عبدالجبار الرفاعي
3.77K subscribers
618 photos
51 videos
270 files
1.09K links
مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضۚ
Download Telegram
مقارنة_بين_مشروع_السيد_كمال_الحيدري_ومشروع_الدكتور_عبد_الجبار_الرفاعي.pdf
235.6 KB
مقارنة بين مشروع السيد كمال الحيدري ومشروع الدكتور عبد الجبار الرفاعي
‏تصدر قريبا الطبعة السادسة من كتاب: "الدين والظمأ الأنطولوجي"، عن دار الموسوعة الصغيرة في جوبا عاصمة جمهورية السودان الجنوبي، طبعة خاصة بالقرن الأفريقي وشرق إفريقيا.
مقاربة بين مشروع المفكر السوداني محمود محمد طه (1909-1985) ومشروع المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي (1954-)
أوجه التشابه:
*الهدف المشترك*: كلا المشروعين يسعى إلى تجديد الفكر الديني في الإسلام، بهدف إيصال رسالة الإيمان والمحبة والمعرفة إلى المتلقي.
*التجاوز الطائفي*: كلا المشروعين يسعى لعبور الحواجز الطائفية والمذهبية وإبراز الجوهر التوحيدي للإسلام.
*اعتماد القرآن الكريم*: كلا المشروعين يستقيان من القرآن بوصفه مرجعية أساسية.
*التقدير المتبادل*: عبد الجبار الرفاعي يعبّر عن احترامه الكبير لمحمود محمد طه ويرى في رؤيته شجاعة وصدقا، وإن كانت رؤية كلٌّ منهما تختلف عن رؤية الآخر لكيفية التجديد ومنطلقاته.
أوجه الاختلاف تشمل:
*السياقات الاجتماعية والثقافية*: بين البيئات التي نشأ فيها كلٌّ من المفكرَين اختلاف، من حيث السياق الاقتصادي والطبقي والاجتماعي والديني والثقافي.
*المرجعيات الفكرية*: محمود محمد طه كان متأثرا بسياقٍ سوداني ذي طبيعة فكرية سياسية، في حين يعتمد عبد الجبار الرفاعي على تكوين مزدوج: حوزوي ديني تقليدي، وأكاديمي حديث في الفلسفة والعلوم الإنسانية.
*المنهجية*: عبد الجبار الرفاعي ينطلق من منهجٍ تجديدي يبدأ بإعادة بناء نظرية المعرفة (علم الكلام) بوصفه أساسا لتجديد علوم الدين كلها، في حين كان مشروع محمود محمد طه يجمع بين الجوانب المعرفية والسياسية.
*المحور الأساسي للتجديد*: عبد الجبار الرفاعي يركز على البعد الروحي والأخلاقي والجمالي في الإسلام، ويرى أن السياسة والدولة شأن دنيوي، في حين كان محمود محمد طه يرى السياسة جزءا من مشروعه الفكري، مع موقف أكثر وضوحا تجاه الشأن السياسي. محمود محمد طه مشروعه معرفي سياسي وعبد الجبار الرفاعي مشروعه معرفي روحي أخلاقي جمالي.
*المواقف من السياسة*: عبد الجبار الرفاعي يفصل تجديد الفكر الديني عن السياسة، ويركز على الأبعاد الروحية والأخلاقية والجمالية في الدين، في حين دمج محمود محمد طه التجديد الفكري بالدين، مع مواقف سياسية واضحة، ما أدى إلى مواجهته مع السلطات.
الدين والدولة في مشروع محمود محمد طه وفي مشروع عبد الجبار الرفاعي
محمود محمد طه كان يرى أن الإسلام يحتوي على مستويين: مستوى الأصول (الرسالة الأولى) ومستوى الفروع (الرسالة الثانية). في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام"، دعا طه إلى إحياء الأصول لتطبيقها على مستوى الفرد والمجتمع، وعدَّ الإسلام قادرا على تقديم حلٍّ سياسي واجتماعي شامل، لكن برؤية جديدة تختلف عن التقليدية. في أحد نصوصه يقول: "إن الإسلام دين ودولة، وهو نظام شامل للحياة الاجتماعية والسياسية، ولكن يجب أن يُفهم الدين فهماً متطوراً وفقًا لحاجات العصر." (الرسالة الثانية من الإسلام، ص. 43). وفي نصّ آخر يرى: "أن التشريع في الإسلام ليس تشريعًا جامدًا، بل تشريع متحرك ومتطور بتطور المجتمع... فالشريعة الإسلامية تصلح أن تكون أساسًا لنظام الحكم، لأنها نظام شامل لكل مناحي الحياة." (الرسالة الثانية من الإسلام، ص. 67). ويقول: "الإسلام نظام رباني متكامل، يشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع. الإسلام السياسي هو الوسيلة لتحقيق العدالة الإلهية على الأرض، ومن الخطأ فصل الدين عن السياسة، لأن ذلك يعطل وظيفته الأساسية." (مقال في الدعوة لتطبيق الإسلام كحل سياسي).
عبد الجبار الرفاعي ينطلق من رؤية تجديدية للدين، تركز على أبعاده الروحية والأخلاقية والجمالية، ويرفض اختزال الدين في السياسة أو السلطة أو الدولة. في كتابه "الدين والكرامة الإنسانية"، يعبّر عن رفضه للإسلام السياسي بوضوح، حيث يقول: "تحويل الدين إلى أيديولوجيا سياسية يشوّه غاياته الروحية، ويُخرج الدين من مساره الوجودي والأخلاقي والروحي والجمالي ليصبح أداة للسيطرة والصراع على السلطة. إن رسالة الدين تتمثل في بناء إنسانية الإنسان عبر المعاني الروحية والأخلاقية والجمالية، وليس بناء دولة أو نظام سياسي." (الدين والكرامة الإنسانية، ص. 78). يرفض الرفاعي أيّ محاولة لدمج الدين بالسلطة بشكل أيديولوجي أو جعله أساسا لبناء الدولة. يكتب الرفاعي: "الإسلام السياسي ليس امتدادًا طبيعيًا لرسالة الإسلام الروحية والأخلاقية والجمالية. بل هو انحراف عن غاية الدين، إذ إن غاية الدين هي تحرير الإنسان من عبودية السلطة والتأويل الأيديولوجي، لا إخضاعه لقوانين الدولة تحت غطاء ديني." (الدين والكرامة الإنسانية، ص. 120). ويشير إلى أنه: " كلما تم تسييس الدين، تضاءلت قيمته الروحية والأخلاقية والجمالية، وتحول إلى أداة لإنتاج العنف والهيمنة. إن الربط بين الدين والدولة يُفقِد الدين معناه الجوهري، الذي يتجلى في تحرير الإنسان من اغترابه." (الدين والاغتراب الميتافيزيقي، ص. 89). وينصّ الرفاعي في أحد مقالاته على أنه: "لا يمكن للدين أن يُختزل إلى مجرد أيديولوجيا سياسية. إن كل محاولة لتسييس الدين تُفقِده جوهره الذي يقوم على الإيمان الشخصي، ويُدخل المجتمع في صراعات لا نهاية لها".
الفرق بين المشروعين:
1. محمود محمد طه يرى أن الإسلام يمكن أن يكون إطارا شاملا للحياة إذا جرى تحديث فهمه وإعادة قراءة النصوص على وفق رسالة الإسلام الثانية. عبد الجبار الرفاعي يرفض الإسلام السياسي تماما، ويرى أن الدين يجب أن يبقى ضمن مجال الحياة الروحانية والأخلاقية والجمالية، بعيدا عن السياسة والدولة.
2. محمود محمد طه يرى أن الدين، إذا فُهِم بشكل متجدّد، يمكن أن يكون نظامًا سياسيًا شاملًا، لكن برؤية مختلفة عن الإسلام التقليدي الذي يتبناه الإسلاميون التقليديون. عبد الجبار الرفاعي: يعتبر أن تحويل الدين إلى نظام سياسي هو انتهاك لوظيفته الروحية والأخلاقية والجمالية، ويؤكد أن مشروعه يهدف إلى فصل الدين عن الدولة للحفاظ على طهارته الروحية والمعنوية، ولحماية الدولة من العبث باستغلال الدين وترحيله من وظيفته.
3. محمود محمد طه سعى من خلال "الفكرة الجمهورية" إلى تقديم فهم جديد للإسلام يعبّر عن حيويته وقدرته على مواجهة تحديات العصر. في المقابل، ركز عبد الجبار الرفاعي على إبراز الأبعاد الروحية والأخلاقية والجمالية للإسلام، معتمدًا منهجية تأملية تعيد النظر في أساسيات الفكر الديني، وبعث القيم الكونية القرآنية.
4. هناك فرق جوهري بين المشروعين، فمشروع عبد الجبار الرفاعي يركز على تجديد الدين من داخله، إذ يسعى إلى إحياء القيم الروحية والأخلاقية والجمالية في الدين، بعيدًا عن التوظيف الأيديولوجي أو السياسي. رؤيته تعنى بجعل الدين تجربة إنسانية عميقة تلبي الحاجات الوجودية للإنسان، وتساعده في العثور على معنى للحياة في أبعادها المختلفة.
أما مشروع محمود محمد طه، فيتسم بطابع سياسي وثقافي واجتماعي، إذ عمل من خلال تأسيس جماعة الإخوان الجمهوريين على تقديم قراءة جديدة للإسلام تهدف إلى تغيير سياسي وثقافي واجتماعي. طرحه ارتكز على فكرة تطوير التشريع الإسلامي على وفق ما أسماه "الأصول"، إذ دعا إلى تجاوز الشريعة إلى مستوى "الأصول" التي تقوم على الحرية والمساواة. وقد واجه محمود محمد طه معارضة شديدة من السلطة بسبب مواقفه الجريئة، قادته في النهاية إلى الإعدام عام 1985 في السودان.
5. تعريف الدين عند عبد الجبار الرفاعي يقول فيه إن: "الدين حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية." ويرى الرفاعي أن الدين يستجيب لحاجة الإنسان الوجودية إلى المعنى، إذ يوفر بُعدا روحيا وأخلاقيا وجماليا للحياة، بعيدا عن البُعد السياسي أو الأيديولوجي. يركز في رؤيته على التجربة الروحية الشخصية، وتأثير الدين في تعزيز قيم المحبة والتراحم والتسامح والجمال في حياة الفرد والمجتمع.
أما تعريف الدين عند محمود طه فيقول فيه إن: "الدين هو وسيلة الإنسان للتطور الروحي والأخلاقي، وصولاً إلى تحقيق الحرية الفردية والجماعية وفق فهم متطور للنصوص الدينية، يتجاوز الفهم التقليدي للنصوص إلى مستوى أرقى من التشريع." ركز طه على مفهوم "لتطور" في الدين، إذ يرى أن الدين يجب أن يتفاعل مع التطور الفكري والاجتماعي والسياسي للإنسان، داعيا إلى فهم جديد للقرآن يعتمد التمييز بين الآيات المكية والمدنية، مع التركيز على البعد الأخلاقي والإنساني للإسلام.
1. المنطلقات الفكرية:
• محمود محمد طه ينطلق من منظور تطوري اجتماعي، يسعى إلى إعادة قراءة النصوص لتحقيق الحرية والمساواة. الرفاعي ينطلق من منظور فلسفي روحي وأخلاقي، يركز على أثر الدين في تحقيق التوازن النفسي والمعنوي، وإرواء الظمأ الأنطولوجي، وتلبية الحاجة لمعنى لوجود الإنسان وحياته.
2. البعد الروحي مقابل التشريعي:
• محمود محمد طه يرى أن الدين يحمل مشروعا تشريعيا متطورا يمكن أن يُسهم في بناء مجتمعات أكثر عدلا. الرفاعي يركز على الدين بوصفه حالة روحية وأخلاقية وجمالية، بعيدا عن التشريع للدولة والسياسة.
3. العلاقة بالدولة:
• محمود محمد طه يدمج بين الدين والسياسة بطريقة إصلاحية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال فهم جديد للشريعة. الرفاعي يفصل بين الدين والدولة ويركز على البعد الروحي والأخلاقي والجمالي للدين، وإرواء الظمأ الأنطولوجي، وتلبية الحاجة لمعنى لوجود الإنسان وحياته.
4. المشروع المجتمعي:
يرى محمود محمد طه الدين بوصفه أداة للتحول السياسي والاجتماعي والتطور الإنساني على وفق فهمٍ متجدّد للنصوص. الرفاعي يرى الدين بوصفه منبعا للمعاني الروحية والأخلاقية والجمالية في حياة الفرد والمجتمع، وذلك ما يدعوه لإحياء القيم الكونية الكلية في القرآن.
مشروع_محمود_محمد_طه_ومشروع_عبد_الجبار_الرفاعي.pdf
300.6 KB
مشروع محمود محمد طه ومشروع عبد الجبار الرفاعي
مقارنة بين منهج الدكتور حسن حنفي والدكتور عبد الجبار الرفاعي في تجديد الفكر الديني، مع توضيح الفروق من حيث الرؤية، والمنهجية، والأهداف، والموقف من التراث مع أمثلة توضيحية:
1. الرؤية الفلسفية واللاهوتية.
أ. عبد الجبار الرفاعي:
• الرؤية الوجودية والروحية والأخلاقية والجمالية: الرفاعي يؤكد أن الدين يُلبي حاجة إنسانية وجودية وأخلاقية وجمالية تتعلق بالبحث عن المعنى والروحانية. فهو يرى أن الدين ليس مجرد مجموعة من القواعد أو الطقوس بل تجربة إنسانية عميقة تُثري الحياة الروحية والأخلاقية والجمالية.
• التركيز على التسامح والتعددية: يدعو الرفاعي إلى إعادة بناء “علم الكلام الجديد” بحيث يُصبح أكثر انفتاحاً على الفكر الفلسفي والعلوم الإنسانية. مثال على ذلك، توجهه نحو قراءة النصوص الدينية بروح نقدية تهدف إلى استنباط قيم إنسانية عالمية تُعزز الحوار بين الحضارات.
• التركيز على الجانب الشخصي والداخلي: ينطلق الرفاعي من مقاربة إنسانية روحية وأخلاقية وجمالية تتجاوز الجدل النظري بين النقل والعقل، فتظهر التجربة الدينية الحية كوسيلة لإيجاد إجابات عن أسئلة الوجود.
ب‌. حسن حنفي:
• الرؤية الإيديولوجية والنضالية: يعتمد حنفي على قراءة التراث الإسلامي من منظور نقدي يُركز على تحرير الأمة من التبعية والاستعمار الثقافي والسياسي. فهو يرى أن التجديد يجب أن يكون وسيلة لتحرير الفكر وترسيخ هوية الأمة.
• التوظيف السياسي للدين: يؤكد حنفي على أن الدين يُمكن أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي والسياسي، حيث يتم إعادة قراءة التراث بما يخدم الصراع الطبقي والنضال ضد القوى الخارجية التي حاولت فرض نماذج فكرية غير متوافقة مع خصوصية الثقافة الإسلامية. مثال: في كتاباته، ينتقد حنفي النظرة التقليدية للدين التي تركز فقط على التشريع الفقهي، ويرى أن النصوص يجب أن تُفهم ضمن سياق تاريخي وثوري يدعم التحرر من الهيمنة الفكرية.
• التركيز على نقد التراث وإعادة بنائه: يميل حنفي إلى استخدام أدوات فلسفية (مثل مفاهيم هيغلية أو ماركسيّة) لتفكيك النصوص التراثية من أجل استخراج تلك الجوانب التي تخدم قضية التجديد السياسي والاجتماعي.
2. المنهجية والأدوات المستخدمة
أ‌. عبد الجبار الرفاعي:
• منهجية تحليلية تاريخية ونقدية متجددة: يستخدم الرفاعي منهجاً يقوم على قراءة النصوص الدينية ضمن سياقها التاريخي، مع إدخال مقاربات فلسفية وإنسانية حديثة. فهو يجمع بين التحليل النصي التقليدي والحوارات المعاصرة التي تعتمد على العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، والفلسفة.
• التركيز على التجربة الدينية الحية: يُبرز الرفاعي أهمية التجربة الفردية والروحانية والأخلاقية والجمالية في فهم الدين. على سبيل المثال، حين يتحدث عن “الدين كحاجة وجودية”، فإنه يشير إلى أن التجربة الدينية ليست مجرد تأويل عقائدي، بل تجربة تُنعش الذات وتساعد في بناء هوية فردية ومجتمعية متوازنة.
ب‌. حسن حنفي:
• منهجية تحليلية نقدية راديكالية: يعتمد حنفي على أدوات نقدية مستوحاة من الفلسفات الغربية (مثل الفكر الهيغلي والماركسي) لتفكيك النصوص الدينية والتراثية. يرى أن النقد يجب أن يكون جاداً وراديكالياً بحيث يُفضي إلى إعادة تشكيل التراث بما يتناسب مع متطلبات التحرر الاجتماعي.
• التأويل الجدلي للنصوص: يركز حنفي على تحويل النص الديني إلى أداة تغيير اجتماعي وسياسي. فعلى سبيل المثال، حين يقرأ نصوصاً تتعلق بالعدل والمساواة، فإنه يُعيد تأويلها لتكون دعوة لتحرير المجتمع من الأنظمة الظالمة أو الأطر التقليدية الجامدة.
3. الأهداف والمقاصد:
أ‌. عبد الجبار الرفاعي:
• إعادة إيقاظ البعد الروحي والأخلاقي والجمالي للدين: يهدف الرفاعي إلى استرجاع المعنى الروحي للدين ليكون وسيلة لتحقيق السلام الداخلي والاتصال الروحي العميق، بعيداً عن النزاعات الإيديولوجية.
• بناء جسر بين التراث والفكر الحديث: يسعى الرفاعي إلى دمج التراث الإسلامي مع مفاهيم الحداثة والعلوم الإنسانية، ليقدم قراءة تجديدية تُثري الحياة الروحية والفكرية للأفراد والمجتمعات. مثال: يرى الرفاعي أن دراسة مفاهيم مثل “العدل” و”الإنسانية” في التراث الإسلامي يجب أن تفتح آفاقاً جديدة تُسهم في تعزيز الحوار بين الثقافات. ب‌. حسن حنفي
• تحرير الفكر والتراث الإسلامي: يهدف حنفي إلى تمكين الأمة من خلال تحرير التراث من الجمود التقليدي، بحيث يصبح أداة في معركة تحرير الفكر والهوية ضد القوى الاستعمارية أو المهيمنة.
• التجديد كوسيلة للتغيير الثوري: يعتبر التجديد عند حنفي وسيلة لتحقيق التغيير السياسي والاجتماعي، من خلال إعادة قراءة التراث بصورة نقدية تؤكد على القيم الثورية مثل العدالة والمساواة والحرية. مثال: استخدامه لمفاهيم الصراع الطبقي في تأويل بعض المفاهيم الدينية، بحيث يظهر الدين كأداة للتغيير الاجتماعي وليس فقط كمنظومة عقائدية.
4. الموقف من التراث:
أ‌. عبد الجبار الرفاعي:
• نقد انتقائي وإعادة تأويل: يتعامل مع التراث بنهج نقدي انتقائي؛ يختار منه ما يخدم الحاجات الروحية والأخلاقية والجمالية والإنسانية المعاصرة، ويعيد تأويله في ضوء القيم العالمية والإنسانية.
• الحوار مع الحداثة: يسعى إلى بناء جسر بين التراث الإسلامي والعلوم الإنسانية والفلسفية الحديثة، بحيث يكون التراث مصدر إلهام لتجديد الفكر دون الانقطاع عنه مثال توضيحي: حين يناقش الرفاعي مفاهيم مثل “التوحيد” و”النبوة”، فإن الرفاعي قد يشير إلى ضرورة فهمها ليس كعقائد إيمانية، بل كقيم وجودية تسهم في بناء هوية فردية ومجتمعية متسامحة.
ب‌. حسن حنفي:
• تفكيك التراث وإعادة بنائه: يتبنى منهجاً نقدياً راديكالياً يقوم على تحليل التراث ككل، بهدف كشف ما يرى أنه من جملة تقاليد وآليات تهميش الفكر الحر والنضالي.
• إطلاق النقد لبناء مشروع فكري: يرى أن التراث يحمل بذور التجديد، لكن يجب تحريره من القيود التقليدية عبر نقد شامل يؤهله ليكون قوة دافعة للتغيير الاجتماعي والسياسي. مثال توضيحي: عند تأويله لبعض الآيات أو الأحاديث المتعلقة بالمساواة والعدالة، يمكن أن يقوم حنفي بتفكيك السياق التقليدي لهذه النصوص ليبرز الرسالة الثورية الكامنة فيها، مُشيراً إلى ضرورة استخدامها في مواجهة الظلم الاجتماعي.
• عبد الجبار الرفاعي: يُركز على تجديد الفكر الديني من خلال إعادة إحياء البعد الروحي والأخلاقي والجمالي للدين، ويستخدم منهجية تجمع بين النقد التاريخي والحوارات الفلسفية الحديثة. رؤيته ترتكز على تحقيق السلام الداخلي والعيش المشترك عبر قراءة تراثية تُثري التجربة الدينية الشخصية والمجتمعية.
• حسن حنفي: يتبنى منهجاً نقدياً راديكالياً يستهدف تحرير التراث الإسلامي من الجمود التقليدي، من خلال تحويل النصوص الدينية إلى أدوات للتغيير الاجتماعي والسياسي. رؤيته ترتبط بالنضال الإيديولوجي الذي يسعى إلى استعادة هوية الأمة وتحريرها من القوى الاستعمارية الفكرية.
في نهاية المطاف، يظهر اختلاف المنهجين بين الرفاعي وحسن حنفي في التركيز: حيث يضع الرفاعي التجديد على البعد الروحي والوجودي، بينما يميل حنفي إلى تجديد الفكر الإسلامي كوسيلة للتحرر والنضال الاجتماعي والسياسي.
في كتابه “مفارقات وأضداد في توظيف الدين والتراث” يُقدّم عبد الجبار الرفاعي نقدًا منهجيًا لفكر حسن حنفي، يتمحور حول عدة نقاط رئيسية تتعلق بكيفية استخدام التراث الديني وتوظيفه في الحوارات الفكرية والسياسية. ومن أهم محاور النقد التي يوجهها الرفاعي لحسن حنفي ما يلي:
1. توظيف التراث كأداة أيديولوجية:
• ينتقد الرفاعي توجه حنفي الذي يحوّل التراث الإسلامي إلى أداة للنضال السياسي والاجتماعي، حيث يركز على استغلال النصوص الدينية لتبرير مواقف جدلية ونقدية تهدف إلى تحرير الفكر من قيود الاستعمار الثقافي.
• يرى الرفاعي أن هذا التوظيف ينحصر في إطار جدليٍ سياسيّ ضيق، مما يفقد التراث بعده الروحي والوجودي، حيث يُعامل الدين كأداة للصراع بدلاً من أن يكون تجربة روحية أخلاقية إنسانية شاملة تسهم في تحقيق السلام الداخلي والانسجام الاجتماعي.
2. تفكيك التراث على حساب البعد الروحي والأخلاقي والجمالي:
• يتهم الرفاعي حنفي باستخدام أدوات نقدية (مستمدة من الفلسفات الغربية مثل الماركسية أو الهيغلية) لتفكيك النصوص الدينية، مما يؤدي إلى تآكل البعد الروحي والأخلاقي والجمالي للنصوص.
• بالنسبة للرفاعي، إن هذه المقاربة التفكيكية تقلل من قدرة التراث على إلهام التجربة الدينية الحية، إذ تُحوّل الدين من كونه منظومة متكاملة تعالج القضايا الوجودية إلى مجرد حقل للجدال الفكري.
3. غفلة عن الحاجة الوجودية للدين:
• يؤكد الرفاعي على أن الدين يجب أن يُستعاد معناه الروحي والأخلاقي والجمالي والوجودي، إذ يُعدّ احتياجه الأساسي لدى الإنسان البحث عن المعنى والطمأنينة.
• ينتقد حنفي لكون تحليله يركز على البعد الاجتماعي والسياسي، متجاهلاً إلى حدٍ كبير الحاجات الروحية والأخلاقية والجمالية الفردية والمجتمعية التي يُمكن أن يوفرها الدين، مما يؤدي إلى فصل النظرية عن التجربة الدينية الشخصية والأثر المجتمعي للدين. 4. عدم تقديم بديلٍ تجديدي حيوي:
• يرى الرفاعي أن نقد حنفي، رغم أنه يُسلّط الضوء على بعض الجمود والتركيبات التقليدية في التراث، لا يقدم بديلًا يُعيد للنصوص الدين طابعها الحي والروحاني والأخلاقي والجمالي.
• من وجهة نظر الرفاعي، يجب أن يكون التجديد عملية إعادة قراءة تراعي البعد الوجودي والروحي والأخلاقي والجمالي، وليس مجرد تفكيك نقدي يؤدي إلى إنكار القدرة التجديدية الكامنة في التراث الإسلامي. يرى عبد الجبار الرفاعي أن منهج حسن حنفي في “توظيف” التراث يعتمد على نقدٍ أيديولوجي جدليّ يحوّل الدين إلى أداة في معركة سياسية، مما يُفقده أبعاده الروحية والأخلاقية والجمالية والوجودية. بينما يدعو الرفاعي إلى قراءة تجديدية شاملة تعيد للنصوص الدينية قيمتها الروحية والأخلاقية والجمالية والوجودية، لتكون مصدر إلهام وتحقق السلام الداخلي للفرد والمجتمع، بعيدًا عن مقاربة التوظيف السياسي الضيق.
مقارنة_بين_منهج_الدكتور_حسن_حنفي_والدكتور_عبد_الجبار_الرفاعي_في.pdf
294.9 KB
مقارنة بين منهج الدكتور حسن حنفي والدكتور عبد الجبار الرفاعي في تجديد الفكر الديني
تسجيل صوتي لكتاب: مقدمة في #علم_الكلام_الجديد، تأليف: #عبدالجبار_الرفاعي، تسجيل الفصل الأول: "علم الكلام: ملخص لنشأته وتطوره وعجزه وانسداده".

https://www.hindawi.org/books/46425727/1/
 
الدرس الفلسفي في المدارس الدينية: الواقع وأفاق الانتظار

منى الصالح
 اليوم أنهيت كتاب المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي: (الدرسالفلسفي في المدارس الدينية الواقع وأفاق الانتظار). حيث أخذني بينطياته برحلة سلسة للوقوف على تاريخ الدرس الفلسفي في مدارسنا الدينية بطريقة موضوعية، وبعيدا عن التقديس أو التقليل. من شأن مننتفق أو نختلف معهم.
يحسم الدكتور الرفاعي موقفه بصراحة في مقدمة كتابه بتشديده على إعطاء العقل مرجعية محورية، عندما يقول: "كلُّ شيء يخضع لمُساءَلة العقل ونقده وتمحيصه، العقل نفسه يخضع لمساءلةِ العقل، وتمحيصِ مفاهيمه، وغربلةِ أحكامه، وطريقة تعريفه لنفسه، وتفسيره لحقيقة معرفته، ومصادرها، وقيمتها. لا يضع الحدودَ للعقل إلا العقلُ، العقل يرسم حدودَه وما هو داخلٌ في فضائه، ويتدخل ببيان حقيقةِ ما هو خارج حدوده. لا يصدق التفكيرُ فلسفيًّا إلا لحظةَ يكتفي العقلُ في تصديقاتِه وحججِه وأحكامِه بذاته، فيكون هو مرجعية تمحيصِ تفكيره، ومرجعية ما سواه، والحكم عليه إثباتًا أو نفيًا. عندما يصمت العقلُ ويكفُّ عن وظيفته، تدخلُ الروحُ والعاطفةُ في متاهات".
كتاب الدرس الفلسفي في المدارس الدينية يعطيك فكرة دقيقة وواضحةلأبعاد وملابسات فكرة إبعاد الفلسفة عن الدراسة الدينية في بعضمراحل معاهد التعليم الديني، مع الوقوف على الدور الهام الذي لعبهبعض أساتذتها في حقب معينة بترسيخ دروس الفلسفة وعلم الكلاموالعرفان النظري والسلوكي. الكتاب يفيد كل طالب في معاهد التعليم الديني ومثقف ومحب للفلسفة ومدرك لأهميتها رغم عدم تعمقه بها. فهو يتحدث عن دور الفلاسفة المسلمين، والإضافات التي قدموها في مسيرةالفلسفة، ثم ينعطف لنقد وتقويم الدرس الفلسفي في الحوزة بوصفها مثالا للفلسفة في معاهد التعليم الديني التقليدية.
بعد حديثه في الفصل الأول عن مكاسب دراسة الفلسفة في الحوزةيكتب الرفاعي عن خبرته الشخصية في الدراسة والتدريس للفلسفة لمدة 40 عاما في الحوزة والتأليف فيها، ويؤشر بصراحة للثغرات الأساسية التي تواجه الدرس الفلسفي في هذه الحاضرة الدينية، فيبسط البحث في التأشير على هذه الثغرات ويشخصها في: اختزال الفلسفة في الإسلام بملا صدرا الشيرازي، والافتقار للغات الفلسفة الغربيةالحديثة، وتمركز الهوية الاعتقادية في التفكير الفلسفي في الحوزة، والارتهان بالمشاغل التقليدية للفلسفة، وعدم مواكبة إنجازات الفلسفةوالعلوم الإنسانية الحديثة، وندرة النقد وعدم الجرأة على تجاوز الفلسفةالصدرائية، وقصور اسلوب التعليم التقليدي في تدريس ودراسةالفلسفة.
ما دمنا لسنا طلاب فلسفة، فنحتاج لمثل هذه الكتب، لنتعرف علىموقعنا في خريطة تاريخ الفلسفة وأمام الفلسفة الغربية الحديثة وبكثيرمن الموضوعية، وخاصة حيث نعيش تحديات التقدم المتسارع للذكاءالاصطناعي، وكما يوضح الدكتور الرفاعي أنه: 'ينتج حالة لايقينشاملة تطول القيم والمعتقدات والثقافات. كلما تضخم اللايقين واتسعتمدياته اتسعت الحاجة لحضور فاعل للعقل الفلسفي. الأسئلة الوجوديةالكبرى، وأزمات العقل والروح والعاطفة ليست من اختصاص العلم، ولاتقع في فضاء المادة والتجربة، من ينسى الفلسفة تنساه أعيادالتاريخ".
"تنبعث الفلسفة لحظة إيقاظ العقل. الفلسفة إيقاظ متواصل للعقل وتحرير له من تسلط المعتقدات، والايديولوجيات، والهويات. التفكير الفلسفي يبدأ لحظة يتحرر العقل من أنماط الوصايات المتنوعة". بهذه الكلمات وبين سطور الكتاب الذي وجدت فيه نفسي، وقد أعادت  ليطفولتي وصباي، حيث العقل المشاكس الذي ينقلني من حالة لأخرى دون هوادة، حيث كثيرا ماكنت أشكك بنفسي، لم لست كالأخريات؟! تستمع فترضى وتستقر، لم كل حادثة، أو مقولة، كل محاضرة وخطاب يأخذ من فكري مأخذا؟!  
تتهاوى التساؤلات كبركان هائج يرمي بحممه النارية، يحيلني لساحة من العراك والسجالات الفكرية ، بل كل سؤال كان يفتح لي أبوابا لمئات الأسئلة، وهذا ماحدا بي نحو الكتب التي تعنى بالفلسفة، والكتب التي تحترم عقولنا فتثير وتنمي فيها ملكات التفكير النقدي والتحليلي، فالبيئة والثقافة التي تهتم بالفلسفة هي بيئة حاضنة لصنوف العلوم، وحضارة قادرة على أنتاج العلماء، كما يقول الدكتور : (لم يولد العلم إلا في أحضان الفلسفة).كل من حرمّ الفلسفة، وأتهمها بالكفر والزندقة بقصد أو بدون قصد إنما هي دعوة لتجميد العقل وتسطيحه، بحيث يصبح من السهل السيطرة عليه وأدلجته واستعباده.  
 
لندن 6-2-2025

https://almothaqaf.com/readings-2/979733-منى-الصالح-الدرس-الفلسفي-في-المدارس-الدينية-الواقع-وأفاق-الانتظار
الدينُ كائنٌ حيٌّ يطلبُ ما يمدُّه بالحياة

عبدالجبار الرفاعي
العبادةُ مكونٌ أساسي في ماهية كلِّ دين، حيثما كان الدينُ كانت العبادةُ والطقسُ، لأن الدينَ يعبّر عن الحاجة للصلة بموجود لا متناهٍ في وجوده وقدرته وعلمه وكلِّ شيء. ‏العبادةُ هي التعبيرُ الحي عن هذه الصلة. الصلةُ الوجودية مالم تظل متدفقةً دائمةَ الفيض، فإنها تتبدّد وتتلاشى، ومالم تظل مضيئةً باستمرار، فإنها لو انطفأت تصاب روحُ الإنسان بالوهن والعجز، ومالم تظل منهمرة، فإنها لن تبلغ غايتها فتروي الظمأ الوجودي.
العبادةُ الحقيقية تُثري رؤيةَ الدينِ للعالَم، ففي الإسلام تُثري الصلاةُ الصادقة رؤيةَ المسلم للعالَم، وتُلهمها بمعناها الروحي والأخلاقي، وتجعل من هذا المعنى أفقًا تتشكّل في ضوئه حياةُ الإنسان الخاصة وعلاقاتُه الاجتماعية المتنوعة. وحسب تعبير علي عزت بيغوفيتش: "ليست الصلاةُ مجرّد تعبير عن موقف الإسلام من العالَم، إنما هي أيضًا انعكاسٌ للطريقة التي يريد الإسلامُ بها تنظيمَ هذا العالَم".
الإيمانُ كائنٌ حيّ يقظٌ فوّار، وهو أمرٌ وجودي، لا يتحقّق ويزدهر من دون روافد يستقي منها وجودَه، وتتجدّد بها حياتُه. إنه جذوةٌ مشتعلة، وهذه الجذوةُ بلا صلاة وطقوس تظلّ تذوي شيئًا فشيئًا حتى تنطفئ. مالم تتكرّر الطقوسُ والصلاةُ في سياق تقليدٍ عباديٍّ مرسومٍ، يذبل الإيمانُ ويذوي حتى يصير حطامًا. الإيمانُ بمثابة حديقة الأزهار، مالم نواظب على سقيها تذبل وتموت وتندثر. الصلاةُ والطقوسُ كأنها ينابيعُ مياه عذبة صافية تسقي حديقةَ الإيمان، لولاها لاندثر وأصبح هشيمًا تذروه الرياح.كما أن بناءَ الإرادة وترسيخها على الدوام من الأغراض الأساسية للعبادة في الأديان، ‏وإن كانت هذه العبادة تنحرف أحيانًا عن غايتها الأصلية، وتستخدم في وظيفة مضادة.
اهتمَ كلُّ دين معروف اهتمامًا واضحًا بالعبادة، وحرصت كلُّ الأديان على رسم تفاصيلها بجلاء، وحذّرت مَنْ يتبع الدينَ من أدائها كيفما يشاء خارج رسمَها المحدّد، لأنه يهدرُ وظيفتَها ويمسخُ هويتَها. القولُ بأن لكلِّ شخص عبادته وصلاته الخاصة كلامٌ غريبٌ على منطق الأديان، وما ترمي إليه العبادةُ فيها، وأغربُ منه محاولات بعض الناس ترقيع والتقاط عناصر متضاربة من أديان مختلفة في عباداتها وطقوسها وشعائرها، وخلطها ببعضها ولصقها بصورة متناشزة مشوّهة، وممارستها بشكل يمحقُ الدينَ، وينتحلُ حالةً زائفة للإيمان.
إن تاريخ الأديان الطويل ينبؤنا بأن العبادات تشكِّل رافدًا يغذي الصلة الوجودية الحيّة بالوجود المطلق، الذي يتجلى في كلِّ دين على شاكلة شريعة أتباعه. وأن ما تتميز به العباداتُ يكمن في اشتراك ماهيتها وصورتها بين أتباع الدين الواحد. ولم يصادف أن نجد دينًا أتاح لمعتنقيه أن يختاروا عباداتهم خارج إطار شريعتهم، أو يلتقطون عناصرها من أديان متنوعة كيفما يشاؤون.
في ضوء هذا المفهوم للعبادة في الأديان، نجد الهندوسي يؤدي طقسَه وعبادتَه الخاصة في معبده، وفي المسيحية يؤدي المسيحي قدّاسَه في كنيسته، وفي الإسلام يؤدي المسلمُ صلاتَه في مسجده. كيفيةُ القداس الذي يؤديه المسيحي في الكنيسة، تختلفُ عن كيفيةِ طقس الهندوسي في معبده، وتختلفُ عن كيفيةِ صلاة المسلم في مسجده، وهكذا الحالُ في الأديان الأخرى.
لا ننكر التشابه في بعض عناصر العبادات والطقوس والشعائر في الأديان، الذي يعبر عن مشتركات الأديان والثقافات في المجتمعات المختلفة، إلا أننا لم نجد تطابقًا وتماثلًا كليًا بينها، لكلِّ عبادة بصمتها الخاصة ولونها الذي يعكس صورةَ الديانة المشتقة منها. لكلِّ إنسان حياته الروحية، روحُ الإنسان تتغذّى من العبادات المشتركة في ديانته. صلاةُ الحلاج والبسطامي والنفري وابن عربي وجلال الدين الرومي ومحمد حسين الطباطبائي، وغيرهم من العرفاء، هي صلاةُ الإسلام ذاتها، غير أنهم تهذبوا وتسامت أروحهم بنور الله، وابتهجوا بمحُبّته .
الحياةُ الروحية تتحقّق في سياق شريعة محدّدة، الحياةُ الروحية تتطلب أن تستقي على الدوام من العبادة الخاصة بهذه الشريعة، بوصفها من سنخها وترتسم فيها صورةُ الديانة، وينعكس فيها شيءٌ من عناصر البنى اللاشعورية للديانة الراسخة في باطن الإنسان. فلو ركّبَ الإنسانُ على ديانته تقليدًا عباديًّا مستعارًا من ديانة أخرى،كما لو أن مسلمًا كان يمارس تقليدًا طقوسيًّا هندوسيًّا أو العكس، سيفضي ذلك إلى التناشز بين طقس ترتسم فيه صورةُ ديانة غير ديانته، والحياة الروحية في أفق ديانته. لكلِّ ديانة طقسٌ خاص من جنسها، بمعنى أنه مشتقٌّ من طبيعة البنى اللاشعورية للديانة الراسخة في باطن الإنسان، وكيفية رؤيتها للعالَم، وبصمة الحياة الروحية فيها.
الحياةُ الروحية للأديان في مختلف المجتمعات تُدلّل على ذلك، ففي المجتمعات الغربية التي يُمنَح الأشخاصُ فيها حريةً دينيةً واسعة، لا تسودها ظواهر، مثل: مسلم يصلي في معبد هندوسي، أو هندوسي يؤدي طقسَه في المسجد. وقلّما نعثر على أشخاص يتخبطون في تجريب الأديان وطقوسها، بغيةَ إرواء ظمئهم الأنطولوجي، وعادةً ما يعيش مثل هؤلاء ضياعًا وتمزقًا وقلقًا واضطرابًا، ذلك أنهم كشارب ماء البحر، كلّما شرب منه اشتدّ ظمؤه.
يُشاع أن العرفاء يبلغون مقامًا في سلوكهم الروحي يهجرون فيه العبادةَ، وهذا غير صحيح لأن ذوي البصائر من العرفاء يشددون على أن: الشريعةَ توصل إلى الطريقة، إلا أن الشريعةَ لا تتعطّل عند بلوغ الطريقة، وأن الطريقةَ توصل إلى الحقيقة، إلا أن الشريعة لا تتعطّل عند بلوغ الحقيقة.
لا طريقةَ بلا شريعة، لا حقيقةَ بلا طريقة، الشريعةُ غطاءُ الطريقة، الطريقةُ غطاءُ الحقيقة. هذا ما فسّروا فيه ما هو منسوب للنبي الكريم "ص": "الشريعةُ أقوالي، والطريقةُ أفعالي، والحقيقةُ أحوالي" . "الشريعةُ أمرٌ بالتزام العبودية، والحقيقةُ مشاهدةُ الربوبية، وكلُّ شريعةٍ غيرُ مؤيدة بالحقيقة فأمرها غير مقبول، وكلُّ حقيقةٍ غيرُ مقيدةٍ بالشريعة فأمرها غير محصول. والشريعةُ جاءت بتكليف من الخالق، والحقيقةُ إنباءٌ عن تصريف الحق. فالشريعةُ أن تعبده، والحقيقةُ أن تشهده. والشريعةُ قيام بما أمر، والحقيقةُ شهود لما قضى وقدّر، وأخفى وأظهر". حسب تفسير أبو القاسم القشيري . ويقول أحمد زروق: "الشريعةُ أن تعبده، والطريقةُ أن تقصده، والحقيقةُ أن تشهده. أو تقول: الشريعةُ لإصلاح الظواهر، والطريقةُ لإصلاح الضمائر، والحقيقةُ لإصلاح السرائر".

الموضوع مستل من الفصل الأول من كتابي: الدين والكرامة الإنسانية، وهو جواب لسؤال أحد المعلقين باسم "محب العربية" على ما نشرته قبل ليلتين على صفحة الفسبك وهذا نص سؤاله: (إن كانت العبادة جوهرية في كل دين، فلماذا لا تكون لكل مفكر وفيلسوف عبادته الخاصة التي تتواءم مع صورته عن الدين الذي يعتقده؟ ألا ترى أن العبادات تختلف بين الأديان فليست هناك عبادة صحيحة أو مطلقة؟ ألا ترى أن العبادات وضعت في الأصل للجمهور من عوام الناس؟).

https://www.facebook.com/100001524003286/posts/pfbid02sPXxVQMfSfSW8gSnKGCMT5nMks1NHvThcdYggBQ2Gw2xo9k6ejbmFvMKwvfKdKoZl/

#عبدالجبار_الرفاعي
#العبادة
عبدالجبار الرفاعي.. حضور المحبة الكثيف

د. نصير جابر
في العراق – ولعقود طويلة خلت- تبدو مهمة المفكر صعبة ومعقّدة للغاية، بل قد تكون مستحيلة، لأنّه سيكون دائما على المحكّ مع “الأفكار” السائدة في المجتمع لحظة حضوره بطروحات حرة قد لا تكون بالضرورة مشابهة ومتناغمة مع غيرها. ومن هنا سيكون عليه سلوك طريقين – لو أراد البقاء في بلده- أما التخلّي عمّا يؤمن به ومهادنة السلطة و”أفكارها”، وأما الصمت المطبق، وسيكون لحظتئذ قد حكم على نفسه بالموت المعنوي البشع الذي لا يمكن أن يتقبّله أي عقل حركي فعّال، أو اختيار الطريق الثالث الشاق والصعب، لكنه الأسلم وهو الهجرة بما يحمله من آمال وتطلعات معرفية إلى فضاء آمن يستطيع فيه أن يقول كلمته من دون قيد أو شرط.
وهكذا فعل المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي الذي هاجر إلى ايران منذ عقود طويلة، ولم يرجع إلاّ بعد أن تنفس الوطن رائحة الحرية، وصار من الممكن أن تقول ما تؤمن به من دون خوف من رقابة مجرمة صارمة.
ولسنوات طويلة قبل أن أقرأ له كتابا منفردا، كان هذا الاسم يعني لي مجلة “قضايا إسلامية معاصرة” فقط، فمنذ ظهورها عام 1997 كانت توفر بموادها الرصينة الخصبة مساحة من متعة معرفية راقية لا تقدّر بثمن، ومهما كنت تنتمي إلى حيز فكري بعيد جدا عنها وعن توجهها فلن تجد فيها إلّا مجلة قريبة منك، لأنها تحاول أن تجايل الراهن المعرفي وتخاطبه بمودة وتَفهم ومن دون عدائية أو انتقاص!
وهذا الانطباع سينسحب على صاحبها ومؤسّسها الدكتور الرفاعي الرجل الهادئ البعيد جدا عن الصدام والعراك والجدل الذي لا طائل منه.
والمتواضع الذي لا تكاد تسمع صوته وهو يتحدث حتى لا يشعرك بفوقانية ما، أو تعال أو تكبّر يصاحب عادة أغلب المشتغلين بهذا المجال بوصفهم مُلاك حقيقة مطلقة، فالرجل عكس ذلك تماما، إذ يرى في الحضور الفعّال هو الغاية من وجود المفكر وسط صخب الحراك الثقافي، لذلك عندما رأيته أوّل مرة خلال استضافة اتحاد الأدباء والكتاب له في النجف الأشرف قبل سنوات، شعرت أن انطباعي الأوّل عنه – الذي كونته من خلال المجلة وتوجهها- انطباع صحيح جدا.
فالرجل غارق بتأمل العالم الرصين ومنشغل بهموم الإنسان المتصالح مع الذات، الباحث عن حلّ ناجع وأسئلة جديدة يمكن أن تسهم في زيادة الألفة بين الناس وتبتعد عن التعصب المقيت والتطرف الاجرامي أو الخوف والقلق من ماض شائك تعتريه المشكلات الكبيرة والمعضلات المستغلقة ومستقبل غامض مربك قد تضيع فيه هوية الإنسان وتنمسخ.
لذا بدا لي الرجل غير مكترث تماما بما يمكن أن تفعله الأضواء نحوه كمثقف بارز واسم لامع في ثقافتنا المعاصرة. إذ عاش للكتب والكتابة وكأنها مهمته الوحيدة في الحياة حتى إنه قال في آخر كتبه “مسرات القراءة ومخاض الكتابة.. فصل من سيرة كاتب” الصادر عن دار تكوين- الرافدين في الكويت عام 2023 «لم أجد نفسي خارج الكتابة منذ أكثر من 45 عاماً تقريباً”.
إن الجهد الكبير والشاق الذي بذله الرفاعي يأتي من دقّة اشتغالاته الفكرية في مساحات الأديان، وما لحق بها من امتداد تأريخي، وتأكيده الدائم على النزعة الإنسانية فيها، وإنّها -أي الأديان- منظومات روحية أخلاقية عالية جاءت من أجل الرقي بروح الإنسان نحو مصاف عالية سامية.
ومن يتأمل نتاجه العميق سيرى ذلك واضحا في كتبه مثل “انقاذ النزعة الإنسانية في الدين، تمهيد لدراسة فلسفة الدين، الدين والظمأ الأنطولوجي” وغير ذلك في عشرات المقالات المؤسّسة لهذه الفكرة النقية النبيلة، التي تبدو من الأهمية بمكان لتشكّل علامة فارقة في مسيرته الفكرية الطويلة.
حاز الرفاعي العديد من الجوائز المحلية والدولية الرفيعة تقديرا لجهوده المميزة. ولكن أزعم إن من بين أهم تلك الجوائز التي استحقها في حياته هي اتقان دوره التنويري من دون تشتّت وتحديد مجاله المعرفي بدقّة والاندكاك فيه حدّ التماهي من دون الدخول في صراعات جانبية لا تغني المعرفة شيئا.
ومن الضروري القول أيضا إن منجزه الفكري كان مادة خصبة للعديد من الرسائل والأطاريح الجامعية في دول عديدة، بوصفه رائدا من رواد علم الكلام الجديد ومفكرا عميقا أغنى المعرفة بفكر إنساني خلّاق.

د. نصير جابر، كاتب عراقي.

https://al-aalem.com/رؤى-للتجديد-بمناسبة-الذكرى-السبعين-لو-5/
يترجم القلبُ كلمات الحُبّ بمعنى واحد
د. عبد الجبار الرفاعي
يولد الحُبّ في لغة القلب، وهي من أصدق وأعذب اللغات في العالم. يترجم القلبُ كلَّ لغات الحُبّ وكلماته المتنوعة في مختلف اللغات بمعنى واحد، لا يرى الإنسانُ في كلمات الحُبّ بكلِّ اللغات إلا الضوء. الحب يعيد إنتاج الذكريات وكأنها ضوء يخلِّد أجمل ما يمكث من الإنسان، الحُبّ يوقد جذوة الضوء في القلب، القلبُ الذي يعيشُ الحُبّ لا يدركه الوهنُ، ولا ينهكه تقدمُ العمر. مَن يتعلم الاستثمار في الحُبّ يرى الضوء بمن يتعامل معه، ويجعل حياته أسهل، وعيشه أسعد، ويظفر بجذوة الروح وبهجتها.
الحُبّ الأصيل يعنى كون الإنسان المحبوب يمتلك ضميرًا أخلاقيًّا يقظًا، هذا الضربُ من الحُبّ لا يرهقه فعلٌ مهما كان شاقًّا، بل يجعل كلَّ شيء عذبًا، وإن لم يكن في ذاته عذبًا. ما أعنيه هو الحُبّ الأخلاقي الأصيل غير المشروط، الحُبّ الذي يبادر فيه كلٌّ من المحبَّين بالعطاء بلا أية مقايضة أو استرداد لما أعطى، ويكون مَن يُحب مستعدًا لتقديم كلِّ شيء بلا أن يمنّ بما أعطى. أتحدثُ عن الحبِّ الأصيلِ الذي يحميهِ سياجٌ أخلاقي، لا أعني بعضَ الأخلاقِ الكلاميةِ والفقهيةِ المضادةِ لما يحكمُ بهِ العقلُ الأخلاقي . الأخلاقُ هنا بمعنى العقلِ العمليِّ، وهي ما يُحسِّنُهُ ويُقبِّحُهُ العقلُ الأخلاقي.
الحُبّ الأخلاقي الأصيل ضرب من الامتنان والإكرام، مَن يحبّك يكرمك ويعبر عن امتنانه العميق لك. الحُبّ المشروط مُشبَّع بالمن لا بالامتنان، والإكراه لا الاختيار، والفرض لا التطوع، والتكلف لا المبادرة، مما يجعله ضربًا من الاستعباد. يتحول الحُبّ المشروط بمرور الأيام إلى قائمة مطالب لا تنتهي، تتراكم وتضاف إليها كلّ يوم مطالب جديدة، حتى يشعر الإنسان أنه يتعرض إلى عملية ابتزاز تستنزفه وتنهك قلبه، وتعبث بسلامه الداخلي.
الحُبّ الأصيل يخفضُ وتيرةَ الخوف والقلق، ويحرّر الإنسانَ من الاكتئاب وفقدان المعنى. الحُبّ الأصيل مُلهِمٌ، الاستبصاراتُ الحاذقة يُلهمُها الحُبّ، استفاقةُ العقل يُلهمُها الحُبّ، العفو والغفران والرفق واللطف يُلهمُها الحُبّ. لا يتوقف فعلُ الحُبّ عند القلب والعواطف، بل يظهر أثرُه بشكل واضح في توجيهِ بوصلة التفكير وغاياته في العقل، وبناءِ رؤية جمالية لله والإنسان والعالَم، واثراءِ الشعور بسحر تجليات الجمال في الوجود، وإيقاظِ البهجة في أعماق الإنسان. الحُبّ ينقذ الإنسان من الاغتراب الاجتماعي، ويخفض الاغتراب الوجودي. اكتشاف الحُبّ الأصيل من أثرى اكتشافات المعنى الجميل الملهم لحياة الإنسان.
في مراحلِ عمر الإنسان كلّها، وبتنوّعِ دروب حياته، واختلافِ أنماط عيشه، وتجّددِ احتياجاته ومصالحه، وتضاعفِها، أو تضاؤلها، يظلّ الحُبّ أعذبَ منابع المعنى في حياته. لن يتراجع الأثرُ المُلهِمُ للحب مهما تقلبت أيامُه واختلفت. يلبث الإنسانُ حتى اللحظات الأخيرة من عمره بأمسّ الحاجة إلى كلمةِ حب صادقة، وضوءِ قلبٍ محب، ومحبةِ روحٍ مشفِقة. جوهرُ المحبة ضوءٌ يكشفُ تجلياتِ جمال المُحِب والمحبوب. محبّة خلق الله من أعظم النعم الإلهية، هذه النعمةُ يفتقر إليها بعضُ الناس الذين يتظاهرون بالتديّن. أعرف بعضَهم يدمن الطقوسَ والشعائر، لكنه يعجز عن المبادرةِ بأيِّ موقفٍ جميل أو فعلٍ أو كلمة تجسِّد محبتَه للناس.
القلوب مرايا؛ عندما يكون الإنسان سخيًّا بكلمة الحُبّ الصادقة يمتلك قلوب الناس السليمة من الأمراض الأخلاقية، ويسهم في مداواة النفوس المصابة بأمراض نفسية. المحبة الصادقة هي رصيد العلاقات الإنسانية المثمرة، يكرسها العمل المتواصل على اكتشاف المشتركات العاطفية والأخلاقية والإنسانية مع الآخر، مع التغاضي عن الاختلافات الاعتقادية والأيديولوجية والفكرية والمزاجية، وتجاهل الكلام والمواقف والثرثرات المزعجة، وعدم التدخل في الخصوصيات الشخصية، إلا إذا بادر الآخر بإخبارنا بمشكلة في حياته الخاصة وطلب منا التدخل والدعم بشأن خاص به، يدعونا العيش بسلام إلى أن نكفّ عن ملاحقة عثرات وأخطاء الآخرين. لو رأينا أعماق الإنسان كما هي لأصابنا الذعر؛ الحُبّ هو الحالة الوحيدة التي تجعلنا نرى الإنسان كما يراه الله بنوره ورحمته التي وسعت كلَّ شيء. الإنسان الذي يمتلك القدرة على الاستثمار في الحُبّ وتذوق تجليات الجمال في العالم لا يدركه الهرم. يضيع الإنسان، حتى وإن ظفر بكلِّ شيء، عندما يضيع عليه الطريق إلى الحُبّ الأصيل في حياته.‏
الإنسانُ منذورٌ للحُبّ؛ يولد وتولد معه الحاجةُ الأبدية للمحبّة، الرضيع يتشبث بأمه ليل نهار، لا يطلب رضاعة الحليب فقط، بل يرتضع المحبة ودفء حنان الأم وحميميتها وشفقتها. وإن كان لا يستطيع في تلك المرحلة العمرية التعبير عن ذلك بالكلمات، فإنه يعبر عنه جسديًّا برغم عجزه عن التعبير اللغوي. كلمات المحبة الصادقة، الصادرة من إنسان يتقن صناعة المحبة الأصيلة والاستثمار فيها، تبعث الطمأنينة في القلب والسكينة في الروح. عندما يفتقر الإنسانُ إلى المحبة، يشعر كأنه يعيش في منفى كئيب داخل أسوار مدينة موحشة، لكن حين يعثر على منبع للمحبّة، يسترد ما يفتقر إليه من سكينة وطمأنينة تصيّر عيشَه عذبًا.
مادام الحُبّ أثمنَ ما يظفر به الإنسانُ من المعاني وأغلاه، فإن نيلَه يتطلب معاناةً شاقةً وجهودًا مضنية. الحُبّ ليس صعبًا فقط، بل هو عصيٌّ على أكثر الناس، لا يسكن الحُبّ الأصيلُ إلا الأرواحَ السامية، ولا يناله إلا مَن يتغلّب بمشقةٍ بالغةٍ على منابع التعصّب والكراهية والعنف والشر الكامنة في أعماقه. حُبّ الإنسان من أشقِّ الأشياء في الحياة، لأن الإنسان بطبيعته أسيرُ ضعفه البشري، يصعب عليه أن يتخلّص من بواعث الغيرة في ذاته، وما تنتجه غيرتُه من منافساتٍ ونزاعاتٍ وصراعات، وما يفرضه استعدادُه للشرِّ من كراهياتٍ بغيضة، وآلامٍ مريرة .
كما أنَّ أخطرَ شيءٍ على الفكرِ والأدبِ هو عبادةُ الأصنامِ الفكريةِ والأدبيةِ، فإنَّ أخطرَ ما يفتكُ بالقلبِ هو تحويلُ المحبوبِ إلى صنمٍ. الحُبُّ يُغذِّي النرجسيةَ ويُشبعُها، وأحيانًا يُضخِّمُها إلى درجةٍ تُفسدُ الحُبَّ، حين يُسرفُ بعضُ المحبين في الثناءِ على ذواتِهم، ويفرطون في استعمالِ كلمةِ "أنا" بشكلٍ مبتذل، وتكرارِ الإعلانِ المُثيرِ عن مزاياهم وما يتفوَّقون به على غيرهم، بأسلوبٍ تسودهُ كثيرٌ من المبالغاتِ وحتى الأكاذيب. ويظلُّ بعضُهم يُلحُّ، داعيًا حبيبَهُ للإصغاءِ إليهِ في كلِّ مرةٍ يثرثرُ بهذهِ الكلماتِ المُملّة، ولا يسمحُ لهُ بالتحدثِ عن ذاتِه، وكأنَّهُ يُبلغهُ برسالةٍ مفادها التفوّقُ عليهِ وعلى غيرِهِ، حتى يشعرَ مَن يُنصتُ إليهِ بالاشمئزازِ من الحديثِ وتنضبُ روافدُ التواصلِ معهُ بالتدريج.