#نور بنت معروف بن همام #اليافعي
حاكمة #مرباط التي سبقت زمنها
------------
د.علي صالح الخلاقي
حينما كنت متوجهاً إلى مدينة مرباط الساحلية في محافظة #ظفار، لم يكن المكان وحده من يشدّني، بل كانت الذاكرة التاريخية تنبض في داخلي باسم ظل يتردد كأغنية مجد لا تنطفئ أصداؤها: "نور بنت معروف بن حسين بن همام"، السيدة، اليافعية الأصل، التي دخلت التاريخ من بابه العالي، ليس فقط كامرأة من بيت علم وتجارة ونفوذ، بل كحاكمة وقائدة سياسية ملأت فراغ السلطة في زمن دقيق، وأدارت مدينة ذات موقع تجاري واستراتيجي بالغ الأهمية.
النشأة والجذور:
-----
وُلدت نور بنت معروف بن حسين بن علي صالح بن همام الناخبي اليافعي في مدينة مرباط، تلك الحاضرة الساحلية ذات الميناء الحيوي، التي شكّلت أحد مفاتيح التجارة البحرية في جنوب الجزيرة العربية.
تنتمي نور إلى أسرة آل بن همام، وهي أسرة يافعية عريقة جاء أسلافها من وادي ذي ناخب في جبال يافع، مروراً بمحطة حضرموت حتى استقرت في مرباط، وكان لها حضور بارز في الحياة السياسية والاقتصادية، خصوصاً في أواخر القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) وبدايات القرن الذي يليه.
كان جدها، النقيب علي بن صالح بن أحمد بن همام، أول من رسّخ للوجود السياسي للأسرة في مرباط، حين قدم إليها مع أهله قادماً من حضرموت سنة 1119هـ، في عهد الدولة الكثيرية التي كان يمتد نفوذها آنذاك إلى ظفار وكان تاجراً قوياً ومصلحاً معروفاً. وهو النقيب الأول في مرباط الذي رسخ الوجود السياسي والتجاري الفاعل لآل همام في مرباط.
أما والدها، النقيب معروف بن حسين بن علي صالح بن همام ، فكان من أبرز شخصيات مرباط السياسية والتجارية، عُرف بعلاقاته الواسعة مع شيوخ القبائل في ظفار، ومع سلاطين عمان، وبتوقيعه على اتفاقيات تهدف إلى حماية المدينة وتعزيز استقرارها.
صعودها إلى الحكم:
------
لم يكن صعود نور إلى سدّة الحكم في مرباط حدثاً عادياً ولا طارئاً. بل جاء في لحظة فراغ سياسي كبير في مرباط، أعقبت وفاة والدها النقيب معروف. وفي هذا الظرف الحرج، خرجت نور من خلف الحجاب الاجتماعي إلى صدارة المشهد السياسي، وتقدّمت الصفوف بكل ما تمتلك من قوة شخصية، وبعد نظر، وحنكة في الإدارة اكتسبتها خلال مشاركتها لوالدها في إدارة شئون الحكم.
سكنت حصن "الحسينية" في مرباط، وهو الحصن الذي بناه جدها النقيب حسين، واتخذته مقراً للسلطة ومركزاً للحكم وتحوّل في عهدها إلى مركز للقرار والتدبير والحماية. ومن هناك، أدارت المدينة، وسنّت القوانين، وأعادت تنظيم الشؤون الإدارية والاقتصادية، وفرضت احترامها على الجميع، من القبائل إلى التجار، ومن الأهالي إلى ممثلي الدول الإقليمية.
ملامح حكمها ودورها السياسي:
----------
لُقّبت في الوثائق والروايات الشفوية بـ"الحاكمة" ، وهو لقب لم يكن شائعاً للنساء في ذلك الزمان، لكنه كان اعترافاً بسلطتها ونفوذها الفعلي في إدارة شؤون مرباط، والتعامل مع القوى الإقليمية، وقد تضمنت إحدى الوثائق التاريخية المهمة، مؤرّخة بتاريخ 9 شوال 1247هـ/ 13 مارس 1832م، شهادة تُظهر جانباً من تعاملاتها، حيث قدّمت تسهيلات مالية ولوجستية لسفن تابعة للسلطان سعيد بن سلطان بن أحمد البوسعيدي(حكم 1219-1273ه/ 1804-1856م)، رَست في ميناء مرباط، وقد وُصفت فيها بـ"الحرة الطاهرة نور بنت معروف"، وهو لقب يحمل دلالة دينية واجتماعية رفيعة في ذلك السياق.
تنظيمها لميناء مرباط وضبط التجارة :
-------------
شكّل ميناء مرباط (الفرضة البحرية) إحدى الركائز الاقتصادية الحيوية في عهد حكام آل بن همام، ولم يكن الميناء مجرد نقطة تفريغ أو تحميل للبضائع، بل كانت جهازاً متكاملاً تديره سلطة منظمة، تحت إشراف مباشر من الحاكمة نور، كما كان الحال من قبل أسلافها، وازدادت مكانته في عهدها حيث وضعت له نظاماً واضحاً لإدارة الميناء والأسواق، وقدمت تسهيلات للتجار، وتنظم عمليات الدخول والخروج والمراقبة والجباية، حتى احتل موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية في حركة التجارة البحرية بين سواحل الهند واليمن وشرقي أفريقيا، مروراً بسواحل ظفار.
نظام العُشور: إدارة الميناء وتنظيم حركة السفن:
-------------
عملت الفرضة وفق نظام "العُشور"، وهو النظام الجمركي المتّبع آنذاك، الذي يهدف إلى ضمان سلامة التجارة وتحصيل الرسوم المستحقة بطريقة قانونية ومنظمة، بعيداً عن الفوضى أو الابتزاز، التي كانت تنتشر في بعض المرافئ الأخرى على سواحل المحيط.
فإذا اقتربت سفينة أو مركب بحري من مرسى مرباط، صعد إليها على الفور "المفتش"، وهو المسؤول الرسمي المعني بإجراء المعاينة الأولى. كان هذا المفتش يسأل "الناخوذة" (ربّان السفينة) عدة أسئلة ضرورية تتعلق بأصل السفينة، وجهة قدومها، والبلد الذي خرجت منه، واسم الوالي الحاكم هناك، ونوعية البضائع التي تحملها، وأسعارها التقريبية.
حاكمة #مرباط التي سبقت زمنها
------------
د.علي صالح الخلاقي
حينما كنت متوجهاً إلى مدينة مرباط الساحلية في محافظة #ظفار، لم يكن المكان وحده من يشدّني، بل كانت الذاكرة التاريخية تنبض في داخلي باسم ظل يتردد كأغنية مجد لا تنطفئ أصداؤها: "نور بنت معروف بن حسين بن همام"، السيدة، اليافعية الأصل، التي دخلت التاريخ من بابه العالي، ليس فقط كامرأة من بيت علم وتجارة ونفوذ، بل كحاكمة وقائدة سياسية ملأت فراغ السلطة في زمن دقيق، وأدارت مدينة ذات موقع تجاري واستراتيجي بالغ الأهمية.
النشأة والجذور:
-----
وُلدت نور بنت معروف بن حسين بن علي صالح بن همام الناخبي اليافعي في مدينة مرباط، تلك الحاضرة الساحلية ذات الميناء الحيوي، التي شكّلت أحد مفاتيح التجارة البحرية في جنوب الجزيرة العربية.
تنتمي نور إلى أسرة آل بن همام، وهي أسرة يافعية عريقة جاء أسلافها من وادي ذي ناخب في جبال يافع، مروراً بمحطة حضرموت حتى استقرت في مرباط، وكان لها حضور بارز في الحياة السياسية والاقتصادية، خصوصاً في أواخر القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) وبدايات القرن الذي يليه.
كان جدها، النقيب علي بن صالح بن أحمد بن همام، أول من رسّخ للوجود السياسي للأسرة في مرباط، حين قدم إليها مع أهله قادماً من حضرموت سنة 1119هـ، في عهد الدولة الكثيرية التي كان يمتد نفوذها آنذاك إلى ظفار وكان تاجراً قوياً ومصلحاً معروفاً. وهو النقيب الأول في مرباط الذي رسخ الوجود السياسي والتجاري الفاعل لآل همام في مرباط.
أما والدها، النقيب معروف بن حسين بن علي صالح بن همام ، فكان من أبرز شخصيات مرباط السياسية والتجارية، عُرف بعلاقاته الواسعة مع شيوخ القبائل في ظفار، ومع سلاطين عمان، وبتوقيعه على اتفاقيات تهدف إلى حماية المدينة وتعزيز استقرارها.
صعودها إلى الحكم:
------
لم يكن صعود نور إلى سدّة الحكم في مرباط حدثاً عادياً ولا طارئاً. بل جاء في لحظة فراغ سياسي كبير في مرباط، أعقبت وفاة والدها النقيب معروف. وفي هذا الظرف الحرج، خرجت نور من خلف الحجاب الاجتماعي إلى صدارة المشهد السياسي، وتقدّمت الصفوف بكل ما تمتلك من قوة شخصية، وبعد نظر، وحنكة في الإدارة اكتسبتها خلال مشاركتها لوالدها في إدارة شئون الحكم.
سكنت حصن "الحسينية" في مرباط، وهو الحصن الذي بناه جدها النقيب حسين، واتخذته مقراً للسلطة ومركزاً للحكم وتحوّل في عهدها إلى مركز للقرار والتدبير والحماية. ومن هناك، أدارت المدينة، وسنّت القوانين، وأعادت تنظيم الشؤون الإدارية والاقتصادية، وفرضت احترامها على الجميع، من القبائل إلى التجار، ومن الأهالي إلى ممثلي الدول الإقليمية.
ملامح حكمها ودورها السياسي:
----------
لُقّبت في الوثائق والروايات الشفوية بـ"الحاكمة" ، وهو لقب لم يكن شائعاً للنساء في ذلك الزمان، لكنه كان اعترافاً بسلطتها ونفوذها الفعلي في إدارة شؤون مرباط، والتعامل مع القوى الإقليمية، وقد تضمنت إحدى الوثائق التاريخية المهمة، مؤرّخة بتاريخ 9 شوال 1247هـ/ 13 مارس 1832م، شهادة تُظهر جانباً من تعاملاتها، حيث قدّمت تسهيلات مالية ولوجستية لسفن تابعة للسلطان سعيد بن سلطان بن أحمد البوسعيدي(حكم 1219-1273ه/ 1804-1856م)، رَست في ميناء مرباط، وقد وُصفت فيها بـ"الحرة الطاهرة نور بنت معروف"، وهو لقب يحمل دلالة دينية واجتماعية رفيعة في ذلك السياق.
تنظيمها لميناء مرباط وضبط التجارة :
-------------
شكّل ميناء مرباط (الفرضة البحرية) إحدى الركائز الاقتصادية الحيوية في عهد حكام آل بن همام، ولم يكن الميناء مجرد نقطة تفريغ أو تحميل للبضائع، بل كانت جهازاً متكاملاً تديره سلطة منظمة، تحت إشراف مباشر من الحاكمة نور، كما كان الحال من قبل أسلافها، وازدادت مكانته في عهدها حيث وضعت له نظاماً واضحاً لإدارة الميناء والأسواق، وقدمت تسهيلات للتجار، وتنظم عمليات الدخول والخروج والمراقبة والجباية، حتى احتل موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية في حركة التجارة البحرية بين سواحل الهند واليمن وشرقي أفريقيا، مروراً بسواحل ظفار.
نظام العُشور: إدارة الميناء وتنظيم حركة السفن:
-------------
عملت الفرضة وفق نظام "العُشور"، وهو النظام الجمركي المتّبع آنذاك، الذي يهدف إلى ضمان سلامة التجارة وتحصيل الرسوم المستحقة بطريقة قانونية ومنظمة، بعيداً عن الفوضى أو الابتزاز، التي كانت تنتشر في بعض المرافئ الأخرى على سواحل المحيط.
فإذا اقتربت سفينة أو مركب بحري من مرسى مرباط، صعد إليها على الفور "المفتش"، وهو المسؤول الرسمي المعني بإجراء المعاينة الأولى. كان هذا المفتش يسأل "الناخوذة" (ربّان السفينة) عدة أسئلة ضرورية تتعلق بأصل السفينة، وجهة قدومها، والبلد الذي خرجت منه، واسم الوالي الحاكم هناك، ونوعية البضائع التي تحملها، وأسعارها التقريبية.