عبدالجبار الرفاعي
3.77K subscribers
618 photos
51 videos
270 files
1.09K links
مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضۚ
Download Telegram
فلسفة تجديد الفكر الديني عند عبد الجبار الرفاعي تقوم على إعادة بناء فهم الدين استنادًا إلى رؤية حديثة تستلهم مكاسب الفلسفة والعلوم الإنسانية، مع الحفاظ على البعد الروحي والأخلاقي للدين. في رؤيته، التجديد لا يعني هدم التراث أو القطيعة معه، بل تحريره من الجمود وإعادة تأويله بما يتناسب مع متغيرات العصر، من دون أن يفقد جوهره الوجودي والمعنوي.

ملامح فلسفة التجديد عند الرفاعي
1. الدين بوصفه حياة في أفق المعنى
يرى الرفاعي أن الدين ليس مجرد منظومة عقائدية أو طقوسية، بل هو حاجة وجودية للإنسان تمنحه معنى روحياً وأخلاقياً وجمالياً في حياته الفردية والمجتمعية.
2. التمييز بين الدين والتدين
يفرق الرفاعي بين الدين في جوهره المتعالي والتدين بوصفه فهمًا بشريًا متغيرًا، حيث يرى أن التدين يتأثر بالسياقات التاريخية والاجتماعية، وبالتالي فهو بحاجة مستمرة إلى مراجعة وتجديد.
3. نقد القراءة الأداتية للدين
يرفض توظيف الدين كأداة في السياسة أو الإيديولوجيا، معتبراً أن هذا الاستخدام يشوّه جوهر الدين ويختزله في بُعد نفعي، في حين أن الدين في جوهره يتعلق بمعنى الحياة والبعد الروحي والأخلاقي للوجود.
4. إعادة بناء علم الكلام والفكر الديني
يدعو إلى تطوير “علم كلام جديد” يواكب تطورات الفلسفة والعلوم الحديثة، بعيدًا عن المقولات الجدلية التقليدية التي لم تعد تلبي أسئلة العصر.
5. التعددية الدينية والانفتاح على الآخر
يؤمن بضرورة الاعتراف بالتنوع الديني والتعددية في الفهم، ويرى أن الإيمان لا يتنافى مع قبول الآخر المختلف، بل إن الدين في جوهره يحمل قيم التسامح والانفتاح.
6. الروحانية العميقة مقابل التدين الاستهلاكي
يدعو إلى استعادة الروحانية العميقة في التدين، بدلاً من النزعة الاستهلاكية للدين التي تركز على المظاهر والشكليات، ويؤكد أن التجربة الروحية الحقيقية هي التي تمنح الإنسان الطمأنينة والمعنى.

أهمية مشروع الرفاعي في تجديد الفكر الديني:
مشروع عبد الجبار الرفاعي في تجديد الفكر الديني يمثل محاولة للخروج من المأزق الذي تعانيه المجتمعات الإسلامية بين الجمود والانغلاق من جهة، والتفكك والانفصال عن التراث من جهة أخرى. وهو بذلك يسعى إلى تأسيس رؤية دينية حديثة تستوعب التحولات الفكرية والاجتماعية، دون أن تفقد صلتها بالبعد الروحي والأخلاقي العميق للدين.

عبد الجبار الرفاعي يولي أهمية كبيرة للرؤية الجمالية في الدين، حيث يرى أن الدين ليس مجرد منظومة عقائدية أو مجموعة أحكام فقهية، بل هو تجربة روحية وجمالية تمنح الإنسان إحساسًا بالسمو والمعنى في الحياة. في رؤيته، الجمال متجذر في الدين، سواء في النصوص المقدسة، أو في الطقوس، أو في البعد الأخلاقي والسلوكي الذي يعكس قيم الرحمة والمحبة والتسامح.
ملامح الرؤية الجمالية في الدين عند الرفاعي
1. الدين بوصفه تجربة روحية وجمالية
      •   يرى أن الدين يمنح الإنسان إحساسًا بالجمال من خلال علاقته بالوجود، إذ يحفّزه على التأمل في الكون بوصفه تجليًا للجمال الإلهي.
      •   يؤكد أن الشعائر الدينية ليست مجرد تكاليف، بل تحمل في طياتها بعدًا جماليًا وروحيًا يغذي وجدان الإنسان.
2. الجمال في الخطاب الديني
      •   ينتقد الخطابات الدينية التي تركز على الترهيب والوعيد، لأنها تفرّغ الدين من بعده الجمالي والإنساني.
      •   يؤكد أن الخطاب الديني الأصيل يجب أن يكون محمّلًا بالقيم الجمالية التي تجذب الإنسان إلى الدين عبر الحب لا الخوف.
3. التجربة الجمالية في التصوف
      •   يعتبر أن التصوف الإسلامي يمثل أحد أعمق تجليات الرؤية الجمالية في الدين، حيث يركز على الذوق الروحي والحب الإلهي.
      •   يرى أن كبار المتصوفة عبّروا عن هذه الجمالية من خلال الشعر والفن والموسيقى والتجربة الروحية العميقة.
4. الفن والدين: علاقة تكاملية
      •   يرفض النظرة المتشددة التي تحرم الفنون، ويرى أن الفنون الراقية تعبر عن عمق التجربة الدينية والجمالية.
      •   يدعو إلى استعادة الحس الجمالي في التعبير الديني، سواء في العمارة الإسلامية، أو الخط العربي، أو الموسيقى الروحانية.
5. الأخلاق بوصفها جمالًا معنويًا
      •   يؤكد أن الأخلاق ليست مجرد التزام سلوكي، بل هي تعبير عن الجمال في التعامل مع الآخرين، حيث تتجلى في الرحمة والتسامح والعطاء.
      •   يربط بين الجمال والأخلاق، معتبرًا أن الشخص الأخلاقي يعكس جمالًا داخليًا يتجلى في أفعاله وسلوكه.

الدين والجمال: استعادة البعد الروحي العميق
من خلال هذه الرؤية، يسعى الرفاعي إلى استعادة البعد الجمالي العميق في الدين، بعيدًا عن التصورات الصارمة التي اختزلته في مجموعة من القوانين الجامدة. فهو يرى أن الدين الحقيقي هو ذلك الذي يبعث في الإنسان الإحساس بالجمال، سواء في علاقته بالخالق، أو بالطبيعة، أو بالآخرين، أو حتى في رؤيته للحياة والوجود ككل.
عبد الجبار الرفاعي يؤسس رؤيته الجمالية في الدين على أساس تعريفه العميق للدين، حيث يعرّفه بقوله: “الدين حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية.”

من هذا التعريف، يظهر أن الرفاعي لا ينظر إلى الدين بوصفه مجرد عقائد وأحكام، بل بوصفه تجربة وجودية تمنح الإنسان معنى روحيًا وأخلاقيًا وجماليًا. وبالتالي، فإن الرؤية الجمالية عنده ليست عنصرًا ثانويًا أو مكمّلًا للدين، بل هي جزء أصيل من جوهره.

كيف تتجلى الرؤية الجمالية في الدين وفقًا لهذا الأساس؟
1. الجمال كجزء من الحاجة الوجودية للدين
      •   الدين عند الرفاعي ليس مجرد التزام بالعقائد والشرائع، بل هو استجابة لحاجة الإنسان إلى تجربة روحية وجمالية تمنحه الطمأنينة والمعنى.
      •   هذه الحاجة إلى الجمال تتجسد في التأمل في الكون، وفي الشعور بالسمو الروحي، وفي الانجذاب إلى القيم الأخلاقية الرفيعة.
2. الجمال في المعنى الروحي للدين
      •   بما أن الدين يمنح الإنسان معنى روحيًا، فإن هذه الروحانية ترتبط بالجمال، حيث تفتح أفقًا للتذوق الجمالي عبر التأمل في العالم والعلاقة مع المقدّس.
      •   التصوف مثال على ذلك، حيث يرتبط بالسعي نحو تجربة جمالية للحب الإلهي والوجد الروحي.
3. الجمال في الأخلاق والسلوك
      •   يرى الرفاعي أن الأخلاق ليست مجرد قواعد نفعية، بل هي تعبير عن الجمال الداخلي للإنسان، حيث يصبح الشخص المتخلق إنسانًا جميلاً في سلوكه وعلاقاته.
      •   هذا ينسجم مع تعريفه للدين بأنه يمنح معنى أخلاقيًا، مما يعني أن الجمال ليس محصورًا في الفنون أو الطبيعة، بل يشمل المعاني والقيم السامية أيضًا.
4. الجمال في الخطاب والتجربة الدينية
      •   بما أن الدين عنده هو “حياة في أفق المعنى”، فهذا المعنى لا يمكن أن يكون جافًا أو منفّرًا، بل يجب أن يكون مشبعًا بالجمال، سواء في الخطاب الديني أو في الممارسات والشعائر.
      •   ينتقد الخطابات التي تفرّغ الدين من بعده الجمالي، سواء عبر الترهيب أو الجمود، ويدعو إلى استعادة الجمالية في التعبير عن الدين، كما نجد في النصوص الدينية الراقية أو الفنون الإسلامية.
خلاصة
عبر هذا التأسيس، يربط الرفاعي بين الدين والجمال بشكل عضوي، فلا يمكن فصل البعد الجمالي عن الدين، لأن الدين في جوهره يمنح الإنسان معنى روحيًا وأخلاقيًا وجماليًا، وكل هذه الأبعاد متداخلة في تشكيل تجربة دينية حية وعميقة.
المنهج الهرمنيوطيقي في تفسير القرآن عند عبد الجبار الرفاعي يستند الرفاعي إلى قراءة روحية، أخلاقية، وجمالية للنص، تتجاوز التفسير التقليدي أو الفقهي نحو مقاربة تأويلية وجودية، تستلهم أدوات الفلسفة الحديثة، خصوصًا الهرمنيوطيقا التأويلية.

يعتمد عبد الجبار الرفاعي في تفسيره على المنهج الهرمنيوطيقي، الذي يُعدّ مناهج التأويل التي تنظر إلى النصوص الدينية كظواهر ثقافية وأدبية وتاريخية، لا تُفهم من خلال القراءة الحرفية فقط. بالنسبة للرفاعي، يجب قراءة النصوص المقدسة في سياقها التاريخي والاجتماعي والثقافي، مما يساعد على الكشف عن معانٍ جديدة تتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
يرتكز منهجه على عدة مبادئ أساسية:
1. الاهتمام بالسياق التاريخي والنصي، إذ يرى أن كل نص ديني يحمل أبعاداً وظروفاً زمنية خاصة يجب فهمها لتفسير رسالته الحقيقية.
2. التأويل الديناميكي للنصوص، بحيث لا يُنظر إلى الرسالة الدينية على أنها جامدة، بل هي عملية مستمرة تتجدد بتغير الأزمان والأوضاع.
3. الحوار البنّاء بين العقل والنقل، حيث يدعو إلى فتح باب الحوار بين التراث الديني والتفكير العقلاني لاستنباط معانٍ جديدة تخاطب الواقع المعاصر.
4. الانفتاح على استراتيجيات التأويل الأدبي والفلسفي، مما يتيح قراءة متعددة الأبعاد للنصوص الدينية تتجاوز التفسيرات التقليدية المحدودة.
من خلال هذا النهج الهرمنيوطيقي، يسعى الرفاعي إلى تجديد قراءة النصوص الدينية وإبراز طابعها الديناميكي والمتجدد، بما يتناسب مع التحديات الفكرية والاجتماعية في العصر الراهن.”
إليك شرح مفصل لكل نقطة من النقاط المتعلقة بمنهج التفسير الهرمنيوطيقي عند عبد الجبار الرفاعي:
1. الاهتمام بالسياق التاريخي والنصي:
يُعنى هذا المبدأ بفهم النصوص الدينية ليس فقط بكلماتها ومضمونها، بل من خلال دراستها في الإطار الزمني والثقافي والاجتماعي الذي وُجدت فيه. يعني ذلك أنه عند تفسير أي نص ديني يجب النظر إلى الظروف التاريخية التي أحاطت بظهوره، مثل الأحداث السياسية والاجتماعية والأخلاقيات السائدة في ذلك الوقت. هذا النهج يساعد على استعادة المعاني الأصلية للنص وربطها بتجارب الناس آنذاك، مما يتيح للباحثين فهم كيف تشكلت الرسالة الدينية وكيف كان يُتوقع أن تُستقبل.
2. التأويل الديناميكي للنصوص:
يشير هذا المبدأ إلى أن النصوص الدينية تحمل معانٍ متعددة ومتغيرة تتأثر بتطور المجتمعات والتجارب الإنسانية على مر العصور. بدلاً من اعتبار النصوص رسائل ثابتة وغير قابلة للتغيير، يرى الرفاعي أن الرسالة الدينية يمكن أن تتجدد بتأويلات جديدة تتماشى مع تطورات الفكر والعلوم. هذا المنهج يفتح الباب أمام استنباط معانٍ حديثة دون الإخلال بجوهر الرسالة الدينية، إذ يُراعى أن كل عصر قد يستخلص منها معاني تلامس واقع حياته وتحدياته.
3. الحوار البنّاء بين العقل والنقل:
يؤكد الرفاعي على ضرورة إيجاد توازن بين العقل والنقل في تفسير النصوص الدينية. ففي حين يشكل النقل الأساس الثابت للدين، يُعتبر العقل الوسيلة لفهم وتحليل هذه النصوص بطريقة نقدية ومعاصرة. لا يعني هذا إنكار النصوص المقدسة، بل هو دعوة لإعادة قراءة النصوص باستخدام أدوات عقلية تُثري الفهم وتوضح المعاني المخفية أو الرمزية فيها. هذا الحوار البنّاء يساهم في تحديث الفكر الديني بحيث يصبح قادرًا على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية المعاصرة.
4. الانفتاح على استراتيجيات التأويل الأدبي والفلسفي:
يرى الرفاعي أن النصوص الدينية ليست مجرد نصوص قانونية أو قصصية، بل هي أعمال أدبية تحمل رموزاً وصوراً تعبر عن معانٍ فلسفية عميقة. لذلك، من الضروري استخدام أساليب التحليل الأدبي والفلسفي لفهم الطبقات المتعددة لهذه النصوص. هذا النهج المتعدد الأبعاد يسمح بتفسير أكثر ثراءً وتكاملاً، حيث يُمكن الكشف عن جوانب جديدة في النص قد تُهمل عند اتباع منهج تقليدي محدود. الانفتاح على هذه الاستراتيجيات يثري عملية التأويل ويسهم في إبراز العلاقة بين النص والواقع الإنساني.
بهذه الطريقة، يضمن منهج التفسير الهرمنيوطيقي عند عبد الجبار الرفاعي قراءة متعمقة وشاملة للنصوص الدينية، تجمع بين تقدير التراث والنظر إلى متطلبات العصر الحديثة، مما يسهم في تقديم فهم أكثر مرونة وتجدداً للرسالة الدينية.

وإليك أبرز ملامح هذا المنهج بإيجاز:
1. البعد الوجودي للدين
يرى الرفاعي أن الدين ليس مجرد منظومة أحكام وتشريعات، بل هو تجربة روحية تتصل بوجود الإنسان ومعناه. لذا، فإن تفسير القرآن يجب أن ينطلق من هذا البعد الوجودي الذي يلامس الذات الإنسانية العميقة بدل الاقتصار على المعاني الحرفية أو القانونية للنصوص.

2. النص بين القارئ والتاريخ
الرفاعي يتبنى فكرة أن النص لا يحمل معنى ثابتًا ونهائيًا، بل هو كيان حي تتجدد دلالاته عبر الزمن وفقًا لآفاق الفهم والتجربة الإنسانية.
وهذا يتقاطع مع أطروحات غادامير وريكور في أن المعنى يتشكل في التفاعل بين القارئ والنص، وليس مجرد استرجاع للمقاصد الأصلية للمؤلف (في هذه الحالة، الوحي).

3. التأويل والتعددية الدلالية
يؤكد أن النص القرآني حمّال أوجه، ويستوعب تعدد القراءات، وهو ما يتعارض مع القراءات الحرفية أو الفقهية التي تحاول حصره في معنى واحد. التأويل عنده ليس مجرد شرح للنص، بل هو إبداع في الفهم يراعي المتغيرات الثقافية والمعرفية.

4. أولوية الأخلاق والكرامة الإنسانية
الرفاعي يضع الكرامة الإنسانية والأخلاق كمعيار أساسي في تفسير القرآن. أي أن التأويل يجب أن يكون متحررًا من الإسقاطات الأيديولوجية التي تحصر النص في أحكام جامدة، وأن يكون قادرًا على إبراز النزعة الأخلاقية والروحية التي تحفّز على بناء إنسان متحرر ومسؤول.

5. البعد الجمالي للنص
لا يقتصر القرآن عند الرفاعي على الأحكام والعقائد، بل هو نص جمالي يعبّر عن تجربة جلالية وجمالية عميقة. لذا، يجب أن يكون التأويل قادرًا على التقاط اللغة الرمزية والاستعارية في النص، بدل الاقتصار على فهمه كخطاب تقريري مباشر.

6. نقد الفهم الدوغمائي والتفسير الفقهي
ينتقد الرفاعي التفاسير التي تجعل من القرآن مجرد مرجعية قانونية أو سياسية، إذ يرى أن هذا النوع من التفسير يقتل البعد الروحي والإنساني للدين. ولذلك، فهو يدعو إلى هرمنيوطيقا مفتوحة تتيح للنص أن يكون أكثر ديناميكية وتفاعلًا مع الزمن.

7. تأثره بالفكر الفلسفي الحديث
يتناغم منهج الرفاعي مع أفكار مفكرين مثل:

بول ريكور (التفسير والتأويل والرمزية).
غادامير (دمج الآفاق بين النص والقارئ).
هيدغر (البعد الوجودي للفهم).

يقدّم الرفاعي تفسيرًا هرمنيوطيقيًا وجوديًا وأخلاقيًا للقرآن، يتجاوز الفهم الحرفي والفقهي، ويركّز على التجربة الروحية والجمالية، مؤكدًا على مرونة النص وانفتاحه على التأويل، بما يخدم القيم الإنسانية العليا.
مقارنة_بين_منهج_محمد_أركون_وعبدالجبار_الرفاعي_في_فهم_الوحي_والدين.pdf
254.4 KB
مقارنة بين منهج محمد أركون وعبدالجبار الرفاعي في فهم الوحي والدين
(قلق الأنسنة عند عبد الجبار الرفاعي)، ورقة قدمتها الدكتورة نايلة أبي نادر، استاذة الفلسفة بكلية الآداب في الجامعة اللبنانية، في ندوة الجمعية الفلسفية الموريتانية "بيت الحكمة" حول: مشروع تجديد الفكر الديني عند عبد الجبار الرفاعي.

https://youtu.be/RQkoqmRbA7w?si=rjaRT8K76l249Wc5
رؤية_عبد_الجبار_الرفاعي_وعبد_الكريم_سروش_للوحي.pdf
264.9 KB
رؤية عبد الجبار الرفاعي وعبد الكريم سروش للوحي
عندما تكون المعرفة العلمية موضوعا للإيمان أو الدين أو العقيدة تخرج عن كونها معرفة. أسلمة المعرفة وأمثالها محاولات لانتاج هوية دينية وعقائدية للمعرفة في مختلف الأديان والعقائد. الهوية الدينية والعقائدية للمعرفة تصير فيها المعرفة ذاتًا مغتربة عن ذاتها، اذ ترفض الهوية الدينية والعقائدية للمعرفة التفكير النقدي، وتعاند النقاش، وتنزعج من التساؤل، وتقلقها المراجعة، ولا تقبل التأمل واعاده النظر، وتتنكر للغربلة والتمحيص.


#عبدالجبار_الرفاعي
#أسلمة_المعرفة
مأزق التغيير الثوري يكمن في تغيير السلطات وحدها من دون تغيير المجتمعات، والعمل على تحويل نمط عيشها وثقافتها وحياتها. تدهورت المجتمعات وتمزقت في الأنظمة الثورية في ماضي العرب وحاضرهم. تغيير المجتمعات لا يبدأ بتغيير السلطات، كما تفعل الأيديولوجيات الثورية في بلادنا. تغيير السلطات يمكن أن يكون أداة لتغيير المجتمعات، إن كانت السلطات تفكر وتعمل بواقعية، فتعتمد في بناء الدولة وادارة السلطة على الخبراء في الإدارة والاقتصاد والقانون والسياسة والثقافة ومختلف التخصصات في العلوم والمعارف الحديثة. وإن تأسست الدولة على المواطنة الدستورية، بوصف هذا النوع من المواطنة هو النصاب الذي يحدد الانتماء للوطن. وطن يتساوى فيه الكل حين يكتسبون جميعًا مواطنتهم من الانتماء لأرض واحدة ومصالح مشتركة ومصير واحد، بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم وقومياتهم وثقافاتهم.

#عبدالجبار_الرفاعي
#التغيير_الثوري
رؤية عبد الجبار الرفاعي وعلي شريعتي لتجديد الفكر الديني

تتباين رؤيتا عبد الجبار الرفاعي وعلي شريعتي في مشروع تجديد الفكر الديني من حيث المنهجية، والأفق الفلسفي، والمقاصد التي يسعيان لتحقيقها. يعكس هذا التباين اختلافًا جوهريًا في فهمهما للدين ودوره في الحياة، وفي طبيعة التجديد الذي يحتاجه الفكر الديني. يتجلى نقد الرفاعي لشريعتي بوضوح في كتابه الدين والظمأ الأنطولوجي، حيث يسجل تحفظاته على الطابع الإيديولوجي لمشروع شريعتي، ويرى أنه أدى إلى اختزال الدين في بُعد سياسي- اجتماعي على حساب أبعاده الروحية والأخلاقية والجمالية.
علي شريعتي: ينظر إلى الدين من زاوية اجتماعية-سياسية، حيث قدم رؤية ثورية تسعى إلى استخدام الدين كأداة للتحرر الاجتماعي ومقاومة الاستعمار والاستبداد. كان شريعتي متأثرًا بالنزعات الاشتراكية والماركسية، ما جعله يعيد تأويل المفاهيم الدينية ضمن إطار صراع الطبقات والتحول الاجتماعي. تأثر شريعتي بالفكر الماركسي، خاصة في رؤيته للصراع الطبقي والمادية التاريخية، لكنه أعاد توظيف هذه المفاهيم ضمن إطار إسلامي بهدف إصلاح الدين والمجتمع والدولة. لم يكن شريعتي ماركسيًا بالمعنى التقليدي، لكنه استخدم أدوات التحليل الماركسي لإعادة تفسير الإسلام كنظام تحرري وثوري ضد الظلم والاستبداد. المادية التاريخية عند ماركس تقوم على فكرة أن التاريخ تحركه التغيرات الاقتصادية والبُنى التحتية للمجتمع، وأن الصراع الطبقي هو المحرك الأساسي لهذا التطور. شريعتي استفاد من هذا التحليل لكنه استبدل العامل الاقتصادي بالعامل الثقافي والديني، حيث رأى أن الإسلام يمكن أن يكون القوة الدافعة لتحولات اجتماعية ثورية، وليس فقط الاقتصاد.كان يرى أن الصراع الأساسي في التاريخ ليس فقط صراعًا اقتصاديًا، بل هو صراع بين المستضعفين والمستكبرين، وهو مفهوم قرآني قريب من المفهوم الماركسي للصراع بين البرجوازية والبروليتاريا. رأى أن الإسلام الأصلي يمثل حركة تحريرية للمحرومين ضد الاستغلال الطبقي، وهو ما يجعله أقرب إلى نظرة الماركسية للصراع الطبقي، ولكن بمحتوى ديني وأخلاقي.كان شريعتي متأثرًا بفكرة الثورة الماركسية لكنه حاول أن يجعلها جزءًا من الهوية الشيعية. رأى في الإمام الحسين نموذجًا للثائر الذي يمثل المستضعفين ضد الطغيان، وشبّه ثورته بثورة البروليتاريا في الماركسية. واعتبر كربلاء نموذجًا للصراع الأبدي بين المستضعفين والمستكبرين، مثلما يرى الماركسيون التاريخ كسلسلة من الصراعات بين الطبقات. أعاد شريعتي قراءة مفاهيم مثل الشهادة، الجهاد، والانتظار المهدوي من منظور ثوري، حيث دعا إلى أن يكون انتظار المهدي ليس حالة من السكون، بل دافعًا للنضال ضد الظلم.
عبد الجبار الرفاعي: يتبنى قراءة روحية-فلسفية للدين، ويرى أنه حاجة أنطولوجية متجذرة في الوجود الإنساني، وليس مجرد أداة للتغيير السياسي. يركز الرفاعي على البعد الروحاني والجمالي والأخلاقي للدين، ويرى أن أي محاولة لاختزاله في السياسة تفرغه من جوهره الروحي العميق.يقدم الرفاعي تعريفًا مختلفًا للدين، حيث يرى أنه حاجة أنطولوجية متجذرة في عمق الكينونة الإنسانية. يعرف الرفاعي الدين بقوله: "الدينُ حياةٌ في أُفق المعنى، تفرضُه حاجةُ الإنسان الوجودية لإنتاجِ معنىً روحي وأخلاقي وجمالي لحياتِه الفردية والمجتمعية." هذا التعريف يعكس رؤية الرفاعي للدين باعتباره حاجة أنطولوجية تتجاوز البعد القانوني أو الأيديولوجي إلى كونه تجربة وجودية تمنح الإنسان معنىً وغايةً لحياته. وهو بذلك يرفض التعريفات التي تحصر الدين في كونه منظومة قانونية أو أيديولوجيا سياسية، معتبرًا إياه فضاءً للسمو الروحي والتكامل الأخلاقي والجمالي. الدين، عنده، ليس مجرد منظومة اجتماعية أو أيديولوجية، بل هو تجربة روحية تمنح الإنسان معنى وطمأنينة، وتستجيب لظمئه الأنطولوجي العميق. في كتابه الدين والظمأ الأنطولوجي، يؤكد أن الدين ليس أداة للتغيير السياسي، بل هو فضاء يمنح الإنسان الأمان الوجودي والسمو الأخلاقي. بدلًا من تسخير الدين في معارك السلطة والصراع، يدعو الرفاعي إلى فهم الدين كفضاء يمنح الإنسان الكرامة والسكينة، ويساهم في بناء الفرد أخلاقيًا وروحيًا وجماليًا. ينطلق مشروع عبد الجبار الرفاعي في تجديد الفكر الديني من تعريفه للدين كـ "حياة في أفق المعنى"، ما يجعله يسعى إلى تحرير الدين من التوظيف السياسي والأيديولوجي، وإعادته إلى أصله كحاجة روحية تمنح الإنسان المعنى والأمان الوجودي. وبذلك، فإن تجديده لا يقوم على مجرد تحديث النصوص، بل على استعادة الروح العميقة للدين بوصفه تجربة تحررية وجمالية في حياة الإنسان.
شريعتي: تعامل مع التجديد بوصفه إعادة تفسير للنصوص الدينية بما يخدم مشروعه السياسي والثوري. لذلك، وظّف مفاهيم مثل "الإسلام المحمدي الأصيل" في مواجهة "الإسلام الصفوي"، وصاغ مقولات ثورية تعبّئ الجماهير نحو التغيير.وينطلق شريعتي من رؤية ترى أن التجديد يعني إعادة قراءة الدين في ضوء التحولات الاجتماعية والسياسية، بحيث يصبح الدين محرّكًا للثورة ضد الظلم. كان شريعتي متأثرًا بالمادية التاريخية والماركسية، ما جعله ينظر إلى الدين من زاوية الصراع الطبقي، حيث وظّفه في خدمة العدالة الاجتماعية والتحول الثوري.ويرى شريعتي الدين ظاهرة اجتماعية تتشكل وفق الحاجات التاريخية والسياسية للمجتمعات، لذلك، تعامل معه كقوة دافعة للتغيير الاجتماعي والتحرر السياسي، وجعله أداة في الصراع ضد الاستعمار والاستبداد. انطلاقًا من هذا الفهم، أعاد تفسير المفاهيم الدينية في ضوء نظرياته الثورية، حيث اعتبر الدين مجالًا للصراع الطبقي والثقافي.
الرفاعي: ينتقد الطابع الإيديولوجي في فهم شريعتي، ويرى أن التجديد الحقيقي يجب أن يكون في إطار فلسفة الدين، أي فهم الدين في ضوء حاجات الإنسان الروحية والأخلاقية والجمالية، وليس كأداة لصناعة الأيديولوجيا. يرى الرفاعي أن تحويل الدين إلى إيديولوجيا يحوّله إلى أداة صراع، ويفقده قدرته على منح الإنسان السكينة والسلام الداخلي.ينتقد الرفاعي شريعتي لأنه اختزل الدين في بعده السياسي والاجتماعي، متجاهلًا حاجات الإنسان الوجودية العميقة التي لا تسدها الأيديولوجيا السياسية. ويرى أن طرح شريعتي كان مسكونًا بهاجس الثورة، مما أدى إلى تقديم فهم للدين يفتقر إلى البعد الروحي العميق والأخلاقي والجمالي، ويجعل منه أداة لتعبئة الجماهير بدلًا من كونه مصدرًا للمعنى والطمأنينة. ويؤكد الرفاعي أن هذا النهج الإيديولوجي يؤدي إلى استبداد جديد باسم الدين، بدلًا من أن يكون الدين فضاءً للحرية والانفتاح والتسامح. يعتبر الرفاعي الدين حاجة روحية-أنطولوجية تتجاوز السياسة والأيديولوجيا. من هنا، فإن نقد الرفاعي لشريعتي يعكس رفضه لتسييس الدين، ودعوته إلى استعادته كفضاء روحي يمنح الإنسان المعنى والكرامة والسكينة، بدلًا من أن يكون مجرد أداة في معارك الأيديولوجيا والصراع السياسي.
الفرق_بين_رؤية_عبد_الجبار_الرفاعي_وعلي_شريعتي_لتجديد_الفكر_الديني.pdf
137.6 KB
الفرق بين رؤية عبد الجبار الرفاعي وعلي شريعتي لتجديد الفكر الديني
ليست هناك ديانةٌ تستأثر وحدها بالمحبّة والرحمة والحرياتِ والحقوق واحترامِ كرامة الإنسان، وليس هناك تاريخُ ديانةٍ منزّهًا من التعصب والعنف وانتهاك الكرامة. لا يكفي الحكمُ على أخلاقية وإنسانية الديانة بما تشتمل عليه مدوّنتُها، وليس بشهاداتِ أتباعِها عنها، مهما ادَّعوا من انحصار الأخلاق والإنسانية بها. لا يكون الحكمُ صادقًا إلا بمقارنتها بالديانات الأخرى، وتفحّص وغربلة مسيرتها التاريخية، وما صنعته في محطات رحلتها عبر الزمان، وما قدمته من مكاسب للحضارات البشرية، مضافًا إلى اكتشاف مقدار تجلّي القيم الإنسانية لهذه الديانة وأخلاقياتها في سلوك معتنقيها أفرادًا وجماعاتٍ في الماضي والحاضر. الدين غير منفصل عن حياة الإنسان ومواقفه وسلوكه.‏ تاريخ الديانة العملي مختبر صحة تعاليمها في المحبة والرحمة والعدالة واحترام المختلف، لا يمكن معرفة أخلاقية الإنسان الذي ينتجه الدين إلا بالتعرف على تاريخ الأديان وممارسات ومواقف اتباعها في علاقاتهم ونمط معاملاتهم مع بعضهم البعض، واحترامهم للمختلف في المعتقد.

#عبدالجبار_الرفاعي
#الدين
#التعصب
المنهج الفلسفي في فهم الدين عند عبد الجبار الرفاعي: إعادة تعريف الإنسان والدين والمقدس
 
يُعدّ الدكتور عبد الجبار الرفاعي، واحدًا من أبرز الفلاسفة المعاصرين الذين عملوا على تجديد الفكر الديني من خلال منهج فلسفي يجمع بين العقلانية والروحانية. بفضل خلفيته المزدوجة التي تجمع بين الدراسات الأكاديمية في الفلسفة والتكوين الحوزوي في العلوم الدينية التقليدية، استطاع الرفاعي أن يقدم رؤية متكاملة تتجاوز الحدود الضيقة للاهوت أو علم الكلام، ليفتح آفاقًا جديدة في فهم الدين كتجربة إنسانية متعددة الأبعاد. في هذا المقال، نستعرض تفاصيل منهجه الفلسفي، وكيف يسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والمقدس في سياق التحديات المعاصرة، منطلقا من تعريفه التالي للدين إذ يقول:
“الدين حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية.”.
1 **فلسفة الدين: التحرر من التبرير إلى التفكير النقدي**
يؤسس الرفاعي في كتابه: "تمهيد لدراسة فلسفة الدين" لتصور واضح يميز فلسفة الدين عن اللاهوت وعلم الكلام. فبينما يركز اللاهوت على الدفاع عن العقائد وتبريرها، ويسعى علم الكلام إلى حماية الإيمان من الشبهات، تأتي فلسفة الدين كمجال معرفي يهدف إلى التفكير الحر والموضوعي في الظاهرة الدينية. يطرح الرفاعي أسئلة جوهرية مثل: هل يمكننا معرفة الله عقليًا؟ ما طبيعة الوحي وكيف يتفاعل مع العقل البشري؟ وما الدور الذي تلعبه التجربة الدينية في تشكيل الوعي الإنساني؟
هذا النهج لا يقبل بالمسلمات دون تمحيص، بل يدعو إلى تحليل الدين كجزء من التجربة الإنسانية الشاملة، بعيدًا عن التقديس الأعمى أو الانحيازات الطائفية. على سبيل المثال، ينتقد الرفاعي النظرة التقليدية التي ترى الدين مجرد نظام عقائدي أو قانوني، ويؤكد أنه تجربة وجودية تتشابك مع الحياة اليومية للإنسان في أبعادها الفكرية والعاطفية والجمالية.
 2الدين: التحرر من التبرير إلى التفكير النقدي**
يؤسسفي صميم رؤية الرفاعي الفلسفية، نجد تعريفًا موسعًا للإنسان يتجاوز التصورات الفلسفية الكلاسيكية التي اختزلت الإنسان في كونه "حيوانًا ناطقًا"، كما عند أرسطو. يرى الرفاعي أن الإنسان كائن متعدد الأبعاد: عقلي، عاطفي، أخلاقي، روحي، جمالي، اجتماعي، وتاريخي. هذا التعريف يشكل نقطة انطلاق لفهم الدين بوصفه استجابة لحاجات الإنسان الشاملة، وليس فقط لسؤاله عن الخلاص أو المصير الأخروي. في كتابه "الدين والظمأ الأنطولوجي"، يقدم الرفاعي مفهومًا مبتكرًا يعبر عن هذا البعد الوجودي. يصف "الظمأ الأنطولوجي" بأنه شعور فطري بالحنين إلى المعنى والمطلق، وهو ما يدفع الإنسان إلى البحث عن المقدس. الدين، في هذا السياق، ليس مجرد مجموعة نصوص أو فرائض، بل هو تجربة تروي هذا الظمأ من خلال إضفاء معنى على الحياة، سواء عبر العبادة، الأخلاق، أو التأمل في الجمال الإلهي المتجلي في الكون. على سبيل المثال، يشير الرفاعي إلى أن الصلاة ليست مجرد طقس، بل لحظة تأملية تربط الإنسان باللامتناهي، مما يعزز شعوره بالسكينة والانتماء.
 3**التعددية والتأويل: تحرير النصوص من الجمود**
من أبرز إسهامات الرفاعي الفلسفية دعوته إلى التعددية في فهم النصوص الدينية، معتبرًا أن الإصرار على تفسير واحد للنص المقدس يقتله ويحرمه من حيويته. تعريفه "الدين بوصفه حياة في أفق المعنى" ينتقد التفسير الحرفي الذي يقدّس فهم السلف كحقيقة مطلقة، ويراه قيدًا يمنع الدين من التفاعل مع العصر. يستلهم الرفاعي هنا منهج أمين الخولي في التأويل الأدبي للنصوص، ويضيف إليه أدوات الهرمنيوطيقا الفلسفية الحديثة التي طورها فلاسفة مثل هانز غادامير وبول ريكور.
 على سبيل المثال، يمكن لآية قرآنية مثل "فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ" (سورة الواقعة: 96) أن تُفهم على مستويات متعددة: تسبيحًا طقسيًا روحيًّا، تأملًا في عظمة الخلق، أو دعوة إلى السعي الأخلاقي. هذا التعدد يجعل النص حيًا، قادرًا على إلهام أجيال مختلفة بمعانٍ جديدة تتناسب مع سياقاتها التاريخية والثقافية. كما يمتد هذا الانفتاح إلى العلاقة بين الأديان، حيث يرى الرفاعي أن التفكير الفلسفي في الدين يكشف عن قيم مشتركة مثل المحبة والرحمة والعدل، مما يدعم الحوار بين الثقافات ويقلل من التطرف.
 3**التوازن بين العقلانية والروحانية**
على الرغم من اعتماده الكبير على العقل كأداة لفهم الدين، لا ينزلق الرفاعي إلى العقلانية المفرطة التي تنفي البعد الروحي، كما فعل بعض المفكرين المعاصرين. في كتاباته، يصف العقل بأنه "حارس المعرفة" الذي يضع حدودًا للعاطفة والخيال، لكنه لا يلغيهما، بل يوجههما نحو التوازن. هذا النهج يظهر بوضوح في تقديره للتصوف كتجربة روحية غنية، حيث يصفه بأنه "كنز الأديان" لقدرته على تعميق العلاقة بين الإنسان والله ورفد الحياة بالمعنى الروحي والاخلاقي.
 لكن الرفاعي ينتقد التصوف المنغلق الذي ينحصر في الزهد المفرط أو الانعزال عن المجتمع، ويدعو إلى تصوف "منبسط" يرى الجمال في الوجود، ويعزز المحبة المتبادلة بين الله والإنسان. على سبيل المثال، يرى الرفاعي أن الشعر الصوفي لجلال الدين الرومي أو ابن الفارض يعكس هذا التصور، حيث يجمع بين التأمل الروحي والالتزام الأخلاقي تجاه العالم.
 4**تحيين الدين في عصر العلم والحداثة**
في ظل التحولات العلمية والتكنولوجية الهائلة، يؤكد الرفاعي على ضرورة تحيين الخطاب الديني ليظل ملائمًا لاحتياجات الإنسان المعاصر. ففي كتابه "الدين والاغتراب الميتافيزيقي"، يناقش كيف أدى التقدم العلمي إلى شعور الإنسان بالاغتراب عن المقدس، لكنه يرى أن الدين قادر على استعادة دوره إذا أعيدت صياغته بما يتناسب مع هذا الواقع. فالعلوم، بحسب الرفاعي، تجيب عن "كيف" الأشياء، بينما يبقى الدين مسؤولًا عن "لماذا" الوجود، مثل أسئلة المعنى والغاية.
 على سبيل المثال، يقترح الرفاعي إعادة قراءة النصوص المتعلقة بالخلق في ضوء النظريات العلمية الحديثة، ليس للتوفيق بينهما بالقوة، بل لفهم الدين كإطار رمزي يعبر عن الحقائق الوجودية بطريقة تتجاوز الحرفية.
 5افية. كما يمتد هذا الانفتاح إلى العلاقة بين الأيمثل منهج عبد الجبار الرفاعي الفلسفي دعوة جريئة لإعادة النظر في الدين ليس كمجرد تراث جامد، بل كتجربة حية تتفاعل مع العقل والروح والواقع. من خلال تعريفه الموسع للإنسان، ودعوته للتعددية والتأويل، وتوازنه بين العقلانية والروحانية، يقدم الرفاعي نموذجًا لفهم الدين يجعله مصدرًا للمعنى والمحبة والجمال والرحمة. في عالم يعاني من التصادم الحضاري والتطرف، يبقى هذا المنهج بمثابة مشروع فكري يسعى إلى أنسنة الحياة وتعزيز التعايش، مؤكدًا أن الدين، في أصله، دعوة إلى المحبة والكمال الإنساني.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
(الأفق الانساني في الخطاب الكلامي: قراءة في مشروع #عبدالجبار_الرفاعي) ورقة قدمتها الدكتورة إيمان مخينيني، استاذة بكلية الآداب والعلوم الانسانية، في جامعة سوسة بتونس، د. إيمان مختصة في الدراسات الحضارية فرع الدراسات الكلامية التأويلية، في ندوة الجمعية الفلسفية الموريتانية "بيت الحكمة" حول: "مشروع تجديد الفكر الديني عند عبد الجبار الرفاعي".