اليمن_تاريخ_وثقافة

وثّقت أروى حكايات الحب التي صاغتها المخيلة الشعبية لتخفف من قسوة الواقع وتضيء شعلة الأمل، وسرديات الأبطال الشعبيين الذين تحدوا الظلم وتحولوا إلى رموز خالدة للمقاومة والإقدام، كما جمعت نصوصاً غريبة تنتمي إلى ما يُعرف بالعوالم الفانتازية في المخيال الشعبي اليمني، مثل حكايات الجن والعفاريت والمخلوقات الأسطورية. كانت ترى في هذه العوالم انعكاساً لاحتياجات البشر للتعبير عن قلقهم الوجودي ومخاوفهم وآمالهم، فهي جزء أصيل من النسيج الثقافي للمجتمع.

ومن إنجازاتها اللافتة أيضاً توثيق الأغاني الشعبية في مختلف أنحاء اليمن، إذ عملت في مشروع طموح لرصد أغاني الأعراس، وأغاني الفلاحين والعمال، وأغاني الأطفال، والأناشيد الدينية المتوارثة ، وأغاني النساء، والأهازيج القبلية، وأناشيد الحجيج. تميزت هذه الأغاني بتنوعها الكبير ولهجاتها المتعددة من صنعاء إلى تهامة، ومن حضرموت إلى صعدة. وقد رأت أروى في هذه النصوص الغنائية تعبيراً أصيلاً عن جماليات وذائقة الشعب اليمني وثراء وجدانه الجمعي، وكانت تؤكد على أن اللحن والكلمة يحملان في طياتهما تاريخًا طويلًا من المشاعر والتجارب الإنسانية المشتركة. كما لم تقف أروى عند حدود الجمع والتوثيق، بل أنجزت عدداً من الدراسات النقدية والفكرية الرصينة التي اتجهت نحو تحليل الرموز والمفاهيم الكامنة في المأثور الشعبي. اشتغلت على تفكيك الدلالات الرمزية للحكايات والأمثال والأغاني، وأوضحت كيف تكشف هذه النصوص عن رؤية الناس البسطاء للعالم، عن فلسفتهم المتأصلة في الحياة. في كتاباتها، حللت أروى العلاقة بين الرمزية الشعبية وإسقاطاتها على قضايا وجودية عميقة مثل الموت والحب والخوف والسلطة. كانت تقول إن المأثور الشعبي هو السيرة الحقيقية للناس، بكل ما فيه من ألم وجمال وحكمة، وإن فهمه لا يكون إلا بالإنصات العميق إلى ما تقوله الرموز والدلالات الضمنية التي تختزنها الحكايات والأغاني والأمثال. لقد أعادت أروى الاعتبار لهذا الإرث العظيم، ونجحت هي وقلة من الباحثين في أن يعاد التفكير في معناه وأهميته كجزء حي ومتجدد من هويتنا الثقافية والإنسانية. كان مشروعها في التراث مشروعًا للحياة، للحرية، للانتصار على النسيان في زمن تتلاطم فيه أمواج التغيير والعولمة، وتهدد بمحو الأصالة والخصوصي

لم يتوقف تأثير أروى عبده عثمان عند حدود اليمن الجغرافية، بل امتد ليشمل الفضاء العربي والدولي. فقد مثلت بلدها في العديد من المحافل العربية والدولية، وشاركت بفعالية في مؤتمرات أدبية وفكرية مرموقة، وقدمت أوراق عمل بحثية قيمة، وألقت محاضرات مؤثرة عن قضايا المرأة والتراث والثقافة الشعبية. كتاباتها تُرجمت إلى لغات أخرى، مما أتاح لجمهور أوسع التعرف على فكرها، ومقالاتها النقدية والفكرية نشرت في كبريات الصحف والمجلات العربية، مما ساهم في تعريف الجمهور الأوسع بفكرها ورؤاها الجريئة والمستنيرة، بالإضافة إلى عرض مخزونها الهائل من الصور الفوتوغرافية التي التقطتها في رحلاتها وهي تجوب المدن والقرى ، علاوة على شغفها بالتقاط بورتريهات الناس في شوارع صنعاء والتي تمثل حالة ثرية لتاريخ بصري يحكي تنويعات الملامح اليمنية وماتحمله من قيم وجدانية تنضح بها الصور ، جدير بالذكر إن أروى قد أقامت أكثر من معرض لهذه الوجوه داخل وخارج اليمن .

كانت دائمًا وفية لصوتها الإنساني العميق الذي ينبع من إيمانها بالعدالة والكرامة الإنسانية، فلم تتورط في الشعارات الفارغة أو في المجاملات الدبلوماسية المعتادة التي غالبًا ما تخفي الحقائق. كانت صادقة حد القسوة أحيانًا في طرح آرائها ومواجهة التحديات، لكنها كانت دائمًا محبة، وراغبة في أن ترى وطنها أفضل وأجمل وأكثر إشراقًا، وأن ينهض اليمن من كبوته. حضورها كان له تأثير ملموس في إثراء النقاشات الثقافية والفكرية على المستويين الإقليمي والدولي، وفي تقديم صورة مشرقة ومختلفة عن المرأة اليمنية المثقفة والفاعلة، التي لا ترضخ للقيود ولا تخشى التعبير عن رأيها، وتساهم بفاعلية في بناء مجتمعها. لقد كانت خير سفير لليمن وثقافته الغنية

سلام عليكِ يا أروى

182 views16:05