اليمن_تاريخ_وثقافة
11.5K subscribers
144K photos
352 videos
2.2K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
انجازات العهد العثماني في اليمن

علي جار الله الذيب، يتحدث عن شواهد تروي إنجازات الخلافة العثمانية في اليمن رغم مرور 100 عام:
– القوات العثمانية أقامت منشآت عسكرية ضخمة، تشهد آثارها الباقية ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻭﻗﻮﺓ دولة الخلافة
– النهضة شملت المجال التشريعي من خلال إنشاء مجالس بلدية منتخبة
– العثمانيون حققوا نهضة صناعية تمثلت بصناعة ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ وﺍﻟﺼﻠﺐ، وﺍﻟﻤﻌﺪﺍﺕ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ وﺍﻟﻌﺮﺑﺎﺕ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻘﻞ، وﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، وﺍﻟﻐﺰﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺞ والرخام والزجاج
– الدولة أنشأت ﻤﺪﺍﺭﺱ بجميع المستويات ﻭﺠﺎﻣﻌﺎﺕ بمختلف التخصصات إضافة إلى مدارس الفنية وصحية وصناعية
– امتدت الطفرة العمرانية إلى إنشاء الأسوار وﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ وﺍﻟﺨﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ

 

قال المؤرخ والباحث اليمني علي جار الله الذيب، إن اليمن شهد خلال أعوام الوجود العثماني ﻧﻬﻀﺔ حضارية ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، لا تزال شواهدها موجودة إلى اليوم بعد مرور مائة عام على مغادرة الأتراك العثمانيين البلاد عام 1918.

وفي تصريحات له يقول الذيب إن أهم ما حققه الوجود العثماني في اليمن “دحر العدوان الصليبي وحماية المقدسات الإسلامية، والتصدي للطامعين في احتلال اليمن حين كان يهددها الغزو ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻲ في القرن السادس عشر الميلادي”.

ويوضح أن التهديدات التي حاقت باليمن “جعلت أهله ﻳﺴﺘﻨﺠﺪﻭﻥ ﺑﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ الإﺳﻼﻣﻴﺔ التي استجابت للنداء ﻭﺃﺭﺳﻠﺖ قواتها ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻤﻦ، باﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺣﺰﺍﻣﺎً ﺃﻣﻨﻴﺎً ﻟﻠﺤﺮﻣﻴﻦ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ في مكة المكرمة والمدينة المنورة”.

وللذيب، الباحث المتخصص في التاريخ الإسلامي، بالمركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل (غير حكومي تأسس عام 2006، ومقره صنعاء)، عدد من الدراسات التاريخية عن اليمن في العهد العثماني، وله كتاب تحت الطبع بعنوان “النهضة اليمنية في عهد الخلافة العثمانية”.

ويرى الباحث، أن الوجود العثماني في بلاده “تولّى ﺤﻤﺎﻳﺔ ﺛﻐﻮﺭ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻭحصّن مدنه ﻭﺠﺰﺭه” مؤكدًا أن “القوات العثمانية أقامت منشآت عسكرية ضخمة، تشهد آثارها الباقية إلى اليوم ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻭﻗﻮﺓ دولة الخلافة”.

ودلل على ذلك بـ “ﺍﻟﺘﺤﺼﻴﻨﺎﺕ والأسوار ﻭﺍﻟﻘﻼﻉ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﺪن (جنوب)، ﻭمضيق ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻤﻨﺪﺏ (الممر الاستراتيجي جنوب البحر الأحمر)، ﻭمدن ﺍﻟﻤﺨﺎ ﻭﺯﺑﻴﺪ واﻟﺤﺪﻳﺪﺓ (مطلة على البحر الأحمر غربي البلاد)، ﻭجزيرة ﻛﻤﺮﺍﻥ في البحر الأحمر


ويقول الذيب إنه “ليس هناك مدينة أو منطقة مهمة باليمن ﺇﻻ وتحتوي على ﻣﻨﺸﺄﺓ تتبع ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ” مستدلًا على ذلك بالمنشأة الدفاعية التي شيدها العثمانيون في ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺻﻨﻌﺎﺀ أو ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﺑﺎﻟﻌﺮﺿﻲ، ويسمى ﺣﺎﻟﻴﺎً “ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ” الواقع ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ صنعاء، وﻛﺎﻥ وفقا للذيب، ﻣﻘﺮﺍً ﻟﻠﻘﻴﺎﺩﺓ على مستوى ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ أيضا ﻣﻘﺮﺍً ﻟﻠﺠﻴﺶ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ.

** ملامح النهضة في العهد العثماني

وعن شواهد النهضة اليمنية إبان العهد العثماني يقول الذيب، إن “النهضة شملت المجال التشريعي من خلال إنشاء مجالس بلدية منتخبة، في المستويات الثلاثة، مجلس المدينة ثم مجلس المحافظة، ثم المجلس العمومي على مستوى الولاية – اليمن”.

ويضيف أن “الأتراك العثمانيين أحدثوا نهضة صناعية في جميع المجالات”، مستدركًا بالقول “لكن ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤﻼﻗﺔ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻛﺎﻣﻠﺔ عقب خروج الأتراك من اليمن، وسيطرة الإمام يحيى حميد الدين على الحكم عام 1918”.

وبحسب الباحث الذيب، أنشأ العثمانيون في اليمن ﻣﺼﻨﻊ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ وﺍﻟﺼﻠﺐ، ﻟﺼﻬﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﻨﺤﺎﺱ ﻭﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﻌﺪﺍﺕ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، كصناعة ﺍﻟﻌﺮﺑﺎﺕ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، وﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﺍﻟﺤﺮﺑﻲ الذي خصص لصناعة ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺨﻔﻴﻔﺔ وﺍﻟﺬﺧﻴﺮﺓ، وكذلك عدد من مصانع ﺍﻟﻐﺰﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ومصانع الرخام والزجاج ومصانع طحن الحبوب، وغيرها من المصانع والصناعات متعددة الأغراض.

أما عن النهضة في مجال النقل واﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ، فيتحدث المؤرخ اليمني عن ﺍﻟﺴﻜﻚ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻭﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭﺍﺕ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ العشرين، مؤكدًا أن ذلك يعد “من أهم المشاريع ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ التي حققتها ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ﺍﻟﺜﺎني”.

 ﻭوفقا للمؤرخ اليمني، فقد ﺳﺎﺭ أوﻝ ﻗﻄﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺳﻨﺔ 1911 ﻓﻲ ﺣﻔﻞ ﺍﻓﺘﺘﺎﺡ ﺣﻀﺮه الوالي ﻭﻛﺒﺎﺭ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ حينها، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺃﻭﻝ ﺣﺪﺙ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻧﻴﺔ.

ويوضح أن السكك الحديدية في اليمن امتدت من خط الحديدة صنعاء ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺤﺠﻴﻠﺔ ﺟﻨﻮبي ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﺎﺧﻪ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﺑﻼﺩ آﻧﺲ (وسط البلاد)، ﻭﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺑﺴﺒﺐ اندلاع ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﺎﻡ 1914، التي أسفرت عن ﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻤﻦ، ليتوقف المشروع بالكامل.

كما أنشأت الحكومة العثمانية، بحسب الذيب، ﺍﻟﻄﺮﻕ ﻭﺍﻟﺠﺴﻮﺭ ﺍﻟﻌﻤﻼﻗﺔ ﻟﺮﺑﻂ ﺍلمدن والمحافظات اليمنية ﺍﻟﻨﺎﺋﻴﺔ ببعضها البعض، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪي ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ على ﻃﺮﻳﻖ ﺣﺠﺔ ﻋﺒﺲ (شمال غرب)، والذي شُيّد عام 1903، ويبلغ طوله 42 ﻣﺘﺮا ﻭعرضه 4 ﺃﻣﺘﺎﺭ ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻟﻪ ﺃﻱ ﻋﻤﻮﺩ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻔﻞ، ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻣﻮﺟﻮﺩا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ.

ويعرّج المؤرخ على النهضة التعليم
ية التي شهدها اليمن في العهد العثماني، مذكرا أن الدولة أنشأت ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ بجميع المستويات ﻭﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺎﺕ بمختلف تخصصاتها، إضافة إلى المدارس الفنية والصحية والصناعية، واﻟﻜﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، وعددها ﺧﻤﺲ ﻛﻠﻴﺎت ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺑﺼﻨﻌﺎﺀ (ﺣﺎﻟﻴﺎً اﻟﻤﺘﺤﻒ ﺍﻟﺤﺮﺑﻲ)، وتحولت في عهد اﻹﻣﺎﻡ ﻳﺤﻴﻰ ﺇﻟﻰ ﺳﺠﻦ ﻋُﺮﻑ ﺑﺴﺠﻦ ‏(ﺍﻟﺼﻨﺎﺋﻊ‏).

كما شملت النهضة مجال الطب والشؤون الصحية والمجال المالي والمحاسبي، ومجالات الإعلام والقضاء والعمران، ويظهر هذا الجانب في تخطيط ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﺇﻧﺸﺎﺀ ﺃﺣﻴﺎﺀ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ‏(مثل حي ﺑﻴﺮ ﺍﻟﻌﺰﺏ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﺎﺀ‏) ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻟﻠﻤﺪﻥ ‏(كباب ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﺎﺀ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ‏).

كذلك، ووفق الذيب، امتدت الطفرة العمرانية إلى إنشاء الأسوار وﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ، وﺍﻟﺨﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ، وهي ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺩﻭﺭ ﻟﻠﻀﻴﺎﻓﺔ ﺗﻘﺪﻡ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﺎ ﻟﻨﺰﻻﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻘﺔ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ، لكنها ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺍﻷﺋﻤﺔ (الإمام يحيى حكم اليمن من 1918 حتى 1948، وابنه الإمام أحمد حكم في الفترة 1948- 1962) ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺎﺯﻥ خاصة.

ويتطرق الباحث والمؤرخ إلى ما شهده اليمن في عهد الدولة العثمانية، من إنشاء ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، وبناء ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻭﺍﻟﻘﺒﺎﺏ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ، ومنها جامع “ﻗﺒﺔ ﺍﻟﺒﻜﻴﺮﻳﺔ” ﺑﺼﻨﻌﺎﺀ الذي بناه الوزير حسن باشا عام 1005 هجري، تخليداً لشهيد القرآن “بكير باشا” الذي سقط من أعلى فرسه أثناء الاحتفال بتخرجه مع دفعة من زملائه في حفظ القرآن الكريم، وغيره من المساجد والقباب اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺑﻨﺎؤﻫﺎ ﺑﺈﺗﻘﺎﻥ ﻛﺒﻴﺮ ﻭﺗﻤﻴﺰ ملحوظ.

**حصر وتوثيق المنشآت العثمانية

يشار إلى أن وفدا تركيا يضم خبراء آثار كان قد زار اليمن بداية العام 2008، ووثق 71 معلماً أثرياً عثمانيا في العاصمة صنعاء، من النمط المعماري الفريد في الطراز الإسلامي القديم الذي اعتمده العثمانيون في بناء الحصون والقلاع والمساجد والجسور.

وشملت تلك الزيارة، حسب بيانات صحفية، الاطلاع على المنشآت العثمانية التي شيدت في اليمن، بغرض حصرها وتوثيقها والمساهمة في عملية الترميم والحفاظ عليها من الاندثار باعتبارها من معالم اليمن السياحية، وتبرهن على عمق علاقات التاريخ والثقافة بين البلدين والشعبين الشقيقين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الصليف تهامة
يعد ميناء الصليف من الموانئ اليمنية التي لعبت دوراً هاماً في المجال السياسي والاقتصادي في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، وبإطلالته على البحر الأحمر، وجزيرة كمران، استطاع أن يكون في العهد العثماني الأول لحكم اليمن (944 – 1045هـ / 1538 – 1635م) الركيزة الأساسية لدخول القوات العثمانية لليمن، وفي العهد العثماني الثاني لحكم اليمن (1265 – 1336هـ / 1849 – 1918م) تحول دوره إلى تاريخ اقتصادي من خلال ثروته الاقتصادية والمتمثلة في منجمه للملح إلى جانب موقعه العسكري المتميز، ومن ثم تعرض للقصف والتدمير من قبل البريطانيين الذي أدركوا أهميته ومحاولة احتلاله، فما قصة هذا الميناء ومتى نشأ وظهر على الساحة الساحة الدولية وأخذ أبعاده الاستراتيجية والجيوسياسية؟

تقع شبه جزيرة الصليف إلى الشمال والشمال الغربي من مدينة الحديدة، وتبعد عن مدينة الحديدة بمسافة تصل إلى 60 كم، ويقع على خط عرض 15.31° شمالاً، وخط طول 42.67° شرقاً، وبارتفاع 4م فوق سطح البحر، وتبلغ مساحتها الإجمالية 154 كم2.

وتعد منطقة الصليف الآن مديرية من مديريات محافظة الحديدة، وتتكون من النواحي والقرى التالية (الصليف، القرية، الزحيفي، دير الولي، الضبرة)، وتتبعها جزيرتان غير مأهولتين هما: جزيرة وغر وجزيرة هيكوك، وتبعاً للآخر تعداد سكاني في 2004م بلغ عدد سكانها 6343 نسمة.

تتميز الصليف بمزايا جعلتها تحظى بالاهتمام الدائم من قبل السلطات الحاكمة لليمن بمسمياتها المختلفة في التاريخ الحديث والمعاصر، ومن هذه المزايا:
تمتلك الصليف موقعاً استراتيجياً فهي شبه جزيرة تحيط بها المياه من ثلاث جهات وكأنها قلعة حصينة صعبة الاختراق وهو ما ثبت خلال التاريخ الحديث والمعاصر وخاصة خلال الحرب العالمية الاولى (1332 – 1336هـ / 1914 – 1918م).

تمتلك ميناء حباه الله بمناطق رسو طبيعي وآمن وتحميه جزيرة كمران حماية طبيعية من الرياح الشديدة والأمواج، وتتميز بأعماق بحرية كبيرة تصل إلى 50 قدماً بحيث يستطيع استقبال بواخر عملاقة تصل حمولتها ما بين 50 – 70 ألف طن، وقد تم استقبال السفن العملاقة التي تعجز بقية الشواطئ اليمنية عن استقبالها خلال التاريخ الحديث، حيث استقبلت الحملات ذات الاساطيل الضخمة وخاصة خلال عهدي الحكم العثماني.

لدى الصليف مقومات سياحية بحرية وبرية متكاملة، فيمكن إقامة منتزهات وشاليهات بالقرب من الشاطئ، ورياضة سباق القوارب والزوارق البحرية، ورياضة التزلج على المياه.

يتميز أهالي الصليف باحتراف الصيد البحري، وبها ميناء لصيد السمك، وصناعة السفن والقوارب والحرف التقليدية التهامية، وقديماً تميزت المنطقة بصيد اللؤلؤ، فقد ورد في كتاب (ارتفاع الدولة المؤيدية جباية بلاد اليمن في عهد السلطان الملك المؤيد داوود بن يوسف الرسولي تـ(721 هـ/1321م)، تحقيق محمد عبدالرحيم جازم، ما يلي: "ينفرد الديوان السعيد بالمغاصات – أماكن محددة في البحر تتواجد فيها الأصداف الحاوية على اللؤلؤ – ومنها... بطن جابر وهو أصعبها وأجود ما توجد به الجواهر الجيدة"، وهو ما يؤكده الرحالة الهندي العلامة رفيع الدين بن فريد الدين المراد آبادي في رحلته المعنونة (الرحلة الهندية إلى الجزيرة العربية): "وبالقرب من هذه الجزيرة – كمران - يوجد الكثير من اللؤلؤ والمرجان ويقولون إن موسم صيدها يكون في شهور الصيف الأربعة".
يوجد بالصليف مناجم من الملح والجبس وبكميات هائلة هو ما سيتم التطرق إليه في هذا الحلقات.

واستوقفني الأصل اللغوي لكلمة الصليف وسبب التسمية، فتعد مفردة الصليف من الكلمات التي تدل على المعنى الواضح الذي يوظف الكلمة في مسميات المناطق الجغرافية، وتطابق المعنى مع المكان، فالصليف في اللغة مشتقة من "(صَلَفَ) الصَّادُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَكَزَازَةٍ مِنْ ذَلِكَ الصَّلَفُ، وَهُوَ قِلَّةُ نَزَلِ الطَّعَامِ - أي بركته -........ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ لِلْأَرْضِ الصُّلْبَةِ: صَلْفَاءُ، وَلِلْمَكَانِ الصُّلْبِ: أَصْلَفُ. وَالصَّلِيفُ: عُرْضُ الْعُنُق"، وتذهب المعاجم أن: " ابن عبّاد: الصَّلْفَاءُ صَفَاةٌ قد استوت في الأرض، ويقال: صِلْفَاءةٌ - بوزن حِرْباءةٍ -. وقال الأصمعي: الأصْلَفُ والصَّلْفَاءُ: ما اشتد من الأرض وغلظ وصَلُبَ، والجمع الأصَالِفُ والصَّلافي، قال أوس بن حجر:
وخَبَّ سَفَا قريانه وتوقدت
عليه من الصَّمّانَتَيْنِ الأصالِفُ

والصَّلِيْفُ: عرض العنق؛ وهما صَلِيْفانِ من الجانبين، قال جندل بن المثنى:
ينحط من قنفذ ذِفراه الذَّفِرْ
على صَلِيْفَيْ عنق لأْمِ الفِقَرْ

وقال أبو زيد: الصَّلِيْفانِ رأسا الفقرةِ التي تلي الرأس من شقيهما...والصَّلَفُ - بالتحريك -: قلة نزل الطعام، وإناء صَلِفٌ: إذا كان قليل الأخذ للماء، وسَحابٌ صَلِفٌ: قليل الماء كثير الرعد. وفي المثل: رُبَّ صَلَفٍ تحت الرّاعدة: يُضْرَبُ للرجل يتوعد ثم لا يقوم به.... والصَّلِفُ: الإناء الثقيل الثخين، وطعام صَلِفٌ: مسخ
لا طعم له."، وتقول العرب لكل ما لزم الإنسانَ: "قد لزم عنقه. وهو لازم صَلِيفَ عُنُقه"، فالصليف: جانب العنق، ومنه الحديث [ كَمْ من صَلَفٍ تحت الرَّاعِدَة ] هو مَثَلٌ لمن يُكْثِر قَولَ ما لا يَفْعَل: "أي تَحتَ سحاب تَرْعُدُ ولا تُمْطِر".

يتضح مما سبق أن معنى الصليف يتوافق مع جغرافية منطقة الصليف، فالصليف في اللغة هي: الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ التي لا تنبت ولا تزرع وهو ما يتطابق في الواقع مع منطقة الصليف.

جانبي العنق وشكل منطقة الصليف التي هي شبه جزيرة لها عنق ولسان بحري فـ"تتصل ببلاد الزيدية بواسطة لسان بري في البحر (الصليف) مما جعل الصليف (برمائية)"، بل واعتبرها بعض الكتاب والرحالة جزيرة، ومنهم الرحالة العثماني أوليا جلبي (1020 – 1095هـ / 1611-1682م) والتي ذكرها بأنها "جزيرة صلفه". قليلة الأمطار بل نادرة.

طعام أهالي الصليف ماسخ لا طعم له، وهي من معاني كلمة الصليف، وهي عادة استمرت إلى فترة قريبة وانتهت، وقد ذكرتها بعثة مجلة العربي الكويتية عند زيارتها للصليف في مطلع السبعينات من القرن العشرين الميلادي، فقالت: "ومن الغريب أننا عندما تناولنا الطعام في الصليف وجدناه ماسخاً... لقد تعود أهل الصليف على أكل طعامهم بدون ملح إلى اليوم بينما الملح تحت أقدامهم يعيشون فوقه"، مجلة العربي، العدد 176، يوليو 1973م، سليم زبال، الصليف مدينة تعيش فوق جبل من الملح هل يخفي الملح نفطاً غزيزاً بين طبقاته؟

أعتقد أن هناك أسباباً أخرى لإطلاق تسمية الصليف على هذا النطاق الجغرافي، ومنها أن الصليف مشتقة من الصلفة والتي تطلق على نوع من أنواع السفن وخاصة السفينة الكبيرة كما يقول أبو الحسن علي بن اسماعيل ابن سيده تـ(458هـ) في كتابه (المخصص)، التي كانت تصنع بهذا المكان سابقاً، واشتهرت الصليف بصناعة السفن والصليفة أيضاً أداة من أدوات صناعة السفن كما يذهب الملاح اليمني بدر بن أحمد الكسادي في كتابه (القاموس البحري معجم للمصطلحات البحرية في جنوب الجزيرة العربية)، ويعزز شيخنا الاستاذ حسن صالح شهاب ذلك في موسوعته (المعجم المفصل في مصطلحات الملاحة العربية القديمة والحديثة في المحيط الهندي).

لكن وبما أن التسمية لم تكن معروفة في كتب التاريخ والبلدانيات اليمنية، فالغالب أن التسمية قد تكون وافدة في فترة الهجمات البرتغالية الصليبية على شواطئ البحر الأحمر أو أنها وفدت مع العناصر العثمانية ذات الأصل الاوربي ومشتقة من كلمة ( salifeous ) والتي تعني مالح، ملحي، مملح، حاو ملح وهي كلمة ذات أصل لاتيني يراجع للتوسع :- 
William Humble, DICTIONARY OF GEOLOGY AND MIINERALOGY, Published by HENRY WASHBOURNE – LONDON, 1843, p. 226.
لم يتطرق الكتاب في كتاباتهم إلى أصل التسمية للصليف، غير أن الأب انستاس الكرملي ذكر سبباً لتسمية الصليف بذلك فقال: "ولفظة الصليف مشتقة من الصلفة أو الصلفاء، وهي: الأرض الصلبة أو الغليظة الشديدة لوجود أرض الصليف على هذه الحالة" مجلة المشرق العربي السنة الرابعة العدد 12، وهو ينقل ذلك من ما ورد في (معجم تحليل أسماء الأماكن في البلاد العربية) لعيسى اسكندر معلوف والذي كتب في اواخر القرن التاسع عشر الميلادي
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#يافع في العصر الحديث

1- يافع في فترة الحكم العثماني الأول:

 في فترة الحكم العثماني الأول لليمن(1)، سيَّر العثمانيون سنة (996هـ) جيشًا كبيرًا مجهزًا بالبنادق والمدافع، بقيادة القائد العثماني (سِنان باشا)، للسيطرة على بلاد يافع، وكانت استعدادات الوالي التركي في اليمن (حسن باشا) لإخضاع هذا الإقليم ضخمة للغاية، كما ضمت جيوش (سنان باشا) الكثير من زعماء المنطقة الشمالية أو أبنائهم، ومع كلٍّ منهم الجمع الغفير من أهالي الجبال الشمالية(2)، فصمد اليافعيون أمامه أربع سنوات كاملة(3)، لكنه تمكن من هزيمتهم في النهاية بسبب تفوقه في السلاح، فهو يملك جيشًا نظاميًا مدرَّبًا، وحلفاء من أبناء القبائل الشمالية، يحارب بهم مقاتلين قبليين مسلحين بالسلاح الأبيض التقليدي.. واتخذ حينذاك من قلعة (الخَلَقة) -بفتحتين- في (الحَدِّ) مركزًا لحكم (يافع). وعند عودة القائد (سِنان باشا) من حملته على يافع إلى صنعاء في شعبان سنة (1000هـ/ 1592م) بالغ الوالي العثماني (حسن باشا) في استقباله، وأنعم عليه وعلى قادته وجنوده بالخلع والترقيات الوفيرة(4). ولكن سرعان ما ثارت (يافع) بعد ذلك في سنة (1006هـ)، واستطاع المقاتلون من أبناء القبائل إنهاء الوجود التركي في (يافع) وما حولها في ذلك العام، ولم يعاود الأتراك محاولة إخضاعها بعد ذلك. وقد كان الوالي التركي (أَزْدِمر باشا) يضطر إلى غض النظر عن تمرد إقليم (يافع) لانشغاله في حروبه في شمال اليمن، ولمعرفته بوعورة هذا الإقليم، وبأس رجاله(5).

2- الانتفاضة على الدولة القاسمية الزيدية:

 كانت (يافع) أولى القبائل المنتفضة بين القبائل اليمنية الجنوبية والشرقية، ضد الإمامة القاسمية الزيدية في النصف الثاني من القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر الهجريين؛ حيث دخلها القاسميون سنة (1065هـ) بعد معارك عنيفة، تمهيدًا للاستيلاء على حضرموت وبقية قبائل جنوب اليمن وشرقه، ثم انتفضت يافع في العام التالي (1066هـ)، واستطاع القاسميون إخماد انتفاضتهم، واستمروا في (يافع) إلى أواخر سنة (1092هـ)، عندها ثار أهل (يافع) بقيادة السلطان (معوضة بن محمد بن عفيف)، والسلطان (صالح بن أحمد بن الشيخ علي هرهرة)، على عامل القاسميين في يافع (صلاح بن أحمد مِسْمار)(6)، وحاميته العسكرية في بلدة (مسجد النور). واستطاع أهل (يافع) دحر القاسميين، قال المؤرخ يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم المتوفى في حدود سنة (1100هـ) في كتابه: (بهجة الزمن في تاريخ اليمن)(7)، حاكيًا خبر انتفاضة اليافعيين على الوجود القاسمي في عام (1092هـ): «وأخبر من حضر الوقعة ببلاد يافع أنه لما وقع أولًا مع (مسمار) ما وقع من الاشتجار بينه وبين الشيخ ابن العفيف، وكان قد جار عليهم في مطالبهم مع ما كان سبق معهم، فاستولوا على (مسمار)، وحازوه في بعض تلك الديار، وقتلوا من أصحابه سبعة أنفار، وراح من أهل يافع أكثر بالبنادق من داخل الدار، ثم أنهم عقروا عليه أشجار البن التي كانت معه، وخربوا محاميه ودياره، ونهبوا جميع ما معه من سلاح وغيره، فلما أغار ولد حسين بن حسن بمن معه من العسكر، وكانوا نحو سبعمائة، فأقبلت يافع كالجراد، وقد تعاقدوا على الحملة عليهم إلى البيوت التي سكنوها في مسجد النور، ولا يبالون بالرصاص، ولا بمن قُتل من الناس. قال: فحملوا عليهم إلى البيوت، ودخلوا عليهم من حافاتها، وتماسكوا بالأيدي طعنًا وضربًا، ولم يبالوا بمن قد راح بالبنادق منهم، حملةً عنتريةً، ووقعة عظيمة غضنفريةً! ولم يبقَ إلا البيت الذي فيه ابن حسين بن حسن لا غير، وصاروا تحت أيديهم، وفي قبضتهم، ولم تنفعهم البنادق التي معهم؛ لأنهم لكثرتهم طفحوا على عددهم، ولم يبالوا بمن قتل بها منهم. قال الراوي: وانكشف الحرب والقتل من يافع بالبنادق حال حملتهم قدر خمسين قتيلًا، ومن العسكر [يقصد عسكر الدولة القاسمية] دونهم، هذه صفة الواقع الذي جرى بينهم، ثم خرج ولد حسين برفاقة الشيخ ابن هرهرة... إلى والده وهو بالحلقة [يقصد الخَلَقة] وأخرجوهم من يافع لا يألون على شيء إلا السلامة لمن بقي منهم».

وقد قاد ابن عفيف وابن هرهرة بعد ذلك تحالفًا ضد القاسميين ضم عددًا من السلطنات والمشيخات الجنوبية، واستمرت الحروب بين الجانبين أكثر من أربعين عامًا بين سنتي (1092- 1145هـ)، ثم تلا ذلك استقلال كافة السلطنات والمشيخات في جنوب اليمن وشرقه(8).

3- يافع وحضرموت:

ارتبط اليافعيون بعلاقة ضاربة الجذور في أعماق التاريخ مع حضرموت، واستمرت هجراتهم إليها في فترات تاريخية مختلفة منذ أقدم العصور، قال المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف: «في عهد (سيف بن ذي يزن) وفدت على حضرموت قبيلة (يافع)، واستقرت في المنطقة التي تعرف الآن بمنطقة (القَطْن)»(9). ويحدثنا بعض المؤرخين عن حملة يافعية انطلقت إلى حضرموت لمؤازرة السلطان (بدر بن عبدالله بن جعفر الكثيري) في ذي الحجة سنة (925هـ) عندما سادت المظالم بلاد حضرموت وتحكمت فيها بعض القبائل، وكان قوام تلك الحملة خمسة آلاف مقاتل(10).

وارتبط اليافعيون في
أواخر القرن العاشر الهجري روحيًّا بالشيخ أبي بكر بن سالم مولى بلدة (عِينات)، وبابنه الحسين، وأحفاده، وكثرت زياراتهم إلى هناك؛ التماسًا للبركة كما كانوا يعتقدون في زمن المد الصوفي!.

ومن الأسر اليافعية القديمة في حضرموت: آل الجَدْياني(11)، مشايخ المكلا قبل قدوم الكسادي إليها، وآل الكسادي(12)، الذين أسسوا إمارة لهم في (المكلا) سنة (1115هـ)، واستمرت هذه الإمارة حتى أجلي عنها آخر نقبائها (عمر بن صلاح الكسادي) على يد السلطان (عمر بن عوض القُعَيطي) سنة (1294هـ)(13).

كما قامت في الشحر إمارة (أهل بن بريك الناخبي)(14) سنة (1165هـ)، واستمرت إلى سنة (1283هـ)، وآل أمر الشحر بعد ذلك إلى السلطنة القعيطية.

ومن الأحداث المهمة التي تربط تاريخ يافع بحضرموت: الحملة العسكرية الكبيرة لأهل يافع في سنة (1117هـ) بقيادة السلطان عمر بن صالح بن هرهرة(15)؛ لمساندة السلطان (بدر بن محمد المردوف الكثيري) في قتال القاسميين، والدفاع عن المذهب الشافعي في (حضرموت) التي يكنون لسادتها وشيوخها الود والاحترام، وقد استمرت هذه الحملة سنتين وتكللت بالنجاح.

وعندما دب الضعف إلى جسد السلطنة الكثيرية، أسس اليافعيون مشيخات وإمارات في الأماكن التي نزلوا بها، مثل: أهل غُرامة وأهل همَّام وأهل عبدالقادر في (تَريم)، وأهل الضُّبي في (سَيْئون)، والحضارم في (القَطْن)، وأهل النَّقيب في (تَريس)، والمُوْسَطة في (شِبام)، ولَبْعوس في (تَريم) و(غَيل باوزير)، وأهل يَزيد في (الهَجَرين)، وأهل علي جابر في (خَشَامِر)، وأهل البطاطي في (القِزَة)، والشَّناظِير في (غَيل بن يمين)، والنشَّادي في (عرق)، وأهل بن ناجي في (شَكْلِنْزَة)، والسَّبعة المَكاتب ثم أهل بن بريك في (الشِّحر) وغيرهم...

والحدث الأكبر والأبرز في تاريخ قبيلة (يافع) بـ(حضرموت) هو قيام السلطنة (القُعَيْطية)، التي أسسها الجِمِعْدار (عمر بن عوض القعيطي) سنة 1264هـ في (القَطْن)، وتوسعت حتى شملت معظم أراضي حضرموت، وشهدت البلاد في عهدها نهضة رائدة في جميع مجالات الحياة، وكانت نموذجًا للدولة الحديثة، وسبقت بذلك جميع أجزاء الجزيرة العربية الأخرى التي جاءت نهضتها متأخرة بعد ذلك، ما عدا بعض الأجزاء التي كانت تحت الحكم البريطاني مثل مستعمرة عدن(16).

4- يافع وسلطنة لحج وعدن:

   عندما اجتاح القاسميون مدينة (عَدَن) ومخلاف (لَحْج) وقلعة (خَنْفَر) وأخذوها من أميرها الشيخ (حسين بن عبدالقادر السليماني)(17)، سنة (1054هـ) في بداية عهد الإمام المتوكل إسماعيل بن الإمام القاسم لجأ ذلك الأمير إلى بلاد (يافع)، لقرابته منهم، وأخذ قائد الجيش القاسمي (أحمد بن الحسن بن الإمام القاسم) كنوز الأمير وأمواله ظلمًا؛ متذرعًا بقصة التاجر (الممباسي) الذي ترك أمواله عند الأمير (حسين) فاستولى عليها!.

واستمرت سيطرة الدولة القاسمية على (عَدَن) و(لَحْج) حتى كان جلاؤهم سنة (1145هـ)، وفي هذا التاريخ قامت في لحج سلطنة (آل العَبْدلي السَّلَّامي)(18)، وقد كانت لهم قبل هذا التاريخ مشيخة عريقة على (لحج) تعود إلى عهد الحملة العثمانية في القرن العاشر الهجري، وقد تحالف شيخ (لحج) (فضل بن علي العبدلي السَّلَّامي) -قبل أن يعلن نفسه سلطانًا- مع سلطان يافع بني قاسد (سيف بن قحطان العفيفي) في معركة استعادة (عدن)، وقام اليافعيون بأعباء هذه المهمة كاملة، وكانت عدن في تلك المرحلة تجبى عشورها إلى (القارة) في يافع مناصفة مع سلطان لحج العبدلي(19).

5- انتساب آل ابن عَفْرار سلاطين المَهْرة إلى يافع:

ورد في مخطوط(20) عُثر عليه في جزيرة سقطرى هذا النص في تاريخ أسرة أهل عَفْرار سلاطين بلاد (المهرة) الواقعة بين (حضرموت) و(ظفار)، نورده للفائدة رغم ركاكة التعبير فيه، يقول: «... أول استيلاء سلاطين (آل عَفْرار) وملكهم أرض (المهري) أن ثلاثة أنفار خرجوا من (حضرموت) أحدهم اسمه (عَفْرار) والعفيفي لقبه، فهو ينسب إلى (عَفيف اليافعي) بالجد؛ ولذلك قال شاعرهم: (نحن ويافع على أب وجد)، وكلاهما ينسب إلى (قَحْطان الحِمْيَري) الكبرى والصغرى، فالكبرى ينتهي إليها المهري، والصغرى آل يافع.

والثاني من الذين خرجوا من حضرموت: (عَرْشي)، والثالث: (عَكْشُوت). وقيل: معهم شيخ جوهري، أنه لم يزل عَفْرار من بين القوم يخدم الشيخ ومعتنيًا به جدًا، وما زال الشيخ يدعو له من بين القوم ويقربه ويعظّمه حتى أنه عند الفراق دعا للكل بدعوات، ودعا لعفرار بالمملكة والسلطنة والنصر على الأعداء. وقد حقق الله ذلك. ثم إنه دخل أرض (المهري) واستولى عليها، وملك زعامة (المهري) شرقها وغربها وسهلها ووعرها».

**

(1) دخلت اليمن تحت الحكم العثماني المباشر في فترتين تاريخيتين، الأولى: من سنة (945هـ/ 1538م) إلى سنة (1045هـ/ 1635م)، وتعرف بـ(العهد العثماني الأول)، وقد انتهت بسيطرة الدولة القاسمية الزيدية على اليمن، وطرد الأتراك. الثانية: من سنة (1265هـ/ 1849م) إلى سنة (1336هـ/ 1918م)، وتعرف بـ(العهد العثماني الثاني)، وفيها سيطر العثمانيون على الجز
فحات من التاريخ الحضرمي) لباوزير؛ (في سبيل الحكم) لبامَطْرَف؛ (يافع في أدوار التاريخ) للناخبي؛ (تأملات عن تاريخ حضرموت) للسلطان غالب القُعَيْطي؛ (إثبات ما ليس مثبوت) للبَطَاطي؛ والجزء الموسوم بـ(يافع في حضرموت) من هذه الموسوعة.

(17) تاريخ اليمن المسمى (تاريخ طُبق الحلوى وصحائف المن والسلوى)، ص106- 107؛ محاولة توحيد اليمن بعد خروج العثمانيين الأول، ص71- 74. 

(18) أهل العَبْدَلي (العبادل): هم سلاطين (لحج) و(عدن) في الفترة من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر الهجري، أسس السلطنة الشيخ فضل بن علي بن فضل العَبْدلي السَّلَّامي سنة 1145هـ بالتحالف مع سلطان يافع سيف بن قحطان العفيفي، وقد انحسرت عنهم مشيخة عدن بعد الاحتلال البريطاني عام (1254هـ/ 1839م)، وهم ينتسبون إلى قبيلة (السَّلَّامي) الكلدية اليافعية، وقد كان نزوحهم من يافع قبل القرن العاشر الهجري، وقد استقرت السلطنة في بيت (أهل محسن) منهم، حتى سقطت سنة (1387هـ/ 1967م). ويقرأ للاستزادة: هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن، للأمير أحمد فضل العبدلي؛ والعبادل سلاطين لحج، للمؤرخ حسن صالح شهاب.

(19) هدية الزمن، ص124- 131؛ تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية، ص167- 170.

(20) حصل على هذه المخطوطة السيد (محمد مهدي فدعق) من وزارة الزراعة والأسماك -آنذاك-(قسم التعاون والتسويق) حين ذهب وفد حكومي استطلاعي من (عدن) إلى جزيرة (سقطرى) في 19 ديسمبر 1967م، واستطاع المذكور الحصول على مخطوطة تشرح قصة عجيبة تصف قيام سلطنة (آل عفرار) المهرية في (المهرة) و(سقطرى). ومما يؤسف له أن اسم كاتب المخطوطة لم يكن مذكورًا إلا إن البروفيسور (آر. ب. سارجنت) المستشرق البريطاني المعروف، الذي حصل على القصة نفسها في مدينة (المكلا) الحضرمية علم بأن راويها كان رجلًا يسمى (سميل) من قبيلة (بيت سُمَيْدع) المهرية الصحراوية، وكان قد سمعها من سادة مدينة (الغَيْضة) المهرية، ورواها أيضًا تاجر من أهل (قَشَن) اسمه (ابن عَمْرون). وقد أورد المؤرخ (حمزة علي لقمان) هذه القصة عينها بالنص نفسه في كتابه (معارك حاسمة في تاريخ اليمن)، ص150- 151.
ء الشمالي من (اليمن)، أما الجنوب فقد كان تحت حكم الاحتلال البريطاني، وقد انتهت هذه المرحلة بهزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب (ألمانيا)، وورثها الإمام المتوكل يحيى بن محمد حميد الدين. اليمن عبر التاريخ، ص255- 266.

(2) الفتح العثماني الأول لليمن، ص351.

(3) من المعارك الشهيرة التي خاضها أهل يافع ضد الأتراك حينها معركة في بلدة (الوَعْرة) في (الضالع)، وقد حفظتها الذاكرة الجماعية، وتناقلتها الأجيال، ولم يدوَّن خبرها في كتب التاريخ فيما نعلم. وقد نبه عليها الأستاذ محمد صالح المصلي في كتابه (الضائع من تاريخ يافع)، ص232.

(4) الفتح العثماني الأول لليمن، ص350-351؛ وهو هنا ينقل عن مخطوطة (روح الروح) للمؤرخ عيسى بن لطف الله (ت 1048هـ)، وعن مخطوطة (الفتوحات المرادية في الجهات اليمانية) للمؤرخ عبدالله بن صلاح الدين ابن داعر (ت 1007هـ).

(5) الفتح العثماني الأول لليمن، ص(351)؛ محاولة توحيد اليمن بعد خروج العثمانيين الأول، ص(20- 21).

(6) هو صلاح بن أحمد بن مسمار الأَهنومي البكيلي الهمداني، وقيل: العَنْسي العباصيري، وبعض كتب التاريخ الزيدي تذكره اختصارًا باسم (مسمار الأهنومي)، ويروي أهل يافع اسمه بهذا الاختصار، فيقولون: في عهد دولة (مسمار)!. وقد اتفقت المصادر التي ترجمت له على أنه فقيه زيدي هادوي. ولَّاه الحسين بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد -والي رداع ونواحيها- على يافع في حدود سنة (1075هـ) في عهد الإمام المتوكل إسماعيل بن الإمام القاسم بن محمد، واتخذ مقرًا له في قرية (مسجد النور) بمكتب الموسطة في يافع بني مالك، وفي (القارة) في يافع بني قاسد، وتزوج امرأة من يافع. وقد طُرد من يافع سنة (1092هـ)، وتوفي بعد سنة (1100هـ)، وقيل في سنة (1096هـ). ينظر: بهجة الزمن في تاريخ اليمن، ص(1171)؛ بغية المريد وأُنس الفريد، ص(447-452)؛ الأوضاع السياسية في اليمن في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري، وهو دراسة لتحقيق (بهجة الزمن) ليحيى بن الحسين، لأمة الغفور عبدالرحمن الأمير (ص186-187)؛ اليمن في ظل حكم الإمام المهدي، ص(150، 153).

(7) ص(1162) –مطبوع ضمن كتاب: الأوضاع السياسية في اليمن في القرن الحادي عشر الهجري-. وما كتبه هذا المؤرخ هو المصدر المعاصر الوحيد الذي ينقل تفاصيل المعركة، ورغم انتسابه إلى بيت الإمامة، فقد نقل بطولات أهل يافع، وسبب ذلك أنه كان على خلاف مع عمه المتوكل إسماعيل، ومع أولاد عمه الحسين بن الحسن وأحمد بن الحسن، مما جعله منصفًا أكثر من غيره للحركات الثورية ضد نظام الإمامة القاسمية الزيدية.

(8) للتوسع ينظر في مصادر تلك المرحلة مثل كتابات الجرموزي، ويحيى بن الحسين، وابن عامر، وحسام الدين أبي طالب، وابن الوزير، وغيرهم، مع التنبه إلى روح العصبية المذهبية التي طغت على المؤرخين الزيديين، فحاولوا كثيرًا كتابة تاريخ تلك المرحلة مع ما يتوافق مع عواطفهم المذهبية، وتوجهاتهم السياسية. ومن الدراسات المعاصرة التي تخصصت في دراسة تلك المرحلة: الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم ودوره في توحيد اليمن، للدكتورة سلوى الغالبي؛ ومحاولة توحيد اليمن بعد خروج العثمانيين الأول، للدكتور محمود السالمي؛ واليمن في ظل حكم الإمام المهدي للشهاري، وغيرها.

(9) الشهداء السبعة، ص26.

(10) تاريخ حضرموت السياسي 1/ 96- 97، ولكن بافقيه الشحري في كتابه (تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر)، ص149- 150، وسالم الكندي في كتابه (تاريخ حضرموت)، ص163؛ يجعلان حملة بدر بن عبدالله بن طويرق الكثيري سنة 926هـ، ويذكران أن قوامها من الترك، وقد ذكر السلطان غالب بن عوض القعيطي في كتابه (تأملات عن تاريخ حضرموت)، ص53- 54، كلام البكري وتخطئة بعض الناس له، وأن أول حملة عسكرية يافعية هي حملة السلطان بدر المردوف سنة 1117هـ، لكنه دلل على وجود يافع في حضرموت منذ فترة مبكرة.

(11) حضرموت: فصول في الدول والأعلام والقبائل والأنساب، ص68.

(12) تعود أصول قبيلة (الكسادي) إلى جبل (نَصْباء كَسَاد) ووادي (شَيْوَحَة) -بفتحتين بينهما سكون- وهما موضعان متجاوران في مكتب الناخبي، وما زالت القبيلة باقية في موضعها إلى اليوم وهي من أكبر قبائل مكتب الناخبي.

(13) تاريخ حضرموت السياسي 1/117، 144؛ صفحات من التاريخ الحضرمي، ص223-231؛حضرموت: فصول في الدول والأعلام والقبائل والأنساب، ص69-76؛ وللتوسع ينظر: الإمارة الكسادية في حضرموت، للباحث: سامي ناصر مرجان، وهذا الكتاب هو أوسع دراسة كتبت عن هذه الإمارة.

(14) للتوسع ينظر: (إمارة آل بن بريك في الشحر) للباحث: خالد حسن الجوهي وهذا الكتاب هو أوسع دراسة كتبت عن هذه الإمارة.

(15) ورد ذكر هذه الحملة تفصيلًا في الجزء الثاني من مخطوط (بضائع التابوت) لابن عبيدالله السقاف، وسأشير إلى هذه الحملة لاحقًا في هذا المدخل عند الكلام عن سلاطين آل هرهرة.

(16) للتوسع في تاريخ يافع بحضرموت ينظر: (تاريخ حضرموت السياسي) و(في جنوب الجزيرة العربية) للبكري؛ (ص
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#يافع ودولة مسمار الاهنومي

صلاح بن مسمار: عامل الدولة القاسمية في يافع.

أحببت هنا أن أطرح بين يديك أخي القارئ بعض المعلومات المتناثرة عن عامل الدولة القاسمية في يافع صلاح بن مسمار* وقد رأيت وضع الموضوع في منتدى الأعلام لأنه أليق بالموضوع* وإن لم يكن ابن مسمار يافعياً* ولكنه يشغل حيزاً مهماً من التاريخ اليافعي أثناء صراعهم مع الدولة القاسمية.

تمهيد تعريفي بالعامل صلاح بن مسمار

اسمه: هو صلاح بن أحمد بن مسمار الأَهنومي البكيلي الهمداني. وهو مشهور في كتب التاريخ باسم (مسمار الأهنومي) من باب الاختصار* ويروي أهل يافع اسمه بهذا الاختصار فيقولون: في عهد دولة مسمار!.
بلده: ينسب إلى بلد (الأهنوم) شمال غرب صنعاء* وهي معدودة اليوم من بلاد قبيلة (بكيل) الهمدانية. [مجموع بلدان اليمن وقبائلها ص95].
مذهبه: أجمعت المصادر التي ترجمت له على أنه زيدي هادوي.
عمله: ولاه الأمير الحسين بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد (والي رداع ونواحيها) على يافع في حدود سنة 1075هـ* في عهد الإمام (المتوكل إسماعيل بن الإمام القاسم بن محمد) واتخذ مقراً له في موضعين من يافع* أحدهما: قلعة (القارة) في يافع بني قاسد* والآخر: قرية (مسجد النور) من مكتب الموسطة في يافع بني مالك.

سيرته:
ملاحظة: العبارات الواقعة بين قوسين معقوفين [ ] داخل النصوص المنقولة إنما هي توضيح مني.
المطلب الأول: توليه على يافع وطرده منها.

أجمعت المصادر التي أشارت إليه على أنه تعدى على أهل يافع وجار عليهم وأرهقهم بالضرائب التي فرضها عليهم خلال حكم الإمام (المتوكل إسماعيل) ومَن بعده* من غير الزكاة والفطرة* [بهجة الزمن في تاريخ اليمن للمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم ج3/ص1171] مثل: مطلبة التبن* ومطلبة الرباح* ومطلبة البارود والرصاص* ومطلبة سفرة الوالي* وومطلبة دار الضرب* ومطلبة ضيفة العيد* وغيرها... [اليمن في ظل حكم الإمام المهدي للشهاري ص150].
قال المؤرخ يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم المتوفى في حدود سنة (1100هـ) في كتابه (بهجة الزمن ج3 ص1162): " وأخبر من حضر الوقعة ببلاد يافع أنه لما وقع أولاً مع مسمار ما وقع من الاشتجار بينه وبين الشيخ ابن العفيف * وكان قد جار عليهم في مطالبهم مع ما كان سبق معهم* فاستولوا على مسمار* وحازوه في بعض تلك الديار* وقتلوا من أصحابه سبعة أنفار* وراح من أهل يافع أكثر بالبنادق من داخل الدار* ثم أنهم عقروا عليه أشجار البن التي كانت معه* وخربوا محاميه ودياره* ونهبوا جميع ما معه من سلاح وغيره. فلما أغار ولد حسين بن حسن بمن معه من العسكر وكانوا نحو سبعمائة أقبلت يافع كالجراد* وقد تعاقدوا على الحملة عليهم إلى البيوت التي سكنوها في مسجد النور* ولا يبالوا بالرصاص* ولا بمن قتل من الناس.
قال: فحملوا عليهم إلى البيوت* ودخلوا عليهم من حافاتها* وتماسكوا بالأيدي طعناً وضرباً* ولم يبالوا بمن قد راح بالبنادق منهم* حملةً عنتريةً* ووقعة عظيمة غضنفريةً!* ولم يبق إلا البيت الذي فيه ابن حسين بن حسن لا غير* وصاروا تحت أيديهم* وفي قبضتهم* ولم تنفعهم البنادق التي معهم* لأنهم لكثرتهم طفحوا على عددهم* ولم يبالوا بمن قتل بها منهم.
قال الراوي: وانكشف الحرب والقتل من يافع بالبنادق حال حملتهم قدر خمسين قتيلاً * من العسكر دونهم* هذا صفة الواقع الذي جرى بينهم. ثم خرج ولد حسين برفاقة الشيخ ابن هرهرة ... إلى والده وهو بالحلقة [يقصد الخلقة] وأخرجوهم من يافع لا يألون على شيء إلا السلامة لمن بقي منهم." أ.هـ
ويعلل خروج يافع على آل القاسم في موضع آخر (ج3 ص1226) بقوله: " وهذا الحرب وقع على غير قياس من أصله* لأن يافعاً كان مطلبهم رفع المظالم ورفع واليهم الأول [يقصد مسمار الأهنومي]* فلم يجابوا إلى ذلك أصلاً* فعلى رأي الهادوية أنه إذا لم ينصف ولي الأمر جاز الخروج عليه* فقد وافقوا قولهم وإن لم يوافقوا مذهبهم أنفسهم* لأنهم شافعية * والشافعية لا يجيزون الخروج على الجائر* مع أن المؤيد لا يرضى بالجور* لكنه ما له أثر في ولاته أصلاً... "
قلت: كتاب (بهجة الزمن) هو أهم مصادر تاريخ هذه الحقبة لأن كاتبها من أسرة آل القاسم * ولأنه عاصر الأحداث والأشخاص بنفسه* وكل من جاء بعده إنما ينقل عنه.
ومن باب التوضيح لما ورد في كلام ابن القاسم سأورد هنا خلاصات أبحاث حديثة تطرقت إلى هذا الموضوع:
1) جاء في رسالة (الأوضاع السياسية في اليمن في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري) وهو مقدمة تحقيق (بهجة الزمن) ليحيى بن الحسين للدكتورة: أمة الغفور عبد الرحمن الأمير ج1ص186ـ187 ما يلي: " كانت يافع قد استاءت كثيراً من صلاح بن مسمار الذي عينه الحسين بن الحسن بن القاسم عاملاً لتلك المنطقة فاضطر بعض مشايخها أن يكتبوا للإمام المؤيد يشرحون له سوء معاملة العامل صلاح بن مسمار وجوره في فرض الضرائب المختلفة على بلادهم* وأنهم لن يصبروا على ذلك الظلم. وطلبوا منه عزله وعزل حسين بن الحسن صاحب رداع* الذي كانت يافع تابعة لولايته " إلى أن قالت: " و
صَّاص واليافعي يد واحدة على الزيدي. وكان يافع قد اكتسبوا في هذه السنة من البنادق زيادة إلى ما معهم كثيراً* حتى من مدينة صنعاء وغيرها ما زالوا يشترونها* ويتعاقدون أنهم يحفظون بلادهم..." إلى قوله: " وفي يوم الخميس رابع وعشرين شهر رجب خرج من (ضوران) إلى (معبر) وهو متردد يقدم رجلاً إلى الجهات الشرقية ويؤخر أخرى* وبني عمه في طرفي نقيض* والناس أقرب إلى الملل من دخول المشرق. " ثم يذكر المؤرخ ابن القاسم ورود كتاب من ابن عفيف إلى الإمام المؤيد يبرر فيه زواجه من زوجة مسمار وأنه على الشرع* وأن مسماراً طلق زوجته بعد هروبه من يافع* وأرسل ابن عفيف إلى المؤيد بكتاب مسمار إلى زوجته بطلاقها* قال في بهجة الزمن ج3 ص1267: " وجاء جواب ابن العفيف صاحب يافع إلى المؤيد يذكر من جهة زوجة مسمار: بأنه صدر إليكم كتاب مسمار بطلاقها يطلعون عليه* ليعلموا أن النكاح [يعني: زواج معوضة بن عفيف بها] إنما كان بعد ذلك* فأطلعه [أي: كتاب تطليق مسمار لزوجته] المؤيد على جماعة ممن يعرف خطه فقالوا: نعم هذا خطه [أي: خط مسمار الأهنومي]* وبعضهم توقف فيه* والله أعلم!."
ولم يقتنع المؤيد بهذا العذر من ابن عفيف* فقرر أن يدخل المشرق بعد موسم الصراب (الحصاد)* قال يحيى بن الحسين في بهجة الزمن (ج3/ص1269): " والمؤيد أعد لدخول المشرق بعد الصراب* وتكون الطرق من أبين ولحج محمد بن أحمد صاحب المنصورة* ومن قعطبة علي بن المتوكل* ومن جُبَن ومن الزهراء [يقصد : الزاهر] هذا ما تكاتبوا به وتواعدوا... " إلى قوله: "وفي نصف شعبان وصل المؤيد جواب من ابن العفيف اليافعي في الكتاب الآخر الذي كتبه إليه* وفيه [أي: كتاب المؤيد إلى العفيفي] التوعد بالدخول* وفيه أن مسمار أنكر الطلاق وحلف عليه* وذكر القصد إلى بلاده. فأجاب [أي: العفيفي] أما ما نقمتم من النكاح لزوجة مسمار فذلك حلال بعدما رفع إليكم من كتبه بالطلاق ونحوه* وأما قصدكم فالأمر فيه كما قال تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم* وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}* فإن تكن الهزيمة فيكم كانت إلى ضوران [عاصمة الإمام المؤيد ببلاد آنس]* وإن تكن فيه [لعله: فينا] تكن إلى حضرموت.".
وقد قرر الإمام الخروج لغزو يافع* وعند ذلك جاءه خبر تمرد حصل في الحجرية فألغى الحملة على يافع لهذا السبب.


وآخر ذكر لصلاح بن مسمار ورد في الوثيقة التي أوردها صلاح البكري في كتابه (في شرق اليمن يافع ص90ـ91) مؤرخة سنة (1100هـ) وفيها تولية من والي رداع الذي لقب نفسه (الإمام المستعلي الحسين بن الحسن بن الإمام القاسم) للسلطان صلاح الفضلي على ما بيده من بلاد أبين* وقد كتب تلك الوثيقة (صلاح بن مسمار)* ويظهر أن الوثيقة كتبت في رداع أو في موضع آخر خارج يافع* لأن صلاح بن مسمار كان قد خرج من يافع قبل هذا التاريخ بسنوات كما أسلفنا* ولأن بلاد أبين كانت من جملة أعمال والي رداع* وقد بقيت تحت سيطرة آل القاسم إلى ما بعد سنة 1114هـ.
ولم أجد بعد ذلك ذكراً لابن مسمار* والله تعالى أعلم.
مهما كانت الأسباب فقد قام الشيخ معوضة بن عفيف بالهجوم على مقر عامل الدولة وطرده منها ورفض الانصياع لأوامر الدولة. ولما علم الحسين بن الحسن الذي كان يدير تلك المناطق من مركز ولايته في رداع * كتب إلى الحسين بن أحمد بن الحسن بأنه يريد المساعدة بسبب تمرد يافع * وطرد عامله منها* وكان الإمام المؤيد في (السودة) وكان يعلم بأن السبب في تمرد يافع هو الظلم والجور الذي وقع عليهم من قبل العمال الذين كان يرسلهم الحسين* وكذلك من الحسين نفسه* لذلك نجده يرفض إرسال النجدة أو المساعدة للحسين* وقال: لا بد أولاً أن يراسل يافع ليعلم منها ما سبب تمردهم ويحاول إرضاءهم وتهدئة الوضع ". إلى أن قالت: " ... غير أن يافع كانت قد ثارت ضد العامل مسمار الأهنومي* وكذلك ضد أحد أبناء الحسين بن الحسن* الذي الذي كان والده قد أرسله على رأس حملة عسكرية لمحاربتهم* فحاصروه* وكان الحسين بن الحسن يحاول إرسال النجدات إلى يافع الواحدة تلو الأخرى* لإعادتها تحت سيطرته* لكن دون جدوى* فقد حدثت حروب بين الطرفين كانت الغلبة فيها دائماً ليافع* على الرغم من أنه كان يقتل منهم الكثير* لكنهم هذه المرة كانوا مصرين على التخلص من سيطرة الدولة القاسمية عليهم * وعلى حد تعبير يحيى بن الحسين: (( ولما أغار ولد حسين بن الحسن بمن معه من العسكر* وكانوا نحو سبعمائة* أقبلت يافع كالجراد* وقد تعاقدوا على الحملة عليهم إلى البيوت التي سكنوها في مسجد النور* ولا يبالوا بالرصاص* ولا بمن قتل من الناس)) وقتل من يافع حوالي خمسين لكنهم لم يبالوا بذلك ((وأخرجوهم من يافع لا يألون على شيء إلا السلامة لمن بقي منهم))".
2) وجاء في رسالة (اليمن في ظل حكم الإمام المهدي المعروف بصاحب المواهب) للباحث: محمد علي الشهاري ص153 ما يلي: " وفي منتصف شهر رمضان من نفس العام [يقصد عام 1092هـ] انفجرت ثورة المشرق بقيادة ابن العفيف والعولقي والهيثمي تعبيراً عن سخطهم فأعلنوا استقلالهم* وشنوا الحرب على حاكمهم صلاح مسمار الأهنومي* وتمكنوا من هزيمته* في معركة ضارية قتل خلالها الكثير من أصحابه* فانسحب مضطراً من مدينة ( القارة) ـ مقر إقامته ـ إلى مدينة مسجد النور للتحصن بها. ولما علم الحسين بن الحسن بذلك أرسل حملة بقيادة ولده إسماعيل لإنقاذ الموقف* لكن القبائل تمكنت من ضرب الحصار على الجميع في مسجد النور* ثم تقدم الحسين بن الحسن إلى الخلقة محاولاً رفع الحصار عنهم فلم يوفق* ثم استنجد بالإمام المؤيد والأمراء* غير أنهم تثاقلوا في النجدة* ولما طال الحصار وبان عجز الحسين في إنقاذهم لكثرة القبائل المحيطة بهم* اضطر إلى مساومة الشيخ صالح بن هرهرة ـ الذي كان مرابطاً عنده ـ على إخراجهم مقابل ترك بلادهم ورفع يد الحسين منها* وعلى ذلك تم رفع الحصار وخرجوا إلى الخلقة يرافقهم الشيخ بن هرهرة خوفاً من هجوم القبائل عليهم."

المطلب الثاني: الآثار العمرانية لصلاح بن مسمار في يافع.•
يتناقل أهل يافع جيلاً بعد جيل أن صلاح بن مسمار كان له دور في تجديد طرق العقبات (النقول) ورصفها بالحجارة* وحفر خزانات المياه (المآجل) الكبيرة* وقد أشار المؤرخ صلاح البكري إلى ذلك في كتابه (في شرق اليمن يافع ص81) بقوله: " ولعل آخر نائب أو حاكم هو صلاح بن أحمد مسمار* وهو الذي أصلح الطرق ومهد العِقاب* حتى جعلها صالحة لسير الدواب والمشاة* وأهم هذه العقاب: نقيل بني بكر وذبوب وقوزلي وشرعة. والحسين بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد هو الذي أنشأ مسجد النور سنة 1081هـ ولا تزال الدار التي كانت تصدر منها الأحكام والأوامر قائمة في مسجد النور حتى اليوم." أ.هـ.
قلتُ: لي ملاحظتان على كلام الأستاذ البكري ـ رحمه الله ـ:
الأولى: أن لدى أهل عز الدين البكري وثيقة تفيد أن نقيل بني بكر بناه (عامر بن عُمير الحَرشة) سنة (63هـ)* كما أفاد بذلك القاضي عبد الله بن محمد الأشطل بن عز الدين* وقد أفادني ولده عز الدين أنه يحتمل كون التاريخ (63) بعد الألف للهجرة* لأنهم جرت عادتهم حذف الألف كثيراً عند تدوين التاريخ. ومع ذلك يحتمل أن مسماراً الأهنومي جدد هذا النقيل!.
الثانية: أن بناء مسجد النور كان سنة (1084هـ) حسب لوحة خشبية كانت موجودة في سقف المسجد (حسب ما روى لي بعض كبار السن من أهل مسجد النور)* وقد أزيلت اللوحة حالياً وضاعت للأسف!.
المطلب الثالث: حادثة زواج ابن العفيف بمطلقة صلاح بن مسمار وآثارها:•

كانت للعامل صلاح بن مسمار زوجة يافعية تركها في يافع عند انسحابه* وقد أورد يحيى بن الحسين في أحداث سنة 1095هـ أن هذه الزوجة كانت سبباً لحملة عسكرية على يافع قادها الإمام محمد المؤيد بنفسه. قال المؤرخ يحيى بن الحسين في (هدية الزمن ج3 ص1266 ): " وفي شهر رجب [يعني سنة 1095هـ] كتب مسمار أن زوجته التي كانت ببلاد يافع تزوجها ابن العفيف وهي زوجته!* فتحمل المؤيد وقال: هذا منكر يجب النهي عنه * وكتب في الحال إلى الأمراء وبني عمه بأنه يجب الارتحال إلى يافع لإزالة هذا* فبلغ [أي: الخبر] يافع* فصاحوا في أسواقهم أن الر