يحتدم النقاش بين الاثنين، ويهدّد المندوب السامي، الجنرالَ ناصر بريك بالمحاكمة العسكرية، يسخر الجنرال منه، ويقول له لم يعُد يهمه ذلك في هذه اللحظة الحرجة من التاريخ، ويتهم البريطانيين بالتآمر وزرع المشكلات للبلدان التي يخرجون منها، كما فعلوا في فلسطين، عندئذ تعمد المندوب البريطاني رفع صوته ليسمعه المختبئان في الشرفة، وهو يقول للجنرال: "لماذا تكرهون الجبهة القومية؟!". ذلك ما ينقله محمد البار في (ذكريات وإضاءات، 2019: ص365 وما بعدها)، وقد تعرض الجنرال ناصر بريك للتنكيل، وتم تفجير منزله، وتخبرنا الوقائع التاريخية كيف أفسدت بريطانيا فرحة الاستقلال الوطني، ومارست انتقامها المروع في زرع بذور الحرب الأهلية وتفخيخ الجنوب اليمني بالصراعات الدموية.
•••
د.عبدالحكيم #باقيس
#خيوط
•••
د.عبدالحكيم #باقيس
#خيوط
#ميدان_الشهداء:
الدم والكأس
من ساحة إعدام إلى فضاء متسع للحياة والحرية
عبدالملك #الجرموزي
#خيوط
نهار الـ23 من أبريل 1964م، كانت مدينة تعز جنوب غربي البلاد، على موعد مع حدث عظيم، بطله الزعيم العربي الراحل الرئيس جمال عبدالناصر.
تربع الرئيس ناصر منصة ميدان الشهداء على سفح جبل صبر في مدينة تعز، أمامه الآلاف من اليمنيين الذين كانوا سعداء جداً بتحية البطل القومي بكل حب، وبجواره وخلفه قيادات ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، التي أنجزت قبل نحو عامين من ذلك التاريخ بمساندة من (الجمهورية العربية المتحدة) ، ونقلت اليمن من حكم إمامي كهنوتي مستبد إلى جمهوري جاء معبراً عن طموح الشعب اليمني في بناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية.
على وقع الاحتفاء الجماهيري، ارتسمت على محيا الرئيس ناصر ابتسامة رضا - وقد حفزه امتنان اليمنيين لمساعدته في نجاح ثورتهم -،على أن يقف بشموخ وثبات وتحدٍ، ليخاطب الحشود اليمنية بخطبة وصفت بالتاريخية، تحدث فيها عن اليمن التاريخ والمجد والأثر الفاعل في نصرة الدين الإسلامي.
من ذات المنصة، التي كانت تطل على مساحة ترابية واسعة تخضبت بدماء الشهداء، وجه الرئيس ناصر رسالة حازمة لبريطانيا :" على العجوز الشمطاء بريطانيا، أن تحمل عصاها وترحل من عدن والجنوب المحتل"، كان ذلك بعد انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963من جبال ردفان بـ 6 أشهر فقط ، وقبل المغادرة الكاملة لكل الجنود البريطانيين في أواخرشهر نوفمبر 1967.
الزعيم العربي عبر عن إعجابه بعدم استكانة الشعب اليمني للحكم الامامي وثورته الدائمة على العبودية وحكم الاستبداد غير آبه بالموت والسجون، مؤكداً بأن " الله أراد لثورة 26 سبتمبر أن تنتصر، فانتصرت".
لمحافظة تعز قدرة عجيبة على تحويل زوايا الخوف إلى أمكنة دافئة بالمحبة، مثلما حولت ساحة الإعدام الموحشة إلى ميدان متسع للحياة والانتصارات والبهجة.
ورغم سطوة الإمام أحمد بن حميد الدين الذي حكم اليمن من مدينة تعز منذ مقتل والده الامام يحيى بضواحي صنعاء في فبراير 1948 ، ثم سنوات الخمسينات وسنتين من مطلع ستينيات القرن الفائت، إلا أن ميدان العرضي الذي كانت تنفذ فيه أحكام الإعدام الامامية- وكان شاهداً على قطع رؤوس عدداً من ثوار- كانت تقام فيه أيضاً ـ وعلى غفوة من المجازر ـ بعض الألعاب الرياضة، ليبتهج الناس الذين لم تغادرهم بعد مشاهد الإعدامات البشعة المختلطة بعظمة وشجاعة الشهداء الذين واجهوا الموت بثبات مثير للإعجاب، ومنها احتفالات عيد النصر، الذي كان ينظمه المقام ( سلطة الإمام) كل عام بمناسبة انتصاره على حركة الجيش في مارس 1955، والتي ارادت الانقلاب علية وتنصيب شقيقه سيف الاسلام عبدالله إماماً جديدا للبلاد.
فقبل 70 سنة ، اُقتيد الثائر أحمد يحيى الثلايا، قائد الجيش الذي قاد الانقلاب 1955م ، إلى ساحة الإعدام، حيث تحدى الموت بجسارة، وأطلق في وجه الطاغية كلمات كان وقعها أشد عليه من الرصاص حين قال.
"لا يهمني الإعدام أبداً، ولست خائفاً منه بتاتاً، وأنا ما ثرت إلاّ من أجل الشعب اليمني العظيم والمطحون"، فحاول الإمام أحمد السيطرة على الموقف مراهناً على خوف الناس وجهلهم، وتاركاً لهم محاكمة واحد من أبرز أبطالهم ، فحكموا عليه بالإعدام.
لكن الثلايا رماهم بعبارات عتاب ملتهبة كانت أخر ما نطق به، وعززت انتصاره على الإمام:" لقد أقدمت على ما أقدمت عليه وكنت مرتاح الضمير جداً.. لقد ثرت من أجلكم، من أجل أن تعيشوا كما يعيش البشر"
مشهد بطولي عظيم تتذكره أجيال الثورة السبتمبرية بفخر، وقد خُلد صاحبه في أنصع صفحات التاريخ اليمني الحديث، فيما غدت تلك الساحة الموحشة، بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 ميداناً سُمي بـ"للشهداء" تكريماً لهم.
يقع ميدان الشهداء في قلب مدينة تعز، تحيط به مبانٍ أنيقة لدوائر ومؤسسات حكومية أمنية وعسكرية ومالية، ومنها ماكان يسمى بقصر العرضي ( المقام الشريف) وتلتف حوله عدداً من الأحياء الشعبية فيما يعرف بحي الجحملية.
في هذا المكان فشل ضجيج الطغاة في اسكات المطحونين والحالمين بغدٍ أفضل، واختلطت أصوات المناضلين والزعماء بهتافات الثوار وأهازيج وتصفيق الجماهير للرياضة والفن والعروض العسكرية المهيبة، ولا تزال ساحته المفتوحة عابقة بدماء الشهداء الزكية، والشعارات الوطنية الرافضة للظلم والعبودية.
الدم والكأس
من ساحة إعدام إلى فضاء متسع للحياة والحرية
عبدالملك #الجرموزي
#خيوط
نهار الـ23 من أبريل 1964م، كانت مدينة تعز جنوب غربي البلاد، على موعد مع حدث عظيم، بطله الزعيم العربي الراحل الرئيس جمال عبدالناصر.
تربع الرئيس ناصر منصة ميدان الشهداء على سفح جبل صبر في مدينة تعز، أمامه الآلاف من اليمنيين الذين كانوا سعداء جداً بتحية البطل القومي بكل حب، وبجواره وخلفه قيادات ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، التي أنجزت قبل نحو عامين من ذلك التاريخ بمساندة من (الجمهورية العربية المتحدة) ، ونقلت اليمن من حكم إمامي كهنوتي مستبد إلى جمهوري جاء معبراً عن طموح الشعب اليمني في بناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية.
على وقع الاحتفاء الجماهيري، ارتسمت على محيا الرئيس ناصر ابتسامة رضا - وقد حفزه امتنان اليمنيين لمساعدته في نجاح ثورتهم -،على أن يقف بشموخ وثبات وتحدٍ، ليخاطب الحشود اليمنية بخطبة وصفت بالتاريخية، تحدث فيها عن اليمن التاريخ والمجد والأثر الفاعل في نصرة الدين الإسلامي.
من ذات المنصة، التي كانت تطل على مساحة ترابية واسعة تخضبت بدماء الشهداء، وجه الرئيس ناصر رسالة حازمة لبريطانيا :" على العجوز الشمطاء بريطانيا، أن تحمل عصاها وترحل من عدن والجنوب المحتل"، كان ذلك بعد انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963من جبال ردفان بـ 6 أشهر فقط ، وقبل المغادرة الكاملة لكل الجنود البريطانيين في أواخرشهر نوفمبر 1967.
الزعيم العربي عبر عن إعجابه بعدم استكانة الشعب اليمني للحكم الامامي وثورته الدائمة على العبودية وحكم الاستبداد غير آبه بالموت والسجون، مؤكداً بأن " الله أراد لثورة 26 سبتمبر أن تنتصر، فانتصرت".
لمحافظة تعز قدرة عجيبة على تحويل زوايا الخوف إلى أمكنة دافئة بالمحبة، مثلما حولت ساحة الإعدام الموحشة إلى ميدان متسع للحياة والانتصارات والبهجة.
ورغم سطوة الإمام أحمد بن حميد الدين الذي حكم اليمن من مدينة تعز منذ مقتل والده الامام يحيى بضواحي صنعاء في فبراير 1948 ، ثم سنوات الخمسينات وسنتين من مطلع ستينيات القرن الفائت، إلا أن ميدان العرضي الذي كانت تنفذ فيه أحكام الإعدام الامامية- وكان شاهداً على قطع رؤوس عدداً من ثوار- كانت تقام فيه أيضاً ـ وعلى غفوة من المجازر ـ بعض الألعاب الرياضة، ليبتهج الناس الذين لم تغادرهم بعد مشاهد الإعدامات البشعة المختلطة بعظمة وشجاعة الشهداء الذين واجهوا الموت بثبات مثير للإعجاب، ومنها احتفالات عيد النصر، الذي كان ينظمه المقام ( سلطة الإمام) كل عام بمناسبة انتصاره على حركة الجيش في مارس 1955، والتي ارادت الانقلاب علية وتنصيب شقيقه سيف الاسلام عبدالله إماماً جديدا للبلاد.
فقبل 70 سنة ، اُقتيد الثائر أحمد يحيى الثلايا، قائد الجيش الذي قاد الانقلاب 1955م ، إلى ساحة الإعدام، حيث تحدى الموت بجسارة، وأطلق في وجه الطاغية كلمات كان وقعها أشد عليه من الرصاص حين قال.
"لا يهمني الإعدام أبداً، ولست خائفاً منه بتاتاً، وأنا ما ثرت إلاّ من أجل الشعب اليمني العظيم والمطحون"، فحاول الإمام أحمد السيطرة على الموقف مراهناً على خوف الناس وجهلهم، وتاركاً لهم محاكمة واحد من أبرز أبطالهم ، فحكموا عليه بالإعدام.
لكن الثلايا رماهم بعبارات عتاب ملتهبة كانت أخر ما نطق به، وعززت انتصاره على الإمام:" لقد أقدمت على ما أقدمت عليه وكنت مرتاح الضمير جداً.. لقد ثرت من أجلكم، من أجل أن تعيشوا كما يعيش البشر"
مشهد بطولي عظيم تتذكره أجيال الثورة السبتمبرية بفخر، وقد خُلد صاحبه في أنصع صفحات التاريخ اليمني الحديث، فيما غدت تلك الساحة الموحشة، بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 ميداناً سُمي بـ"للشهداء" تكريماً لهم.
في هذا المكان فشل ضجيج الطغاة في اسكات المطحونين والحالمين بغدٍ أفضل، واختلطت أصوات المناضلين والزعماء بهتافات الثوار وأهازيج وتصفيق الجماهير للرياضة والفن والعروض العسكرية المهيبة، ولا تزال ساحته المفتوحة عابقة بدماء الشهداء الزكية، والشعارات الوطنية الرافضة للظلم والعبودية.
يقع ميدان الشهداء في قلب مدينة تعز، تحيط به مبانٍ أنيقة لدوائر ومؤسسات حكومية أمنية وعسكرية ومالية، ومنها ماكان يسمى بقصر العرضي ( المقام الشريف) وتلتف حوله عدداً من الأحياء الشعبية فيما يعرف بحي الجحملية.
في هذا المكان فشل ضجيج الطغاة في اسكات المطحونين والحالمين بغدٍ أفضل، واختلطت أصوات المناضلين والزعماء بهتافات الثوار وأهازيج وتصفيق الجماهير للرياضة والفن والعروض العسكرية المهيبة، ولا تزال ساحته المفتوحة عابقة بدماء الشهداء الزكية، والشعارات الوطنية الرافضة للظلم والعبودية.
ويأسف المذحجي لكون هذه القوانين اليوم "حبر على ورق، يغفلها الناس، وأصبحت العملية الآن شبه مزاجية، ولا يطبق القانون إلا في حالات نادرة".
ويرجع المذحجي عدم اتباع هذه القوانين من قبل المواطنين إلى عدم وجود رقابة تعمل بشكل سليم، مردفًا أن سبب مخالفة الواقع للقوانين والأنظمة "يعود إلى عدم وجود جهة تقوم بعملية الرقابة بشكل جيد، فلا يوجد ردع؛ ولذلك تشاهد كل هذه المخالفات الموجودة في الشوارع وأطراف المدن والنمو العشوائي".
كل هذا التعامي وعدم اتباع القوانين، أنتج عمرانًا يمنيًّا مشوّهًا، فكما أصبح تجاهل القانون أمرًا اعتياديًّا، أصبحت العمارة في اليمن مجهولة الهوية، عشوائية ومزاجية، ليس لها معالم تبيّن شكلها، أو توجه يسير في اتجاه أو اتجاهات واضحة.
كما تعاني العمارة من ركود ملحوظ تبرز أسبابه، في عدم وجود نهج واضح للتعليم في مجال العمارة، إذ يبدو ضبابيًّا ومفتقرًا لأبسط الحاجات والمعايير الأكاديمية لتسيير العملية التعليمية، ما أنتج كل هذا التخبط. فبحسب الدكتور سمير السرّي، رئيس قسم العمارة في جامعة صنعاء، في حديثه لـ"خيوط"، فإن "من أهم المعايير التي لا تراعي أكاديميًّا هي أعداد الطلّاب المفترض قبولهم في البرنامج الدراسي، الذي على إثره تتحدد بقية المعايير مثل الأعداد اللازمة من أعضاء هيئة التدريس وقاعات ومراسم ومعامل ومكتبات وخدمات أخرى"، ويستطرد السريّ قائلًا: "نرى أن هناك أعدادًا كبيرة من الطلاب في ظل قصور كبير في توفير الإمكانيات المادية والبشرية".
كل هذا يؤثر تأثيرًا كبيرًا في سير عملية التعليم، وبالتالي يؤثر في نتائجه، وينوه السرّي، لوجود أسباب أخرى تؤثر في تعليم العمارة، منها: "غياب الدولة والمؤسسات التي تهتم بالتعليم وتوفير الاحتياجات والمتطلبات التي تساعد في تحقيق الأهداف وتطوير التعليم الجامعي وتدريس العمارة على وجه الخصوص".
ومع هذه المشكلات التي يواجهها التعليم في اليمن بشكل عام، وتدريس العمارة بشكل خاص، نجد أيضًا أنه، وبخلاف الكثير من البلدان، لا يوجد في اليمن إلى اليوم -بعد أكثر من خمسين عامًا منذ تأسيس جامعة صنعاء- كلية عمارة مستقلة، إذ ما تزال قسمًا تابعًا لكلية الهندسة، ويشير د.السرّي في لقائه مع "خيوط" أن: "إنشاء كلية عمارة يتطلّب توفير بنية متكاملة، منها إنشاء عدد من الأقسام فيها، مثل: قسم عمارة، وقسم تخطيط، وتصميم داخلي، وتنسيق مواقع، وتصميم حضري، وتكنولوجيا بناء؛ ونظرًا إلى الإمكانيات غير المتوفرة حاليًّا من مبانٍ وأساتذة وموارد مالية، فإنه يتعذر معها إنشاء كلية عمارة مستقلة، خاصة مع إنشاء أقسام معمارية في جميع كليات الهندسة، ما ساهم في تشتت القدرات والإمكانيات المتاحة بين تلك الأقسام في الجامعات المختلفة".
في المحصلة ظهرت عمارة اليمن الحديثة ظهورًا مضطربًا من بين أطلال التراث، ووقفت حائرة أمام شكلها اليوم المطعم بعشوائية تنفيذها.
عمارة المزاج والخبرة، من دون دور أكاديمي حقيقي يوضح مجراها ويرسم لها خارطة فعلية، وعليه ستبقى العمارة في اليمن تسأل عن غدها البعيد، بين التمسّك بالتراث الذي بعثرت حرب اليوم به، وبين خروج حقيقي متمرد يحتك بالعالم الكبير.
•••
صهيب الأغبري
معماري وباحث في التاريخ
#خيوط
ويرجع المذحجي عدم اتباع هذه القوانين من قبل المواطنين إلى عدم وجود رقابة تعمل بشكل سليم، مردفًا أن سبب مخالفة الواقع للقوانين والأنظمة "يعود إلى عدم وجود جهة تقوم بعملية الرقابة بشكل جيد، فلا يوجد ردع؛ ولذلك تشاهد كل هذه المخالفات الموجودة في الشوارع وأطراف المدن والنمو العشوائي".
كل هذا التعامي وعدم اتباع القوانين، أنتج عمرانًا يمنيًّا مشوّهًا، فكما أصبح تجاهل القانون أمرًا اعتياديًّا، أصبحت العمارة في اليمن مجهولة الهوية، عشوائية ومزاجية، ليس لها معالم تبيّن شكلها، أو توجه يسير في اتجاه أو اتجاهات واضحة.
كما تعاني العمارة من ركود ملحوظ تبرز أسبابه، في عدم وجود نهج واضح للتعليم في مجال العمارة، إذ يبدو ضبابيًّا ومفتقرًا لأبسط الحاجات والمعايير الأكاديمية لتسيير العملية التعليمية، ما أنتج كل هذا التخبط. فبحسب الدكتور سمير السرّي، رئيس قسم العمارة في جامعة صنعاء، في حديثه لـ"خيوط"، فإن "من أهم المعايير التي لا تراعي أكاديميًّا هي أعداد الطلّاب المفترض قبولهم في البرنامج الدراسي، الذي على إثره تتحدد بقية المعايير مثل الأعداد اللازمة من أعضاء هيئة التدريس وقاعات ومراسم ومعامل ومكتبات وخدمات أخرى"، ويستطرد السريّ قائلًا: "نرى أن هناك أعدادًا كبيرة من الطلاب في ظل قصور كبير في توفير الإمكانيات المادية والبشرية".
كل هذا يؤثر تأثيرًا كبيرًا في سير عملية التعليم، وبالتالي يؤثر في نتائجه، وينوه السرّي، لوجود أسباب أخرى تؤثر في تعليم العمارة، منها: "غياب الدولة والمؤسسات التي تهتم بالتعليم وتوفير الاحتياجات والمتطلبات التي تساعد في تحقيق الأهداف وتطوير التعليم الجامعي وتدريس العمارة على وجه الخصوص".
ومع هذه المشكلات التي يواجهها التعليم في اليمن بشكل عام، وتدريس العمارة بشكل خاص، نجد أيضًا أنه، وبخلاف الكثير من البلدان، لا يوجد في اليمن إلى اليوم -بعد أكثر من خمسين عامًا منذ تأسيس جامعة صنعاء- كلية عمارة مستقلة، إذ ما تزال قسمًا تابعًا لكلية الهندسة، ويشير د.السرّي في لقائه مع "خيوط" أن: "إنشاء كلية عمارة يتطلّب توفير بنية متكاملة، منها إنشاء عدد من الأقسام فيها، مثل: قسم عمارة، وقسم تخطيط، وتصميم داخلي، وتنسيق مواقع، وتصميم حضري، وتكنولوجيا بناء؛ ونظرًا إلى الإمكانيات غير المتوفرة حاليًّا من مبانٍ وأساتذة وموارد مالية، فإنه يتعذر معها إنشاء كلية عمارة مستقلة، خاصة مع إنشاء أقسام معمارية في جميع كليات الهندسة، ما ساهم في تشتت القدرات والإمكانيات المتاحة بين تلك الأقسام في الجامعات المختلفة".
في المحصلة ظهرت عمارة اليمن الحديثة ظهورًا مضطربًا من بين أطلال التراث، ووقفت حائرة أمام شكلها اليوم المطعم بعشوائية تنفيذها.
عمارة المزاج والخبرة، من دون دور أكاديمي حقيقي يوضح مجراها ويرسم لها خارطة فعلية، وعليه ستبقى العمارة في اليمن تسأل عن غدها البعيد، بين التمسّك بالتراث الذي بعثرت حرب اليوم به، وبين خروج حقيقي متمرد يحتك بالعالم الكبير.
•••
صهيب الأغبري
معماري وباحث في التاريخ
#خيوط
كرك: المعطف من جلد الضأن. وهو معروف ومستعمل في صنعاء والمناطق الجبلية الباردة، كذمار وعمران وحجة وريمة وكوكبان.
شُرّاب: وهي الجوارب.
دويدار: أصلها فارسي؛ وهي تسمية وظيفية تطلق على الخادم الصغير (الغلام)، في قصر الملوك والسلاطين والحكام.
سنيدار: تعني سادن المسجد، الشخص الذي يقوم بخدمة المسجد وتنظيفه وتجهيزه بالإنارة وبكل ما يلزم، ويسمونه "سادن دار"، لكن في اليمن ينطقونها "سنيدار".
قُوزي: الخروف الصغير، أي صغير الماعز، و"قوزي" مستعملة فقط في صنعاء.
جمرك: وهو المكان الذي تخصصه الحكومات لأخذ رسومٍ على الواردات أو الصادرات، وغالبًا ما يكون في الميناء أو المنافذ البرية بين الدول، والكلمة مستعملة في جميع العالم العربي.
دمغة: محبرة الختم، وتعني أيضًا علامة تحصيل رسمية لرسوم جمركية أو ضرائب.
كوبري: الجسر، وجاءت من مصر، بعد الثورة.
لوكندة: تطلق على النُّزل، الذي يقيم فيه المسافرون، أو الواصلون إلى السوق أو المدن، وليس فيها مطعم كما هو الفندق. وقد جاءت مع المصريين، وقيل: إن أصلها إيطالي.
قشلة: هي مقر الجيش، وغالبًا ما تكون أعلى الجبل، ويرادفها بالعربية ثكنة.
أوضة: معناها غرفة، و"أوضة جي" تعني: خادم الغرفة، وهي مستخدمة بشكل محدود في اليمن، لكن استخدامها بمصر وبلاد الشام أكثر، وفي اليمن قول الشاعر: "سلام يا أوضة الأهجر وروضة بلادي"، وتغنّى بها الفنان محمد حمود الحارثي "أوضة الأهجر".
عُرضي: تنطق "أوردو"، وتعني أوضة، أي ثكنات الجنود. والعرضي في اليمن مكان حكومي معروف في صنعاء وتعز.
بصمة: لها استعمالان؛ الأول بمعنى التوقيع بالإبهام الأيسر على الورق، والثاني: نوع من القماش، عُرف في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.
بقشة: جزء من عملة الريال أيّام الملكية، الريال المعروف بـ"الفرانصي".
هللة: نصف البقشة، وهي عملة صغيرة، أي جزء من ثمانين جزءًا من البقشة، وقد توقف استعمالها بعد ثورة سبتمبر/ أيلول 1962.
بخشيش: معناها العطاء مقابل خدمة بسيطة، وقال القاضي إسماعيل الأكوع إن أصلها فارسي.
طابور: اصطفافٌ عسكري لعدد من الكتائب أو السرايا أثناء التمارين أو الجمع العسكري. وطابور الصباح، هو فقرة بَدء اليوم الدراسي للطّلَبة؛ إذ يصفّ كل صف بمحاذاة الآخر، ويقومون بعدد من التمارين والحركات المنتظمة، ويمنع أثناء الطابور الكلامَ الجانبي أو الحركةَ العشوائية؛ إذ يكتسب فيه التلاميذ النظامَ وأداء الواجب.
طبشي: مفردة عسكرية، وتعني: رامي المدفع، ويسمونه الطوبجي.
أفندم: وتعني سيّدي، وقد اختفت الكلمة في اليمن، ثم عادت من خلال الجيش المصري أثناء ثورة 26 سبتمبر/ أيلول، ويستخدمها الجنود عندما يخاطبون الضباط وأصحاب الرتب العسكرية.
مونة: العتاد العسكري.
بيادة: حذاءُ المقاتل والجندي أثناء المهمات العسكرية أو الطوابير، وهي أكبر من الجزمة من حيث الحجم والمتانة وتحمّل المشي، وعادة ما يستعملها المشاة.
مناورة: وهي تدريب الجيش على حمل السلاح واستعماله، وخوض معركة وهمية، للتأكد من مدى قدرة الجيش على استخدام السلاح، وربما أصل الكلمة فرنسي.
دانة: قذيفة المدفع أو الدبابة، أو الآر بي جي والهاون.
القايش: حزام الجندي عندما يرتدي بدلته العسكرية.
ضابط: آمِرُ الجندي، وجمعه ضبّاط، والضباط رتب عسكرية.
برّاني: كانت الكلمة مستعملة في اليمن أثناء الملكية، وتطلق على الجيش غير النظامي في اليمن، ولها استعمالات أخرى، لدى اليمنيين، مثل قولهم: الباب البرّاني أي الخارجي، أو الغرفة البرّانية. وربما جاءت منها لفظة "برّع برّع" أي: اخرُج، وقد غنّى الفنان عطروش، لثورة أكتوبر/ تشرين الأول: "برع يا استعمار، من أرض الأحرار"؛ أي: ارحل واخرُج وغادِر، ولعل أصلها عربي من لهجات يمنية قديمة، وتعني البرّ مقابل البحر .
ورشة: وهي المصنع.
كرباج: السوط المصنوع من الجلد، وعادةً ما يكون بأيدي رجال الشرطة، وشاوش السجن.
ساني: المُضِيّ إلى الأمام، وتنطق مع إشارة اليد، ما يوحي إلى المستمع معنى السير على خط مستقيم دون ميلٍ أو تعرج.
دغري: تعطي نفس معنى "ساني"، أي المضي إلى الأمام على نحو مستقيم، وهي مستعملة بكثرة في اليمن وبلاد الشام، وأصلُها "دغرورة"، وفي اليمن يطلقون على الشخص غير المنتبه: مدغمر؛ أي مدغرر.
رفلة: فوضى، وهي نفسها: غاغة، أي كلام وفوضى بلا قانون، وهرج ومرج.
فيطوس: وهو العطلة أو الفُسحة، أو نهاية الدوام المدرسي، وتنطق بالتركية (فيدوس).
واحتلت تركيا اليمن مرتين؛ الأولى من 1539 إلى 1634، وشمل هذا الاحتلال عدن، أما الثانية فكانت من 1872 إلى 1918، وتركَّز على شمال اليمن وغربه ووسطه.
•••
#خيوط
شُرّاب: وهي الجوارب.
احتلت تركيا اليمن مرتين؛ الأولى من 1539-1634، وشمل هذا الاحتلال عدن، أما الثانية فكانت من 1872-1918، وتركز على شمال اليمن وغربه ووسطه
دويدار: أصلها فارسي؛ وهي تسمية وظيفية تطلق على الخادم الصغير (الغلام)، في قصر الملوك والسلاطين والحكام.
سنيدار: تعني سادن المسجد، الشخص الذي يقوم بخدمة المسجد وتنظيفه وتجهيزه بالإنارة وبكل ما يلزم، ويسمونه "سادن دار"، لكن في اليمن ينطقونها "سنيدار".
قُوزي: الخروف الصغير، أي صغير الماعز، و"قوزي" مستعملة فقط في صنعاء.
جمرك: وهو المكان الذي تخصصه الحكومات لأخذ رسومٍ على الواردات أو الصادرات، وغالبًا ما يكون في الميناء أو المنافذ البرية بين الدول، والكلمة مستعملة في جميع العالم العربي.
دمغة: محبرة الختم، وتعني أيضًا علامة تحصيل رسمية لرسوم جمركية أو ضرائب.
كوبري: الجسر، وجاءت من مصر، بعد الثورة.
لوكندة: تطلق على النُّزل، الذي يقيم فيه المسافرون، أو الواصلون إلى السوق أو المدن، وليس فيها مطعم كما هو الفندق. وقد جاءت مع المصريين، وقيل: إن أصلها إيطالي.
قشلة: هي مقر الجيش، وغالبًا ما تكون أعلى الجبل، ويرادفها بالعربية ثكنة.
أوضة: معناها غرفة، و"أوضة جي" تعني: خادم الغرفة، وهي مستخدمة بشكل محدود في اليمن، لكن استخدامها بمصر وبلاد الشام أكثر، وفي اليمن قول الشاعر: "سلام يا أوضة الأهجر وروضة بلادي"، وتغنّى بها الفنان محمد حمود الحارثي "أوضة الأهجر".
عُرضي: تنطق "أوردو"، وتعني أوضة، أي ثكنات الجنود. والعرضي في اليمن مكان حكومي معروف في صنعاء وتعز.
بصمة: لها استعمالان؛ الأول بمعنى التوقيع بالإبهام الأيسر على الورق، والثاني: نوع من القماش، عُرف في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.
بقشة: جزء من عملة الريال أيّام الملكية، الريال المعروف بـ"الفرانصي".
هللة: نصف البقشة، وهي عملة صغيرة، أي جزء من ثمانين جزءًا من البقشة، وقد توقف استعمالها بعد ثورة سبتمبر/ أيلول 1962.
بخشيش: معناها العطاء مقابل خدمة بسيطة، وقال القاضي إسماعيل الأكوع إن أصلها فارسي.
طابور: اصطفافٌ عسكري لعدد من الكتائب أو السرايا أثناء التمارين أو الجمع العسكري. وطابور الصباح، هو فقرة بَدء اليوم الدراسي للطّلَبة؛ إذ يصفّ كل صف بمحاذاة الآخر، ويقومون بعدد من التمارين والحركات المنتظمة، ويمنع أثناء الطابور الكلامَ الجانبي أو الحركةَ العشوائية؛ إذ يكتسب فيه التلاميذ النظامَ وأداء الواجب.
طبشي: مفردة عسكرية، وتعني: رامي المدفع، ويسمونه الطوبجي.
أفندم: وتعني سيّدي، وقد اختفت الكلمة في اليمن، ثم عادت من خلال الجيش المصري أثناء ثورة 26 سبتمبر/ أيلول، ويستخدمها الجنود عندما يخاطبون الضباط وأصحاب الرتب العسكرية.
مونة: العتاد العسكري.
بيادة: حذاءُ المقاتل والجندي أثناء المهمات العسكرية أو الطوابير، وهي أكبر من الجزمة من حيث الحجم والمتانة وتحمّل المشي، وعادة ما يستعملها المشاة.
مناورة: وهي تدريب الجيش على حمل السلاح واستعماله، وخوض معركة وهمية، للتأكد من مدى قدرة الجيش على استخدام السلاح، وربما أصل الكلمة فرنسي.
دانة: قذيفة المدفع أو الدبابة، أو الآر بي جي والهاون.
القايش: حزام الجندي عندما يرتدي بدلته العسكرية.
ضابط: آمِرُ الجندي، وجمعه ضبّاط، والضباط رتب عسكرية.
برّاني: كانت الكلمة مستعملة في اليمن أثناء الملكية، وتطلق على الجيش غير النظامي في اليمن، ولها استعمالات أخرى، لدى اليمنيين، مثل قولهم: الباب البرّاني أي الخارجي، أو الغرفة البرّانية. وربما جاءت منها لفظة "برّع برّع" أي: اخرُج، وقد غنّى الفنان عطروش، لثورة أكتوبر/ تشرين الأول: "برع يا استعمار، من أرض الأحرار"؛ أي: ارحل واخرُج وغادِر، ولعل أصلها عربي من لهجات يمنية قديمة، وتعني البرّ مقابل البحر .
ورشة: وهي المصنع.
كرباج: السوط المصنوع من الجلد، وعادةً ما يكون بأيدي رجال الشرطة، وشاوش السجن.
ساني: المُضِيّ إلى الأمام، وتنطق مع إشارة اليد، ما يوحي إلى المستمع معنى السير على خط مستقيم دون ميلٍ أو تعرج.
دغري: تعطي نفس معنى "ساني"، أي المضي إلى الأمام على نحو مستقيم، وهي مستعملة بكثرة في اليمن وبلاد الشام، وأصلُها "دغرورة"، وفي اليمن يطلقون على الشخص غير المنتبه: مدغمر؛ أي مدغرر.
رفلة: فوضى، وهي نفسها: غاغة، أي كلام وفوضى بلا قانون، وهرج ومرج.
فيطوس: وهو العطلة أو الفُسحة، أو نهاية الدوام المدرسي، وتنطق بالتركية (فيدوس).
واحتلت تركيا اليمن مرتين؛ الأولى من 1539 إلى 1634، وشمل هذا الاحتلال عدن، أما الثانية فكانت من 1872 إلى 1918، وتركَّز على شمال اليمن وغربه ووسطه.
•••
#خيوط
سيرة الجوع والاستبداد في #اليمن
نصوص أدبية وسيروية تعاين المشكلة من داخلها
جمال حسن
#خيوط
لليمن تاريخ طويل من المعاناة مع الفقر والمجاعات، فالتجويع ظلّ حليفًا للاستبداد وتُراثه الأثير، الذي حفر ندوبه على اليمنيين. وعبّر عن إرث المُعاناة الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني؛ "عرفته يمنيًّا في تلفّته خوف/ وعيناه تاريخ من الرمد". صورة بليغة يتمثل فيها اليمني بركام من الخوف والرمد يحفر عينيه. وفي الموروث الثقافي اليمني والفني صورٌ توثق تلك المُعاناة بوصفها بيوغرافية حسية لآلامه.
شكّلت آلة القمع في اليمن، صنوفًا من العذابات، كان التجويع أكثر ممارساتها تعسفًا وتعنتًا. يمكن أن نطلق على ممارسات القمع مع المجتمع اليمني وصف "كافكاوي"، تتضمن علاقة سوريالية لا تحتكم إلى أي قواعد قانونية أو أخلاقية. ويتكشف المشهد السوريالي في قصة "العسكري ذبح الدجاجة" للأديب اليمني زيد مطيع دماج.
تبدأ القصة بخبر صاعق يتلقاه "الرعوي" عن وجود عسكري في بيته يريد من زوجته أن تذبح له الدجاجة. وبينما يهرع نحو بيته، فكر بأن الشاكي به "مُصلح" بسبب خلاف حدث مؤخرًا بينهما، شاعرًا بالحقد عليه. لكنه يكتشف أن الشاكيَ جارُه الطيب "مُسعد"، ولم تسعفه حيرته عن إيجاد سببٍ للشكوى.
وفي المنزل تخبره زوجته باقتراض أُجرة العسكري من العدل، ريالَين ليعفيهما من ذبح دجاجتهما الوحيدة. كان الحوار سورياليًّا، فالعسكري لن يقبل بأن يكون غداؤه "عصيدة"، وحين حاول الرعوي التملص من ذبح الدجاجة، كونه وعد ولده بأن يشتري له من ثمنها رداءً جديدًا، هدّده بذبح بقرته الوحيدة، لكن المواطن الريفي لا يمكنه الاستغناء عن بقرته، فبدونها يُصبح شبه مُعدم، ليرضخ أخيرًا.
العسكري؛ آلة إفقار
يتعمق المشهد السوريالي للقهر، عندما يلجأ المزارع للعدل، وهذا يقابله "المُختار" في بلاد الشام، من أجل الحصول على "قات" للعسكري. يتعرض لاستغلال العدل الذي يفرض عليه ريالَين قيمة القات، رغم اعتراض "الرعوي" بأنه لا يساوي ريالًا. لكن الأخير يرضخ للأمر الواقع، ويقترض منه ريالَين أجرة للعسكري، فيخبره العدل بأن مجموع ما اقترضه "خمسة ريالات"، ولم يجد المواطن الذي لا يملك شيئًا سوى الرضوخ لهذا الاستغلال.
تُصوِّر القصة نسيجًا اجتماعيًّا واسعًا، وإن اختزلته في كوميديا سوداء. موضحة العلاقة بين الحكومة ورعاياها أو مواطنيها، حيث جعلت المواطن مُلزمًا بالفقر والجوع تحت أكثر من ذريعة عُرفية، فيصبح أشبه بشجرة تقتات منها الطفيليات.
غير أنه يبدو أكثر قسوة، في مشهد تناوُل الأسرة وجبة الغداء مع العسكري، فتضطر للنهوض عندما يحين وقت تناول الدجاجة، ليتناولها الأخير وحيدًا. قد يبدو المشهد فيه مبالغة من صنع الخيال، لكنها من صميم الواقع. وكما يقول غابرييل غارسيا ماركيز: "الواقع أكثر ثراء من المخيلة"، في إشارة إلى أن الجانب السحري من أعماله، استلهمه من الواقع.
وفي المشهد يتجلى الواقع الكابوسي بصورة فانتازية من صميم الواقع، فما يمتلكه اليمني، قليلًا كان أو كثيرًا، عُرضة لاستيلاء أدوات الحكومات القمعية. تنتهي الكوميديا السوداء بعد أن يرفض العسكري أثناء ذهابه الريالين، بوصفها الأُجرة المُقررة له من الحكومة، مُطالبًا بزيادتها ريالين، مستضعفًا الرعوي الذي ظلّ يُهدده بذبح بقرته.
وبعد جدل، يقبل بزيادة ريالين إلا ربع يقترضها المواطن من العدل، لكن هذا الأخير، يؤكد أن ما اقترضه منه هو سبعة ريالات، ويكتمل المشهد الكابوسي بخضوع المواطن المسكين لاستغلال مُركب، يضاعف جوعه.
بيدَ أن الكوميديا السوداء تتضح في نهاية المشهد، حين يسأل عن سبب شكوى جاره. فيخبره العسكري وهو مُغادر، بأن دجاجته نقرت عين ابن جاره مُسعد. فيرد "الرعوي" بأن ابنه هو الذي ذهب لنداء المُختار أو العدل، وكما رآه سليمًا. لكن الإجابة تأتي دون مبالاة؛ بأن لا علاقة له بالأمر.
روح الزبيري الحُرة
حين كان الزبيري في لواء تعز، عايش تلك المظاهر الفظيعة من المظالم التي يعاني منها المواطنون. وعبّر عن ذلك بألم ظاهر؛ "أول نبضة من نبضات الوطنية أحسستها جياشة في قلبي، فوارة في دمي، كانت في قضاء "القماعرة"، حيث رأيت مشاهد من الظلم والاضطهاد والسلب والنهب تشمئز لها نفس الحر الكريم".
أبت روح الزبيري الحُرة أن تقبل تلك المظالم، ودفعته إلى ركوب موجة النضال، فكرّس شِعره ضد الاستبداد. وفي إحدى قصائده المسرحية، بعنوان "العجوز والعسكري"، يصور الزبيري تلك المأساة في حوار بسيط يدور بين شخصيتين؛ الضحية "العجوز"، والباغي "العسكري"، وهذه الثنائية تثير عُرفًا عميقًا كرسته سياسة الاستبداد في اليمن، جسّدتها تلك الحوارية.
نصوص أدبية وسيروية تعاين المشكلة من داخلها
جمال حسن
#خيوط
لليمن تاريخ طويل من المعاناة مع الفقر والمجاعات، فالتجويع ظلّ حليفًا للاستبداد وتُراثه الأثير، الذي حفر ندوبه على اليمنيين. وعبّر عن إرث المُعاناة الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني؛ "عرفته يمنيًّا في تلفّته خوف/ وعيناه تاريخ من الرمد". صورة بليغة يتمثل فيها اليمني بركام من الخوف والرمد يحفر عينيه. وفي الموروث الثقافي اليمني والفني صورٌ توثق تلك المُعاناة بوصفها بيوغرافية حسية لآلامه.
شكّلت آلة القمع في اليمن، صنوفًا من العذابات، كان التجويع أكثر ممارساتها تعسفًا وتعنتًا. يمكن أن نطلق على ممارسات القمع مع المجتمع اليمني وصف "كافكاوي"، تتضمن علاقة سوريالية لا تحتكم إلى أي قواعد قانونية أو أخلاقية. ويتكشف المشهد السوريالي في قصة "العسكري ذبح الدجاجة" للأديب اليمني زيد مطيع دماج.
تبدأ القصة بخبر صاعق يتلقاه "الرعوي" عن وجود عسكري في بيته يريد من زوجته أن تذبح له الدجاجة. وبينما يهرع نحو بيته، فكر بأن الشاكي به "مُصلح" بسبب خلاف حدث مؤخرًا بينهما، شاعرًا بالحقد عليه. لكنه يكتشف أن الشاكيَ جارُه الطيب "مُسعد"، ولم تسعفه حيرته عن إيجاد سببٍ للشكوى.
وفي المنزل تخبره زوجته باقتراض أُجرة العسكري من العدل، ريالَين ليعفيهما من ذبح دجاجتهما الوحيدة. كان الحوار سورياليًّا، فالعسكري لن يقبل بأن يكون غداؤه "عصيدة"، وحين حاول الرعوي التملص من ذبح الدجاجة، كونه وعد ولده بأن يشتري له من ثمنها رداءً جديدًا، هدّده بذبح بقرته الوحيدة، لكن المواطن الريفي لا يمكنه الاستغناء عن بقرته، فبدونها يُصبح شبه مُعدم، ليرضخ أخيرًا.
العسكري؛ آلة إفقار
يتعمق المشهد السوريالي للقهر، عندما يلجأ المزارع للعدل، وهذا يقابله "المُختار" في بلاد الشام، من أجل الحصول على "قات" للعسكري. يتعرض لاستغلال العدل الذي يفرض عليه ريالَين قيمة القات، رغم اعتراض "الرعوي" بأنه لا يساوي ريالًا. لكن الأخير يرضخ للأمر الواقع، ويقترض منه ريالَين أجرة للعسكري، فيخبره العدل بأن مجموع ما اقترضه "خمسة ريالات"، ولم يجد المواطن الذي لا يملك شيئًا سوى الرضوخ لهذا الاستغلال.
تُصوِّر القصة نسيجًا اجتماعيًّا واسعًا، وإن اختزلته في كوميديا سوداء. موضحة العلاقة بين الحكومة ورعاياها أو مواطنيها، حيث جعلت المواطن مُلزمًا بالفقر والجوع تحت أكثر من ذريعة عُرفية، فيصبح أشبه بشجرة تقتات منها الطفيليات.
غير أنه يبدو أكثر قسوة، في مشهد تناوُل الأسرة وجبة الغداء مع العسكري، فتضطر للنهوض عندما يحين وقت تناول الدجاجة، ليتناولها الأخير وحيدًا. قد يبدو المشهد فيه مبالغة من صنع الخيال، لكنها من صميم الواقع. وكما يقول غابرييل غارسيا ماركيز: "الواقع أكثر ثراء من المخيلة"، في إشارة إلى أن الجانب السحري من أعماله، استلهمه من الواقع.
المنبع المُستلهم منه واحد، وهو الواقع اليمني المُثقل بالاستبداد، حيث شكّل مصدرًا للتعبير الفني، سواء بأسلوب خطابي حفلت به قصائد الزبيري، المدفوع بروح ثائرة فرضتها ظروف عصره، أو فيما اتخذه لدى دماج من نسيج سردي أقرب إلى الكوميديا السوداء والتهكم المُثقل بالمأساة.
وفي المشهد يتجلى الواقع الكابوسي بصورة فانتازية من صميم الواقع، فما يمتلكه اليمني، قليلًا كان أو كثيرًا، عُرضة لاستيلاء أدوات الحكومات القمعية. تنتهي الكوميديا السوداء بعد أن يرفض العسكري أثناء ذهابه الريالين، بوصفها الأُجرة المُقررة له من الحكومة، مُطالبًا بزيادتها ريالين، مستضعفًا الرعوي الذي ظلّ يُهدده بذبح بقرته.
وبعد جدل، يقبل بزيادة ريالين إلا ربع يقترضها المواطن من العدل، لكن هذا الأخير، يؤكد أن ما اقترضه منه هو سبعة ريالات، ويكتمل المشهد الكابوسي بخضوع المواطن المسكين لاستغلال مُركب، يضاعف جوعه.
بيدَ أن الكوميديا السوداء تتضح في نهاية المشهد، حين يسأل عن سبب شكوى جاره. فيخبره العسكري وهو مُغادر، بأن دجاجته نقرت عين ابن جاره مُسعد. فيرد "الرعوي" بأن ابنه هو الذي ذهب لنداء المُختار أو العدل، وكما رآه سليمًا. لكن الإجابة تأتي دون مبالاة؛ بأن لا علاقة له بالأمر.
روح الزبيري الحُرة
حين كان الزبيري في لواء تعز، عايش تلك المظاهر الفظيعة من المظالم التي يعاني منها المواطنون. وعبّر عن ذلك بألم ظاهر؛ "أول نبضة من نبضات الوطنية أحسستها جياشة في قلبي، فوارة في دمي، كانت في قضاء "القماعرة"، حيث رأيت مشاهد من الظلم والاضطهاد والسلب والنهب تشمئز لها نفس الحر الكريم".
أبت روح الزبيري الحُرة أن تقبل تلك المظالم، ودفعته إلى ركوب موجة النضال، فكرّس شِعره ضد الاستبداد. وفي إحدى قصائده المسرحية، بعنوان "العجوز والعسكري"، يصور الزبيري تلك المأساة في حوار بسيط يدور بين شخصيتين؛ الضحية "العجوز"، والباغي "العسكري"، وهذه الثنائية تثير عُرفًا عميقًا كرسته سياسة الاستبداد في اليمن، جسّدتها تلك الحوارية.
ولو لاحظنا، فقد ارتبطت كل هذه المفردات بالإنتاج الصناعي، ومعظمه إنتاج يتعلق بالآلات والأدوات المستخدمة في السيارة والطائرة والبناء والتقنيات الجديدة. وحسب نظريات علم اللغة، فإن لغة أي بلد، لا يمكن أن تتطور بدون تطور الإنتاج الاقتصادي، وتطور المجتمع أيضاً. فما هي دلالات بقاء هذه المفردات مستخدمة حتى الآن في اليمن، وماذا يمكننا القول بشأن تطور اللغة العربية؟
•••
#خيوط
•••
#خيوط
خبل: مجنون؛ كلمة فارسية.
موسم: فصل؛ كلمة هندية.
خيشة: كلمة فارسية، وهي كيس من القماش.
دستة: كلمة فارسية، وتعني حزمة الورق.
سامان: تعني بالفارسية الزينة، وبالسنسكريتية تنطق "سيمان"، وهي تعني: الأثاث وأغراض البيت.
تولة: "تولا" وهي كلمة هندية، تعني: عيار للوزن، وكانت تستخدم في معايير ومقادير دهن العود.
هات: بمعني أعطني، ومعناها بالهندية: يد.
بالْدي: هو الوعاء أو "السطل" الذي يحفظ الماء؛ (هندية).
روتي: نوع من الخبز؛ (هندية).
كيرم: لعبة هندية مشهورة.
فارغ: أي لا يحتوي على شيء؛ (هندية - فارسية).
محل/ محلة: معناها بالهندية منطقة أو مكان.
غلط: خطأ؛ (فارسية).
مسك: نوع من الطيب في الهند.
عودة: أصلها أودا؛ (هندية).
صندل/ سندل: بدأ في اليمن اسم عطر قادمٍ من الهند، ثم أصبح يطلق على نوع معين من الأحذية الشبابية، وهي في السنسكريتية اسم عطر: "تش ندن".
موز: فاكهة أصلها من الهند، وتم تعريبها من السنسكريتية التي تنطقها: "موتشا".
فلفل: حبوب سوداء تضاف إلى الإدام كبهارات، تم تعريبها من السنسكريتية التي تنطقها: "بيبلي".
قرنفل: هو "الزر" الأسود، له رائحة نفاذة، وجاءت من السنسكريتية، وهي تنطق: كرن بهول.
عنبة: فاكهة معروفة في اليمن، تسمى عَنْب الفلفل، يقارب طعمها طعم الخوخ، ويطلق عليها بالعربية أيضاً "الباباي"، وتنطق في الهند: "أنبه".
الرند: عرق ذو رائحة طيبة، كان العرب يستوردونه من الهند، ويطلقون عليه السنبل الهنديّ. وتنطق بالسنسكريتية: "نلدا"، وفي بعض مناطق اليمن يسمى نوع من النباتات العطرية بـ"الرند"، وفي مناطق أخرى يسمى "غبيراء".
الهرُد: عبارة عن عروق صفراء تضاف إلى الإدام مسحوقةً، ضمن البهارات أحيانًا، جاءت من الهندية، وأصلها "هريدر"، وبعض الهنود ينطقوها: "هلدي".
زنجبيل: عروق تسري في الأرض، وليس شجرًا، وهي في الأصل: "زانجبيرا".
الفيل: حيوان معروف يعيش في الهند، ويسمونه: "بيل".
ليمون: ثمرة حامضة، أصغر من التفاحة، يتم تحويلها إلى مشروب لذيذ بعد عصرها بإضافة السكر، وتنطق في الهند "ليبو".
•••
#خيوط
موسم: فصل؛ كلمة هندية.
خيشة: كلمة فارسية، وهي كيس من القماش.
دستة: كلمة فارسية، وتعني حزمة الورق.
سامان: تعني بالفارسية الزينة، وبالسنسكريتية تنطق "سيمان"، وهي تعني: الأثاث وأغراض البيت.
تولة: "تولا" وهي كلمة هندية، تعني: عيار للوزن، وكانت تستخدم في معايير ومقادير دهن العود.
هات: بمعني أعطني، ومعناها بالهندية: يد.
بالْدي: هو الوعاء أو "السطل" الذي يحفظ الماء؛ (هندية).
روتي: نوع من الخبز؛ (هندية).
كيرم: لعبة هندية مشهورة.
فارغ: أي لا يحتوي على شيء؛ (هندية - فارسية).
محل/ محلة: معناها بالهندية منطقة أو مكان.
غلط: خطأ؛ (فارسية).
مسك: نوع من الطيب في الهند.
عودة: أصلها أودا؛ (هندية).
صندل/ سندل: بدأ في اليمن اسم عطر قادمٍ من الهند، ثم أصبح يطلق على نوع معين من الأحذية الشبابية، وهي في السنسكريتية اسم عطر: "تش ندن".
موز: فاكهة أصلها من الهند، وتم تعريبها من السنسكريتية التي تنطقها: "موتشا".
فلفل: حبوب سوداء تضاف إلى الإدام كبهارات، تم تعريبها من السنسكريتية التي تنطقها: "بيبلي".
قرنفل: هو "الزر" الأسود، له رائحة نفاذة، وجاءت من السنسكريتية، وهي تنطق: كرن بهول.
عنبة: فاكهة معروفة في اليمن، تسمى عَنْب الفلفل، يقارب طعمها طعم الخوخ، ويطلق عليها بالعربية أيضاً "الباباي"، وتنطق في الهند: "أنبه".
الرند: عرق ذو رائحة طيبة، كان العرب يستوردونه من الهند، ويطلقون عليه السنبل الهنديّ. وتنطق بالسنسكريتية: "نلدا"، وفي بعض مناطق اليمن يسمى نوع من النباتات العطرية بـ"الرند"، وفي مناطق أخرى يسمى "غبيراء".
الهرُد: عبارة عن عروق صفراء تضاف إلى الإدام مسحوقةً، ضمن البهارات أحيانًا، جاءت من الهندية، وأصلها "هريدر"، وبعض الهنود ينطقوها: "هلدي".
زنجبيل: عروق تسري في الأرض، وليس شجرًا، وهي في الأصل: "زانجبيرا".
الفيل: حيوان معروف يعيش في الهند، ويسمونه: "بيل".
ليمون: ثمرة حامضة، أصغر من التفاحة، يتم تحويلها إلى مشروب لذيذ بعد عصرها بإضافة السكر، وتنطق في الهند "ليبو".
•••
#خيوط
وقال وزير الإعلام الكويتي السابق "سعد العجمي" في صحيفة الإندبندنت عربية: "علينا أن نقرّ بأن الجنوب يختلف عن الشمال". وكان مقتنعًا بهذهِ الفكرة وادّعى أنّ اليمن الشمالي والجنوبي مختلفان ولا يصلحان لأن يكونا تحت سقف واحد أو سلطة دولة واحدة.
والأمثلة كثيرة في هذا المنحى، وكل هؤلاء الكتّاب يعبرون عن توجهات بلدانهم غير المعلنة. وهؤلاء لا يتحدثون في قضايا حساسة تمسّ الأمن القومي الخليجي دون موافقة من دوائر صنع القرار ببلدانهم.
عندما انفجرت أحداث أغسطس 2019 في عدن، وحاولت الحكومة الشرعية بقواتها الدخول إلى عدن، والتي تضم في قوامها قوات من حزب الإصلاح المدعومة من السعودية، قامت الإمارات بضرب هذه القوات بطيرانها وهي على أبواب عدن الشرقية، حتى تحمي قوات حليفها المجلس الانتقالي، متحججة بأنّها قامت بضرب تكوينات إرهابية مغروسة في جسم القوات الحكومية.
لهذا دائمًا ما نرى علَم الإمارات وصور قاداتها حاضرة في فعاليات المجلس الانتقالي وأنشطته السياسية، حتى داخل المكاتب المغلقة؛ لأنّها الراعي الرسمي للمجلس، وداعمه الأول ماليًّا وإعلاميًّا وعسكريًّا.
للإمارات مطامعها الكبيرة التي لم تعد خافية على أحد، فتوسيع نفوذها الإقليمي بالسيطرة على الممرات المائية والجزر والموانئ الحيوية؛ أحد أهدافها الاستراتيجية التي لا يمكن أن تتحقّق إلا من خلال يمن مجزأ، وحلفاء قريبين يعملون لتنفيذ هذا المخطط تحت شعارات استعادة دولة الجنوب.
ماذا عن السعودية؟!
مشكلة السعودية في اليمن، مركبة، فلديها أولويات متناقضة، فهي لا تمانع من انفصال الجنوب وترحب به، ولكن "ليس الآن"، وليس في هذا التوقيت وهذا الظرف، ولكن عندما يزول خطر "الحوثي" عنها، ويتراجع نفوذ إيران التي عقدت معها اتفاقًا برعاية صينية خلال شهر مارس الماضي، يهدف إلى تقاسم النفوذ في البلد الذي تعصف به الفوضى. السعودية في النهاية، ستمضي في نفس مشروع الإمارات التجزيئي، بدليل أنّها صارت بأدواتها داخل بنية المجلس الانتقالي، منذ مؤتمر التشاور الجنوبي الذي انعقد في عدن مؤخرًا، وصار بعده صوت المجلس مرتفعًا، وهي في نهاية الأمر بحاجة إلى حلفاء وتابعين ضعيفين في اليمن (شماله والجنوب)، حتى وإن كان هذا اليمن مفككًا!
أما المستفيد الأكبر من المضي في هذا المشروع فسيكون إيران، لأنه سيتيح لحليفها "الحوثي" الاستحواذ على الأجزاء الحيوية من شمال اليمن، ولهذا ستعمل بكل إمكانياتها، تحت غطاء اتفاقها مع السعودية، لتمريره على حساب اليمنيين جميعهم.
•••
عبدالرحيم #باوزير
#خيوط
والأمثلة كثيرة في هذا المنحى، وكل هؤلاء الكتّاب يعبرون عن توجهات بلدانهم غير المعلنة. وهؤلاء لا يتحدثون في قضايا حساسة تمسّ الأمن القومي الخليجي دون موافقة من دوائر صنع القرار ببلدانهم.
عندما انفجرت أحداث أغسطس 2019 في عدن، وحاولت الحكومة الشرعية بقواتها الدخول إلى عدن، والتي تضم في قوامها قوات من حزب الإصلاح المدعومة من السعودية، قامت الإمارات بضرب هذه القوات بطيرانها وهي على أبواب عدن الشرقية، حتى تحمي قوات حليفها المجلس الانتقالي، متحججة بأنّها قامت بضرب تكوينات إرهابية مغروسة في جسم القوات الحكومية.
لهذا دائمًا ما نرى علَم الإمارات وصور قاداتها حاضرة في فعاليات المجلس الانتقالي وأنشطته السياسية، حتى داخل المكاتب المغلقة؛ لأنّها الراعي الرسمي للمجلس، وداعمه الأول ماليًّا وإعلاميًّا وعسكريًّا.
للإمارات مطامعها الكبيرة التي لم تعد خافية على أحد، فتوسيع نفوذها الإقليمي بالسيطرة على الممرات المائية والجزر والموانئ الحيوية؛ أحد أهدافها الاستراتيجية التي لا يمكن أن تتحقّق إلا من خلال يمن مجزأ، وحلفاء قريبين يعملون لتنفيذ هذا المخطط تحت شعارات استعادة دولة الجنوب.
ماذا عن السعودية؟!
مشكلة السعودية في اليمن، مركبة، فلديها أولويات متناقضة، فهي لا تمانع من انفصال الجنوب وترحب به، ولكن "ليس الآن"، وليس في هذا التوقيت وهذا الظرف، ولكن عندما يزول خطر "الحوثي" عنها، ويتراجع نفوذ إيران التي عقدت معها اتفاقًا برعاية صينية خلال شهر مارس الماضي، يهدف إلى تقاسم النفوذ في البلد الذي تعصف به الفوضى. السعودية في النهاية، ستمضي في نفس مشروع الإمارات التجزيئي، بدليل أنّها صارت بأدواتها داخل بنية المجلس الانتقالي، منذ مؤتمر التشاور الجنوبي الذي انعقد في عدن مؤخرًا، وصار بعده صوت المجلس مرتفعًا، وهي في نهاية الأمر بحاجة إلى حلفاء وتابعين ضعيفين في اليمن (شماله والجنوب)، حتى وإن كان هذا اليمن مفككًا!
أما المستفيد الأكبر من المضي في هذا المشروع فسيكون إيران، لأنه سيتيح لحليفها "الحوثي" الاستحواذ على الأجزاء الحيوية من شمال اليمن، ولهذا ستعمل بكل إمكانياتها، تحت غطاء اتفاقها مع السعودية، لتمريره على حساب اليمنيين جميعهم.
•••
عبدالرحيم #باوزير
#خيوط
رحلة البريطانية "فريا ستارك" إلى اليمن
البروباجندا؛ استراتيجية للتأثير والهيمنة خلال الحرب
د. حافظ قاسم القطيبي
#خيوط
تعكس رحلة فريا ستارك الثالثة إلى اليمن، التسابقَ المحموم بين الدول الكبرى في السيطرة على اليمن والبحر الأحمر ومنافذه الاستراتيجية، وتتجلّى قيمة مثل هذه الأعمال في قدرتها على طرح الأسئلة وإثارة التفكير في الماضي، واستحضار الحاضر ومسارات الصراع الراهنة. فما أشبه الليلة بالبارحة! ذلك أنّ قراءة مثل هذه الأعمال والكشف عن أنساقها وملاحظة تحركات هذه الأنساق وتفاعلها بين الماضي والحاضر لهو جدير بالتأمل والبحث والتحليل، إذ تكشف القراءة الفاحصة عن الأنساق المهيمنة لعملية الاستشراق: نسق الاستعلاء والتفوق والرغبة في امتلاك الشرق والسيطرة عليه والتحكم به.
اليمن بين إيطاليا وبريطانيا
سبقت الحرب العالمية الثانية استعدادات وتحالفات واستقطابات وتنافس على مناطق النفوذ، وقد كانت اليمن منطقة جذب لعوامل عديدة، فصارت جزءًا من محطات الصراع، وغدت ساحة حرب دعائية بين قوتين عالميتين، هما: إيطاليا وبريطانيا.
ومعلوم أنّ بريطانيا قد احتلت عدن والمناطق اليمنية الجنوبية في 1839. كما كانت إيطاليا منذ أوائل القرن العشرين تحاول مد سيطرتها إلى الساحل الغربي اليمني المواجه لإريتريا؛ للتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر؛ لذلك حرصت على توقيع معاهدة صداقة مع الإمام يحيى في عام 1926 مدة عشر سنوات، ويشير سيد مصطفى سالم في كتابه (تكوين اليمن الحديث) إلى أنه "تم تجديد هذه المعاهدة، بعد تردّد الإمام في عام 1937، وقد تبع تجديد المعاهدة إرسال الكثير من الفنيين والأطباء. وقد أثار هذا الفوز الإيطالي الكبير إنجلترا... ولقد ظلت إيطاليا صاحبة المقام الأول في الجزء الشمالي من اليمن، وكان الأطباء هم أقوى الشخصيات الإيطالية نفوذًا وقوة بين الإيطاليين المقيمين هناك، وقد ظل هكذا الأمر حتى بعد نشوب الحرب العالمية الثانية. لقد كانت المستشفيات الإيطالية هي المراكز الرئيسة للدعاية الفاشية، وكانت توجد في المدن الهامّة ذات المراكز الاستراتيجية، مثل: تعز، والحديدة، بل وفي صنعاء نفسها... وكان النفوذ الإيطالي والدعاية الإيطالية في اليمن تضايق الإنجليز كثيرا". [ص459، 460]
رحلة ثالثة لفريا ستارك
في هذا السياق، ومع نشوب الحرب العالمية الثانية، جاءت فريا ستارك إلى اليمن في رحلة ثالثة، والجدير بالإشارة أن فريا ستارك كاتبة إنجليزية تعشق المغامرة والاكتشاف والترحال في بلدان الشرق، سافرت إلى بغداد ثم إيران بهدف استكشاف قلاع (الحشاشين)، وفي 19 ديسمبر 1934 وصلت عدن، ومنها ذهبت إلى حضرموت، وهدفها الوصول إلى مدينة شبوة العاصمة التاريخية لحضرموت، واكتشاف طريق البخور، ودوّنت رحلتها في كتابها (البوابات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية). ورحلتها الثانية كانت في أكتوبر 1937، جاءت مرافقة لعالمتَي آثار في رحلة استكشافية لمعبد القمر في مدينة حريضة في حضرموت.
أما الرحلة الثالثة فكانت إبان الحرب العالمية الثانية، فقد وصلت عدن في ديسمبر 1939، وكتبت عن رحلتها في كتابها (الشرق هو الغرب)، وقد ترجم الدكتور مسعود عمشوش فصلين منه في كتابه (اليمن في كتابات فريا ستارك: من الاستكشافات إلى الاستخبارات، دار عناوين، 2021، ص131-153)، وهذه الرحلة هي محط قراءتنا هنا.
القوة العسكرية وحدها لا تكفي
تنوّعت دوافع المستشرقين وأهدافهم، فهناك من المستشرقين والكُتّاب الغربيين من كانت أهدافه علمية، ومنهم من كانت تحركه دوافع الهيمنة والسيطرة على الشرق. ورحلة فريا ستارك الثالثة تختلف عن سابقتيها، فهذه الرحلة تدفعها موجّهات استعمارية، لتحقيق أهداف سياسية واحتلالية، إذ تذكر أن مهمتها كانت البروباجندا، أي نشر معلومات بطريقة موجهة تعبر عن وجهة نظر واحدة. فقد رأت الدول الكبرى أن القوة العسكرية لا تكفي لحسم الصراع بل يجب الاستعانة بالحرب الدعائية للتأثير في الرأي العام وتوجيه قرارات الناس وسلوكهم بما يخدم أهداف هذه الدول.
تذكر فريا ستارك أنه مع تراكم سحب الحرب في أوروبا، وفي نهاية شهر أغسطس 1939، غادرت منزلها بالقرب من البندقية، وجاءت إلى لندن، بحسب تعبيرها: "لأداء أية خدمة يمكنني تقديمها. وبسبب إلمامي باللغة العربية اختارتني وزارة الإعلام للعمل بصفة (خبيرة في شؤون الشرق). وبدأت العمل من الرابع من شهر سبتمبر 1939، أي من ثاني أيام الحرب".
ثم تقول: "وبعد بضعة أسابيع، وصلتنا برقية من ستيوارت بيراون Perowne) Stewart)) -مدير مكتب الإعلام في مستعمرة عدن- يسأل فيها عمَّا إذا كنت أرغب في أن أصبح مساعدة ضابط الإعلام في عدن".
وعلى عجل، أبحرَت إلى عدن في نوفمبر 1939، وعندما وصلت باشرت عملها في الحال.
البروباجندا؛ استراتيجية للتأثير والهيمنة خلال الحرب
د. حافظ قاسم القطيبي
#خيوط
تعكس رحلة فريا ستارك الثالثة إلى اليمن، التسابقَ المحموم بين الدول الكبرى في السيطرة على اليمن والبحر الأحمر ومنافذه الاستراتيجية، وتتجلّى قيمة مثل هذه الأعمال في قدرتها على طرح الأسئلة وإثارة التفكير في الماضي، واستحضار الحاضر ومسارات الصراع الراهنة. فما أشبه الليلة بالبارحة! ذلك أنّ قراءة مثل هذه الأعمال والكشف عن أنساقها وملاحظة تحركات هذه الأنساق وتفاعلها بين الماضي والحاضر لهو جدير بالتأمل والبحث والتحليل، إذ تكشف القراءة الفاحصة عن الأنساق المهيمنة لعملية الاستشراق: نسق الاستعلاء والتفوق والرغبة في امتلاك الشرق والسيطرة عليه والتحكم به.
اليمن بين إيطاليا وبريطانيا
سبقت الحرب العالمية الثانية استعدادات وتحالفات واستقطابات وتنافس على مناطق النفوذ، وقد كانت اليمن منطقة جذب لعوامل عديدة، فصارت جزءًا من محطات الصراع، وغدت ساحة حرب دعائية بين قوتين عالميتين، هما: إيطاليا وبريطانيا.
ومعلوم أنّ بريطانيا قد احتلت عدن والمناطق اليمنية الجنوبية في 1839. كما كانت إيطاليا منذ أوائل القرن العشرين تحاول مد سيطرتها إلى الساحل الغربي اليمني المواجه لإريتريا؛ للتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر؛ لذلك حرصت على توقيع معاهدة صداقة مع الإمام يحيى في عام 1926 مدة عشر سنوات، ويشير سيد مصطفى سالم في كتابه (تكوين اليمن الحديث) إلى أنه "تم تجديد هذه المعاهدة، بعد تردّد الإمام في عام 1937، وقد تبع تجديد المعاهدة إرسال الكثير من الفنيين والأطباء. وقد أثار هذا الفوز الإيطالي الكبير إنجلترا... ولقد ظلت إيطاليا صاحبة المقام الأول في الجزء الشمالي من اليمن، وكان الأطباء هم أقوى الشخصيات الإيطالية نفوذًا وقوة بين الإيطاليين المقيمين هناك، وقد ظل هكذا الأمر حتى بعد نشوب الحرب العالمية الثانية. لقد كانت المستشفيات الإيطالية هي المراكز الرئيسة للدعاية الفاشية، وكانت توجد في المدن الهامّة ذات المراكز الاستراتيجية، مثل: تعز، والحديدة، بل وفي صنعاء نفسها... وكان النفوذ الإيطالي والدعاية الإيطالية في اليمن تضايق الإنجليز كثيرا". [ص459، 460]
رحلة ثالثة لفريا ستارك
في هذا السياق، ومع نشوب الحرب العالمية الثانية، جاءت فريا ستارك إلى اليمن في رحلة ثالثة، والجدير بالإشارة أن فريا ستارك كاتبة إنجليزية تعشق المغامرة والاكتشاف والترحال في بلدان الشرق، سافرت إلى بغداد ثم إيران بهدف استكشاف قلاع (الحشاشين)، وفي 19 ديسمبر 1934 وصلت عدن، ومنها ذهبت إلى حضرموت، وهدفها الوصول إلى مدينة شبوة العاصمة التاريخية لحضرموت، واكتشاف طريق البخور، ودوّنت رحلتها في كتابها (البوابات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية). ورحلتها الثانية كانت في أكتوبر 1937، جاءت مرافقة لعالمتَي آثار في رحلة استكشافية لمعبد القمر في مدينة حريضة في حضرموت.
أما الرحلة الثالثة فكانت إبان الحرب العالمية الثانية، فقد وصلت عدن في ديسمبر 1939، وكتبت عن رحلتها في كتابها (الشرق هو الغرب)، وقد ترجم الدكتور مسعود عمشوش فصلين منه في كتابه (اليمن في كتابات فريا ستارك: من الاستكشافات إلى الاستخبارات، دار عناوين، 2021، ص131-153)، وهذه الرحلة هي محط قراءتنا هنا.
القوة العسكرية وحدها لا تكفي
تنوّعت دوافع المستشرقين وأهدافهم، فهناك من المستشرقين والكُتّاب الغربيين من كانت أهدافه علمية، ومنهم من كانت تحركه دوافع الهيمنة والسيطرة على الشرق. ورحلة فريا ستارك الثالثة تختلف عن سابقتيها، فهذه الرحلة تدفعها موجّهات استعمارية، لتحقيق أهداف سياسية واحتلالية، إذ تذكر أن مهمتها كانت البروباجندا، أي نشر معلومات بطريقة موجهة تعبر عن وجهة نظر واحدة. فقد رأت الدول الكبرى أن القوة العسكرية لا تكفي لحسم الصراع بل يجب الاستعانة بالحرب الدعائية للتأثير في الرأي العام وتوجيه قرارات الناس وسلوكهم بما يخدم أهداف هذه الدول.
تذكر فريا ستارك أنه مع تراكم سحب الحرب في أوروبا، وفي نهاية شهر أغسطس 1939، غادرت منزلها بالقرب من البندقية، وجاءت إلى لندن، بحسب تعبيرها: "لأداء أية خدمة يمكنني تقديمها. وبسبب إلمامي باللغة العربية اختارتني وزارة الإعلام للعمل بصفة (خبيرة في شؤون الشرق). وبدأت العمل من الرابع من شهر سبتمبر 1939، أي من ثاني أيام الحرب".
ثم تقول: "وبعد بضعة أسابيع، وصلتنا برقية من ستيوارت بيراون Perowne) Stewart)) -مدير مكتب الإعلام في مستعمرة عدن- يسأل فيها عمَّا إذا كنت أرغب في أن أصبح مساعدة ضابط الإعلام في عدن".
وعلى عجل، أبحرَت إلى عدن في نوفمبر 1939، وعندما وصلت باشرت عملها في الحال.
السارد اختار عنوانًا ينضح بالتعاطف والانحياز للغناء والرقص، وأتى على هيئة تساؤلية: "من يسرق الناي؟". ولعل هذه الهيئة عززت انحيازه التام وكشفت عن تحسره وعضّه أصابع الندم على تلك الأيام الجميلة، وربما حانقًا على تلك الجهة التي سرقت البهجة والفرحة، فلم يعد "يهبش الهبيش"، ولا يسمع الناي.
أما المشهد الثاني الذي احتفى به السارد فهو تجربته مع رفقة عمره بالمعهد الديني بحاضرة العلم والنور بغيل باوزير. ففيها تكثفت تجربة تربوية وتعليمية باهرة، تمثلت في المدرسة الوسطى والمعهد الديني والثانوية الصغرى في مرحلة الستينيات. وبفضل هذه المنارات الثلاث التي سطعت بنور العلم، تزينت سماء حضرموت بنجوم من الكوادر أمدت الوطن بالخبرة الإدارية والتعليمية، وبتعبير السردية: "كانت مصنعًا لرواد التربية والتعليم والإدارة".
المتتبع لمسار التوظيف في الإدارات الحكومية بالمكلا سيجد أن نسبة الموظفين القادمين من "الغيل" هي النسبة الأعلى بسبب الزخم التعليمي فيها
إن المعهد الديني بمنهجه الأزهري مثّل تجربة في التربية والتعليم لافتة، يمكن أن تكون نموذجًا ملهمًا لمدارسنا اليوم. ففي هذا المعهد الديني يتلقى الطالب الدروس الشرعية الإسلامية والمدنية مثل تعليم الرياضيات واللغة الإنجليزية ليقوي عقله، ولا يُحرم من الرياضة البدنية، من كرة القدم إلى الجمباز إلى كرة الطائرة والسلة، ليقوي جسده.
بل يستمع داخل المعهد الديني نفسه إلى الجرامفون الذي مثّل أعجوبة الزمان في عصره. فمنه يستمع إلى سور من القرآن الكريم، ومن الجرامفون نفسه استمع إلى أغاني أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وأبوبكر سالم ومحمد جمعة خان، كل ذلك للرفع من مستوى ذوق الطالب الجمالي والفني.
يساعد المكان بمشاهده البصرية الجميلة من نخيل وأشجار على رفع درجة التفاعل مع صوت الجرامفون. أما المكتبة الملحقة بالمسجد داخل المعهد، فلا تقتصر كتبها على الفقه والحديث والتفسير، بل تشمل أيضًا كتب الشعر والروايات.
بعد ذلك، فإن تجربة المعهد الديني الأزهري مع الجرامفون تجربة دالة على ذهنية إدارية منفتحة في الزمان الذي مضى. ولا يمكن اليوم، في الزمن الحاضر، أن يتجرأ أي معهد ديني على وضع نفسه في مثل هذه التجربة.
السؤال الذي يمكن أن يسأله القارئ على هامش هذا الاستماع من الجرامفون نفسه للقرآن والغناء هو: هل ثمة علاقة اشتراك في استخدام المقامات في تلاوة القرآن الكريم وفي النظام الصوتي للغناء؟
نعم، كلاهما يستخدم المقامات، مع الاختلاف الشديد بينهما في طريقة الاستخدام والغايات. فالتلاوة القرآنية تعتمد كليًا على الصوت البشري الخالص الرامي إلى التأثير على السامع للإيمان بالله، وإدخال الخشوع والجلال والمهابة والوقار والورع إلى قلبه. بينما الغناء يعتمد على الأصوات البشرية والآلات، ويرمي إلى الطربية والفرح وتذوق الجمال الدنيوي.
وبمناسبة الحديث عن الغناء والطرب، فإن التجربة تبرهن أن من أتقن الغناء والطرب من كبار الفنانين، مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وصباح فخري وأبوبكر سالم بلفقيه وغيرهم، قد مروا بتجربة الانصات و تلاوة القرآن الكريم قبل أن يخوضوا تجربة الغناء والطرب.
•••
د. عبده بن بدر
أستاذ علم الجمال بقسم الفلسفة، في جامعة حضرموت.
#خيوط
أما المشهد الثاني الذي احتفى به السارد فهو تجربته مع رفقة عمره بالمعهد الديني بحاضرة العلم والنور بغيل باوزير. ففيها تكثفت تجربة تربوية وتعليمية باهرة، تمثلت في المدرسة الوسطى والمعهد الديني والثانوية الصغرى في مرحلة الستينيات. وبفضل هذه المنارات الثلاث التي سطعت بنور العلم، تزينت سماء حضرموت بنجوم من الكوادر أمدت الوطن بالخبرة الإدارية والتعليمية، وبتعبير السردية: "كانت مصنعًا لرواد التربية والتعليم والإدارة".
المتتبع لمسار التوظيف في الإدارات الحكومية بالمكلا سيجد أن نسبة الموظفين القادمين من "الغيل" هي النسبة الأعلى بسبب الزخم التعليمي فيها
.
تجربة المعهد الديني الأزهري مع الجرامفون تجربة دالة على ذهنية إدارية منفتحة في الزمان الذي مضى. ولا يمكن اليوم، في الزمن الحاضر، أن يتجرأ أي معهد ديني على وضع نفسه في مثل هذه التجربة
إن المعهد الديني بمنهجه الأزهري مثّل تجربة في التربية والتعليم لافتة، يمكن أن تكون نموذجًا ملهمًا لمدارسنا اليوم. ففي هذا المعهد الديني يتلقى الطالب الدروس الشرعية الإسلامية والمدنية مثل تعليم الرياضيات واللغة الإنجليزية ليقوي عقله، ولا يُحرم من الرياضة البدنية، من كرة القدم إلى الجمباز إلى كرة الطائرة والسلة، ليقوي جسده.
بل يستمع داخل المعهد الديني نفسه إلى الجرامفون الذي مثّل أعجوبة الزمان في عصره. فمنه يستمع إلى سور من القرآن الكريم، ومن الجرامفون نفسه استمع إلى أغاني أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وأبوبكر سالم ومحمد جمعة خان، كل ذلك للرفع من مستوى ذوق الطالب الجمالي والفني.
يساعد المكان بمشاهده البصرية الجميلة من نخيل وأشجار على رفع درجة التفاعل مع صوت الجرامفون. أما المكتبة الملحقة بالمسجد داخل المعهد، فلا تقتصر كتبها على الفقه والحديث والتفسير، بل تشمل أيضًا كتب الشعر والروايات.
بعد ذلك، فإن تجربة المعهد الديني الأزهري مع الجرامفون تجربة دالة على ذهنية إدارية منفتحة في الزمان الذي مضى. ولا يمكن اليوم، في الزمن الحاضر، أن يتجرأ أي معهد ديني على وضع نفسه في مثل هذه التجربة.
السؤال الذي يمكن أن يسأله القارئ على هامش هذا الاستماع من الجرامفون نفسه للقرآن والغناء هو: هل ثمة علاقة اشتراك في استخدام المقامات في تلاوة القرآن الكريم وفي النظام الصوتي للغناء؟
نعم، كلاهما يستخدم المقامات، مع الاختلاف الشديد بينهما في طريقة الاستخدام والغايات. فالتلاوة القرآنية تعتمد كليًا على الصوت البشري الخالص الرامي إلى التأثير على السامع للإيمان بالله، وإدخال الخشوع والجلال والمهابة والوقار والورع إلى قلبه. بينما الغناء يعتمد على الأصوات البشرية والآلات، ويرمي إلى الطربية والفرح وتذوق الجمال الدنيوي.
وبمناسبة الحديث عن الغناء والطرب، فإن التجربة تبرهن أن من أتقن الغناء والطرب من كبار الفنانين، مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وصباح فخري وأبوبكر سالم بلفقيه وغيرهم، قد مروا بتجربة الانصات و تلاوة القرآن الكريم قبل أن يخوضوا تجربة الغناء والطرب.
•••
د. عبده بن بدر
أستاذ علم الجمال بقسم الفلسفة، في جامعة حضرموت.
#خيوط
" لا أخفيك أن قلبي لحظتها يخفق رهبة وخوفاً / مرعوبة من القادم ، مما لا أعرفه ، أحكي لك دون أن يوجد في ذهني شيء محدد ، فقط أشكو نفسي إليك ، فهي لاتعرف ماتريد ! دوما أخاف من القادم ، لذلك يسكنني التردد. "
صورة من صور الارتباك والتخبط الذي ترزح تحت سطوته هذه البلد التي لا تستطيع أن تقرر سير خطواتها جراء هذا العبث الخارجي والداخلي. إنها اليمن التي كلما أرادت أن تنهض وتلحق بالركب الحضاري الذي سارت فيه الأمم الحاضرة ؛ وجدت من أبنائها من يدفعها عنوة إلى حياة التخلف والبداوة.
•••
كمال اليماني
#خيوط
صورة من صور الارتباك والتخبط الذي ترزح تحت سطوته هذه البلد التي لا تستطيع أن تقرر سير خطواتها جراء هذا العبث الخارجي والداخلي. إنها اليمن التي كلما أرادت أن تنهض وتلحق بالركب الحضاري الذي سارت فيه الأمم الحاضرة ؛ وجدت من أبنائها من يدفعها عنوة إلى حياة التخلف والبداوة.
•••
كمال اليماني
#خيوط
متاجرة بالنساء
"بدأت هجرة اليمنيين إلى أمريكا قبيل الحرب العالمية الأولى، وقد أنتسب البعض منهم إلى الجيش الأمريكي، وأصبحوا مواطنين أمريكان بعد نهاية الحرب، انتساب اليمنيين للجيوش المختلفة لم يكن جديداً عليهم، أصبح مع الوقت إحدى مصادر الرزق المهمة "المرتزقة" قد يكون لفظا قاسياً، ولكن لا يوجد مصطلح آخر أكثر صدقاً منه". صـ17، وهو الرأي الذي خلق لها مشاكل في بيئتها اليمنية هناك والتي أحياناً تجد نفسها داخلها دون رغبة منها، هذا الرأي المبني على خلاصة استنتجتها كنده.
ركزت الرواية كثيراً على نقد السلبيات التي تراها من خلال عيون وعقل كنده، منها انغلاق اليمنيين والعرب على أنفسهم، فهم لا يريدون أن يتعلموا حتى لغة البلد المضيف خوفاُ من انسلاخهم عن بيئتهم وتقاليدهم الأمر الذي يؤكد أنهم ضعفاء ويخافون من أن تقتلعهم الغربة من ذواتهم وتحميهم بنفس الوقت "من مغريات الحياة في أمريكا"صـ20، كما استطاعت أن تضع فكرة المتاجرة باليمنيات ذوات الجنسية الأمريكية من خلال إعادتهن لليمن وتزوجيهن بمبالغ كبيرة.
كما استطاعت الكاتبة أن تّوصل وضع المرأة في المجتمع اليمني كهامش بالرغم أنها البطلة، وهذا يُبين أن التحولات في الرواية ليست خاصة بالمرأة فقط، بقدر ما تناولت بنية المجتمع كله، وسواء أقامت الكاتبة بذلك قاصدة أو غير قاصدة ألا أنها عبرت من خلال شخصياتها في الرواية باختلاف مستواهم في المجتمع عن مستوى الوعي الحاضر لدى المرأة في إنتاج ذاتها أو تغيير الصورة النمطية الموجودة في الذهن الجمعي للمجتمع عنها.
وربما " لهذا دلالة خاصة تبين أن العملية الإبداعية هي قدرة في التغيير، وأن الكتابة الإبداعية تهتم بإنتاج قيم جديدة وزعزعة المعايير الجامدة التي تحاصر المجتمع بشكل عام، وليس للمرأة على نحو خاص، ولذا نخلص إلى القول:
إن تحرر المرأة هو تحرر للمجتمع، وبالتالي لا يمكن فصل قضية المرأة عن القضايا العامة للمجتمع ومشكلاته التاريخية"(2)
الهوامش
(*) الهجرة والمهاجرون في أدب اليمن المعاصر- محمد عبد الوهاب الشيباني
- الرواية صادرة من دار نشر عناوين العام2024م
- شذى الخطيب- روائية يمنية من مواليد مدينة عدن ومقيمة في القاهرة، وهي متخصصة في الإرشاد والتوجيه النفسي والتربوي، وصدر لها سبع روايات ومجموعة قصصية واحدة.
- الرواية وصلت للقائمة القصيرة لجائزة محمد عبدالولي في نسختها الثانية للعام 2022م.
- 1-2-هشام علي- دراسات-المرأة اليمنية وتحديات العصر- منشورات المدى للثقافة والنشر1995م.
•••
بلال قائد
كاتب وشاعر عضو اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين، نشر العديد من النصوص والاستطلاعات والتحقيقات في المجلات العربية والمواقع. باحث مشارك في بحث للجامعة الامريكية في بيروت.
#خيوط
"بدأت هجرة اليمنيين إلى أمريكا قبيل الحرب العالمية الأولى، وقد أنتسب البعض منهم إلى الجيش الأمريكي، وأصبحوا مواطنين أمريكان بعد نهاية الحرب، انتساب اليمنيين للجيوش المختلفة لم يكن جديداً عليهم، أصبح مع الوقت إحدى مصادر الرزق المهمة "المرتزقة" قد يكون لفظا قاسياً، ولكن لا يوجد مصطلح آخر أكثر صدقاً منه". صـ17، وهو الرأي الذي خلق لها مشاكل في بيئتها اليمنية هناك والتي أحياناً تجد نفسها داخلها دون رغبة منها، هذا الرأي المبني على خلاصة استنتجتها كنده.
ركزت الرواية كثيراً على نقد السلبيات التي تراها من خلال عيون وعقل كنده، منها انغلاق اليمنيين والعرب على أنفسهم، فهم لا يريدون أن يتعلموا حتى لغة البلد المضيف خوفاُ من انسلاخهم عن بيئتهم وتقاليدهم الأمر الذي يؤكد أنهم ضعفاء ويخافون من أن تقتلعهم الغربة من ذواتهم وتحميهم بنفس الوقت "من مغريات الحياة في أمريكا"صـ20، كما استطاعت أن تضع فكرة المتاجرة باليمنيات ذوات الجنسية الأمريكية من خلال إعادتهن لليمن وتزوجيهن بمبالغ كبيرة.
كما استطاعت الكاتبة أن تّوصل وضع المرأة في المجتمع اليمني كهامش بالرغم أنها البطلة، وهذا يُبين أن التحولات في الرواية ليست خاصة بالمرأة فقط، بقدر ما تناولت بنية المجتمع كله، وسواء أقامت الكاتبة بذلك قاصدة أو غير قاصدة ألا أنها عبرت من خلال شخصياتها في الرواية باختلاف مستواهم في المجتمع عن مستوى الوعي الحاضر لدى المرأة في إنتاج ذاتها أو تغيير الصورة النمطية الموجودة في الذهن الجمعي للمجتمع عنها.
وربما " لهذا دلالة خاصة تبين أن العملية الإبداعية هي قدرة في التغيير، وأن الكتابة الإبداعية تهتم بإنتاج قيم جديدة وزعزعة المعايير الجامدة التي تحاصر المجتمع بشكل عام، وليس للمرأة على نحو خاص، ولذا نخلص إلى القول:
إن تحرر المرأة هو تحرر للمجتمع، وبالتالي لا يمكن فصل قضية المرأة عن القضايا العامة للمجتمع ومشكلاته التاريخية"(2)
الهوامش
(*) الهجرة والمهاجرون في أدب اليمن المعاصر- محمد عبد الوهاب الشيباني
- الرواية صادرة من دار نشر عناوين العام2024م
- شذى الخطيب- روائية يمنية من مواليد مدينة عدن ومقيمة في القاهرة، وهي متخصصة في الإرشاد والتوجيه النفسي والتربوي، وصدر لها سبع روايات ومجموعة قصصية واحدة.
- الرواية وصلت للقائمة القصيرة لجائزة محمد عبدالولي في نسختها الثانية للعام 2022م.
- 1-2-هشام علي- دراسات-المرأة اليمنية وتحديات العصر- منشورات المدى للثقافة والنشر1995م.
•••
بلال قائد
كاتب وشاعر عضو اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين، نشر العديد من النصوص والاستطلاعات والتحقيقات في المجلات العربية والمواقع. باحث مشارك في بحث للجامعة الامريكية في بيروت.
#خيوط
".
داهمت القوات البريطانية كلية عدن في العام 1966، وقبضت على عميدها الشاعر لطفي جعفر أمان، بعد أن رصدت مدفعًا رشاشًا ينتصب على سطح مباني الكلية، وتبين لها لاحقًا أن المدفع لم يكن سوى تلسكوب لنائب العميد عبد الله محي
رز.
التطلّع إلى السماء
قبل انتقاله لكلية الشعب، انتدبته إدارة المعارف في السلطنة القعيطية كخبير تعليم في المكلا عام 1964، وهناك سيُسدي خدمات جليلة للتعليم عمومًا، ولتعليم الفتاة على وجه الخصوص، حينما قام باستقدام أول دفعة من المدرسات العربيات، اختارهن بنفسه من الضفة الغربية.
"كان يقيم في منزل خارج سدة المكلا (التي اختفت فيما بعد) يطل على العيقة (مجرى الوادي المتصل بالبحر) – وهو اليوم يُعرف بخور المكلا – يومها اكتشفنا آخر من اهتماماته التي لا تُحصى: اكتشفنا اهتمامه بالفلك، إذ نصب في سطح داره تلسكوبًا ليتطلع من خلاله إلى السماء والكواكب، وربما الأقمار الصناعية أيضًا. وكان بيته ملتقى نخبة من شباب المكلا المثقف، ومعظمهم من المهتمين بالسياسة بل والمشتغلين بها. ومع أن إقامته بالمكلا لم تطل، إلا أنه رصد مجيء السيول إلى العيقة"، كما يقول بافقيه.
وعلى ذكر التلسكوب، يُروى أن القوات البريطانية داهمت كلية عدن عام 1966، وقبضت على عميدها الشاعر لطفي جعفر أمان، بعد رصدها ما ظنته مدفعًا رشاشًا على سطح الكلية، وتبين لها لاحقًا أنه لم يكن سوى تلسكوب يخص نائب العميد عبد الله محيرز.
بعد الاستقلال مباشرة، وتحديدًا أواخر العام 1967، انتقل من كلية الشعب إلى وزارة التربية والتعليم (التي نشأت على أنقاض دائرة المعارف)، وتولى فيها صديقه محمد عبد القادر بافقيه الوزارة، الذي أوكل إليه دائرة العلاقات الخارجية، ومن خلالها قام بأول تواصل مع اليونسكو التي موّلت مشروع كلية التربية العليا، التي ستصير لاحقًا نواة جامعة عدن.
تجميع وثائق اليمن
في مطلع السبعينيات، انتدبه وزير الخارجية سيف الضالعي لشغل موقع المستشار الثقافي في سفارة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في لندن، ومن هناك بدأت رحلته مع تجميع الوثائق والمخطوطات والدراسات عن اليمن. ويختصر هذا العمل الجبار أستاذ التاريخ الراحل صالح باصرة بقوله:
نسخ وتصوير الوثائق البريطانية ذات العلاقة بشؤون اليمن خلال الفترة الممتدة من 1839م وحتى 1900م، والموجودة في المكتبات البريطانية ومنها المتحف البريطاني. وتوجد الأفلام الحاوية على تلك الوثائق في المكتبة الوطنية بعدن.
ترسيخ وتطوير المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف كمؤسسة علمية أثرية تاريخية. ولعب هذا المركز خلال فترة قيادة محيرز له دورًا كبيرًا في مجالات عديدة، مثل جمع أرشيف مستعمرة عدن، وجزء من وثائق بعض السلطنات والمشيخات، وتوسيع دائرة التنقيب عن الآثار وصيانتها، وتأسيس مجموعة من المتاحف التاريخية.
المساهمة في حث منظمة اليونسكو لإدراج مدينة شبام ضمن قائمة الآثار الإنسانية ذات الاهتمام العالمي، وبالتالي الإعلان عن حملة دولية لصيانتها. وساهم الفقيد بعد ذلك في إدارة أعمال الحملة الوطنية والدولية لصيانة مدينة شبام وآثار وادي حضرموت، وعلى وجه الخصوص من خلال لجنة العمل الدولية للحملة.
تأسيس المكتبة الوطنية (مكتبة باذيب)، وكان الفقيد يطمح إلى جعل هذه المكتبة دارًا يمنية للوثائق والمخطوطات والمراجع ذات العلاقة بشؤون اليمن. وكان يمكن لهذه المكتبة أن تتطور في ذلك الاتجاه الذي رسمه لها، لكن أهواء السياسة وذاتيات القيادة المسؤولة عن شؤون الثقافة آنذاك حالت دون ذلك، وخاصة بعد فصل المكتبة عن المركز.
مراجع ومصادر
عبد الله أحمد محيرز – الأعمال الكاملة – وزارة الثقافة والسياحة، 2004
أستاذ الرياضيات وعاشق التاريخ – كتاب تأبين، 1991
هشام علي، عبد الله محيرز وثلاثية عدن – مركز عبادي، 2002
•••
محمد عبدالوهاب الشيباني
شاعر وكاتب
#خيوط
يقول عمر الجاوي عند شاطئ جولدمور:
"كلُّ هذا البحرِ حقُّنا، لكن لا نستطيع اصطيادَ سمكة!"
فيرد عليه بحّاح:
"أخشى أن نسألَ يومًا كالعراقيين: مَاكُوووو بحر في عدن؟!"
حين يلاحقك التاريخ
مع كلِّ اسمٍ يذكره بحّاح (الرعيل الأول من البُناة، جيلُ العمالقة)، مع كل أغنية، اسم مكان، صحفي، معلّم مدرسة، مسجد، مذيع، فنان... يهتزُّ القلبُ حزنًا على عدن، "الهرِمة المنتهَكة المُستباحة". أينما مشيتَ هنا، يلاحقك التاريخ: طوابير "الراشن"، مقاعد الدراسة، ملاعب الطفولة، صيرة، رفقة الأصدقاء، ضحكات الزميلات، الملاعب...
الألم، والخيبة، والحسرة.
عدنُ عصيّةٌ:
يذهبُ أعداؤها ولا تذهب،
راسخةٌ كجبل شمسان، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها.
"منذ الخليقة كانت عدن هنا، وستظل شاهقةً بين البحر والجبال، لا تنفد حتى ينفد البحر، ولا تزول حتى تزول الجبال" (ص292).
*يبوح بحّاح بأن هدفه من هذا الكتاب أن تصل رسالتُه إلى الأجيال القادمة،
"وألّا يُسرَق حلمُه فقد دفع ثمنَه غاليًا".
ويُحثُّ الشبابَ على البناء، وعلى ما بناه الآباء والأجداد من ماضٍ مشرّف، متجاوزين هفواتِ وزلّات السابقين: الضالين، والمُغرَّر بهم، والمنجرفين وراء تياراتٍ لا تمتُّ إليهم بصلة، من أفكار اشتراكية إلى دينية وغيرها.
يعترف ويقول:
"نحن تاريخُ ألمٍ وانكسارات...
فلا تكرِّروا مأساتنا".
**عدن لا تذهب إلى البحر،
البحر يأتي إليها،
ولا ينحسر عنها.**
"وحين أرادها اللهُ أن تكون،
قال لها: كُوني!
فكانت عدن."
16 يونيو 2025
لندن
•••
محمد #الشقاع
#خيوط
"كلُّ هذا البحرِ حقُّنا، لكن لا نستطيع اصطيادَ سمكة!"
فيرد عليه بحّاح:
"أخشى أن نسألَ يومًا كالعراقيين: مَاكُوووو بحر في عدن؟!"
حين يلاحقك التاريخ
مع كلِّ اسمٍ يذكره بحّاح (الرعيل الأول من البُناة، جيلُ العمالقة)، مع كل أغنية، اسم مكان، صحفي، معلّم مدرسة، مسجد، مذيع، فنان... يهتزُّ القلبُ حزنًا على عدن، "الهرِمة المنتهَكة المُستباحة". أينما مشيتَ هنا، يلاحقك التاريخ: طوابير "الراشن"، مقاعد الدراسة، ملاعب الطفولة، صيرة، رفقة الأصدقاء، ضحكات الزميلات، الملاعب...
الألم، والخيبة، والحسرة.
عدنُ عصيّةٌ:
يذهبُ أعداؤها ولا تذهب،
راسخةٌ كجبل شمسان، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها.
"منذ الخليقة كانت عدن هنا، وستظل شاهقةً بين البحر والجبال، لا تنفد حتى ينفد البحر، ولا تزول حتى تزول الجبال" (ص292).
*يبوح بحّاح بأن هدفه من هذا الكتاب أن تصل رسالتُه إلى الأجيال القادمة،
"وألّا يُسرَق حلمُه فقد دفع ثمنَه غاليًا".
ويُحثُّ الشبابَ على البناء، وعلى ما بناه الآباء والأجداد من ماضٍ مشرّف، متجاوزين هفواتِ وزلّات السابقين: الضالين، والمُغرَّر بهم، والمنجرفين وراء تياراتٍ لا تمتُّ إليهم بصلة، من أفكار اشتراكية إلى دينية وغيرها.
يعترف ويقول:
"نحن تاريخُ ألمٍ وانكسارات...
فلا تكرِّروا مأساتنا".
**عدن لا تذهب إلى البحر،
البحر يأتي إليها،
ولا ينحسر عنها.**
"وحين أرادها اللهُ أن تكون،
قال لها: كُوني!
فكانت عدن."
16 يونيو 2025
لندن
•••
محمد #الشقاع
#خيوط
معاينة الخريطة الغنائية النسوية في منطقة حضرموت تشير إلى فنانتين لعبتا دورًا مهمًا في الترويج للتراث الشعبي الحضرمي بأصوات نسائية، وهاتان الفنانتان هما "فاطمة باهديلة وفاطمة منصور الشطري (الحبانية)"، غير أن معاناة الحبانية القوية في بداية حياتها الفنية تشجع على مقاربة سيرتها؛ التي تقول إنها فنانة شعبية عرفتها مدينة المكلا خلال السبعينيات، وقد عاركت الأمواج العاتية التي كانت تأتي على هيئة تجريم وتحريم، وتقول بهذا الصدد:
"كنت مهددة من قبل أهلي وأقاربي، وكنت أول فتاة في المكلا تنزع الخمار عن وجهها، وحينها قابلت من التهديد والشتم ما لا يحتمله بشر، ولكن تحملت كل هذا ومضيت في هذا الدرب؛ لأن الفن سرى في دمي ويستحيل أن أكبت هذا بداخلي دون أن أقدمه"، [ص 203].
محاولة تقديم جانب التحدي في مسيرة بعض المطربات اليمنيات، التي عرضها كتاب "الأصوات الغنائية النسوية في اليمن"، أردنا منها تقريب صورة المقاومة بالفن من أجل الحياة، التي نحن في أمسّ الحاجة إليها في وقتنا الراهن، ونحتاج أيضًا استعادة روح المدينة التي أتاحت لمثل هذه الأصوات أن تصل إلى الأسماع، بدون محاذير العيب والمحرم، ونقصد هنا روح مدينة عدن التي تتعرض هي الأخرى لتجريف فظيع لهويتها المدنية والثقافية.
•••
محمد عبدالوهاب الشيباني
شاعر وكاتب
#خيوط
"كنت مهددة من قبل أهلي وأقاربي، وكنت أول فتاة في المكلا تنزع الخمار عن وجهها، وحينها قابلت من التهديد والشتم ما لا يحتمله بشر، ولكن تحملت كل هذا ومضيت في هذا الدرب؛ لأن الفن سرى في دمي ويستحيل أن أكبت هذا بداخلي دون أن أقدمه"، [ص 203].
محاولة تقديم جانب التحدي في مسيرة بعض المطربات اليمنيات، التي عرضها كتاب "الأصوات الغنائية النسوية في اليمن"، أردنا منها تقريب صورة المقاومة بالفن من أجل الحياة، التي نحن في أمسّ الحاجة إليها في وقتنا الراهن، ونحتاج أيضًا استعادة روح المدينة التي أتاحت لمثل هذه الأصوات أن تصل إلى الأسماع، بدون محاذير العيب والمحرم، ونقصد هنا روح مدينة عدن التي تتعرض هي الأخرى لتجريف فظيع لهويتها المدنية والثقافية.
•••
محمد عبدالوهاب الشيباني
شاعر وكاتب
#خيوط
سافر إلى صنعاء، وهناك انطلق يشارك الجنود والضباط في مواقعهم ويتغنّى بالثورة ليبثّ روحها فيهم، حتى أصيب بحادثة صدام مريع، وأسعف إلى القاهرة للعلاج عام 1963م، وهناك كان له لقاء مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في مستشفى غمرة بالقاهرة، حيث كان الموسيقار محمد عبدالوهاب مع مجموعة من الفنانين المصريين يزورون المرضى القادمين من اليمن، سواءً كانوا مصريين أو يمنيين، وبحسب طلب الموسيقار عبدالوهاب، غنّى الآنسي أنشودة "باسم هذا التراب"، وأعجب عبدالوهاب بصوت وعزف الآنسي وشجّعه كثيرًا، وفي اليوم الثاني خرجت الصحف المصرية، ومنها (مجلة المصور) تشيد بهذا اللقاء البديع "عبدالوهاب مِصر يلتقي عبدالوهاب اليمن"(3).
في مشواره الطويل غنّى لعشرات الشعراء اليمنيين المعاصرين، منهم: مطهر بن علي الإرياني، وعباس المطاع، وعلي بن علي صبرة، وأحمد العماري، ومن أشهر أغانيه: "وقف وودّع"، "خطر غصن القنا"، "مسكين يا ناس"، "الحب والبن"، "ممشوق القوام"، "أهلًا وسهلًا بالروح داخل الروح"، "وا مغرد بوادي الدور"، "قد علّموه"، "قمري صنعاء جنّني"، وغيرها.
وغنّى من كلماته العديدَ من الأغاني، منها: "يا عيباه"، "ليلك الليل يا ليل"، "قلتوا عتنسوني"، "سجدت سبحت لله"، "فلت يد المخلوق"، "ما في معلم خير".
ظلّت أُنشودته "في ظل راية ثورتي"، التي كتب كلماتها الشاعر أحمد العماري، نشيدًا وطنيًّا للجمهورية العربية اليمنية، حتى صباح 22 مايو 1990.
تُوفِّي في صنعاء، في 19 أبريل 1981م، بعد رحلة طويلة كان فيها الجنديَّ الشجاع المدافع عن الثورة ومكتسباتها، والفنانَ والشاعر الذي ترجم وعبَّر خير تعبير عن كل ما يخالج الوجدان الإنساني من عاطفة وشعور(4).
المصادر:
____
(1) د. محمد عبده غانم، شعر الغناء الصنعاني، المكتبة اليمنية للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، ص 185.
(2) "الموشح اليمني؛ النقد والخصوصية"، جابر علي أحمد، مجلة البحث الموسيقي، صادرة عن المجمع العربي للموسيقى، المجلد الحادي عشر.
(3) أمين درهم، كتابات مختلفة عن الآنسي في حائطه على الفيس بوك
(4) موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، الجزء السابع، الطبعة الأولى 2005، دائرة التوجيه المعنوي صنعاء، ص152–153.
•••
#خيوط
في مشواره الطويل غنّى لعشرات الشعراء اليمنيين المعاصرين، منهم: مطهر بن علي الإرياني، وعباس المطاع، وعلي بن علي صبرة، وأحمد العماري، ومن أشهر أغانيه: "وقف وودّع"، "خطر غصن القنا"، "مسكين يا ناس"، "الحب والبن"، "ممشوق القوام"، "أهلًا وسهلًا بالروح داخل الروح"، "وا مغرد بوادي الدور"، "قد علّموه"، "قمري صنعاء جنّني"، وغيرها.
وغنّى من كلماته العديدَ من الأغاني، منها: "يا عيباه"، "ليلك الليل يا ليل"، "قلتوا عتنسوني"، "سجدت سبحت لله"، "فلت يد المخلوق"، "ما في معلم خير".
ظلّت أُنشودته "في ظل راية ثورتي"، التي كتب كلماتها الشاعر أحمد العماري، نشيدًا وطنيًّا للجمهورية العربية اليمنية، حتى صباح 22 مايو 1990.
تُوفِّي في صنعاء، في 19 أبريل 1981م، بعد رحلة طويلة كان فيها الجنديَّ الشجاع المدافع عن الثورة ومكتسباتها، والفنانَ والشاعر الذي ترجم وعبَّر خير تعبير عن كل ما يخالج الوجدان الإنساني من عاطفة وشعور(4).
المصادر:
____
(1) د. محمد عبده غانم، شعر الغناء الصنعاني، المكتبة اليمنية للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، ص 185.
(2) "الموشح اليمني؛ النقد والخصوصية"، جابر علي أحمد، مجلة البحث الموسيقي، صادرة عن المجمع العربي للموسيقى، المجلد الحادي عشر.
(3) أمين درهم، كتابات مختلفة عن الآنسي في حائطه على الفيس بوك
(4) موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، الجزء السابع، الطبعة الأولى 2005، دائرة التوجيه المعنوي صنعاء، ص152–153.
•••
#خيوط
بين الصمت و #السلاح
من يقتل إرث اليمن البيئي؟
عبدالله #البيتي
#خيوط
لم تكن الصور التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية مجرد مشاهد عابرة، بل صدمة بصرية وأخلاقية عميقة. فقد ظهرت جثث نمور عربية مقتولة، فراؤها المرقّط مخضّب بالدم وقد تحولت إلى (غنائم) يتباهى بها الصيادون علنًا ببرودٍ فاضِح.
ولم يتوقف الأثر عند حدود الصورة إذ خلّفت هذه المشاهد ألمًا فكريًا لدى المهتمين بالبيئة وكل من يقدّر قيمة الحياة البرية. فبين صخرةٍ وسلاح، وبين صمتٍ رسميٍ مُخزٍ بدا واضحًا أن ما يُقتل ليس مجرد نمر، بل إرث بيئي وإنساني يُباد على مرأى الجميع. ومنذ لحظات النشر الأولى اشتعلت موجة غضب واسعة وانهالت الإدانات، بينما ظلّ الموقف الرسمي غائبًا كليًّا.
لكن الأخطر مما كشفت عنه الصور هو ما تواريه خلفها من مؤشرات صادمة على غياب الردع القانوني، وانهيار الوعي المجتمعي، وتآكل منظومة القيم البيئية في بلدٍ أنهكته الحرب والتهميش. جريمة كهذه لا تُختزل في صيدٍ عشوائي بل تكشف عن خلل بنيوي عميق يتقاطع مع قضايا كبرى من: سيادة القانون، إلى هوية الإنسان، والتّنمية، ومستقبل الحياة البرية في اليمن.
صيدٌ موثّق، وصمتٌ رسمي
أظهرت الصور المتداولة التي التقطها الصيادون أنفسهم نمورًا عربية مضرّجة بدمائها، معلّقة أمام الكاميرات بفخرٍ أو ممدّدة على الأرض وأحيانًا محمولة على الأكتاف كغنائم تُوثّق لا لتجريم الفعل بل للتفاخر به.
أثارت هذه الصور موجة غضب واسعة على منصّات التواصل الاجتماعي وسط تفاعل متباين بين الاستنكار والتعاطف، وبين من اعتبرها فعلًا همجيًا ومن رأى فيها مظهرًا من مظاهر (الرّجولة) أو (القوّة) ما يعكس خللًا عميقًا في الوعي البيئي لدى بعض المجتمعات.
وتشير تعليقات ومصادر محلية إلى أن الصور التُقطت في مناطق جبلية بمديرية مرخة السفلى (شبوة) ومديرية الصومعة (البيضاء)، حيث استغل الصيادون وعورة التضاريس ومعرفتهم بمسارات النمور لتنفيذ عمليات تتبع أو كمائن أفضت إلى قتلها.
هذه الحوادث لم تكن الأولى فقد سبقَ توثيق وقائع مماثلة في مديريتي ردفان والشعيب (الضالع)، وأخرى متفرقة في محافظات: المهرة، لحج، وأبين ما يكشف عن اتساع رقعة الصيد الجائر وخروجه من نطاق الحالات الفردية إلى نمطٍ متكرر ينذر بالخطر.
وفي ظل غياب أي موقف رسمي من الجهات البيئية في المحافظات المعنية يزداد الإحساس العام بعدم الجدية في مواجهة هذه الانتهاكات خصوصًا مع تحوّل بعض منصات التواصل إلى ساحات تباهٍ بهذه الجرائم دون خوف من الملاحقة أو المساءلة.
ويحذّر الناشط البيئي عبد السلام جبر، في حديثه لـ (خيُوط) من خطورة هذا السلوك الذي يتجاوز القتل ذاته إلى تعميم ثقافة تُشرعِن التعدي على الحياة البرية. ويقول: "المشكلة ليست فقط في الجريمة، بل في تصويرها والتفاخر بها علنًا وكأنها لا تخضع لأي قانون".
من جهتها علّقت (منصة حلم أخضر) - المعنيّة بقضايا البيئة والمناخ- على هذه الحوادث عبر موقعها الإلكتروني مؤكدةً أن الصيد الجائر وغياب تطبيق القوانين يمثلان تهديدًا مباشرًا لبقاء النمر العربي. ودعت إلى تفعيل التشريعات البيئية، وإنشاء وحدات متخصصة لحماية الحياة البرية، وتعزيز وعي المجتمعات بقيمة التنوع البيولوجي وأثره الحيوي في استقرار المنظومات البيئية.
رمزٌ يحتضر في ظل التهديدات المتعددة
يُعدّ النمر العربي (Panthera pardus nimr) من أندر الكائنات في شبه الجزيرة العربية، وأكثرها عرضةً لخطر الانقراض. وتُعدّ القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) مرجعًا عالميًا يُصنف حالة الأنواع والكائنات الحية بناءً على مدى تهديدها بالانقراض، ووفقًا لهذه القائمة صُنّف النمر العربي منذ العام 1996 ضمن الفئة الأكثر خطورة، وهي: مهدّد بالانقراض بشدّة (Critically Endangered - CR) ما يعني احتمالية اختفائه من البرية خلال العقود القادمة إذا استمرت التّهديدات دون تدخل فاعل.
كما تشير بيانات القائمة الحمراء المحدّثة لعام 2024 إلى أن عدد النمور العربية المتبقية في البرية لا يتجاوز (200) فرد فقط، يتمركز أغلبها في محميات بسلطنة عُمان، إضافةً إلى أعداد محدودة في السعودية ضمن برامج إعادة الإكثار والتأهيل التي تشرف عليها الهيئة السعودية للحياة الفطرية.
من يقتل إرث اليمن البيئي؟
عبدالله #البيتي
#خيوط
لم تكن الصور التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية مجرد مشاهد عابرة، بل صدمة بصرية وأخلاقية عميقة. فقد ظهرت جثث نمور عربية مقتولة، فراؤها المرقّط مخضّب بالدم وقد تحولت إلى (غنائم) يتباهى بها الصيادون علنًا ببرودٍ فاضِح.
ولم يتوقف الأثر عند حدود الصورة إذ خلّفت هذه المشاهد ألمًا فكريًا لدى المهتمين بالبيئة وكل من يقدّر قيمة الحياة البرية. فبين صخرةٍ وسلاح، وبين صمتٍ رسميٍ مُخزٍ بدا واضحًا أن ما يُقتل ليس مجرد نمر، بل إرث بيئي وإنساني يُباد على مرأى الجميع. ومنذ لحظات النشر الأولى اشتعلت موجة غضب واسعة وانهالت الإدانات، بينما ظلّ الموقف الرسمي غائبًا كليًّا.
لكن الأخطر مما كشفت عنه الصور هو ما تواريه خلفها من مؤشرات صادمة على غياب الردع القانوني، وانهيار الوعي المجتمعي، وتآكل منظومة القيم البيئية في بلدٍ أنهكته الحرب والتهميش. جريمة كهذه لا تُختزل في صيدٍ عشوائي بل تكشف عن خلل بنيوي عميق يتقاطع مع قضايا كبرى من: سيادة القانون، إلى هوية الإنسان، والتّنمية، ومستقبل الحياة البرية في اليمن.
الصور التُقطت في مناطق جبلية بمديرية مرخة السفلى (شبوة) ومديرية الصومعة (البيضاء)، حيث استغل الصيادون وعورة التضاريس ومعرفتهم بمسارات النمور لتنفيذ عمليات تتبع أو كمائن أفضت إلى قتلها
صيدٌ موثّق، وصمتٌ رسمي
أظهرت الصور المتداولة التي التقطها الصيادون أنفسهم نمورًا عربية مضرّجة بدمائها، معلّقة أمام الكاميرات بفخرٍ أو ممدّدة على الأرض وأحيانًا محمولة على الأكتاف كغنائم تُوثّق لا لتجريم الفعل بل للتفاخر به.
أثارت هذه الصور موجة غضب واسعة على منصّات التواصل الاجتماعي وسط تفاعل متباين بين الاستنكار والتعاطف، وبين من اعتبرها فعلًا همجيًا ومن رأى فيها مظهرًا من مظاهر (الرّجولة) أو (القوّة) ما يعكس خللًا عميقًا في الوعي البيئي لدى بعض المجتمعات.
وتشير تعليقات ومصادر محلية إلى أن الصور التُقطت في مناطق جبلية بمديرية مرخة السفلى (شبوة) ومديرية الصومعة (البيضاء)، حيث استغل الصيادون وعورة التضاريس ومعرفتهم بمسارات النمور لتنفيذ عمليات تتبع أو كمائن أفضت إلى قتلها.
هذه الحوادث لم تكن الأولى فقد سبقَ توثيق وقائع مماثلة في مديريتي ردفان والشعيب (الضالع)، وأخرى متفرقة في محافظات: المهرة، لحج، وأبين ما يكشف عن اتساع رقعة الصيد الجائر وخروجه من نطاق الحالات الفردية إلى نمطٍ متكرر ينذر بالخطر.
وفي ظل غياب أي موقف رسمي من الجهات البيئية في المحافظات المعنية يزداد الإحساس العام بعدم الجدية في مواجهة هذه الانتهاكات خصوصًا مع تحوّل بعض منصات التواصل إلى ساحات تباهٍ بهذه الجرائم دون خوف من الملاحقة أو المساءلة.
ويحذّر الناشط البيئي عبد السلام جبر، في حديثه لـ (خيُوط) من خطورة هذا السلوك الذي يتجاوز القتل ذاته إلى تعميم ثقافة تُشرعِن التعدي على الحياة البرية. ويقول: "المشكلة ليست فقط في الجريمة، بل في تصويرها والتفاخر بها علنًا وكأنها لا تخضع لأي قانون".
من جهتها علّقت (منصة حلم أخضر) - المعنيّة بقضايا البيئة والمناخ- على هذه الحوادث عبر موقعها الإلكتروني مؤكدةً أن الصيد الجائر وغياب تطبيق القوانين يمثلان تهديدًا مباشرًا لبقاء النمر العربي. ودعت إلى تفعيل التشريعات البيئية، وإنشاء وحدات متخصصة لحماية الحياة البرية، وتعزيز وعي المجتمعات بقيمة التنوع البيولوجي وأثره الحيوي في استقرار المنظومات البيئية.
لا تتوافر إحصائيات رسمية ما يجعل الحديث عن وجود هذا الكائن محصورًا في نطاق البلاغات المجتمعية والمشاهدات الفردية. وغالبًا ما تصل هذه الإشارات إما عبر صور غير مؤكدة أو روايات شفهية يشاركها السكان بدافع الفضول أو القلق على ماشيتهم
رمزٌ يحتضر في ظل التهديدات المتعددة
يُعدّ النمر العربي (Panthera pardus nimr) من أندر الكائنات في شبه الجزيرة العربية، وأكثرها عرضةً لخطر الانقراض. وتُعدّ القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) مرجعًا عالميًا يُصنف حالة الأنواع والكائنات الحية بناءً على مدى تهديدها بالانقراض، ووفقًا لهذه القائمة صُنّف النمر العربي منذ العام 1996 ضمن الفئة الأكثر خطورة، وهي: مهدّد بالانقراض بشدّة (Critically Endangered - CR) ما يعني احتمالية اختفائه من البرية خلال العقود القادمة إذا استمرت التّهديدات دون تدخل فاعل.
كما تشير بيانات القائمة الحمراء المحدّثة لعام 2024 إلى أن عدد النمور العربية المتبقية في البرية لا يتجاوز (200) فرد فقط، يتمركز أغلبها في محميات بسلطنة عُمان، إضافةً إلى أعداد محدودة في السعودية ضمن برامج إعادة الإكثار والتأهيل التي تشرف عليها الهيئة السعودية للحياة الفطرية.
#دار_الفلك دار
الشِحر والسِحر بصوت المرشدي
#خيوط
"دار الفلك دار"
#الشِّحر والسِّحر بصوت المرشدي
كلمات: حسين أبوبكر المحضار
لحن: محمد مرشد ناجي
غناء: محمد مرشد ناجي
لحّن وغنّى الفنان محمد مرشد ناجي عشرات القصائد لشعراء مختلفين من كل اليمن، كتبوا نصوصهم باللهجات المحلية للمناطق التي ينتمون إليها، لهذا سيجد المستمع أغانيَ بصوته، بلهجات أهل صنعاء ولحج وعدن ويافع وتهامة وتعز والمناطق البدوية وحضرموت التي غنّى بلهجتها قصائد عديدة، ومنها قصيدة (دار الفلك دار وعزمت السفر) التي كتب كلماتها الشاعر حسين أبوبكر المحضار وأسبغ عليها المرشدي سحرًا خاصًّا، حتى إن المحضار حينما سُئل عن لحنها البديع قال إنها تمرشدت؛ أي إنها اكتسبت خصوصية المرشدي في اللحن والأداء.
تقول كلماتها:
دار الفَلَك دار وعزمت السفر
قريب بابدل بداري دار معمورة وديرة غير ذا الديرة
لكن قلبي ما رضي يختار غير «الشحر» لأوليته الخِيرة
حبـه وتقديره لها من سمح ولها العز والمقدار
***
وطني وفيه الساس والآثار كم نسعد ونتأثر بتأثيره
دايم وانا فوقه محلق فار حاشا تهجر الوادي عصافيره
تزدني الغيرة ونتشوق إلى شمسه وظل الغار
***
زماني الجاير عليَّ جار سبّب لي فراق الأهل والجيرةْ
والبعد قد أضحى لحالي ضار وأضنى غصني الباسق وهو ضيرةْ
نقطع مناشيره وسط قلبي كما ما يقطع المنشار
ودّعت أحبابي وداعًا حار لي منه ذهاب العقل والـحِيرةْ
وأعطيتهم وأعطوني الأسرار والحُسّاد ما جبنا لهم سِيرةْ
خايف من النِّيرة وخايف تشتعل بعدي عليهم نار
***
جديت عزمي بقطع المشوار من له حظ با يقطع مشاويره
ونعود لا قد طالت الأعمار والخارب يجود الله بتعميره
راجين من خيره يساعدنا ويسعدنا كما الأخيار(1)
***
عن الشاعر
وُلِد في مدينة الشحر الساحلية بحضرموت، في العام 1930، وتُوفي في 5 فبراير2000. أحد أبرز شعراء الأغنية اليمنية بخصوصيتها الحضرمية، رفد الساحة الأدبية والفنية -على مستوى الإقليم اليمني والجزيرة العربية- بأجمل القصائد وأعذب الألحان. جاء شعره غزير المفردات، سلِس العبارات، جميل المعاني والصور، فرفع إنتاجه الشعري إلى مستوى الرقي والإجادة في الشعر الغنائي بعد أن مرَّ فيها ذلك الشعر بمرحلة من الجمود والركود. كانت لمشاركاته في مدارات الشرح (الرقص الشعبي) أثرها على شعره، فقد كان يشارك فيها بالرقص وارتجال الشعر، ويتذوق ما يقوله شعراؤها فيها من أشعار، ومكّنه ذلك من اكتساب أذن موسيقية ذات خبرة بتنوع الإيقاعات الشعبية الراقصة على اختلافها وتنوعها، فأضاف له موهبة جديدة هي موهبة التلحين، ساعده ذلك في تركيب قصائد على ألحان وإيقاعات شعبية. كان لترحاله في قرى ومدن وبوادي حضرموت أثرٌ كبير في مخيلته، بما تميزت به تلك البيئات من طبيعة متنوعة تعددت فيها الصور، وقد امتلأ شعره، لذلك، بكل مظاهر البيئات التي عرفها(2).
شكّل ثنائيًّا ملهمًا مع الفنان الراحل أبوبكر سالم بلفقيه، وجعلا من اللون الحضرمي الجديد يتمدّد في ثنايا خارطة الاستماع داخل اليمن وخارجها، وإنّ معظم الأغاني التي أدّاها أبوبكر وكتب كلماتها المحضار هي من ألحان الأخير، ويروى عنه أنّ البُنى الإيقاعية والجُمل اللحنية كان يصيغها في تمثيلاتها الصوتية على أدوات يستخدمها مشاعة في معاشه اليومي، مثل (الصحون وصناديق الكبريت الورقية)، وشكّلت في مجملها مفاتيح مهمة للفنان للمراكمة عليها موسيقيًّا بواسطة آلات حديثة مع تدخلات صغيرة لخدمة النص المُغنَّى(3).
أصدر أربع مجموعات شعرية، هي: «دموع العشاق» (1966)، «ابتسامات العشاق» (1978)، «أشجان العشاق» (1999)، «حنين العشاق» (1999).
عن الفنّان
عمل الفنان الراحل محمد مرشد ناجي لأكثر من ستة عقود، على التأصيل للفن اليمنيّ بكل ألوانه، وغنّى لمعظم شعرائه الروّاد، لهذا عرفته اليمن بسهولها وجبالها ومدنها وقراها، غنَّى للإنسان والأرض والثورة والعشاق، أطرب وأرقص ونوَّر وثوّر.
لم يكتفِ بالتلحين والغناء، بل نظر للفنّ وألوانه، وهو الذي حُرم من منحة لدراسة الموسيقى لأسباب سياسية اتصلت بمواقفه الوطنية المناهِضة للاستعمار، والتي توّجها بانخراطه في الجبهة الوطنية المتحدة التي قادت تظاهرات ضدّ السياسات التمييزية للمستعمر ضد أبناء اليمن عمومًا، المظاهرات التي عُرفت في الأدبيات السياسية بمظاهرات إسقاط انتخابات المجلس التشريعي أواسط خمسينيات القرن الماضي.
الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين، أصدر في العام 1959، كتابًا هو الأول من نوعه في مجال التنظير الموسيقيّ في ذلك الوقت، أسماه "أغانينا الشعبية"، وقال فيه:
الشِحر والسِحر بصوت المرشدي
#خيوط
"دار الفلك دار"
#الشِّحر والسِّحر بصوت المرشدي
كلمات: حسين أبوبكر المحضار
لحن: محمد مرشد ناجي
غناء: محمد مرشد ناجي
لحّن وغنّى الفنان محمد مرشد ناجي عشرات القصائد لشعراء مختلفين من كل اليمن، كتبوا نصوصهم باللهجات المحلية للمناطق التي ينتمون إليها، لهذا سيجد المستمع أغانيَ بصوته، بلهجات أهل صنعاء ولحج وعدن ويافع وتهامة وتعز والمناطق البدوية وحضرموت التي غنّى بلهجتها قصائد عديدة، ومنها قصيدة (دار الفلك دار وعزمت السفر) التي كتب كلماتها الشاعر حسين أبوبكر المحضار وأسبغ عليها المرشدي سحرًا خاصًّا، حتى إن المحضار حينما سُئل عن لحنها البديع قال إنها تمرشدت؛ أي إنها اكتسبت خصوصية المرشدي في اللحن والأداء.
تقول كلماتها:
دار الفَلَك دار وعزمت السفر
قريب بابدل بداري دار معمورة وديرة غير ذا الديرة
لكن قلبي ما رضي يختار غير «الشحر» لأوليته الخِيرة
حبـه وتقديره لها من سمح ولها العز والمقدار
***
وطني وفيه الساس والآثار كم نسعد ونتأثر بتأثيره
دايم وانا فوقه محلق فار حاشا تهجر الوادي عصافيره
تزدني الغيرة ونتشوق إلى شمسه وظل الغار
***
زماني الجاير عليَّ جار سبّب لي فراق الأهل والجيرةْ
والبعد قد أضحى لحالي ضار وأضنى غصني الباسق وهو ضيرةْ
نقطع مناشيره وسط قلبي كما ما يقطع المنشار
ودّعت أحبابي وداعًا حار لي منه ذهاب العقل والـحِيرةْ
وأعطيتهم وأعطوني الأسرار والحُسّاد ما جبنا لهم سِيرةْ
خايف من النِّيرة وخايف تشتعل بعدي عليهم نار
***
جديت عزمي بقطع المشوار من له حظ با يقطع مشاويره
ونعود لا قد طالت الأعمار والخارب يجود الله بتعميره
راجين من خيره يساعدنا ويسعدنا كما الأخيار(1)
***
عن الشاعر
وُلِد في مدينة الشحر الساحلية بحضرموت، في العام 1930، وتُوفي في 5 فبراير2000. أحد أبرز شعراء الأغنية اليمنية بخصوصيتها الحضرمية، رفد الساحة الأدبية والفنية -على مستوى الإقليم اليمني والجزيرة العربية- بأجمل القصائد وأعذب الألحان. جاء شعره غزير المفردات، سلِس العبارات، جميل المعاني والصور، فرفع إنتاجه الشعري إلى مستوى الرقي والإجادة في الشعر الغنائي بعد أن مرَّ فيها ذلك الشعر بمرحلة من الجمود والركود. كانت لمشاركاته في مدارات الشرح (الرقص الشعبي) أثرها على شعره، فقد كان يشارك فيها بالرقص وارتجال الشعر، ويتذوق ما يقوله شعراؤها فيها من أشعار، ومكّنه ذلك من اكتساب أذن موسيقية ذات خبرة بتنوع الإيقاعات الشعبية الراقصة على اختلافها وتنوعها، فأضاف له موهبة جديدة هي موهبة التلحين، ساعده ذلك في تركيب قصائد على ألحان وإيقاعات شعبية. كان لترحاله في قرى ومدن وبوادي حضرموت أثرٌ كبير في مخيلته، بما تميزت به تلك البيئات من طبيعة متنوعة تعددت فيها الصور، وقد امتلأ شعره، لذلك، بكل مظاهر البيئات التي عرفها(2).
شكّل ثنائيًّا ملهمًا مع الفنان الراحل أبوبكر سالم بلفقيه، وجعلا من اللون الحضرمي الجديد يتمدّد في ثنايا خارطة الاستماع داخل اليمن وخارجها، وإنّ معظم الأغاني التي أدّاها أبوبكر وكتب كلماتها المحضار هي من ألحان الأخير، ويروى عنه أنّ البُنى الإيقاعية والجُمل اللحنية كان يصيغها في تمثيلاتها الصوتية على أدوات يستخدمها مشاعة في معاشه اليومي، مثل (الصحون وصناديق الكبريت الورقية)، وشكّلت في مجملها مفاتيح مهمة للفنان للمراكمة عليها موسيقيًّا بواسطة آلات حديثة مع تدخلات صغيرة لخدمة النص المُغنَّى(3).
أصدر أربع مجموعات شعرية، هي: «دموع العشاق» (1966)، «ابتسامات العشاق» (1978)، «أشجان العشاق» (1999)، «حنين العشاق» (1999).
عن الفنّان
عمل الفنان الراحل محمد مرشد ناجي لأكثر من ستة عقود، على التأصيل للفن اليمنيّ بكل ألوانه، وغنّى لمعظم شعرائه الروّاد، لهذا عرفته اليمن بسهولها وجبالها ومدنها وقراها، غنَّى للإنسان والأرض والثورة والعشاق، أطرب وأرقص ونوَّر وثوّر.
لم يكتفِ بالتلحين والغناء، بل نظر للفنّ وألوانه، وهو الذي حُرم من منحة لدراسة الموسيقى لأسباب سياسية اتصلت بمواقفه الوطنية المناهِضة للاستعمار، والتي توّجها بانخراطه في الجبهة الوطنية المتحدة التي قادت تظاهرات ضدّ السياسات التمييزية للمستعمر ضد أبناء اليمن عمومًا، المظاهرات التي عُرفت في الأدبيات السياسية بمظاهرات إسقاط انتخابات المجلس التشريعي أواسط خمسينيات القرن الماضي.
الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين، أصدر في العام 1959، كتابًا هو الأول من نوعه في مجال التنظير الموسيقيّ في ذلك الوقت، أسماه "أغانينا الشعبية"، وقال فيه:
"عندما كتبت (أغانينا الشعبية)، لم يكن الهدف من الكتابة تناول قضايا فنية بحتة حول الأغنية الشعبية في اليمن، والقصور في هذا الجانب واضح كلّ الوضوح، وكان القصد والمراد هو خدمة أهداف الجبهة الوطنية المتحدة 1955م، والتي كان لي شرف الانتماء إليها متأخرًا كعضو في هيئتها التنفيذية العليا".
وهو في الحادية والعشرين من عمره، لحّن وغنّى قصيدة "هي وقفة" للشاعر محمد سعيد جرادة، والتي لم تبلَ حتى اليوم بعد أكثر من سبعين سنة على ظهورها الأول المدهش.
غنّى لتهامة رائعة الشاعر العنسي: "شابوك أنا وامْرِفَاق بكرة، أرض امْجَبل ما نبا امْسَاحل"، وغنّى من حضرموت رائعة المحضار: "دار الفلك دار" حينما سكب فيها من روحه اللحني البديع، ولصنعاء غنّى مُجِّددًا رائعة القاضي عبدالرحمن بن يحيى الآنسي المشهورة: "عن ساكني صنعاء حديثك هات وا فوج النسيم".
غنَّى من اللون اليافعي قصيدة "يحيى عمر قال يا طرفي لمَه تسهر"، وغنّى من اللون البدوي قصيدة أحمد الجابري "على مسيري على مسيري أَلَا بسم الله الرحمن".
هو أحد الملهمين الكبار للون الغنائي التعزي بخصوصيه الحجرية حين غنّى باكرًا للدكتور سعيد الشيباني "يا نجم يا سامر"، ثم لأحمد الجابري "أخضر جهيش مليان"، وعبدالله سلام ناجي "قطفت لك كاذي الصباح بكمّه"، وسلطان الصريمي قصيدة السياسية "نشوان".
وغنّى باللون اللحجي الكثير، ومنها رائعتَا الشاعر عبدالله هادي سبيت: "يا بن الناس حبيتك"، و"لا وَين أنا لا وَين".
وهو أولًا وقبل كل شيء، أحد مجدِّدي اللون الغنائي العدني، حين غنّى الكثير من قصائد لطفي جعفر أمان والجرادة وغيرهما. إنه باختصار، المرشدي الصوت الذي تقطَّرت اليمن في ألحانه وغنائه، ولهذا سيبقى صوتًا صدّاحًا خالدًا(3).
الهوامش:
(1) شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، دائرة التوجيه المعنوي، صنعاء، 2005، الجزء 3، ص354.
(2) شعر الغناء اليمني، سابق، ص 19و20.
(3) ينظر:https://www.khuyut.com/blog/bashil-hubak
(4) ينظر: https://www.khuyut.com/blog/people-song
•••
#خيوط
وهو في الحادية والعشرين من عمره، لحّن وغنّى قصيدة "هي وقفة" للشاعر محمد سعيد جرادة، والتي لم تبلَ حتى اليوم بعد أكثر من سبعين سنة على ظهورها الأول المدهش.
غنّى لتهامة رائعة الشاعر العنسي: "شابوك أنا وامْرِفَاق بكرة، أرض امْجَبل ما نبا امْسَاحل"، وغنّى من حضرموت رائعة المحضار: "دار الفلك دار" حينما سكب فيها من روحه اللحني البديع، ولصنعاء غنّى مُجِّددًا رائعة القاضي عبدالرحمن بن يحيى الآنسي المشهورة: "عن ساكني صنعاء حديثك هات وا فوج النسيم".
غنَّى من اللون اليافعي قصيدة "يحيى عمر قال يا طرفي لمَه تسهر"، وغنّى من اللون البدوي قصيدة أحمد الجابري "على مسيري على مسيري أَلَا بسم الله الرحمن".
هو أحد الملهمين الكبار للون الغنائي التعزي بخصوصيه الحجرية حين غنّى باكرًا للدكتور سعيد الشيباني "يا نجم يا سامر"، ثم لأحمد الجابري "أخضر جهيش مليان"، وعبدالله سلام ناجي "قطفت لك كاذي الصباح بكمّه"، وسلطان الصريمي قصيدة السياسية "نشوان".
وغنّى باللون اللحجي الكثير، ومنها رائعتَا الشاعر عبدالله هادي سبيت: "يا بن الناس حبيتك"، و"لا وَين أنا لا وَين".
وهو أولًا وقبل كل شيء، أحد مجدِّدي اللون الغنائي العدني، حين غنّى الكثير من قصائد لطفي جعفر أمان والجرادة وغيرهما. إنه باختصار، المرشدي الصوت الذي تقطَّرت اليمن في ألحانه وغنائه، ولهذا سيبقى صوتًا صدّاحًا خالدًا(3).
الهوامش:
(1) شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، دائرة التوجيه المعنوي، صنعاء، 2005، الجزء 3، ص354.
(2) شعر الغناء اليمني، سابق، ص 19و20.
(3) ينظر:https://www.khuyut.com/blog/bashil-hubak
(4) ينظر: https://www.khuyut.com/blog/people-song
•••
#خيوط
Khuyut
"باشل حبك معي" | خيُوط
أغنية بلفقيه والمحضار الباذخة
وعلى الصعيد نفسه، نجد أن حضور المهمشين في المناسبات المختلفة أساسيًّا، فهم من يمثلون ويعبرون عن التراث الشعبي اليمني، الذي يخجل من يرون أنفسهم أشرافًا من تمثيله، فهي مهنة (الأخدام)؛ أن يرقصوا، أن يُطبّلوا، أن يغنوا...، هذه الفنون يضطلع بها المهمشون وحدهم، ولكنها في الوقت نفسه أرث يمني خالص.
هذا التناقض الحاد بين القبول بالآخر لتمثيله حضور الأنا المتفرجة، والتهميش له كفاعل في هذا الفن أو ذاك، يعني أن المجتمع يسلب الآخر حقه في تمثيل هذا التراث والتعبير عنه، بل يسلبه حقه أن يكون يمنيًّا.
تُمباكي هو أول من ابتدع لونًا غنائيًّا للتعبير عن حال الشارع في مدينة عدن، ولاقت مقاطع الفيديو التي صُوّرت له تفاعلًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي في الداخل والخارج.
عندما مات تُمباكي لم يستطع أحد أن يبتدع أسلوبًا يقترب من الشارع العدني ويعكس معاناته، ما زال الناس في عدن يُرددون مقاطع أغانيه:
كل الرجال ماتوا ومخزنين قاتو
لم تهتم المنصات اليمنيَّة، برصد شخصية تُمباكي بوصفها ظاهرة متصلة بالتعبير عن حال الشارع أثناء وبعد الحرب في اليمن.
عندما قدّم محمد القحوم الموسيقى التصويريَّة لتتر مسلسل العَالية، وانتشر مقطع المُلالة بصوت الفنانة سمرين، تساءل الكثيرون عن صاحبة الصوت التي تُلالي.
قد تكون سمرين فنانة معروفة في إطارها المحلي، ولكن بعد تأديتها تتر مُسلسل العالية ذاع صيتها، وقدّمها أكثر من برنامج على قنوات فضائية وعرفها الناس.
استطاعت سمرين تجاوز الداخل المحلي. وبالدف والمَرْفع تمكّنت سمرين من تقديم نفسها كفنانة يمنيَّة بمعزل عن تصنيفات المجتمع.
إنّ الذي يضمن بقاء واستمرارية الفن الشعبي وألوانه المختلفة هو تداوله بين الناس، فالمسألة لا تتعلق بالحفظ الأرشيفي فقط، لكن في الحضور الحقيقي في الشارع بين الناس، في أبسط أفراحهم ومناسباتهم، حيث يتشارك الجميع في إبداع هذه الفنون وبصوت المغمورين منهم.
وللأسف مع كل إسهامات المُهمش اليمني في تناقل هذا التراث وحفظه، فإنّه ما زال عُرضة للانتقاص الذي برز بشكل أكبر بسبب تداعيات الحرب التي تتبناها جماعات سُلاليّة وأخرى قبَلية.
ففي الوقت الذي تحارب فيه شعوبُ العالم آفةَ العنصريّة، تتعزز هذه الآفة في بلد يفترض أن يكون رائدًا في تبني قيم العدالة والمساواة التي يجب أن يستحضرها من القيم الدينيَّة، والحضاريّة، والتاريخيَّة التي عُرف بها، ولكنها الحرب التي شوّهت معالم هذا البلد ونالت من قيمه وثوابته.
•••
د. نهى #الكازمي
#خيوط
هذا التناقض الحاد بين القبول بالآخر لتمثيله حضور الأنا المتفرجة، والتهميش له كفاعل في هذا الفن أو ذاك، يعني أن المجتمع يسلب الآخر حقه في تمثيل هذا التراث والتعبير عنه، بل يسلبه حقه أن يكون يمنيًّا.
تُمباكي هو أول من ابتدع لونًا غنائيًّا للتعبير عن حال الشارع في مدينة عدن، ولاقت مقاطع الفيديو التي صُوّرت له تفاعلًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي في الداخل والخارج.
عندما مات تُمباكي لم يستطع أحد أن يبتدع أسلوبًا يقترب من الشارع العدني ويعكس معاناته، ما زال الناس في عدن يُرددون مقاطع أغانيه:
كل الرجال ماتوا ومخزنين قاتو
لم تهتم المنصات اليمنيَّة، برصد شخصية تُمباكي بوصفها ظاهرة متصلة بالتعبير عن حال الشارع أثناء وبعد الحرب في اليمن.
عندما قدّم محمد القحوم الموسيقى التصويريَّة لتتر مسلسل العَالية، وانتشر مقطع المُلالة بصوت الفنانة سمرين، تساءل الكثيرون عن صاحبة الصوت التي تُلالي.
قد تكون سمرين فنانة معروفة في إطارها المحلي، ولكن بعد تأديتها تتر مُسلسل العالية ذاع صيتها، وقدّمها أكثر من برنامج على قنوات فضائية وعرفها الناس.
استطاعت سمرين تجاوز الداخل المحلي. وبالدف والمَرْفع تمكّنت سمرين من تقديم نفسها كفنانة يمنيَّة بمعزل عن تصنيفات المجتمع.
إنّ الذي يضمن بقاء واستمرارية الفن الشعبي وألوانه المختلفة هو تداوله بين الناس، فالمسألة لا تتعلق بالحفظ الأرشيفي فقط، لكن في الحضور الحقيقي في الشارع بين الناس، في أبسط أفراحهم ومناسباتهم، حيث يتشارك الجميع في إبداع هذه الفنون وبصوت المغمورين منهم.
وللأسف مع كل إسهامات المُهمش اليمني في تناقل هذا التراث وحفظه، فإنّه ما زال عُرضة للانتقاص الذي برز بشكل أكبر بسبب تداعيات الحرب التي تتبناها جماعات سُلاليّة وأخرى قبَلية.
ففي الوقت الذي تحارب فيه شعوبُ العالم آفةَ العنصريّة، تتعزز هذه الآفة في بلد يفترض أن يكون رائدًا في تبني قيم العدالة والمساواة التي يجب أن يستحضرها من القيم الدينيَّة، والحضاريّة، والتاريخيَّة التي عُرف بها، ولكنها الحرب التي شوّهت معالم هذا البلد ونالت من قيمه وثوابته.
•••
د. نهى #الكازمي
#خيوط