنود، وذلك بعد أنْ اتهمه الأخير بإجازة زواج زوجته من شخص آخر، قبل أنْ يُطلقها! وقد أسفرت تلك المُواجهات عن قتل ستة جنود، وقتل القاضي أحمد بعد أنْ أعلن استسلامه، وقتل أخيه علي المُتسبب بتلك المُشكلة.
وبما أنَّ الأخوين القتيلين ينتميان لخولان البكيلية، المُوالية للأمير الحسن، فقد تَداعى أبناء تلك القبيلة للثأر، وطالبوا الأمير محمد البدر بتسريح الجيش، ووعدوا بدعمه بـ 10,000 مُقاتل، إنْ هو فعل. عمل الأخير على إرضائهم، وأعطاهم - بعد أنْ توافدوا إلى مقر إقامته في مدينة صنعاء - الكثير من الأموال 25 يونيو 1959م.
وحين بدأ خوف الأمير محمد البدر يَزداد من بعض فصائل الجيش المُتمردة، ومن القبائل الوافدة، والمُناصرة لعمه الحسن، وشَعر أنَّ الموقف سيخرج عن سيطرته؛ راسل عددًا من مشايخ حاشد المواليين له، وعلى رأسهم الشيخ الشاب حميد بن حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر، طالبًا حضورهم ورعاياهم لنصرته، ولخلق تَوازن قبلي داخل المدينة المُهددة. وبالفعل تَوافد الأخيرون، وقد قدرتهم إحدى الإحصائيات وأقرانهم البكيليون - إجمالًا - بحوالي 20,000 مُقاتل. استغلوا جميعهم ضُعفه الشديد، وطالبوه بالمزيد من الأموال، وأجبروه بعد أنْ استنفدوا خزينته على الاستدانة من التجار؛ الأمر الذي أضعفه أكثر، وولَّد أحداثًا ثورية سنستعرضها اختزالًا في السطور الآتية.
قيل بأنَّ المجاميع القبلية التي توافدت لنصرة الأمير محمد البدر، رددت وهي في ذروة حماسها، وأثناء دخولها مدينة صنعاء، هذا الزامل:
ســـلام يــــا حاشد ويا صُبة بكيل
مــن بعــد هـــذا تسمعون أخبارها
إمامنا النـاصر ومن بعــــده حميد
سبـــحان مــــن رد العوايد لأهلها
وقيل - أيضًا - بأنَّ هذا الزامل من كلمات الشيخ ناجي بن علي الغادر. وقيل إنَّه من إنشاء بعض أنصار الأمير الحسن ليوقعوا بالشيخ حميد بن حسين الأحمر، ويوغروا صدر الإمام أحمد عليه. وما هو مؤكد أنَّ الشيخ حميد تواصل أثناء مكوثه في مدينة صنعاء مع عدد من المشايخ والأعيان، وقام - بالفعل - بإقناعهم بِضرورة التغيير، واستغلال غياب الإمام أحمد لهذا الغرض.
لكي يحكم الشعب
الشيخ الثائر #حميد بن حسين #الأحمر
دَاعية الجُمهورِية وقائد انتفاضة القبائل المنسية
بلال الطيب
لم تعد صُورة الإمام الطاغية أحمد يحيى حميد الدين بعد إخماده لحَركة مارس 1955م كما كانت، تَحول في نَظر كثير من المُفتونين به من بَطل أسطوري إلى سَفاح سادي؛ وعَصفت به - تبعًا لذلك - الأمراض النفسية، والجسدية، وقام بعد أنْ حَسَّنَ عَلاقته بالرئيس المصري جمال عبدالناصر، وبعد أنْ هادن الإنجليز في الجنوب، بالتوجه إلى روما للعلاج.
تمردات عسكرية
ما أنْ غَادر الإمام أحمد مدينة تعز، ومعه حاشيته، وحشد كبير من الرهائن 16 أبريل 1959م، حتى شَهدت مُدن البيضاء، ثم صنعاء، ثم تعز، ثم الحديدة، تمردات عسكرية قام بها عددٌ من أفراد الجيش النظامي، حيث قاموا بإحراق ومُحاصرة مَنازل بعض المسؤولين الإماميين، وكان للأمير الحسن بن الإمام يحيى المُبعد حينها في نيويورك، والغاضب من حرمانه من ولاية العهد يد في ذلك، وبتوصيف أدق في بعض تلك الحوادث.
ففي مدينة البيضاء خرج الجنود عن طاعة حاكم اللواء مايو 1959م؛ بسبب عجز الأخير عن دفع مُرتباتهم، وقاموا بإطلاق النار على مَباني الحكومة، وأشاعوا الفوضى في المدينة الصغيرة؛ الأمر الذي جعل الأمير محمد البدر يتدخل، ويُسارع باعتقال ذلك النائب، ويُرسل للجنود المُتمردين مَبلغًا من المال، كحل مُؤقت.
وفي مدينة صنعاء، التهمت الحرائق مَخازن الحبوب في العُرضي 18 مايو 1959، فَسارع ضباط الجيش بتوجيه الاتهام للقاضي يحيى بن أحمد بن حسين العمري، الغاضب لحظة ذاك من قرار عَزله من عَمالة تلك المدينة، والذي أراد - حسب اعتقادهم - إثبات فشلهم وفشل خَلفه (قاسم بن إبراهيم)؛ فقاموا من فَورهم بإحراق مَنزله ومنزلين لـمَسؤولين آخرين، وبالتجائه إلى الحدا، قام أفراد من تلك القبيلة المذحجية - بتحشيد منه - باحتلال مَرافق حكومية في مدينة زراجة، الأمر الذي زاد الطين بلة.
سارع الأمير محمد البدر بِحظر التجوال في مدينة صنعاء، واعتقال عددٍ من الضباط والجنود، وإعلان بعض الإصلاحات، وتعيين القاضي محمد حسين العمري عُضوًا في المجلس النيابي الذي استحدثه حينها، إرضاءً للأسرة الغاضبة.
وبعد أيام مَعدودة من حَادثة حرق منازل المسؤولين في مدينة صنعاء، أراد جنود غاضبين في مدينة تعز، تحت قيادة الملازم شرف حسين المروني (أعدمه الإمام أحمد بعد عودته من روما، بعد أن قطع يده ورجله) اقتحام منزل القاضي أحمد محسن الجبري بالقوة 12 يونيو 1959م، والقبض على أخيه القاضي علي الذي تشاجر صبيحة ذلك اليوم مع أحد الجنود، وذلك بعد أنْ اتهمه الأخير بإجازة زواج زوجته من شخص آخر، قبل أنْ يُطلقها! وقد أسفرت تلك المُواجهات عن قتل ستة جنود، وقتل القاضي أحمد بعد أنْ أعلن استسلامه، وقتل أخيه علي المُتسبب بتلك المُشكلة.
وبما أنَّ الأخوين القتيلين ينتميان لخولان البكيلية، المُوالية للأمير الحسن، فقد تَداعى أبناء تلك القبيلة للثأر، وطالبوا الأمير محمد البدر بتسريح الجيش، ووعدوا بدعمه بـ 10,000 مُقاتل، إنْ هو فعل. عمل الأخير على إرضائهم، وأعطاهم - بعد أنْ توافدوا إلى مقر إقامته في مدينة صنعاء - الكثير من الأموال 25 يونيو 1959م.
وحين بدأ خوف الأمير محمد البدر يَزداد من بعض فصائل الجيش المُتمردة، ومن القبائل الوافدة، والمُناصرة لعمه الحسن، وشَعر أنَّ الموقف سيخرج عن سيطرته؛ راسل عددًا من مشايخ حاشد المواليين له، وعلى رأسهم الشيخ الشاب حميد بن حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر، طالبًا حضورهم ورعاياهم لنصرته، ولخلق تَوازن قبلي داخل المدينة المُهددة. وبالفعل تَوافد الأخيرون، وقد قدرتهم إحدى الإحصائيات وأقرانهم البكيليون - إجمالًا - بحوالي 20,000 مُقاتل. استغلوا جميعهم ضُعفه الشديد، وطالبوه بالمزيد من الأموال، وأجبروه بعد أنْ استنفدوا خزينته على الاستدانة من التجار؛ الأمر الذي أضعفه أكثر، وولَّد أحداثًا ثورية سنستعرضها اختزالًا في السطور الآتية.
قيل بأنَّ المجاميع القبلية التي توافدت لنصرة الأمير محمد البدر، رددت وهي في ذروة حماسها، وأثناء دخولها مدينة صنعاء، هذا الزامل:
ســـلام يــــا حاشد ويا صُبة بكيل
مــن بعــد هـــذا تسمعون أخبارها
إمامنا النـاصر ومن بعــــده حميد
سبـــحان مــــن رد العوايد لأهلها
وقيل - أيضًا - بأنَّ هذا الزامل من كلمات الشيخ ناجي بن علي الغادر. وقيل إنَّه من إنشاء بعض أنصار الأمير الحسن ليوقعوا بالشيخ حميد بن حسين الأحمر، ويوغروا صدر الإمام أحمد عليه. وما هو مؤكد أنَّ الشيخ حميد تواصل أثناء مكوثه في مدينة صنعاء مع عدد من المشايخ والأعيان، وقام - بالفعل - بإقناعهم بِضرورة التغيير، واستغلال غياب الإمام أحمد لهذا الغرض.
لكي يحكم الشعب
#بلال_الطيب..
النضال من بوابة التاريخ
علي محمود #يامن
كتابة التاريخ فن يحتاج الى مهارة عالية، ومخيلة إبداعية محترفة، وأدوات معرفية وتحليلية متكاملة، قائمة على القراءة والتدبر، والغوص في التفاصيل، والجمع بين متعة القراءة، ولذة الكتابة، واستلهام الدروس، واستخلاص التجارب، والإحاطة بالمعطيات، والخروج بأفضل النتائج.
وهو ما يجيد السباحة في بحره العميق واحد من أفضل كتاب التاريخ اليمنيين المعاصرين، الشاب النبيل، المثقف الاكثر وعيا، الكاتب البديع، والمؤرخ المتمكن، بلال محمود الطيب.
يتميز المؤرخ بلال الطيب في سرده للتاريخ بالجمع الأنيق بين القراءة الممتعة، والتحليل العميق، والسرد الزمني المترابط، وتماسك المادة التاريخية من حيث وحدة الموضوع، وحضور المعلومة، والإحاطة بجو النص، وملابسات الحدث، ومعطيات اللحظة الزمنية. كل ذلك بسرد شيق يأسر لب المتلقي، ويحقق الأهداف السامية لعلم التاريخ كمحفز قوي ومدهش للروح الوطنية الإيجابية، وباعث أصيل لروح النضال، وتنمية الوعي بالذات اليمنية الحضارية الأصيلة، والتراث الوطني الزاخر.
هذا البلال يملك لغة عميقة سهلة ومعبرة وآسرة، تندرج تحت قاعدة السهل الممتنع. هو في الحقيقة مدرسة متفردة في فهم وقراءة واستيعاب التاريخ، يربط الأحداث، ويقرأ الحاضر، ويستشرف المستقبل، هدفه واضح، وبوصلته ثابته نحو كرامة وعزة اليمن.
نتفق أو نختلف في القضايا السياسية، أو الرؤى الفلسفية والاجتماعية مع بلال الطيب، وتلك سنة الله عز وجل في خلق البشر، القائمة على الاختلاف والتنوع، إلا أنَّ بلال المؤرخ هو بحق عملاق المؤرخين الشباب.
هذا الفتى لم أتشرف باللقاء به، إلا أنني وأنا أقرأ كتاباته التاريخية أجد فيه عظمة اليمن، وتميز تعز الولادة، تلك الجغرافيا الأثيرة على قلوب كل أحرار الوطن، تدهشنا وهي تنجب العمالقة بسلاسة واقتدار في كل فنون الحياة، وكل مجالات النضال.
ينظم بلال بجدارة إلى عمالقة اليمن الآتين من درة مدائن الارض، وزهرة بلاد الدنيا، تعز الحرية والإبداع، صاحبة الأيقونات الوطنية، والرجال العظماء، الولادة للفضول، وأيوب، وعبدالرقيب، وبلال الطيب، وغيرهم كثير.
قراءة التاريخ بعقل هذا الفتى العملاق تجسد الحقيقة التاريخية بمحدداتها السياسية، والاجتماعية، والثقافية، وبمعطيات الزمان، ومدلولات المكان، فيعيش المتلقي في جو النص، وفي قلب الحدث، وفي سياق الواقع، وفق سردية سلسلة وجذابة ومترابطة، وبتحليل أكثر عمقا، وبفلسفة وطنية الرؤية، يمنية الانتماء.
يقدم بلال الطيب المادة التاريخ وفقا للمحددات الاتية:
أولاً: الإيمان العميق بهذا الفن، والحب الصادق للتاريخ، كعلم وفن ومعرفة، وخلاصة للتجربة الإنسانية بكل أبعادها ومنظوراتها، وزوايا النظر والتعاطي معها، كموروث إنساني مشترك بين بني البشر.
ثانيا: يملك أدوات ومهارات عالية لتناول أحداث التاريخ، وفق منهجية علمية متميزة، في السرد وربط الأحداث، وجمع شتات الصورة، للوصول الى الصورة الكاملة.
ثالثا: يقدم التاريخ كحالة نضالية متصلة المنهج، والأهداف، والقيم، ضمن منظومة نضالية تاريخية تتسلم الاجيال فيها راية النضال الوطني، بمتوالية متكاملة الأدوات والأهداف، بروح وطنية خالصة.
رابعا: يعتمد هذا المؤرخ على مصادر علمية وتاريخية متعددة، كقارئ نهم، وفاحص دقيق الملاحظة، يملك عدسة دقيقة لتميز الأحداث، وإخراج اقرب الصور للحقيقة.
خامسا: يملك قلم شيق ومحترف في تقديم الحقيقة التاريخية، والحدث المواكب لها، بصورة أدبية رائعة، ومنطق بليغ، وكلمة معبرة، تشد القارئ، وتمتع السامع، وتقدم وجبة معرفية وأدبية بالغة الجمال، وغزيرة المعرفة.
سادسا: يقدم قراءة تحليلية للأحداث التاريخية، بترابط وعمق وإحاطة، وروح وطنية تستلهم قراءة الحدث بمعطياته وبيئته الزمانية والمكانية.
سابعا: متخصص متقن وكامل المعرفة بتاريخ الإمامة ومخاطرها، وكوارثها التدميرية على اليمن، وأجيالها، والجرائم الإنسانية والتاريخية على اليمن وحضارته وتراثه.
سابعا: يتناول أحداث الثورة اليمنية السبتمبرية الخالدة والأكتوبرية المجيدة بروح وطنية ورؤية تفصيلية عميقة، وفقا لواحدية الثورة النضالية، واتحاد الأهداف الوطنية، والمنهج الثوري الصحيح.
يخوض بلال معارك الوطن الفاصلة، ويناضل في سبيل القضية الوطنية، ويحارب عن اليمن في أحد أهم ميادين وساحات المعارك الأكثر تاثيرا في وعي وإدراك نخبة النضال، إنها معركة استدعاء التاريخ لتحقيق نصر الحاضر، وحماية المستقبل، وتحصين الوطن في واحدة من أهم وأقدس ميادينه، ومحددات انتمائه، وهويته، وإرثه الحضاري، ومكونات شخصيته الوطنية التاريخية.
تستحق كتابات بلال الطيب أنْ تُدرس في مؤسسات التعليم، ومناهج التنشئة السياسية والاجتماعية للأحزاب، والمنظمات، والمؤسسات، ويستشهد بها من على منابر الخطابة، ودروس الوعظ.
النضال من بوابة التاريخ
علي محمود #يامن
كتابة التاريخ فن يحتاج الى مهارة عالية، ومخيلة إبداعية محترفة، وأدوات معرفية وتحليلية متكاملة، قائمة على القراءة والتدبر، والغوص في التفاصيل، والجمع بين متعة القراءة، ولذة الكتابة، واستلهام الدروس، واستخلاص التجارب، والإحاطة بالمعطيات، والخروج بأفضل النتائج.
وهو ما يجيد السباحة في بحره العميق واحد من أفضل كتاب التاريخ اليمنيين المعاصرين، الشاب النبيل، المثقف الاكثر وعيا، الكاتب البديع، والمؤرخ المتمكن، بلال محمود الطيب.
يتميز المؤرخ بلال الطيب في سرده للتاريخ بالجمع الأنيق بين القراءة الممتعة، والتحليل العميق، والسرد الزمني المترابط، وتماسك المادة التاريخية من حيث وحدة الموضوع، وحضور المعلومة، والإحاطة بجو النص، وملابسات الحدث، ومعطيات اللحظة الزمنية. كل ذلك بسرد شيق يأسر لب المتلقي، ويحقق الأهداف السامية لعلم التاريخ كمحفز قوي ومدهش للروح الوطنية الإيجابية، وباعث أصيل لروح النضال، وتنمية الوعي بالذات اليمنية الحضارية الأصيلة، والتراث الوطني الزاخر.
هذا البلال يملك لغة عميقة سهلة ومعبرة وآسرة، تندرج تحت قاعدة السهل الممتنع. هو في الحقيقة مدرسة متفردة في فهم وقراءة واستيعاب التاريخ، يربط الأحداث، ويقرأ الحاضر، ويستشرف المستقبل، هدفه واضح، وبوصلته ثابته نحو كرامة وعزة اليمن.
نتفق أو نختلف في القضايا السياسية، أو الرؤى الفلسفية والاجتماعية مع بلال الطيب، وتلك سنة الله عز وجل في خلق البشر، القائمة على الاختلاف والتنوع، إلا أنَّ بلال المؤرخ هو بحق عملاق المؤرخين الشباب.
هذا الفتى لم أتشرف باللقاء به، إلا أنني وأنا أقرأ كتاباته التاريخية أجد فيه عظمة اليمن، وتميز تعز الولادة، تلك الجغرافيا الأثيرة على قلوب كل أحرار الوطن، تدهشنا وهي تنجب العمالقة بسلاسة واقتدار في كل فنون الحياة، وكل مجالات النضال.
ينظم بلال بجدارة إلى عمالقة اليمن الآتين من درة مدائن الارض، وزهرة بلاد الدنيا، تعز الحرية والإبداع، صاحبة الأيقونات الوطنية، والرجال العظماء، الولادة للفضول، وأيوب، وعبدالرقيب، وبلال الطيب، وغيرهم كثير.
قراءة التاريخ بعقل هذا الفتى العملاق تجسد الحقيقة التاريخية بمحدداتها السياسية، والاجتماعية، والثقافية، وبمعطيات الزمان، ومدلولات المكان، فيعيش المتلقي في جو النص، وفي قلب الحدث، وفي سياق الواقع، وفق سردية سلسلة وجذابة ومترابطة، وبتحليل أكثر عمقا، وبفلسفة وطنية الرؤية، يمنية الانتماء.
يقدم بلال الطيب المادة التاريخ وفقا للمحددات الاتية:
أولاً: الإيمان العميق بهذا الفن، والحب الصادق للتاريخ، كعلم وفن ومعرفة، وخلاصة للتجربة الإنسانية بكل أبعادها ومنظوراتها، وزوايا النظر والتعاطي معها، كموروث إنساني مشترك بين بني البشر.
ثانيا: يملك أدوات ومهارات عالية لتناول أحداث التاريخ، وفق منهجية علمية متميزة، في السرد وربط الأحداث، وجمع شتات الصورة، للوصول الى الصورة الكاملة.
ثالثا: يقدم التاريخ كحالة نضالية متصلة المنهج، والأهداف، والقيم، ضمن منظومة نضالية تاريخية تتسلم الاجيال فيها راية النضال الوطني، بمتوالية متكاملة الأدوات والأهداف، بروح وطنية خالصة.
رابعا: يعتمد هذا المؤرخ على مصادر علمية وتاريخية متعددة، كقارئ نهم، وفاحص دقيق الملاحظة، يملك عدسة دقيقة لتميز الأحداث، وإخراج اقرب الصور للحقيقة.
خامسا: يملك قلم شيق ومحترف في تقديم الحقيقة التاريخية، والحدث المواكب لها، بصورة أدبية رائعة، ومنطق بليغ، وكلمة معبرة، تشد القارئ، وتمتع السامع، وتقدم وجبة معرفية وأدبية بالغة الجمال، وغزيرة المعرفة.
سادسا: يقدم قراءة تحليلية للأحداث التاريخية، بترابط وعمق وإحاطة، وروح وطنية تستلهم قراءة الحدث بمعطياته وبيئته الزمانية والمكانية.
سابعا: متخصص متقن وكامل المعرفة بتاريخ الإمامة ومخاطرها، وكوارثها التدميرية على اليمن، وأجيالها، والجرائم الإنسانية والتاريخية على اليمن وحضارته وتراثه.
سابعا: يتناول أحداث الثورة اليمنية السبتمبرية الخالدة والأكتوبرية المجيدة بروح وطنية ورؤية تفصيلية عميقة، وفقا لواحدية الثورة النضالية، واتحاد الأهداف الوطنية، والمنهج الثوري الصحيح.
يخوض بلال معارك الوطن الفاصلة، ويناضل في سبيل القضية الوطنية، ويحارب عن اليمن في أحد أهم ميادين وساحات المعارك الأكثر تاثيرا في وعي وإدراك نخبة النضال، إنها معركة استدعاء التاريخ لتحقيق نصر الحاضر، وحماية المستقبل، وتحصين الوطن في واحدة من أهم وأقدس ميادينه، ومحددات انتمائه، وهويته، وإرثه الحضاري، ومكونات شخصيته الوطنية التاريخية.
تستحق كتابات بلال الطيب أنْ تُدرس في مؤسسات التعليم، ومناهج التنشئة السياسية والاجتماعية للأحزاب، والمنظمات، والمؤسسات، ويستشهد بها من على منابر الخطابة، ودروس الوعظ.
مُقَابل ذَلِك أَمْوَالًا فَلَا تحصل لَهُم وَهَذَا ايضا دَلِيل آخر على توفيقه وَمن مآثره الْبَاقِيَة فِي #عدن الْمِنْبَر الْمَنْصُوب فِي جَامعهَا واسْمه مَكْتُوب عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْبَر لَهُ حلاوة فِي النَّفس وطلاوة فِي الْعين وَتُوفِّي #عمرَان عَن ثَلَاثَة أَوْلَاد هم مُحَمَّد وابو السُّعُود وَمَنْصُور كلهم صغَار فِي كَفَالَة الاستاذ ابي الدّرّ #المعظمي فِي حصن #الدملوة والقائم ب #عدن وَالْمُدبر لأمر الْبِلَاد الشَّيْخ #يَاسر بن بِلَال الَّذِي تقدم ذكره فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى قدم السُّلْطَان شمس الدولة #توران_شاه بن #ايوب وَاسْتولى على #عدن وهرب يَاسر الى حصن #الدملوة وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِيهِ وَقد قدمت مَا كَانَ فِيهِ
وَكَانَ انقضا دولة #آل_زُرَيْع من #عدن وَغَيرهَا بِحَيْثُ لم يبْق الا #الدملوة بيد ابي الدّرّ حَتَّى بَاعهَا من سيف الاسلام كَمَا قدمنَا لبضع وَسبعين وَخَمْسمِائة
ثمَّ لم يبْق الا اعيان دولتهم اولهم الشَّيْخ السعيد #بِلَال الْمُقدم ذكره وَإِن وَفَاته سنة سِتّ اَوْ سبع واربعين وَخَمْسمِائة
وَهُوَ الَّذِي انشأ الأديب العندي كَمَا قدمت ذَلِك مَعَ ذكره ثمَّ اسْتخْلف السُّلْطَان مُحَمَّد بن سبأ بعد أَبِيه $مدافع ثمَّ أَخُوهُ ابو الْفرج يَاسر بن بِلَال فاقام مَعَه ثمَّ مَعَ وَلَده وَكَانَ رجلا كَبِير الْقدر شهير الذّكر ممدحا يثيب المادحين وَلَا يخيب القاصدين وَقد ذكر #عمَارَة فِي اخبار الشُّعَرَاء نبذة من أخباره وَله الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بعدن بِمَسْجِد #ابْن_الْبَصْرِيّ اذ كَانَ يعاني الْقيام بِهِ ثمَّ انه خرج من #الدملوة وَدخل #ذَا_عدينة #تعز متنكرا وَمَعَهُ مَمْلُوكه مِفْتَاح الملقب بالسداسي فَحصل من همز عَلَيْهِ اهل الدولة فَقبض وَاعْلَم بِهِ شمس الدولة فَأمر بشنقه وشنق مَعَه مملوكه
900
وَكَانَ انقضا دولة #آل_زُرَيْع من #عدن وَغَيرهَا بِحَيْثُ لم يبْق الا #الدملوة بيد ابي الدّرّ حَتَّى بَاعهَا من سيف الاسلام كَمَا قدمنَا لبضع وَسبعين وَخَمْسمِائة
ثمَّ لم يبْق الا اعيان دولتهم اولهم الشَّيْخ السعيد #بِلَال الْمُقدم ذكره وَإِن وَفَاته سنة سِتّ اَوْ سبع واربعين وَخَمْسمِائة
وَهُوَ الَّذِي انشأ الأديب العندي كَمَا قدمت ذَلِك مَعَ ذكره ثمَّ اسْتخْلف السُّلْطَان مُحَمَّد بن سبأ بعد أَبِيه $مدافع ثمَّ أَخُوهُ ابو الْفرج يَاسر بن بِلَال فاقام مَعَه ثمَّ مَعَ وَلَده وَكَانَ رجلا كَبِير الْقدر شهير الذّكر ممدحا يثيب المادحين وَلَا يخيب القاصدين وَقد ذكر #عمَارَة فِي اخبار الشُّعَرَاء نبذة من أخباره وَله الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بعدن بِمَسْجِد #ابْن_الْبَصْرِيّ اذ كَانَ يعاني الْقيام بِهِ ثمَّ انه خرج من #الدملوة وَدخل #ذَا_عدينة #تعز متنكرا وَمَعَهُ مَمْلُوكه مِفْتَاح الملقب بالسداسي فَحصل من همز عَلَيْهِ اهل الدولة فَقبض وَاعْلَم بِهِ شمس الدولة فَأمر بشنقه وشنق مَعَه مملوكه
900
ومات غريبا
#بلال_الطيب
كان الأديب مُحمَّد عبدالولي قريبًا جدًا من الناس، قريبًا من أحوالهم، استعرض آمالهم بِشغف، واعتصر آلامهم بأسى، وغاص في مشاكلهم بعمق، وانتقد واقعهم بموضوعية، وعـرَّا مواطن ضعفهم بصدق، وفضح تخوفاتهم بحسرة، وحثهم على التغيير إلى الأفضل بقوة، ودعاهم إلى التمرد على وضعهم البائس، إلى خلق مُجتمع مُتجانس، إلى إيجاد وطن حقيقي حاضن للجميع.
وهو كما مدح الإنسان اليمني، فقد ذم في المـُقابل حياته، وهذا أحد بطلي قصة (شيء اسمه الحنين) قال وهو يُطل على جبال الحيمة: «المنازل عالية فوق القمم. الإنسان هنا نسر.. يُحلق عاليا، ولكنه يحيا حياة القاع».
وفي قصص (عمنا صالح، وذئب الحلة، والسيد ماجد، وليلة حزينة أخرى، وريحانة) حضر جانب إبداعي آخر، تفرَّد فيه مُحمَّد عبدالولي عن أقرانه اليمنيين، تمثل بنقل مُعاناته ورفاقه في سجن القلعة المُوحش، وذلك أواخر ستينيات القرن الفائت، الأمر الذي جعل أحدهم يعلق ساخرًا: «المسجون الوحيد الذي تمنيت ألا يخرج من السجن حتى يواصل إثراء حياتنا الثقافية بهذه الروائع الإبداعية هو مُحمَّد عبدالولي».
بولوجه بوابة ذلك السجن، بدأت أخطر مُنعرجات حياة مُحمَّد عبدالولي الشخصية، عام كامل من عُمره القصير قضاه خلف القضبان، دون سبب ولا جريرة تُذكر؛ الأمر الذي جعل الدكتور علي مُحمَّد زيد يُعلق على تلك الانتكاسة قائلًا: «صحيح أنَّه - يقصد مُحمَّد عبدالولي - كان يساريًا تحمس للجمهورية الأولى عند قيامها، وقطع دراسته في موسكو، وعاد ليشارك في البناء الجمهوري الجديد. لكنه لم يكن له دور سياسي خطير يجعله عرضة للانتقام والسجن، ولم يكن من الشخصيات الكبيرة في عهد الجمهورية الأولى، ولم يتول من الوظائف سوى وظيفة ليست كبيرة..». وخلص زيد إلى القول: «وما يزال سبب سجنه لغزًا يحير كل من عاشوا تلك الفترة ومن درسوها».
بعد الإفراج عنه، آثر مُحمَّد عبدالولي البقاء في مدينة تعز، وتفرغ فيها لتأسيس دارًا للنشر، أسماه (الدار الحديثة للطباعة والنشر)، واستقدم لهذا الغرض مطبعة مُستعملة من عدن، وكانت باكورة إصدارات الدار مجموعتين شعريتين (مارب يتكلم، ولابد من صنعاء) للشاعر عبدالعزيز المقالح، ومسرحية (حريق في صنعاء) للشاعر مُحمَّد الشرفي.
لم يهنأ مُحمَّد عبدالولي الاستقرار في مدينة تعز، وتعرض بعد سلسلة من المـُضايقات والمـُطاردات لمحنة السجن مرة أخرى 1972م، يمم بعد ذلك خُطاه صوب مدينة عدن، جنة الفقراء الفقيرة - حسب توصيف محمود درويش - وهناك بدأت فصول رحلته المأساوية صوب حضرموت، وبمعنى أصح صوب الموت.
كانوا 42 دبلوماسيًا ومُثقفًا يساريًا، اكتظت بهم ذات صباح طائرة الأنتينوف الروسية 30 إبريل 1973م، ثم حلَّقت بهم عاليًا في رحلة سياحية، هدفها المـُعلن تعريفهم بمعالم بلدهم الشرقية، وهدفها الخفي ما زال غامضًا حتى اللحظة، وفي المـُحصلة التراجيدية لم ينتصف نهار ذلك اليوم حتى انفجرت بهم تلك الطائرة، وهوت بأشلائهم فوق الصحراء القاحلة، وهي لم تصل أجواء حضرموت بعد.
هناك من قال عن الحادث: إنَّه قضاء وقدر، وهناك من قال: إنَّه فعل مُدبر، وأنَّ حكام الجنوب أرادوا من خلاله التخلص من بقايا الفكر البورجوازي في تنظيمهم، واستدل هؤلاء بمغادرة عبدالله الأشطل وعلي باذيب الطائرة قبل إقلاعها بلحظات، وذلك بعد أنْ أتى أحدهم وهمس في أذنيهما ببضع كلمات.
وهكذا غادر الأديب مُحمَّد عبدالولي - صاحب الأذنين غير المحظوظتين - دنيانا محروقًا، وبلا وداع، وهو لم يتجاوز الـ 34 ربيعًا من عمرة، لم يمت كأبطال أعماله غريبًا في بُلدان الله؛ بل مات غريبًا في بلادٍ قدم لها ولأجلها الكثير.
#محمد_عبدالولي
#بلال_الطيب
كان الأديب مُحمَّد عبدالولي قريبًا جدًا من الناس، قريبًا من أحوالهم، استعرض آمالهم بِشغف، واعتصر آلامهم بأسى، وغاص في مشاكلهم بعمق، وانتقد واقعهم بموضوعية، وعـرَّا مواطن ضعفهم بصدق، وفضح تخوفاتهم بحسرة، وحثهم على التغيير إلى الأفضل بقوة، ودعاهم إلى التمرد على وضعهم البائس، إلى خلق مُجتمع مُتجانس، إلى إيجاد وطن حقيقي حاضن للجميع.
وهو كما مدح الإنسان اليمني، فقد ذم في المـُقابل حياته، وهذا أحد بطلي قصة (شيء اسمه الحنين) قال وهو يُطل على جبال الحيمة: «المنازل عالية فوق القمم. الإنسان هنا نسر.. يُحلق عاليا، ولكنه يحيا حياة القاع».
وفي قصص (عمنا صالح، وذئب الحلة، والسيد ماجد، وليلة حزينة أخرى، وريحانة) حضر جانب إبداعي آخر، تفرَّد فيه مُحمَّد عبدالولي عن أقرانه اليمنيين، تمثل بنقل مُعاناته ورفاقه في سجن القلعة المُوحش، وذلك أواخر ستينيات القرن الفائت، الأمر الذي جعل أحدهم يعلق ساخرًا: «المسجون الوحيد الذي تمنيت ألا يخرج من السجن حتى يواصل إثراء حياتنا الثقافية بهذه الروائع الإبداعية هو مُحمَّد عبدالولي».
بولوجه بوابة ذلك السجن، بدأت أخطر مُنعرجات حياة مُحمَّد عبدالولي الشخصية، عام كامل من عُمره القصير قضاه خلف القضبان، دون سبب ولا جريرة تُذكر؛ الأمر الذي جعل الدكتور علي مُحمَّد زيد يُعلق على تلك الانتكاسة قائلًا: «صحيح أنَّه - يقصد مُحمَّد عبدالولي - كان يساريًا تحمس للجمهورية الأولى عند قيامها، وقطع دراسته في موسكو، وعاد ليشارك في البناء الجمهوري الجديد. لكنه لم يكن له دور سياسي خطير يجعله عرضة للانتقام والسجن، ولم يكن من الشخصيات الكبيرة في عهد الجمهورية الأولى، ولم يتول من الوظائف سوى وظيفة ليست كبيرة..». وخلص زيد إلى القول: «وما يزال سبب سجنه لغزًا يحير كل من عاشوا تلك الفترة ومن درسوها».
بعد الإفراج عنه، آثر مُحمَّد عبدالولي البقاء في مدينة تعز، وتفرغ فيها لتأسيس دارًا للنشر، أسماه (الدار الحديثة للطباعة والنشر)، واستقدم لهذا الغرض مطبعة مُستعملة من عدن، وكانت باكورة إصدارات الدار مجموعتين شعريتين (مارب يتكلم، ولابد من صنعاء) للشاعر عبدالعزيز المقالح، ومسرحية (حريق في صنعاء) للشاعر مُحمَّد الشرفي.
لم يهنأ مُحمَّد عبدالولي الاستقرار في مدينة تعز، وتعرض بعد سلسلة من المـُضايقات والمـُطاردات لمحنة السجن مرة أخرى 1972م، يمم بعد ذلك خُطاه صوب مدينة عدن، جنة الفقراء الفقيرة - حسب توصيف محمود درويش - وهناك بدأت فصول رحلته المأساوية صوب حضرموت، وبمعنى أصح صوب الموت.
كانوا 42 دبلوماسيًا ومُثقفًا يساريًا، اكتظت بهم ذات صباح طائرة الأنتينوف الروسية 30 إبريل 1973م، ثم حلَّقت بهم عاليًا في رحلة سياحية، هدفها المـُعلن تعريفهم بمعالم بلدهم الشرقية، وهدفها الخفي ما زال غامضًا حتى اللحظة، وفي المـُحصلة التراجيدية لم ينتصف نهار ذلك اليوم حتى انفجرت بهم تلك الطائرة، وهوت بأشلائهم فوق الصحراء القاحلة، وهي لم تصل أجواء حضرموت بعد.
هناك من قال عن الحادث: إنَّه قضاء وقدر، وهناك من قال: إنَّه فعل مُدبر، وأنَّ حكام الجنوب أرادوا من خلاله التخلص من بقايا الفكر البورجوازي في تنظيمهم، واستدل هؤلاء بمغادرة عبدالله الأشطل وعلي باذيب الطائرة قبل إقلاعها بلحظات، وذلك بعد أنْ أتى أحدهم وهمس في أذنيهما ببضع كلمات.
وهكذا غادر الأديب مُحمَّد عبدالولي - صاحب الأذنين غير المحظوظتين - دنيانا محروقًا، وبلا وداع، وهو لم يتجاوز الـ 34 ربيعًا من عمرة، لم يمت كأبطال أعماله غريبًا في بُلدان الله؛ بل مات غريبًا في بلادٍ قدم لها ولأجلها الكثير.
#محمد_عبدالولي
#بلال_الطيب
نتيجة لوضع الإمامة المُتوكلية المُزري، انضم الأمير إبراهيم بن الإمام يحيى إلى صفوف الأحرار 22 فبراير 1946م، أطلقوا عليه تسمية (سيف الحق)، وصار صوتهم بانضمامه مسموعًا، وصارت أنظار أحرار العالم تتجه إليهم. والأهم من ذلك كله احتوائهم لذلك الأمير بكافة الوسائل الممكنة، وتغلغل نفسهم الثوري في أدبياته، وتصريحاته النارية.
«عليك أنْ تقي أسرتك والشعب من خطر الانفجار الذي لا يُؤخره غير انتظار فترة قصيرة من الزمن، تظل فيها منجحرًا في قمقم التاريخ الهاشمي الـمُـظلم». هكذا خاطب سيف الحق إبراهيم والده الإمام يحيى ذات مقال في صحيفة (صوت اليمن). ويُعتقد أنَّ تلك البشارة الثورية كتبها القاضي الزبيري على لسان ذلك الأمير، وهي بشارة كان لها ما بعدها.
قدم الأمير إبراهيم نصائحه الصادقة لوالده، ولكن دون جدوى، كما راسل شقيقه ولي العهد أكثر من مرة، وطالبه في إحدى رسائله بتبديل أساليبه القاسية التي جلبت السخط، وحب الانتقام في النفوس، وخاطبه مُستدركًا: «ومتى أعلنتم ذلك، وقبلتم مطالب الشعب المُـتمثلة في أحراره، متى أعلنتم ذلك ملكتم النفوس، وانقاد لكم الشعب الذي أصبح يغلي كالمرجل من أقصاه إلى أقصاه».
سعى ولي العهد أحمد جاهدًا في إقناع شقيقه اللدود بالعودة، وأرسل له لذات الغرض عددًا من الرسائل الرقيقة، ليرد عليه الأمير إبراهيم برسالة أخرى أشد تذمرًا وقسوة، وفيها قال: «أصبحنا في حالة محاطة بالخطر من سوء المُعاملة، وإزهاق النفوس البريئة؛ ولذلك فأنا لا أستطيع الرجوع إلى اليمن ما دمتم مُتمسكين بهذه الخطة المُـعوجة التي حطمت النفوس، وجرحت القلوب، وقد اتصلت بجميع اليمانيين في المهجر، وعرفت أنَّهم يصرخون مما نالهم من الأذى، ويطلبون أنْ تتبدل الأحوال ليعيشوا كما البشر أحرارًا».
«للذين يبحثون في أوحال الماضي عن نقطة ضوء واحدة، نقدم لهم هذه الحقائق الكاشفة لكل تزوير، وتغرير». قالها الدكتور عبدالعزيز المقالح أثناء استعراضه لأدبيات الأمير إبراهيم في كتابه (من الأنين إلى الثورة)، ردًا على الباحثين عن أي دليل يبرئ ساحة الطغيان الـمُباد.
وتساءل في ذات الكتاب: «ألم يقل لنا سيف الحق - رحمه الله - إنَّ نفسه قد احتارت، وأفكاره اضطربت، وساوره القلق في البحث عن باب يجد خلفه الدليل على عدالة ذلك النظام؟!».
وأضاف في موضع آخر: «وكان هناك آخرون من أفراد الأسرة يُشاطرون سيف الحق إبراهيم أراءه، ويحسدونه على موقفه المُعلن، ومن هؤلاء - كما يقول المناضل القاضي عبدالسلام صبرة - الحسين بن يحيى، الذي لم يكن يُخفي نقده لأبيه، وأفراد أسرته، مُحذرًا ومُنذرًا من البطش القادم، وكثيرًا ما كان يبكي بين يدي والده، طالبًا الرحمة والرفق بالشعب».
وفي موضوع مُتصل بعث الأمير إبراهيم برسالة ناصحه لأخيه القاسم كتلك التي بعثها لأبيه وباقي أخوته، وكان رد ذلك الأمير عليه مُضحكًا، حيث قال: «أعتقد أنَّ الذي حررتم إلي لم يكن عن نية صادقة لكثرة السموم التي أدخلت في فكركم، ما هو الخطر عليك وعلينا؟ هذه نغمة سمعناها من أولئك الكفرة الفجرة، هم الخطر، هم الفساد، هم الذين أوصلوكم إلى هذه الدرجة»!
حينما فشلت رسائل ولي العهد أحمد الرقيقة في إقناع الأمير إبراهيم بالعودة، توجه إلى عدن بنفسه أبريل 1946م، في زيارة ظاهرها العلاج، وباطنها استمالة شقيقه وباقي الأحرار إلى صفه، استمرت لأكثر من شهر، ولم يتحقق غرضها الباطن.
وهكذا فشل ولي العهد في هدفه كما فشل من قبل في استمالة الأستاذأحمد محمد نعمان، والقاضي محمد محمود الزبيري، ليأتي بعده أحمد الشامي وبتكليف منه ليكمل ما بدأه، ولم يُحقق هو الآخر مُراده.
أوعز - بعد ذلك - ولي العهد أحمد لجواسيسه وعملائه - وما كان أكثرهم - إثارة الشقاق داخل أعضاء الجمعية اليمنية الكبرى، وقد نجحوا إلى حدٍ كبير في ذلك.
التف هؤلاء المغرضون حول الأمير إبراهيم، وعملوا على تشويه صورة الأستاذ النعمان الذي كانت جميع أموال وأصول الجمعية مُسجلة باسمه، اتهموا الأخير بالتحكم بها، وبأموالها، وحين تم استدعائه للتشاور، استشاط غضبًا، مُعتقدًا أنَّ الأمير صَدَّق الوشاة، واعترف في مُذكراته أنَّه كان قاسيًا في ردوده، وأنَّ الأمير إبراهيم كان عاقلًا.
هدأ الأمير إبراهيم الأستاذ النعمان من تخوفاته، وقال لمن حوله: «بالله عليكم لو لم يكن النعمان في عدن، وله مكانته عند أهل بلده، هل كان أحد يقوم مقامه في عدن، من الذي سيستقبلنا فيها، وينزلنا بهذا الدار، ويهيئ وسائل العمل لنشر القضية، في صحيفة، ومطبعة، ونفقة للعاملين المتفرغين»، وزاد على ذلك بأنْ قال مُتحسرًا: «لا سامح الله الإمام، الذي وضعنا في مثل هذا الموقف».
نتيجة لوضع الإمامة المُتوكلية المُزري، انضم الأمير إبراهيم بن الإمام يحيى إلى صفوف الأحرار 22 فبراير 1946م، أطلقوا عليه تسمية (سيف الحق)، وصار صوتهم بانضمامه مسموعًا، وصارت أنظار أحرار العالم تتجه إليهم. والأهم من ذلك كله احتوائهم لذلك الأمير بكافة الوسائل الممكنة، وتغلغل نفسهم الثوري في أدبياته، وتصريحاته النارية.
«عليك أنْ تقي أسرتك والشعب من خطر الانفجار الذي لا يُؤخره غير انتظار فترة قصيرة من الزمن، تظل فيها منجحرًا في قمقم التاريخ الهاشمي الـمُـظلم». هكذا خاطب سيف الحق إبراهيم والده الإمام يحيى ذات مقال في صحيفة (صوت اليمن). ويُعتقد أنَّ تلك البشارة الثورية كتبها القاضي الزبيري على لسان ذلك الأمير، وهي بشارة كان لها ما بعدها.
قدم الأمير إبراهيم نصائحه الصادقة لوالده، ولكن دون جدوى، كما راسل شقيقه ولي العهد أكثر من مرة، وطالبه في إحدى رسائله بتبديل أساليبه القاسية التي جلبت السخط، وحب الانتقام في النفوس، وخاطبه مُستدركًا: «ومتى أعلنتم ذلك، وقبلتم مطالب الشعب المُـتمثلة في أحراره، متى أعلنتم ذلك ملكتم النفوس، وانقاد لكم الشعب الذي أصبح يغلي كالمرجل من أقصاه إلى أقصاه».
سعى ولي العهد أحمد جاهدًا في إقناع شقيقه اللدود بالعودة، وأرسل له لذات الغرض عددًا من الرسائل الرقيقة، ليرد عليه الأمير إبراهيم برسالة أخرى أشد تذمرًا وقسوة، وفيها قال: «أصبحنا في حالة محاطة بالخطر من سوء المُعاملة، وإزهاق النفوس البريئة؛ ولذلك فأنا لا أستطيع الرجوع إلى اليمن ما دمتم مُتمسكين بهذه الخطة المُـعوجة التي حطمت النفوس، وجرحت القلوب، وقد اتصلت بجميع اليمانيين في المهجر، وعرفت أنَّهم يصرخون مما نالهم من الأذى، ويطلبون أنْ تتبدل الأحوال ليعيشوا كما البشر أحرارًا».
«للذين يبحثون في أوحال الماضي عن نقطة ضوء واحدة، نقدم لهم هذه الحقائق الكاشفة لكل تزوير، وتغرير». قالها الدكتور عبدالعزيز المقالح أثناء استعراضه لأدبيات الأمير إبراهيم في كتابه (من الأنين إلى الثورة)، ردًا على الباحثين عن أي دليل يبرئ ساحة الطغيان الـمُباد.
وتساءل في ذات الكتاب: «ألم يقل لنا سيف الحق - رحمه الله - إنَّ نفسه قد احتارت، وأفكاره اضطربت، وساوره القلق في البحث عن باب يجد خلفه الدليل على عدالة ذلك النظام؟!».
وأضاف في موضع آخر: «وكان هناك آخرون من أفراد الأسرة يُشاطرون سيف الحق إبراهيم أراءه، ويحسدونه على موقفه المُعلن، ومن هؤلاء - كما يقول المناضل القاضي عبدالسلام صبرة - الحسين بن يحيى، الذي لم يكن يُخفي نقده لأبيه، وأفراد أسرته، مُحذرًا ومُنذرًا من البطش القادم، وكثيرًا ما كان يبكي بين يدي والده، طالبًا الرحمة والرفق بالشعب».
وفي موضوع مُتصل بعث الأمير إبراهيم برسالة ناصحه لأخيه القاسم كتلك التي بعثها لأبيه وباقي أخوته، وكان رد ذلك الأمير عليه مُضحكًا، حيث قال: «أعتقد أنَّ الذي حررتم إلي لم يكن عن نية صادقة لكثرة السموم التي أدخلت في فكركم، ما هو الخطر عليك وعلينا؟ هذه نغمة سمعناها من أولئك الكفرة الفجرة، هم الخطر، هم الفساد، هم الذين أوصلوكم إلى هذه الدرجة»!
حينما فشلت رسائل ولي العهد أحمد الرقيقة في إقناع الأمير إبراهيم بالعودة، توجه إلى عدن بنفسه أبريل 1946م، في زيارة ظاهرها العلاج، وباطنها استمالة شقيقه وباقي الأحرار إلى صفه، استمرت لأكثر من شهر، ولم يتحقق غرضها الباطن.
وهكذا فشل ولي العهد في هدفه كما فشل من قبل في استمالة الأستاذأحمد محمد نعمان، والقاضي محمد محمود الزبيري، ليأتي بعده أحمد الشامي وبتكليف منه ليكمل ما بدأه، ولم يُحقق هو الآخر مُراده.
أوعز - بعد ذلك - ولي العهد أحمد لجواسيسه وعملائه - وما كان أكثرهم - إثارة الشقاق داخل أعضاء الجمعية اليمنية الكبرى، وقد نجحوا إلى حدٍ كبير في ذلك.
التف هؤلاء المغرضون حول الأمير إبراهيم، وعملوا على تشويه صورة الأستاذ النعمان الذي كانت جميع أموال وأصول الجمعية مُسجلة باسمه، اتهموا الأخير بالتحكم بها، وبأموالها، وحين تم استدعائه للتشاور، استشاط غضبًا، مُعتقدًا أنَّ الأمير صَدَّق الوشاة، واعترف في مُذكراته أنَّه كان قاسيًا في ردوده، وأنَّ الأمير إبراهيم كان عاقلًا.
هدأ الأمير إبراهيم الأستاذ النعمان من تخوفاته، وقال لمن حوله: «بالله عليكم لو لم يكن النعمان في عدن، وله مكانته عند أهل بلده، هل كان أحد يقوم مقامه في عدن، من الذي سيستقبلنا فيها، وينزلنا بهذا الدار، ويهيئ وسائل العمل لنشر القضية، في صحيفة، ومطبعة، ونفقة للعاملين المتفرغين»، وزاد على ذلك بأنْ قال مُتحسرًا: «لا سامح الله الإمام، الذي وضعنا في مثل هذا الموقف».
الصراعُ الجمهوريُّ الإماميُّ في ستينيَّاتِ القرنِ الفائتِ تعرَّضَ للسطو
والباحثُ اليمنيُّ يغضُّ الطرف
#بلال_الطيب
حظيتْ التطوُّراتُ السياسيَّةُ للصراعِ الجمهوريِّ الإماميِّ - في ستينيَّاتِ القرنِ الفائتِ - بدراساتٍ مُستفيضةٍ من قِبَلِ عددٍ من الباحثين اليمنيِّين، والعربِ، والأجانبِ، في حين ظلَّتِ التطوُّراتُ العسكريَّةُ لذلك الصراعِ حبيسةَ ذواكرَ مَن عايشوها، ومُهملةً في سجلاتِ عمليَّاتِ وزارةِ الدفاعِ، وما تسرَّبَ من تلكَ التطوُّراتِ - في هذا الكتابِ أو ذاكَ - لم يكنْ سوى شذراتٍ عابرةٍ، محدودةِ الإلمامِ، وبلا تراتبيَّةٍ تاريخيَّةٍ جامعة.
صدمةٌ كبيرة
كباحثٍ مُتخصِّصٍ في التاريخِ اليمنيِّ، كرَّستُ جهودِي - خلالَ الأعوامِ الـ 17 الفائتةِ - للتعمُّقِ أكثرَ في تفاصيلِ ذلكَ الصراعِ، والتركيزِ على الجانبِ المُهملِ والمنسيِّ منه، المُتمثِّلِ في تطوُّراتِه العسكريَّةِ، واستطعتُ - بحمدِ اللهِ وتوفيقهِ - أنْ أجدَ له صيغةً تراتبيَّةً جامعةً، وقدَّمتُهُ بلغةٍ سهلةٍ مُختزلةٍ، ورصَّصتُ حروفَهُ في الثلاثةِ الفصولِ الأولى لكتابِي عن حروبِ اليمنِ المُعاصرةِ، وهو الكتابُ الذي يتكوَّنُ من جزئين، وثمانيةِ فصولٍ، وسيصدرُ - إنْ شاءَ اللهُ - قريبًا، وعنونتُهُ بـ (الدوَّامة.. حروبُ الثورة.. الجبهة.. الوحدة.. الإمامةُ الجديدة).
غير الشهادات الحية، عُدت إلى مئات المَصادر، والمَراجع. وكم كانت سَعادتي غَامرة حين وجدت قبل ثلاث سنوات كتابًا صدر عن المركز الديمقراطي العربي في برلين - ألمانيا، يوليو 2022م، حمل عنوان: (التطورات العسكرية والسياسية في اليمن 1962 - 1970م)، للباحث العراقي د. يحيى محمد زاير الكورجي، وكم حزنتُ - في المُقابل - لعدم تناول أي من الباحثين اليمنيين لتلك التطورات. إلا أنَّ كلا الشعورين سريعًا ما تبددا؛ خاصة حينما اكتشفت أنَّ ثمَّةَ باحثًا يمنيًا مَغمورًا تناول الموضوع قبل 21 عامًا، وكان صاحب السبق، وأنَّ الباحث العراقي المعروف لم يكن سوى سارقٍ من العيارِ الثقيل.
أكثر ما شدَّ انتباهي في دراسة الكورجي المَسروقة، وجود شهادات لأشخاص عَاشوا تفاصيل ذلك الصراع، وحين عَودتي لقائمة مَصادرها في الحواشي السفلية، وجدتها مَأخوذة من دراسة يمنية عنوانها: (الصراع الجمهوري الملكي في اليمن وأبعاده العربية والدولية 1962 - 1970م)، وهي أطروحة دكتوراه تقدم بها الطالب عبدالحميد عبدالله حسين البكري، وأشرف على تقديمها الأستاذ الدكتور عبد الأمير هادي العكام الحميداوي، كلية التربية، جامعة بغداد، مايو 2004م.
ولم يمض من الوقت الكثير، حتى حصلت على الدراسة اليمنية، وكم كانت صدمتي كبيرة حين وجدت أنَّ الباحث العراقي يحيى الكورجي سرقها كاملة، بعد قام بحذف مقدمتها، وغَيرَّ عنوانها الرئيسي، وبعض عناوينها الفرعية، وأضافها لقائمة إنجازاته!
حيرة الانتظار
إعادةُ فهمِ التاريخِ هي الخطوةُ الأولى على طريقِ بناء المُستقبل، والباحث الحقيقي هو من يَفهم الحادثة التاريخية، ويفسرها، ويربطها بما قبلها وما تلاها من أحداث، ويستنبط، ويُقارن، ويُشكك، ويُحلل، ويتجنب الروايات المُتناقضة، والمَشكوك في صحتها، ويُقدم خُلاصة فهمه بلغة بسيطة، مُرتبة، مُشبعة بالإلمام، ومُرتكزة على المعلومة الصحيحة، وبتوصيف أدق المعلومة القريبة من الحقيقة.
وفق هذه المعايير المُقتضبة، وبتوصيف أدق، معايير المضمون التي يتجاهلها كثيرٌ من الباحثين، لم يكن عبدالحميد البكري بَاحثًا جادًا. وبعد عرض دراسته لمعايير نقد الدراسات العلمية، وجدت أنَّه التزم شكلًا لا مضمونًا بتلك المعايير. صحيح أنَّه أتى بموضوعٍ جديدٍ وغيرِ مُكرر، وأنَّ عنوان دراسته وملخصها ومقدمتها وخاتمتها اتفق مع محتواها، وأنَّه تقيد بحدودها الزمانية والمكانية. وصحيح - أيضًا - أنَّه بذل جهدًا كبير في الحصول على مَصادرها، إلا أنَّ ثَمَّةَ قصورًا واضحًا في مضمونها، ولو كان المُشرف عليها باحثًا مُتخصصًا في التاريخ اليمني، ما أجازها.
على الرغم من أهمية الموضوع الذي تناوله، إلا أنَّه - أي الباحث البكري - أسهب في نقل التفاصيل، والهوامش. وعلى الرغم من تنوع مصادره، ومراجعه، ما بين الكتب، والبحوث، والرسائل، والشهادات الحية، إلا أنَّه بالغ في استعراضها، كمًا لا كيفًا، وكانت استنباطاته - تبعًا لذلك، وفي الأغلب - مُجتزأة، ومُكررة، وغير مفهومة. ولم يُشر - وهو الأهم - إلى الحلقات المفقودة لذلك الصراع (موضوع دراسته)، ولم يشجع غيره من المُهتمين على البحث والتقصي؛ وإكمالُ ما بدأه؛ الأمر الذي أخلَّ بمضمون الدراسة، وقلل من أهميتها، وشجع كما - سبق أنْ ذكرنا - على سرقتها.
والباحثُ اليمنيُّ يغضُّ الطرف
#بلال_الطيب
حظيتْ التطوُّراتُ السياسيَّةُ للصراعِ الجمهوريِّ الإماميِّ - في ستينيَّاتِ القرنِ الفائتِ - بدراساتٍ مُستفيضةٍ من قِبَلِ عددٍ من الباحثين اليمنيِّين، والعربِ، والأجانبِ، في حين ظلَّتِ التطوُّراتُ العسكريَّةُ لذلك الصراعِ حبيسةَ ذواكرَ مَن عايشوها، ومُهملةً في سجلاتِ عمليَّاتِ وزارةِ الدفاعِ، وما تسرَّبَ من تلكَ التطوُّراتِ - في هذا الكتابِ أو ذاكَ - لم يكنْ سوى شذراتٍ عابرةٍ، محدودةِ الإلمامِ، وبلا تراتبيَّةٍ تاريخيَّةٍ جامعة.
صدمةٌ كبيرة
كباحثٍ مُتخصِّصٍ في التاريخِ اليمنيِّ، كرَّستُ جهودِي - خلالَ الأعوامِ الـ 17 الفائتةِ - للتعمُّقِ أكثرَ في تفاصيلِ ذلكَ الصراعِ، والتركيزِ على الجانبِ المُهملِ والمنسيِّ منه، المُتمثِّلِ في تطوُّراتِه العسكريَّةِ، واستطعتُ - بحمدِ اللهِ وتوفيقهِ - أنْ أجدَ له صيغةً تراتبيَّةً جامعةً، وقدَّمتُهُ بلغةٍ سهلةٍ مُختزلةٍ، ورصَّصتُ حروفَهُ في الثلاثةِ الفصولِ الأولى لكتابِي عن حروبِ اليمنِ المُعاصرةِ، وهو الكتابُ الذي يتكوَّنُ من جزئين، وثمانيةِ فصولٍ، وسيصدرُ - إنْ شاءَ اللهُ - قريبًا، وعنونتُهُ بـ (الدوَّامة.. حروبُ الثورة.. الجبهة.. الوحدة.. الإمامةُ الجديدة).
غير الشهادات الحية، عُدت إلى مئات المَصادر، والمَراجع. وكم كانت سَعادتي غَامرة حين وجدت قبل ثلاث سنوات كتابًا صدر عن المركز الديمقراطي العربي في برلين - ألمانيا، يوليو 2022م، حمل عنوان: (التطورات العسكرية والسياسية في اليمن 1962 - 1970م)، للباحث العراقي د. يحيى محمد زاير الكورجي، وكم حزنتُ - في المُقابل - لعدم تناول أي من الباحثين اليمنيين لتلك التطورات. إلا أنَّ كلا الشعورين سريعًا ما تبددا؛ خاصة حينما اكتشفت أنَّ ثمَّةَ باحثًا يمنيًا مَغمورًا تناول الموضوع قبل 21 عامًا، وكان صاحب السبق، وأنَّ الباحث العراقي المعروف لم يكن سوى سارقٍ من العيارِ الثقيل.
أكثر ما شدَّ انتباهي في دراسة الكورجي المَسروقة، وجود شهادات لأشخاص عَاشوا تفاصيل ذلك الصراع، وحين عَودتي لقائمة مَصادرها في الحواشي السفلية، وجدتها مَأخوذة من دراسة يمنية عنوانها: (الصراع الجمهوري الملكي في اليمن وأبعاده العربية والدولية 1962 - 1970م)، وهي أطروحة دكتوراه تقدم بها الطالب عبدالحميد عبدالله حسين البكري، وأشرف على تقديمها الأستاذ الدكتور عبد الأمير هادي العكام الحميداوي، كلية التربية، جامعة بغداد، مايو 2004م.
ولم يمض من الوقت الكثير، حتى حصلت على الدراسة اليمنية، وكم كانت صدمتي كبيرة حين وجدت أنَّ الباحث العراقي يحيى الكورجي سرقها كاملة، بعد قام بحذف مقدمتها، وغَيرَّ عنوانها الرئيسي، وبعض عناوينها الفرعية، وأضافها لقائمة إنجازاته!
حيرة الانتظار
إعادةُ فهمِ التاريخِ هي الخطوةُ الأولى على طريقِ بناء المُستقبل، والباحث الحقيقي هو من يَفهم الحادثة التاريخية، ويفسرها، ويربطها بما قبلها وما تلاها من أحداث، ويستنبط، ويُقارن، ويُشكك، ويُحلل، ويتجنب الروايات المُتناقضة، والمَشكوك في صحتها، ويُقدم خُلاصة فهمه بلغة بسيطة، مُرتبة، مُشبعة بالإلمام، ومُرتكزة على المعلومة الصحيحة، وبتوصيف أدق المعلومة القريبة من الحقيقة.
وفق هذه المعايير المُقتضبة، وبتوصيف أدق، معايير المضمون التي يتجاهلها كثيرٌ من الباحثين، لم يكن عبدالحميد البكري بَاحثًا جادًا. وبعد عرض دراسته لمعايير نقد الدراسات العلمية، وجدت أنَّه التزم شكلًا لا مضمونًا بتلك المعايير. صحيح أنَّه أتى بموضوعٍ جديدٍ وغيرِ مُكرر، وأنَّ عنوان دراسته وملخصها ومقدمتها وخاتمتها اتفق مع محتواها، وأنَّه تقيد بحدودها الزمانية والمكانية. وصحيح - أيضًا - أنَّه بذل جهدًا كبير في الحصول على مَصادرها، إلا أنَّ ثَمَّةَ قصورًا واضحًا في مضمونها، ولو كان المُشرف عليها باحثًا مُتخصصًا في التاريخ اليمني، ما أجازها.
على الرغم من أهمية الموضوع الذي تناوله، إلا أنَّه - أي الباحث البكري - أسهب في نقل التفاصيل، والهوامش. وعلى الرغم من تنوع مصادره، ومراجعه، ما بين الكتب، والبحوث، والرسائل، والشهادات الحية، إلا أنَّه بالغ في استعراضها، كمًا لا كيفًا، وكانت استنباطاته - تبعًا لذلك، وفي الأغلب - مُجتزأة، ومُكررة، وغير مفهومة. ولم يُشر - وهو الأهم - إلى الحلقات المفقودة لذلك الصراع (موضوع دراسته)، ولم يشجع غيره من المُهتمين على البحث والتقصي؛ وإكمالُ ما بدأه؛ الأمر الذي أخلَّ بمضمون الدراسة، وقلل من أهميتها، وشجع كما - سبق أنْ ذكرنا - على سرقتها.
عن كُفر #اليمنيين
#بلال_الطيب
يبقى القرآن الكريم كلام الله المُعجز والخالد، حافل بسير الأولين؛ بل أنَّ أكثر من ثلثي آياته تذهب في ذات المسار، وهي دومًا مقرونة بالتدبر، وأخذ العبرة والاعتبار، غاصت بدقة في طبائع الأمم ونفسياتهم، واستعرضت ظلمهم لأنفسهم ولمُجتمعاتهم، وفصلت جحودهم وعنادهم، وكيف استحقوا العقاب.
«أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم»، فالسير هنا، هو دراسة التاريخ والاطلاع على آثار تلك الأمم، أما النظر المشار إليه في الآية الكريمة فيُعنى به فلسفة التاريخ، وهو الذي يحلل الحادثة للوصول إلى علل الأحداث.
كثير من الدارسين أقروا بأنَّ القرآن جاء من فعل (قَرَن)، وأنَّه سمي (قرآنًا) لأنه قرن في كتاب واحد، وهو - كما أفاد محمد شحرور - كتاب علوم النبوّة بين إشاراته حول القوانين الكونية، وتسجيله لبعض من الأحداث الإنسانية، وعرض رؤيته حول المرويات الكبرى في تاريخ الإنسان المُشترك عمومًا، وهي مُؤشرات علينا دراستها لفهم التاريخ الإنساني، وحركته، وسننه، وفق المنظور الفلسفي للتاريخ.
قال الله تعالى في مطلع سورة يوسف: «الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّـًا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ»، وقال تعالى في آخر ذات السورة: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون».
تبقى قصص القرآن الكريم عناوين لافتة وعريضة تحمل للباحث الذي يُحسن قرأتها الكثير من التفاصيل، وهي - وهو الأهم - لم تكن فقط للعظة والعبرة؛ بل تشير بمجملها إلى قوانين حياتية مُلزمة، وأهداف واضحة تتكرر مع كل قصة، تارة تُعرفنا بأسباب السقوط والاندثار - وهو الأغلب - وتارة بأسباب النهوض والانتشار، والواجب علينا دراستها بتدبر، وأنْ نتلمس بها ومن خلالها طُرق التقدم، ونتلافى مهاوي السقوط.
ومن هذا المُنطلق، وبالعودة إلى كلام الله المُعجز والخالد يبقى الجُحود وعدم شكر النعمة جريرة اليمنيين الكُبرى، ظلموا في لحظة إعراض واستكبار أنفسهم، وقالوا: «رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا»، وقالوا - أيضًا - كما أفاد ابن جرير الطبري: «لو كان جنى جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه»؛ فاستحقوا بذلك عقوبة خالقهم القائل: «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ»، والقائل: «فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ»، والقائل: «ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ».
وكما ذمَّ الخَالق - جلَّ في علاه - طبائع بعض اليمنيين الجاحدة، امتدح أرضهم الطيبة، وقال: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبّ غَفُورٌ»، وقال: «وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدّرْنَا فِيهَا السّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيّامًا آمِنِينَ»، وقال - أيضًا - على لسان هدهد نبي الله سليمان: «أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، إِنّي وَجَدتّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ».
اختزالٌ قرآني مَاتع، أعطانا صُورة مُوجزة عن عظمة مملكة سبأ وملوكها، وكثرة خيراتها، ليتعمق المُؤرخون أكثر في ذكر تفاصيل ذلك، وأفاد أحدهم أنَّ المرأة السبئية كانت تمشي تحت الأشجار الوارفة الظلال وعلى رأسها زنبيل، وأنَّ ذلك الزنبيل يمتلأ من الثمار المُتساقطة، وأردف آخر أنَّه لم يكن في تلك البلدة الطيبة شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث ولا الهوام؛ وذلك لاعتدال الهواء، وصحة المزاج، وعناية الله ولطفه بالسكان.
انتهت بتهدم سد مأرب تلك المملكة العريقة، وحضارتها الضاربة جذورها في أعماق التاريخ والأرض، وقد ربط كثير من المُفسرين الجانب العقائدي بذلك الانهيار، وقالوا عن السبئيين إنَّهم لم يكونوا مُوحِدِين، رغم وضوح النص القرآني: «رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا»، وقوله تعالى: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، وما مُفردتي (رَبَّنَا، والْمُؤْمِنِينَ) إلا دليل واضح على ما ذهبنا إليه، والكُفر المذكور بالآية السابقة هو الكفر بالنعمة ولا شيء سواه.
#بلال_الطيب
يبقى القرآن الكريم كلام الله المُعجز والخالد، حافل بسير الأولين؛ بل أنَّ أكثر من ثلثي آياته تذهب في ذات المسار، وهي دومًا مقرونة بالتدبر، وأخذ العبرة والاعتبار، غاصت بدقة في طبائع الأمم ونفسياتهم، واستعرضت ظلمهم لأنفسهم ولمُجتمعاتهم، وفصلت جحودهم وعنادهم، وكيف استحقوا العقاب.
«أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم»، فالسير هنا، هو دراسة التاريخ والاطلاع على آثار تلك الأمم، أما النظر المشار إليه في الآية الكريمة فيُعنى به فلسفة التاريخ، وهو الذي يحلل الحادثة للوصول إلى علل الأحداث.
كثير من الدارسين أقروا بأنَّ القرآن جاء من فعل (قَرَن)، وأنَّه سمي (قرآنًا) لأنه قرن في كتاب واحد، وهو - كما أفاد محمد شحرور - كتاب علوم النبوّة بين إشاراته حول القوانين الكونية، وتسجيله لبعض من الأحداث الإنسانية، وعرض رؤيته حول المرويات الكبرى في تاريخ الإنسان المُشترك عمومًا، وهي مُؤشرات علينا دراستها لفهم التاريخ الإنساني، وحركته، وسننه، وفق المنظور الفلسفي للتاريخ.
قال الله تعالى في مطلع سورة يوسف: «الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّـًا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ»، وقال تعالى في آخر ذات السورة: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون».
تبقى قصص القرآن الكريم عناوين لافتة وعريضة تحمل للباحث الذي يُحسن قرأتها الكثير من التفاصيل، وهي - وهو الأهم - لم تكن فقط للعظة والعبرة؛ بل تشير بمجملها إلى قوانين حياتية مُلزمة، وأهداف واضحة تتكرر مع كل قصة، تارة تُعرفنا بأسباب السقوط والاندثار - وهو الأغلب - وتارة بأسباب النهوض والانتشار، والواجب علينا دراستها بتدبر، وأنْ نتلمس بها ومن خلالها طُرق التقدم، ونتلافى مهاوي السقوط.
ومن هذا المُنطلق، وبالعودة إلى كلام الله المُعجز والخالد يبقى الجُحود وعدم شكر النعمة جريرة اليمنيين الكُبرى، ظلموا في لحظة إعراض واستكبار أنفسهم، وقالوا: «رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا»، وقالوا - أيضًا - كما أفاد ابن جرير الطبري: «لو كان جنى جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه»؛ فاستحقوا بذلك عقوبة خالقهم القائل: «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ»، والقائل: «فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ»، والقائل: «ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ».
وكما ذمَّ الخَالق - جلَّ في علاه - طبائع بعض اليمنيين الجاحدة، امتدح أرضهم الطيبة، وقال: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبّ غَفُورٌ»، وقال: «وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدّرْنَا فِيهَا السّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيّامًا آمِنِينَ»، وقال - أيضًا - على لسان هدهد نبي الله سليمان: «أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، إِنّي وَجَدتّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ».
اختزالٌ قرآني مَاتع، أعطانا صُورة مُوجزة عن عظمة مملكة سبأ وملوكها، وكثرة خيراتها، ليتعمق المُؤرخون أكثر في ذكر تفاصيل ذلك، وأفاد أحدهم أنَّ المرأة السبئية كانت تمشي تحت الأشجار الوارفة الظلال وعلى رأسها زنبيل، وأنَّ ذلك الزنبيل يمتلأ من الثمار المُتساقطة، وأردف آخر أنَّه لم يكن في تلك البلدة الطيبة شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث ولا الهوام؛ وذلك لاعتدال الهواء، وصحة المزاج، وعناية الله ولطفه بالسكان.
انتهت بتهدم سد مأرب تلك المملكة العريقة، وحضارتها الضاربة جذورها في أعماق التاريخ والأرض، وقد ربط كثير من المُفسرين الجانب العقائدي بذلك الانهيار، وقالوا عن السبئيين إنَّهم لم يكونوا مُوحِدِين، رغم وضوح النص القرآني: «رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا»، وقوله تعالى: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، وما مُفردتي (رَبَّنَا، والْمُؤْمِنِينَ) إلا دليل واضح على ما ذهبنا إليه، والكُفر المذكور بالآية السابقة هو الكفر بالنعمة ولا شيء سواه.
#الوحدة في مسيرة #جار_الله_عمر النضالية
#بلال_الطيب
صاحبت قضية الوحدة حياة ومسيرة جار الله عمر النضالية، وكان فاعلًا أساسيًا في الحوارات التي سبقت تحقيقها، وفي صياغة دستورها. وصفها بالعمل التاريخي العظيم، وعدّها أفضل حدث صنعه هذا الجيل، وأكد أنه لا يمكن لليمنيين أن يعيشوا بسلام واستقرار وتنمية ورفاهية بدونها.
تأجيج الصراع
لم يكن الطرف الأقوى مهيّأً للقبول بالآخر كشريك حقيقي في صناعة القرار السياسي، فقد كان مستعجلًا في إخراج الحزب الاشتراكي من الساحة. ولذات السبب؛ لقي أكثر من 155 عضوًا من أعضاء الحزب مصرعهم.
وعندما اغتيل ماجد مرشد يونيو 1992م، عقد الاشتراكيون في صنعاء اجتماعًا تشاوريًا عاصفًا. طالب يومها عارف الدوش (مصدر هذه الحكاية) بصوت مرتفع بالقصاص. وعندما حاول أحد الحاضرين إسكاته، أوقفه جار الله عمر (رئيس ذلك اللقاء)، وطلب من المتحدث إكمال حديثه. وعندما انتهى، خاطب الجميع قائلًا: «نحن حزب مدني ديمقراطي، وإن حصل ما أنتم متشائمون منه، فستكون رؤوسنا قبل رؤوسكم. نحن لا نريد أن يغرق حزبنا في الجوانب العسكرية، فقد جربنا الاقتتال، وحسمنا الكثير من القضايا بقوة السلاح، ولكننا في الأخير خسرنا، وخسر اليمن».
وقال في موضع مُشابه، ردًا على بعض المُتحمسين: «ألقينا السلاح، ولا يمكن أنْ نعود إليه مرة أخرى، مهما كلفنا الأمر، لنخض نضالنا السلمي، وثقوا أنَّ المُستقبل للعمل السلمي، والديمقراطي، جربنا السلاح والقوة، ولم تزدنا سوى المآسي، وكلما خرجنا من حرب قادتنا إلى أخرى».
انتهت الفترة الانتقالية بإجراء الانتخابات التشريعية أبريل 1993م، وكان جار الله عُمر عضوًا في لجنتها العليا. حل الحزب الاشتراكي ثانيًا في القائمة العددية التي لم يحسم أمرها، ورغم ذلك طالب جار الله قيادات الحزب بالانتقال إلى مُربع المُعارضة، إلا أنَّهم أصروا على الدخول في ائتلاف ثلاثي، وأسندت إليه وزارة الثقافة. لم يدم ذلك الائتلاف طويلًا، عادت الإيديولوجيا لتطغى على المصلحة، وحضرت صراعات الماضي غير البعيد، وغابت الوحدة التي كانت حتى الأمس القريب تَجُبُّ ما قبلها.
شرعية جديدة
بعد قيامه برحلة علاجية إلى الولايات المُتحدة الأمريكية، وزيارتين سريعتين إلى كلٍ من فرنسا والأردن، عاد علي سالم البيض إلى عدن أغسطس 1993م، وفيها آثر الاعتكاف للمرة الثالثة، خلال أقل من عام، وهو الاعتكاف الأطول والأخير، ليُقدم في مُنتصف الشهر التالي مشروعًا إصلاحيًا من 18 نقطة، مُلخصًا مطالبه برفض سياسة الضم، والإلحاق، والإقصاء، مُعلنًا بدء الأزمة الحقيقية بين شركاء الوحدة.
في شهادته على تلك المرحلة، قال جار الله عمر إنَّ الناس تجاوبوا حينها مع الحزب الاشتراكي؛ لأنَّ النقاط الـ 18 قد نجحت في مُخاطبة وجدانهم، وألمحت الى مَصالحهم الحقيقية المُفقودة، كما تضمنت مُقترحات لكيفية حل العديد من التناقضات الاجتماعية والسياسية المزمنة، التي ظلت تتراكم عقودًا من الزمن، وتكبت بالقوة المرة تلو الأخرى.
وهكذا تحول الصراع - حسب توصيفه - إلى صراع على قضايا اليمن، وبناء الدولة، وليس اختلافًا على اقتسام الغنيمة، وتوزيع المناصب الوزارية، الأمر الذي فتح الباب أمام نشوء شرعية جديدة موازية، هي الشرعية السياسية والشعبية، التي تنامى دورها تدريجيًا بما يكفي لمنع الطرف الآخر من استخدام البرلمان، ليتعزز ذلك الموقف بسياسة النفس الطويل والصبر الجميل من قبل قيادات الحزب، وعدم الاستجابة العاطفية للاستفزازات المتعمدة أو الصدفية.
المحطة الأكثر عمقًا
صمَّ علي عبدالله صالح أذنيه مُؤقتًا عن طبول الحرب، وقرر أن يناور كعادته. انصاع إلى مطالب الأغلبية بحل الأزمة سلميًا، لتتشكل - تبعًا لذلك - لجنة حوار من جميع الأطياف، كان جار الله عُمر عضوًا فيها، تسلمت جميع أوراق القضية، واستمر عملها قرابة شهر، وعقدت 11 اجتماعًا، وذلك بالتزامن مع حدوث احتكاكات عسكرية بين طرفي الصراع، واستمرار عمليات اغتيال جنوبيين، الأمر الذي خدم الحزب الاشتراكي في موقفه، وأدى إلى استدعاء وساطة عُمانية - أردنية، وتشكيل لجنة عسكرية من الطرفين، بمشاركة الوسيطين، والمُلحقين العسكريين الأمريكي والفرنسي، الأخير ممثلًا للاتحاد الأوربي.
وفّرت هذه التطورات - كما أفاد جار الله عمر - الشروط الضرورية للانتقال بالحوار السياسي وبالأزمة ذاتها الى المحطة الثالثة الأكثر أهمية وعمقًا، والتي شهدت صياغة وثيقة العهد والاتفاق، في ظروف بدت أكثر توازنًا، وأكثر مواتاة للحوار، واضطرار المؤتمر والإصلاح للتخلي عن مناوراتهما، والكف عن اختزال الأزمة بالخلاف بين الرئيس والنائب، والاعتراف بطابعها الوطني العام، وأن لها ما يكفي من الأسباب الموضوعية التي ينبغي الاعتراف بها، تمهيدًا للبحث عن اقتراحات وحلول عملية، وعدم الإبقاء على الأسباب التي من شأنها أنْ تنتج أزمات أخرى في المُستقبل.
#بلال_الطيب
صاحبت قضية الوحدة حياة ومسيرة جار الله عمر النضالية، وكان فاعلًا أساسيًا في الحوارات التي سبقت تحقيقها، وفي صياغة دستورها. وصفها بالعمل التاريخي العظيم، وعدّها أفضل حدث صنعه هذا الجيل، وأكد أنه لا يمكن لليمنيين أن يعيشوا بسلام واستقرار وتنمية ورفاهية بدونها.
تأجيج الصراع
لم يكن الطرف الأقوى مهيّأً للقبول بالآخر كشريك حقيقي في صناعة القرار السياسي، فقد كان مستعجلًا في إخراج الحزب الاشتراكي من الساحة. ولذات السبب؛ لقي أكثر من 155 عضوًا من أعضاء الحزب مصرعهم.
وعندما اغتيل ماجد مرشد يونيو 1992م، عقد الاشتراكيون في صنعاء اجتماعًا تشاوريًا عاصفًا. طالب يومها عارف الدوش (مصدر هذه الحكاية) بصوت مرتفع بالقصاص. وعندما حاول أحد الحاضرين إسكاته، أوقفه جار الله عمر (رئيس ذلك اللقاء)، وطلب من المتحدث إكمال حديثه. وعندما انتهى، خاطب الجميع قائلًا: «نحن حزب مدني ديمقراطي، وإن حصل ما أنتم متشائمون منه، فستكون رؤوسنا قبل رؤوسكم. نحن لا نريد أن يغرق حزبنا في الجوانب العسكرية، فقد جربنا الاقتتال، وحسمنا الكثير من القضايا بقوة السلاح، ولكننا في الأخير خسرنا، وخسر اليمن».
وقال في موضع مُشابه، ردًا على بعض المُتحمسين: «ألقينا السلاح، ولا يمكن أنْ نعود إليه مرة أخرى، مهما كلفنا الأمر، لنخض نضالنا السلمي، وثقوا أنَّ المُستقبل للعمل السلمي، والديمقراطي، جربنا السلاح والقوة، ولم تزدنا سوى المآسي، وكلما خرجنا من حرب قادتنا إلى أخرى».
انتهت الفترة الانتقالية بإجراء الانتخابات التشريعية أبريل 1993م، وكان جار الله عُمر عضوًا في لجنتها العليا. حل الحزب الاشتراكي ثانيًا في القائمة العددية التي لم يحسم أمرها، ورغم ذلك طالب جار الله قيادات الحزب بالانتقال إلى مُربع المُعارضة، إلا أنَّهم أصروا على الدخول في ائتلاف ثلاثي، وأسندت إليه وزارة الثقافة. لم يدم ذلك الائتلاف طويلًا، عادت الإيديولوجيا لتطغى على المصلحة، وحضرت صراعات الماضي غير البعيد، وغابت الوحدة التي كانت حتى الأمس القريب تَجُبُّ ما قبلها.
شرعية جديدة
بعد قيامه برحلة علاجية إلى الولايات المُتحدة الأمريكية، وزيارتين سريعتين إلى كلٍ من فرنسا والأردن، عاد علي سالم البيض إلى عدن أغسطس 1993م، وفيها آثر الاعتكاف للمرة الثالثة، خلال أقل من عام، وهو الاعتكاف الأطول والأخير، ليُقدم في مُنتصف الشهر التالي مشروعًا إصلاحيًا من 18 نقطة، مُلخصًا مطالبه برفض سياسة الضم، والإلحاق، والإقصاء، مُعلنًا بدء الأزمة الحقيقية بين شركاء الوحدة.
في شهادته على تلك المرحلة، قال جار الله عمر إنَّ الناس تجاوبوا حينها مع الحزب الاشتراكي؛ لأنَّ النقاط الـ 18 قد نجحت في مُخاطبة وجدانهم، وألمحت الى مَصالحهم الحقيقية المُفقودة، كما تضمنت مُقترحات لكيفية حل العديد من التناقضات الاجتماعية والسياسية المزمنة، التي ظلت تتراكم عقودًا من الزمن، وتكبت بالقوة المرة تلو الأخرى.
وهكذا تحول الصراع - حسب توصيفه - إلى صراع على قضايا اليمن، وبناء الدولة، وليس اختلافًا على اقتسام الغنيمة، وتوزيع المناصب الوزارية، الأمر الذي فتح الباب أمام نشوء شرعية جديدة موازية، هي الشرعية السياسية والشعبية، التي تنامى دورها تدريجيًا بما يكفي لمنع الطرف الآخر من استخدام البرلمان، ليتعزز ذلك الموقف بسياسة النفس الطويل والصبر الجميل من قبل قيادات الحزب، وعدم الاستجابة العاطفية للاستفزازات المتعمدة أو الصدفية.
المحطة الأكثر عمقًا
صمَّ علي عبدالله صالح أذنيه مُؤقتًا عن طبول الحرب، وقرر أن يناور كعادته. انصاع إلى مطالب الأغلبية بحل الأزمة سلميًا، لتتشكل - تبعًا لذلك - لجنة حوار من جميع الأطياف، كان جار الله عُمر عضوًا فيها، تسلمت جميع أوراق القضية، واستمر عملها قرابة شهر، وعقدت 11 اجتماعًا، وذلك بالتزامن مع حدوث احتكاكات عسكرية بين طرفي الصراع، واستمرار عمليات اغتيال جنوبيين، الأمر الذي خدم الحزب الاشتراكي في موقفه، وأدى إلى استدعاء وساطة عُمانية - أردنية، وتشكيل لجنة عسكرية من الطرفين، بمشاركة الوسيطين، والمُلحقين العسكريين الأمريكي والفرنسي، الأخير ممثلًا للاتحاد الأوربي.
وفّرت هذه التطورات - كما أفاد جار الله عمر - الشروط الضرورية للانتقال بالحوار السياسي وبالأزمة ذاتها الى المحطة الثالثة الأكثر أهمية وعمقًا، والتي شهدت صياغة وثيقة العهد والاتفاق، في ظروف بدت أكثر توازنًا، وأكثر مواتاة للحوار، واضطرار المؤتمر والإصلاح للتخلي عن مناوراتهما، والكف عن اختزال الأزمة بالخلاف بين الرئيس والنائب، والاعتراف بطابعها الوطني العام، وأن لها ما يكفي من الأسباب الموضوعية التي ينبغي الاعتراف بها، تمهيدًا للبحث عن اقتراحات وحلول عملية، وعدم الإبقاء على الأسباب التي من شأنها أنْ تنتج أزمات أخرى في المُستقبل.
مَهدوا بمُظاهراتهم الصاخبة واعتصاماتهم المفتوحة لقيام الثورة
#طُلاب مَدارس #صنعاء و #تعز الأحرار
#بلال_الطيب
رغم أهميتها في مَسار الحركة الوطنية، ودَورها القوي والفاعل في التمهيد للثورة السبتمبرية، لم تحظَ الحركة الطلابية - في الداخل اليمني - بالدراسة والتحليل، وظلت مَناشطها الثورية المَائزة باهتة الحضور، بإلمامٍ مَحدود، ومَعلوماتٍ مُتضاربة، وقراءاتٍ مُقتضبة، وتأويلاتٍ جانبية ابتعدت - كل البعد - عن سياق تلك المَرحلة التاريخي، ومُعطياته الواضحة، وارتكزت على خطابٍ عَاطفي طغى في لحظةٍ ما، وكانت له مُبرراته وأهدافه الآنية.
كثيرةٌ هي الدراسات التي تَناولت تاريخ تلك المرحلة، إلا أنَّها، وبسبب تأثرها بذلك الخطاب الدعائي، لم تتوسع في نقل مَناشط الحركة الطلابية، على اعتبار أنَّ المدارس النظامية لم توجد في اليمن إلا بعد قيام الثورة، مُتجاهلةً - بشكلٍ مُستفز - أسباب قيام تلك الثورة، وأنَّ الضباط الأحرار - الذين قاموا بها - كانوا طُلابـًا.
بجهد كبير، حَاولت الغوص في تاريخ تلك الحركة، وتسجيل حُضورها الفاعل والمُناهض لحكم الإمامة المُزري. وعلى الرغم من وجود الكثير من الحلقات المفقودة، فإنَّ ما قدمته هنا، يُعتبر خُلاصةً هامة، وقاعدة انطلاق للبحث والتوسع أكثر.
شعارات قومية
خلال السنوات السبع الّتي سبقت قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، قامت الحركة الطلابية بعددٍ من الاعتصامات والمظاهرات المُنظمة، وغير المُنظمة، وهي المناشط الثورية الّتي ضجّت بها شوارع مدينتي صنعاء وتعز، ومَهّدت - إلى حدٍّ كبير - لقيام تلك الثورة.
كــــان عدد طلاب مدينة صنعاء - خلال تلك الفترة - يتراوح ما بيـــن 400 إلى 500 طالب، يتوزعون على مَدارسها، ويعيش 90% منهم في أقسامٍ داخلية. وتلك المدارس:
- المدرسة العلمية: تأسست كمدرسة دينية في سبتمبر 1925م، وعُرفت أيضًا بـ (دار العلوم)، ومبناها في الأصل كان سكنًا للولاة العُثمانيين، وكان يُديرها الأستاذ يحيى النهاري.
- المدرسة الثانوية: تأسست عام 1955م، وكان يُديرها الأستاذ أحمد الشمسي، ثُمّ الأستاذ علي عبد الكريم الفضيل.
- المدرسة التحضيرية: كانت خاصة بأولاد العلويين والقضاة، وتحت إدارة الأستاذ علي الفضيل، وأُقفلت بعد سنوات قليلة من تأسيسها، وأدمجت مع المدرسة الثانوية.
- المدرسة المُتوسطة: هي في الأصل مَدرسة شيّدها الأتراك (العثمانيون) في حي بير العزب الراقي، حيث يقطن معظم أعيان ومسؤولي الدولة، وكانت تُعرف بـ (بيت بلاتون). وفي المرحلة الّتي نحن بصدد تناولها تحولت إلى مدرسة إعدادية، وأدارها الأستاذ عبد الله الذماري، ثُمّ الأستاذ علي أحمد العيني.
- المدرسة التحريرية: أمر الأمير محمد البدر بتأسيسها كملحق للمدرسة العلمية، وكانت الدراسة فيها تُوازي المَرحلة الإعدادية.
- مدرسة الأيتام: لها حضور كبير في أدبيات معظم مُناضلي تلك الحقبة، وقد تأسست كمدرسة ابتدائية عام 1935م، وكان طُلابها الأيتام وبعض طُلاب مَدارس صنعاء الابتدائية (الزُّمر، والإصلاح، ونصير) ينتقلون بعد تخرجهم من تلك المرحلة إلى المَدارس السابق ذكرها.
وإلى جَانب المُدرّسين اليمنيين، كان هُناك عددٌ من المُدرّسين المَصـريين، نذكر منهم: حسين زهير، وإبراهيم رشدي، ومحمد عباس سليمان، وجمال حمّاد، ومحمود خطاب، ومحمد عبد السلام رشوان. وكان هناك - أيضًا - مدرسين فلسطينيين، نذكر منهم: محمود دجاني، ومحمد سكتشه. استقدموا - كما قيل - عبر جامعة الدول العربية. وتولى جميعهم مهمة الإشـراف على معظم طُلاب تلك المَدارس، وتلقينهم العلوم الحديثة. ولم يصل تأثيرهم إلى طلاب المدرسة العلمية الّذين انحصـر تعليمهم على العلوم الدينية.
كانت مُظاهرة طُلاب تلك المدارس الأولى أثناء العدوان الثلاثي على مصـر أكتوبر 1956م، حيث رفعوا صورًا للرئيس جمال عبدالناصـر، ورَددوا بعض الشعارات القومية المُساندة، وقَدّموا أنفسهم إلى السفارة المصـرية مُتطوعين للدفاع عن مصـر، وعن الأمة العربية. وكان لهم - حينها - قيادات طلابية فاعلة، وكان علي عبد المغني أبرزها.
ولم يمضِ من الوقت الكثير، حتى خرج أولئك الطلاب في مُظاهرة ثانية مُتصلة، وبتوصيف أدق احتجاجًا على مُحاولة السُلطات الإمامية اعتقال طالب المدرسة الثانوية القيادي علي عبد المغني. ثم تطور الأمر إلى مُطالبتهم بتحسين مُستوى المعيشة في تلك المَدارس، والأوضاع السياسية في البلاد.
غادر أولئك الطلاب أسوار العاصمة صنعاء، واعتصموا ثلاثة أيام خارجها، ثم تَصالحوا مع الأمير الحسن بن علي (وزير المعارف)، ليأمر الأخير بحبس ثمانية منهم في سجن الرادع، وهم: علي عبدالمغني، وعلي الشيبة، وزيد الشامي (من المدرسة الثانوية). ومحمد السنحاني، وعبد الوارث سعد، ومهدي الترابي، وعلي الحجري (من المدرسة المتوسطة).وأحمد العمري (من المدرسة العلمية). وما هي إلا فترة وجيزة حتى تمّ الإفراج عنهم بكفالات من أولياء أمورهم.
#طُلاب مَدارس #صنعاء و #تعز الأحرار
#بلال_الطيب
رغم أهميتها في مَسار الحركة الوطنية، ودَورها القوي والفاعل في التمهيد للثورة السبتمبرية، لم تحظَ الحركة الطلابية - في الداخل اليمني - بالدراسة والتحليل، وظلت مَناشطها الثورية المَائزة باهتة الحضور، بإلمامٍ مَحدود، ومَعلوماتٍ مُتضاربة، وقراءاتٍ مُقتضبة، وتأويلاتٍ جانبية ابتعدت - كل البعد - عن سياق تلك المَرحلة التاريخي، ومُعطياته الواضحة، وارتكزت على خطابٍ عَاطفي طغى في لحظةٍ ما، وكانت له مُبرراته وأهدافه الآنية.
كثيرةٌ هي الدراسات التي تَناولت تاريخ تلك المرحلة، إلا أنَّها، وبسبب تأثرها بذلك الخطاب الدعائي، لم تتوسع في نقل مَناشط الحركة الطلابية، على اعتبار أنَّ المدارس النظامية لم توجد في اليمن إلا بعد قيام الثورة، مُتجاهلةً - بشكلٍ مُستفز - أسباب قيام تلك الثورة، وأنَّ الضباط الأحرار - الذين قاموا بها - كانوا طُلابـًا.
بجهد كبير، حَاولت الغوص في تاريخ تلك الحركة، وتسجيل حُضورها الفاعل والمُناهض لحكم الإمامة المُزري. وعلى الرغم من وجود الكثير من الحلقات المفقودة، فإنَّ ما قدمته هنا، يُعتبر خُلاصةً هامة، وقاعدة انطلاق للبحث والتوسع أكثر.
شعارات قومية
خلال السنوات السبع الّتي سبقت قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، قامت الحركة الطلابية بعددٍ من الاعتصامات والمظاهرات المُنظمة، وغير المُنظمة، وهي المناشط الثورية الّتي ضجّت بها شوارع مدينتي صنعاء وتعز، ومَهّدت - إلى حدٍّ كبير - لقيام تلك الثورة.
كــــان عدد طلاب مدينة صنعاء - خلال تلك الفترة - يتراوح ما بيـــن 400 إلى 500 طالب، يتوزعون على مَدارسها، ويعيش 90% منهم في أقسامٍ داخلية. وتلك المدارس:
- المدرسة العلمية: تأسست كمدرسة دينية في سبتمبر 1925م، وعُرفت أيضًا بـ (دار العلوم)، ومبناها في الأصل كان سكنًا للولاة العُثمانيين، وكان يُديرها الأستاذ يحيى النهاري.
- المدرسة الثانوية: تأسست عام 1955م، وكان يُديرها الأستاذ أحمد الشمسي، ثُمّ الأستاذ علي عبد الكريم الفضيل.
- المدرسة التحضيرية: كانت خاصة بأولاد العلويين والقضاة، وتحت إدارة الأستاذ علي الفضيل، وأُقفلت بعد سنوات قليلة من تأسيسها، وأدمجت مع المدرسة الثانوية.
- المدرسة المُتوسطة: هي في الأصل مَدرسة شيّدها الأتراك (العثمانيون) في حي بير العزب الراقي، حيث يقطن معظم أعيان ومسؤولي الدولة، وكانت تُعرف بـ (بيت بلاتون). وفي المرحلة الّتي نحن بصدد تناولها تحولت إلى مدرسة إعدادية، وأدارها الأستاذ عبد الله الذماري، ثُمّ الأستاذ علي أحمد العيني.
- المدرسة التحريرية: أمر الأمير محمد البدر بتأسيسها كملحق للمدرسة العلمية، وكانت الدراسة فيها تُوازي المَرحلة الإعدادية.
- مدرسة الأيتام: لها حضور كبير في أدبيات معظم مُناضلي تلك الحقبة، وقد تأسست كمدرسة ابتدائية عام 1935م، وكان طُلابها الأيتام وبعض طُلاب مَدارس صنعاء الابتدائية (الزُّمر، والإصلاح، ونصير) ينتقلون بعد تخرجهم من تلك المرحلة إلى المَدارس السابق ذكرها.
وإلى جَانب المُدرّسين اليمنيين، كان هُناك عددٌ من المُدرّسين المَصـريين، نذكر منهم: حسين زهير، وإبراهيم رشدي، ومحمد عباس سليمان، وجمال حمّاد، ومحمود خطاب، ومحمد عبد السلام رشوان. وكان هناك - أيضًا - مدرسين فلسطينيين، نذكر منهم: محمود دجاني، ومحمد سكتشه. استقدموا - كما قيل - عبر جامعة الدول العربية. وتولى جميعهم مهمة الإشـراف على معظم طُلاب تلك المَدارس، وتلقينهم العلوم الحديثة. ولم يصل تأثيرهم إلى طلاب المدرسة العلمية الّذين انحصـر تعليمهم على العلوم الدينية.
كانت مُظاهرة طُلاب تلك المدارس الأولى أثناء العدوان الثلاثي على مصـر أكتوبر 1956م، حيث رفعوا صورًا للرئيس جمال عبدالناصـر، ورَددوا بعض الشعارات القومية المُساندة، وقَدّموا أنفسهم إلى السفارة المصـرية مُتطوعين للدفاع عن مصـر، وعن الأمة العربية. وكان لهم - حينها - قيادات طلابية فاعلة، وكان علي عبد المغني أبرزها.
ولم يمضِ من الوقت الكثير، حتى خرج أولئك الطلاب في مُظاهرة ثانية مُتصلة، وبتوصيف أدق احتجاجًا على مُحاولة السُلطات الإمامية اعتقال طالب المدرسة الثانوية القيادي علي عبد المغني. ثم تطور الأمر إلى مُطالبتهم بتحسين مُستوى المعيشة في تلك المَدارس، والأوضاع السياسية في البلاد.
غادر أولئك الطلاب أسوار العاصمة صنعاء، واعتصموا ثلاثة أيام خارجها، ثم تَصالحوا مع الأمير الحسن بن علي (وزير المعارف)، ليأمر الأخير بحبس ثمانية منهم في سجن الرادع، وهم: علي عبدالمغني، وعلي الشيبة، وزيد الشامي (من المدرسة الثانوية). ومحمد السنحاني، وعبد الوارث سعد، ومهدي الترابي، وعلي الحجري (من المدرسة المتوسطة).وأحمد العمري (من المدرسة العلمية). وما هي إلا فترة وجيزة حتى تمّ الإفراج عنهم بكفالات من أولياء أمورهم.
" #المهاجرة " ورحلة #الغربة والاقتلاع
المرأة حين تدفع ثمنا مرتفعاً لتشظيات المجتمع
#بلال_قائد
تقوم العلوم الاجتماعية على حقيقتين أساسيتين الأولى أن الإنسان كائن اجتماعي، والأخرى أن السلوك الإنساني "يتشكل في أنماط منتظمة ومختلفة التأثير داخل المجتمع" لأن الثقافة تعتبر من أساسيات تشكيل المجتمع والواقع الاجتماعي، ولعل تعريف "إدوارد تايلور" الذي يقول " كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف، وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع" هو الأقرب إلى ما نحن بصدده في هذه السطور وما سنشير إليه في هذه الإطلالة في رواية "المهاجرة".
ومن المعروف أن الرواية العربية تناولت الكثير من القضايا التي طرأت في مجتمعاتها منذ أن ظهر الفن الروائي والكتابة السردية الحديثة ومنها قضية الهجرة والاغتراب و"الاقتلاع"، وبالطبع السرد اليمني لم يشذ عن هذه القاعدة وإن كانت القليل من الروايات تناولت قضية الهجرة والغربة وسنجد في موسوعة" الآثار المتبادلة للهجرة اليمنية الجزء السادس دراسة وافية عن أدب الهجرة.(*)
تعتبر قضية الهجرة والاقتلاع من أبرز القضايا التي تناولها الأدب اليمني بوصفها ملمحا مهماً في العصر الحديث، إذ أنها تعكس تجارب الذين اضطروا إلى ترك ديارهم بحثًا عن حياة أفضل، أو هربًا من الحروب والنزاعات أو تم اقتلاعهم من جذورهم التي نشأوا فيها وعليها بسبب موقف سياسي اتخذوه أو اتخذته الدولة الأصلية التي تعود جذورهم إليها كما حدث في حرب الخليج الأولى، وتعد رواية "المهاجرة" من قلائل الاعمال الروائية الأولى يمنياً التي أعطت مفهوم "الاقتلاع" بُعداً جديداُ ،بعد رواية "تصحيح وضع" للكاتب أحمد زين.
فالرواية الصادرة العام2024م للكاتبة شذى الخطيب، تبرز شخصية "كنده" كنموذج لهذه التجربة من غربة وهجرة و "اقتلاع" من الأرض والاغتراب النفسي عن الوطن، رغم أن قرار الهجرة الأخير أتخذ عن وعي بعكس قرارات الهجرة والاقتلاع السابقة التي وجدت نفسها فيها دون رغبتها، وبالرغم من أن الرواية تعتبر رواية نسوية لأنها تناقش * كل ما يخص المرأة، إلا أنني آثرت أن أتناول القضية البارزة في الرواية وترك مسألة النسوية لقراءة أخرى.
الهجرة والاقتلاع
ما الذي نريده عند القراءة، ومحاولة تحليل وعي الكاتبة عبر شخصياتها، فالوعي الذي نقرأه عبر شخصيات الرواية والاحساس بالاختلاف سواء في الخلفية الثقافية لها أو التجربة هو ما يقودنا إلى استنتاجاتنا والتي ربما تتماهي مع رغبتنا في اللا وعي، وبالرغم من أن الحدث الذي تجد كنده نفسها فيه هو قضية تخص المرأة إلا أن الوعي أو اللا وعي يقودها إلى الاهتمام بالهم الجمعي للمجتمع:
"نستطيع القول إن المرأة في إبداعها محاصرة بين قضيتها وقضية المجتمع، أزمتها الخاصة والأزمة التاريخية للمجتمع، ولعل هذا التقاسم غير المخطط بصورة مسبقة يبين لنا أن المرأة تترك قضيتها الخاصة ضمن القضية العامة(1) وسيلمح القارئ اغتراب الذات الساردة عما حولها وتركيزها على القضية العامة لأسباب الاغتراب وتحليلها من خلال اطلاعها على تاريخ هجرة اليمنيين.
يقول جبرا إبراهيم جبرا "إن الروائي يموضع نفسه عند مفصل التجربتين الفردية والجماعية" والروائي ينظر إلى أعماق نفسه وبالتالي إلى أعماق الإنسان الذي يصنع الفرق، حيث تبدأ رحلة كنده بالهجرة برفقة أسرتها من الأرض التي ولدت نشأت فيها، ومن ثم اقتلاعها وأسرتها بفعل حرب الخليج وترحيل اليمنيين المقيمين في المملكة العربية السعودية بفعل القرار السياسي حينها، وعودتهم لليمن بعد رفض الأب الاستمرار في الإقامة تحت رعاية "الكفيل" ورفضه كذلك الهجرة لأمريكا وهو الخيار الذي اتخذه بعض اليمنيين وقتها. حاولت كنده أن تتكيف مع الوضع الجديد في مدينة صنعاء، لتكتشف عدم قدرتها على الاستمرار لتقرر الهجرة ناحية أمريكا لتستكمل دراستها ولتبتعد عن المجتمع الذي رأت أنه لم يصل لمرحلة الانفتاح حتى تتقبله هي! لا أن يتقبلها.
كما يعتبر الكثيرون أن الهجرة والاقتلاع تعتبر من سمات هذا القرن، لأسباب كثيرة منها الحروب والديكتاتوريات التي أسامت شعوبها الذل والفقر والجهل، تصور الرواية معاناة كندة وهي تترك كل ما تعرفه وتحبه من أهل وأرض وثقافة، متوجهة نحو المجهول "أمريكا"، ويبرز شعور الاغتراب والوحدة الذي تعاني منه، إذ تصف كنده شعورها بالضياع والانفصال عن محيطها الاجتماعي والثقافي عن طريق الصراع النفسي الداخلي والذي يظهر فيه الصراع الاجتماعي الذي تعيشه، كما يظهر الحنين وارتباطها بوطنها الأصل، وهو الذي لا يزال يشكل جزءًا
المرأة حين تدفع ثمنا مرتفعاً لتشظيات المجتمع
#بلال_قائد
تقوم العلوم الاجتماعية على حقيقتين أساسيتين الأولى أن الإنسان كائن اجتماعي، والأخرى أن السلوك الإنساني "يتشكل في أنماط منتظمة ومختلفة التأثير داخل المجتمع" لأن الثقافة تعتبر من أساسيات تشكيل المجتمع والواقع الاجتماعي، ولعل تعريف "إدوارد تايلور" الذي يقول " كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف، وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع" هو الأقرب إلى ما نحن بصدده في هذه السطور وما سنشير إليه في هذه الإطلالة في رواية "المهاجرة".
ومن المعروف أن الرواية العربية تناولت الكثير من القضايا التي طرأت في مجتمعاتها منذ أن ظهر الفن الروائي والكتابة السردية الحديثة ومنها قضية الهجرة والاغتراب و"الاقتلاع"، وبالطبع السرد اليمني لم يشذ عن هذه القاعدة وإن كانت القليل من الروايات تناولت قضية الهجرة والغربة وسنجد في موسوعة" الآثار المتبادلة للهجرة اليمنية الجزء السادس دراسة وافية عن أدب الهجرة.(*)
تعتبر قضية الهجرة والاقتلاع من أبرز القضايا التي تناولها الأدب اليمني بوصفها ملمحا مهماً في العصر الحديث، إذ أنها تعكس تجارب الذين اضطروا إلى ترك ديارهم بحثًا عن حياة أفضل، أو هربًا من الحروب والنزاعات أو تم اقتلاعهم من جذورهم التي نشأوا فيها وعليها بسبب موقف سياسي اتخذوه أو اتخذته الدولة الأصلية التي تعود جذورهم إليها كما حدث في حرب الخليج الأولى، وتعد رواية "المهاجرة" من قلائل الاعمال الروائية الأولى يمنياً التي أعطت مفهوم "الاقتلاع" بُعداً جديداُ ،بعد رواية "تصحيح وضع" للكاتب أحمد زين.
فالرواية الصادرة العام2024م للكاتبة شذى الخطيب، تبرز شخصية "كنده" كنموذج لهذه التجربة من غربة وهجرة و "اقتلاع" من الأرض والاغتراب النفسي عن الوطن، رغم أن قرار الهجرة الأخير أتخذ عن وعي بعكس قرارات الهجرة والاقتلاع السابقة التي وجدت نفسها فيها دون رغبتها، وبالرغم من أن الرواية تعتبر رواية نسوية لأنها تناقش * كل ما يخص المرأة، إلا أنني آثرت أن أتناول القضية البارزة في الرواية وترك مسألة النسوية لقراءة أخرى.
عاشت كنده عدة تجارب حب غير مكتملة وفيها ظهرت أثر البيئات المختلفة لقصص الحب وبالرغم أنهم من دول يمثل المظهر المحافظ أهم خصائصها، فمن ممدوح الذي أحبته وتقدم لها ورفض أهله الزواج بها، إلى هشام الذي أنهى قصة الحب بسبب اجرائها عملية في جسدها وهو الذي يمثل أساس المرآة عند الرجل، في إدانة للموروث في البيئة اليمنية
الهجرة والاقتلاع
ما الذي نريده عند القراءة، ومحاولة تحليل وعي الكاتبة عبر شخصياتها، فالوعي الذي نقرأه عبر شخصيات الرواية والاحساس بالاختلاف سواء في الخلفية الثقافية لها أو التجربة هو ما يقودنا إلى استنتاجاتنا والتي ربما تتماهي مع رغبتنا في اللا وعي، وبالرغم من أن الحدث الذي تجد كنده نفسها فيه هو قضية تخص المرأة إلا أن الوعي أو اللا وعي يقودها إلى الاهتمام بالهم الجمعي للمجتمع:
"نستطيع القول إن المرأة في إبداعها محاصرة بين قضيتها وقضية المجتمع، أزمتها الخاصة والأزمة التاريخية للمجتمع، ولعل هذا التقاسم غير المخطط بصورة مسبقة يبين لنا أن المرأة تترك قضيتها الخاصة ضمن القضية العامة(1) وسيلمح القارئ اغتراب الذات الساردة عما حولها وتركيزها على القضية العامة لأسباب الاغتراب وتحليلها من خلال اطلاعها على تاريخ هجرة اليمنيين.
يقول جبرا إبراهيم جبرا "إن الروائي يموضع نفسه عند مفصل التجربتين الفردية والجماعية" والروائي ينظر إلى أعماق نفسه وبالتالي إلى أعماق الإنسان الذي يصنع الفرق، حيث تبدأ رحلة كنده بالهجرة برفقة أسرتها من الأرض التي ولدت نشأت فيها، ومن ثم اقتلاعها وأسرتها بفعل حرب الخليج وترحيل اليمنيين المقيمين في المملكة العربية السعودية بفعل القرار السياسي حينها، وعودتهم لليمن بعد رفض الأب الاستمرار في الإقامة تحت رعاية "الكفيل" ورفضه كذلك الهجرة لأمريكا وهو الخيار الذي اتخذه بعض اليمنيين وقتها. حاولت كنده أن تتكيف مع الوضع الجديد في مدينة صنعاء، لتكتشف عدم قدرتها على الاستمرار لتقرر الهجرة ناحية أمريكا لتستكمل دراستها ولتبتعد عن المجتمع الذي رأت أنه لم يصل لمرحلة الانفتاح حتى تتقبله هي! لا أن يتقبلها.
كما يعتبر الكثيرون أن الهجرة والاقتلاع تعتبر من سمات هذا القرن، لأسباب كثيرة منها الحروب والديكتاتوريات التي أسامت شعوبها الذل والفقر والجهل، تصور الرواية معاناة كندة وهي تترك كل ما تعرفه وتحبه من أهل وأرض وثقافة، متوجهة نحو المجهول "أمريكا"، ويبرز شعور الاغتراب والوحدة الذي تعاني منه، إذ تصف كنده شعورها بالضياع والانفصال عن محيطها الاجتماعي والثقافي عن طريق الصراع النفسي الداخلي والذي يظهر فيه الصراع الاجتماعي الذي تعيشه، كما يظهر الحنين وارتباطها بوطنها الأصل، وهو الذي لا يزال يشكل جزءًا
#الأتراك #الروم و #الأئمة
إمام ولو بدرجة نائب سلطان
#بلال_الطيب
ما أنْ لفظ الهادي شرف الدين محمد بن عبد الله عشيش أنفاسه الأخيرة 19 شوال 1307هـ / 6 يونيو 1890م، حتى اجتمع علماء الزّيدِيّة في صعدة، ورشحوا ولده محمد الشهير بـ (أبو نيب) بدلًا عنه، رفضها الأخير، وقيل أنَّه لم يستوفِ شروطها، فما كان منهم - حسب وصية الإمام المتوفى - إلا أنْ راسلوا محمد بن يحيى حميد الدين الذي كان حينها مُقيمًا في صنعاء، طلبوا منه الحضور، وفي صعدة اختاروه إمامًا؛ كونهم - حد توصيف المُؤرخ الجرافي - لم يجدوا من يصلح للإمامة غيره.
تلقب الإمام الجديد بـ (المنصور)، وهو من الأسرة القاسمية، ولكن من فرع لم يتولَّ الإمامة من قبل، كان شديد التعصب لمذهبه، مُنكرًا لما دونه من مذاهب، ولقب (حميد الدين) التصق بأبيه لمصاهرة حدثت بينه وبين آل حميد الدين بن المـُطهَّر، من أسرة شرف الدين في كوكبان.
في تلك الأثناء، كان لا يزال المهدي محمد بن قاسم الحوثي قائمًا بالدعوة لنفسه في برط، أرسل إليه المنصور محمد جماعة من أهل صعدة وضحيان، فاوضوه، فما كان منه إلا أنْ خلع نفسه، وبايع الإمام الجديد، وتحدث صاحب (الدر المنثور) عن حدوث مناوشات محدودة بين أنصار الإماميين.
بعد ثلاثة أشهر من دعوته، غادر المنصور محمد صعدة، وجعل عليها أبو نيب، استقر في القفلة، وجعلها عاصمة له، ومن هناك أخذ يوجه دعاته لاجتذاب القبائل الشمالية لمحاربة الأتراك، أعداءه الذين كان يُكن لهم عظيم الكره، سبق أن حبسوه في الحديدة قبل 15 عامًا؛ والسبب مُناصرته حينها للإمام محسن الشهاري، وكان قبل ذلك قد تولى باسمهم قضاء حجة، إلا أنَّه لم يدم في ذلك المنصب طويلًا، بدأ عهده بمحاربتهم، واستجابت القبائل بالفعل لندائه التحريضي، وعبر عن ذلك شعرًا، نقتطف منه:
أجيـبوا دعائي، ولــبـوا نـــدائي
وقــومـوا بـحـق عليـــكم وجب
وشدوا الهــمــم، لحـرب العـجم
وضــــرب القمـم، ونفي الريب
ليس في بلاد من بلاد الزّيدِيّة في اليمن - كما قال المُؤرخ العرشي - إلا وللمنصور محمد فيها معركة، وقيل أنَّها وصلت لحدود 150 موقعة، سيطرت قواته عام توليه على الشاهل شوال 1308هـ / مايو 1891م، هزمت الحامية العثمانية فيها، وقتلت قائدها محمد عارف بك، أما باقي الحملات فقد توجهت صوب ظفير حجة، ومسور، وحفاش، وملحان، والروضة، وقد كانت خسائر الأتراك فيها فادحة، وكان الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر من أبرز أنصاره.
لم يأتِ عام 1309هـ / 1891م إلا وقوات المنصور محمد التي قدرت بـ 70,000 مُقاتل تحُاصر صنعاء، دارت حينها معارك كثيرة في عصر، ونقم، والجرداء، والجراف، فيما أعلنت ذمار، ويريم طاعتها من أول وهلة، كما تشجع أبناء قبيلة بكيل في المناطق الوسطى على التمرد، وقاموا بمحاصرة الأتراك في مراكزهم بـإب، والقاعدة، وقد كان لوفاة الوالي العثماني إسماعيل حقي - حينها - أثره البالغ في تنامي حدة تلك التمردات، وقال حينها الشاعر محمد الحضراني مُهددًا الأتراك:
فقل لعلــــوج الروم وافـاكمو الذي
لسطـــوتـه ينــجـــاب كـــل المـُلمة
هـمــام كـــريم من ذؤوبة هــــاشـم
خبـــيـر بكم يــا شـــر كــل الخليقة
هتـكتــم شـريـــعة جــده وارتكبـتم
جـرائــــم أدنــاهـن ظــلم الرعـــية
سلاحكــم ســـلبًا وارحـامـــكم سبا
وأمــــوالكـم نهبـــا إذا الهــامُ حُزت
عانى سكان صنعاء من ذلك الحصار الأمرين، وحين اشتد ببعضهم الجوع، خرجوا بأهلهم بحثًا عن مكان آمن، وفي الطريق تلقفهم المحاصرون، وفتكوا بهم، ونكلوا بهم أشد تنكيل، وقد فضح المُؤرخ الواسعي جُرم تلك القبائل بقوله: «ارتكبوا أنواع الفضائح، وأغضبوا الرب تعالى بفعلهم القبائح، هتكوا الأنفس والأعراض، وكلما خرج إنسان نهبوه، وإن وجدوا امرأة هتكوا عرضها».
كما نقل الرحالة الإنجليزي هاريس الذي كان حينها مُتواجدًا في صنعاء تفاصيل دقيقة لبعض المعارك التي دارت حول المدينة المحاصرة، وقال في نقله لإحداها: «أطلقت القوات العثمانية المتحصنة في قلعة صنعاء نيران مدافعها بصورة مُنتظمة على مواقع رجال القبائل المحاصرين للمدينة، مما ساعد العثمانيين على الخروج من البوابة الجنوبية والاتجاه شمالًا، حيث نشبت معركة عنيفة رجحت كفة الترك، وتمكّنوا من طرد رجال القبائل الذين اضطروا إلى التقهقر تجاه قرية صغيرة قريبة من أسوار صنعاء، وقد تمكّنت القوات التركية بمساعدة بعض المدافع الصغيرة من تدمير منازل تلك القرية تدميرًا تامًا، وتمكّنت كذلك من رد هجوم مُضاد قام به الثوار».
وأضاف هاريس: «وأخيرًا اضطر رجال القبائل إلى التقهقر بعد أنْ تركوا آلافًا عديدة من القتلى في ميدان المعركة، ورغم انتصار القوات التركية على الثوار، لم يكن هذا الانتصار كله في صالحهم، إذ أدى ترك جثث القتلى دون دفنها إلى انتشار الأمراض بين السكان».
إمام ولو بدرجة نائب سلطان
#بلال_الطيب
ما أنْ لفظ الهادي شرف الدين محمد بن عبد الله عشيش أنفاسه الأخيرة 19 شوال 1307هـ / 6 يونيو 1890م، حتى اجتمع علماء الزّيدِيّة في صعدة، ورشحوا ولده محمد الشهير بـ (أبو نيب) بدلًا عنه، رفضها الأخير، وقيل أنَّه لم يستوفِ شروطها، فما كان منهم - حسب وصية الإمام المتوفى - إلا أنْ راسلوا محمد بن يحيى حميد الدين الذي كان حينها مُقيمًا في صنعاء، طلبوا منه الحضور، وفي صعدة اختاروه إمامًا؛ كونهم - حد توصيف المُؤرخ الجرافي - لم يجدوا من يصلح للإمامة غيره.
تلقب الإمام الجديد بـ (المنصور)، وهو من الأسرة القاسمية، ولكن من فرع لم يتولَّ الإمامة من قبل، كان شديد التعصب لمذهبه، مُنكرًا لما دونه من مذاهب، ولقب (حميد الدين) التصق بأبيه لمصاهرة حدثت بينه وبين آل حميد الدين بن المـُطهَّر، من أسرة شرف الدين في كوكبان.
في تلك الأثناء، كان لا يزال المهدي محمد بن قاسم الحوثي قائمًا بالدعوة لنفسه في برط، أرسل إليه المنصور محمد جماعة من أهل صعدة وضحيان، فاوضوه، فما كان منه إلا أنْ خلع نفسه، وبايع الإمام الجديد، وتحدث صاحب (الدر المنثور) عن حدوث مناوشات محدودة بين أنصار الإماميين.
بعد ثلاثة أشهر من دعوته، غادر المنصور محمد صعدة، وجعل عليها أبو نيب، استقر في القفلة، وجعلها عاصمة له، ومن هناك أخذ يوجه دعاته لاجتذاب القبائل الشمالية لمحاربة الأتراك، أعداءه الذين كان يُكن لهم عظيم الكره، سبق أن حبسوه في الحديدة قبل 15 عامًا؛ والسبب مُناصرته حينها للإمام محسن الشهاري، وكان قبل ذلك قد تولى باسمهم قضاء حجة، إلا أنَّه لم يدم في ذلك المنصب طويلًا، بدأ عهده بمحاربتهم، واستجابت القبائل بالفعل لندائه التحريضي، وعبر عن ذلك شعرًا، نقتطف منه:
أجيـبوا دعائي، ولــبـوا نـــدائي
وقــومـوا بـحـق عليـــكم وجب
وشدوا الهــمــم، لحـرب العـجم
وضــــرب القمـم، ونفي الريب
ليس في بلاد من بلاد الزّيدِيّة في اليمن - كما قال المُؤرخ العرشي - إلا وللمنصور محمد فيها معركة، وقيل أنَّها وصلت لحدود 150 موقعة، سيطرت قواته عام توليه على الشاهل شوال 1308هـ / مايو 1891م، هزمت الحامية العثمانية فيها، وقتلت قائدها محمد عارف بك، أما باقي الحملات فقد توجهت صوب ظفير حجة، ومسور، وحفاش، وملحان، والروضة، وقد كانت خسائر الأتراك فيها فادحة، وكان الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر من أبرز أنصاره.
لم يأتِ عام 1309هـ / 1891م إلا وقوات المنصور محمد التي قدرت بـ 70,000 مُقاتل تحُاصر صنعاء، دارت حينها معارك كثيرة في عصر، ونقم، والجرداء، والجراف، فيما أعلنت ذمار، ويريم طاعتها من أول وهلة، كما تشجع أبناء قبيلة بكيل في المناطق الوسطى على التمرد، وقاموا بمحاصرة الأتراك في مراكزهم بـإب، والقاعدة، وقد كان لوفاة الوالي العثماني إسماعيل حقي - حينها - أثره البالغ في تنامي حدة تلك التمردات، وقال حينها الشاعر محمد الحضراني مُهددًا الأتراك:
فقل لعلــــوج الروم وافـاكمو الذي
لسطـــوتـه ينــجـــاب كـــل المـُلمة
هـمــام كـــريم من ذؤوبة هــــاشـم
خبـــيـر بكم يــا شـــر كــل الخليقة
هتـكتــم شـريـــعة جــده وارتكبـتم
جـرائــــم أدنــاهـن ظــلم الرعـــية
سلاحكــم ســـلبًا وارحـامـــكم سبا
وأمــــوالكـم نهبـــا إذا الهــامُ حُزت
عانى سكان صنعاء من ذلك الحصار الأمرين، وحين اشتد ببعضهم الجوع، خرجوا بأهلهم بحثًا عن مكان آمن، وفي الطريق تلقفهم المحاصرون، وفتكوا بهم، ونكلوا بهم أشد تنكيل، وقد فضح المُؤرخ الواسعي جُرم تلك القبائل بقوله: «ارتكبوا أنواع الفضائح، وأغضبوا الرب تعالى بفعلهم القبائح، هتكوا الأنفس والأعراض، وكلما خرج إنسان نهبوه، وإن وجدوا امرأة هتكوا عرضها».
كما نقل الرحالة الإنجليزي هاريس الذي كان حينها مُتواجدًا في صنعاء تفاصيل دقيقة لبعض المعارك التي دارت حول المدينة المحاصرة، وقال في نقله لإحداها: «أطلقت القوات العثمانية المتحصنة في قلعة صنعاء نيران مدافعها بصورة مُنتظمة على مواقع رجال القبائل المحاصرين للمدينة، مما ساعد العثمانيين على الخروج من البوابة الجنوبية والاتجاه شمالًا، حيث نشبت معركة عنيفة رجحت كفة الترك، وتمكّنوا من طرد رجال القبائل الذين اضطروا إلى التقهقر تجاه قرية صغيرة قريبة من أسوار صنعاء، وقد تمكّنت القوات التركية بمساعدة بعض المدافع الصغيرة من تدمير منازل تلك القرية تدميرًا تامًا، وتمكّنت كذلك من رد هجوم مُضاد قام به الثوار».
وأضاف هاريس: «وأخيرًا اضطر رجال القبائل إلى التقهقر بعد أنْ تركوا آلافًا عديدة من القتلى في ميدان المعركة، ورغم انتصار القوات التركية على الثوار، لم يكن هذا الانتصار كله في صالحهم، إذ أدى ترك جثث القتلى دون دفنها إلى انتشار الأمراض بين السكان».
#بلال_حسين
إقرار وإلتزام من الأمير علي مقبل، أمير بلاد #الضالع للحكومة البريطانية, مقابل ٥٠ ريال مارياتريزا سنوياً.
٣ أكتوبر ١٨٨٠م..
إقرار وإلتزام من الأمير علي مقبل، أمير بلاد #الضالع للحكومة البريطانية, مقابل ٥٠ ريال مارياتريزا سنوياً.
٣ أكتوبر ١٨٨٠م..
قصة #صورة.. قصة #لجنة
#بلال_الطيب
القضية اليمنية كانت حاضرة في مُؤتمر القمة العربية الذي عُقد في 29 أغسطس من العام 1967م - بعد نكسة حزيران - بالخرطوم، واستمر لثلاثة أيام، وكان من قراراته تشكيل لجنة سلام ثلاثية من السودان، والعراق، والمغرب، تُشرف على وقف الإمدادات السعودية للإماميين، وعلى انسحاب القوات المصرية المُساندة للجمهوريين، وإجراء استفتاء شعبي يُقرر فيه اليمنيون النظام الذي يرتضونه، تُشكل على إثره حكومة ذات قاعدة عريضة، ومن جميع الأطراف.
وقد تشكلت تلك اللجنة من كلٍ من: محمد أحمد محجوب، رئيس وزراء السودان، ووزير خارجيتها، وإسماعيل خير الله، وزير خارجية العراق، وهي الدولة التي اختارتها مصر، وأحمد العراقي، وزير خارجية المغرب، وهي الدولة التي اختارتها السعودية.
لم يكن الإماميون والجمهوريون راضون على تلك الاتفاقية، ففي 8 سبتمبر من ذات العام أعلن من بيروت رئيس وزراء الإماميين الأمير الحسن بن يحيى حميد الدين بأنهَّم لا يعتبرون أنفسهم طرفًا في تلك الاتفاقية، حتى ينسحب المصريون من الأراضي اليمنية.
وفي الداخل اليمني، وفي ذات اليوم، أعلن الرئيس عبدالله السلال بأنَّه لن يلتزم بها؛ لأنَّه يعتبرها مثل اتفاقية جدة السابق فشلها (أغسطس 1965م)، وذكر عبدالرحمن البيضاني أنَّ الرئيس السلال اعترض على تلك الاتفاقية مُبكرًا، وذلك أثناء إقرارها في ذلك المُؤتمر، وأنَّ الزعيم جمال عبدالناصر عاتبه بعد انسحابه من ذلك الاجتماع قائلًا: «لست على استعداد لأنْ استمر في هذه المأساة أكثر من ذلك».
مَوقف الرئيس السلال أحدث شرخًا في العلاقات اليمنية - المصرية، زاد اتساعه أكثر حين رفض مجيئ لجنة السلام الثلاثية؛ وقيامه بتحريض الشارع عليها، وذلك بمُجرد وصولها إلى صنعاء بطائرة وحماية مصرية 3 أكتوبر 1967م، وقيل أيضًا غير ذلك. وما هو مُؤكد أنَّ الجماهير اليمنية خرجت غاضبة بمظاهرة عَارمة نظمتها قوى اليسار الجمهوري.
خرجت المسيرة من أمام المستشفى الجمهوري، لتتعرض لحظة وصولها إلى مقر القيادة المصرية لإطلاق نار؛ ما أدى إلى سُقوط مجموعة من المتظاهرين بين قتيل وجريح، استغلت قوى إمامية مُندسة تلك الحادثة، وتطور الأمر إلى اشتباكات بين قوات مصرية وقوات يمنية، قتل فيها حوالي 30 جنديًا مصريًا، وقيل أكثر من ذلك.
عادت اللجنة الثلاثية في اليوم التالي أدراجها، واكتفت بالمُراقبة عن بُعد، ووصل من استهزاء رئيسها محمد محجوب أنْ خاطب رئيس الوزراء محسن العيني بالقول: «هل أنا رئيس وزراء السودان أم اليمن، وإني لا أتساءل ما هي هذه اليمن، وماذا تساوي؟!».
كانت قد بدأت قبل ذلك الاستعدادات الشعبية للدفاع عن العاصمة صنعاء، حيث تداعت القوى والشخصيات السياسية - من مدنيين وعسكريين - إلى عقد اجتماعات متوالية في فندق قصر البشائر، واستمرت لعدة أيام، وكان جدول أعمالها يتكون من عدة نقاط، تندرج تحت عنوان عريض يتلخص في ضرورة الاستعداد للدفاع عن الثورة من هجوم عدائي مُتوقع، آخذين في الاعتبار أنَّهم سوف يقاتلون هذه المرة بمفردهم.
وقد تجلت الترجمة العملية لتلك الاجتماعات في مواقف عملية ملموسة مُشتركة، كان أبرزها المظاهرة السابق ذكرها، وبرغم الحوادث المؤسفة التي رافقتها، وبرغم أنَّها ساهمت في الواقع في إضعاف موقف الرئيس لسلال، ومهدت للانقلاب عليه، فقد كانت - كما أفاد جار الله عُمر - عملًا جماهيريًا لم يسبق له مثيل في تاريخ العاصمة؛ فهي لم تُرغم لجنة التدخل العربية على مُغادرة صنعاء خائبة وتحت حراسة مُشددة فحسب؛ بل كانت قبل كل شيء بروفة للصمود والمقاومة، ومُؤشرًا حقيقيًا إلى أنَّ الانتصار في تلك المعركة المصيرية سيكون من صنع الشعب بأسره.
الصورة المرفقة لمقدمة حديث اللواء عبدالله جزيلان نائب رئيس الجمهورية حينها لصحيفة (الأنوار) اللبنانية، الصادر يوم 3 سبتمبر 1967م، الذي حدد فيه الموقف الرسمي الرافض للجنة الثلاثية..
#بلال_الطيب
القضية اليمنية كانت حاضرة في مُؤتمر القمة العربية الذي عُقد في 29 أغسطس من العام 1967م - بعد نكسة حزيران - بالخرطوم، واستمر لثلاثة أيام، وكان من قراراته تشكيل لجنة سلام ثلاثية من السودان، والعراق، والمغرب، تُشرف على وقف الإمدادات السعودية للإماميين، وعلى انسحاب القوات المصرية المُساندة للجمهوريين، وإجراء استفتاء شعبي يُقرر فيه اليمنيون النظام الذي يرتضونه، تُشكل على إثره حكومة ذات قاعدة عريضة، ومن جميع الأطراف.
وقد تشكلت تلك اللجنة من كلٍ من: محمد أحمد محجوب، رئيس وزراء السودان، ووزير خارجيتها، وإسماعيل خير الله، وزير خارجية العراق، وهي الدولة التي اختارتها مصر، وأحمد العراقي، وزير خارجية المغرب، وهي الدولة التي اختارتها السعودية.
لم يكن الإماميون والجمهوريون راضون على تلك الاتفاقية، ففي 8 سبتمبر من ذات العام أعلن من بيروت رئيس وزراء الإماميين الأمير الحسن بن يحيى حميد الدين بأنهَّم لا يعتبرون أنفسهم طرفًا في تلك الاتفاقية، حتى ينسحب المصريون من الأراضي اليمنية.
وفي الداخل اليمني، وفي ذات اليوم، أعلن الرئيس عبدالله السلال بأنَّه لن يلتزم بها؛ لأنَّه يعتبرها مثل اتفاقية جدة السابق فشلها (أغسطس 1965م)، وذكر عبدالرحمن البيضاني أنَّ الرئيس السلال اعترض على تلك الاتفاقية مُبكرًا، وذلك أثناء إقرارها في ذلك المُؤتمر، وأنَّ الزعيم جمال عبدالناصر عاتبه بعد انسحابه من ذلك الاجتماع قائلًا: «لست على استعداد لأنْ استمر في هذه المأساة أكثر من ذلك».
مَوقف الرئيس السلال أحدث شرخًا في العلاقات اليمنية - المصرية، زاد اتساعه أكثر حين رفض مجيئ لجنة السلام الثلاثية؛ وقيامه بتحريض الشارع عليها، وذلك بمُجرد وصولها إلى صنعاء بطائرة وحماية مصرية 3 أكتوبر 1967م، وقيل أيضًا غير ذلك. وما هو مُؤكد أنَّ الجماهير اليمنية خرجت غاضبة بمظاهرة عَارمة نظمتها قوى اليسار الجمهوري.
خرجت المسيرة من أمام المستشفى الجمهوري، لتتعرض لحظة وصولها إلى مقر القيادة المصرية لإطلاق نار؛ ما أدى إلى سُقوط مجموعة من المتظاهرين بين قتيل وجريح، استغلت قوى إمامية مُندسة تلك الحادثة، وتطور الأمر إلى اشتباكات بين قوات مصرية وقوات يمنية، قتل فيها حوالي 30 جنديًا مصريًا، وقيل أكثر من ذلك.
عادت اللجنة الثلاثية في اليوم التالي أدراجها، واكتفت بالمُراقبة عن بُعد، ووصل من استهزاء رئيسها محمد محجوب أنْ خاطب رئيس الوزراء محسن العيني بالقول: «هل أنا رئيس وزراء السودان أم اليمن، وإني لا أتساءل ما هي هذه اليمن، وماذا تساوي؟!».
كانت قد بدأت قبل ذلك الاستعدادات الشعبية للدفاع عن العاصمة صنعاء، حيث تداعت القوى والشخصيات السياسية - من مدنيين وعسكريين - إلى عقد اجتماعات متوالية في فندق قصر البشائر، واستمرت لعدة أيام، وكان جدول أعمالها يتكون من عدة نقاط، تندرج تحت عنوان عريض يتلخص في ضرورة الاستعداد للدفاع عن الثورة من هجوم عدائي مُتوقع، آخذين في الاعتبار أنَّهم سوف يقاتلون هذه المرة بمفردهم.
وقد تجلت الترجمة العملية لتلك الاجتماعات في مواقف عملية ملموسة مُشتركة، كان أبرزها المظاهرة السابق ذكرها، وبرغم الحوادث المؤسفة التي رافقتها، وبرغم أنَّها ساهمت في الواقع في إضعاف موقف الرئيس لسلال، ومهدت للانقلاب عليه، فقد كانت - كما أفاد جار الله عُمر - عملًا جماهيريًا لم يسبق له مثيل في تاريخ العاصمة؛ فهي لم تُرغم لجنة التدخل العربية على مُغادرة صنعاء خائبة وتحت حراسة مُشددة فحسب؛ بل كانت قبل كل شيء بروفة للصمود والمقاومة، ومُؤشرًا حقيقيًا إلى أنَّ الانتصار في تلك المعركة المصيرية سيكون من صنع الشعب بأسره.
الصورة المرفقة لمقدمة حديث اللواء عبدالله جزيلان نائب رئيس الجمهورية حينها لصحيفة (الأنوار) اللبنانية، الصادر يوم 3 سبتمبر 1967م، الذي حدد فيه الموقف الرسمي الرافض للجنة الثلاثية..
#بلال_الطيب
ما تزال والدتي فايزة أحمد عبدالولي - حفظها الله - تحفظ مُعظم أبيات هذه القصيدة البديعة عن ظهر قلب، وترددها على الدوام، وتحاول - رُغم أنَّها لم تُكمل تعليمها - تلقين أولادي إياها.
وتتذكر - وهو الأهم - تفاصيل ذلك الحفل الطلابي الكبير، الذي شهدته قرية #الرباط المُجاورة لقريتي، في مُنتصف سبعينيات القرن الفائت، وكيف شاركت - وهي الطفلة الصغيرة التي لا يتجاوز عُمرها العشرة الأعوام - فيه، باسم مدرستها (مدرسة الطيب)، وكيف ألقت تلك القصيدة بانتشاء، ودون ارتباك، وكيف غمرها الحاضرون والمشاركون بالتصفيق الحار، والتشجيع الشديد، وكيف أعطاها أخوها (خالي المرحوم عباس) جعالة كثيرة مُكافأةً لها.
سبق أنْ قمت بالبحث عن هذه القصيدة في الشبكة العنكبوتية، ولم أجدها للأسف الشديد مُكتملة، وكم كانت سعادتي غامرة حين وجدتها بالأمس في الصورة المرفقة، المأخوذة أصلًا من إحدى المجموعات الفيسبوكية.
قال الشاعر محمد #الذهباني:
أنا الوردة البيضاء في عهد ثورتي
لبست رداء العلم يا أهل بلدتي
صرخت على الماضي البغيض لأنني
علمت بأنَّ الجهل أعمى بصيرتي
وإني بتعليمي وعزمي وشيمتي
سأرفع فوق الرأس شعبي ورايتي
فلو يعلم التاريخ أني قرأته
لقام يصافحني وفاءً لهمتي
وقد قال شكرًا من تكوني عزيزتي
فقلت: أنا في سورة النمل دولتي
أنا بنت بلقيس التي عاش مجدها
ورايتها سارت إلى كل بلدةِ
أنا بنت من سادوا الأنام وشيدوا
فلا غرو إن عادت إليا كرامتي
فلا خير في الدنيا إذا لم أكن بها
شريكة قومي في نضالي وصنعتي
سلام على الأحرار رواد ثورتي
مع الشكر مقرونًا لشعبي وأمتي
فرعى الله أيام الزمن الجميل، حين كان الإيمان بأهداف ثورة 26 سبتمبر الخالدة يستوطن كل عقل، ويغمر كل قلب، وحين كان الاحتفاء بتلك المناسبة العظيمة يتفوق على كل عيد.
ما تزال والدتي فايزة أحمد عبدالولي - حفظها الله - تحفظ مُعظم أبيات هذه القصيدة البديعة عن ظهر قلب، وترددها على الدوام، وتحاول - رُغم أنَّها لم تُكمل تعليمها - تلقين أولادي إياها.
وتتذكر - وهو الأهم - تفاصيل ذلك الحفل الطلابي الكبير، الذي شهدته قرية #الرباط المُجاورة لقريتي، في مُنتصف سبعينيات القرن الفائت، وكيف شاركت - وهي الطفلة الصغيرة التي لا يتجاوز عُمرها العشرة الأعوام - فيه، باسم مدرستها (مدرسة الطيب)، وكيف ألقت تلك القصيدة بانتشاء، ودون ارتباك، وكيف غمرها الحاضرون والمشاركون بالتصفيق الحار، والتشجيع الشديد، وكيف أعطاها أخوها (خالي المرحوم عباس) جعالة كثيرة مُكافأةً لها.
سبق أنْ قمت بالبحث عن هذه القصيدة في الشبكة العنكبوتية، ولم أجدها للأسف الشديد مُكتملة، وكم كانت سعادتي غامرة حين وجدتها بالأمس في الصورة المرفقة، المأخوذة أصلًا من إحدى المجموعات الفيسبوكية.
قال الشاعر محمد #الذهباني:
أنا الوردة البيضاء في عهد ثورتي
لبست رداء العلم يا أهل بلدتي
صرخت على الماضي البغيض لأنني
علمت بأنَّ الجهل أعمى بصيرتي
وإني بتعليمي وعزمي وشيمتي
سأرفع فوق الرأس شعبي ورايتي
فلو يعلم التاريخ أني قرأته
لقام يصافحني وفاءً لهمتي
وقد قال شكرًا من تكوني عزيزتي
فقلت: أنا في سورة النمل دولتي
أنا بنت بلقيس التي عاش مجدها
ورايتها سارت إلى كل بلدةِ
أنا بنت من سادوا الأنام وشيدوا
فلا غرو إن عادت إليا كرامتي
فلا خير في الدنيا إذا لم أكن بها
شريكة قومي في نضالي وصنعتي
سلام على الأحرار رواد ثورتي
مع الشكر مقرونًا لشعبي وأمتي
فرعى الله أيام الزمن الجميل، حين كان الإيمان بأهداف ثورة 26 سبتمبر الخالدة يستوطن كل عقل، ويغمر كل قلب، وحين كان الاحتفاء بتلك المناسبة العظيمة يتفوق على كل عيد.
#الزايدي و #الغادر و #الجمهورية؟
#بلال_الطيب
المشايخ المُتحولون، انتكاسة كُبرى اعترضت مَسار الثورة السبتمبرية المجيدة؛ ولولاهم ما استمر مخاضها لثمان سنوات، جمهوريون في النهار، ملكيون في الليل، وحين افتضح أمرهم؛ قاتلوا في صف من يدفع أكثر.
تحريض بريطاني
كَانت عَلاقة الإنجليز بالإمام أحمد - أواخر خمسينيات القرن الفائت - مُتوترة، وقد شَهِدتْ مَنطقة الضالع مُواجهات مُتقطعة بين الجانبين فبراير 1957م. وذكر المُؤرخ سلطان ناجي أنَّ القوات الإمامـية قامت - هناك - بَأكثر من خمسين حَادثة، وأنَّ المُواجهات - بين الجانبين - انتقلت إلى بيحان يونيو 1957م؛ وأنَّ كثيرًا من الثُوار الجَنوبيين فـي المحميات المُجاورة تَشجعوا - بَفعل ذلك - على التمرد والثورة.
ولتعزيز موقفهم، استغل الإنجليز خلافات أسـرة بيت حميد الدين على ولاية العهد، وأوعزوا لحاكم بيحان الأمير حسين بن أحمد الهَبيلـي أنْ يتواصل مع مَشايخ دهم وجهم وعبيدة والجدعان، المُوالين - أصلًا - للأمير الحسن بن الإمام يحيى، وقام عدد منهم بزيارته، وحصلوا منه على أسلحة، وقاموا فور عودتهم إلى مَناطقهم بالتمرد على الإمام أحمد. ففـي الجوف قامت مجاميع قبلية من دهم بمحاصـرة مدينة الحزم، وفـي صـرواح قام أفراد من قبيلة جهم تحت قيادة الشيخ أحمد بن علـي الزايدي بالاعتداء على المركز الحكومـي 20 سبتمبر 1957م، وطرد العامل، والحامية العسكرية. وشهدت منطقتا الجدعان وعبيدة حوادث مُشابهة.
قَدَّمَ المقدم عبد الله جزيلان خُلاصة ذلك المشهد بقوله: «قام الشيخ ناجي بن علـي الغادر والشيخ الزايدي بحركة تمرد فـي كلٍ من مأرب، والجوف.. وأظن أنَّ الإنجليز كانوا هم المُحركون لهذا التمرد، كوسيلة للضغط على الإمام..».
فور سماعه بذلك، عقد الأمير محمد البدر مجلس حرب، حضـره عددٌ من القادة العسكريين، وأشـرف بنفسه على تسيير حملتين عسكريتين، واحدة إلى صـرواح، تحت قيادة القاضـي محـمد عبد الله الشامـي، وأخرى إلى الجوف ومأرب، تحت قيادة عامل عمران إسماعيل بن حسين المدانـي، ورَافق بنفسه الحملة الأخيرة إلى ذيبين، وجعل من مدينة ريدة مَقرًا له.
كان المُقدم عبد الله جزيلان مُشاركًا فـي حملة الجوف - مأرب، وقد أفاد أنَّ القبائل المُحاصـرة لمدينة الحزم انسحبت فور وصولهم، وأنَّ الأسلحة الحديثة كان لها الدور الأبرز فـي ذلك، وأضاف: أنَّهم تحركوا فـي اليوم التالـي صوب مأرب، وأنَّهم لم يجدوا من قبيلة عبيدة أي مقاومة، باستثـناء شخصيـن قـــامــا بالتقطـع للحملة، ثـم ما لبثا أنْ سلما نفسيهما.
وخلافًا لذلك، أشارت تقارير إنجليزية أنَّ الأمير محمد البدر خَسـر من أفراد هذه الحملة حوالي 50 فردًا، وأنَّه جَرَّد القبائل المُتمردة من أسلحتها، واقتاد معه أسـرى ورهائن.
وفـي الجانب الآخر، كان الشيخ سنان أبو لحوم مُشاركًا فـي حَملة صـرواح، وأفاد أنَّ حوالي 1,000 مُقاتل خولانـي انضموا إلى تلك الحملة، وأنَّهم وصلوا جميعًا إلى مشارف صـرواح، مُعززين بالأسلحة الروسية الحديثة، وأنَّ تلك المنطقة شهدت مُواجهات متقطعة، سقط فـيها قتلى وجرحى من الجانبين، وأنَّ موقف قبيلة جهم ضعف بعد وصول حملة المداني إلى مأرب، وأنَّ الشيخ أحمد الزايدي هرب إلى بيحان، وأنَّ مشكلة الجدعان ثم عبيدة تم حلها وديًا.
لم يذكر الشيخ سنان أنَّ الشيخ ناجـي الغادر كان من قادة ذلك التمرد، واكتفى بالقول إنَّه بعد عودته من صـرواح إلى صنعاء، راجع على خروج الشيخ المذكور من السجن، وذلك بالتزامن مع وصول الشيخ أحمد الزايدي ومجاميع من قبيلة جهم إلى ذات المدينة مُعتذرين، وأضاف فـي موضع آخر: «وكان الغادر قد خرج من الحبس، وبدأ الخلاف معه حول الحسن..».
فوضى حسنية
لم تعد صُورة الإمام أحمد بعد إخماده لحَركة مارس 1955م كما كانت، تَحول فـي نَظر كثير من المُفتونين به من بَطل أسطوري إلى سَفاح سادي؛ وعَصفت به - تبعًا لذلك - الأمراض النفسية، والجسدية، وقام بعد أنْ حَسَّنَ عَلاقته بالرئيس المصـري جمال عبد الناصـر، وبعد أنْ هادن الإنجليز فـي الجنوب، قام بالتوجه إلى رُوما للعلاج.
ما أنْ غَادر مدينة تعز، ومعه حاشيته وحشد كبير من الرهائن 16 أبريل 1959م، حتى شَهدت مدينة البيضاء، ثم صنعاء، ثم تعز، ثم الحديدة، تمردات عسكرية قام بها عددٌ من أفراد الجيش النظامـي، حيث قَاموا بإحراق ومُحاصـرة مَنازل بعض المسؤولين الإماميين، وكان للأمير الحسن بن الإمام يحيى المُبعد حينها فـي نيويورك، والغاضب من حرمانه من ولاية العهد، يد فـي ذلك، وبتوصيف أدق فـي بعض تلك الحوادث.
وفي مدينة تعز، أراد جنود غاضبين تحت قيادة الملازم شـرف حسين المرونـي، اقتحام منزل القاضـي أحمد محسن الجبري بالقوة 12 يونيو 1959م، والقبض على أخيه القاضـي علـي الّذي تشاجر صبيحة ذلك اليوم مع أحد الجنود، وذلك بعد أنْ اتهمه الأخير بإجازة زواج زوجته من شخص آخر، قبل أنْ يُطلقها! وقد أسفرت تلك المُواجهات عن قتل ستة جنود، وقتل
#بلال_الطيب
المشايخ المُتحولون، انتكاسة كُبرى اعترضت مَسار الثورة السبتمبرية المجيدة؛ ولولاهم ما استمر مخاضها لثمان سنوات، جمهوريون في النهار، ملكيون في الليل، وحين افتضح أمرهم؛ قاتلوا في صف من يدفع أكثر.
تحريض بريطاني
كَانت عَلاقة الإنجليز بالإمام أحمد - أواخر خمسينيات القرن الفائت - مُتوترة، وقد شَهِدتْ مَنطقة الضالع مُواجهات مُتقطعة بين الجانبين فبراير 1957م. وذكر المُؤرخ سلطان ناجي أنَّ القوات الإمامـية قامت - هناك - بَأكثر من خمسين حَادثة، وأنَّ المُواجهات - بين الجانبين - انتقلت إلى بيحان يونيو 1957م؛ وأنَّ كثيرًا من الثُوار الجَنوبيين فـي المحميات المُجاورة تَشجعوا - بَفعل ذلك - على التمرد والثورة.
ولتعزيز موقفهم، استغل الإنجليز خلافات أسـرة بيت حميد الدين على ولاية العهد، وأوعزوا لحاكم بيحان الأمير حسين بن أحمد الهَبيلـي أنْ يتواصل مع مَشايخ دهم وجهم وعبيدة والجدعان، المُوالين - أصلًا - للأمير الحسن بن الإمام يحيى، وقام عدد منهم بزيارته، وحصلوا منه على أسلحة، وقاموا فور عودتهم إلى مَناطقهم بالتمرد على الإمام أحمد. ففـي الجوف قامت مجاميع قبلية من دهم بمحاصـرة مدينة الحزم، وفـي صـرواح قام أفراد من قبيلة جهم تحت قيادة الشيخ أحمد بن علـي الزايدي بالاعتداء على المركز الحكومـي 20 سبتمبر 1957م، وطرد العامل، والحامية العسكرية. وشهدت منطقتا الجدعان وعبيدة حوادث مُشابهة.
قَدَّمَ المقدم عبد الله جزيلان خُلاصة ذلك المشهد بقوله: «قام الشيخ ناجي بن علـي الغادر والشيخ الزايدي بحركة تمرد فـي كلٍ من مأرب، والجوف.. وأظن أنَّ الإنجليز كانوا هم المُحركون لهذا التمرد، كوسيلة للضغط على الإمام..».
فور سماعه بذلك، عقد الأمير محمد البدر مجلس حرب، حضـره عددٌ من القادة العسكريين، وأشـرف بنفسه على تسيير حملتين عسكريتين، واحدة إلى صـرواح، تحت قيادة القاضـي محـمد عبد الله الشامـي، وأخرى إلى الجوف ومأرب، تحت قيادة عامل عمران إسماعيل بن حسين المدانـي، ورَافق بنفسه الحملة الأخيرة إلى ذيبين، وجعل من مدينة ريدة مَقرًا له.
كان المُقدم عبد الله جزيلان مُشاركًا فـي حملة الجوف - مأرب، وقد أفاد أنَّ القبائل المُحاصـرة لمدينة الحزم انسحبت فور وصولهم، وأنَّ الأسلحة الحديثة كان لها الدور الأبرز فـي ذلك، وأضاف: أنَّهم تحركوا فـي اليوم التالـي صوب مأرب، وأنَّهم لم يجدوا من قبيلة عبيدة أي مقاومة، باستثـناء شخصيـن قـــامــا بالتقطـع للحملة، ثـم ما لبثا أنْ سلما نفسيهما.
وخلافًا لذلك، أشارت تقارير إنجليزية أنَّ الأمير محمد البدر خَسـر من أفراد هذه الحملة حوالي 50 فردًا، وأنَّه جَرَّد القبائل المُتمردة من أسلحتها، واقتاد معه أسـرى ورهائن.
وفـي الجانب الآخر، كان الشيخ سنان أبو لحوم مُشاركًا فـي حَملة صـرواح، وأفاد أنَّ حوالي 1,000 مُقاتل خولانـي انضموا إلى تلك الحملة، وأنَّهم وصلوا جميعًا إلى مشارف صـرواح، مُعززين بالأسلحة الروسية الحديثة، وأنَّ تلك المنطقة شهدت مُواجهات متقطعة، سقط فـيها قتلى وجرحى من الجانبين، وأنَّ موقف قبيلة جهم ضعف بعد وصول حملة المداني إلى مأرب، وأنَّ الشيخ أحمد الزايدي هرب إلى بيحان، وأنَّ مشكلة الجدعان ثم عبيدة تم حلها وديًا.
لم يذكر الشيخ سنان أنَّ الشيخ ناجـي الغادر كان من قادة ذلك التمرد، واكتفى بالقول إنَّه بعد عودته من صـرواح إلى صنعاء، راجع على خروج الشيخ المذكور من السجن، وذلك بالتزامن مع وصول الشيخ أحمد الزايدي ومجاميع من قبيلة جهم إلى ذات المدينة مُعتذرين، وأضاف فـي موضع آخر: «وكان الغادر قد خرج من الحبس، وبدأ الخلاف معه حول الحسن..».
فوضى حسنية
لم تعد صُورة الإمام أحمد بعد إخماده لحَركة مارس 1955م كما كانت، تَحول فـي نَظر كثير من المُفتونين به من بَطل أسطوري إلى سَفاح سادي؛ وعَصفت به - تبعًا لذلك - الأمراض النفسية، والجسدية، وقام بعد أنْ حَسَّنَ عَلاقته بالرئيس المصـري جمال عبد الناصـر، وبعد أنْ هادن الإنجليز فـي الجنوب، قام بالتوجه إلى رُوما للعلاج.
ما أنْ غَادر مدينة تعز، ومعه حاشيته وحشد كبير من الرهائن 16 أبريل 1959م، حتى شَهدت مدينة البيضاء، ثم صنعاء، ثم تعز، ثم الحديدة، تمردات عسكرية قام بها عددٌ من أفراد الجيش النظامـي، حيث قَاموا بإحراق ومُحاصـرة مَنازل بعض المسؤولين الإماميين، وكان للأمير الحسن بن الإمام يحيى المُبعد حينها فـي نيويورك، والغاضب من حرمانه من ولاية العهد، يد فـي ذلك، وبتوصيف أدق فـي بعض تلك الحوادث.
وفي مدينة تعز، أراد جنود غاضبين تحت قيادة الملازم شـرف حسين المرونـي، اقتحام منزل القاضـي أحمد محسن الجبري بالقوة 12 يونيو 1959م، والقبض على أخيه القاضـي علـي الّذي تشاجر صبيحة ذلك اليوم مع أحد الجنود، وذلك بعد أنْ اتهمه الأخير بإجازة زواج زوجته من شخص آخر، قبل أنْ يُطلقها! وقد أسفرت تلك المُواجهات عن قتل ستة جنود، وقتل
#بلال_الطيب
عن علاقة الشيخ عثمان
بالفضول وأيوب
بلال الطيب
كانت للشيخ محمد علي عثمان - عضو المجلس الجمهوري - اهتمامات بالغة بالفن والأدب، وتذوق الشعر، وكتابته، وقد خَلَّد - كما أفاد ولده المهندس أحمد - مكان مولده (قرية الحوية) في مَطلع قصيدة (يا بنات في الحوية) التي غناها الفنان الكبير أيوب طارش عبسي في بداية سبعينيات القرن الفائت، وهي القصيدة التي قام صديقه الشيخ يحيى منصور بن نصر بإكمالها، مع تغيير كلمة عجز البيت الثاني من (يومين) إلى (شهرين).
قال الشيخ عثمان:
يا بنـــات في الحــــوية
خَبــــِــرنـِي وقـــُـــوليـن
لـــــي قُـــداكــن بُنــــية
شُفتـــها قبــــل يوميــن
وقرية الحوية هذه تقع في قضاء الحجرية، وفيها أبصر الشيخ محمد علي عثمان النور لأول مرة 2 أبريل 1907م، وذلك أثناء عمل والده مُديرًا لمالية ذلك القضاء، مُعينًا من قبل الأتراك أثناء تواجدهم الثاني في اليمن.
كما أنَّه ولشدة تَذوق الشيخ محمد علي عثمان للشعر، كان شاعر اليمن الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) دائمًا ما يُسمعه أشعاره الجديدة، ويطلب حولها رأيه، وحين قرأ له هذا المقطع من غِنائية (طاب البلس):
كم يا قلوب زاورت روحي
وماشي قلب غيره وسط روحي جلس
خاطبه قائلًا: «مايسبرش هكذا، الأرواح هي اللي تتزاور، وليس الأشباح يا عبدالله»، وبسرعة بديهية غير الشاعر الفضول ذلك البيت إلى:
كم يا نجوم زاورت روحي
وماشي نجم غيره وسط روحي جلس
كان الشيخ عثمان يُعز الشاعر الفضول كثيرًا، وقد أهداه الأرضية التي بنى عليها منزله في حارة المسبح (الضربة)، واشترط عليه أنْ يكون ذلك المنزل لحبيبته ومُلهمته عزيزة النعمان، تقديرًا منه للحب الخالد الذي جمع قلبيهما، وهو المنزل الذي خلَّد شاعرنا الكبير ذكره في قصيدة (أنا مع الحب)، حيث قال:
ما احلى حبيبي وسط داري يحوم
كـــأنَّ عنـــدي كــل ضــوء النجوم
والنــهر والــزهر وقطــــــر النــدى
ورونـق الشمــــس وظـل الغيــوم
وبما أنَّ الشيء بالشيء يُذكر، فقدت شهدت مدينة تعز خلال تلك الفترة (بداية سبعينيات القرن الفائت) حراكًا فكريًا وثقافيًا مائزًا، وكانت مجالس بعض أعيان المدينة الحالمة، ومن ضمنها مجلس الشيخ عثمان أشبه بالصالونات الأدبية، إلا أنَّها لم تحظ بالاهتمام الجيد، والتوثيق اللازم، ولم يصلنا من مآثرها إلا النزر اليسير.
كان الشاعر الفضول نجم تلك المجالس، وكان دائمًا ما يفاجئ أصدقائه بأحدث إبداعاته الغنائية بصوت رفيق دربه الفنان أيوب طارش، وهي طور التلحين، ولم تكتمل جمالياتها الفنية بعد، وكان الهديل أيوب - حسب حديث صحفي - يتحسس من ذلك الموقف المُتسرع، دون أنْ يُبدي اعتراضه، احترامًا لمكانة أستاذه الفضول الذي وجد في صوته الشجي النقي ضالته.
ذات مقيل صيفي ماتع، وحسب حديث لأحد المُهتمين (التقيته قبل سنوات، ونسيت اسمه)، أسمع الشاعر الفضول الحاضرين أحدث أغانيه العاطفية: (طاب اللقاء وحبيب القلب وافي العهود)، فما كان من الشيخ محمد علي عثمان والشيخ يحيى منصور بن نصر وآخرون إلا أنْ استثاروا غيرة شاعرنا العظيم، وخاطبوه بما معناه: «بإمكان أيوب أنْ يُغني من غير كلماتك، وينجح ويشتهر، والشعراء أمثالك كُثر، فلا تحتكره لنفسك، وما دام اللحن جاهز أتركه لغيرك...».
وحسب حديث للفنان أيوب طارش، أنَّه - أي فناننا الكبير - أسمع عددًا من أعيان ومُثقفي مدينة تعز تلك الأغنية في منزل العميد عبدالكريم عبدالإله (ربما يكون هذا المقيل الأول والوحيد الذي تمت فيه مناقشة لحن تلك الأغنية، وربما يكون الثاني)، وما أنْ انتهوا من التصفيق له، والإعجاب بها، حتى انبرى الشيخ عثمان مُعاتبًا ومُداعبًا الشاعر الفضول بقوله: «لكن لاتكونش تنخط على أيوب يا عبدالله؛ كما كلماتك وقصائدك ما تطلعش ولا تحلى إلا بلحنه وصوته، وإلا ابصر إنَّ الناس ششتروها لو سجلتها بصوتك»!
كان الشيخ عثمان - حسب حديث الفنان أيوب - من أكثر المُشجعين والمحبين له، التفت إليه بعد الانتهاء من حديثه للشاعر الفضول، وخَاطبه قَائلًا: «يا أيوب خلي من يعمل قصيدة على لحنك هذا بدلًا من طاب اللقاء، وشنلتقي بعد أسبوعين هنا وشنسمعك».
ولأنَّه كان شديد الوثوق والاعتزاز بنفسه، رضخ الشاعر الفضول مُكرها لذلك التحدي، في حين تَواصل الفنان أيوب مع الشاعر أحمد الجابري، الذي كان حينها مُقيمًا في مدينة تعز، ويعمل مُديرًا تجاريًا للشركة اليمنية للصناعة والتجارة، التابعة لرجل الأعمال هائل سعيد أنعم.
لبى الشاعر أحمد الجابري الطلب من أول وهلة، وساعدته أجواء الحالمة الماطرة، وقات الجدة الصبري في استحضار أفكاره وأشواقه، وعلى وقع اللحن الأيوبي الحزين كتب رائعته الغنائية: (أشكي لمن ونجيم الصبح قلبي الولوع)، وما هي إلا أيام معدودة حتى صدح بها الهديل أيوب في حضرة الشيخ عثمان وآخرين، وكان الأخير - حسب حديث الفنان أيوب - من فرحته يقوم ويقعد، ويقول مُخاطبًا الشاعر الفضول: «هيا ابصرت
عن علاقة الشيخ عثمان
بالفضول وأيوب
بلال الطيب
كانت للشيخ محمد علي عثمان - عضو المجلس الجمهوري - اهتمامات بالغة بالفن والأدب، وتذوق الشعر، وكتابته، وقد خَلَّد - كما أفاد ولده المهندس أحمد - مكان مولده (قرية الحوية) في مَطلع قصيدة (يا بنات في الحوية) التي غناها الفنان الكبير أيوب طارش عبسي في بداية سبعينيات القرن الفائت، وهي القصيدة التي قام صديقه الشيخ يحيى منصور بن نصر بإكمالها، مع تغيير كلمة عجز البيت الثاني من (يومين) إلى (شهرين).
قال الشيخ عثمان:
يا بنـــات في الحــــوية
خَبــــِــرنـِي وقـــُـــوليـن
لـــــي قُـــداكــن بُنــــية
شُفتـــها قبــــل يوميــن
وقرية الحوية هذه تقع في قضاء الحجرية، وفيها أبصر الشيخ محمد علي عثمان النور لأول مرة 2 أبريل 1907م، وذلك أثناء عمل والده مُديرًا لمالية ذلك القضاء، مُعينًا من قبل الأتراك أثناء تواجدهم الثاني في اليمن.
كما أنَّه ولشدة تَذوق الشيخ محمد علي عثمان للشعر، كان شاعر اليمن الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) دائمًا ما يُسمعه أشعاره الجديدة، ويطلب حولها رأيه، وحين قرأ له هذا المقطع من غِنائية (طاب البلس):
كم يا قلوب زاورت روحي
وماشي قلب غيره وسط روحي جلس
خاطبه قائلًا: «مايسبرش هكذا، الأرواح هي اللي تتزاور، وليس الأشباح يا عبدالله»، وبسرعة بديهية غير الشاعر الفضول ذلك البيت إلى:
كم يا نجوم زاورت روحي
وماشي نجم غيره وسط روحي جلس
كان الشيخ عثمان يُعز الشاعر الفضول كثيرًا، وقد أهداه الأرضية التي بنى عليها منزله في حارة المسبح (الضربة)، واشترط عليه أنْ يكون ذلك المنزل لحبيبته ومُلهمته عزيزة النعمان، تقديرًا منه للحب الخالد الذي جمع قلبيهما، وهو المنزل الذي خلَّد شاعرنا الكبير ذكره في قصيدة (أنا مع الحب)، حيث قال:
ما احلى حبيبي وسط داري يحوم
كـــأنَّ عنـــدي كــل ضــوء النجوم
والنــهر والــزهر وقطــــــر النــدى
ورونـق الشمــــس وظـل الغيــوم
وبما أنَّ الشيء بالشيء يُذكر، فقدت شهدت مدينة تعز خلال تلك الفترة (بداية سبعينيات القرن الفائت) حراكًا فكريًا وثقافيًا مائزًا، وكانت مجالس بعض أعيان المدينة الحالمة، ومن ضمنها مجلس الشيخ عثمان أشبه بالصالونات الأدبية، إلا أنَّها لم تحظ بالاهتمام الجيد، والتوثيق اللازم، ولم يصلنا من مآثرها إلا النزر اليسير.
كان الشاعر الفضول نجم تلك المجالس، وكان دائمًا ما يفاجئ أصدقائه بأحدث إبداعاته الغنائية بصوت رفيق دربه الفنان أيوب طارش، وهي طور التلحين، ولم تكتمل جمالياتها الفنية بعد، وكان الهديل أيوب - حسب حديث صحفي - يتحسس من ذلك الموقف المُتسرع، دون أنْ يُبدي اعتراضه، احترامًا لمكانة أستاذه الفضول الذي وجد في صوته الشجي النقي ضالته.
ذات مقيل صيفي ماتع، وحسب حديث لأحد المُهتمين (التقيته قبل سنوات، ونسيت اسمه)، أسمع الشاعر الفضول الحاضرين أحدث أغانيه العاطفية: (طاب اللقاء وحبيب القلب وافي العهود)، فما كان من الشيخ محمد علي عثمان والشيخ يحيى منصور بن نصر وآخرون إلا أنْ استثاروا غيرة شاعرنا العظيم، وخاطبوه بما معناه: «بإمكان أيوب أنْ يُغني من غير كلماتك، وينجح ويشتهر، والشعراء أمثالك كُثر، فلا تحتكره لنفسك، وما دام اللحن جاهز أتركه لغيرك...».
وحسب حديث للفنان أيوب طارش، أنَّه - أي فناننا الكبير - أسمع عددًا من أعيان ومُثقفي مدينة تعز تلك الأغنية في منزل العميد عبدالكريم عبدالإله (ربما يكون هذا المقيل الأول والوحيد الذي تمت فيه مناقشة لحن تلك الأغنية، وربما يكون الثاني)، وما أنْ انتهوا من التصفيق له، والإعجاب بها، حتى انبرى الشيخ عثمان مُعاتبًا ومُداعبًا الشاعر الفضول بقوله: «لكن لاتكونش تنخط على أيوب يا عبدالله؛ كما كلماتك وقصائدك ما تطلعش ولا تحلى إلا بلحنه وصوته، وإلا ابصر إنَّ الناس ششتروها لو سجلتها بصوتك»!
كان الشيخ عثمان - حسب حديث الفنان أيوب - من أكثر المُشجعين والمحبين له، التفت إليه بعد الانتهاء من حديثه للشاعر الفضول، وخَاطبه قَائلًا: «يا أيوب خلي من يعمل قصيدة على لحنك هذا بدلًا من طاب اللقاء، وشنلتقي بعد أسبوعين هنا وشنسمعك».
ولأنَّه كان شديد الوثوق والاعتزاز بنفسه، رضخ الشاعر الفضول مُكرها لذلك التحدي، في حين تَواصل الفنان أيوب مع الشاعر أحمد الجابري، الذي كان حينها مُقيمًا في مدينة تعز، ويعمل مُديرًا تجاريًا للشركة اليمنية للصناعة والتجارة، التابعة لرجل الأعمال هائل سعيد أنعم.
لبى الشاعر أحمد الجابري الطلب من أول وهلة، وساعدته أجواء الحالمة الماطرة، وقات الجدة الصبري في استحضار أفكاره وأشواقه، وعلى وقع اللحن الأيوبي الحزين كتب رائعته الغنائية: (أشكي لمن ونجيم الصبح قلبي الولوع)، وما هي إلا أيام معدودة حتى صدح بها الهديل أيوب في حضرة الشيخ عثمان وآخرين، وكان الأخير - حسب حديث الفنان أيوب - من فرحته يقوم ويقعد، ويقول مُخاطبًا الشاعر الفضول: «هيا ابصرت
#الإمام_يحيى و #رعيته
تَواصل سِلبي
#بلال_الطيب
«إن موقف الطاغية كذلك الذي يَقطع الشجرة لكي يَقطف الثمرة»، حِكمة قالها الفيلسوف الفرنسي شارل مونتيسكيو قديمًا، فجسدها الأئمة من بيت حميد الدين وأسلافهم في حُكمهم الكهنوتي، وكما كانت اليمن بالنسبة لهؤلاء قرية للجبايات الكبيرة، كان الشعب تلك الشجرة الغنية بالثمار، التي سقطت في الأخير فوق من اعتدى عليها، وأردته قتيلًا.
فقه سياسي
تعددت أسماء الجبايات الإمامية، والسلب في النهاية واحد، تارة كانوا يسمونها زكاة، وتارة واجبات، ومرة عُشر، وأخرى حق بيت المال، وكُله في الأول والأخير يتم باسم الله، ويُنهك عباد الله.
جعلوا - أي الأئمة السلاليين - من الرعية المُستضعفين مصدرًا رئيسيًا لدخل الدولة، ولم يبحثوا عن مصادر أخرى لذلك الدخل، وعن ذلك قال الأستاذ أحمد محمد نعمان: «لقد بات من المـُقرر أنَّه ليس للحكومة مورد من موارد المال إلا من أرض الفلاح، ومزرعة الفلاح، وعناء الفلاح، وكد الفلاح، فهو قُوتُها، وقوتها، وكنزها، ومتجرها الذي لا تعرف سواه».
وبلغ الأمر بالإمام يحيى أنَّه كان يحدد مقادير الزكاة بنفسه، ويؤكد ذلك هذه الرسالة التي بعثها لأحد عماله 9 فبراير 1926م، حيث قال: «قد سبق الأمر إليكم بقبض علف الذرة من نفس شبام، بعد كل قدح ربع ريـال، وحيث تحقق بأنَّ ذلك موافق للحق، نأمركم بالقبض من جميع ما تحت نظارتكم من المحلات، بعد كل قدح ربع ريـال من ذرة وغيرها، فخرج ما لم يستفاد بعلفه مثل الخردل، والحلبة، والقلا، والعدس، والسعتر، والذرة. وهذا اعتبار من الصراب الحاصل بهذه السنة، واجروا الضم على التزام ما يقاوم الثمن، ريال الزائد على الدرهم، فلا بد من ضمه، حيث كان الالتزام بشرط أن القبض بعد كل قدح ثمن ريـال، فاعتمدوا هذا».
أوغلت تلك السلطات الغاشمة في تفتيت وتمزيق الشعب الواحد على قاعدة العصبية المذهبية والعرقية السلالية، وصيروهم - تبعاً لذلك - رعية وعساكر، ولقد عرَّف الشهيد محمد محمود الزبيري الإمامة: بأنَّها فكرة مذهبية طائفية يعتنقها من القديم شطر من الشعب، وهم الزيدية - أي الهادوية - وأنَّ باقي اليمنيين لا يدينون بها، ولا يرون لها حقًا في السيطرة عليهم، مُشيـرًا إلى أنَّ التَحكم الإمامي خلق شعـورًا مَريرًا لدى الغالبية، وأبقى الانقسام ظلًا قاتمًا رهيبًا يخيم على البلاد.
وأكد القاضي الزبيري أنَّ سكان المناطق الشمالية العُقلاء منهم أبرياء من هذا الافتئات والظلم، وأنَّهم لبثوا الدهر الطويل يعانون مرارة الطغيان، ويرون فيه حكمًا طارئًا عليهم، دخيلًا على حياتهم، يفرض عليهم إلى جانب السُلطة السياسية سلطة روحية تعيش في دمائهم كالكابوس الرهيب، وتُجرعهم المـُعتقدات المسمومة، ثم تُطلقهم على الفريق الآخر كالذئاب المسعورة.
مـارس الإماميون العبث على عباد الله، في حياتهم وممتلكاتهم، فالاستبداد المُطلق، كان عنوان حكمهم، وهويته اللصيقة به، والطغيان الأحمق، كان سُلوكهم اليومي الذي يتباهون به، قـادوا البلاد والعباد بما أملته عليهم رغباتهـم الفجَّة، وفَصّلوا فقهاً سياسيًا يشملهم بكل الخيرات، ويستثني كل اليمنيين.
ألسنا مُسلمين؟!
كانوا - أي أولئك الأئمة السلاليين - يقولون أنَّهم يَحكمون بأمر الله، وباسم الحق الإلهي، وما من استبداد سياسي - كما قال الكواكبي - إلا ويتخذ لنفسه صفة قدسية يُشارك بها الله، والطغاة - كما قال علي الوردي - يعبدون الله، وينهبون عباد الله في آن واحد.
ولتوضيح هذه الصورة أكثر، أترككم مع هذه المُقتطفات من قصيدة طويلة للشاعر سليمان بن عبدالرحمن الكحيلي الصلوي، عدد فيها تلك الجبايات التعسفية بمفردات دارجة أكثر شُمولًا، وهي - أي القصيدة - مُرسلة في الأصل للإمام الطاغية يحيى حميد الدين، جاء فيها:
بلغــــــــوا عــــنا أميـــــر المؤمنين
أنَّ هــــذا الظـــــلم آذى المســــلمين
تـــــــرك الامـــة في أمــــر مهيــن
مـــــــا جرى منــــــا ألسنـا مسلمين
أولاً يستـــلــــمــون الـــعـــاشـــــرة
وهي في التــــخمين ضربة جائرة
وعــــــوائــدهــــا عليــــها دائـــرة
والرعــــايا مـــن عنـــاياها ذاهلين
بعد هـــــذا طلبـــــوا ثلــــث البــدل
ازعجـــــوا النـــــاس بسهـــل وجبل
ســـلمــــوا فــورًا بغــاية العــــجـــل
وهـــــم إذ ذاك قــهــــرًا باكئــــيـــن
طفقـــــوا يحصــــــون أنــواع الثمار
أول الدفتــــــر اســـم الدجــر صار
والذرة نوعــان بيضـــــاء وصــفار
برهم حنـــــطة واســـم الهند صين
عـــدة الأغــــنــام رابـــــع مـا ذكـر
والمخــــضــر ثـم فــول وعــــتــــر
تَواصل سِلبي
#بلال_الطيب
«إن موقف الطاغية كذلك الذي يَقطع الشجرة لكي يَقطف الثمرة»، حِكمة قالها الفيلسوف الفرنسي شارل مونتيسكيو قديمًا، فجسدها الأئمة من بيت حميد الدين وأسلافهم في حُكمهم الكهنوتي، وكما كانت اليمن بالنسبة لهؤلاء قرية للجبايات الكبيرة، كان الشعب تلك الشجرة الغنية بالثمار، التي سقطت في الأخير فوق من اعتدى عليها، وأردته قتيلًا.
فقه سياسي
تعددت أسماء الجبايات الإمامية، والسلب في النهاية واحد، تارة كانوا يسمونها زكاة، وتارة واجبات، ومرة عُشر، وأخرى حق بيت المال، وكُله في الأول والأخير يتم باسم الله، ويُنهك عباد الله.
جعلوا - أي الأئمة السلاليين - من الرعية المُستضعفين مصدرًا رئيسيًا لدخل الدولة، ولم يبحثوا عن مصادر أخرى لذلك الدخل، وعن ذلك قال الأستاذ أحمد محمد نعمان: «لقد بات من المـُقرر أنَّه ليس للحكومة مورد من موارد المال إلا من أرض الفلاح، ومزرعة الفلاح، وعناء الفلاح، وكد الفلاح، فهو قُوتُها، وقوتها، وكنزها، ومتجرها الذي لا تعرف سواه».
وبلغ الأمر بالإمام يحيى أنَّه كان يحدد مقادير الزكاة بنفسه، ويؤكد ذلك هذه الرسالة التي بعثها لأحد عماله 9 فبراير 1926م، حيث قال: «قد سبق الأمر إليكم بقبض علف الذرة من نفس شبام، بعد كل قدح ربع ريـال، وحيث تحقق بأنَّ ذلك موافق للحق، نأمركم بالقبض من جميع ما تحت نظارتكم من المحلات، بعد كل قدح ربع ريـال من ذرة وغيرها، فخرج ما لم يستفاد بعلفه مثل الخردل، والحلبة، والقلا، والعدس، والسعتر، والذرة. وهذا اعتبار من الصراب الحاصل بهذه السنة، واجروا الضم على التزام ما يقاوم الثمن، ريال الزائد على الدرهم، فلا بد من ضمه، حيث كان الالتزام بشرط أن القبض بعد كل قدح ثمن ريـال، فاعتمدوا هذا».
أوغلت تلك السلطات الغاشمة في تفتيت وتمزيق الشعب الواحد على قاعدة العصبية المذهبية والعرقية السلالية، وصيروهم - تبعاً لذلك - رعية وعساكر، ولقد عرَّف الشهيد محمد محمود الزبيري الإمامة: بأنَّها فكرة مذهبية طائفية يعتنقها من القديم شطر من الشعب، وهم الزيدية - أي الهادوية - وأنَّ باقي اليمنيين لا يدينون بها، ولا يرون لها حقًا في السيطرة عليهم، مُشيـرًا إلى أنَّ التَحكم الإمامي خلق شعـورًا مَريرًا لدى الغالبية، وأبقى الانقسام ظلًا قاتمًا رهيبًا يخيم على البلاد.
وأكد القاضي الزبيري أنَّ سكان المناطق الشمالية العُقلاء منهم أبرياء من هذا الافتئات والظلم، وأنَّهم لبثوا الدهر الطويل يعانون مرارة الطغيان، ويرون فيه حكمًا طارئًا عليهم، دخيلًا على حياتهم، يفرض عليهم إلى جانب السُلطة السياسية سلطة روحية تعيش في دمائهم كالكابوس الرهيب، وتُجرعهم المـُعتقدات المسمومة، ثم تُطلقهم على الفريق الآخر كالذئاب المسعورة.
مـارس الإماميون العبث على عباد الله، في حياتهم وممتلكاتهم، فالاستبداد المُطلق، كان عنوان حكمهم، وهويته اللصيقة به، والطغيان الأحمق، كان سُلوكهم اليومي الذي يتباهون به، قـادوا البلاد والعباد بما أملته عليهم رغباتهـم الفجَّة، وفَصّلوا فقهاً سياسيًا يشملهم بكل الخيرات، ويستثني كل اليمنيين.
ألسنا مُسلمين؟!
كانوا - أي أولئك الأئمة السلاليين - يقولون أنَّهم يَحكمون بأمر الله، وباسم الحق الإلهي، وما من استبداد سياسي - كما قال الكواكبي - إلا ويتخذ لنفسه صفة قدسية يُشارك بها الله، والطغاة - كما قال علي الوردي - يعبدون الله، وينهبون عباد الله في آن واحد.
ولتوضيح هذه الصورة أكثر، أترككم مع هذه المُقتطفات من قصيدة طويلة للشاعر سليمان بن عبدالرحمن الكحيلي الصلوي، عدد فيها تلك الجبايات التعسفية بمفردات دارجة أكثر شُمولًا، وهي - أي القصيدة - مُرسلة في الأصل للإمام الطاغية يحيى حميد الدين، جاء فيها:
بلغــــــــوا عــــنا أميـــــر المؤمنين
أنَّ هــــذا الظـــــلم آذى المســــلمين
تـــــــرك الامـــة في أمــــر مهيــن
مـــــــا جرى منــــــا ألسنـا مسلمين
أولاً يستـــلــــمــون الـــعـــاشـــــرة
وهي في التــــخمين ضربة جائرة
وعــــــوائــدهــــا عليــــها دائـــرة
والرعــــايا مـــن عنـــاياها ذاهلين
بعد هـــــذا طلبـــــوا ثلــــث البــدل
ازعجـــــوا النـــــاس بسهـــل وجبل
ســـلمــــوا فــورًا بغــاية العــــجـــل
وهـــــم إذ ذاك قــهــــرًا باكئــــيـــن
طفقـــــوا يحصــــــون أنــواع الثمار
أول الدفتــــــر اســـم الدجــر صار
والذرة نوعــان بيضـــــاء وصــفار
برهم حنـــــطة واســـم الهند صين
عـــدة الأغــــنــام رابـــــع مـا ذكـر
والمخــــضــر ثـم فــول وعــــتــــر
خلفاء الفاطميين ، وجماعة من خاصة دولتهم : كبني #رزيك ، و #شاور. كما امتدح #آل_زريع وجماعة من دولتهم ك #العيدي (١) ، و #بلال (٢) ، وبعض آل #أبي_عقامة (٣).
وله كتاب «النكت العصرية في أخبار الديار #المصرية» ومن حسن الحظ أن عني المستشرق الفرنسي ديرنبورج بنشر هذا الكتاب في مدينة شالون ب #فرنسا سنة ١٨٩٧. وله كتاب آخر يسمى «أخبار الشعراء» (٤) ، كذلك له كتاب «نموذج #ملوك_اليمن » (٥).
ولما كان عمارة متعلقا بحب الفاطميين فظهر من حبه هذا في فلتات لسانه ، وفي نظمه ونثره ما دعا إلى التحرز منه وإبعاده. وإذا كان قد مدح بني أيوب فإنه تكلف ذلك ، وصرح ، وعرض فيه بما في ضميره. وقد قال في كتابه النكت : «ذكر الله أيامهم بحمد لا يكل نشاطه ، ولا يطوى بساطه ، فقد وجدت فقدهم و #هنت_بعدهم» (٦).
وقد عرض عمارة حياته للخطر بسبب هذا الحب الدافق ، والوفاء التام للفاطميين (٧) ، فأوغر بذلك حفيظة #الأيوبيين ، وكان كلما هم صلاح الدين بعقوبته دافع عنه القاضي الفاضل. ولما حانت منيته تجمعت عدة أسباب أدت إلى #إدانته ، منها : ما ذكره #إبن_خلكان (٨) ، من أنه اتفق مع جماعة من كبار أهل مصر عددهم ثمانية على #قلب نظام الحكم ، فلما أحس بهم #صلاح_الدين قبض عليهم في يوم ٢٦ من شعبان سنة ٥٦٩ ، و #شنقهم ب #القاهرة يوم
______
(١) الأديب الفاضل أبو بكر محمد بن العيدي (راجع الصفحة الأولى من هذه الترجمة).
(٢) هو بلال بن جرير المحمدي (راجع أخباره في الأصل والدور الذي لعبه في عهد دولة بني نجاح).
(٣) راجع حاشية ٦٩ (كاي) المترجمة والتعليق عليها ؛ قلادة : ٢ / ٢ ورقة : ٦٣٥.
(٤) راجع حاشية ٦٩ (كاي) المترجمة والتعليق عليها.
(٥) راجع «الصليحيون» ١٩٤ هامش ٤.
(٦) أبو شامة : الروضتين في أخبار الدولتين : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
(٧) النكت العصرية : ٥٤٥.
(٨) وفيات : ٣ / ١١٢.
12
وله كتاب «النكت العصرية في أخبار الديار #المصرية» ومن حسن الحظ أن عني المستشرق الفرنسي ديرنبورج بنشر هذا الكتاب في مدينة شالون ب #فرنسا سنة ١٨٩٧. وله كتاب آخر يسمى «أخبار الشعراء» (٤) ، كذلك له كتاب «نموذج #ملوك_اليمن » (٥).
ولما كان عمارة متعلقا بحب الفاطميين فظهر من حبه هذا في فلتات لسانه ، وفي نظمه ونثره ما دعا إلى التحرز منه وإبعاده. وإذا كان قد مدح بني أيوب فإنه تكلف ذلك ، وصرح ، وعرض فيه بما في ضميره. وقد قال في كتابه النكت : «ذكر الله أيامهم بحمد لا يكل نشاطه ، ولا يطوى بساطه ، فقد وجدت فقدهم و #هنت_بعدهم» (٦).
وقد عرض عمارة حياته للخطر بسبب هذا الحب الدافق ، والوفاء التام للفاطميين (٧) ، فأوغر بذلك حفيظة #الأيوبيين ، وكان كلما هم صلاح الدين بعقوبته دافع عنه القاضي الفاضل. ولما حانت منيته تجمعت عدة أسباب أدت إلى #إدانته ، منها : ما ذكره #إبن_خلكان (٨) ، من أنه اتفق مع جماعة من كبار أهل مصر عددهم ثمانية على #قلب نظام الحكم ، فلما أحس بهم #صلاح_الدين قبض عليهم في يوم ٢٦ من شعبان سنة ٥٦٩ ، و #شنقهم ب #القاهرة يوم
______
(١) الأديب الفاضل أبو بكر محمد بن العيدي (راجع الصفحة الأولى من هذه الترجمة).
(٢) هو بلال بن جرير المحمدي (راجع أخباره في الأصل والدور الذي لعبه في عهد دولة بني نجاح).
(٣) راجع حاشية ٦٩ (كاي) المترجمة والتعليق عليها ؛ قلادة : ٢ / ٢ ورقة : ٦٣٥.
(٤) راجع حاشية ٦٩ (كاي) المترجمة والتعليق عليها.
(٥) راجع «الصليحيون» ١٩٤ هامش ٤.
(٦) أبو شامة : الروضتين في أخبار الدولتين : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
(٧) النكت العصرية : ٥٤٥.
(٨) وفيات : ٣ / ١١٢.
12
#مجلس_الإمامة
#بلال_الطيب
بعد فك الحصار عن صنعاء بأكثر من شهرين، عَقد الإماميون مُؤتمرًا عَامًا في مَدينة صعدة، وتحولت نبرة خِطاباتهم الدعائية لمُواجهة التدخل الشيوعي بدلًا عن الاحتلال المصري، وجاء في مُقدمة قرارات ذلك المُؤتمر ما نصه: «وقد وجد المُؤتمرون أنَّ مشكلة الساعة هو خطر التدخل الشيوعي الصريح في البلاد، بعد أنْ تم سحق الغزو المصري، مُستأجرًا شرذمة من المُرتزقة الخائفين على مصيرهم، لمحو قومية بلادنا وديننا، وبسط نفوذ الشيوعية الاستعمارية، التي فرقت الصفوف، ونشرت الطائفية والعصبية بالدس، والغدر، والمذابح»!
وتنفيذًا لقرارات ذلك الـمُؤتمر أعاد الإماميون تَشكيل مجلس الإمامة، وجَعلوا الأمير محمد بن الحسين في الصدارة، واختاروا لعضويته كلًا من: الأمير علي بن إبراهيم، وأحمد محمد الشامي، وآخرين. واختاروا الأمير عبدالله بن الحسن رئيسًا لمجلس الوزراء بالوكالة 30 مايو 1968م، ومحمد بن عبدالقدوس الوزير (سبط الإمام يحيى) نائبًا له، ولم يهنأ ابن الحسن بمنصبه الجديد طويلًا، فقد تم بطلب سعودي عَزله، فيما قام أحد مشايخ قبيلة سحار - كما سيأتي - بوضع حد لطموحاته.
انتهت بمجلس الإمامة الجديد المدعوم سُعوديًا سُلطة الإمام محمد البدر الشرعية، وسُلطة عمه الأمير الحسن - رئيس مجلس الوزراء الأسبق - الإسمية، وقد يكون ذلك الانقلاب المُفاجئ هو الذي دفع الأول - كما سيأتي أيضًا - للتواصل مع الجانب الجمهوري بلغة استسلامية يائسة، في حين آثر الأخير الانسحاب بهدوء، بعد أنْ هده الصراع، وأنهكه المرض.
بلغت بعد مُؤتمر صَعدة ومن بعده مؤتمر ريدة الخلافات البينية بين الإمام محمد البدر والأمير محمد بن الحسين ومعه معظم أمراء بيت حميد الدين ذروتها، وتعذَّر مع ارتفاع وتيرتها إيجاد صِيغة مُلائمة يَلتقي عندها الفُرقاء، رغم عديد مُحاولات غير واضحة من هذا الطرف أو ذاك؛ وقد اتجه وضع الإماميين سياسيًا وعسكريًا بفعل ذلك، وبرضى وتخطيط سعودي من سيء إلى أسوأ.
ـ الصورة للأمير محمد بن الحسين أثناء قيادته لمعارك حصار صنعاء.
#بلال_الطيب
بعد فك الحصار عن صنعاء بأكثر من شهرين، عَقد الإماميون مُؤتمرًا عَامًا في مَدينة صعدة، وتحولت نبرة خِطاباتهم الدعائية لمُواجهة التدخل الشيوعي بدلًا عن الاحتلال المصري، وجاء في مُقدمة قرارات ذلك المُؤتمر ما نصه: «وقد وجد المُؤتمرون أنَّ مشكلة الساعة هو خطر التدخل الشيوعي الصريح في البلاد، بعد أنْ تم سحق الغزو المصري، مُستأجرًا شرذمة من المُرتزقة الخائفين على مصيرهم، لمحو قومية بلادنا وديننا، وبسط نفوذ الشيوعية الاستعمارية، التي فرقت الصفوف، ونشرت الطائفية والعصبية بالدس، والغدر، والمذابح»!
وتنفيذًا لقرارات ذلك الـمُؤتمر أعاد الإماميون تَشكيل مجلس الإمامة، وجَعلوا الأمير محمد بن الحسين في الصدارة، واختاروا لعضويته كلًا من: الأمير علي بن إبراهيم، وأحمد محمد الشامي، وآخرين. واختاروا الأمير عبدالله بن الحسن رئيسًا لمجلس الوزراء بالوكالة 30 مايو 1968م، ومحمد بن عبدالقدوس الوزير (سبط الإمام يحيى) نائبًا له، ولم يهنأ ابن الحسن بمنصبه الجديد طويلًا، فقد تم بطلب سعودي عَزله، فيما قام أحد مشايخ قبيلة سحار - كما سيأتي - بوضع حد لطموحاته.
انتهت بمجلس الإمامة الجديد المدعوم سُعوديًا سُلطة الإمام محمد البدر الشرعية، وسُلطة عمه الأمير الحسن - رئيس مجلس الوزراء الأسبق - الإسمية، وقد يكون ذلك الانقلاب المُفاجئ هو الذي دفع الأول - كما سيأتي أيضًا - للتواصل مع الجانب الجمهوري بلغة استسلامية يائسة، في حين آثر الأخير الانسحاب بهدوء، بعد أنْ هده الصراع، وأنهكه المرض.
بلغت بعد مُؤتمر صَعدة ومن بعده مؤتمر ريدة الخلافات البينية بين الإمام محمد البدر والأمير محمد بن الحسين ومعه معظم أمراء بيت حميد الدين ذروتها، وتعذَّر مع ارتفاع وتيرتها إيجاد صِيغة مُلائمة يَلتقي عندها الفُرقاء، رغم عديد مُحاولات غير واضحة من هذا الطرف أو ذاك؛ وقد اتجه وضع الإماميين سياسيًا وعسكريًا بفعل ذلك، وبرضى وتخطيط سعودي من سيء إلى أسوأ.
ـ الصورة للأمير محمد بن الحسين أثناء قيادته لمعارك حصار صنعاء.