#صنعاء و #تهامة..
#غناء الموشح “الحُميني” والتنافس السياسي بين مركزين يمنيين
جمال حسن
شهد الغناء في اليمن تبدلا في مراكزه، كان الموشح “الحُميني” أبرز ظواهره، حتى النصف الأول من القرن الفائت. ومنذ ظهور الموشح، في القرن الثالث عشر، لم يكن مجرد علامة على مركز الغناء، إنما أيضا تعبيرا خفيا عن السياسة.
هل كان الفاطميون حاجزا في مصر
ينتسب الموشح إلى عرب الأندلس، لكن من الصعب تحديد ظهوره هناك بدقة. لكنه منذ القرن الحادي عشر، أصبح الفن السائد، خلال حكم ملوك الطوائف. وحتى زوال الحُكم الفاطمي في مصر، على يد صلاح الدين الأيوبي، ظل فنا غير مُستعمل في المشرق العربي.
هل شكل البلاط الفاطمي حاجزا في مصر، حال دون ظهور الموشح الأندلسي في المشرق العربي؟
ربما لعب هذا البلاط دورا غير مُباشر، بعدم تشجيعه هذا الفن، متأثرا بحساسية الصراع بين مؤسسي دولتهم مع حُكام الأندلس الأمويين. وربما انطلقت دوافعهم من تنافس مشرقي- مغربي، نشأ منذ عصر هارون الرشيد، فكان الشعر علامة امتياز في بلاط المشرق عن نظيره في الأندلس.
وكان ابن سناء المُلك (ت 1212) أول شاعر مشرقي بدأ بنظم الموشح في مصر. لا يعني أنه خضع لإملاءات صلاح الدين، بوصفه شاعره المُقرب. إنما تفاعل مع عصر سبق وأتجه فيه الشعر للتأنق والزخرف.
وسرعان ما انتقل الموشح، بمحسناته البديعية، من مصر إلى الشام وبقية بلدان المشرق. إذ أصبح أبرز الظواهر الأدبية لذلك العهد، وأيضا إحدى علامات نفوذه الناعمة التي وصلت اليمن، بعد خضوعه للجيش الأيوبي. وورث الرسوليون النفوذ الأيوبي بوجهه العسكري والناعم، وعلى الأرجح اكتسب الموشح، في عهدهم، سماته المحلية بعد استقلالهم باليمن.
أصل التوشيح الدارج
أغلب الظن، أن الموشح الحُميني نشأ وانتشر في أحضان الزوايا الصوفية، تحديدا في زبيد. وذلك بحكم أن رواده الأوائل ينتسبون إليها أو قراها المجاورة في جنوب تهامة. ويبدو أن الغناء كان أبرز دوافع قول الموشح الحُميني، وفقا للممارسات الصوفية.
يُعد الشاعر أبوبكر عيسى بن حنكاش (ت 1266)، أقدم وشاح يمني. وإذا أخذنا إحدى موشحاته التي مطلعها “تقول عاد الأحباب/ يرعوا وداد المُستهام/ ويذكرون (إم) غياب/ عند احتسا كأس المُدام”.
و(إم) تحل مكان (آل التعريف) وفقا للهجة التهامية. ولا شك أن هذا النسيج الشعري بأسلوبه السهل وألفاظه البسيطة، الغاية منه الإنشاد أو الغناء.
وهذا الموشح الذي يستخدم لهجات المُدن أو الحواضر، سُمي في اليمن “حُميني” وكان يُقابله في الأندلس “زجل”. ويُعد ابن قزمان (ت 1160)، إمام الزجالين في الأندلس.
وليس هو أول من نظم الموشح بلهجة حواضر الأندلس، لكنه بحسب ابن خلدون “أول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية”. (مقدمة ابن خلدون، ص 1201).
أي أنه أول من جعل الزجل يحظى بتقدير الأوساط الأدبية. وهذا يعني أن نظم الموشح بلهجة الحواضر، سبق استخدامه في الأندلس.
ازدهار في رعاية البلاط
لا شك أن استخدام الكلام الدارج، شائع قديما في الشعر. لكنه لم يجد بيئة مناسبة في البلاطات العربية التقليدية. بينما ذاع صيت ابن قزمان وارتفع شأنه الأدبي في عهد المرابطين (الأمازيغ).
ولا نستبعد أن ذلك، ما شهده عصر الأيوبيين، من ازدهار لنظم الزجل. فموشح “وا نسيم السحر هل لك خبر” منسوب لابن سناء المُلك، بحسب كتاب “المُستظرف”. بينما فحول الشعر العربي ترفعوا عن استعمال الدارج في شعرهم، قبل ذلك.
ربما ابن سناء تماشى مع مُتطلبات البلاط الأيوبي. كما أن هذا الموشح عُرف استعماله في الغناء الصنعاني. وربما يعود ذلك إلى العهد الرسولي، الذي تأثر ببلاط أوليائهم السابقين، أي الأيوبيين.
الرسوليون أيضا قدموا من مصر ضمن المقاتلين التُركمان “الأغواز” أو “الغز” المنخرطين في الجيش الأيوبي. لكن مؤسسي دولتهم في اليمن، نسبوا أنفسهم إلى الملوك الغساسنة “اليمانية”. وهي رواية يوردها الخزرجي في “العقود اللؤلؤية”.
وبعيدا عن مدى دقتها، فإنها فرضت نفوذها في السرديات التاريخية اليمنية. وقبل ذلك كانت بمثابة تشريع سياسي لحكم اليمن، وتعزيز استقلالهم عن مصر الأيوبية. وفي الوقت نفسه تكسبهم تشريعا لمواجهة خصومهم الأئمة في اليمن.
وكما يبدو انخرط الموشح “الحُميني” في هذا السياق، كما هو حال موشح أبوبكر المَزاح “يا غصن مايس يا قمر مصور/ في حِندس الفينان”.
#غناء الموشح “الحُميني” والتنافس السياسي بين مركزين يمنيين
جمال حسن
شهد الغناء في اليمن تبدلا في مراكزه، كان الموشح “الحُميني” أبرز ظواهره، حتى النصف الأول من القرن الفائت. ومنذ ظهور الموشح، في القرن الثالث عشر، لم يكن مجرد علامة على مركز الغناء، إنما أيضا تعبيرا خفيا عن السياسة.
هل كان الفاطميون حاجزا في مصر
ينتسب الموشح إلى عرب الأندلس، لكن من الصعب تحديد ظهوره هناك بدقة. لكنه منذ القرن الحادي عشر، أصبح الفن السائد، خلال حكم ملوك الطوائف. وحتى زوال الحُكم الفاطمي في مصر، على يد صلاح الدين الأيوبي، ظل فنا غير مُستعمل في المشرق العربي.
هل شكل البلاط الفاطمي حاجزا في مصر، حال دون ظهور الموشح الأندلسي في المشرق العربي؟
ربما لعب هذا البلاط دورا غير مُباشر، بعدم تشجيعه هذا الفن، متأثرا بحساسية الصراع بين مؤسسي دولتهم مع حُكام الأندلس الأمويين. وربما انطلقت دوافعهم من تنافس مشرقي- مغربي، نشأ منذ عصر هارون الرشيد، فكان الشعر علامة امتياز في بلاط المشرق عن نظيره في الأندلس.
وكان ابن سناء المُلك (ت 1212) أول شاعر مشرقي بدأ بنظم الموشح في مصر. لا يعني أنه خضع لإملاءات صلاح الدين، بوصفه شاعره المُقرب. إنما تفاعل مع عصر سبق وأتجه فيه الشعر للتأنق والزخرف.
وسرعان ما انتقل الموشح، بمحسناته البديعية، من مصر إلى الشام وبقية بلدان المشرق. إذ أصبح أبرز الظواهر الأدبية لذلك العهد، وأيضا إحدى علامات نفوذه الناعمة التي وصلت اليمن، بعد خضوعه للجيش الأيوبي. وورث الرسوليون النفوذ الأيوبي بوجهه العسكري والناعم، وعلى الأرجح اكتسب الموشح، في عهدهم، سماته المحلية بعد استقلالهم باليمن.
سرعان ما انتقل الموشح، بمحسناته البديعية، من مصر إلى الشام وبقية بلدان المشرق. إذ أصبح أبرز الظواهر الأدبية لذلك العهد، وأيضا إحدى علامات نفوذه الناعمة التي وصلت اليمن، بعد خضوعه للجيش الأيوبي. وورث الرسوليون النفوذ الأيوبي بوجهه العسكري والناعم، وعلى الأرجح اكتسب الموشح، في عهدهم، سماته المحلية بعد استقلالهم باليمن.
أصل التوشيح الدارج
أغلب الظن، أن الموشح الحُميني نشأ وانتشر في أحضان الزوايا الصوفية، تحديدا في زبيد. وذلك بحكم أن رواده الأوائل ينتسبون إليها أو قراها المجاورة في جنوب تهامة. ويبدو أن الغناء كان أبرز دوافع قول الموشح الحُميني، وفقا للممارسات الصوفية.
يُعد الشاعر أبوبكر عيسى بن حنكاش (ت 1266)، أقدم وشاح يمني. وإذا أخذنا إحدى موشحاته التي مطلعها “تقول عاد الأحباب/ يرعوا وداد المُستهام/ ويذكرون (إم) غياب/ عند احتسا كأس المُدام”.
و(إم) تحل مكان (آل التعريف) وفقا للهجة التهامية. ولا شك أن هذا النسيج الشعري بأسلوبه السهل وألفاظه البسيطة، الغاية منه الإنشاد أو الغناء.
وهذا الموشح الذي يستخدم لهجات المُدن أو الحواضر، سُمي في اليمن “حُميني” وكان يُقابله في الأندلس “زجل”. ويُعد ابن قزمان (ت 1160)، إمام الزجالين في الأندلس.
وليس هو أول من نظم الموشح بلهجة حواضر الأندلس، لكنه بحسب ابن خلدون “أول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية”. (مقدمة ابن خلدون، ص 1201).
أي أنه أول من جعل الزجل يحظى بتقدير الأوساط الأدبية. وهذا يعني أن نظم الموشح بلهجة الحواضر، سبق استخدامه في الأندلس.
ازدهار في رعاية البلاط
لا شك أن استخدام الكلام الدارج، شائع قديما في الشعر. لكنه لم يجد بيئة مناسبة في البلاطات العربية التقليدية. بينما ذاع صيت ابن قزمان وارتفع شأنه الأدبي في عهد المرابطين (الأمازيغ).
ولا نستبعد أن ذلك، ما شهده عصر الأيوبيين، من ازدهار لنظم الزجل. فموشح “وا نسيم السحر هل لك خبر” منسوب لابن سناء المُلك، بحسب كتاب “المُستظرف”. بينما فحول الشعر العربي ترفعوا عن استعمال الدارج في شعرهم، قبل ذلك.
ربما ابن سناء تماشى مع مُتطلبات البلاط الأيوبي. كما أن هذا الموشح عُرف استعماله في الغناء الصنعاني. وربما يعود ذلك إلى العهد الرسولي، الذي تأثر ببلاط أوليائهم السابقين، أي الأيوبيين.
الرسوليون أيضا قدموا من مصر ضمن المقاتلين التُركمان “الأغواز” أو “الغز” المنخرطين في الجيش الأيوبي. لكن مؤسسي دولتهم في اليمن، نسبوا أنفسهم إلى الملوك الغساسنة “اليمانية”. وهي رواية يوردها الخزرجي في “العقود اللؤلؤية”.
وبعيدا عن مدى دقتها، فإنها فرضت نفوذها في السرديات التاريخية اليمنية. وقبل ذلك كانت بمثابة تشريع سياسي لحكم اليمن، وتعزيز استقلالهم عن مصر الأيوبية. وفي الوقت نفسه تكسبهم تشريعا لمواجهة خصومهم الأئمة في اليمن.
وكما يبدو انخرط الموشح “الحُميني” في هذا السياق، كما هو حال موشح أبوبكر المَزاح “يا غصن مايس يا قمر مصور/ في حِندس الفينان”.
ونظمه كثير جدّا وهو مشتمل على كثير من إشارات الصوفية واصطلاحاتهم ومسائلهم الدقيقة وعليه حلاوة وفيه طلاوة ، على #غناء أهل الجهة وأصواتهم ومواخذهم ، ويقال له عندهم #الدّان ، ومن أكثر شعره من ذلك يحتوي على مجلّدات ، ولهذا يحفظه أهل تلك الجهة كثيرا ويتمثلون به ، وهو سلس الألفاظ قريب المعاني يفهمه كل أحد بحسب حاله في #المحبة المجازية ونحو ذلك ، وهو مع ذلك مشتمل على كثير من الأمثال المتداولة بينهم ، ولا بد أن نأتي ببعض من شعره في آخر الترجمة ، وله مصنفات ووصايا ورسائل ، منها مصنفه سّماها «أنوار مضمون ورد الوارد القدسي في كشف مكنون آية الكرسي» وفي أسماء الله الحسنى مع إيجاز واختصار عجيب ، وجدتها بخط الفقيه الصالح المعلم عبد الرحمن بن عبد الله #باغران #الشحري.
ونقلت من خطه أيضا هذه الرسالة قال في آخرها : علّقها سيدنا وشيخنا وبركتنا الفقيه الصالح العلامة شجاع الدين عمر بن عبد الله بن أحمد #بامخرمة كان الله له ، قبيل ظهر يوم السبت ثاني شهر ذي الحجة سنة تسع عشرة وتسعمائة من الهجرة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام على سيدنا محمد أفضل المخلوقين وعلى آله وصحبه أجمعين وما توفيقي إلّا بالله عليه توّكلت وإليه أنيب : أعلم وفّر الله تعالى نصيبك وإياي ، من رحمته العندية وعلمه #اللدنّي إن الطريق إلى الله أشرف الطرق والسّالك إليها أفضل السالكين المقاصد وفائدته أعظم الفوائد إذ كل علم له أجر وجزاء بحسب مقصده ونيّته (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(١) ومن كان في الله تلفه كان الله خلفه ، ففرق يا ولدي بين الثّلاث المراتب ، ويبن الثلاثة المريدين واستعن بالله واضرع إليه في أن تكون الثالث ، فإذا وصلت إلى مسام همتك نسيم المحبة الأزلية على متن رياح العناية الامتنانية ريا عطر أنس القرب الجذبي
______
(١) الآية ١٤٥ سورة آل عمران.
314
ونقلت من خطه أيضا هذه الرسالة قال في آخرها : علّقها سيدنا وشيخنا وبركتنا الفقيه الصالح العلامة شجاع الدين عمر بن عبد الله بن أحمد #بامخرمة كان الله له ، قبيل ظهر يوم السبت ثاني شهر ذي الحجة سنة تسع عشرة وتسعمائة من الهجرة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام على سيدنا محمد أفضل المخلوقين وعلى آله وصحبه أجمعين وما توفيقي إلّا بالله عليه توّكلت وإليه أنيب : أعلم وفّر الله تعالى نصيبك وإياي ، من رحمته العندية وعلمه #اللدنّي إن الطريق إلى الله أشرف الطرق والسّالك إليها أفضل السالكين المقاصد وفائدته أعظم الفوائد إذ كل علم له أجر وجزاء بحسب مقصده ونيّته (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(١) ومن كان في الله تلفه كان الله خلفه ، ففرق يا ولدي بين الثّلاث المراتب ، ويبن الثلاثة المريدين واستعن بالله واضرع إليه في أن تكون الثالث ، فإذا وصلت إلى مسام همتك نسيم المحبة الأزلية على متن رياح العناية الامتنانية ريا عطر أنس القرب الجذبي
______
(١) الآية ١٤٥ سورة آل عمران.
314