اليمن_تاريخ_وثقافة
11.6K subscribers
144K photos
352 videos
2.21K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
عبد الله أحمد #محيرز

ابن ( #عدن ) الذي لم يطاوع تاريخها غيره
محمد عبدالوهاب #الشيباني

في 21 سبتمبر 1991، توقف قلب الأستاذ عبد الله أحمد محيرز عن ستين عامًا في المدينة التي وُلد فيها وأنجز أهم مؤلف تاريخي عنها؛ إذ لم يسبقه أحد في كشف المطمور عن تاريخ المدينة التي وُلد في أحد أحيائها القديمة (الطويلة) عام 1931. ولم يزل كشفه هذا واحدًا من المراجع الحيوية التي يستند إليها الباحثون في مقاربة تاريخ المدينة وتحليل الظواهر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي ترافقت مع تحوّلاتها. أما الكتاب الذي نعنيه فهو ثلاثية عدن (العقبة، صهاريج الطويلة، قلعة صيرة)، وهي أبرز المعالم في المدينة، والتي لا يمكن فهم جغرافيتها وتاريخها الثقافي والطوبوغرافي من دون الخوض في تفاصيل هذه الأمكنة.
بعد وفاة هشام علي بن علي بعام، كتبتُ مادة طويلة عن منجزه التأليفي، ومنها ما كتبه عن محيرز في كتابه المعنون ثلاثية عدن. ومستخلص الصورة التي رسمها عنه كثّفتُها في السياق التالي:
"ذرع جبال عدن ووديانها مشيًا على القدمين حين كان طالبًا، يلتمس الهدوء والسكينة في (أبو الوادي) أو عند (معجلين) أو في (رأس معاشيق)، وحتى بلغ مبلغ الشباب فانحدرت به خطواته نحو الأودية غير المأهولة في (جولد مور)، أو سار متتبعًا آثار الوادي الكبير في (الحسوة) و(رباك)، أو في (العماد) و(الشيخ عثمان). وحين اجتاز مصبّات الأودية عند البحر، راح يتتبع اتجاه الماء القادم من الشمال فعبر الضالع متجهًا إلى (قعطبة) على ظهر حمار كان دليله الوحيد لعبور الطريق من الجنوب إلى الشمال، حينما كانت الحدود الوهمية مصطنعة بفعل السياسة.
لم يكن اختيار عبد الله محيرز لعدن موضوعًا للبحث والتفكير والكتابة التاريخية ينطلق من مناطقية ضيقة أو أفق محدود، وإنما هو نهج للتفكير العلمي الذي يبحث في الجزئيات ليكتشف الكليات كما يقول".
يقول محيرز عن مدينة عدن وأهلها في كتاب العقبة مثلًا:
"أهلها هم أهل اليمن، يفدون إليها من كل ركن منه، فرادى وجماعات، ويصيرون أهلها، وتصهرهم بطابعها. يتجدد شبابها في كل جيل، ونضارتها مع كل دم وافد جديد".

دلف إلى التاريخ من باب العلوم، وتحديدًا الرياضيات والفلك، فصار أنجب من عرفتهم اليمن، وعمل لأكثر من عقدين كاملين في جمع الوثائق عن تاريخ اليمن الطبيعي (السياسي والثقافي والاجتماعي) من أهم مكتبات العالم (لندن، وواشنطن، وباريس، وبرلين، ودلهي).


من العلوم إلى التاريخ
عدن تحتل مكانة خاصة ومتميزة في وجدان وعقل عبد الله محيرز، فهي مدينة مولده ودراسته وشبابه وشيخوخته. وكان الفقيد يقول دائمًا: "أحب عدن، وأريد أن أخصص بقية حياتي لخدمة تاريخها وتراثها". وربما يعود الإفصاح المتأخر عن اهتمامه بعدن إلى الخوف من الاتهام بـ"العدنية"، في عهد كان أبسط اهتمام بمنطقة أو مدينة معينة مدعاة للاتهام بالمناطقية والإقليمية. والسبب الآخر هو ملاحظة الفقيد لعدم وجود اهتمام بعدن من قبل البعض، بل ومحاولة البعض الآخر طمس دورها وتاريخها كمدينة وسكان. لذلك كان يعمل بصمت لخدمة تاريخ عدن، من خلال البحث عن جوانب عديدة في تاريخها وجغرافيتها وعمرانها، وهو ما ظهر في نشر كتبه الثلاثة عنها، كما يقول د. صالح باصرة.
محيرز الذي دلف إلى التاريخ من باب العلوم، وتحديدًا الرياضيات والفلك، صار من أنجب من عرفتهم اليمن. وعمل لأكثر من عقدين كاملين في جمع الوثائق عن تاريخ اليمن من أهم مكتبات العالم (لندن، واشنطن، باريس، برلين، دلهي).
لم يُنتج سيرة ذاتية عن مراحل حياته الباكرة ولا عن تراكم خبراته المهنية التي شكلت صورته عند مجايليه وتلامذته، لكن شذرات متباعدة من كتابات أصدقائه عنه يمكن أن تفضي إلى إنتاج صورة مقرّبة عنه؛ فهو من مواليد حي الطويلة بكريتر العتيقة، ولا يُعرف عن طفولته سوى أن والدته وشقيقته الكبرى توفيتا في وقت متتابع وهو طفل في السابعة. أما والده فقد كان يعمل صفّافًا للأحرف الرصاصية في مطبعة فتاة الجزيرة لصاحبها محمد علي لقمان ثم جريدة النهضة لصاحبها عبد الرحمن جرجرة.
تتبع الأب شغف ولده بالمعرفة، وكان يأخذه معه إلى المطبعة، فالحقه بالمدارس النظامية، غير أن الأب، الذي كرّس نفسه لولده بعد فقد الأم والأخت، توفي بعد سنوات قليلة بعد إصابته بحمى قاتلة يُسميها خالد عمر محيرز "النامونيا"، بعد أن سبّبت له ارتجاجًا في المخ، فترك صغيره يصارع الحياة بمعونة الجد والأعمام.
بعد وفاة والده، انتقل الطفل للعيش في منزل جده محمد عوض محيرز في حافة حسين بقلب مدينة كريتر، إلى جوار أعمامه، ومنهم عمه عمر، الذي كان شغوفًا بالقراءة، ولديه مكتبة مهمة تضم أمهات الكتب، التي انكب عليها الطفل الصغير، فكان لا يفارقها، إلى أن أكمل دراسته الثانوية وحصل على شهادة الثقافة العامة "سينيور كمبريدج" من المدرسة الثانوية في الخليج الأمامي. وصارت هذه المكتبة بحوزته بعد زواجه من ابنة عمه، وظل يتنقل بأهم محتوياتها في ترحاله الكثير، كما يقول هشام علي بن علي.