#العيدروس ورد الاعتبار للمطرب
#شيخ_البار
الفنان الذي انتصر للثقافة #العربية في بيئة #إندونيسية
د. عبده بن بدر
#خيوط
ربما استدعى عمر عبدالرحمن العيدروس سؤال القارئ الذي اعتاد على التفكير النمطي، وهو: كيف استطاع (البار) أن يسهم في تجديد الأغنية الحضرمية، وهو لم يعرف حضرموت الجغرافية ولم يكن مولودًا فيها؟ وحاول العيدروس أن يجيب عن هذا السؤال في كتابه مقدمات في الأغنية الحضرمية، فبحسب جوابه أن الجهل التام بحضرموت الجغرافيا وولادته بجزيرة (سورابايا)، لم يمنعه من أن يحيا وفقًا لتقاليد الثقافة العربية والإسلامية التي مكّنته من أن يظل على صله بثقافة بلده، ثم إن أسرته العلوية كانت حريصة على تربية أبنائها تربية إسلامية فتدفعهم إلى المدارس، وتعمل على كل ما يعزز هذه التربية، فتحرص على تدوير الأذكار والأوراد والموالد النبوية والأناشيد الدينية والصوفية داخل أسرها وداخل محيطها، وكان البار يدور مع هذه التربية وتترسخ في أرشيف ذاكرته بوساطة ترديدها مع المؤدِّين بطريقة منغمة وموقعة، وليس بطريقة مرسلة بلا توقيع. وهذه الطريقة حبّبت إلى نفسه الصوت الجميل، والإسلام يشجّع على ذلك؛ لذا يدعو إلى التجويد في الأذان، وتلاوة القرآن وترتيله بطريقة تريح السامع وتؤثر فيه، ولكن لا تخرجه عن الوقار والجلال والجمال المغذي للتعبد والخشوع لله.
فرح على الطريقة الحضرمية
إن البار حظي بأسرة متصالحة مع الغناء والطرب، فوالده على تدينه اقتنى الجرامافون الذي مثّل أعجوبة الزمان في عصره، فلم يحرم أسرته ولا ابنه (شيخ) من الاستماع للأغاني العربية والمصرية، خاصة التي تصدر من أسطوانات الجرامافون، فضلًا عن اصطحاب والده له لمشاهدة الأفلام المصرية التي كانت في نسختها الأولى غنائية، وكل هذا أثر فيه.
ثم إن الجالية الحضرمية في إندونيسيا إذا أرادت أن تمرح وتفرح، فهي لا تفرح على الطريقة الإندونيسية بل على الطريقة الحضرمية، فتفضل دق مراويسها ودفوفها وهواجرها في الأعياد والأعراس والمناسبات، وربما يغنون أغانيهم من غير مناسبة، وكل هذا أثر في شيخ وجعله يتولع بوطن أجداده وفنّهم، ويقول العيدروس: "تعلق البار بالغناء الحضرمي، ففرض عليه ذلك أن يكون أكثر التصاقًا بالجالية الحضرمية، وباللهجة الحضرمية بالذات...". والحامد ذكر في كتابه (رحلة جاوا الجميلة) أن البار كان يتردد على مجالسهم وأماكن عملهم، وظلّ يرافقهم في رحلاتهم وتجوالهم. وتعلم البار العزف على العود في هذه البيئة المحفزة على الغناء والطرب، لكن لا توجد معلومة مؤكدة على يد مَن تعلم العود، والعيدروس يخمن أنه تعلم العزف بالعود على يد محسن بن عقيل. وبعدُ، سيغادر المقال منطقة البيئة الإندونيسية إلى منطقة الانتقال إلى الكتابات التي تناولت الأغنية في حضرموت ورموزها، والسطور الآتية سوف تتناول الأفكار التي تناولت هذا الجانب دون ذكر أسماء من تبنّاها وتحمس لها.
ردّ الاعتبار لشيخ البار
حينما كتب العيدروس كتابه (مقدمات في الأغنية الحضرمية) وضع من أحد مراميه إعادة الاعتبار للمطرب شيخ البار، إذ رأى فيه رمزًا من الرموز الحضرمية واليمنية التي أسهمت في تبليط طريق تجديد الأغنية في حضرموت، واستطاع أن يشكّل مدرسة فنية مستقلة اعتلى على جوادها محمد جمعة خان وواصل خطاها باقتدار. والعيدروس سعى بمثابرة لأن يرسخ مكانته في المشهد الخاص بالأغنية بحضرموت، والأغنية في اليمن بالعموم. تأمل العيدروس نماذج من الكتابات التي كُتبت عن الأغنية في اليمن، فلم يجد ذكرًا للفنان البار، فعزم على أن يعيد النظر فيما وقع بين يديه، فأخضعه للتساؤلات والنظرات النقدية، ودعا إلى الابتعاد عن توزيع الألقاب لهذا الفنان أو ذاك، وتحاشي القفزات التاريخية على المراحل بقدر الإمكان. وعليه، فهو لا يرى مسوغًا منطقيًّا لمثل تلك العبارة التي تقول عن "عبدالله باحسن هو الرائد والفنان في حضرموت"، ويتساءل العيدروس: إذا كان (باحسن) بهذه المكانة من الريادة، فأين نضع (خو علوي) و(ابن زامل)، وهما أسبق من (باحسن) ويحسبان على القرن الثامن عشر الميلادي، بينما (باحسن) من رجال القرن التاسع عشر، ولم يكونا نكرتين، بل سرى صيتهما وشهرتهما، ليس داخل حضرموت اليمن بل في الخليج؟!
والعيدروس يقر بأن محمد جمعة خان من ألمع الفنانين، وبلغته يقول: "وقد لا يجود الزمان باللامعين من أمثال شيخ البار ومحمد جمعة خان إلا نادرًا"، ورغم هذا التبجيل لـ(خان)، فإنه يختلف مع فكرة تضييق التجديد في الأغنية الحضرمية وحصره في شخصية (خان)، وبشأن فكرة التجديد التي نُسبت لخان، يقول: "وإذا أُطلق على الفنان (محمد جمعة خان) المجدّد، فأين موقع الفنان شيخ
#شيخ_البار
الفنان الذي انتصر للثقافة #العربية في بيئة #إندونيسية
د. عبده بن بدر
#خيوط
ربما استدعى عمر عبدالرحمن العيدروس سؤال القارئ الذي اعتاد على التفكير النمطي، وهو: كيف استطاع (البار) أن يسهم في تجديد الأغنية الحضرمية، وهو لم يعرف حضرموت الجغرافية ولم يكن مولودًا فيها؟ وحاول العيدروس أن يجيب عن هذا السؤال في كتابه مقدمات في الأغنية الحضرمية، فبحسب جوابه أن الجهل التام بحضرموت الجغرافيا وولادته بجزيرة (سورابايا)، لم يمنعه من أن يحيا وفقًا لتقاليد الثقافة العربية والإسلامية التي مكّنته من أن يظل على صله بثقافة بلده، ثم إن أسرته العلوية كانت حريصة على تربية أبنائها تربية إسلامية فتدفعهم إلى المدارس، وتعمل على كل ما يعزز هذه التربية، فتحرص على تدوير الأذكار والأوراد والموالد النبوية والأناشيد الدينية والصوفية داخل أسرها وداخل محيطها، وكان البار يدور مع هذه التربية وتترسخ في أرشيف ذاكرته بوساطة ترديدها مع المؤدِّين بطريقة منغمة وموقعة، وليس بطريقة مرسلة بلا توقيع. وهذه الطريقة حبّبت إلى نفسه الصوت الجميل، والإسلام يشجّع على ذلك؛ لذا يدعو إلى التجويد في الأذان، وتلاوة القرآن وترتيله بطريقة تريح السامع وتؤثر فيه، ولكن لا تخرجه عن الوقار والجلال والجمال المغذي للتعبد والخشوع لله.
حينما كتب العيدروس كتابه (مقدمات في الأغنية الحضرمية) وضع من أحد مراميه إعادة الاعتبار للمطرب شيخ البار، إذ رأى فيه رمزًا من الرموز الحضرمية واليمنية التي أسهمت في تبليط طريق تجديد الأغنية في حضرموت، واستطاع أن يشكّل مدرسة فنية مستقلة اعتلى على جوادها محمد جمعة خان وواصل خطاها باقتدار.
فرح على الطريقة الحضرمية
إن البار حظي بأسرة متصالحة مع الغناء والطرب، فوالده على تدينه اقتنى الجرامافون الذي مثّل أعجوبة الزمان في عصره، فلم يحرم أسرته ولا ابنه (شيخ) من الاستماع للأغاني العربية والمصرية، خاصة التي تصدر من أسطوانات الجرامافون، فضلًا عن اصطحاب والده له لمشاهدة الأفلام المصرية التي كانت في نسختها الأولى غنائية، وكل هذا أثر فيه.
ثم إن الجالية الحضرمية في إندونيسيا إذا أرادت أن تمرح وتفرح، فهي لا تفرح على الطريقة الإندونيسية بل على الطريقة الحضرمية، فتفضل دق مراويسها ودفوفها وهواجرها في الأعياد والأعراس والمناسبات، وربما يغنون أغانيهم من غير مناسبة، وكل هذا أثر في شيخ وجعله يتولع بوطن أجداده وفنّهم، ويقول العيدروس: "تعلق البار بالغناء الحضرمي، ففرض عليه ذلك أن يكون أكثر التصاقًا بالجالية الحضرمية، وباللهجة الحضرمية بالذات...". والحامد ذكر في كتابه (رحلة جاوا الجميلة) أن البار كان يتردد على مجالسهم وأماكن عملهم، وظلّ يرافقهم في رحلاتهم وتجوالهم. وتعلم البار العزف على العود في هذه البيئة المحفزة على الغناء والطرب، لكن لا توجد معلومة مؤكدة على يد مَن تعلم العود، والعيدروس يخمن أنه تعلم العزف بالعود على يد محسن بن عقيل. وبعدُ، سيغادر المقال منطقة البيئة الإندونيسية إلى منطقة الانتقال إلى الكتابات التي تناولت الأغنية في حضرموت ورموزها، والسطور الآتية سوف تتناول الأفكار التي تناولت هذا الجانب دون ذكر أسماء من تبنّاها وتحمس لها.
ردّ الاعتبار لشيخ البار
حينما كتب العيدروس كتابه (مقدمات في الأغنية الحضرمية) وضع من أحد مراميه إعادة الاعتبار للمطرب شيخ البار، إذ رأى فيه رمزًا من الرموز الحضرمية واليمنية التي أسهمت في تبليط طريق تجديد الأغنية في حضرموت، واستطاع أن يشكّل مدرسة فنية مستقلة اعتلى على جوادها محمد جمعة خان وواصل خطاها باقتدار. والعيدروس سعى بمثابرة لأن يرسخ مكانته في المشهد الخاص بالأغنية بحضرموت، والأغنية في اليمن بالعموم. تأمل العيدروس نماذج من الكتابات التي كُتبت عن الأغنية في اليمن، فلم يجد ذكرًا للفنان البار، فعزم على أن يعيد النظر فيما وقع بين يديه، فأخضعه للتساؤلات والنظرات النقدية، ودعا إلى الابتعاد عن توزيع الألقاب لهذا الفنان أو ذاك، وتحاشي القفزات التاريخية على المراحل بقدر الإمكان. وعليه، فهو لا يرى مسوغًا منطقيًّا لمثل تلك العبارة التي تقول عن "عبدالله باحسن هو الرائد والفنان في حضرموت"، ويتساءل العيدروس: إذا كان (باحسن) بهذه المكانة من الريادة، فأين نضع (خو علوي) و(ابن زامل)، وهما أسبق من (باحسن) ويحسبان على القرن الثامن عشر الميلادي، بينما (باحسن) من رجال القرن التاسع عشر، ولم يكونا نكرتين، بل سرى صيتهما وشهرتهما، ليس داخل حضرموت اليمن بل في الخليج؟!
والعيدروس يقر بأن محمد جمعة خان من ألمع الفنانين، وبلغته يقول: "وقد لا يجود الزمان باللامعين من أمثال شيخ البار ومحمد جمعة خان إلا نادرًا"، ورغم هذا التبجيل لـ(خان)، فإنه يختلف مع فكرة تضييق التجديد في الأغنية الحضرمية وحصره في شخصية (خان)، وبشأن فكرة التجديد التي نُسبت لخان، يقول: "وإذا أُطلق على الفنان (محمد جمعة خان) المجدّد، فأين موقع الفنان شيخ