ة و"رتح" وكل وادي عبدان حتى الساحل ذكر أن كل من في هذه المناطق من جنود وعبيد وأحرار وأموال وأملاك أصبحوا ملكاً لسبأ وإلهها إلمقه[84] ثم أمر بإعادة (وهب) الأراضي "من تحت ذي أوسن" (التي سقطت بيدهم) للإلهين سين (إله مملكة حضرموت) وعم (إله مملكة قتبان) لإنهم حالفوه في حملاته [85] إلا أن أهالي "كحد" المذكورة آنفاً تمردوا، فسار إليهم وقتل خمسمائة نسمة وأخذ منهم ألف طفل رهينة مقابل الولاء وألفي حائك منهم أسير وعلى كل مواشيهم ومقتنياتهم.
تمردت مملكة نشق وكانت في محافظة #البيضاء حالياً هي ومملكة صغيرة أخرى تدعى " #نشأن " فادعى كربئيل وتر أن الإله عثتر قد أنبئه بذلك فقتل منهم ألف وأعاد الأراضي إلى ملكية سبأ من جديد وسور كل أراضيهما وفرض عليهم إسكان السبئيين في أراضيهم وبناء معبد للإله المقه ثم قام بضم أحد سدودهم لسبأ وتأجيره لملك مملكة محالفة للسبئيين وفرض عليهم جزية سنوية يدفعونها لسبأ [86] ثم انتقل للحديث عن مملكة هرم الصغيرة وكيف أنها صارحته العداء فقتل منهم ثلاث آلاف وأسر خمسة آلاف وغنم مئة وخمسين ألف رأس من الماشية [87] ثم تحدث عن مجموعة قبائل اسمها "مهأمر" قتل منهم خمسة آلاف قتيل وأسر إثني عشر ألف طفل وغنم مئتي ألف رأس من الماشية وذكر أنهم كانوا في "نجرن" (نجران) وفرض على نجران جزية يؤدونها للإله إلمقه[88] وختم النص بإن قدم تمثالا من الذهب للإله عثتر وانتهى بذلك من سرد مواقعه لتوحيد البلاد وانتقل ليتحدث عن أعماله العمرانية.
كان لحملات كربئيل وتر أثر كبير على البلاد فقد أحرق كل المدن التي أبدت مقاومة له وقتل كل المحاربين وأمعن في استذلال أهل القرى المعارضة بل أصبح كربئيل وتر رمزاً لمن أتى بعده بدلالة ورود نصوص عن أشخاص يحلفون باسمه [89] ولم يكن آخر حكام اليمن الذين يحرقون ويقتلون أهل القرى المستسلمة بالكامل فقد كانت سياسة معروفة عند ملوك سبأ وحِميَّر من بعدهم ولم تُكتشف كتابات حضرمية ومعينية بنفس الأسلوب. قام كربئيل وتر بإسكان "معشره" كما يذكر باللفظة السبئية في كل الأماكن التي سجلها باسم سبأ أو باسم الإله المقه وانتقل للحديث عن أعمال العمارة والبناء وإصلاح نظم الري. قام بتعلية قصره في مأرب وتقوية دعائم الطابق السفلي منه، ثم قام بإصلاح المسايل وتقوية جدران السدود [90] وقام بتسجيل أراضي كثيرة لملكيته منها "ذو حبَّاب" و"ذو شمَّر" و" ذو فدهم" و"ذو مهجم" وذكر أرض اسمها "خندف" و"عتب" و"الورخ" وأراضي إستولى عليها من زعيم قبلي يدعى "يعتق ذي خولن" وذي خولن هي #خولان [91] وقام بتسوير مدن كثيرة منها رداع لم تكن مسورة قبل ذلك وسور وحصن كل الأراضي السبئية ولكنه هدم أسوار المدن الحضرمية والقتبانية رغم أنه أمنهم على أراضيهم [92] وظهر بعد هذه الحملات اسم إلهة هي ذات غضران والحقيقة أن اسمها ورد بصيغة "ذات غضرن" وبما أن النون هي أداة التعريف فإن ترجمتها تصبح "ذات الغضر" والغضر في اللغة هو سعة المال فيبدو أنها كانت إلهة مسؤولة عن المال والرزق ومايتعلق بهما [93] واكتشف نص آشوري في نفس الفترة، عن تلقي الملك سنحاريب لهدية من ملك سبأ "كرب إيلو " ولا شك أنه كرب إيل وتر ولها نفس الغرض وهي تأمين تجارة السبئيين في العراق. ويُعتقد أن فترة الامتداد السبئي في إثيوبيا كانت خلال هذه الفترة فقد وردت نصوص بلغة سبئية في شمال إثيوبيا ومعابد للإله المقه تعود إلى هذه الفترة أو قبلها بزمن غير بعيد. ولا يعرف على وجه الدقة طبيعة الوجود السبئي في شمال إثيوبيا قرب منطقة أكسوم التاريخية، فقد كانت هناك مستعمرات سبئية في تلك المناطق بلا شك بدلالة انتقال خط المسند إليهم [94] ولكن لا يعرف مدى ارتباطها السياسي بمأرب فكثير من الباحثين يؤمنون أن مملكة أكسوم التي ظهرت قرابة الأول قبل الميلاد أو الأول بعده، كانوا إمتداداً لهذه المستعمرة السبئية [95] لكنها لم تكن سبئية نقية بل هم نتاج تزواج السبئيين في تلك المناطق مع السكان الأصليين [96][97] [ملاحظة 4]
كانت صرواح أرض السبئيين ومنبعهم عاصمة لسبأ إلا أن كربئيل وتر اتخذ من مدينة مأرب عاصمة لمملكته حيث موضع السد ومنذ ذلك الحين و #مأرب عاصمة لسبأ ورمزاً لها ولا زالت آثار عدد من القصور باديا وغالبه مطمور تحت الأرض ولا يظهر منها سوى الأعمدة [98]
بعد التوحيد
توفي كربئيل وتر وخلفه ابنه "سمح علي ذارح" ويُعتقد أنه حكم في أواخر القرن السابع ق.م واستطاع الآثريون استنباط جوانب قليلة من حياته منها ابناه "إيلي شرح " و" كربئيل"[99] لا يعرف الكثير عنه ولا عن ابناه سوى نص ورد عن إيفاء "إيلي شرح" هذا بنذر كان قد نذره للآلهة وأمر بتخليد فعله في شاهد بخط المسند ليراه الناس وتولوا الحكم في المملكة فقد كان إشراك الإخوة في الحكم أمراً شائعاً في اليمن القديم وكان لعلي ذارح أخ آخر هو ابن كربئيل وتر واسمه يدعئيل بين ولم يُكتشف شي مهم عنهم سوى بضعة كتابات لزعماء قبائل يشكرون آلهتهم على تحقيق مطالبهم ويختمون نصوصهم بذكر أسماء هولاء الملوك إلا نصاً واحد
تمردت مملكة نشق وكانت في محافظة #البيضاء حالياً هي ومملكة صغيرة أخرى تدعى " #نشأن " فادعى كربئيل وتر أن الإله عثتر قد أنبئه بذلك فقتل منهم ألف وأعاد الأراضي إلى ملكية سبأ من جديد وسور كل أراضيهما وفرض عليهم إسكان السبئيين في أراضيهم وبناء معبد للإله المقه ثم قام بضم أحد سدودهم لسبأ وتأجيره لملك مملكة محالفة للسبئيين وفرض عليهم جزية سنوية يدفعونها لسبأ [86] ثم انتقل للحديث عن مملكة هرم الصغيرة وكيف أنها صارحته العداء فقتل منهم ثلاث آلاف وأسر خمسة آلاف وغنم مئة وخمسين ألف رأس من الماشية [87] ثم تحدث عن مجموعة قبائل اسمها "مهأمر" قتل منهم خمسة آلاف قتيل وأسر إثني عشر ألف طفل وغنم مئتي ألف رأس من الماشية وذكر أنهم كانوا في "نجرن" (نجران) وفرض على نجران جزية يؤدونها للإله إلمقه[88] وختم النص بإن قدم تمثالا من الذهب للإله عثتر وانتهى بذلك من سرد مواقعه لتوحيد البلاد وانتقل ليتحدث عن أعماله العمرانية.
كان لحملات كربئيل وتر أثر كبير على البلاد فقد أحرق كل المدن التي أبدت مقاومة له وقتل كل المحاربين وأمعن في استذلال أهل القرى المعارضة بل أصبح كربئيل وتر رمزاً لمن أتى بعده بدلالة ورود نصوص عن أشخاص يحلفون باسمه [89] ولم يكن آخر حكام اليمن الذين يحرقون ويقتلون أهل القرى المستسلمة بالكامل فقد كانت سياسة معروفة عند ملوك سبأ وحِميَّر من بعدهم ولم تُكتشف كتابات حضرمية ومعينية بنفس الأسلوب. قام كربئيل وتر بإسكان "معشره" كما يذكر باللفظة السبئية في كل الأماكن التي سجلها باسم سبأ أو باسم الإله المقه وانتقل للحديث عن أعمال العمارة والبناء وإصلاح نظم الري. قام بتعلية قصره في مأرب وتقوية دعائم الطابق السفلي منه، ثم قام بإصلاح المسايل وتقوية جدران السدود [90] وقام بتسجيل أراضي كثيرة لملكيته منها "ذو حبَّاب" و"ذو شمَّر" و" ذو فدهم" و"ذو مهجم" وذكر أرض اسمها "خندف" و"عتب" و"الورخ" وأراضي إستولى عليها من زعيم قبلي يدعى "يعتق ذي خولن" وذي خولن هي #خولان [91] وقام بتسوير مدن كثيرة منها رداع لم تكن مسورة قبل ذلك وسور وحصن كل الأراضي السبئية ولكنه هدم أسوار المدن الحضرمية والقتبانية رغم أنه أمنهم على أراضيهم [92] وظهر بعد هذه الحملات اسم إلهة هي ذات غضران والحقيقة أن اسمها ورد بصيغة "ذات غضرن" وبما أن النون هي أداة التعريف فإن ترجمتها تصبح "ذات الغضر" والغضر في اللغة هو سعة المال فيبدو أنها كانت إلهة مسؤولة عن المال والرزق ومايتعلق بهما [93] واكتشف نص آشوري في نفس الفترة، عن تلقي الملك سنحاريب لهدية من ملك سبأ "كرب إيلو " ولا شك أنه كرب إيل وتر ولها نفس الغرض وهي تأمين تجارة السبئيين في العراق. ويُعتقد أن فترة الامتداد السبئي في إثيوبيا كانت خلال هذه الفترة فقد وردت نصوص بلغة سبئية في شمال إثيوبيا ومعابد للإله المقه تعود إلى هذه الفترة أو قبلها بزمن غير بعيد. ولا يعرف على وجه الدقة طبيعة الوجود السبئي في شمال إثيوبيا قرب منطقة أكسوم التاريخية، فقد كانت هناك مستعمرات سبئية في تلك المناطق بلا شك بدلالة انتقال خط المسند إليهم [94] ولكن لا يعرف مدى ارتباطها السياسي بمأرب فكثير من الباحثين يؤمنون أن مملكة أكسوم التي ظهرت قرابة الأول قبل الميلاد أو الأول بعده، كانوا إمتداداً لهذه المستعمرة السبئية [95] لكنها لم تكن سبئية نقية بل هم نتاج تزواج السبئيين في تلك المناطق مع السكان الأصليين [96][97] [ملاحظة 4]
كانت صرواح أرض السبئيين ومنبعهم عاصمة لسبأ إلا أن كربئيل وتر اتخذ من مدينة مأرب عاصمة لمملكته حيث موضع السد ومنذ ذلك الحين و #مأرب عاصمة لسبأ ورمزاً لها ولا زالت آثار عدد من القصور باديا وغالبه مطمور تحت الأرض ولا يظهر منها سوى الأعمدة [98]
بعد التوحيد
توفي كربئيل وتر وخلفه ابنه "سمح علي ذارح" ويُعتقد أنه حكم في أواخر القرن السابع ق.م واستطاع الآثريون استنباط جوانب قليلة من حياته منها ابناه "إيلي شرح " و" كربئيل"[99] لا يعرف الكثير عنه ولا عن ابناه سوى نص ورد عن إيفاء "إيلي شرح" هذا بنذر كان قد نذره للآلهة وأمر بتخليد فعله في شاهد بخط المسند ليراه الناس وتولوا الحكم في المملكة فقد كان إشراك الإخوة في الحكم أمراً شائعاً في اليمن القديم وكان لعلي ذارح أخ آخر هو ابن كربئيل وتر واسمه يدعئيل بين ولم يُكتشف شي مهم عنهم سوى بضعة كتابات لزعماء قبائل يشكرون آلهتهم على تحقيق مطالبهم ويختمون نصوصهم بذكر أسماء هولاء الملوك إلا نصاً واحد
الجوف.. #نشان #نشأن
شواهد الحضارات اليمنية تغادر موطنها نهباً سرقةً بيعاً تهريباً
أحمد عفيف
هل تعرفون ماذا يعني تهريب قطع أثرية عليها نقوش لكل تاريخ مملكة ومدينة «نشان» والتي تعود إلى القرن الثامن والتاسع والعاشر قبل الميلاد؟ يتساءل ناشط في التراث الثقافي، ويردف تساؤله هذا بالقول متحسرا (منذ أن وصلتني معلومات نهب وتهريب وسرقة هذا التاريخ وأنا في توجع وألم دائمين ومصاب بالقهر)، ربما لا يعي الكثير منا ما وعاه هذا الناشط الغيور على حضارة بلده، والمثمن لمقتنيات تراثه الثقافي، فكيف إذا تعلق الأمر بنشان بتشديد الشين أقدم الحضارات اليمنية على الإطلاق إن لم تكن أقدم حضارات الشرق الأدنى وأعظمها، وأولها إلهاما للمدنية والبناء الحضري وتنظيم الشؤون العامة في التجمعات الحضرية التي لم تشهدها المنطقة من قبل.
لمملكة نشان التي ظهرت في محافظة الجوف اليمنية قيمة حضارية فريدة تمتاز بها هي قيمة السبق الحضاري في جوانب الحياة الحضرية بكافة تفاصيلها من شؤون الحكم وإدارة شؤون العامة، وتنظيم أمور العبادة والمناسك والتجارة والاستثمار والشؤون الاجتماعية والتعليم، والتخطيط الحضري والزراعي وفقا لقيم ما نسميها اليوم بالتنمية المستدامة.
ويمكن أن نعتبر الحضارات اليمنية التي تلت حضارة نشان وهي حضارات سبأ وحمير ومعين وغيرها ما هي إلا نسخ مطورة من حضارة «نشان» ذات السبق الحضاري المتفرد، فهي حضارة ضاربة لا يعرف المؤرخون نشأتها الأولى، غير أن بعض النقوش أشارت إليها في القرن الثامن والتاسع والعاشر قبل الميلاد كحضارة قائمة في قمة أوجها الحضاري وقمة ريادتها في العمارة والبناء والتجارة، ومن المؤكد أن نشأتها سبقت ذلك بكثير من الحقب والأزمان.
مهد الحضارات
لن نكون من المبالغين إذا ما أسمينا محافظة الجوف اليمنية بمهد الحضارات، ففيها من الأعيان الثقافية ومقتنيات التراث والآثار وأنقاض الممالك والمدن ما لا يستطاع حصره وإدراكه والإلمام به، وما تكتنزه الرمال أضعاف ما برز على الأرض، فإلى جانب الحضارات والممالك التي لانزال نجهلها تعاقبت عليها حضارات نشان ومعين وسبأ وحمير وحضارات أخرى تركت فيها أثرا ثقافيا وحضاريا بشكل من الأشكال.
ولأجل هذا التفرد والتنوع الحضاري فإن أولى أولويات الراهن الثقافي تكمن في حشد الجهود والموارد الرسمية والشعبية والنخبوية لحماية الهوية الحضارية في محافظة الجوف من أيادي العبث والتجريف ولصوص الحضارات الذين أمعنوا في طمس هذه المعالم وتهريبها والمتاجرة بها بشكل قصدي ممنهج كعصابات منظمة، وبشكل فردي من الذين لا يمتلكون وعيا كافيا بأهمية التراث الثقافي.
من هي «نشان»؟
ما يعرفه المؤرخون والباحثون في شؤون التراث عن مملكة نشان هو أنها مملكة يمنية قديمة مستقلة إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد بعدها خضعت لسيطرة ثلاث ممالك يمنية، وهي المملكة القديمة ومملكة سبأ ومملكة معين.
وتقع مملكة «نشان» فيما يعرف حاليا بمديرية المصلوب في محافظة الجوف على بعد 100 كيلو متر إلى الشمال والشمال الشرقي من صنعاء، ويسمى موقعها الأثري غير المسكون حاليا الخربة السوداء، ويسيطر على السهل المجاور لموقعها على الضفة اليسرى من وادي الخارد المسمى محليا بالبحيرة، وطول سورها القديم حوالي 1200 متر ويرسم مستطيلا طول ضلعه 330كم و280متراً، وبالنسبة للآثار المشاهدة حاليا داخل المدينة فهي عبارة عن قواعد حجرية كبيرة لجهاز منتظم وأعمدة وعوارض مرتكزة على أعمدة تخص أروقة وكل قاعدة حجرية ركنا لقصر قديم شيد من الخشب والطين غير المحرق الذي لم يبق منه سوى واحد بعد أن أدى حريق إلى التهام الطوب، وعلى بعد 720 مترا إلى الشرق من مدينة نشان يوجد معبد الإله المحلي عثتر ذور يحاف، حافظت على سلامته الرمال التي غطته إلى حد كبير وقد قام فريق فرنسي بالتنقيب عنه جزئيا خلال الأعوام 1088-1989م، وما يشد الانتباه في المعبد نوعية عمارته وزخرفته المحفورة على دعامات وعلى عارضة باب المدخل، وكذلك على أركان أحادية الحجر تدعم الغطاء الحجري، وتتكون الأشكال الرئيسية لهذا الديكور من فتيات واقفات على منصة يسميها سكان الجوف بنات عاد نسبة إلى قبيلة عاد المشتهرة قديما في شبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى وعال ونعامات وثعابين متشابكة ورؤوس ثيران وأشكال هندسية، وقد سمحت النقوش ذات الطراز الأقدم من خلال تحليل كربون الخشب الذي عثر عليه في جدار السور بتحديد تاريخ الجدار الأقدم من هذا المعبد الذي يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد.
هذه المعلومات التي تم سردها عن مملكة نشان كل ما يعرفه المؤرخون والباحثون عن «نشان» أقدم حضارة يمنية، بالإضافة إلى معلومات شحيحة أخرى تتعلق بأسماء المعابد ومواقع سيطرة المملكة والحضارات التي بسطت وصايتها على المملكة، وهو أمر معيب بحق المختصين في جانب التاريخ والتراث بالنظر إلى حضارة هي الأولى في المنطقة وصاحبة الزمام الحضارية، ويمكننا أن نتساءل هنا عن كيف نعرف المزيد عن هذه الحضارة؟
شواهد الحضارات اليمنية تغادر موطنها نهباً سرقةً بيعاً تهريباً
أحمد عفيف
هل تعرفون ماذا يعني تهريب قطع أثرية عليها نقوش لكل تاريخ مملكة ومدينة «نشان» والتي تعود إلى القرن الثامن والتاسع والعاشر قبل الميلاد؟ يتساءل ناشط في التراث الثقافي، ويردف تساؤله هذا بالقول متحسرا (منذ أن وصلتني معلومات نهب وتهريب وسرقة هذا التاريخ وأنا في توجع وألم دائمين ومصاب بالقهر)، ربما لا يعي الكثير منا ما وعاه هذا الناشط الغيور على حضارة بلده، والمثمن لمقتنيات تراثه الثقافي، فكيف إذا تعلق الأمر بنشان بتشديد الشين أقدم الحضارات اليمنية على الإطلاق إن لم تكن أقدم حضارات الشرق الأدنى وأعظمها، وأولها إلهاما للمدنية والبناء الحضري وتنظيم الشؤون العامة في التجمعات الحضرية التي لم تشهدها المنطقة من قبل.
لمملكة نشان التي ظهرت في محافظة الجوف اليمنية قيمة حضارية فريدة تمتاز بها هي قيمة السبق الحضاري في جوانب الحياة الحضرية بكافة تفاصيلها من شؤون الحكم وإدارة شؤون العامة، وتنظيم أمور العبادة والمناسك والتجارة والاستثمار والشؤون الاجتماعية والتعليم، والتخطيط الحضري والزراعي وفقا لقيم ما نسميها اليوم بالتنمية المستدامة.
ويمكن أن نعتبر الحضارات اليمنية التي تلت حضارة نشان وهي حضارات سبأ وحمير ومعين وغيرها ما هي إلا نسخ مطورة من حضارة «نشان» ذات السبق الحضاري المتفرد، فهي حضارة ضاربة لا يعرف المؤرخون نشأتها الأولى، غير أن بعض النقوش أشارت إليها في القرن الثامن والتاسع والعاشر قبل الميلاد كحضارة قائمة في قمة أوجها الحضاري وقمة ريادتها في العمارة والبناء والتجارة، ومن المؤكد أن نشأتها سبقت ذلك بكثير من الحقب والأزمان.
مهد الحضارات
لن نكون من المبالغين إذا ما أسمينا محافظة الجوف اليمنية بمهد الحضارات، ففيها من الأعيان الثقافية ومقتنيات التراث والآثار وأنقاض الممالك والمدن ما لا يستطاع حصره وإدراكه والإلمام به، وما تكتنزه الرمال أضعاف ما برز على الأرض، فإلى جانب الحضارات والممالك التي لانزال نجهلها تعاقبت عليها حضارات نشان ومعين وسبأ وحمير وحضارات أخرى تركت فيها أثرا ثقافيا وحضاريا بشكل من الأشكال.
ولأجل هذا التفرد والتنوع الحضاري فإن أولى أولويات الراهن الثقافي تكمن في حشد الجهود والموارد الرسمية والشعبية والنخبوية لحماية الهوية الحضارية في محافظة الجوف من أيادي العبث والتجريف ولصوص الحضارات الذين أمعنوا في طمس هذه المعالم وتهريبها والمتاجرة بها بشكل قصدي ممنهج كعصابات منظمة، وبشكل فردي من الذين لا يمتلكون وعيا كافيا بأهمية التراث الثقافي.
من هي «نشان»؟
ما يعرفه المؤرخون والباحثون في شؤون التراث عن مملكة نشان هو أنها مملكة يمنية قديمة مستقلة إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد بعدها خضعت لسيطرة ثلاث ممالك يمنية، وهي المملكة القديمة ومملكة سبأ ومملكة معين.
وتقع مملكة «نشان» فيما يعرف حاليا بمديرية المصلوب في محافظة الجوف على بعد 100 كيلو متر إلى الشمال والشمال الشرقي من صنعاء، ويسمى موقعها الأثري غير المسكون حاليا الخربة السوداء، ويسيطر على السهل المجاور لموقعها على الضفة اليسرى من وادي الخارد المسمى محليا بالبحيرة، وطول سورها القديم حوالي 1200 متر ويرسم مستطيلا طول ضلعه 330كم و280متراً، وبالنسبة للآثار المشاهدة حاليا داخل المدينة فهي عبارة عن قواعد حجرية كبيرة لجهاز منتظم وأعمدة وعوارض مرتكزة على أعمدة تخص أروقة وكل قاعدة حجرية ركنا لقصر قديم شيد من الخشب والطين غير المحرق الذي لم يبق منه سوى واحد بعد أن أدى حريق إلى التهام الطوب، وعلى بعد 720 مترا إلى الشرق من مدينة نشان يوجد معبد الإله المحلي عثتر ذور يحاف، حافظت على سلامته الرمال التي غطته إلى حد كبير وقد قام فريق فرنسي بالتنقيب عنه جزئيا خلال الأعوام 1088-1989م، وما يشد الانتباه في المعبد نوعية عمارته وزخرفته المحفورة على دعامات وعلى عارضة باب المدخل، وكذلك على أركان أحادية الحجر تدعم الغطاء الحجري، وتتكون الأشكال الرئيسية لهذا الديكور من فتيات واقفات على منصة يسميها سكان الجوف بنات عاد نسبة إلى قبيلة عاد المشتهرة قديما في شبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى وعال ونعامات وثعابين متشابكة ورؤوس ثيران وأشكال هندسية، وقد سمحت النقوش ذات الطراز الأقدم من خلال تحليل كربون الخشب الذي عثر عليه في جدار السور بتحديد تاريخ الجدار الأقدم من هذا المعبد الذي يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد.
هذه المعلومات التي تم سردها عن مملكة نشان كل ما يعرفه المؤرخون والباحثون عن «نشان» أقدم حضارة يمنية، بالإضافة إلى معلومات شحيحة أخرى تتعلق بأسماء المعابد ومواقع سيطرة المملكة والحضارات التي بسطت وصايتها على المملكة، وهو أمر معيب بحق المختصين في جانب التاريخ والتراث بالنظر إلى حضارة هي الأولى في المنطقة وصاحبة الزمام الحضارية، ويمكننا أن نتساءل هنا عن كيف نعرف المزيد عن هذه الحضارة؟