وهذا ما نفهمه من كلام الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في سياق حديثه عن أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث رأى: «أنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت لتأدية واجبٍ عظيمٍ، وهو إعادة الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى الخطّ الصّحيح أو الثّورة ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلاميّ. وهذا ما يتمّ عن طريق الثّورة وعن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تكون نتيجتها إقامة الحكومة، وقد تكون الشهادة، وقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) مستعدّاً لكلتا النتيجتين. والدليل على ذلك هو ما يُستنتج من أقوال الإمام الحسين (عليه السلام)»⁶.
ومن الواضح أنّ مثل هذا الخيار محفوف بالتضحيات وعظيم التمحيص والابتلاء، والذي تجلّى بارتقاء الإمام الحسين (عليه السلام) وخيرة أبناء الرسالة من أصحابه وأنصاره وأهل بيته من بني هاشم شهداء في سبيل الإسلام.
2. موقف الحسين (عليه السلام): مثلي لا يبايع مثله
ذكر المؤرّخون إنّ يزيد كتب فور موت أبيه إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان -وكان والياً على المدينة من قِبَل معاوية- أن يأخذ على الحسين (عليه السلام) بالبيعة له، ولا يرخّص له في التأخّر عن ذلك⁷.
وذكرت مصادر تأريخيّة اُخرى أنّه جاء في الرسالة: «إذا أتاك كتابي هذا، فأحضِر الحسين بن عليّ وعبدالله بن الزبير، فخذهما بالبيعة، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث إليّ برأسيهما، وخذ الناس بالبيعة، فمَنْ امتنع فأنفذ فيه الحكم»⁸.
فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً: «أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح اللّه، وبنا ختم اللّه، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة»⁹.
وقال (عليه السلام) لمحمّد بن الحنفيّة: «يا أخي، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لما بايعت -والله- يزيد بن معاوية أبداً»¹⁰.
اعتبر (عليه السلام) أنّ البيعة تعني إعطاء الشرعيّة لسلطة بني أميّة، ولذلك أعلن رفضها ليكون ذلك بمثابة عدم اعتراف بمشروعيّة السلطة والواقع ومنطق الغلبة المفروض.
وخلاصة الموقف: إنّ حركة الإمام (عليه السلام) الإصلاحيّة تنظر إلى تحقيق الهدف المتمثّل بالإصلاح، بصرف النظر عن الوصول إلى الحكم حتماً أو إلى الشهادة حتماً، فقد تساعد الظّروف بحيث يصل إلى سدّة الحكم ويمسك بزمام السلطة، وقد لا يمكنه ذلك ويستشهد، وفي كلتا الحالتين تكون الثورة لأجل الإصلاح. ويرافقها التمحيص والابتلاء للمسلمين جميعاً، إذ كلّما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل، ألم يأتِ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أوذي نبيّ مثلما أوذيت»¹¹، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الأمثل فالأمثل»¹² من الأوصياء والأولياء، الذين نزلت أنفسهم منهم في البلاء، كما نزلت في الرخاء¹³.
🔶 3. الحسينيّون أهل العزّة
«هيهات منّا الذلة» ليست شعاراً شكليّاً رفعه الإمام الحسين (عليه السلام)، بل هو نهج أرسى أسسه وخطّه بدمه الطاهر للأمّة ولكلّ الأجيال القادمة، بأن الذلّ والخضوع للظالم لا مكان له في قاموس المجاهدين الحسينيّين؛ لأنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين، كما صرح الذكر الحكيم، وكما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن أصبح من أمّتي وهمّته غير الله فليس من الله، ومن لم يهتمّ بأمور المؤمنين فليس منهم، ومن أقرّ بالذلّ طائعاً فليس منّا أهل البيت»¹⁴؛
ولهذا أعلنها الإمام الحسين (عليه السلام) عندما توضّحت نوايا الغدر والخذلان والإصرار على محاربة الإمام (عليه السلام) وطاعة يزيد الفاسق، بقوله: «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنين وحجور طابت وطهُرت، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة مع قلّة العدد وخذلة الناصر»¹⁵.
🔶 4. عاشوراء والتمحيص والابتلاء
1. مفهوم الابتلاء: جاءت كلمة الابتلاء في اللغة بمعنى: «بلوت الرجل وابتليته، اختبرته. وابتلاه الله امتحنه، والبلاء يكون بالخير والشرّ»¹⁶، وكلمة الابتلاء تتعلّق بالبلاء والامتحان والمصيبة، والاختبار في السرّاء والضرّاء، ويدلّ الابتلاء في الأصل على الاختبار والامتحان، «يُقال: بلوته أبليته وابتليته، والمعروف أنّ الابتلاء يكون في الخير والشَّرّ معاً من غير فرق بين فعلهما، ومنه قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾¹⁷.
↪️ #يتبع ②
ومن الواضح أنّ مثل هذا الخيار محفوف بالتضحيات وعظيم التمحيص والابتلاء، والذي تجلّى بارتقاء الإمام الحسين (عليه السلام) وخيرة أبناء الرسالة من أصحابه وأنصاره وأهل بيته من بني هاشم شهداء في سبيل الإسلام.
2. موقف الحسين (عليه السلام): مثلي لا يبايع مثله
ذكر المؤرّخون إنّ يزيد كتب فور موت أبيه إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان -وكان والياً على المدينة من قِبَل معاوية- أن يأخذ على الحسين (عليه السلام) بالبيعة له، ولا يرخّص له في التأخّر عن ذلك⁷.
وذكرت مصادر تأريخيّة اُخرى أنّه جاء في الرسالة: «إذا أتاك كتابي هذا، فأحضِر الحسين بن عليّ وعبدالله بن الزبير، فخذهما بالبيعة، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث إليّ برأسيهما، وخذ الناس بالبيعة، فمَنْ امتنع فأنفذ فيه الحكم»⁸.
فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً: «أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح اللّه، وبنا ختم اللّه، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة»⁹.
وقال (عليه السلام) لمحمّد بن الحنفيّة: «يا أخي، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لما بايعت -والله- يزيد بن معاوية أبداً»¹⁰.
اعتبر (عليه السلام) أنّ البيعة تعني إعطاء الشرعيّة لسلطة بني أميّة، ولذلك أعلن رفضها ليكون ذلك بمثابة عدم اعتراف بمشروعيّة السلطة والواقع ومنطق الغلبة المفروض.
وخلاصة الموقف: إنّ حركة الإمام (عليه السلام) الإصلاحيّة تنظر إلى تحقيق الهدف المتمثّل بالإصلاح، بصرف النظر عن الوصول إلى الحكم حتماً أو إلى الشهادة حتماً، فقد تساعد الظّروف بحيث يصل إلى سدّة الحكم ويمسك بزمام السلطة، وقد لا يمكنه ذلك ويستشهد، وفي كلتا الحالتين تكون الثورة لأجل الإصلاح. ويرافقها التمحيص والابتلاء للمسلمين جميعاً، إذ كلّما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل، ألم يأتِ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أوذي نبيّ مثلما أوذيت»¹¹، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الأمثل فالأمثل»¹² من الأوصياء والأولياء، الذين نزلت أنفسهم منهم في البلاء، كما نزلت في الرخاء¹³.
🔶 3. الحسينيّون أهل العزّة
«هيهات منّا الذلة» ليست شعاراً شكليّاً رفعه الإمام الحسين (عليه السلام)، بل هو نهج أرسى أسسه وخطّه بدمه الطاهر للأمّة ولكلّ الأجيال القادمة، بأن الذلّ والخضوع للظالم لا مكان له في قاموس المجاهدين الحسينيّين؛ لأنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين، كما صرح الذكر الحكيم، وكما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن أصبح من أمّتي وهمّته غير الله فليس من الله، ومن لم يهتمّ بأمور المؤمنين فليس منهم، ومن أقرّ بالذلّ طائعاً فليس منّا أهل البيت»¹⁴؛
ولهذا أعلنها الإمام الحسين (عليه السلام) عندما توضّحت نوايا الغدر والخذلان والإصرار على محاربة الإمام (عليه السلام) وطاعة يزيد الفاسق، بقوله: «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنين وحجور طابت وطهُرت، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة مع قلّة العدد وخذلة الناصر»¹⁵.
🔶 4. عاشوراء والتمحيص والابتلاء
1. مفهوم الابتلاء: جاءت كلمة الابتلاء في اللغة بمعنى: «بلوت الرجل وابتليته، اختبرته. وابتلاه الله امتحنه، والبلاء يكون بالخير والشرّ»¹⁶، وكلمة الابتلاء تتعلّق بالبلاء والامتحان والمصيبة، والاختبار في السرّاء والضرّاء، ويدلّ الابتلاء في الأصل على الاختبار والامتحان، «يُقال: بلوته أبليته وابتليته، والمعروف أنّ الابتلاء يكون في الخير والشَّرّ معاً من غير فرق بين فعلهما، ومنه قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾¹⁷.
↪️ #يتبع ②
❤1
📝 الموعظة التاسعة
💠 زينبُ الكبرى (عليها السلام): صبرُ الرسالة وشجاعةُ البقاء
🔹 هدف الموعظة
إبراز شخصيّة السيّدة زينب (عليها السلام) في صبرها وثباتها ودورها المحوريّ في كربلاء وما بعدها، باعتبارها أنموذجاً للجهاد بعد الشهادة، وتبيان عمق أثرها في حفظ الرسالة وإحياء الدين.
🔹محاور الموعظة
1. تجلّي المعادن في المحن
2. زينب (عليها السلام): الصبر في عمق المصيبة
3. بين خطرين عظيمين
4. رؤية الحسين (عليه السلام) للمستقبل
5. شجاعة وبيان لا نظير لهما
6. لا تمحو ذكرنا
7. الجمال في سبيل الله
🔹 تصدير الموعظة
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) لعمّته زينب (عليها السلام): «وأنتِ -بحمدِ اللهِ- عالمةٌ غيرُ معلَّمة، فهِمةٌ غيرُ مفهَّمة، إنّ البكاءَ والحنينَ لا يردّانِ مَنْ قدْ أبادَهُ الدهرُ!»¹.
🔶 1. تجلّي المعادن في المحن
تمرّ على الإنسان في حياته محنٌ وأزمات، تختبر معدنه، وتُظهر جوهره، وتُفصح عن مدى صلابته في مواجهة التحدّيات. ففي لحظات المعاناة والشدّة، تحتدم المشاعر، وتُثار المشكلات، وتختلط الأمور، وتضيع البوصلة عند كثيرين، إلّا مَن ثبّت الله قلوبهم بالإيمان، وربط عليها بنور البصيرة، كما قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾².
بهذا الثبات، يظهر الفرق بين الذهب والحديد، بين مَن ينكسر في العاصفة، ومَن يصمد ويواجه. وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الناسُ معادنُ، كمعادنِ الذهبِ والفضّةِ»³.
🔶 2. زينب (عليها السلام): الصبر في عمق المصيبة
ومن أصفى تلك المعادن وأشدّها لمعاناً في تاريخنا، السيّدة زينب (عليها السلام)، التي كانت النموذج الأتمّ للمرأة المسؤولة، الثابتة على المبدأ، الراسخة في الإيمان، الشجاعة في مواجهة الظلم، الواعية لمسؤوليّاتها في أحلك الظروف. لقد مرّت بمراحل متعدّدة من الألم والعذاب، منذ خروج الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء، ومروراً بيوم العاشر، وما تبعه من سبيٍ وظلمٍ وجراح. واجهت كلّ ذلك من دون أن تتزلزل أو تتراجع، بل حملت شعلة الثورة في قلوب الظالمين.
يقول شهيد الأمّة السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه): «السيدة زينب (عليها السلام) حفظت لنا كربلاء على مدى التاريخ وإلى قيام الساعة، وما قدّمته لم يكن من موقع المؤرِّخ ولا الشاهد الحياديّ، بل كانت في قلب الحدث، وقد استطاعت بصوتها ووقفتها وصرختها وصبرها، أن ترسم خطّاً ثابتاً طوال التاريخ، وأن يصبح موقفها مغيرِّاً لمعادلات الصراع والتاريخ، وأن تصبح أنّاتها وكلماتها باعثةَ هذا الشعور القويّ وهذا الصبر الجميل في قلوب النساء وأمّهات الشهداء طوال التاريخ»⁴.
🔶 3. بين خطرين عظيمين
كانت السيّدة زينب (عليها السلام) تدرك عِظَم التحدّي الذي تواجهه، إذ لم يكن الخطر مقتصراً على حياة أهل البيت (عليهم السلام)، بل كان أعظم من ذلك بكثير.
- كان الخطر الأول: ضياع الإسلام ذاته، كما أشار الإمام الحسين (عليه السلام) حين قال: «إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلامِ السلام، إذْ قدْ بُلِيتِ الأمّةُ براعٍ مثلِ يزيدَ»⁵.
- وأمّا الخطر الثاني، فهو اجتثاث الإمامة والوصاية من جذورها، وقتل النور الهادي الذي أودعه الله في عترة نبيّه. ولأجل ذلك، فإنّ زينب (عليها السلام) لم تكن مجرّد أخت شهيد، بل كانت رأس الحربة في المعركة الثانية بعد عاشوراء، معركة الحفاظ على جوهر الثورة وهويّتها الرساليّة.
🔶 4. رؤية الحسين (عليه السلام) للمستقبل
كان الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم بأنّ النصر الحقيقيّ لا يكون بالنجاة الظاهريّة، بل بالثبات على الحقّ. وقد كتب في رسالته لبني هاشم: «مَن لحقَ بي استُشهد، ومَن تخلّفَ عنّي لم يبلغِ الفتحَ»⁶؛ أي إنّ الشهادة في ركب الحسين (عليه السلام) هي عين الفتح، وأمّا السلامة من دون موقف، فهي خسران.
وحين سُئل (عليه السلام) عن خروجه مع النساء، قال: «إنّ اللهَ قد شاء أن يراهُنّ سبايا»⁷. فسبايا أهل البيت لم يكن وجودهنّ عرضيّاً، بل جزءاً من التدبير الإلهيّ للثورة. وهنا كانت زينب (عليها السلام) شريكةً في القيادة، تماماً كما كان الحسين (عليه السلام) قائد المعركة العسكريّة.
🔶 5. شجاعة وبيان لا نظير لهما
لقد برزت زينب (عليها السلام) في وجه الطغاة بكلماتها، كما برز أخوها بسيفه. يقول حذلم بن ستير: «لَمْ أَرَ خَفِرَةً قَطُّ أَنطَقَ مِنْهَا، كَأَنَّهَا تُفرِغُ عَن لِسَانِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ (عليه السلام)... فَرَأَيتُ النَّاسَ حَيَارَى، قَد رَدُّوا أَيْدِيَهُم فِي أَفْوَاهِهِم»⁸.
كانت صاحبة بيان يُزلزل العروش، وشجاعة تهزّ أركان الطغاة، ووعيٍ رساليّ لا يُقدَّر بثمن. وقد شهد لها الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وأنتِ -بحمدِ اللهِ- عالمةٌ غيرُ معلَّمة، فهِمةٌ غيرُ مفهَّمة»⁹.
↪️ #يتبع ①
💠 زينبُ الكبرى (عليها السلام): صبرُ الرسالة وشجاعةُ البقاء
🔹 هدف الموعظة
إبراز شخصيّة السيّدة زينب (عليها السلام) في صبرها وثباتها ودورها المحوريّ في كربلاء وما بعدها، باعتبارها أنموذجاً للجهاد بعد الشهادة، وتبيان عمق أثرها في حفظ الرسالة وإحياء الدين.
🔹محاور الموعظة
1. تجلّي المعادن في المحن
2. زينب (عليها السلام): الصبر في عمق المصيبة
3. بين خطرين عظيمين
4. رؤية الحسين (عليه السلام) للمستقبل
5. شجاعة وبيان لا نظير لهما
6. لا تمحو ذكرنا
7. الجمال في سبيل الله
🔹 تصدير الموعظة
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) لعمّته زينب (عليها السلام): «وأنتِ -بحمدِ اللهِ- عالمةٌ غيرُ معلَّمة، فهِمةٌ غيرُ مفهَّمة، إنّ البكاءَ والحنينَ لا يردّانِ مَنْ قدْ أبادَهُ الدهرُ!»¹.
🔶 1. تجلّي المعادن في المحن
تمرّ على الإنسان في حياته محنٌ وأزمات، تختبر معدنه، وتُظهر جوهره، وتُفصح عن مدى صلابته في مواجهة التحدّيات. ففي لحظات المعاناة والشدّة، تحتدم المشاعر، وتُثار المشكلات، وتختلط الأمور، وتضيع البوصلة عند كثيرين، إلّا مَن ثبّت الله قلوبهم بالإيمان، وربط عليها بنور البصيرة، كما قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾².
بهذا الثبات، يظهر الفرق بين الذهب والحديد، بين مَن ينكسر في العاصفة، ومَن يصمد ويواجه. وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الناسُ معادنُ، كمعادنِ الذهبِ والفضّةِ»³.
🔶 2. زينب (عليها السلام): الصبر في عمق المصيبة
ومن أصفى تلك المعادن وأشدّها لمعاناً في تاريخنا، السيّدة زينب (عليها السلام)، التي كانت النموذج الأتمّ للمرأة المسؤولة، الثابتة على المبدأ، الراسخة في الإيمان، الشجاعة في مواجهة الظلم، الواعية لمسؤوليّاتها في أحلك الظروف. لقد مرّت بمراحل متعدّدة من الألم والعذاب، منذ خروج الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء، ومروراً بيوم العاشر، وما تبعه من سبيٍ وظلمٍ وجراح. واجهت كلّ ذلك من دون أن تتزلزل أو تتراجع، بل حملت شعلة الثورة في قلوب الظالمين.
يقول شهيد الأمّة السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه): «السيدة زينب (عليها السلام) حفظت لنا كربلاء على مدى التاريخ وإلى قيام الساعة، وما قدّمته لم يكن من موقع المؤرِّخ ولا الشاهد الحياديّ، بل كانت في قلب الحدث، وقد استطاعت بصوتها ووقفتها وصرختها وصبرها، أن ترسم خطّاً ثابتاً طوال التاريخ، وأن يصبح موقفها مغيرِّاً لمعادلات الصراع والتاريخ، وأن تصبح أنّاتها وكلماتها باعثةَ هذا الشعور القويّ وهذا الصبر الجميل في قلوب النساء وأمّهات الشهداء طوال التاريخ»⁴.
🔶 3. بين خطرين عظيمين
كانت السيّدة زينب (عليها السلام) تدرك عِظَم التحدّي الذي تواجهه، إذ لم يكن الخطر مقتصراً على حياة أهل البيت (عليهم السلام)، بل كان أعظم من ذلك بكثير.
- كان الخطر الأول: ضياع الإسلام ذاته، كما أشار الإمام الحسين (عليه السلام) حين قال: «إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلامِ السلام، إذْ قدْ بُلِيتِ الأمّةُ براعٍ مثلِ يزيدَ»⁵.
- وأمّا الخطر الثاني، فهو اجتثاث الإمامة والوصاية من جذورها، وقتل النور الهادي الذي أودعه الله في عترة نبيّه. ولأجل ذلك، فإنّ زينب (عليها السلام) لم تكن مجرّد أخت شهيد، بل كانت رأس الحربة في المعركة الثانية بعد عاشوراء، معركة الحفاظ على جوهر الثورة وهويّتها الرساليّة.
🔶 4. رؤية الحسين (عليه السلام) للمستقبل
كان الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم بأنّ النصر الحقيقيّ لا يكون بالنجاة الظاهريّة، بل بالثبات على الحقّ. وقد كتب في رسالته لبني هاشم: «مَن لحقَ بي استُشهد، ومَن تخلّفَ عنّي لم يبلغِ الفتحَ»⁶؛ أي إنّ الشهادة في ركب الحسين (عليه السلام) هي عين الفتح، وأمّا السلامة من دون موقف، فهي خسران.
وحين سُئل (عليه السلام) عن خروجه مع النساء، قال: «إنّ اللهَ قد شاء أن يراهُنّ سبايا»⁷. فسبايا أهل البيت لم يكن وجودهنّ عرضيّاً، بل جزءاً من التدبير الإلهيّ للثورة. وهنا كانت زينب (عليها السلام) شريكةً في القيادة، تماماً كما كان الحسين (عليه السلام) قائد المعركة العسكريّة.
🔶 5. شجاعة وبيان لا نظير لهما
لقد برزت زينب (عليها السلام) في وجه الطغاة بكلماتها، كما برز أخوها بسيفه. يقول حذلم بن ستير: «لَمْ أَرَ خَفِرَةً قَطُّ أَنطَقَ مِنْهَا، كَأَنَّهَا تُفرِغُ عَن لِسَانِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ (عليه السلام)... فَرَأَيتُ النَّاسَ حَيَارَى، قَد رَدُّوا أَيْدِيَهُم فِي أَفْوَاهِهِم»⁸.
كانت صاحبة بيان يُزلزل العروش، وشجاعة تهزّ أركان الطغاة، ووعيٍ رساليّ لا يُقدَّر بثمن. وقد شهد لها الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وأنتِ -بحمدِ اللهِ- عالمةٌ غيرُ معلَّمة، فهِمةٌ غيرُ مفهَّمة»⁹.
↪️ #يتبع ①
❤1
📝 الموعظة العاشرة
💠 أحياءٌ عند ربِّهم
🔹 هدف الموعظة
إبراز المقامات الربّانيّة التي يختصّ الله بها الشهداء، من خلال استقراء النصوص القرآنيّة والروائيّة في بيان الأثر الوجوديّ والتكريميّ للشهادة في سبيل الله، وتجلية أبعادها في الدنيا والآخرة، بما يعمّق في وجدان المؤمنين معنى الجهاد والتضحية.
🔹 محاور الموعظة
1. الشهادةُ في سبيلِ اللهِ عبورٌ إلى الكمالِ الإنسانيّ
2. مقامُ الهدايةِ والإصلاحِ بعدَ الشهادةِ
3. الجنّةُ الموعودةُ تعريفٌ خاصٌّ للشهداءِ
4. الشهداءُ حاملو سرّ الإحياء الإلهيّ
5. الشهادةُ في كربلاء رمزُ التضحيةِ والفداءِ للأمّة
🔹 تصدير الموعظة
﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾¹.
🔶 1. الشهادةُ في سبيلِ اللهِ عبورٌ إلى الكمالِ الإنسانيّ
يعِدُ الله تعالى في كتابه الكريم الذين يُقتَلون في سبيله بثلاث عطاءات عظيمة. أوّل هذه العطاءات هي أنّ أعمالهم لا تُضَيّع، بل تُثمر في الدنيا والآخرة. والشهادة في سبيل الله تمثل أسمى صور البذل والعطاء، ومن بين أعظم من قام بذلك في التاريخ هو الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي استشهد في معركة كربلاء في سبيل إحياء الحقّ والعدل. كان يعلم أنّ مواقفه وأعماله لن تضيع، بل ستثمر في تحقُّق النصر الإلهيّ في النفوس، حتّى وإن كانت النتيجة الظاهرة هي القتل.
قال تعالى: ﴿فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾، وهذه الحقيقة تؤكّد لنا أنّ الأعمال التي تُؤدّى في سبيل الله لا تذهب سدى، بل تُنتج آثاراً عظيمة في الدنيا، حتّى وإن كانت النتيجة الظاهرة هي القتل والموت. فمواقفه (عليه السلام) في كربلاء زرعت بذور الإيمان في قلوب المسلمين إلى يومنا هذا.
وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف الشهادة: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْمَوْتَ لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ، وَلَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ... وَإِنَّ أَفْضَلَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ»²، فما قدّمه الإمام الحسين (عليه السلام) كان من أجل إحياء الحقّ، وما تحقّق من خلاله كان أكبر من مجرّد انتصار مادّيّ.
🔶 2. مقامُ الهدايةِ والإصلاحِ بعدَ الشهادةِ
بعد أن يؤدّي الشهيدُ مهمّته الإلهيّة، ويفارق هذه الحياة، يُغدِق الله عليه ببركات الهداية والإصلاح، إذ يقول تعالى: ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾. هذه الهداية تأتي بعد الشهادة، ليجد الشهيد نفسه في حالة من السكينة والطمأنينة، يستحقّ بها المقام الرفيع عند الله.
في واقعة كربلاء، الإمام الحسين وأصحابه الأوفياء (عليهم السَّلام)، برغم ما لقوه من ألمٍ وعذابٍ، كانوا يُحيون بذلك المسار الجهاديّ الرفيع؛ فقد منحهم الله الهداية الكاملة، وأصّل في قلوبهم رسوخ الإيمان.
ما فعله الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء كان أكثر من مجرّد معركة، كان فتحاً للقلوب والعقول، يُصلِح به الله حال الأمّة الإسلاميّة.
ويُشير الإمام عليّ (عليه السلام) في حديثه عن فضل الشهادة: «لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى فِرَاشٍ»³، ويؤكد بذلك أنّ الشهادة ليست نهاية، بل بداية لإصلاح نفسيّ وروحيّ في القرب من الله.
🔶 3. الجنّةُ الموعودةُ تعريفٌ خاصٌّ للشهداءِ
لقد وعد الله الشهداء بالجنّة، وهي الجائزة الكبرى التي أعدّها الله لهم، وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾. ومع أنّ الجنّة هي مكافأة لجميع المؤمنين، فإنّ للشهداء فيها منزلة خاصّة، حيث يُعرِّف لهم أماكنهم في الجنّة، وما هي إلّا دليل على المكانة الرفيعة التي يحتلّها الشهداء.
إنّ هذه الحقيقة تتجلّى في شجاعة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، الذي كان يعلم أنّ فدائيّته في سبيل الله ستؤدّي به إلى مكانة عظيمة في الجنّة. فقد كان يعرف مكانه في الجنّة ومكانة أصحابه الأوفياء، الذين ضحّوا بحياتهم من أجل نصرة الحقّ. وعندما خرج الإمام الحسين إلى كربلاء، كان يسير على يقين بأنّ هذا الطريق هو طريق الجنّة التي بشره الله بها، وقد كان مصير أصحابه من الشهداء كذلك.
قيل للإمام الصادق (عليه السلام): أخبرني عن أصحاب الحسين (عليه السلام) وإقدامهم على الموت، فقال: «إنّهم كُشف لهم الغطاء، حتّى رأَوا منازلهم من الجنّة»⁴.
هكذا كان يعرف الإمام الحسين وأصحابه ما ينتظرهم، وهم يسيرون نحو مصيرهم المشرق برغم كلّ المحن التي واجهوها في كربلاء.
↪️ #يتبع ①
💠 أحياءٌ عند ربِّهم
🔹 هدف الموعظة
إبراز المقامات الربّانيّة التي يختصّ الله بها الشهداء، من خلال استقراء النصوص القرآنيّة والروائيّة في بيان الأثر الوجوديّ والتكريميّ للشهادة في سبيل الله، وتجلية أبعادها في الدنيا والآخرة، بما يعمّق في وجدان المؤمنين معنى الجهاد والتضحية.
🔹 محاور الموعظة
1. الشهادةُ في سبيلِ اللهِ عبورٌ إلى الكمالِ الإنسانيّ
2. مقامُ الهدايةِ والإصلاحِ بعدَ الشهادةِ
3. الجنّةُ الموعودةُ تعريفٌ خاصٌّ للشهداءِ
4. الشهداءُ حاملو سرّ الإحياء الإلهيّ
5. الشهادةُ في كربلاء رمزُ التضحيةِ والفداءِ للأمّة
🔹 تصدير الموعظة
﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾¹.
🔶 1. الشهادةُ في سبيلِ اللهِ عبورٌ إلى الكمالِ الإنسانيّ
يعِدُ الله تعالى في كتابه الكريم الذين يُقتَلون في سبيله بثلاث عطاءات عظيمة. أوّل هذه العطاءات هي أنّ أعمالهم لا تُضَيّع، بل تُثمر في الدنيا والآخرة. والشهادة في سبيل الله تمثل أسمى صور البذل والعطاء، ومن بين أعظم من قام بذلك في التاريخ هو الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي استشهد في معركة كربلاء في سبيل إحياء الحقّ والعدل. كان يعلم أنّ مواقفه وأعماله لن تضيع، بل ستثمر في تحقُّق النصر الإلهيّ في النفوس، حتّى وإن كانت النتيجة الظاهرة هي القتل.
قال تعالى: ﴿فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾، وهذه الحقيقة تؤكّد لنا أنّ الأعمال التي تُؤدّى في سبيل الله لا تذهب سدى، بل تُنتج آثاراً عظيمة في الدنيا، حتّى وإن كانت النتيجة الظاهرة هي القتل والموت. فمواقفه (عليه السلام) في كربلاء زرعت بذور الإيمان في قلوب المسلمين إلى يومنا هذا.
وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف الشهادة: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْمَوْتَ لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ، وَلَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ... وَإِنَّ أَفْضَلَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ»²، فما قدّمه الإمام الحسين (عليه السلام) كان من أجل إحياء الحقّ، وما تحقّق من خلاله كان أكبر من مجرّد انتصار مادّيّ.
🔶 2. مقامُ الهدايةِ والإصلاحِ بعدَ الشهادةِ
بعد أن يؤدّي الشهيدُ مهمّته الإلهيّة، ويفارق هذه الحياة، يُغدِق الله عليه ببركات الهداية والإصلاح، إذ يقول تعالى: ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾. هذه الهداية تأتي بعد الشهادة، ليجد الشهيد نفسه في حالة من السكينة والطمأنينة، يستحقّ بها المقام الرفيع عند الله.
في واقعة كربلاء، الإمام الحسين وأصحابه الأوفياء (عليهم السَّلام)، برغم ما لقوه من ألمٍ وعذابٍ، كانوا يُحيون بذلك المسار الجهاديّ الرفيع؛ فقد منحهم الله الهداية الكاملة، وأصّل في قلوبهم رسوخ الإيمان.
ما فعله الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء كان أكثر من مجرّد معركة، كان فتحاً للقلوب والعقول، يُصلِح به الله حال الأمّة الإسلاميّة.
ويُشير الإمام عليّ (عليه السلام) في حديثه عن فضل الشهادة: «لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى فِرَاشٍ»³، ويؤكد بذلك أنّ الشهادة ليست نهاية، بل بداية لإصلاح نفسيّ وروحيّ في القرب من الله.
🔶 3. الجنّةُ الموعودةُ تعريفٌ خاصٌّ للشهداءِ
لقد وعد الله الشهداء بالجنّة، وهي الجائزة الكبرى التي أعدّها الله لهم، وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾. ومع أنّ الجنّة هي مكافأة لجميع المؤمنين، فإنّ للشهداء فيها منزلة خاصّة، حيث يُعرِّف لهم أماكنهم في الجنّة، وما هي إلّا دليل على المكانة الرفيعة التي يحتلّها الشهداء.
إنّ هذه الحقيقة تتجلّى في شجاعة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، الذي كان يعلم أنّ فدائيّته في سبيل الله ستؤدّي به إلى مكانة عظيمة في الجنّة. فقد كان يعرف مكانه في الجنّة ومكانة أصحابه الأوفياء، الذين ضحّوا بحياتهم من أجل نصرة الحقّ. وعندما خرج الإمام الحسين إلى كربلاء، كان يسير على يقين بأنّ هذا الطريق هو طريق الجنّة التي بشره الله بها، وقد كان مصير أصحابه من الشهداء كذلك.
قيل للإمام الصادق (عليه السلام): أخبرني عن أصحاب الحسين (عليه السلام) وإقدامهم على الموت، فقال: «إنّهم كُشف لهم الغطاء، حتّى رأَوا منازلهم من الجنّة»⁴.
هكذا كان يعرف الإمام الحسين وأصحابه ما ينتظرهم، وهم يسيرون نحو مصيرهم المشرق برغم كلّ المحن التي واجهوها في كربلاء.
↪️ #يتبع ①
❤1
📝 الموعظة الحادية عشرة
💠 الجهاد في سبيل الله بين فقه الشهادة ومقامات النصر
🔹 هدف الموعظة
بيان منزلة الجهاد وأبعاده التربويّة والروحيّة والفقهيّة، وتسليط الضوء على صلته الوثيقة بالنهضة الحسينيّة المباركة، وبيان أثر الشهادة في تحقيق النصر، وربط ذلك بواقعنا المعاصر وحاجتنا إلى إحياء روح كربلاء في سلوكنا ومواقفنا.
🔹 محاور الموعظة
1. شروط الجهاد ومقوّمات النصر
2. الشهادة بوّابة النصر
3. شهداؤنا على نهج كربلاء
🔹 تصدير الموعظة
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾¹.
📝 منزلة الجهاد في القرآن والروايات
الجهاد في سبيل الله بابٌ من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وسلكه الأنبياء والأوصياء، وجعل الله فيه عزّ الأمة وكرامتها، وذلّ من أعرض عنه وتخلّف عن ساحته. يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾².
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الْجِهَادَ وَعَظَّمَهُ، وَجَعَلَهُ نَصْرَهُ وَنَاصِرَهُ. وَاللَّهِ، مَا صَلَحَتْ دُنْيَا وَلَا دِينٌ إِلَّا بِهِ»³.
وهو في ذاته تجارة مع الله، لا تبور، ولا يخسر فيها مَن باع نفسه لله، بل يربح فوزاً عظيماً لا يُقاس بالمقاييس المادّيّة. لذا، لا عجب أن يكون الجهاد في نهج كربلاء هو جوهر المسير، وعنوان النهضة، وسرّ البقاء.
🔶 1. شروط الجهاد ومقوّمات النصر
لكي يكون الجهاد في سبيل الله جهاداً مقبولاً ومؤثّراً، لا بدّ من توفّر شروط أساسيّة تضمن صحّته وثمرته. وقد بيّنت النصوص المباركة هذه الشروط وأكّدتها، وهي مترابطة ومتكاملة:
1. الانضواء تحت راية الحقّ
الجهاد لا يُشرَّع من ذات الإنسان، بل لا بدّ أن يكون تحت راية الحق. وهذا ما أوضحته دعوات الأئمّة (عليهم السلام)، كما في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): «أن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك مع أوليائك تحت راية الحقّ من أهل بيت نبيّك»⁴.
راية كربلاء هي تجسيدٌ لهذه الحقيقة؛ لم يكن خروج الحسين إلّا لإحياء راية الحقّ بعدما خبا نورها، واندثر هدْيها تحت وطأة الانحراف الأمويّ.
2. الالتزام بطاعة القيادة
الجهاد لا يثمر إلّا تحت قيادة شرعيّة تحفظ وحدة الصف، وتسدّ أبواب الفشل، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾⁵. ولذا، كان أصحاب الحسين (عليه السلام) مثالاً في الطاعة والولاء، إذ سلّموا نفوسهم بين يدي قائدهم وارتقَوا في مدارج العشق واليقين.
3. إخلاص النيّة لله
النيّة أساس القَبول، ولا يُقبل من العمل إلّا ما كان خالصاً لله، كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال الله عز وجل: أَنا خيرُ شريك، مَن أشرك معي غيري في عملٍ عَمِلَهُ لم أَقبله، إلّا ما كان لي خالصاً»⁶. فالجهاد لا يكون طاعةً إلّا إذا خُضْناه بعشق القرب، لا رياءً أو جاهاً.
4. الصبر روح الجهاد
الصبر أساس النجاح في ساحات القتال، قال تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾⁷، وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد»⁸. كربلاء مدرسة في الصبر، إذ صبر الحسين على عطش الأطفال، وصبر زينب على المصاب، وصبر العباس حتّى سقطت الراية.
5. التوكّل على الله
التوكل قوّة روحيّة تجعل المجاهد فوق الحسابات المادّيّة، وتربطه بالمدد الإلهي، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾⁹. قال الإمام الكاظم (عليه السلام): «مَن أراد أن يكون أقوى الناس، فليتوكّل على الله»¹⁰. الحسين خرج وهو يعلم قلّة العدد، لكنّه خرج واثقاً بنصر الله، ومتوكّلاً عليه.
↪️ #يتبع ①
💠 الجهاد في سبيل الله بين فقه الشهادة ومقامات النصر
🔹 هدف الموعظة
بيان منزلة الجهاد وأبعاده التربويّة والروحيّة والفقهيّة، وتسليط الضوء على صلته الوثيقة بالنهضة الحسينيّة المباركة، وبيان أثر الشهادة في تحقيق النصر، وربط ذلك بواقعنا المعاصر وحاجتنا إلى إحياء روح كربلاء في سلوكنا ومواقفنا.
🔹 محاور الموعظة
1. شروط الجهاد ومقوّمات النصر
2. الشهادة بوّابة النصر
3. شهداؤنا على نهج كربلاء
🔹 تصدير الموعظة
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾¹.
📝 منزلة الجهاد في القرآن والروايات
الجهاد في سبيل الله بابٌ من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وسلكه الأنبياء والأوصياء، وجعل الله فيه عزّ الأمة وكرامتها، وذلّ من أعرض عنه وتخلّف عن ساحته. يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾².
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الْجِهَادَ وَعَظَّمَهُ، وَجَعَلَهُ نَصْرَهُ وَنَاصِرَهُ. وَاللَّهِ، مَا صَلَحَتْ دُنْيَا وَلَا دِينٌ إِلَّا بِهِ»³.
وهو في ذاته تجارة مع الله، لا تبور، ولا يخسر فيها مَن باع نفسه لله، بل يربح فوزاً عظيماً لا يُقاس بالمقاييس المادّيّة. لذا، لا عجب أن يكون الجهاد في نهج كربلاء هو جوهر المسير، وعنوان النهضة، وسرّ البقاء.
🔶 1. شروط الجهاد ومقوّمات النصر
لكي يكون الجهاد في سبيل الله جهاداً مقبولاً ومؤثّراً، لا بدّ من توفّر شروط أساسيّة تضمن صحّته وثمرته. وقد بيّنت النصوص المباركة هذه الشروط وأكّدتها، وهي مترابطة ومتكاملة:
1. الانضواء تحت راية الحقّ
الجهاد لا يُشرَّع من ذات الإنسان، بل لا بدّ أن يكون تحت راية الحق. وهذا ما أوضحته دعوات الأئمّة (عليهم السلام)، كما في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): «أن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك مع أوليائك تحت راية الحقّ من أهل بيت نبيّك»⁴.
راية كربلاء هي تجسيدٌ لهذه الحقيقة؛ لم يكن خروج الحسين إلّا لإحياء راية الحقّ بعدما خبا نورها، واندثر هدْيها تحت وطأة الانحراف الأمويّ.
2. الالتزام بطاعة القيادة
الجهاد لا يثمر إلّا تحت قيادة شرعيّة تحفظ وحدة الصف، وتسدّ أبواب الفشل، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾⁵. ولذا، كان أصحاب الحسين (عليه السلام) مثالاً في الطاعة والولاء، إذ سلّموا نفوسهم بين يدي قائدهم وارتقَوا في مدارج العشق واليقين.
3. إخلاص النيّة لله
النيّة أساس القَبول، ولا يُقبل من العمل إلّا ما كان خالصاً لله، كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال الله عز وجل: أَنا خيرُ شريك، مَن أشرك معي غيري في عملٍ عَمِلَهُ لم أَقبله، إلّا ما كان لي خالصاً»⁶. فالجهاد لا يكون طاعةً إلّا إذا خُضْناه بعشق القرب، لا رياءً أو جاهاً.
4. الصبر روح الجهاد
الصبر أساس النجاح في ساحات القتال، قال تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾⁷، وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد»⁸. كربلاء مدرسة في الصبر، إذ صبر الحسين على عطش الأطفال، وصبر زينب على المصاب، وصبر العباس حتّى سقطت الراية.
5. التوكّل على الله
التوكل قوّة روحيّة تجعل المجاهد فوق الحسابات المادّيّة، وتربطه بالمدد الإلهي، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾⁹. قال الإمام الكاظم (عليه السلام): «مَن أراد أن يكون أقوى الناس، فليتوكّل على الله»¹⁰. الحسين خرج وهو يعلم قلّة العدد، لكنّه خرج واثقاً بنصر الله، ومتوكّلاً عليه.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة الثانية عشرة
💠 معايير النصر في الميزان الإسلاميّ
بين أداء التكليف وترسيخ الوعي
🔹 هدف الموعظة
تعريف مفهوم النصر والهزيمة من منظورٍ إسلاميٍّ قرآنيٍّ وروائيٍّ بعيدٍ عن المقاييس المادّيّة الظاهريّة، وذلك عبر إبراز المعايير الأساسيّة التي تشكّل حقيقة النصر في الميزان الإلهيّ.
🔹 محاور الموعظة
1. معايير النصر وفق الفهم الإسلاميّ
2. أداء التكليف
3. التزام المجتمع بإحقاق الحقّ وإبطال الباطل
4. ترسخ مشروع الحقّ وقضيّته في وعي الناس
5. انتصار إرادة الحقّ على قوة الباطل: شواهد من العصر الحديث
🔹 تصدير الموعظة
﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾¹.
🔶 1. معايير النصر وفق الفهم الإسلاميّ
كثيراً ما يُثار التساؤل بعد كلّ مواجهة أو صراع: هل انتصرنا أم هُزمنا؟ وقد طُرح هذا السؤال بإلحاحٍ كبير في الأوساط الفكريّة والثقافيّة والإعلاميّة بعد معركة «أولي البأس»، التي مثّلت محطّة مفصليّة في تاريخ المواجهة مع العدوّ؛ إذ لم يبقَ الحديث مقتصراً على أهل الاختصاص، بل شغل الرأي العامّ بكلّ فئاته، وصار كل فرد يُشكّل قناعة شخصيّة تجاه ما جرى، إمّا على أساس العاطفة والانتماء، أو بناءً على التحليل السياسيّ والعسكريّ.
لكنّ السؤال الأهمّ الذي يستدعي التوقّف عنده: ما معايير النصر والهزيمة في الفهم الإسلاميّ؟ هل يُقاس النصر بالسيطرة الجغرافيّة، أم بعدد الضحايا، أم بالتأثير المعنويّ والرمزيّ؟ وهل تعني الهزيمة دائماً تراجعاً وانكساراً؟
لذلك، نحاول نعيد صياغة السؤال في ضوء القرآن الكريم، وسنّة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، في محاولةٍ لتأسيس فهم إسلاميّ أصيل لمفهومَي النصر والهزيمة، بما يتجاوز الأبعاد الظاهريّة. وسنعرّج على بعض النماذج التطبيقيّة من السيرة النبويّة والإماميّة.
🔶 2. أداء التكليف
ينبغي أن نُدرك جيّداً أنّ النصر في المنظور الإسلاميّ الواقعيّ لا يُقاس فقط بالنتائج الظاهرة أو الانتصارات الميدانيّة، بل يقوم على مجموعة من الأسس والمعايير التي تحدّد ما إذا كنّا حقّاً قد انتصرنا. وأوّل هذه الأسس أداء التكليف.
فالإنسان المسلم، حين ينهض بمسؤوليّته تجاه القضايا العادلة، ولا يتخاذل أمام الظلم، ولا يتردّد في قول كلمة الحقّ، يكون قد حقّق أولى درجات النصر. ونحن أبناء مدرسة تؤمن بأنّ الواجب الأوّل على كلّ مسلم في هذه الحياة هو أداء ما كُلّفنا به من الله، والسعي في طريق الحقّ، على المستويين الفرديّ والجماعيّ، من دون أن نُشغل أنفسنا دائماً بنتائج العمل، فالثمرة النهائيّة بيد الله وحده.
إنّ هذا الفهم لا يعني التقاعس عن الإعداد أو التوكّل السلبيّ، بل يعني أن نبذل جهدنا ونُعدّ لعدوّنا ما استطعنا من قوّة، ثمّ نترك ما لا نملكه -وهو النتائج- إلى الله سبحانه. من هنا، فإنّ الالتزام بالتكليف يُعدّ في ذاته نصراً معنويّاً وروحيّاً، لأنّه يصبّ في مصلحة الدين والمجتمع، ويعزّز القيم العليا في الأمّة.
ولذلك، نجد أنّ القرآن الكريم قدّم لنا نماذج متعدّدة من المؤمنين الذين واجهوا الطغاة والجبابرة، وقاتلوا من أجل الحقّ، وبرغم اختلاف نهاياتهم وما وصلوا إليه في آخر المطاف -فمنهم من انتصر ظاهراً، ومنهم من استُشهد أو سُجن أو شُرّد- إلّا أنّ كلّ تلك النهايات كانت أشكالاً من النصر الحقيقيّ؛ لأنّها ساهمت في رفع الوعي، وتقوية جبهة الحقّ، وإحياء روح المقاومة والكرامة في الأمّة، والأهمّ من ذلك كلّه يكون الواحد منهم قد أدّى أمام الله تكليفه على أتمّ وجه لا يبتغي إلّا رضاه.
🔶 3. التزام المجتمع بإحقاق الحقّ وإبطال الباطل
من أبرز معايير النصر في الرؤية الإسلاميّة أن يسري الالتزام بالحقّ في وجدان الناس، ويترسّخ في سلوك المجتمع. فكلّما ازداد وعي الناس بأهمّيّة إحقاق الحقّ وإبطال الباطل، وتدرّجوا في مواجهته -من التشكيك فيه، إلى رفضه، ثمّ تحدّيه، وصولاً إلى مقاومته وإزهاقه- كلّما اقتربوا من النصر الحقيقيّ، الذي لا يُقاس بعدد الغنائم أو حجم الدمار، بل بمقدار ما تغيّر في الوعي الجمعيّ واتّضح من الحقائق.
فالقرآن الكريم لا يصوّر الصراع في الحياة بوصفه صراعاً على الموارد أو الأرض فقط، بل هو في جوهره صراع على العقول والقلوب، وعلى الأفكار والمفاهيم التي تشكّل سلوك الإنسان ومواقفه.
↪️ #يتبع ①
💠 معايير النصر في الميزان الإسلاميّ
بين أداء التكليف وترسيخ الوعي
🔹 هدف الموعظة
تعريف مفهوم النصر والهزيمة من منظورٍ إسلاميٍّ قرآنيٍّ وروائيٍّ بعيدٍ عن المقاييس المادّيّة الظاهريّة، وذلك عبر إبراز المعايير الأساسيّة التي تشكّل حقيقة النصر في الميزان الإلهيّ.
🔹 محاور الموعظة
1. معايير النصر وفق الفهم الإسلاميّ
2. أداء التكليف
3. التزام المجتمع بإحقاق الحقّ وإبطال الباطل
4. ترسخ مشروع الحقّ وقضيّته في وعي الناس
5. انتصار إرادة الحقّ على قوة الباطل: شواهد من العصر الحديث
🔹 تصدير الموعظة
﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾¹.
🔶 1. معايير النصر وفق الفهم الإسلاميّ
كثيراً ما يُثار التساؤل بعد كلّ مواجهة أو صراع: هل انتصرنا أم هُزمنا؟ وقد طُرح هذا السؤال بإلحاحٍ كبير في الأوساط الفكريّة والثقافيّة والإعلاميّة بعد معركة «أولي البأس»، التي مثّلت محطّة مفصليّة في تاريخ المواجهة مع العدوّ؛ إذ لم يبقَ الحديث مقتصراً على أهل الاختصاص، بل شغل الرأي العامّ بكلّ فئاته، وصار كل فرد يُشكّل قناعة شخصيّة تجاه ما جرى، إمّا على أساس العاطفة والانتماء، أو بناءً على التحليل السياسيّ والعسكريّ.
لكنّ السؤال الأهمّ الذي يستدعي التوقّف عنده: ما معايير النصر والهزيمة في الفهم الإسلاميّ؟ هل يُقاس النصر بالسيطرة الجغرافيّة، أم بعدد الضحايا، أم بالتأثير المعنويّ والرمزيّ؟ وهل تعني الهزيمة دائماً تراجعاً وانكساراً؟
لذلك، نحاول نعيد صياغة السؤال في ضوء القرآن الكريم، وسنّة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، في محاولةٍ لتأسيس فهم إسلاميّ أصيل لمفهومَي النصر والهزيمة، بما يتجاوز الأبعاد الظاهريّة. وسنعرّج على بعض النماذج التطبيقيّة من السيرة النبويّة والإماميّة.
🔶 2. أداء التكليف
ينبغي أن نُدرك جيّداً أنّ النصر في المنظور الإسلاميّ الواقعيّ لا يُقاس فقط بالنتائج الظاهرة أو الانتصارات الميدانيّة، بل يقوم على مجموعة من الأسس والمعايير التي تحدّد ما إذا كنّا حقّاً قد انتصرنا. وأوّل هذه الأسس أداء التكليف.
فالإنسان المسلم، حين ينهض بمسؤوليّته تجاه القضايا العادلة، ولا يتخاذل أمام الظلم، ولا يتردّد في قول كلمة الحقّ، يكون قد حقّق أولى درجات النصر. ونحن أبناء مدرسة تؤمن بأنّ الواجب الأوّل على كلّ مسلم في هذه الحياة هو أداء ما كُلّفنا به من الله، والسعي في طريق الحقّ، على المستويين الفرديّ والجماعيّ، من دون أن نُشغل أنفسنا دائماً بنتائج العمل، فالثمرة النهائيّة بيد الله وحده.
إنّ هذا الفهم لا يعني التقاعس عن الإعداد أو التوكّل السلبيّ، بل يعني أن نبذل جهدنا ونُعدّ لعدوّنا ما استطعنا من قوّة، ثمّ نترك ما لا نملكه -وهو النتائج- إلى الله سبحانه. من هنا، فإنّ الالتزام بالتكليف يُعدّ في ذاته نصراً معنويّاً وروحيّاً، لأنّه يصبّ في مصلحة الدين والمجتمع، ويعزّز القيم العليا في الأمّة.
ولذلك، نجد أنّ القرآن الكريم قدّم لنا نماذج متعدّدة من المؤمنين الذين واجهوا الطغاة والجبابرة، وقاتلوا من أجل الحقّ، وبرغم اختلاف نهاياتهم وما وصلوا إليه في آخر المطاف -فمنهم من انتصر ظاهراً، ومنهم من استُشهد أو سُجن أو شُرّد- إلّا أنّ كلّ تلك النهايات كانت أشكالاً من النصر الحقيقيّ؛ لأنّها ساهمت في رفع الوعي، وتقوية جبهة الحقّ، وإحياء روح المقاومة والكرامة في الأمّة، والأهمّ من ذلك كلّه يكون الواحد منهم قد أدّى أمام الله تكليفه على أتمّ وجه لا يبتغي إلّا رضاه.
🔶 3. التزام المجتمع بإحقاق الحقّ وإبطال الباطل
من أبرز معايير النصر في الرؤية الإسلاميّة أن يسري الالتزام بالحقّ في وجدان الناس، ويترسّخ في سلوك المجتمع. فكلّما ازداد وعي الناس بأهمّيّة إحقاق الحقّ وإبطال الباطل، وتدرّجوا في مواجهته -من التشكيك فيه، إلى رفضه، ثمّ تحدّيه، وصولاً إلى مقاومته وإزهاقه- كلّما اقتربوا من النصر الحقيقيّ، الذي لا يُقاس بعدد الغنائم أو حجم الدمار، بل بمقدار ما تغيّر في الوعي الجمعيّ واتّضح من الحقائق.
فالقرآن الكريم لا يصوّر الصراع في الحياة بوصفه صراعاً على الموارد أو الأرض فقط، بل هو في جوهره صراع على العقول والقلوب، وعلى الأفكار والمفاهيم التي تشكّل سلوك الإنسان ومواقفه.
↪️ #يتبع ①
ومن هنا، فإنّ كل مواجهة عسكريّة أو سياسيّة، إن لم تترك أثراً في الوعي الإنسانيّ ولم تُفضِ إلى وضوحٍ أكبر بين معسكريّ الحقّ والباطل، فهي ناقصة أو غير مكتملة في ميزان الإسلام. يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾²، أي أنّ الغاية من القتال ليست سفك الدماء أو تحقيق انتصارٍ عسكريٍّ فقط، بل هي إزالة الفتنة التي تُضلّل الناس وتحجب عنهم الحقّ، وتثبيت الدين والحقّ في النفوس.
وعليه، فإنّ النصر الحقيقيّ يبدأ حين يصبح الناس أكثر إدراكاً لحقيقة الصراع، ويميلون في قلوبهم وعقولهم إلى جبهة الحقّ، ويرفضون أن يكونوا أدوات بيد الباطل.
ومن هنا، تكتسب المعركة الجارية اليوم - نصرةً لغزّة ومواجهةً للعدوّ الصهيونيّ - طابعاً خاصّاً في هذا السياق؛ إذ إنها لا تكشف زيف الباطل فحسب، بل تُفرز المعسكرات بين من يقف مع قيم العدالة والحرّيّة، ومن يبرّر الاحتلال والظلم. إنّها بوابة تاريخيّة لكشف الأقنعة، وفرصة لتعزيز الاصطفاف الأخلاقيّ والروحيّ والدينيّ حول قضيّة الحقّ، ولو بأدنى أشكال المساهمة.
🔶 4. ترسخ مشروع الحقّ وقضيّته في وعي الناس
من أبرز علامات النصر الحقيقيّ في الرؤية الإسلاميّة أن تترسّخ قضيّة الحقّ ومشروعها في وعي الناس، وتتحوّل إلى خيارٍ جماهيريّ، لا مجرّد موقفٍ نخبويّ أو ردّ فعل عاطفيّ. إنّ ما يجب أن نرصده بعد كلّ مواجهة أو صراع، ليس فقط حجم الانتصارات الميدانيّة، بل مدى التغيّر في وعي الجمهور: هل ازداد تمسّكهم بخيار المقاومة؟ هل أصبحت القضيّة أكثر رسوخاً وتجذّراً في النفوس؟ وهل بدأ الحقّ يتمايز أكثر في عيون الناس ويتجلّى أمامهم؟
فإذا أصبحت فكرة المقاومة بعد الحرب أكثر قبولاً، ووجدنا إرادةً شعبيّةً صلبةً وعازمةً على رفض الباطل، ومواجهة الظلم، فهذا هو النصر الحقيقيّ والأعمق، لأنّه يمهّد لمرحلةٍ جديدة من الوعي، ويثبّت الجبهة الثقافيّة والعقائديّة للمواجهة، وهي الجبهة الأطول عمراً والأكثر تأثيراً، يقول تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾³، فالحقّ -وإن بدا في لحظاتٍ ضعيفاً أو محاصراً- لكنّه هو ما يبقى، لأنّه يلبّي حاجة الوعي الإنسانيّ، ويجد طريقه في القلوب الصافية والعقول الباحثة عن المعنى، وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنما يُنصر الله عباده المؤمنين بما يخرج من قلوبهم من اليقين»⁴؛ فالانتصار لا يتحقّق بالسلاح وحده، بل بما يرسخ في القلوب من إيمانٍ ويقين، حيث يُحوّل الفكرة إلى التزامٍ، والموقف إلى مسيرةٍ، والتاريخ الإسلامي خير شاهد، فقد كانت الأزمات والمحن مفاصل حاسمة في تثبيت الوعي وترسيخ القيم في الأجيال الصاعدة.
وكانت قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام)، رغم ما جرى فيها من مأساة، نصراً استراتيجيّاً للحقّ؛ لأنّها حوّلت القضيّة من معركة إلى مشروع دائمٍ في وعي الأمّة.
وعليه، فإنّ المعيار الثالث للنصر هو أن نرى البصيرة تتعمّق، والفكرة تتجذّر، والأجيال تتبنّى مشروع الحقّ بإصرار، وهذا هو الرهان الطويل الذي تقوم عليه حركة الأنبياء والأولياء عبر الزمان.
🔶 5. انتصار إرادة الحقّ على قوة الباطل: شواهد من العصر الحديث
في الميزان الإسلاميّ، لا يُقاس النصر فقط بالتفوّق العسكريّ أو بالسيطرة الميدانيّة، بل يُقاس بمدى صمود إرادة الحقّ أمام جبروت الباطل.
فالصراع الحقيقيّ هو صراع الإرادات، حيث تتواجه القيم والمبادئ مع القوى المادّيّة. وقد أكّد القرآن الكريم على هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾⁵، وهذا يدلّ على أنّ الغلبة ليست مرهونة بالكثرة العدديّة أو بالقوّة المادّيّة، بل بإرادة الله ونصره لمن يحمل الحقّ.
↪️ #يتبع ②
وعليه، فإنّ النصر الحقيقيّ يبدأ حين يصبح الناس أكثر إدراكاً لحقيقة الصراع، ويميلون في قلوبهم وعقولهم إلى جبهة الحقّ، ويرفضون أن يكونوا أدوات بيد الباطل.
ومن هنا، تكتسب المعركة الجارية اليوم - نصرةً لغزّة ومواجهةً للعدوّ الصهيونيّ - طابعاً خاصّاً في هذا السياق؛ إذ إنها لا تكشف زيف الباطل فحسب، بل تُفرز المعسكرات بين من يقف مع قيم العدالة والحرّيّة، ومن يبرّر الاحتلال والظلم. إنّها بوابة تاريخيّة لكشف الأقنعة، وفرصة لتعزيز الاصطفاف الأخلاقيّ والروحيّ والدينيّ حول قضيّة الحقّ، ولو بأدنى أشكال المساهمة.
🔶 4. ترسخ مشروع الحقّ وقضيّته في وعي الناس
من أبرز علامات النصر الحقيقيّ في الرؤية الإسلاميّة أن تترسّخ قضيّة الحقّ ومشروعها في وعي الناس، وتتحوّل إلى خيارٍ جماهيريّ، لا مجرّد موقفٍ نخبويّ أو ردّ فعل عاطفيّ. إنّ ما يجب أن نرصده بعد كلّ مواجهة أو صراع، ليس فقط حجم الانتصارات الميدانيّة، بل مدى التغيّر في وعي الجمهور: هل ازداد تمسّكهم بخيار المقاومة؟ هل أصبحت القضيّة أكثر رسوخاً وتجذّراً في النفوس؟ وهل بدأ الحقّ يتمايز أكثر في عيون الناس ويتجلّى أمامهم؟
فإذا أصبحت فكرة المقاومة بعد الحرب أكثر قبولاً، ووجدنا إرادةً شعبيّةً صلبةً وعازمةً على رفض الباطل، ومواجهة الظلم، فهذا هو النصر الحقيقيّ والأعمق، لأنّه يمهّد لمرحلةٍ جديدة من الوعي، ويثبّت الجبهة الثقافيّة والعقائديّة للمواجهة، وهي الجبهة الأطول عمراً والأكثر تأثيراً، يقول تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾³، فالحقّ -وإن بدا في لحظاتٍ ضعيفاً أو محاصراً- لكنّه هو ما يبقى، لأنّه يلبّي حاجة الوعي الإنسانيّ، ويجد طريقه في القلوب الصافية والعقول الباحثة عن المعنى، وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنما يُنصر الله عباده المؤمنين بما يخرج من قلوبهم من اليقين»⁴؛ فالانتصار لا يتحقّق بالسلاح وحده، بل بما يرسخ في القلوب من إيمانٍ ويقين، حيث يُحوّل الفكرة إلى التزامٍ، والموقف إلى مسيرةٍ، والتاريخ الإسلامي خير شاهد، فقد كانت الأزمات والمحن مفاصل حاسمة في تثبيت الوعي وترسيخ القيم في الأجيال الصاعدة.
وكانت قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام)، رغم ما جرى فيها من مأساة، نصراً استراتيجيّاً للحقّ؛ لأنّها حوّلت القضيّة من معركة إلى مشروع دائمٍ في وعي الأمّة.
وعليه، فإنّ المعيار الثالث للنصر هو أن نرى البصيرة تتعمّق، والفكرة تتجذّر، والأجيال تتبنّى مشروع الحقّ بإصرار، وهذا هو الرهان الطويل الذي تقوم عليه حركة الأنبياء والأولياء عبر الزمان.
🔶 5. انتصار إرادة الحقّ على قوة الباطل: شواهد من العصر الحديث
في الميزان الإسلاميّ، لا يُقاس النصر فقط بالتفوّق العسكريّ أو بالسيطرة الميدانيّة، بل يُقاس بمدى صمود إرادة الحقّ أمام جبروت الباطل.
فالصراع الحقيقيّ هو صراع الإرادات، حيث تتواجه القيم والمبادئ مع القوى المادّيّة. وقد أكّد القرآن الكريم على هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾⁵، وهذا يدلّ على أنّ الغلبة ليست مرهونة بالكثرة العدديّة أو بالقوّة المادّيّة، بل بإرادة الله ونصره لمن يحمل الحقّ.
↪️ #يتبع ②
┈┉┅━━ ✿ ـ ﷽ ـ ✿ ━━┅┉┈
📝 الموعظة الثالثة عشرة
💠 معايير النصر في صراع الحقّ والباطل
(قراءة في فقه المواجهة والمقاومة)
🔹 هدف الموعظة
تسليط الضوء على المعايير الإسلاميّة الأصيلة للنصر في سياق الصراع بين الحقّ والباطل، وبيان الفارق الجوهريّ بين منطق النصر في الثقافة القرآنيّة، ومنطق النصر العسكريّ المجرّد، مع ربط ذلك بواقعنا المعاصر.
🔹 محاور الموعظة
1. معايير النصر في صراع الحقّ والباطل
2. مفهوم النصر في الحروب اللامتماثلة
3. معايير النصر في الحروب اللامتماثلة
🔹 تصدير الموعظة
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾¹.
أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا»².
🔶 1. معايير النصر في صراع الحقّ والباطل
إنّ النصر في المفهوم الإسلاميّ ليس حكراً على المكاسب العسكريّة أو النتائج الميدانيّة التي تُقاس بعدد القتلى والأسرى أو حجم الأراضي المُحرّرة، بل هو مفهومٌ أشملُ وأعمق، يتجاوز هذه الأطر الضيّقة ليصل إلى الموازين الإلهيّة التي تقيس النصر بمدى تثبيت قيم الحقّ، وفضح جبهات الباطل، وزرع الوعي في ضمير الأمّة. فكم من معركةٍ انتهت بانكسارٍ ظاهريٍّ لقوّة الحقّ، ولكنّها خلّفت في وجدان الأمّة هزّةً عميقةً أيقظت فيها الإيمان، وأعادت تعريف المواجهة، وحدّدت بوضوحٍ من هو العدوّ ومن هو الحليف، ومن يُمثّل المشروع الإلهيّ، ومن يُجسّد مشروع الطاغوت.
وهذا الفهم العميق للنصر هو الذي ينبغي أن يحكم رؤيتنا للصراعات الكبرى، وخاصةً في الصراعات الوجوديّة، التي لا تنحصر في حدود جغرافيّة أو في نزاعٍ على موارد، بل تمثّل تحدّياً لهويّة الأمّة، ووجودها الحضاريّ، وكرامتها الإنسانيّة، كما هو الحال في الصراع مع الكيان الصهيونيّ. ففي هذا الصراع تتجلّى معايير النصر الإلهيّ بأبهى صورها؛ إذ نرى أنّ كلّ مواجهة، وإن كانت محدودةً، تُسهم في كشف زيف هذا الكيان، وتعرّي حقيقته أمام العالم، وتُرسّخ في وجدان الأمّة ثقافة المقاومة، وتُحيي روح العزّة، وتُثبت أنّنا أمّةٌ لا تُهزم بالرصاص، بل تنتصر بالوعي والبصيرة والثبات على الموقف.
1. انتصار الفكرة وثبات المبادئ: فقد يُهزم أهل الحقّ عسكرياً، لكن تبقى أفكارهم ومبادئهم حيّة، وتنتقل من جيل إلى جيل، بينما يضمحلّ الباطل مهما بلغ من القوّة. قال تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾³ فالآية تؤكّد أنّ الباطل زائل، مهما بدا قويّاً.
2. ثبات أهل الحّق وعدم استسلامهم: إنّ الثبات على المبدأ وعدم الانحناء أمام الضغوط يُعد نصراً بحدّ ذاته. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾⁴، وعن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ»⁵.
3. كشف زيف الباطل وإضعاف شرعيّته: كلّما انكشف زيف الباطل وافتضحت أكاذيبه، كلّما اقترب النصر الحقيقيّ. قال تعالى: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾⁶، وهذا ما نراه اليوم في انكشاف جرائم الكيان الصهيونيّ أمام العالم.
4. استقطاب الناس إلى جانب الحقّ: كسب العقول والقلوب نحو قضيّة الحق يُعدُّ من أعظم صور النصر. قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾⁷، وعن الإمام علي (عليه السلام): «وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً، وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً»⁸.
5. استمرار حركة الحقّ رغم العقبات: استمرار مشروع الحقّ وتجدّده رغم كلّ التحدّيات يُعد نصراً استراتيجيّاً. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾⁹، وهذا ما نراه في استمرار المقاومة رغم كلّ المؤامرات التي تحاك ضدّها.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة الثالثة عشرة
💠 معايير النصر في صراع الحقّ والباطل
(قراءة في فقه المواجهة والمقاومة)
🔹 هدف الموعظة
تسليط الضوء على المعايير الإسلاميّة الأصيلة للنصر في سياق الصراع بين الحقّ والباطل، وبيان الفارق الجوهريّ بين منطق النصر في الثقافة القرآنيّة، ومنطق النصر العسكريّ المجرّد، مع ربط ذلك بواقعنا المعاصر.
🔹 محاور الموعظة
1. معايير النصر في صراع الحقّ والباطل
2. مفهوم النصر في الحروب اللامتماثلة
3. معايير النصر في الحروب اللامتماثلة
🔹 تصدير الموعظة
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾¹.
أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا»².
🔶 1. معايير النصر في صراع الحقّ والباطل
إنّ النصر في المفهوم الإسلاميّ ليس حكراً على المكاسب العسكريّة أو النتائج الميدانيّة التي تُقاس بعدد القتلى والأسرى أو حجم الأراضي المُحرّرة، بل هو مفهومٌ أشملُ وأعمق، يتجاوز هذه الأطر الضيّقة ليصل إلى الموازين الإلهيّة التي تقيس النصر بمدى تثبيت قيم الحقّ، وفضح جبهات الباطل، وزرع الوعي في ضمير الأمّة. فكم من معركةٍ انتهت بانكسارٍ ظاهريٍّ لقوّة الحقّ، ولكنّها خلّفت في وجدان الأمّة هزّةً عميقةً أيقظت فيها الإيمان، وأعادت تعريف المواجهة، وحدّدت بوضوحٍ من هو العدوّ ومن هو الحليف، ومن يُمثّل المشروع الإلهيّ، ومن يُجسّد مشروع الطاغوت.
وهذا الفهم العميق للنصر هو الذي ينبغي أن يحكم رؤيتنا للصراعات الكبرى، وخاصةً في الصراعات الوجوديّة، التي لا تنحصر في حدود جغرافيّة أو في نزاعٍ على موارد، بل تمثّل تحدّياً لهويّة الأمّة، ووجودها الحضاريّ، وكرامتها الإنسانيّة، كما هو الحال في الصراع مع الكيان الصهيونيّ. ففي هذا الصراع تتجلّى معايير النصر الإلهيّ بأبهى صورها؛ إذ نرى أنّ كلّ مواجهة، وإن كانت محدودةً، تُسهم في كشف زيف هذا الكيان، وتعرّي حقيقته أمام العالم، وتُرسّخ في وجدان الأمّة ثقافة المقاومة، وتُحيي روح العزّة، وتُثبت أنّنا أمّةٌ لا تُهزم بالرصاص، بل تنتصر بالوعي والبصيرة والثبات على الموقف.
1. انتصار الفكرة وثبات المبادئ: فقد يُهزم أهل الحقّ عسكرياً، لكن تبقى أفكارهم ومبادئهم حيّة، وتنتقل من جيل إلى جيل، بينما يضمحلّ الباطل مهما بلغ من القوّة. قال تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾³ فالآية تؤكّد أنّ الباطل زائل، مهما بدا قويّاً.
2. ثبات أهل الحّق وعدم استسلامهم: إنّ الثبات على المبدأ وعدم الانحناء أمام الضغوط يُعد نصراً بحدّ ذاته. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾⁴، وعن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ»⁵.
3. كشف زيف الباطل وإضعاف شرعيّته: كلّما انكشف زيف الباطل وافتضحت أكاذيبه، كلّما اقترب النصر الحقيقيّ. قال تعالى: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾⁶، وهذا ما نراه اليوم في انكشاف جرائم الكيان الصهيونيّ أمام العالم.
4. استقطاب الناس إلى جانب الحقّ: كسب العقول والقلوب نحو قضيّة الحق يُعدُّ من أعظم صور النصر. قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾⁷، وعن الإمام علي (عليه السلام): «وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً، وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً»⁸.
5. استمرار حركة الحقّ رغم العقبات: استمرار مشروع الحقّ وتجدّده رغم كلّ التحدّيات يُعد نصراً استراتيجيّاً. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾⁹، وهذا ما نراه في استمرار المقاومة رغم كلّ المؤامرات التي تحاك ضدّها.
↪️ #يتبع ①
6. تحقيق نتائج استراتيجيّة برغم التضحيات: فالنصر لا يُقاس بنتيجة معركةٍ واحدة، بل بما تحقّقه المعارك المتتالية على المدى الطويل.وفي جوانب متعدّدة، وهذا ما نراه في فشل مشاريع التطبيع رغم المحاولات المكثّفة، وانكشاف القناع أمام العالم عن بشاعة الوجه الحقيقيّ المجرم للعدوّ الغاشم، والتصدّع الداخلي في الكيان المؤقت على كافة الأصعدة الاقتصاديّة والأمنيّة والسياسيّة، لا سيّما الاختلافات الداخليّة.
هذه المعايير تُبرز بوضوح أنّ النصر في الإسلام ليس مجرّد تفوّق عسكريّ، بل هو انتصار للحقّ في الوعي والواقع، وثبات على المبادئ، وكشف لزيف الباطل، واستقطاب للناس نحو الحقّ، واستمرار في مقاومة الظلم، وتحقيق نتائج استراتيجيّة رغم التضحيّات.
في سياق الحروب اللامتماثلة، حيث تتواجه قوى غير متكافئة من حيث العدة والعتاد، يتجلى مفهوم النصر بمعايير تختلف عن تلك المعتمدة في الحروب التقليديّة. ففي هذه المواجهات، يكفي أن تصمد المقاومة وتحافظ على قدرتها القتاليّة حتّى تُعتبر رابحة. ومن هنا نشأت القاعدة: «إسرائيل تخسر إذا لم تربح، والمقاومة تربح إذا لم تخسر».
🔶 2. مفهوم النصر في الحروب اللامتماثلة
في الحروب التقليديّة، تُقاس الهزيمة بتدمير الجيش أو سقوط الدولة، بينما في الحروب اللامتماثلة، بين جيش غازٍ ومقاومة، يكفي أن تصمد المقاومة وتحافظ على قدرتها القتاليّة حتّى تُعتبر رابحة. ومن هنا نشأت القاعدة: «إسرائيل تخسر إذا لم تربح، والمقاومة تربح إذا لم تخسر»، وذلك وفق المفهوم الآتي:
1. إفشال أهداف العدوّ الاستراتيجيّة: إسرائيل، كطرفٍ مهاجم، تخسر إذا لم تحقّق أهدافها ونصراً واضحاً ومباشراً؛ لأنّها تدخل الحروب لتحقيق أهداف استراتيجيّة مثل: التوسّع، الاحتلال، القضاء على المقاومة، أو تغيير المعادلات لصالحها. فإذا فشلت في ذلك، تُعتبر خاسرةً سياسيّاً وعسكريّاً.
2. صمود المقاومة واستمرارها: أما المقاومة، كطرفٍ مدافع، فيكفيها إفشال الهجوم عليها لتُحسب رابحة، لأنّها لا تحتاج إلى احتلال أراضٍ أو تحقيق مكاسب مادّيّة، بل يكفيها الحفاظ على وجودها واستمرارها في المواجهة، خاصّةً أنّ العدو يدخل الحرب بموارد هائلة ودعم دوليّ، ممّا يجعل صمود المقاومة إنجازاً كبيراً بحدّ ذاته. وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمّيّة الصبر والثبات في مواجهة الأعداء، حيث قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾¹⁰، كما ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: «فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا»¹¹ ممّا يدلّ على أنّ النصر قد لا يكون دائماً في كلّ الحروب والصراعات، ولكن الثبات والصبر يؤدّيان في النهاية إلى النصر الحقيقيّ.
🔶 3. معايير النصر في الحروب اللامتماثلة
في هذا النوع من الحروب، لا يُقاس النصر فقط بالسيطرة الجغرافيّة أو عدد القتلى، بل بمعايير أخرى تتناسب مع طبيعة الصراع، أبرزها:
1. إفشال أهداف العدوّ الاستراتيجيّة: ففي الحروب اللامتماثلة، يكون المعيار الأهمّ للنصر هو إفشال المخطّطات التي وضعها العدوّ في بداية الحرب. فإذا دخل العدوّ الحرب بهدف القضاء على المقاومة، أو فرض تغييرات سياسيّة، ولم ينجح، فإنّه يُعتبر خاسراً.
2. البقاء والاستمرار في القتال: في هذا النوع من الحروب، لا تحتاج المقاومة إلى تدمير جيش العدوّ، بل يكفيها أن تصمد وتبقى على قيد المواجهة. والعدوّ الذي يمتلك جيشاً قويّاً يُعتبر خاسراً إذا لم يستطع إنهاء وجود المقاومة، حتّى لو كان أقوى عسكريّاً.
3. كسر إرادة العدوّ للقتال: فإذا تمكّنت المقاومة من جعل العدوّ غير قادر على الاستمرار في الحرب بسبب الضغط النفسيّ، أو الخسائر الاقتصاديّة، أو الاضطرابات الداخليّة، أو تخلّف جنوده عن القتال، فإنّها عندئذٍ ستكون قد انتصرت.
4. ضرب أصول العدوّ وإفقاده التوازن: إنّ الهزيمة الحقيقيّة لأيّ طرف لا تتمثّل فقط في تكبّده خسائر عسكريّة، وإنّما في ضرب أصوله الاستراتيجيّة ومحور توازنه، بحيث يفقد القدرة على التركيز والمبادرة. حتّى لو امتلك بعض القوّة القتاليّة، فإنّه يصبح فاقداً للتوازن وغير قادر على الاستمرار في المواجهة بفعاليّة، ما يجعله عرضة للانهيار التدريجيّ. وقد أكّد الإمام عليّ (عليه السلام) على أهمّيّة الوحدة وعدم التفرقة، حيث قال: «فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ»¹²، ممّا يوضح أن التماسك الداخليّ والثبات على المبدأ من أهمّ عوامل النصر في الحروب، وأنّ التفرقة تؤدّي إلى الهزيمة، وهو ما نشاهده بشكل واضحٍ في مجتمع العدوّ والذي ستظهر آثاره قريباً إن شاء الله تعالى.
↪️ #يتبع ②
هذه المعايير تُبرز بوضوح أنّ النصر في الإسلام ليس مجرّد تفوّق عسكريّ، بل هو انتصار للحقّ في الوعي والواقع، وثبات على المبادئ، وكشف لزيف الباطل، واستقطاب للناس نحو الحقّ، واستمرار في مقاومة الظلم، وتحقيق نتائج استراتيجيّة رغم التضحيّات.
في سياق الحروب اللامتماثلة، حيث تتواجه قوى غير متكافئة من حيث العدة والعتاد، يتجلى مفهوم النصر بمعايير تختلف عن تلك المعتمدة في الحروب التقليديّة. ففي هذه المواجهات، يكفي أن تصمد المقاومة وتحافظ على قدرتها القتاليّة حتّى تُعتبر رابحة. ومن هنا نشأت القاعدة: «إسرائيل تخسر إذا لم تربح، والمقاومة تربح إذا لم تخسر».
🔶 2. مفهوم النصر في الحروب اللامتماثلة
في الحروب التقليديّة، تُقاس الهزيمة بتدمير الجيش أو سقوط الدولة، بينما في الحروب اللامتماثلة، بين جيش غازٍ ومقاومة، يكفي أن تصمد المقاومة وتحافظ على قدرتها القتاليّة حتّى تُعتبر رابحة. ومن هنا نشأت القاعدة: «إسرائيل تخسر إذا لم تربح، والمقاومة تربح إذا لم تخسر»، وذلك وفق المفهوم الآتي:
1. إفشال أهداف العدوّ الاستراتيجيّة: إسرائيل، كطرفٍ مهاجم، تخسر إذا لم تحقّق أهدافها ونصراً واضحاً ومباشراً؛ لأنّها تدخل الحروب لتحقيق أهداف استراتيجيّة مثل: التوسّع، الاحتلال، القضاء على المقاومة، أو تغيير المعادلات لصالحها. فإذا فشلت في ذلك، تُعتبر خاسرةً سياسيّاً وعسكريّاً.
2. صمود المقاومة واستمرارها: أما المقاومة، كطرفٍ مدافع، فيكفيها إفشال الهجوم عليها لتُحسب رابحة، لأنّها لا تحتاج إلى احتلال أراضٍ أو تحقيق مكاسب مادّيّة، بل يكفيها الحفاظ على وجودها واستمرارها في المواجهة، خاصّةً أنّ العدو يدخل الحرب بموارد هائلة ودعم دوليّ، ممّا يجعل صمود المقاومة إنجازاً كبيراً بحدّ ذاته. وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمّيّة الصبر والثبات في مواجهة الأعداء، حيث قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾¹⁰، كما ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: «فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا»¹¹ ممّا يدلّ على أنّ النصر قد لا يكون دائماً في كلّ الحروب والصراعات، ولكن الثبات والصبر يؤدّيان في النهاية إلى النصر الحقيقيّ.
🔶 3. معايير النصر في الحروب اللامتماثلة
في هذا النوع من الحروب، لا يُقاس النصر فقط بالسيطرة الجغرافيّة أو عدد القتلى، بل بمعايير أخرى تتناسب مع طبيعة الصراع، أبرزها:
1. إفشال أهداف العدوّ الاستراتيجيّة: ففي الحروب اللامتماثلة، يكون المعيار الأهمّ للنصر هو إفشال المخطّطات التي وضعها العدوّ في بداية الحرب. فإذا دخل العدوّ الحرب بهدف القضاء على المقاومة، أو فرض تغييرات سياسيّة، ولم ينجح، فإنّه يُعتبر خاسراً.
2. البقاء والاستمرار في القتال: في هذا النوع من الحروب، لا تحتاج المقاومة إلى تدمير جيش العدوّ، بل يكفيها أن تصمد وتبقى على قيد المواجهة. والعدوّ الذي يمتلك جيشاً قويّاً يُعتبر خاسراً إذا لم يستطع إنهاء وجود المقاومة، حتّى لو كان أقوى عسكريّاً.
3. كسر إرادة العدوّ للقتال: فإذا تمكّنت المقاومة من جعل العدوّ غير قادر على الاستمرار في الحرب بسبب الضغط النفسيّ، أو الخسائر الاقتصاديّة، أو الاضطرابات الداخليّة، أو تخلّف جنوده عن القتال، فإنّها عندئذٍ ستكون قد انتصرت.
4. ضرب أصول العدوّ وإفقاده التوازن: إنّ الهزيمة الحقيقيّة لأيّ طرف لا تتمثّل فقط في تكبّده خسائر عسكريّة، وإنّما في ضرب أصوله الاستراتيجيّة ومحور توازنه، بحيث يفقد القدرة على التركيز والمبادرة. حتّى لو امتلك بعض القوّة القتاليّة، فإنّه يصبح فاقداً للتوازن وغير قادر على الاستمرار في المواجهة بفعاليّة، ما يجعله عرضة للانهيار التدريجيّ. وقد أكّد الإمام عليّ (عليه السلام) على أهمّيّة الوحدة وعدم التفرقة، حيث قال: «فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ»¹²، ممّا يوضح أن التماسك الداخليّ والثبات على المبدأ من أهمّ عوامل النصر في الحروب، وأنّ التفرقة تؤدّي إلى الهزيمة، وهو ما نشاهده بشكل واضحٍ في مجتمع العدوّ والذي ستظهر آثاره قريباً إن شاء الله تعالى.
↪️ #يتبع ②
┈┉┅━━ ✿ ـ ﷽ ـ ✿ ━━┅┉┈
📝 الموعظة الرابعة عشرة
💠 بين البلاء والاستبدال
🔹 هدف الموعظة
بيان فلسفة البلاء في مسيرة أهل الحقّ، ورفض فكرة الاستبدال والخُذلان في ما يصيب المؤمنين من نكبات، وربط ذلك بنهج كربلاء، لتثبيت الإيمان والثقة بحسن العاقبة.
🔹 محاور الموعظة
1. ما البلاء؟ ولمن يكون؟
2. ما الحكمة من الابتلاءات المتعدّدة للمؤمن؟
3. البلاء تكريمٌ لا استبدال
4. بلاءٌ يتولّد منه النصر
🔹 تصدير الموعظة
الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً، وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ يَا سَدِيرُ لَنُصْبِحُ بِهِ وَنُمْسِي»¹.
قد يُخيّل لبعضهم أنّ الحرب الأخيرة التي وقعت في لبنان، وما نتج عنها من خسائر في الإمكانات والأماكن والتجهيزات، واستشهاد المجاهدين، ومنهم القادة، وعلى رأسهم سماحة سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن نصر الله والسيّد هاشم صفيّ الدين، كلّ ذلك قد يُفهَم على أنّه ابتلاءٌ من الله لهذه الأمّة وللمقاومة على نحو العقوبة والخذلان، وصولاً إلى الاستبدال.
فما البلاء؟ ولمن يكون؟ وما أسبابه؟ وهل يمكن اعتبار ما حصل استبدالاً؟
🔶 1. ما البلاء؟ ولمن يكون؟
البلاء هو الاختبار والامتحان، ويكون في المرغوب وفي غير المرغوب، فليس البلاء منحصراً في الأمور السلبيّة فقط، كالمرض والفقر والموت، بل قد يكون في الأمور الإيجابيّة أيضاً، كالصحّة والغنى والحياة. فكلّ ما يختبر الله به عبده هو بلاء.
وقد يُعدّ الغنى لبعض الناس بلاءً، يُختبر فيه إن كان سيدفع الحقوق منهه، أو يُعين به الفقراء، أو يُنفق منه على الأرحام وواجبي النفقة. بينما يُبتلى آخرون بالفقر، فهل يصبرون؟ وهل يدفعهم العوز إلى الحرام؟
من هنا، فإنّ البلاء لا يختصّ بالكافر أو مرتكب الذنب، بل يحصل للمؤمن أيضاً، بل المؤمن أولى بالبلاء؛ لأنّه مورد عناية الله واهتمامه، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «سُئِلَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مَنْ أشدُّ الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): النبيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل، ويُبتلى المؤمنُ بعدُ على قدر إيمانه وحُسن أعماله، فمَن صحّ إيمانه وحَسُن عمله اشتدّ بلاؤه، ومَن سَخُف إيمانه وضعُف عمله قلّ بلاؤه»².
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً، وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ يَا سَدِيرُ لَنُصْبِحُ بِهِ وَنُمْسِي»³.
وقال (عليه السلام): «إِنَّ عَظِيمَ الْأَجْرِ لَمَعَ عَظِيمِ الْبَلَاءِ، وَمَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا إِلَّا ابْتَلَاهُمْ»⁴.
بل يظهر من الروايات أنّ البلاء هو سُنّة مستمرّة في أهل الحقّ، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ كَانُوا فِي شِدَّةٍ أَمَا إِنَّ ذَلِكَ إِلَى مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ وَعَافِيَةٍ طَوِيلَةٍ إنّ أهلَ الحقّ لم يزالوا منذ كانوا في شدّة، أما إنّ ذلك إلى مدّة قليلة، وعافية طويلة»⁵.
🔶 2. ما الحكمة من الابتلاءات المتعدّدة للمؤمن؟
تُشير الروايات إلى حكم عديدة للبلاء، منها:
1. تنبيه المؤمن: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الْمُؤْمِنُ لَا يَمْضِي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِلَّا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ يَحْزُنُهُ يُذَكَّرُ بِهِ»⁶؛ فالبلاء يُوقظ القلب، ويعيد الإنسان من الغفلة، ويربطه بالله والآخرة.
2. الحماية من الدنيا: قال الإمام الباقر (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَتَعَاهَدُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَعَاهَدُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ بِالْهَدِيَّةِ مِنَ الْغَيْبَةِ، وَيَحْمِيهِ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ»⁷؛ فالبلاء عطيّة رحمانيّة لحماية العبد من الدنيا، كما يمنع الطبيبُ مريضَه من بعض الطعام حفظاً لصحّته.
3. اختبار الجنّة: قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾⁸؛ فالجنّة ليست لكلّ مدّعٍ، بل لمن صبر وجاهد وصدّق دعواه.
4. إعطاء المنزلة الخاصّة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّهُ لَيَكُونُ لِلْعَبْدِ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، فَمَا يَنَالُهَا إِلَّا بِإِحْدَى خَصْلَتَيْنِ: إِمَّا بِذَهَابِ مَالِهِ أَوْ بِبَلِيَّةٍ فِي جَسَدِهِ»⁹؛ فالبلاء طريق الرفعة والدرجات العليا.
🔶 3. البلاء تكريمٌ لا استبدال
من هنا، وبعد استعراض هذه الروايات، يظهر لنا بوضوح أنّ البلاء ليس عقوبة، بل قد يكون تكريماً واصطفاءً، وأنّ الأمّة التي لا تُبتلى قد تكون محلّ سؤال، إذ قد يكون الله قد أعرض عنها.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة الرابعة عشرة
💠 بين البلاء والاستبدال
🔹 هدف الموعظة
بيان فلسفة البلاء في مسيرة أهل الحقّ، ورفض فكرة الاستبدال والخُذلان في ما يصيب المؤمنين من نكبات، وربط ذلك بنهج كربلاء، لتثبيت الإيمان والثقة بحسن العاقبة.
🔹 محاور الموعظة
1. ما البلاء؟ ولمن يكون؟
2. ما الحكمة من الابتلاءات المتعدّدة للمؤمن؟
3. البلاء تكريمٌ لا استبدال
4. بلاءٌ يتولّد منه النصر
🔹 تصدير الموعظة
الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً، وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ يَا سَدِيرُ لَنُصْبِحُ بِهِ وَنُمْسِي»¹.
قد يُخيّل لبعضهم أنّ الحرب الأخيرة التي وقعت في لبنان، وما نتج عنها من خسائر في الإمكانات والأماكن والتجهيزات، واستشهاد المجاهدين، ومنهم القادة، وعلى رأسهم سماحة سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن نصر الله والسيّد هاشم صفيّ الدين، كلّ ذلك قد يُفهَم على أنّه ابتلاءٌ من الله لهذه الأمّة وللمقاومة على نحو العقوبة والخذلان، وصولاً إلى الاستبدال.
فما البلاء؟ ولمن يكون؟ وما أسبابه؟ وهل يمكن اعتبار ما حصل استبدالاً؟
🔶 1. ما البلاء؟ ولمن يكون؟
البلاء هو الاختبار والامتحان، ويكون في المرغوب وفي غير المرغوب، فليس البلاء منحصراً في الأمور السلبيّة فقط، كالمرض والفقر والموت، بل قد يكون في الأمور الإيجابيّة أيضاً، كالصحّة والغنى والحياة. فكلّ ما يختبر الله به عبده هو بلاء.
وقد يُعدّ الغنى لبعض الناس بلاءً، يُختبر فيه إن كان سيدفع الحقوق منهه، أو يُعين به الفقراء، أو يُنفق منه على الأرحام وواجبي النفقة. بينما يُبتلى آخرون بالفقر، فهل يصبرون؟ وهل يدفعهم العوز إلى الحرام؟
من هنا، فإنّ البلاء لا يختصّ بالكافر أو مرتكب الذنب، بل يحصل للمؤمن أيضاً، بل المؤمن أولى بالبلاء؛ لأنّه مورد عناية الله واهتمامه، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «سُئِلَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مَنْ أشدُّ الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): النبيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل، ويُبتلى المؤمنُ بعدُ على قدر إيمانه وحُسن أعماله، فمَن صحّ إيمانه وحَسُن عمله اشتدّ بلاؤه، ومَن سَخُف إيمانه وضعُف عمله قلّ بلاؤه»².
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً، وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ يَا سَدِيرُ لَنُصْبِحُ بِهِ وَنُمْسِي»³.
وقال (عليه السلام): «إِنَّ عَظِيمَ الْأَجْرِ لَمَعَ عَظِيمِ الْبَلَاءِ، وَمَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا إِلَّا ابْتَلَاهُمْ»⁴.
بل يظهر من الروايات أنّ البلاء هو سُنّة مستمرّة في أهل الحقّ، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ كَانُوا فِي شِدَّةٍ أَمَا إِنَّ ذَلِكَ إِلَى مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ وَعَافِيَةٍ طَوِيلَةٍ إنّ أهلَ الحقّ لم يزالوا منذ كانوا في شدّة، أما إنّ ذلك إلى مدّة قليلة، وعافية طويلة»⁵.
🔶 2. ما الحكمة من الابتلاءات المتعدّدة للمؤمن؟
تُشير الروايات إلى حكم عديدة للبلاء، منها:
1. تنبيه المؤمن: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الْمُؤْمِنُ لَا يَمْضِي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِلَّا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ يَحْزُنُهُ يُذَكَّرُ بِهِ»⁶؛ فالبلاء يُوقظ القلب، ويعيد الإنسان من الغفلة، ويربطه بالله والآخرة.
2. الحماية من الدنيا: قال الإمام الباقر (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَتَعَاهَدُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَعَاهَدُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ بِالْهَدِيَّةِ مِنَ الْغَيْبَةِ، وَيَحْمِيهِ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ»⁷؛ فالبلاء عطيّة رحمانيّة لحماية العبد من الدنيا، كما يمنع الطبيبُ مريضَه من بعض الطعام حفظاً لصحّته.
3. اختبار الجنّة: قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾⁸؛ فالجنّة ليست لكلّ مدّعٍ، بل لمن صبر وجاهد وصدّق دعواه.
4. إعطاء المنزلة الخاصّة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّهُ لَيَكُونُ لِلْعَبْدِ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، فَمَا يَنَالُهَا إِلَّا بِإِحْدَى خَصْلَتَيْنِ: إِمَّا بِذَهَابِ مَالِهِ أَوْ بِبَلِيَّةٍ فِي جَسَدِهِ»⁹؛ فالبلاء طريق الرفعة والدرجات العليا.
🔶 3. البلاء تكريمٌ لا استبدال
من هنا، وبعد استعراض هذه الروايات، يظهر لنا بوضوح أنّ البلاء ليس عقوبة، بل قد يكون تكريماً واصطفاءً، وأنّ الأمّة التي لا تُبتلى قد تكون محلّ سؤال، إذ قد يكون الله قد أعرض عنها.
↪️ #يتبع ①
┈┉┅━━ ✿ ـ ﷽ ـ ✿ ━━┅┉┈
📝 الموعظة الخامسة عشرة
💠 أبعاد التكليف ومسؤوليّة الإنسان
🔹 هدف الموعظة
بيان أنّ الهدف الأساس من قيام الإمام الحسين (عليه السلام) هو أداء التكليف الإلهيّ، وأنّ شهادته (عليه السلام) لم تحُل دون انتصاره.
🔹 محاور الموعظة
1. التكليف هو المحرّك
2. التكليف بين المواجهة والصبر
3. شهداء كربلاء الأوفى والأبرّ
4. وانتصرت كربلاء
🔹 تصدير الموعظة
الإمام الحسين (عليه السلام): «أيّها الناس، إنّ رسول الله - قال: «مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلّاً لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله»¹.
🔶 1. التكليف هو المحرّك
إنّ ثورة كربلاء الإمام الحسين (عليه السلام) لهي مظهرٌ من أعظم مظاهر أداء التكليف الإلهيّ مع ما فيه من قتلٍ وسبيٍ وهتكٍ للحرمات، وأسىً ولوعةٍ وفقْدٍ ووجْد.
مع هذا كلّه، الذي كان معلوماً لسيّد الشهداء (عليه السلام): «... فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً... إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا»²، سار سيّد الشهداء (عليه السلام) نحو كربلاء مصمّماً على أداء تكليفٍ عظيم كان كفيلاً ببقاء الإسلام الحقيقيّ الذي بلّغه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا «حسينٌ منّي وأنا من حسين»³.
ولقد بيّن الإمام الحسين (عليه السلام)، في مواطن عدّة، أنّ التكليف الإلهيّ هو الذي حدا به للسير إلى كربلاء، والعزم على الشهادة، ومن ذلك:
أ. عندما كان الإمام (عليه السلام)بمكّة، بعث بكتابَين:
الأوّل إلى رؤساء البصرة: «وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السُنّة قد أُميتت، والبدعة قد أُحييت، فإن تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد»⁴. وهذا الكلام صريحٌ في أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يريد أداء تكليف إحياء الإسلام وسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .
والثاني إلى رؤساء الكوفة: «فلعمري، ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائر بالحقّ، والحابس نفسه عن ذات الله»⁵.
وهنا بيّن الإمام (عليه السلام) هدفه من الخروج. وكان الإمام (عليه السلام) يخاطب الناس في كلّ منزل ينزل فيه بعد خروجه من مكّة.
ب. في وصيّته (عليه السلام) إلى أخيه محمّد ابن الحنفيّة عند خروجه من مكّة، يقول (عليه السلام): «وإنّي لم أخرج أشِراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح...» لا للوصول إلى الحكم حتماً أو للشهادة حتماً... «أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر...»⁶.
ج. لمّا نزل الإمام الحسين (عليه السلام) بـ«الغريب»، التحق به أربعة نفر، فقال لهم (عليه السلام): «أمّا والله، إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا؛ قُتلنا أم ظفرنا»⁷. وهذا دليل على أنّه (عليه السلام) سيؤدّي تكليفه سواء انتصر أو قُتل.
ومن هنا، نخلص إلى إنّ الأصل الحاكم في حركته (عليه السلام)، والذي يجب أيضاً أن يكون حاكماً على عمل الناس وحياتهم، هو أداء التكليف الإلهيّ وليس الميول والأهواء والمصالح الشخصيّة.
هذا، وقد بيّنت كلماته (عليه السلام)، وطلبه المؤازرة في المنازل التي نزل بها وهو في طريقه إلى كربلاء أنّ تكليف المواجهة ليس تكليفه وحده، بل هو تكليف الأمّة والناس والمسلمين جميعاً.
🔶 2. التكليف بين المواجهة والصبر
المهمّ هو أداء التكليف، لا نوع التكليف؛ إذ لا وجودَ لشيء اسمه «تكليف مطلق»؛ فمواجهة الظلم -مثلاً- ليست تكليفاً بالمطلق، في كلّ زمان وفي كلّ مكان، بمعزل عن الظروف، وبمعزل عن الإمكانات، وبمعزل عن الهدف، وكذلك لا وجود لشيء اسمه «القيام بالسيف» في كلّ حال وفي كلّ ظرف. هذا المطلق هو أمر غير صحيح، ولو كان كذلك لقام النبيّ - بالسيف في مكّة. في المقابل أيضاً، لا وجودَ لشيء اسمه الصبر مطلقاً، والصبر الدائم⁸.
إنّ إداء التكليف يعني أن تكون حاضراً في المواجهة مهما اختلفت أشكالها، وأن لا تُذعن للعدوّ، ولا ترضخ لضغوطاته، وأن تُشعره بعدائك، وأنّك مصدر تهديد له، ولو لم تكن أصوات المدافع والصواريخ تُقرَع؛ هكذا نؤدّي تكليفنا.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة الخامسة عشرة
💠 أبعاد التكليف ومسؤوليّة الإنسان
🔹 هدف الموعظة
بيان أنّ الهدف الأساس من قيام الإمام الحسين (عليه السلام) هو أداء التكليف الإلهيّ، وأنّ شهادته (عليه السلام) لم تحُل دون انتصاره.
🔹 محاور الموعظة
1. التكليف هو المحرّك
2. التكليف بين المواجهة والصبر
3. شهداء كربلاء الأوفى والأبرّ
4. وانتصرت كربلاء
🔹 تصدير الموعظة
الإمام الحسين (عليه السلام): «أيّها الناس، إنّ رسول الله - قال: «مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلّاً لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله»¹.
🔶 1. التكليف هو المحرّك
إنّ ثورة كربلاء الإمام الحسين (عليه السلام) لهي مظهرٌ من أعظم مظاهر أداء التكليف الإلهيّ مع ما فيه من قتلٍ وسبيٍ وهتكٍ للحرمات، وأسىً ولوعةٍ وفقْدٍ ووجْد.
مع هذا كلّه، الذي كان معلوماً لسيّد الشهداء (عليه السلام): «... فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً... إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا»²، سار سيّد الشهداء (عليه السلام) نحو كربلاء مصمّماً على أداء تكليفٍ عظيم كان كفيلاً ببقاء الإسلام الحقيقيّ الذي بلّغه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا «حسينٌ منّي وأنا من حسين»³.
ولقد بيّن الإمام الحسين (عليه السلام)، في مواطن عدّة، أنّ التكليف الإلهيّ هو الذي حدا به للسير إلى كربلاء، والعزم على الشهادة، ومن ذلك:
أ. عندما كان الإمام (عليه السلام)بمكّة، بعث بكتابَين:
الأوّل إلى رؤساء البصرة: «وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السُنّة قد أُميتت، والبدعة قد أُحييت، فإن تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد»⁴. وهذا الكلام صريحٌ في أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يريد أداء تكليف إحياء الإسلام وسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .
والثاني إلى رؤساء الكوفة: «فلعمري، ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائر بالحقّ، والحابس نفسه عن ذات الله»⁵.
وهنا بيّن الإمام (عليه السلام) هدفه من الخروج. وكان الإمام (عليه السلام) يخاطب الناس في كلّ منزل ينزل فيه بعد خروجه من مكّة.
ب. في وصيّته (عليه السلام) إلى أخيه محمّد ابن الحنفيّة عند خروجه من مكّة، يقول (عليه السلام): «وإنّي لم أخرج أشِراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح...» لا للوصول إلى الحكم حتماً أو للشهادة حتماً... «أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر...»⁶.
ج. لمّا نزل الإمام الحسين (عليه السلام) بـ«الغريب»، التحق به أربعة نفر، فقال لهم (عليه السلام): «أمّا والله، إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا؛ قُتلنا أم ظفرنا»⁷. وهذا دليل على أنّه (عليه السلام) سيؤدّي تكليفه سواء انتصر أو قُتل.
ومن هنا، نخلص إلى إنّ الأصل الحاكم في حركته (عليه السلام)، والذي يجب أيضاً أن يكون حاكماً على عمل الناس وحياتهم، هو أداء التكليف الإلهيّ وليس الميول والأهواء والمصالح الشخصيّة.
هذا، وقد بيّنت كلماته (عليه السلام)، وطلبه المؤازرة في المنازل التي نزل بها وهو في طريقه إلى كربلاء أنّ تكليف المواجهة ليس تكليفه وحده، بل هو تكليف الأمّة والناس والمسلمين جميعاً.
🔶 2. التكليف بين المواجهة والصبر
المهمّ هو أداء التكليف، لا نوع التكليف؛ إذ لا وجودَ لشيء اسمه «تكليف مطلق»؛ فمواجهة الظلم -مثلاً- ليست تكليفاً بالمطلق، في كلّ زمان وفي كلّ مكان، بمعزل عن الظروف، وبمعزل عن الإمكانات، وبمعزل عن الهدف، وكذلك لا وجود لشيء اسمه «القيام بالسيف» في كلّ حال وفي كلّ ظرف. هذا المطلق هو أمر غير صحيح، ولو كان كذلك لقام النبيّ - بالسيف في مكّة. في المقابل أيضاً، لا وجودَ لشيء اسمه الصبر مطلقاً، والصبر الدائم⁸.
إنّ إداء التكليف يعني أن تكون حاضراً في المواجهة مهما اختلفت أشكالها، وأن لا تُذعن للعدوّ، ولا ترضخ لضغوطاته، وأن تُشعره بعدائك، وأنّك مصدر تهديد له، ولو لم تكن أصوات المدافع والصواريخ تُقرَع؛ هكذا نؤدّي تكليفنا.
↪️ #يتبع ①
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «في كلّ زمان ثمّة حركة مطلوبة (متعيّنة) على المجتمع الإسلاميّ. ففي كلّ عصر، يوجد عدوّ وجبهة وخصم يُهدِّد الإسلام والمسلمين، ويجب أن يُعرف ذلك العدوّ. نحن اليوم مكلّفون بأن نتدارك بأعلى درجة ممكنة، تلك اليقظة والتنبّه والاهتمام ومعرفة الأعداء ومعرفة التكاليف بالنسبة إلى الأمّة الإسلاميّة والعالم الإسلاميّ»⁹.
وفي زماننا القريب عندما تخلّى العالم كلّه عن الدفاع عن المظلومين في غزّة، بل وتآمروا عليهم، كان لا بدّ من قيام ثلّةٍ في مواجهة هذا الإجرام؛ لتقول للعالم كلّه إنّه ما زال موجوداً مَن يدافع عن المستضعفين، وما زال مشعل النور مضيئاً أمام درب التائقين، وما زالت أمامنا فرصة مناهضة المستكبرين والظالمين... فكان لا بدّ من أداء التكليف.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الجهاد وعدم الخوف من الغربة والوحدة: لقد ثار هذا النور المشعّ وحيداً في صحراء لا متناهية من الظلمة. وحتّى لو بقي الإمام الحسين (عليه السلام) وحيداً في ذلك اليوم وتركه هؤلاء الـ72 نفراً لم يكن مستعدّاً لترك ثورته»؛ هذا ما تعلّمناه من الإمام الحسين (عليه السلام).
🔶 3. شهداء كربلاء الأوفى والأبرّ
لقد استحقّ شهداء كربلاء أن يكونوا خير الأصحاب وأبرَّهم؛ لأنّهم لم يتخلَّوا عن دينهم وإمامهم، على الرغم من أنّه (عليه السلام) قد أحلّهم من تحمُّل المسؤوليّة، وأداء التكليف «إنّ هذا الليل قد غشيكم، فاتخذوه جملاً...»، بل ازدادوا عزماً وإصراراً على ملاقاة الحتوف دونه.
📝 فكان ممّا قاله الأصحاب:
- مسلم بن عوسجة: «أنحن نخلّي عنك، ولمّا نعذَر إلى اللّه في أداء حقك! أما واللّه، حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة؛ واللّه، لا نخلّيك حتّى يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيك. واللّه، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيى ثمّ أُقتل ثمّ أحرق ثمّ أُذرّى، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك، وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة العظمى التي لا انقضاء لها أبداً»¹⁰.
- سعد بن عبد اللّه الحنفيّ: «واللّه، لا نخلّيك حتّى يعلم اللّه أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيك، واللّه لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق حيّا ثمّ أذرّ! يُفعَل ذلك بي سبعون مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك! فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً!»¹¹.
🔶 4. وانتصرت كربلاء
إنّ الحركة الحسينيّة لم يكن مقدّراً لها النصر العسكريّ والمباشر، ولم يكن أحد يعي، بعد حادثة كربلاء، أنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) قد انتصرت، لكنّ اليوم الكلّ يُدرك أنّ كربلاء حاضرة ومنتصرة، وأنّ مجالس سيّد الشهداء (عليه السلام) تزداد حضوراً عاماً بعد عام طيلة نحو 1400 سنة، وأنّ الدين الذي أراد يزيد محوه ما زالت رايتُه خفّاقة.
والدليل على انتصار كربلاء هو ما أجاب به الإمام زين العابدين (عليه السلام) لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله لمّا ساله حين رجوعه (عليه السلام) إلى المدينة: مَن غلب؟، فقال الإمام السجّاد (عليه السلام): «إذا أردت أن تعلم من غلب، ودخل وقت الصلاة، فأذّن ثمّ أقم»¹²، تعرف مَنِ الغالب.
إنّ الانتصار قد يُرى سريعاً وقد يأخذ وقتاً لنرى تداعياته وآثاره، فما جرى في كربلاء من قتل وسفك دماء وتنكيل وسبي لم يكن مانعاً من انتصار سيّد الشهداء (عليه السلام)، كذلك ما جرى في حرب أولي البأس من تدمير وقتل ليس مانعاً من انتصارنا؛ هذا ما نؤمن به جميعاً، وسنرى مفاعيله وتداعياته على أرض الواقع، بإذن الله.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «لقد ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه بأنفسهم، في مرحلة حالكة، شديدة الظلمة، مليئة بالقمع، لا يمكن تحمّلها، في مواجهة سلطة متجبّرة؛ فأمّا العيون التي لا ترى سوى الظاهر، فهي ترى أنّ الحسين (عليه السلام) والحالة الحسينيّة قد انتهت؛ إلّا أنّه (عليه السلام) بقي كبذرة ترقد تحت التراب لتنبت من جديد وتؤتي ثمارها»¹³.
📝 ونختم بما أوصانا به سيّد شهداء الأمّة (قدّس سره): «هذا الطريق سنكمله، لو قُتلنا جميعاً، لو استشهدنا جميعاً، لو دُمّرت بيوتنا على رؤوسنا، لن نتخلّى عن خيار المقاومة الإسلاميّة»¹⁴، و«نحن لا نُهزم؛ عندما ننتصر ننتصر، وعندما نُستشهد ننتصر»¹⁵.
نعاهدك، يا سيّدَنا، أن نحمل دمَك، ورايتك، التي هي راية سيّد الشهداء (عليه السلام)، ونذود عنها، ونبذل دونها الأرواح والمُهَج.
↪️ #يتبع ②
وفي زماننا القريب عندما تخلّى العالم كلّه عن الدفاع عن المظلومين في غزّة، بل وتآمروا عليهم، كان لا بدّ من قيام ثلّةٍ في مواجهة هذا الإجرام؛ لتقول للعالم كلّه إنّه ما زال موجوداً مَن يدافع عن المستضعفين، وما زال مشعل النور مضيئاً أمام درب التائقين، وما زالت أمامنا فرصة مناهضة المستكبرين والظالمين... فكان لا بدّ من أداء التكليف.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الجهاد وعدم الخوف من الغربة والوحدة: لقد ثار هذا النور المشعّ وحيداً في صحراء لا متناهية من الظلمة. وحتّى لو بقي الإمام الحسين (عليه السلام) وحيداً في ذلك اليوم وتركه هؤلاء الـ72 نفراً لم يكن مستعدّاً لترك ثورته»؛ هذا ما تعلّمناه من الإمام الحسين (عليه السلام).
🔶 3. شهداء كربلاء الأوفى والأبرّ
لقد استحقّ شهداء كربلاء أن يكونوا خير الأصحاب وأبرَّهم؛ لأنّهم لم يتخلَّوا عن دينهم وإمامهم، على الرغم من أنّه (عليه السلام) قد أحلّهم من تحمُّل المسؤوليّة، وأداء التكليف «إنّ هذا الليل قد غشيكم، فاتخذوه جملاً...»، بل ازدادوا عزماً وإصراراً على ملاقاة الحتوف دونه.
📝 فكان ممّا قاله الأصحاب:
- مسلم بن عوسجة: «أنحن نخلّي عنك، ولمّا نعذَر إلى اللّه في أداء حقك! أما واللّه، حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة؛ واللّه، لا نخلّيك حتّى يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيك. واللّه، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيى ثمّ أُقتل ثمّ أحرق ثمّ أُذرّى، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك، وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة العظمى التي لا انقضاء لها أبداً»¹⁰.
- سعد بن عبد اللّه الحنفيّ: «واللّه، لا نخلّيك حتّى يعلم اللّه أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيك، واللّه لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق حيّا ثمّ أذرّ! يُفعَل ذلك بي سبعون مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك! فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً!»¹¹.
🔶 4. وانتصرت كربلاء
إنّ الحركة الحسينيّة لم يكن مقدّراً لها النصر العسكريّ والمباشر، ولم يكن أحد يعي، بعد حادثة كربلاء، أنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) قد انتصرت، لكنّ اليوم الكلّ يُدرك أنّ كربلاء حاضرة ومنتصرة، وأنّ مجالس سيّد الشهداء (عليه السلام) تزداد حضوراً عاماً بعد عام طيلة نحو 1400 سنة، وأنّ الدين الذي أراد يزيد محوه ما زالت رايتُه خفّاقة.
والدليل على انتصار كربلاء هو ما أجاب به الإمام زين العابدين (عليه السلام) لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله لمّا ساله حين رجوعه (عليه السلام) إلى المدينة: مَن غلب؟، فقال الإمام السجّاد (عليه السلام): «إذا أردت أن تعلم من غلب، ودخل وقت الصلاة، فأذّن ثمّ أقم»¹²، تعرف مَنِ الغالب.
إنّ الانتصار قد يُرى سريعاً وقد يأخذ وقتاً لنرى تداعياته وآثاره، فما جرى في كربلاء من قتل وسفك دماء وتنكيل وسبي لم يكن مانعاً من انتصار سيّد الشهداء (عليه السلام)، كذلك ما جرى في حرب أولي البأس من تدمير وقتل ليس مانعاً من انتصارنا؛ هذا ما نؤمن به جميعاً، وسنرى مفاعيله وتداعياته على أرض الواقع، بإذن الله.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «لقد ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه بأنفسهم، في مرحلة حالكة، شديدة الظلمة، مليئة بالقمع، لا يمكن تحمّلها، في مواجهة سلطة متجبّرة؛ فأمّا العيون التي لا ترى سوى الظاهر، فهي ترى أنّ الحسين (عليه السلام) والحالة الحسينيّة قد انتهت؛ إلّا أنّه (عليه السلام) بقي كبذرة ترقد تحت التراب لتنبت من جديد وتؤتي ثمارها»¹³.
📝 ونختم بما أوصانا به سيّد شهداء الأمّة (قدّس سره): «هذا الطريق سنكمله، لو قُتلنا جميعاً، لو استشهدنا جميعاً، لو دُمّرت بيوتنا على رؤوسنا، لن نتخلّى عن خيار المقاومة الإسلاميّة»¹⁴، و«نحن لا نُهزم؛ عندما ننتصر ننتصر، وعندما نُستشهد ننتصر»¹⁵.
نعاهدك، يا سيّدَنا، أن نحمل دمَك، ورايتك، التي هي راية سيّد الشهداء (عليه السلام)، ونذود عنها، ونبذل دونها الأرواح والمُهَج.
↪️ #يتبع ②
┈┉┅━━ ✿ ـ ﷽ ـ ✿ ━━┅┉┈
📝 الموعظة السادسة عشرة
💠 لا حياد في معركة الحقّ والباطل
🔹 هدف الموعظة
بيان الموقف من الحياد في زمن الفتن، وتوضيح خطورة الوقوف على الحياد في الصراعات بين الحقّ والباطل، انطلاقاً من النصوص الإسلاميّة الأصيلة.
🔹 محاور الموعظة
1. الموقف في زمن الفتنة: حيادٌ أم تواطؤ
2. أنواع الفتنة وموقف الإمام عليّ (عليه السلام)
3. في صراع الباطلين: الصمت حكمة
4. حين يشتبه الحقّ والباطل: لا تكن حطباً للفتنة
5. لا حياد حين يظهر الحقّ: مسؤوليّة الانحياز للحقّ
6. حياديّة الأغلبيّة الصامتة: خيانة الأمّة
7. نحو أمّة واحدة لا تُهزم
🔹 تصدير الموعظة
أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَكُونَا لِلظَالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً»¹.
🔶 1. الموقف في زمن الفتنة: حيادٌ أم تواطؤ
في ظلّ الفتن المتنوّعة التي باتت تعصف بالمجتمعات، وتتوزّع بين حقٍّ وباطل، أو ظالمٍ ومظلوم، أو مستكبرٍ ومستضعف، وتلبس أحياناً لبوس الشبهات والدعاوى المتعارضة، يزداد المشهد تعقيداً ويغدو الموقف صعباً على الكثيرين. ولم يعُد التمييز بين المواقف أمراً يسيراً، خصوصاً حينما تختلط المفاهيم وتتعدّد الأصوات وتتقاطع الشعارات.
في هذا الجوّ المضطرب، يُطرَح سؤال جوهريّ يستدعي التأمل: ما موقف الإسلام من الحياد؟ هل يمكن العمل بمبدأ «الجلوس على التلّ» بدعوى السلامة؟ وهل يُعتبر الحياد خياراً شرعيّاً عندما ينقسم الناس إلى أطرافٍ متصارعة؟ وهل يصحّ التذرّع بالغموض والتشويش والاشتباه لاتخاذ موقف اللاموقف؟
🔶 2. أنواع الفتنة وموقف الإمام عليّ (عليه السلام)
قد يُتوهَّم أحياناً أنّ موقف الحياد هو المطلوب شرعاً في زمن الفتنة، ويُستدلُّ على ذلك بما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ؛ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، ولَا ضرْعٌ فَيُحْلَبَ»². وهي كلمة جامعة تنضح بالحكمة وتحتاج إلى تدبّر دقيق. فابن اللبون -وهو صغير الإبل الذي لا يصلح للركوب ولا يُنتَفع بدرّه- يُضرَب به المثل في العزوف عن التورّط في صراعات لا جدوى منها، ولا مكسب فيها سوى الخسارة.
لكن، لفهم مقصود أمير المؤمنين (عليه السلام) لا بدّ من التمييز بين أنواع الفتن، فليس كل اضطرابٍ في الواقع يُوجب الانكفاء والانزواء. هناك نمطان بارزان من الفتن:
- النوع الأوّل: فتنة قائمة على صراع بين باطلين، يتنازعان النفوذ والمكاسب، ويستخدم كلٌّ منهما أدوات الباطل وأساليبه لخداع الناس وجذبهم إلى صفّه. في مثل هذا المشهد، لا يكون الانحياز إلى أيّ طرفٍ من الأطراف إلّا مشاركة في الباطل، وهنا يكون الموقف السليم هو الاعتزال الواعي، لا من باب السلبيّة، بل من باب الرفض لكليهما.
- النوع الثاني: فتنة يلتبس فيها الحقّ بالباطل، ويختلط فيها الموقف المشروع بالموقف المدسوس، نتيجة الغموض المتعمّد أو التعمية الإعلاميّة أو الاستغلال العاطفيّ والدينيّ. وهنا تكمن الخطورة، إذ قد يُخدع الإنسان فيُستدرَج إلى صفّ الباطل تحت عنوان الدفاع عن الحقّ. وفي مثل هذا الحال، يدعونا الإمام (عليه السلام) إلى التأنّي والحذر، وإلى التروّي قبل الانخراط في أي موقف أو اصطفاف، لأنّ التسرّع قد يُفضي إلى أن يُستغلّ موقفنا لخدمة الباطل دون أن نشعر.
فجوهر التوجيه في كلام الإمام (عليه السلام) لا يعني الحياد المطلق، بل يعني التحرّر من الاستغلال، والحذر من أن يتحوّل الإنسان إلى أداة في مشروع لا يعرف أبعاده، أو يُحسَب على جهة لا يعرف حقيقتها. كما أنّ ابن اللّبون لا يُركب ظهره ولا يُحلب ضرعه، كذلك ينبغي للإنسان المؤمن ألّا يُركب موقفه ولا يُستغلّ موقعه لصالح جهات الفتنة، سواء كانت باطلة ظاهرة، أو باطلة مستترة.
🔶 3. في صراع الباطلين: الصمت حكمة
حينما ينشب الصراع بين جبهتين تمثّلان الباطل، لا يكون الحياد موقفاً سلبيّاً، ولا تخلّياً عن المسؤوليّة، بل قد يُعدّ عين الحكمة والبصيرة. ففي مثل هذه الحال، لا مصلحة للإسلام ولا لأهله في ترجيح كفّة أحد الباطلين، لأنّ كليهما يسعى لمصالحه الأنانيّة، ويستثمر في نزيف الأمة من أجل أطماعه. إنّ التدخّل هنا قد يعني الانخراط في معركة لا حقّ فيها، والوقوف في صفّ لا يستحقّ.
ومع ذلك، فإنّ الفقه الإسلامي لا يغفل عن واقع السياسة والمجتمع، فقد تُوجِب بعض الظروف أن يتدخّل المؤمن لا نصرةً لطرفٍ ضدّ آخر، بل دفعاً لأخطر الفتنتين، وتقليلاً لضررٍ أعظم. لكن هذا التدخّل لا يكون اندفاعاً عاطفيّاً ولا اصطفافاً ساذجاً، بل يكون بحسابات دقيقة، وضوابط شرعيّة واضحة، تضمن عدم الانزلاق في خدمة مشروع ظالم تحت ذريعة مقاومة ظالمٍ آخر.
فالمطلوب في هذا المقام هو التحرك الواعي لا الوقوف العشوائي، والعمل لحماية القيم والمصالح الإسلاميّة الكبرى لا لحماية جهة معينة.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة السادسة عشرة
💠 لا حياد في معركة الحقّ والباطل
🔹 هدف الموعظة
بيان الموقف من الحياد في زمن الفتن، وتوضيح خطورة الوقوف على الحياد في الصراعات بين الحقّ والباطل، انطلاقاً من النصوص الإسلاميّة الأصيلة.
🔹 محاور الموعظة
1. الموقف في زمن الفتنة: حيادٌ أم تواطؤ
2. أنواع الفتنة وموقف الإمام عليّ (عليه السلام)
3. في صراع الباطلين: الصمت حكمة
4. حين يشتبه الحقّ والباطل: لا تكن حطباً للفتنة
5. لا حياد حين يظهر الحقّ: مسؤوليّة الانحياز للحقّ
6. حياديّة الأغلبيّة الصامتة: خيانة الأمّة
7. نحو أمّة واحدة لا تُهزم
🔹 تصدير الموعظة
أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَكُونَا لِلظَالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً»¹.
🔶 1. الموقف في زمن الفتنة: حيادٌ أم تواطؤ
في ظلّ الفتن المتنوّعة التي باتت تعصف بالمجتمعات، وتتوزّع بين حقٍّ وباطل، أو ظالمٍ ومظلوم، أو مستكبرٍ ومستضعف، وتلبس أحياناً لبوس الشبهات والدعاوى المتعارضة، يزداد المشهد تعقيداً ويغدو الموقف صعباً على الكثيرين. ولم يعُد التمييز بين المواقف أمراً يسيراً، خصوصاً حينما تختلط المفاهيم وتتعدّد الأصوات وتتقاطع الشعارات.
في هذا الجوّ المضطرب، يُطرَح سؤال جوهريّ يستدعي التأمل: ما موقف الإسلام من الحياد؟ هل يمكن العمل بمبدأ «الجلوس على التلّ» بدعوى السلامة؟ وهل يُعتبر الحياد خياراً شرعيّاً عندما ينقسم الناس إلى أطرافٍ متصارعة؟ وهل يصحّ التذرّع بالغموض والتشويش والاشتباه لاتخاذ موقف اللاموقف؟
🔶 2. أنواع الفتنة وموقف الإمام عليّ (عليه السلام)
قد يُتوهَّم أحياناً أنّ موقف الحياد هو المطلوب شرعاً في زمن الفتنة، ويُستدلُّ على ذلك بما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ؛ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، ولَا ضرْعٌ فَيُحْلَبَ»². وهي كلمة جامعة تنضح بالحكمة وتحتاج إلى تدبّر دقيق. فابن اللبون -وهو صغير الإبل الذي لا يصلح للركوب ولا يُنتَفع بدرّه- يُضرَب به المثل في العزوف عن التورّط في صراعات لا جدوى منها، ولا مكسب فيها سوى الخسارة.
لكن، لفهم مقصود أمير المؤمنين (عليه السلام) لا بدّ من التمييز بين أنواع الفتن، فليس كل اضطرابٍ في الواقع يُوجب الانكفاء والانزواء. هناك نمطان بارزان من الفتن:
- النوع الأوّل: فتنة قائمة على صراع بين باطلين، يتنازعان النفوذ والمكاسب، ويستخدم كلٌّ منهما أدوات الباطل وأساليبه لخداع الناس وجذبهم إلى صفّه. في مثل هذا المشهد، لا يكون الانحياز إلى أيّ طرفٍ من الأطراف إلّا مشاركة في الباطل، وهنا يكون الموقف السليم هو الاعتزال الواعي، لا من باب السلبيّة، بل من باب الرفض لكليهما.
- النوع الثاني: فتنة يلتبس فيها الحقّ بالباطل، ويختلط فيها الموقف المشروع بالموقف المدسوس، نتيجة الغموض المتعمّد أو التعمية الإعلاميّة أو الاستغلال العاطفيّ والدينيّ. وهنا تكمن الخطورة، إذ قد يُخدع الإنسان فيُستدرَج إلى صفّ الباطل تحت عنوان الدفاع عن الحقّ. وفي مثل هذا الحال، يدعونا الإمام (عليه السلام) إلى التأنّي والحذر، وإلى التروّي قبل الانخراط في أي موقف أو اصطفاف، لأنّ التسرّع قد يُفضي إلى أن يُستغلّ موقفنا لخدمة الباطل دون أن نشعر.
فجوهر التوجيه في كلام الإمام (عليه السلام) لا يعني الحياد المطلق، بل يعني التحرّر من الاستغلال، والحذر من أن يتحوّل الإنسان إلى أداة في مشروع لا يعرف أبعاده، أو يُحسَب على جهة لا يعرف حقيقتها. كما أنّ ابن اللّبون لا يُركب ظهره ولا يُحلب ضرعه، كذلك ينبغي للإنسان المؤمن ألّا يُركب موقفه ولا يُستغلّ موقعه لصالح جهات الفتنة، سواء كانت باطلة ظاهرة، أو باطلة مستترة.
🔶 3. في صراع الباطلين: الصمت حكمة
حينما ينشب الصراع بين جبهتين تمثّلان الباطل، لا يكون الحياد موقفاً سلبيّاً، ولا تخلّياً عن المسؤوليّة، بل قد يُعدّ عين الحكمة والبصيرة. ففي مثل هذه الحال، لا مصلحة للإسلام ولا لأهله في ترجيح كفّة أحد الباطلين، لأنّ كليهما يسعى لمصالحه الأنانيّة، ويستثمر في نزيف الأمة من أجل أطماعه. إنّ التدخّل هنا قد يعني الانخراط في معركة لا حقّ فيها، والوقوف في صفّ لا يستحقّ.
ومع ذلك، فإنّ الفقه الإسلامي لا يغفل عن واقع السياسة والمجتمع، فقد تُوجِب بعض الظروف أن يتدخّل المؤمن لا نصرةً لطرفٍ ضدّ آخر، بل دفعاً لأخطر الفتنتين، وتقليلاً لضررٍ أعظم. لكن هذا التدخّل لا يكون اندفاعاً عاطفيّاً ولا اصطفافاً ساذجاً، بل يكون بحسابات دقيقة، وضوابط شرعيّة واضحة، تضمن عدم الانزلاق في خدمة مشروع ظالم تحت ذريعة مقاومة ظالمٍ آخر.
فالمطلوب في هذا المقام هو التحرك الواعي لا الوقوف العشوائي، والعمل لحماية القيم والمصالح الإسلاميّة الكبرى لا لحماية جهة معينة.
↪️ #يتبع ①
┈┉┅━━ ✿ ـ ﷽ ـ ✿ ━━┅┉┈
📝 الموعظة السابعة عشرة
💠 آثار كربلاء في بناء الأمّة الإلهيّة
🔹 هدف الموعظة
بيان الآثار العمليّة والنفسيّة والاجتماعيّة التي خلّفتها ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في وعي الأمّة الإسلاميّة، وكيف رسمت ملامح مجتمع مؤمن ثائر على الظلم، ناصرٍ للمظلوم، متمسّكٍ بالولاية الحقّة، ومفوِّضٍ أمره لإمام زمانه، بوصف ذلك كلّه من ثمار المدرسة الحسينيّة وتجلّياتها الممتدّة عبر العصور.
🔹 محاور الموعظة
1. الثورة على الظلم والظالمين
2. وجوب نصرة المظلوم
3. مجتمع الولاية الحقّة
4. الولاية المطلقة لإمام زمانهم (عليه السلام)
🔹 تصدير الموعظة
سلمان الفارسيّ (رحمه الله)، قال: دخلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا الحسين على فخذَيه، وهو يقبّل عينَيه... وهو يقول: «أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام، أنت حجّة ابن حجّة، أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم»¹.
لم تكن ثورة كربلاء حدثاً تاريخيّاً عابراً في التاريخ كما هو حال الكثيرة من الثورات، ولم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته (عليهم السلام) قتلى مظلومين في معركة حصلت يوم العاشر من المحرم، ولم تكن خطب الإمام الحسين (عليه السلام) وكلماته قبل عاشوراء ويومها مواعظ وتوجيهات لأهل ذلك الزمان.
بل شكّلت ثورة عاشوراء، والشهادة العظيمة لسيّد الشهداء (عليه السلام) وأصحابه، وإرث الإمام الحسين (عليه السلام) الدينيّ، معالم ومسارات عدة أضاءت الدروب لكلّ الأجيال على مرّ الزمان في مواجهة الظلم والظالمين، والإصلاح، بصرف النظر عن النتائج. وهو ما سنبيّنه في بيان آثار هذه الثورة المخضّبة بالشهادة.
🔶 1. الثورة على الظلم والظالمين
إنّ الميزة الأساس التي تميّز ثورة عاشوراء أنّها ثورة الحقّ بكلّ تجلّياته على الظلم بكلّ أشكاله، وإنّ العنوان الكبير والجليّ لهذه الثورة هو عنوان الإصلاح في الدين والمجتمع، وإنّ اللون الذي صبغ أهداف هذه الثورة هو لون الشهادة الحمراء؛ إذ من الثابت أنّه من سنن الله تعالى أن لا يهلك الأمم بظلمها إذا قام فيها عباد مصلحون يأخذون على يدي الظالم، ويأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾²، ومن الواضح أنّه متى كان المجتمع ظالماً، ولكنّه مقبل على إصلاح نفسه، فهذا المجتمع يبقى، ولكن إِذا كان المجتمع ظالماً ولم يُقبل على نفسه، فيصلحها أو يطهرها، فإنّ مصيره إلى الفناء والهلاك»³.
وهنا يتجلّى الأثر الأول للثورة الحسينيّة، وما بقاء المجتمع المنتمي إلى الحسين (عليه السلام) إلّا خير دليل على هذه السنّة الإلهيّة. وخير شاهد عليه ما ذكره الله تعالى في قصص الأمم السابقة الظالمة، وما حلّ بها من عقوبات، حيث كان يطغى فيها الظالمون ويعبث فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم وينصر المظلوم على الظالم فيصلح ما أفسدوا، فحقّت سنّة الله على تلك الأمم، إمّا بهلاك الاستئصال، وإمّا بهلاك الانحلال والاختلال، فقال سبحانه: ﴿كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴾⁴، وقالَ أيضاً: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّلِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾⁵.
🔶 2. وجوب نصرة المظلوم
لقد أرست ثورة عاشوراء قيمة عظيمة في دفاعها واستشهاد قائدها وسائر أصحابه في سبيل نصرة المظلومين من المسلمين والمؤمنين الموالين الذين تعرّضوا لشتى أنواع الظلم والاضطهاد الأمويّ؛ ولهذا كان من دأب خلّص الموالين لأهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام) على مرّ التاريخ نصرة المظلوم على الظالم حتّى في أحلك الظروف ظلمة، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يشحذ همم المسلمين ويحثّهم على نصرة المظلوم، فورد عنه: «ومن أخذ للمظلوم من الظالم، كان معي في الجنّة مصاحباً»⁶، وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن مشى مع مظلوم يعينه، ثبّت الله قدمَيه يوم تزلّ الأقدام»⁷، فمن مقتضيات العدل نصرة المظلوم، وتكون النصرة بتقديم العون له متى احتاج إليه، ودفع الظلم عنه إن كان مظلوماً، وردعه عن الظلم إن كان ظالماً، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً؛ إن يكُ ظالماً فاردده عن ظلمه، وإن يكُ مظلوماً فانصره»⁸، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أحسن العدل نصرة المظلوم»⁹.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة السابعة عشرة
💠 آثار كربلاء في بناء الأمّة الإلهيّة
🔹 هدف الموعظة
بيان الآثار العمليّة والنفسيّة والاجتماعيّة التي خلّفتها ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في وعي الأمّة الإسلاميّة، وكيف رسمت ملامح مجتمع مؤمن ثائر على الظلم، ناصرٍ للمظلوم، متمسّكٍ بالولاية الحقّة، ومفوِّضٍ أمره لإمام زمانه، بوصف ذلك كلّه من ثمار المدرسة الحسينيّة وتجلّياتها الممتدّة عبر العصور.
🔹 محاور الموعظة
1. الثورة على الظلم والظالمين
2. وجوب نصرة المظلوم
3. مجتمع الولاية الحقّة
4. الولاية المطلقة لإمام زمانهم (عليه السلام)
🔹 تصدير الموعظة
سلمان الفارسيّ (رحمه الله)، قال: دخلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا الحسين على فخذَيه، وهو يقبّل عينَيه... وهو يقول: «أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام، أنت حجّة ابن حجّة، أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم»¹.
لم تكن ثورة كربلاء حدثاً تاريخيّاً عابراً في التاريخ كما هو حال الكثيرة من الثورات، ولم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته (عليهم السلام) قتلى مظلومين في معركة حصلت يوم العاشر من المحرم، ولم تكن خطب الإمام الحسين (عليه السلام) وكلماته قبل عاشوراء ويومها مواعظ وتوجيهات لأهل ذلك الزمان.
بل شكّلت ثورة عاشوراء، والشهادة العظيمة لسيّد الشهداء (عليه السلام) وأصحابه، وإرث الإمام الحسين (عليه السلام) الدينيّ، معالم ومسارات عدة أضاءت الدروب لكلّ الأجيال على مرّ الزمان في مواجهة الظلم والظالمين، والإصلاح، بصرف النظر عن النتائج. وهو ما سنبيّنه في بيان آثار هذه الثورة المخضّبة بالشهادة.
🔶 1. الثورة على الظلم والظالمين
إنّ الميزة الأساس التي تميّز ثورة عاشوراء أنّها ثورة الحقّ بكلّ تجلّياته على الظلم بكلّ أشكاله، وإنّ العنوان الكبير والجليّ لهذه الثورة هو عنوان الإصلاح في الدين والمجتمع، وإنّ اللون الذي صبغ أهداف هذه الثورة هو لون الشهادة الحمراء؛ إذ من الثابت أنّه من سنن الله تعالى أن لا يهلك الأمم بظلمها إذا قام فيها عباد مصلحون يأخذون على يدي الظالم، ويأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾²، ومن الواضح أنّه متى كان المجتمع ظالماً، ولكنّه مقبل على إصلاح نفسه، فهذا المجتمع يبقى، ولكن إِذا كان المجتمع ظالماً ولم يُقبل على نفسه، فيصلحها أو يطهرها، فإنّ مصيره إلى الفناء والهلاك»³.
وهنا يتجلّى الأثر الأول للثورة الحسينيّة، وما بقاء المجتمع المنتمي إلى الحسين (عليه السلام) إلّا خير دليل على هذه السنّة الإلهيّة. وخير شاهد عليه ما ذكره الله تعالى في قصص الأمم السابقة الظالمة، وما حلّ بها من عقوبات، حيث كان يطغى فيها الظالمون ويعبث فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم وينصر المظلوم على الظالم فيصلح ما أفسدوا، فحقّت سنّة الله على تلك الأمم، إمّا بهلاك الاستئصال، وإمّا بهلاك الانحلال والاختلال، فقال سبحانه: ﴿كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴾⁴، وقالَ أيضاً: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّلِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾⁵.
🔶 2. وجوب نصرة المظلوم
لقد أرست ثورة عاشوراء قيمة عظيمة في دفاعها واستشهاد قائدها وسائر أصحابه في سبيل نصرة المظلومين من المسلمين والمؤمنين الموالين الذين تعرّضوا لشتى أنواع الظلم والاضطهاد الأمويّ؛ ولهذا كان من دأب خلّص الموالين لأهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام) على مرّ التاريخ نصرة المظلوم على الظالم حتّى في أحلك الظروف ظلمة، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يشحذ همم المسلمين ويحثّهم على نصرة المظلوم، فورد عنه: «ومن أخذ للمظلوم من الظالم، كان معي في الجنّة مصاحباً»⁶، وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن مشى مع مظلوم يعينه، ثبّت الله قدمَيه يوم تزلّ الأقدام»⁷، فمن مقتضيات العدل نصرة المظلوم، وتكون النصرة بتقديم العون له متى احتاج إليه، ودفع الظلم عنه إن كان مظلوماً، وردعه عن الظلم إن كان ظالماً، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً؛ إن يكُ ظالماً فاردده عن ظلمه، وإن يكُ مظلوماً فانصره»⁸، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أحسن العدل نصرة المظلوم»⁹.
↪️ #يتبع ①
ويرشدنا الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) في دعاء مكارم الأخلاق للاعتذار من الله سبحانه إن لم تكن لنا القدرة على نصرة المظلوم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي، فَلَمْ أَنْصُرْهُ»¹⁰، وفي دعاء العهد المرويّ عن إمامنا الصادق (عليه السلام)، والذي يقول في فضله: «من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا (عليه السلام)¹¹: اللَّهُمَّ وَاجْعَلْهُ مَفْزَعاً لِلْمَظْلُومِ مِنْ عِبَادِكَ، وَنَاصِراً لِمَنْ لَا يَجِدُ نَاصِراً غَيْرَكَ»¹².
وهكذا كان نداء شهيد الأمّة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) دائماً، وعلى طول مسيرته الجهاديّة، داعياً الأمّة وعلماءها وحكّامها وشعوبها إلى نصرة المظلوم وتلبية استغاثته متجاوزاً حدود الطوائف والمذاهب والجغرافيا، حتّى قضى شهيداً في هذا السبيل: «أيّتها الأمّة، يا علماءها وحكّامها وأنظمتها وأحزابها وحركاتها وشعوبها، تعالَوا... لنحملَ مسؤوليّة تلبية استغاثة هذا الشعب المظلوم والمضحّي في فلسطين، واستغاثة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ومقدّسات المسلمين والمسيحيّين كلّها في هذا البلد المبارك»¹³.
🔶 3. مجتمع الولاية الحقّة
لعلّه من أهمّ الدروس والنتائج الإيمانيّة التي أبرزتها ثورة العشق الحسينيّ في عاشوراء، وخضّبته بالدماء الزكيّة، أنّها حسمت المصداق الأجلى والأكمل للولاية بكلّ معانيه وتجلّياته؛ إذ ذكر القرآن والتاريخ الكثير من النماذج التي آمنت بالنبيّ وبدينه، ولكنها كانت ضعيفة ومهزومة عندما يصل الأمر إلى التضحية بالنفس والولد... ولكن عاشوراء الإمام الحسين قد علّمت الأجيال منهجاً جديداً في التضحية والإيثار، إذ تجد جميع من كان في كربلاء قد توجّه بقلبه وروحه إلى معركة الفداء والشهادة بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام).
ويكفي في الدلالة على هذه الميزة ما قاله الإمام الحسين (عليه السلام) لأخته الحوراء زينب (عليها السلام)، التي سألته قائلةً: «يابن أمّي، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخاف أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة»، فبكى الحسين (عليه السلام)، وقال: «أما والله لقد بلوتهم، فما رأيت فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أمّه»¹⁴.
🔶 4. الولاية المطلقة لإمام زمانهم (عليه السلام)
لقد امتاز أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) بصفات ومزايا كثيرة، نذكر منها ما يدلّ على ولائهم المطلق لإمام زمانهم، ويقينهم وتسليمهم التامّ، منها: الوعي والبصيرة، والإخلاص، والتفاني، الحزم والإرادة الصلبة... وهو ما تجسّد في مواقفهم لما جمع الحسين (عليه السلام) أصحابه قرب المساء. قال عليّ بن الحسين زينُ العابدين (عليه السلام): «فدنوتَ منه لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه:... أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي؛ فجزاكم الله عنّي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ أنّه آخر يوم لنا من هؤلاء، ألا وإنّي قد أَذِنْتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم مني ذمام. هذا الليل قد غشيكم، فاتّخِذوه جملاً»¹⁵.
1. موقف مسلم بن عوسجة: قام إليه مسلم بن عوسجة، فقال: «أنخلي عنك، ولَمَّا نُعذَرْ إلى الله سبحانه في أداء حقِّك؟! أَمَا والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة. والله، لا نُخْلِيْكَ حتّى يعلمَ الله أنْ قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيك. والله، لو علمت أنّي أُقتل، ثمّ أُحيا، ثمّ أُحرق، ثمّ أُحيا، ثمّ أُذرّى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة! ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً»¹⁶.
2. موقف زهير بن القين: قام زهير بن القين البجليّ، فقال: «والله، لوددتُ أنّي قُتِلت، ثمّ نُشِرت، ثمّ قُتِلت، حتّى أُقتل هكذا ألفَ مرّة، وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك»¹⁷.
3. قيل لمحمّد بن الحضرميّ [وهو مع الحسين في كربلاء]: أُسِر ابنك بثغر الريّ. قال: «عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحبُّ أنْ يُؤسر، ولا أن أبقى بعده»، فسمع قوله الحسين (عليه السلام)، فقال له: «رحمك الله! أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك»، قال: «أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك»¹⁸.
4. وهذا عابس بن أبي شبيب الشاكريّ، الذي خاطب الإمام (عليه السلام)، قائلاً: «أمّا بعد، فإنّي لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرَّك منهم. والله، أحدّثك عمّا أنا موطّن نفسي عليه، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم، ولأقاتلّن معكم عدوّكم، ولأضربّن بسيفي دونكم حتّى ألقى الله، لا أريد بذلك إلّا ما عند الله»¹⁹.
↪️ #يتبع ②
وهكذا كان نداء شهيد الأمّة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) دائماً، وعلى طول مسيرته الجهاديّة، داعياً الأمّة وعلماءها وحكّامها وشعوبها إلى نصرة المظلوم وتلبية استغاثته متجاوزاً حدود الطوائف والمذاهب والجغرافيا، حتّى قضى شهيداً في هذا السبيل: «أيّتها الأمّة، يا علماءها وحكّامها وأنظمتها وأحزابها وحركاتها وشعوبها، تعالَوا... لنحملَ مسؤوليّة تلبية استغاثة هذا الشعب المظلوم والمضحّي في فلسطين، واستغاثة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ومقدّسات المسلمين والمسيحيّين كلّها في هذا البلد المبارك»¹³.
🔶 3. مجتمع الولاية الحقّة
لعلّه من أهمّ الدروس والنتائج الإيمانيّة التي أبرزتها ثورة العشق الحسينيّ في عاشوراء، وخضّبته بالدماء الزكيّة، أنّها حسمت المصداق الأجلى والأكمل للولاية بكلّ معانيه وتجلّياته؛ إذ ذكر القرآن والتاريخ الكثير من النماذج التي آمنت بالنبيّ وبدينه، ولكنها كانت ضعيفة ومهزومة عندما يصل الأمر إلى التضحية بالنفس والولد... ولكن عاشوراء الإمام الحسين قد علّمت الأجيال منهجاً جديداً في التضحية والإيثار، إذ تجد جميع من كان في كربلاء قد توجّه بقلبه وروحه إلى معركة الفداء والشهادة بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام).
ويكفي في الدلالة على هذه الميزة ما قاله الإمام الحسين (عليه السلام) لأخته الحوراء زينب (عليها السلام)، التي سألته قائلةً: «يابن أمّي، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخاف أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة»، فبكى الحسين (عليه السلام)، وقال: «أما والله لقد بلوتهم، فما رأيت فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أمّه»¹⁴.
🔶 4. الولاية المطلقة لإمام زمانهم (عليه السلام)
لقد امتاز أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) بصفات ومزايا كثيرة، نذكر منها ما يدلّ على ولائهم المطلق لإمام زمانهم، ويقينهم وتسليمهم التامّ، منها: الوعي والبصيرة، والإخلاص، والتفاني، الحزم والإرادة الصلبة... وهو ما تجسّد في مواقفهم لما جمع الحسين (عليه السلام) أصحابه قرب المساء. قال عليّ بن الحسين زينُ العابدين (عليه السلام): «فدنوتَ منه لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه:... أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي؛ فجزاكم الله عنّي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ أنّه آخر يوم لنا من هؤلاء، ألا وإنّي قد أَذِنْتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم مني ذمام. هذا الليل قد غشيكم، فاتّخِذوه جملاً»¹⁵.
1. موقف مسلم بن عوسجة: قام إليه مسلم بن عوسجة، فقال: «أنخلي عنك، ولَمَّا نُعذَرْ إلى الله سبحانه في أداء حقِّك؟! أَمَا والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة. والله، لا نُخْلِيْكَ حتّى يعلمَ الله أنْ قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيك. والله، لو علمت أنّي أُقتل، ثمّ أُحيا، ثمّ أُحرق، ثمّ أُحيا، ثمّ أُذرّى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة! ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً»¹⁶.
2. موقف زهير بن القين: قام زهير بن القين البجليّ، فقال: «والله، لوددتُ أنّي قُتِلت، ثمّ نُشِرت، ثمّ قُتِلت، حتّى أُقتل هكذا ألفَ مرّة، وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك»¹⁷.
3. قيل لمحمّد بن الحضرميّ [وهو مع الحسين في كربلاء]: أُسِر ابنك بثغر الريّ. قال: «عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحبُّ أنْ يُؤسر، ولا أن أبقى بعده»، فسمع قوله الحسين (عليه السلام)، فقال له: «رحمك الله! أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك»، قال: «أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك»¹⁸.
4. وهذا عابس بن أبي شبيب الشاكريّ، الذي خاطب الإمام (عليه السلام)، قائلاً: «أمّا بعد، فإنّي لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرَّك منهم. والله، أحدّثك عمّا أنا موطّن نفسي عليه، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم، ولأقاتلّن معكم عدوّكم، ولأضربّن بسيفي دونكم حتّى ألقى الله، لا أريد بذلك إلّا ما عند الله»¹⁹.
↪️ #يتبع ②
┈┉┅━━ ✿ ـ ﷽ ـ ✿ ━━┅┉┈
📝 الموعظة الثامنة عشرة
💠 علماء الإيمان وحرّاس النهج الحسينيّ
🔹 هدف الموعظة
تسليط الضوء على الدور الجهاديّ الرساليّ لعلماء الدين في قيادة الأمّة وحماية هويّتها، وبيان صلتهم بمنهج الإمام الحسين (عليه السلام) في النهضة والتضحية، من خلال النماذج الحيّة: السيّد عباس الموسويّ، الشيخ راغب حرب، السيّد حسن نصر الله، السيّد هاشم صفيّ الدين، رضوان الله تعالى عليهم.
🔹 محاور الموعظة
1. الدين بحاجة إلى قادة يؤمنون ويفعلون
2. المرجعيّة العلميّة المجاهدة - السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)
3. صوت الكرامة - الشيخ راغب حرب (رضوان الله عليه)
4. القيادة الرساليّة - السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)
5. المفكّر البصير - السيّد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)
6. العلماء أمناء الرسالة وحملة الدماء
🔹 تصدير الموعظة
الإمام الحسين (عليه السلام): «أمّا بعد، فقد علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال في حياته: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيِّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يُدخله مدخله»¹.
🔶 1. الدين بحاجة إلى قادة يؤمنون ويفعلون
إنّ الدين لا يُحفظ بالكلام وحده، بل بالرجال الذين يحفظونه في نفوسهم ودمائهم. منذ استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) صار النهج واضحاً: الدين بلا تضحية يذبل، والمجتمع بلا مرجعيّة يُضلَّل. فكان العلماء على امتداد تاريخنا ورثة الأنبياء، وامتداد الإمام الحسين (عليه السلام) في صوته وموقفه ودمه، لا يقبلون الذلّ، ولا يهادنون الباطل، ولا يتركون الأمّة وحدها في ظلمات التيه.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ... فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يُورِّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورَّثوا العلم، فمَن أخذ منه أخذ بحظّ وافر»².
وقد اختصّ عصرنا بمجموعة من العلماء الذين جسّدوا هذا الدور الحسينيّ، وفي طليعتهم: الشهيد السيّد عبّاس الموسويّ، والشهيد الشيخ راغب حرب، وشهيد الأمّة السيّد حسن نصر الله، والشهيد الهاشميّ السيّد هاشم صفيّ الدين، الذين شكّلوا معاً حلقات متكاملة في مشروع المقاومة والإحياء.
🔶 2. المرجعيّة العلميّة المجاهدة - السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)
السيّد عباس، ابن الحوزة، وتلميذ النجف، حمل همّ الدين منذ نعومة أظفاره. لم يكن عالماً منطوياً على كتبه، بل نزل إلى الميدان، وقاد الناس إلى ساحة الجهاد، وأسّس المقاومة على قاعدة «العلم والدم».
في أوج الاحتلال الصهيونيّ للجنوب، وفي مرحلةٍ كان فيها الصوت المقاوم يُراهن عليه في رسم معادلات الكرامة والتحرير، وقف سماحة السيّد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) مبلوراً لخطٍّ واضح لا لبس فيه، خطٍّ يرى في وحدة الصف والكلمة والبندقيّة، طريقاً لا غنى عنه لمواجهة العدو الصهيونيّ. ومن على منبر ذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب، أطلق السيّد صرخته الراسخة، محدِّداً بوصلة الصراع، ومؤكِّداً وحدة الجبهة الداخليّة، وتركيز الجهد نحو العدوّ الحقيقيّ، قائلاً: «إنّنا نريد من الجميع أن يبقوا صفّاً واحداً، وأن يوجّهوا دماءهم ويوجّهوا سلاحهم في وجه إسرائيل... المهمّ أن لا يكون هناك تنازل عن البندقيّة الواحدة في وجه العدوّ الصهيونيّ»³.
بهذه الكلمات، رسم السيّد معالم المرحلة: لا حياد في قضيّة المقاومة، ولا مكان للتنازلات، فكلّ بندقيّة لا تتوجَّه إلى العدوّ هي بندقيّة مشبوهة، وكلّ خلافٍ يُمزّق الصفوف هو خدمة مجانيّة للاحتلال.
في الرؤية الإيمانيّة التي قدّمها السيّد عبّاس الموسويّ، لم تكن كربلاء مجرّد واقعة تاريخيّة، بل كانت النواة التي تتكرّر في كلّ زمن حينما يواجه الحقُّ الباطلَ، وحينما يُراد للأمّة أن تنهض من جديد. من هنا، فإنّ السيّد الموسويّ ربط بين نهج الإمام الحسين (عليه السلام) وبين كلّ حركة مقاومةٍ تحرّريّة، عادّاً أنّ روح كربلاء لا تقتصر على بقعة جغرافيّة أو زمن محدّد، بل تتجلّى حيثما وُجد الظلم والاستكبار والاحتلال. ومن صميم هذه الرؤية جاءت عبارته: «الحسين (عليه السلام) هو أساس ثورتنا ومقاومتنا في لبنان»⁴.
بهذا الربط العميق، أضاء السيد الموسوي على الامتداد الطبيعي لكربلاء في مقاومة الاحتلال الصهيوني، فكما فجّر الإمام الحسين (عليه السلام) طاقات الأمة بدمه، فجّرها اليوم المجاهدون المقاومون بوعيهم وسلاحهم المستمدّ من تلك المدرسة.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة الثامنة عشرة
💠 علماء الإيمان وحرّاس النهج الحسينيّ
🔹 هدف الموعظة
تسليط الضوء على الدور الجهاديّ الرساليّ لعلماء الدين في قيادة الأمّة وحماية هويّتها، وبيان صلتهم بمنهج الإمام الحسين (عليه السلام) في النهضة والتضحية، من خلال النماذج الحيّة: السيّد عباس الموسويّ، الشيخ راغب حرب، السيّد حسن نصر الله، السيّد هاشم صفيّ الدين، رضوان الله تعالى عليهم.
🔹 محاور الموعظة
1. الدين بحاجة إلى قادة يؤمنون ويفعلون
2. المرجعيّة العلميّة المجاهدة - السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)
3. صوت الكرامة - الشيخ راغب حرب (رضوان الله عليه)
4. القيادة الرساليّة - السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)
5. المفكّر البصير - السيّد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)
6. العلماء أمناء الرسالة وحملة الدماء
🔹 تصدير الموعظة
الإمام الحسين (عليه السلام): «أمّا بعد، فقد علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال في حياته: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيِّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يُدخله مدخله»¹.
🔶 1. الدين بحاجة إلى قادة يؤمنون ويفعلون
إنّ الدين لا يُحفظ بالكلام وحده، بل بالرجال الذين يحفظونه في نفوسهم ودمائهم. منذ استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) صار النهج واضحاً: الدين بلا تضحية يذبل، والمجتمع بلا مرجعيّة يُضلَّل. فكان العلماء على امتداد تاريخنا ورثة الأنبياء، وامتداد الإمام الحسين (عليه السلام) في صوته وموقفه ودمه، لا يقبلون الذلّ، ولا يهادنون الباطل، ولا يتركون الأمّة وحدها في ظلمات التيه.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ... فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يُورِّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورَّثوا العلم، فمَن أخذ منه أخذ بحظّ وافر»².
وقد اختصّ عصرنا بمجموعة من العلماء الذين جسّدوا هذا الدور الحسينيّ، وفي طليعتهم: الشهيد السيّد عبّاس الموسويّ، والشهيد الشيخ راغب حرب، وشهيد الأمّة السيّد حسن نصر الله، والشهيد الهاشميّ السيّد هاشم صفيّ الدين، الذين شكّلوا معاً حلقات متكاملة في مشروع المقاومة والإحياء.
🔶 2. المرجعيّة العلميّة المجاهدة - السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)
السيّد عباس، ابن الحوزة، وتلميذ النجف، حمل همّ الدين منذ نعومة أظفاره. لم يكن عالماً منطوياً على كتبه، بل نزل إلى الميدان، وقاد الناس إلى ساحة الجهاد، وأسّس المقاومة على قاعدة «العلم والدم».
في أوج الاحتلال الصهيونيّ للجنوب، وفي مرحلةٍ كان فيها الصوت المقاوم يُراهن عليه في رسم معادلات الكرامة والتحرير، وقف سماحة السيّد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) مبلوراً لخطٍّ واضح لا لبس فيه، خطٍّ يرى في وحدة الصف والكلمة والبندقيّة، طريقاً لا غنى عنه لمواجهة العدو الصهيونيّ. ومن على منبر ذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب، أطلق السيّد صرخته الراسخة، محدِّداً بوصلة الصراع، ومؤكِّداً وحدة الجبهة الداخليّة، وتركيز الجهد نحو العدوّ الحقيقيّ، قائلاً: «إنّنا نريد من الجميع أن يبقوا صفّاً واحداً، وأن يوجّهوا دماءهم ويوجّهوا سلاحهم في وجه إسرائيل... المهمّ أن لا يكون هناك تنازل عن البندقيّة الواحدة في وجه العدوّ الصهيونيّ»³.
بهذه الكلمات، رسم السيّد معالم المرحلة: لا حياد في قضيّة المقاومة، ولا مكان للتنازلات، فكلّ بندقيّة لا تتوجَّه إلى العدوّ هي بندقيّة مشبوهة، وكلّ خلافٍ يُمزّق الصفوف هو خدمة مجانيّة للاحتلال.
في الرؤية الإيمانيّة التي قدّمها السيّد عبّاس الموسويّ، لم تكن كربلاء مجرّد واقعة تاريخيّة، بل كانت النواة التي تتكرّر في كلّ زمن حينما يواجه الحقُّ الباطلَ، وحينما يُراد للأمّة أن تنهض من جديد. من هنا، فإنّ السيّد الموسويّ ربط بين نهج الإمام الحسين (عليه السلام) وبين كلّ حركة مقاومةٍ تحرّريّة، عادّاً أنّ روح كربلاء لا تقتصر على بقعة جغرافيّة أو زمن محدّد، بل تتجلّى حيثما وُجد الظلم والاستكبار والاحتلال. ومن صميم هذه الرؤية جاءت عبارته: «الحسين (عليه السلام) هو أساس ثورتنا ومقاومتنا في لبنان»⁴.
بهذا الربط العميق، أضاء السيد الموسوي على الامتداد الطبيعي لكربلاء في مقاومة الاحتلال الصهيوني، فكما فجّر الإمام الحسين (عليه السلام) طاقات الأمة بدمه، فجّرها اليوم المجاهدون المقاومون بوعيهم وسلاحهم المستمدّ من تلك المدرسة.
↪️ #يتبع ①
🔶 3. صوت الكرامة - الشيخ راغب حرب (رضوان الله عليه)
الشيخ راغب حرب لم يكن خطيباً عادياً، كان صاعقة في وجه المحتلّ، أوّل من قال، رافضاً وضع يده بيد الصهاينة: «الموقف سلاح، والمصافحة اعتراف»، فزرع في عقول الناس أنّ المواجهة ليست بالبندقيّة فحسب، بل بالكلمة التي تُسقط شرعيّة العدوّ.
لقد كان الشيخ راغب حرب يؤكّد على أنّ مقاومة الاحتلال الصهيونيّ هي امتداد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وأنّ من يسير على درب الإمام الحسين (عليه السلام) لا يمكن أن يرضى بالذلّ أو الاستسلام. ومن كلماته المعبّرة في هذا السياق: «نحن قلنا باسم الله كلمة سنقف عندها، إنّه لن نقبل بهذا الوضع (الاحتلال)... سنقف عند هذا الأمر، سنستمرّ به. ماذا سيكلّف؟ مئة ألف، مئتين؟ لا مانع»⁵.
كما قال أيضاً: «نحن مرشّحون لأن نصبح جياعاً؛ لذلك علينا أن نقرّر موقفنا ونستمرّ بالمقاومة لهذا العدوّ، مهما كلّف الثمن. فإن استشهد منّا مئة ألف وبقينا أعزّاء، خير من أن نموت جوعاً، أو ننصاع لأوامر العدوّ»⁶.
إنّ هذه المواقف تُجسّد الروح الحسينيّة التي كان يحملها الشيخ راغب حرب، وتُعبّر عن إيمانه العميق بأنّ اتّباع الإمام الحسين (عليه السلام) يعني رفض الذلّ والتمسّك بالكرامة والعزّة، مهما كانت التضحيات.
🔶 4. القيادة الرساليّة - السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)
السيّد حسن نصر الله هو الامتداد الحيّ لعلماء الحوزة الذين صنعوا المقاومة بالعقيدة أولاً، ثم بالبندقيّة. لم يأتِ من فراغ، بل تدرّب في مدرسة الإمام المغيَّب السيّد موسى الصدر والسيّد عبّاس والشيخ راغب، ونهل من فكر الإمام الخمينيّ (قدّس سره)، وسار على خطى الإمام الحسين (عليه السلام).
قاده تكليفه الشرعيّ إلى تولّي مسؤوليّة لا يتحمّلها إلّا من باع نفسه لله. لم يبحث عن شهرة، بل عن رضا الله، فجعل من المقاومة حركة إيمانيّة قبل أن تكون عسكريّة. وكلّ خطاب من خطاباته كان مشبعاً بحضور الإمام الحسين (عليه السلام)، وملؤه يقين، وهو القائل: «أين الحسين اليوم في العالم؟ وأين يزيد اليوم في العالم؟ أليس هذا من معالم انتصار الدم الحسينيّ؟ هذه الظاهرة التي لا مثيل لها في التاريخ المعاصر... نحن ومَن معنا في العالم كلّه ممّن يحيي هذه المناسبة، عليهم مسؤوليّة تاريخيّة، هي الحفاظ على هذه المناسبة، وعلى إحيائها وعنوانها وصورتها وشعاراتها وشعائرها ومعناها ودلالاتها، الحفاظ عليها وعلى مكانتها وعلى إشراقتها وعلى عظمتها وعلى حضورها الوجدانيّ وعلى قداستها وعلى احترامها»⁷.
هو القائد الذي وعد فصدق، وانتصر فتواضع، وواجه فثبّت الأمّة، وكرّر دائماً وجوب الحفاظ على نعمة المقاومة، مهما كانت الظروف: «هذه النعمة، نعمة المقاومة، يجب أن نتمسّك بها بقوّة، ولا يجب أن يُتأثّر بكلّ هذه الأصوات التي لا تقدّم بديلاً على الإطلاق، تتحدّث إنشائيّات، تتحدّث خيالات، تتحدّث أوهاماً، تتحدّث سراباً، المقاومة قدّمت إنجازات، قدّمت انتصارات، قدّمت نتائج ملموسة»⁸.
🔶 5. المفكّر البصير - السيّد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)
السيّد هاشم صفي الدين، رجل العقل والبصيرة، والكلمة المتّزنة العميقة. كان صوته نافذاً، يخترق الجهل والتضليل، وينير عقول السامعين بحكمة العلماء وبصيرة الأولياء.
هو مَن حمل على عاتقه مسؤوليّة التعبئة الفكريّة والإيمانيّة، فكان يواجه الحرب الناعمة بالكلمة الواعية، ويؤسّس لوعي حسينيّ يستمرّ في مواجهة الباطل مهما تغيّر شكله.
وفيه يقول الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «كانَ سماحتُه من أبرزِ الشخصيّاتِ العظيمةِ في حزبِ اللهِ، وكانَ الناصرَ والرفيقَ الدائمَ لسماحةِ السيّدِ حسن نصرِ اللهِ. بفضلِ حكمةِ وشجاعةِ قادةٍ مثلِ سماحتِه، استطاعَ حزبُ اللهِ أن يصونَ لبنانَ من خطرِ التقسيمِ والانهيارِ مجدّداً، وأن يُحبِطَ تهديدَ الكيانِ الغاصبِ».
عرفناه محاضراً وموجّهاً ومربّياً، يزرع في الشباب حبّ الدين والمقاومة، ويربّيهم على الصبر والبصيرة والولاية، وهو القائل: «إنّه لَمِن دواعي الفخرِ والاعتزازِ، أنْ ينتميَ الإنسانُ إلى هذه المسيرةِ الإلهيّةِ والجهاديّةِ المقاوِمةِ، وأنْ يبذلَ عمرَه وعِلمَه وكلَّ ما يملكُ ومَنْ يحبُّ في سبيلِ إعزازِ هذه المسيرةِ ورفعِ رايتِها؛ ذلك أنّها رايةُ الهدى في منطقتِنا، وهِيَ الدالّةُ على الحقِّ، والداعيةُ إلى الإيمانِ، والحاملةُ لهمومِ المستضعَفينَ والمظلومينَ والمحرومينَ... ويكفينا فخراً أنّ حزبَ اللهِ هو النبتةُ الطاهرةُ التي غرسَتْها اليدُ المباركةُ للعالِمِ الربّانيِّ والعارِفِ الكاملِ والقائدِ المُلهِمِ في هذا العصرِ الإمامِ الخمينيِّ (رضوانُ اللهِ عليه)»⁹.
↪️ #يتبع ②
الشيخ راغب حرب لم يكن خطيباً عادياً، كان صاعقة في وجه المحتلّ، أوّل من قال، رافضاً وضع يده بيد الصهاينة: «الموقف سلاح، والمصافحة اعتراف»، فزرع في عقول الناس أنّ المواجهة ليست بالبندقيّة فحسب، بل بالكلمة التي تُسقط شرعيّة العدوّ.
لقد كان الشيخ راغب حرب يؤكّد على أنّ مقاومة الاحتلال الصهيونيّ هي امتداد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وأنّ من يسير على درب الإمام الحسين (عليه السلام) لا يمكن أن يرضى بالذلّ أو الاستسلام. ومن كلماته المعبّرة في هذا السياق: «نحن قلنا باسم الله كلمة سنقف عندها، إنّه لن نقبل بهذا الوضع (الاحتلال)... سنقف عند هذا الأمر، سنستمرّ به. ماذا سيكلّف؟ مئة ألف، مئتين؟ لا مانع»⁵.
كما قال أيضاً: «نحن مرشّحون لأن نصبح جياعاً؛ لذلك علينا أن نقرّر موقفنا ونستمرّ بالمقاومة لهذا العدوّ، مهما كلّف الثمن. فإن استشهد منّا مئة ألف وبقينا أعزّاء، خير من أن نموت جوعاً، أو ننصاع لأوامر العدوّ»⁶.
إنّ هذه المواقف تُجسّد الروح الحسينيّة التي كان يحملها الشيخ راغب حرب، وتُعبّر عن إيمانه العميق بأنّ اتّباع الإمام الحسين (عليه السلام) يعني رفض الذلّ والتمسّك بالكرامة والعزّة، مهما كانت التضحيات.
🔶 4. القيادة الرساليّة - السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)
السيّد حسن نصر الله هو الامتداد الحيّ لعلماء الحوزة الذين صنعوا المقاومة بالعقيدة أولاً، ثم بالبندقيّة. لم يأتِ من فراغ، بل تدرّب في مدرسة الإمام المغيَّب السيّد موسى الصدر والسيّد عبّاس والشيخ راغب، ونهل من فكر الإمام الخمينيّ (قدّس سره)، وسار على خطى الإمام الحسين (عليه السلام).
قاده تكليفه الشرعيّ إلى تولّي مسؤوليّة لا يتحمّلها إلّا من باع نفسه لله. لم يبحث عن شهرة، بل عن رضا الله، فجعل من المقاومة حركة إيمانيّة قبل أن تكون عسكريّة. وكلّ خطاب من خطاباته كان مشبعاً بحضور الإمام الحسين (عليه السلام)، وملؤه يقين، وهو القائل: «أين الحسين اليوم في العالم؟ وأين يزيد اليوم في العالم؟ أليس هذا من معالم انتصار الدم الحسينيّ؟ هذه الظاهرة التي لا مثيل لها في التاريخ المعاصر... نحن ومَن معنا في العالم كلّه ممّن يحيي هذه المناسبة، عليهم مسؤوليّة تاريخيّة، هي الحفاظ على هذه المناسبة، وعلى إحيائها وعنوانها وصورتها وشعاراتها وشعائرها ومعناها ودلالاتها، الحفاظ عليها وعلى مكانتها وعلى إشراقتها وعلى عظمتها وعلى حضورها الوجدانيّ وعلى قداستها وعلى احترامها»⁷.
هو القائد الذي وعد فصدق، وانتصر فتواضع، وواجه فثبّت الأمّة، وكرّر دائماً وجوب الحفاظ على نعمة المقاومة، مهما كانت الظروف: «هذه النعمة، نعمة المقاومة، يجب أن نتمسّك بها بقوّة، ولا يجب أن يُتأثّر بكلّ هذه الأصوات التي لا تقدّم بديلاً على الإطلاق، تتحدّث إنشائيّات، تتحدّث خيالات، تتحدّث أوهاماً، تتحدّث سراباً، المقاومة قدّمت إنجازات، قدّمت انتصارات، قدّمت نتائج ملموسة»⁸.
🔶 5. المفكّر البصير - السيّد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)
السيّد هاشم صفي الدين، رجل العقل والبصيرة، والكلمة المتّزنة العميقة. كان صوته نافذاً، يخترق الجهل والتضليل، وينير عقول السامعين بحكمة العلماء وبصيرة الأولياء.
هو مَن حمل على عاتقه مسؤوليّة التعبئة الفكريّة والإيمانيّة، فكان يواجه الحرب الناعمة بالكلمة الواعية، ويؤسّس لوعي حسينيّ يستمرّ في مواجهة الباطل مهما تغيّر شكله.
وفيه يقول الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «كانَ سماحتُه من أبرزِ الشخصيّاتِ العظيمةِ في حزبِ اللهِ، وكانَ الناصرَ والرفيقَ الدائمَ لسماحةِ السيّدِ حسن نصرِ اللهِ. بفضلِ حكمةِ وشجاعةِ قادةٍ مثلِ سماحتِه، استطاعَ حزبُ اللهِ أن يصونَ لبنانَ من خطرِ التقسيمِ والانهيارِ مجدّداً، وأن يُحبِطَ تهديدَ الكيانِ الغاصبِ».
عرفناه محاضراً وموجّهاً ومربّياً، يزرع في الشباب حبّ الدين والمقاومة، ويربّيهم على الصبر والبصيرة والولاية، وهو القائل: «إنّه لَمِن دواعي الفخرِ والاعتزازِ، أنْ ينتميَ الإنسانُ إلى هذه المسيرةِ الإلهيّةِ والجهاديّةِ المقاوِمةِ، وأنْ يبذلَ عمرَه وعِلمَه وكلَّ ما يملكُ ومَنْ يحبُّ في سبيلِ إعزازِ هذه المسيرةِ ورفعِ رايتِها؛ ذلك أنّها رايةُ الهدى في منطقتِنا، وهِيَ الدالّةُ على الحقِّ، والداعيةُ إلى الإيمانِ، والحاملةُ لهمومِ المستضعَفينَ والمظلومينَ والمحرومينَ... ويكفينا فخراً أنّ حزبَ اللهِ هو النبتةُ الطاهرةُ التي غرسَتْها اليدُ المباركةُ للعالِمِ الربّانيِّ والعارِفِ الكاملِ والقائدِ المُلهِمِ في هذا العصرِ الإمامِ الخمينيِّ (رضوانُ اللهِ عليه)»⁹.
↪️ #يتبع ②
┈┉┅━━ ✿ ـ ﷽ ـ ✿ ━━┅┉┈
📝 الموعظة التاسعة عشرة
💠 الانتظارُ المهدويُّ وثمرةُ عاشوراء
🔹 هدف الموعظة
ترسيخُ العقيدة المهدويّة في الوجدان الحسينيّ، وبيان أنّ الانتظار الفعّال لصاحب العصر والزمان (عليه السلام) هو امتدادٌ حيٌّ لمسيرة الحسين (عليه السلام) وثورته، ووسيلة لإعداد النفس والمجتمع لقيام دولة العدل الإلهيّ المنتظر.
🔹 محاور الموعظة
1. القضيّة المهدويّة في منظومة الدين
2. المهدويّةُ عقيدةٌ إسلاميّة جامعة
3. الانتظارُ تكليفٌ إيمانيّ وليس موقفاً سلبيّاً
4. الانتظارُ فعلُ التمهيد وبناءُ الذات والمجتمع
5. المهدويّة امتدادٌ لعاشوراء
🔹 تصدير الموعظة
﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾¹.
الإمام الباقر (عليه السلام): «وجدنا في كتابِ عليٍّ (عليه السلام): أنا وأهلُ بيتي الذين أُورِثنا الأرض، ونحن المتقون، والأرضُ كلُّها لنا»².
🔶 1. القضيّة المهدويّة في منظومة الدين
تُعَدُّ القضيّةُ المهدويّةُ من أركانِ العقيدة الإسلاميّة، ومركزاً من مراكز الارتباط بالله وبالرسالات السماويّة، لأنّها تُبشِّرُ بتحقّق ما بُعِث من أجله الأنبياء (عليهم السلام)، ألا وهو إقامةُ عالمٍ موحَّدٍ يسودُه التوحيدُ والعدل.
إنّ عصرَ الظهور هو عصرُ حاكميّة الله، ومجتمعُ التوحيد العمليّ، حيثُ يُستقرُّ العدلُ الكاملُ والشاملُ في الأرض.
وقد كانت جميعُ التحرّكاتِ الإلهيّة في التاريخ، تحت راية الأنبياء (عليهم السلام)، تسير نحو هذه الغاية العظمى. فلو لم تكن دولةُ المهديّ (عليه السلام)، لَما كان لتلك الجهودِ والدماءِ والتضحياتِ معنى، ولا لبعثات الأنبياء أثرٌ فعليّ.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «فالدعاةُ الإلهيّون لم تنقطع سلالتُهم اليوم، والوجودُ المقدّسُ لبقيّة الله الأعظم (أرواحنا فداه) هو استمرارُ سلالة الدعاة الإلهيّين، إذ تقرؤون في زيارة آل ياسين: «السلام عليك يا داعيَ الله وربّانيَّ آياته³»⁴.
🔶 2. المهدويّةُ عقيدةٌ إسلاميّة جامعة
ليست المهدويّةُ شأناً خاصّاً بالشيعة فحسب، بل هي من القضايا المُسلَّم بها عند عامّة المسلمين، بل وأجمعت المذاهبُ الإسلاميّةُ على أنّ غاية العالم ستكون إقامة حكومة العدل الإلهيّ على يد رجلٍ من آل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
غير أنّ ما تمتاز به المدرسة الإماميّة هو تحديدُ هويّة هذا القائد المنتظَر تحديداً واضحاً وقاطعاً، فهو:
- من أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
- من وُلدِ فاطمة (عليها السلام)
- من ذرّيّة الحسين (عليه السلام)
- آخر الأوصياء الاثني عشر (عليهم السلام)
- اسمه كاسم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «وهو رجلٌ منّي، اسمه كاسمي، يحفظني اللهُ فيه، ويعمل بسنّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعدما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً»⁵.
🔶 3. الانتظارُ تكليفٌ إيمانيّ وليس موقفاً سلبيّاً
ليس المقصودُ من المهدويّة الإيمانَ بوجود الإمام فحسب، بل يُلازمها موقفٌ عمليّ هو الانتظار. والانتظار في المفهوم القرآنيّ والروائيّ ليس انتظارَ الكسالى، بل هو حالةٌ من الترقّب الواعي، والعمل المستمرّ، والتهيئة الذاتيّة.
وقد شبّهت الروايات حال الإمام الغائب بحال يوسف (عليه السلام)، الذي كان حاضراً بين إخوته، يروْنه ولا يعرفونه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وأمّا سنّة من يوسف، فالستر، يجعل اللهُ بينه وبين الخلق حجاباً، يرَونه ولا يعرفونه»⁶.
والانتظارُ ليس انتظاراً زمنيّاً، بل هو مسارٌ عمليّ يُمهّد لظهور الإمام، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من رَوحِ الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله انتظارُ الفرج ما دام عليه العبدُ المؤمن»⁷.
🔶 4. الانتظارُ فعلُ التمهيد وبناءُ الذات والمجتمع
عن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلتُ فداك! متى الفرج؟ فقال: «يا أبا بصير، وأنت ممَّن يريد الدنيا؟! مَن عرف هذا الأمر، فقد فُرِّج عنه لانتظارِه»⁸.
فالفرج ليس موقِعاً زمنيّاً فقط، بل هو حالٌ روحيّ ومعنويّ، يُحقّقه المؤمن بإعداد نفسه، وتنقية قلبه، والتخلّي عن الرذائل، والتحلّي بالفضائل، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن سرَّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظِر»⁹.
ويقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الانتظار يوجب على الإنسان أن يُعدَّ نفسَه بطريقةٍ وهيئةٍ وخُلُق، يقارب الشاكلةَ والهيئةَ والخُلُق المتوقَّع في الزمان الذي ينتظره»¹⁰.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة التاسعة عشرة
💠 الانتظارُ المهدويُّ وثمرةُ عاشوراء
🔹 هدف الموعظة
ترسيخُ العقيدة المهدويّة في الوجدان الحسينيّ، وبيان أنّ الانتظار الفعّال لصاحب العصر والزمان (عليه السلام) هو امتدادٌ حيٌّ لمسيرة الحسين (عليه السلام) وثورته، ووسيلة لإعداد النفس والمجتمع لقيام دولة العدل الإلهيّ المنتظر.
🔹 محاور الموعظة
1. القضيّة المهدويّة في منظومة الدين
2. المهدويّةُ عقيدةٌ إسلاميّة جامعة
3. الانتظارُ تكليفٌ إيمانيّ وليس موقفاً سلبيّاً
4. الانتظارُ فعلُ التمهيد وبناءُ الذات والمجتمع
5. المهدويّة امتدادٌ لعاشوراء
🔹 تصدير الموعظة
﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾¹.
الإمام الباقر (عليه السلام): «وجدنا في كتابِ عليٍّ (عليه السلام): أنا وأهلُ بيتي الذين أُورِثنا الأرض، ونحن المتقون، والأرضُ كلُّها لنا»².
🔶 1. القضيّة المهدويّة في منظومة الدين
تُعَدُّ القضيّةُ المهدويّةُ من أركانِ العقيدة الإسلاميّة، ومركزاً من مراكز الارتباط بالله وبالرسالات السماويّة، لأنّها تُبشِّرُ بتحقّق ما بُعِث من أجله الأنبياء (عليهم السلام)، ألا وهو إقامةُ عالمٍ موحَّدٍ يسودُه التوحيدُ والعدل.
إنّ عصرَ الظهور هو عصرُ حاكميّة الله، ومجتمعُ التوحيد العمليّ، حيثُ يُستقرُّ العدلُ الكاملُ والشاملُ في الأرض.
وقد كانت جميعُ التحرّكاتِ الإلهيّة في التاريخ، تحت راية الأنبياء (عليهم السلام)، تسير نحو هذه الغاية العظمى. فلو لم تكن دولةُ المهديّ (عليه السلام)، لَما كان لتلك الجهودِ والدماءِ والتضحياتِ معنى، ولا لبعثات الأنبياء أثرٌ فعليّ.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «فالدعاةُ الإلهيّون لم تنقطع سلالتُهم اليوم، والوجودُ المقدّسُ لبقيّة الله الأعظم (أرواحنا فداه) هو استمرارُ سلالة الدعاة الإلهيّين، إذ تقرؤون في زيارة آل ياسين: «السلام عليك يا داعيَ الله وربّانيَّ آياته³»⁴.
🔶 2. المهدويّةُ عقيدةٌ إسلاميّة جامعة
ليست المهدويّةُ شأناً خاصّاً بالشيعة فحسب، بل هي من القضايا المُسلَّم بها عند عامّة المسلمين، بل وأجمعت المذاهبُ الإسلاميّةُ على أنّ غاية العالم ستكون إقامة حكومة العدل الإلهيّ على يد رجلٍ من آل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
غير أنّ ما تمتاز به المدرسة الإماميّة هو تحديدُ هويّة هذا القائد المنتظَر تحديداً واضحاً وقاطعاً، فهو:
- من أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
- من وُلدِ فاطمة (عليها السلام)
- من ذرّيّة الحسين (عليه السلام)
- آخر الأوصياء الاثني عشر (عليهم السلام)
- اسمه كاسم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «وهو رجلٌ منّي، اسمه كاسمي، يحفظني اللهُ فيه، ويعمل بسنّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعدما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً»⁵.
🔶 3. الانتظارُ تكليفٌ إيمانيّ وليس موقفاً سلبيّاً
ليس المقصودُ من المهدويّة الإيمانَ بوجود الإمام فحسب، بل يُلازمها موقفٌ عمليّ هو الانتظار. والانتظار في المفهوم القرآنيّ والروائيّ ليس انتظارَ الكسالى، بل هو حالةٌ من الترقّب الواعي، والعمل المستمرّ، والتهيئة الذاتيّة.
وقد شبّهت الروايات حال الإمام الغائب بحال يوسف (عليه السلام)، الذي كان حاضراً بين إخوته، يروْنه ولا يعرفونه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وأمّا سنّة من يوسف، فالستر، يجعل اللهُ بينه وبين الخلق حجاباً، يرَونه ولا يعرفونه»⁶.
والانتظارُ ليس انتظاراً زمنيّاً، بل هو مسارٌ عمليّ يُمهّد لظهور الإمام، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من رَوحِ الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله انتظارُ الفرج ما دام عليه العبدُ المؤمن»⁷.
🔶 4. الانتظارُ فعلُ التمهيد وبناءُ الذات والمجتمع
عن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلتُ فداك! متى الفرج؟ فقال: «يا أبا بصير، وأنت ممَّن يريد الدنيا؟! مَن عرف هذا الأمر، فقد فُرِّج عنه لانتظارِه»⁸.
فالفرج ليس موقِعاً زمنيّاً فقط، بل هو حالٌ روحيّ ومعنويّ، يُحقّقه المؤمن بإعداد نفسه، وتنقية قلبه، والتخلّي عن الرذائل، والتحلّي بالفضائل، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن سرَّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظِر»⁹.
ويقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الانتظار يوجب على الإنسان أن يُعدَّ نفسَه بطريقةٍ وهيئةٍ وخُلُق، يقارب الشاكلةَ والهيئةَ والخُلُق المتوقَّع في الزمان الذي ينتظره»¹⁰.
↪️ #يتبع ①
┈┉┅━━ ✿ ـ ﷽ ـ ✿ ━━┅┉┈
📝 الموعظة العشرون
💠 الغيبة الكبرى حكمةٌ إلهيّة واستمرارٌ لثورة كربلاء
🔹 هدف الموعظة
بيان حكمة غيبة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، واستعراض بعض الفوائد الروحيّة والتمهيديّة لهذه المرحلة، مع إبراز الصلة بين هذه الغيبة وبين ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) كرافدٍ أساسيٍّ للتمهيد للظهور الشريف.
🔹 محاور الموعظة
1. بداية الغيبة الكبرى: التوقيع الأخير
2. الغيبة سرٌّ من سرِّ الله
3. من حكم الغيبة وفوائدها
4. الانتفاع بالإمام في غيبته
5. كربلاء والغيبة: الامتداد الطبيعيّ للثورة
🔹 تصدير الموعظة
الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبةً لا بدّ منها، يرتاب فيها كلُّ مبطل»¹.
🔶 1. بداية الغيبة الكبرى: التوقيع الأخير
في الرابع من شوّال سنة 329 للهجرة، ارتحل السفيرُ الرابع للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الشيخ عليّ بن محمّد السمّريّ (قدّس سره). وقد صدر قبل وفاته بأيّام توقيعٌ شريفٌ من الإمام (عليه السلام)، جاء فيه: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، يا عليُّ بنَ محمّد السمّريّ، أعظَمَ اللهُ أجرَ إخوانِك فيك، فإنّك ميِّتٌ ما بينَك وبينَ ستّةِ أيّام، فاجمَع أمرَك، ولا تُوصِ إلى أحدٍ يقوم مقامَك بعدَ وفاتِك، فقد وقَعَتِ الغيبةُ الثانية، فلا ظُهورَ إلّا بعد إذنِ اللهِ عزّ وجلّ، وذلك بعد طولِ الأمدِ، وقسوةِ القلوبِ، وامتلاءِ الأرضِ جوراً. وسيأتي شيعتي مَن يدّعي المشاهدة، ألا فمَنِ ادّعى المشاهدةَ قبلَ خروجِ السفيانيّ والصيحة، فهو كاذبٌ مُفترٍ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليّ العظيم»².
وهكذا ابتدأت مرحلة الغيبة الكبرى، التي ما زالت قائمة، بانتظار أن يُؤذَن للإمام (عليه السلام) بالظهور المبارك ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظلماً وجوراً.
🔶 2. الغيبة سرٌّ من سرِّ الله
تتردّد على الألسنة أسئلة مشروعة: لماذا غاب الإمام؟ ما العلّة؟ ومتى ينتهي هذا الغياب الطويل؟
نحن نُؤمن بأنّ أفعال الله تعالى كلّها حكمة، وإن خفي علينا وجهُها. وقد جاء في حديث عبد الله بن الفضل الهاشميّ أنّه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن سبب الغيبة، فقال له: «لأمرٍ لم يُؤذَن لنا في كشفه لكم».
ثمّ أوضح الإمام أنّ وجه الحكمة في غيبته كوجه الحكمة في أفعال الخضر (عليه السلام)، والتي لم تتّضح لموسى (عليه السلام) إلّا بعد افتراقهما، مضيفاً: «إنّ هذا الأمرَ أمرٌ من أمرِ الله، وسرٌّ مِن سرِّ الله، وغيبٌ من غيبِ الله...»³.
🔶 3. من حِكم الغيبة وفوائدها
1. الامتحان والتمحيص
الغَيْبة فرصةٌ لتمحيص المؤمنين واستخراج الصفوة منهم، الذين سيكونون أركان دولة الإمام، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «والّذي بعثني بالحقّ بشيراً، إنّ الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعزُّ من الكبريت الأحمر»، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إي وربّي، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾⁴»⁵.
وكذلك عن الإمام الرضا (عليه السلام): «والله، لا يكون ما تمدّون إليه أعناقَكم حتّى تُميَّزوا وتُمحَّصوا، فلا يبقى منكم إلّا الأندر، ثمّ قرأ قوله تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾⁶»⁷.
2. الحفظ من القتل
كان الأئمّة (عليهم السلام) تحت الملاحقة الدائمة من الحكّام الظالمين، وقد استُشهد معظمهم بأيدي الطغاة. فلو كان الإمام المهديّ (عليه السلام) ظاهراً، لقُتِل كما قُتل آباؤه، ولا سيّما أنّ السلطة العباسيّة كانت تعرفه بشخصه ومهمّته، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا بدّ للغلام من غيبة، فقيل له: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل»⁸.
3. عدم مبايعة الظالمين
من حكم الغيبة أيضاً أن لا يضطرّ الإمام إلى مبايعة حاكم جائر، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يُبعَث القائم، وليس في عنقه بيعةٌ لأحد»⁹.
4. قلّة الأنصار
عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام): «يابن بكير، إنّي لأقول لك قولاً قد كانت آبائي (عليهم السلام) تقوله: لو كان فيكم عدّةُ أهلِ بدر، لقام قائمُنا»¹⁰.
↪️ #يتبع ①
📝 الموعظة العشرون
💠 الغيبة الكبرى حكمةٌ إلهيّة واستمرارٌ لثورة كربلاء
🔹 هدف الموعظة
بيان حكمة غيبة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، واستعراض بعض الفوائد الروحيّة والتمهيديّة لهذه المرحلة، مع إبراز الصلة بين هذه الغيبة وبين ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) كرافدٍ أساسيٍّ للتمهيد للظهور الشريف.
🔹 محاور الموعظة
1. بداية الغيبة الكبرى: التوقيع الأخير
2. الغيبة سرٌّ من سرِّ الله
3. من حكم الغيبة وفوائدها
4. الانتفاع بالإمام في غيبته
5. كربلاء والغيبة: الامتداد الطبيعيّ للثورة
🔹 تصدير الموعظة
الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبةً لا بدّ منها، يرتاب فيها كلُّ مبطل»¹.
🔶 1. بداية الغيبة الكبرى: التوقيع الأخير
في الرابع من شوّال سنة 329 للهجرة، ارتحل السفيرُ الرابع للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الشيخ عليّ بن محمّد السمّريّ (قدّس سره). وقد صدر قبل وفاته بأيّام توقيعٌ شريفٌ من الإمام (عليه السلام)، جاء فيه: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، يا عليُّ بنَ محمّد السمّريّ، أعظَمَ اللهُ أجرَ إخوانِك فيك، فإنّك ميِّتٌ ما بينَك وبينَ ستّةِ أيّام، فاجمَع أمرَك، ولا تُوصِ إلى أحدٍ يقوم مقامَك بعدَ وفاتِك، فقد وقَعَتِ الغيبةُ الثانية، فلا ظُهورَ إلّا بعد إذنِ اللهِ عزّ وجلّ، وذلك بعد طولِ الأمدِ، وقسوةِ القلوبِ، وامتلاءِ الأرضِ جوراً. وسيأتي شيعتي مَن يدّعي المشاهدة، ألا فمَنِ ادّعى المشاهدةَ قبلَ خروجِ السفيانيّ والصيحة، فهو كاذبٌ مُفترٍ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليّ العظيم»².
وهكذا ابتدأت مرحلة الغيبة الكبرى، التي ما زالت قائمة، بانتظار أن يُؤذَن للإمام (عليه السلام) بالظهور المبارك ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظلماً وجوراً.
🔶 2. الغيبة سرٌّ من سرِّ الله
تتردّد على الألسنة أسئلة مشروعة: لماذا غاب الإمام؟ ما العلّة؟ ومتى ينتهي هذا الغياب الطويل؟
نحن نُؤمن بأنّ أفعال الله تعالى كلّها حكمة، وإن خفي علينا وجهُها. وقد جاء في حديث عبد الله بن الفضل الهاشميّ أنّه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن سبب الغيبة، فقال له: «لأمرٍ لم يُؤذَن لنا في كشفه لكم».
ثمّ أوضح الإمام أنّ وجه الحكمة في غيبته كوجه الحكمة في أفعال الخضر (عليه السلام)، والتي لم تتّضح لموسى (عليه السلام) إلّا بعد افتراقهما، مضيفاً: «إنّ هذا الأمرَ أمرٌ من أمرِ الله، وسرٌّ مِن سرِّ الله، وغيبٌ من غيبِ الله...»³.
🔶 3. من حِكم الغيبة وفوائدها
1. الامتحان والتمحيص
الغَيْبة فرصةٌ لتمحيص المؤمنين واستخراج الصفوة منهم، الذين سيكونون أركان دولة الإمام، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «والّذي بعثني بالحقّ بشيراً، إنّ الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعزُّ من الكبريت الأحمر»، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إي وربّي، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾⁴»⁵.
وكذلك عن الإمام الرضا (عليه السلام): «والله، لا يكون ما تمدّون إليه أعناقَكم حتّى تُميَّزوا وتُمحَّصوا، فلا يبقى منكم إلّا الأندر، ثمّ قرأ قوله تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾⁶»⁷.
2. الحفظ من القتل
كان الأئمّة (عليهم السلام) تحت الملاحقة الدائمة من الحكّام الظالمين، وقد استُشهد معظمهم بأيدي الطغاة. فلو كان الإمام المهديّ (عليه السلام) ظاهراً، لقُتِل كما قُتل آباؤه، ولا سيّما أنّ السلطة العباسيّة كانت تعرفه بشخصه ومهمّته، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا بدّ للغلام من غيبة، فقيل له: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل»⁸.
3. عدم مبايعة الظالمين
من حكم الغيبة أيضاً أن لا يضطرّ الإمام إلى مبايعة حاكم جائر، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يُبعَث القائم، وليس في عنقه بيعةٌ لأحد»⁹.
4. قلّة الأنصار
عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام): «يابن بكير، إنّي لأقول لك قولاً قد كانت آبائي (عليهم السلام) تقوله: لو كان فيكم عدّةُ أهلِ بدر، لقام قائمُنا»¹⁰.
↪️ #يتبع ①
🔶 4. الانتفاع بالإمام في غيبته
إنّ غيبة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا تعني انقطاع الهداية الربّانيّة عن الناس، ولا تعطيل دور الإمامة في حياة الأمّة، بل يبقى الإمام الغائب واسطة الفيض الإلهيّ، وعين العناية الربّانيّة، ومصدر الهداية الباطنة للأفراد والمجتمعات.
وقد أكّد أهلُ البيت (عليهم السلام) هذه الحقيقة في أحاديثهم، منها ما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لو بقيَت الأرضُ بغير إمامٍ، لساخت»¹¹، وفي روايةٍ أخرى قال (عليه السلام): «ولم تخلُ الأرضُ منذ خلق اللهُ آدم من حجّة لله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور...».
فسأله الأعمش: كيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب؟ فقال (عليه السلام): «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب»¹².
فكما أنّ الشمس تبعث النور والدفء والحياة، وإن غطّاها السحاب، فكذلك الإمام، فوجوده لطفٌ، وغيبته ابتلاء، ودوره مستمرّ في حفظ الدين، وهداية المؤمنين، ودفع البلاء، وتمحيص القلوب، وإن لم يكن ظاهراً للعيان.
وإنّ من لا يدرك كيف يُنتفع بالإمام الغائب إنّما يقيس الغيب بالحضور الحسّيّ، ويغفل عن أن لله سُبُلاً خفيّة في التأثير والتدبير، وكم من نِعَمٍ نعيشها لا نُبصر أسبابها، ولكنّنا نؤمن بوجودها.
لذلك، فإنّ الإيمان بالإمام في غيبته، والارتباط الروحيّ والعمليّ به، إنّما هو من علامات صفاء العقيدة وصدق الانتظار، كما في دعاء زمن الغيبة: «اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ، لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ، لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي»¹³.
وعن هذا الارتباط يقول الشهيد الهاشميّ السيّد هاشم صفيّ الدين (رضوان الله عليه): «إنّ الارتباطَ بالإمامِ المهديِّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في عقيدتِنا وثقافتِنا، هو ارتباطٌ فعليٌّ وعاطفيٌّ ونفسيٌّ بإمامٍ وقائدٍ حيٍّ وموجودٍ، وبالتالي هو ليس عشقاً صنعَتْه الآمالُ، أو نزوحاً نفسيّاً ونزوعاً باطنيّاً يخفيان الضعفَ والقهرَ والعجزَ، إنّه ارتباطٌ عاطفيٌّ فيه كلُّ عواملِ التفاعلِ والمحبّةِ والانتظارِ، وفيه كلُّ معاني الواقعيّةِ والانشدادِ المحقَّقِ نحوَ القائدِ والإمامِ الذي ادّخرَه اللهُ تعالى للبشريّةِ كافّةً»¹⁴.
🔶 5. كربلاء والغيبة: الامتداد الطبيعيّ للثورة
إنّ كربلاء لم تكن حادثةً عابرة في الزمن، بل كانت منعطفاً حاسماً في مسيرة الإمامة، ومُمهِّدة لمرحلة الغيبة الكبرى التي تلتها. ففي كربلاء، رسّخ الإمام الحسين (عليه السلام) القيمَ الجوهريّة لمشروع الإمامة الإلهيّة: الصمود في وجه الانحراف، والثورة على الباطل، والدم المراق في سبيل الحفاظ على دين الله.
لقد واجه الإمام الحسين (عليه السلام) مشروع تحريف الدين، ووقف سدّاً منيعاً أمام محاولات تشويهه وطمس معالمه، وبذلك حفظ مسار الإمامة من الضياع، ومهّد الأرضيّة لعصر الغيبة الذي لا يستقيم إلّا على قاعدة الولاء الصافي والوعي الرساليّ، اللذين بَذَرَ بذورهما في كربلاء.
فالغيبة الكبرى للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليست انقطاعاً عن ذلك المشروع، بل هي امتداد طبيعيّ له، واستمرار لمعركة الإمام الحسين (عليه السلام) ضدّ الظلم والفساد، والإمام المنتظر هو ثمرة تلك الدماء الزكيّة، وريث تلك الثورة المباركة، الذي سيظهر ليكمل المسيرة ويبلغ بها غايتها.
وقد عبّر الإمام الصادق (عليه السلام) عن هذا المعنى العميق في زيارته لجدّه الحسين (عليه السلام): «أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِينُ الله وَابْنُ أَمِينِهِ، عِشْتَ سَعِيداً، وَمَضَيْتَ حَمِيداً، وَمُتَّ فَقِيداً مَظْلُوماً شَهِيداً، وَأَشْهَدُ أَنَّ الله مُنْجِزٌ ما وَعَدَكَ، وَمُهْلِكُ مَنْ خَذَلَكَ، وَمُعَذِّبُ مَنْ قَتَلَكَ»¹⁵.
فدم الإمام الحسين (عليه السلام) لم يُهدر، بل صار أمانةً ورايةً تُرفع في وجه الطغاة على مرّ العصور، وسيبقى هذا الدَّم حيّاً نابضاً إلى اليوم الموعود، حين يظهر القائم من آل محمّد (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليُنادي بشعار كربلاء الخالد: «يا لثارات الحسين»¹⁶.
إنّ إحياء أمر الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليس مجرّد شعيرة، بل هو مواصلة لخطّ كربلاء، وتأكيد الارتباط العميق بين الثورة الحسينيّة ومشروع الظهور المقدّس، حيث يُنتظر الإمام ليكون هو الآخذ بثأر جدّه، والمُقيم لعدلٍ طال انتظاره.
↪️ #يتبع ②
إنّ غيبة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا تعني انقطاع الهداية الربّانيّة عن الناس، ولا تعطيل دور الإمامة في حياة الأمّة، بل يبقى الإمام الغائب واسطة الفيض الإلهيّ، وعين العناية الربّانيّة، ومصدر الهداية الباطنة للأفراد والمجتمعات.
وقد أكّد أهلُ البيت (عليهم السلام) هذه الحقيقة في أحاديثهم، منها ما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لو بقيَت الأرضُ بغير إمامٍ، لساخت»¹¹، وفي روايةٍ أخرى قال (عليه السلام): «ولم تخلُ الأرضُ منذ خلق اللهُ آدم من حجّة لله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور...».
فسأله الأعمش: كيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب؟ فقال (عليه السلام): «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب»¹².
فكما أنّ الشمس تبعث النور والدفء والحياة، وإن غطّاها السحاب، فكذلك الإمام، فوجوده لطفٌ، وغيبته ابتلاء، ودوره مستمرّ في حفظ الدين، وهداية المؤمنين، ودفع البلاء، وتمحيص القلوب، وإن لم يكن ظاهراً للعيان.
وإنّ من لا يدرك كيف يُنتفع بالإمام الغائب إنّما يقيس الغيب بالحضور الحسّيّ، ويغفل عن أن لله سُبُلاً خفيّة في التأثير والتدبير، وكم من نِعَمٍ نعيشها لا نُبصر أسبابها، ولكنّنا نؤمن بوجودها.
لذلك، فإنّ الإيمان بالإمام في غيبته، والارتباط الروحيّ والعمليّ به، إنّما هو من علامات صفاء العقيدة وصدق الانتظار، كما في دعاء زمن الغيبة: «اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ، لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ، لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي»¹³.
وعن هذا الارتباط يقول الشهيد الهاشميّ السيّد هاشم صفيّ الدين (رضوان الله عليه): «إنّ الارتباطَ بالإمامِ المهديِّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في عقيدتِنا وثقافتِنا، هو ارتباطٌ فعليٌّ وعاطفيٌّ ونفسيٌّ بإمامٍ وقائدٍ حيٍّ وموجودٍ، وبالتالي هو ليس عشقاً صنعَتْه الآمالُ، أو نزوحاً نفسيّاً ونزوعاً باطنيّاً يخفيان الضعفَ والقهرَ والعجزَ، إنّه ارتباطٌ عاطفيٌّ فيه كلُّ عواملِ التفاعلِ والمحبّةِ والانتظارِ، وفيه كلُّ معاني الواقعيّةِ والانشدادِ المحقَّقِ نحوَ القائدِ والإمامِ الذي ادّخرَه اللهُ تعالى للبشريّةِ كافّةً»¹⁴.
🔶 5. كربلاء والغيبة: الامتداد الطبيعيّ للثورة
إنّ كربلاء لم تكن حادثةً عابرة في الزمن، بل كانت منعطفاً حاسماً في مسيرة الإمامة، ومُمهِّدة لمرحلة الغيبة الكبرى التي تلتها. ففي كربلاء، رسّخ الإمام الحسين (عليه السلام) القيمَ الجوهريّة لمشروع الإمامة الإلهيّة: الصمود في وجه الانحراف، والثورة على الباطل، والدم المراق في سبيل الحفاظ على دين الله.
لقد واجه الإمام الحسين (عليه السلام) مشروع تحريف الدين، ووقف سدّاً منيعاً أمام محاولات تشويهه وطمس معالمه، وبذلك حفظ مسار الإمامة من الضياع، ومهّد الأرضيّة لعصر الغيبة الذي لا يستقيم إلّا على قاعدة الولاء الصافي والوعي الرساليّ، اللذين بَذَرَ بذورهما في كربلاء.
فالغيبة الكبرى للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليست انقطاعاً عن ذلك المشروع، بل هي امتداد طبيعيّ له، واستمرار لمعركة الإمام الحسين (عليه السلام) ضدّ الظلم والفساد، والإمام المنتظر هو ثمرة تلك الدماء الزكيّة، وريث تلك الثورة المباركة، الذي سيظهر ليكمل المسيرة ويبلغ بها غايتها.
وقد عبّر الإمام الصادق (عليه السلام) عن هذا المعنى العميق في زيارته لجدّه الحسين (عليه السلام): «أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِينُ الله وَابْنُ أَمِينِهِ، عِشْتَ سَعِيداً، وَمَضَيْتَ حَمِيداً، وَمُتَّ فَقِيداً مَظْلُوماً شَهِيداً، وَأَشْهَدُ أَنَّ الله مُنْجِزٌ ما وَعَدَكَ، وَمُهْلِكُ مَنْ خَذَلَكَ، وَمُعَذِّبُ مَنْ قَتَلَكَ»¹⁵.
فدم الإمام الحسين (عليه السلام) لم يُهدر، بل صار أمانةً ورايةً تُرفع في وجه الطغاة على مرّ العصور، وسيبقى هذا الدَّم حيّاً نابضاً إلى اليوم الموعود، حين يظهر القائم من آل محمّد (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليُنادي بشعار كربلاء الخالد: «يا لثارات الحسين»¹⁶.
إنّ إحياء أمر الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليس مجرّد شعيرة، بل هو مواصلة لخطّ كربلاء، وتأكيد الارتباط العميق بين الثورة الحسينيّة ومشروع الظهور المقدّس، حيث يُنتظر الإمام ليكون هو الآخذ بثأر جدّه، والمُقيم لعدلٍ طال انتظاره.
↪️ #يتبع ②
💠 #العقيدة_الإسلامية
⏰ #دقائق_مع_القرآن
💠 9. المباهلة
💫 قال تعالى: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾¹.
🔹 لفظة (نبتهل) مشتقة من مادة (بهل) التي بمعنى نشر اليد وفتحها ورفعها باتّجاه السماء للدعاء²، وقد عُرفت هذه الآية لوجود هذه اللفظة فيها بآية المباهلة، يعني تضرّع مجموعتين متخاصمتين إلى الله تعالى وطلب اللعنة منه على المجموعة المقابلة التي هي باطلة الاعتقاد من وجهة نظر الطرف الآخر³.
🔹 ونقرأ في تفاسير الشيعة والسنة وبعض كتب الحديث والتاريخ أنّه في السنة العاشرة من الهجرة ذهب عِدّة من الأشخاص وبأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى منطقة (نجران) لتبليغ الإسلام هناك، شكّل نصارى نجران من جانبهم أيضًا مجموعة من ممثّليهم وأرسلوهم إلى المدينة لمحاجّة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقعت هناك المحاجّة والمناقشة، ولكن نصارى نجران أنكروا على النبي الأكرم وتردّدوا في أحقيّة الإسلام، فنزلت هذه الآية مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما سمع نصارى نجران ذلك من رسول الله أخذ ينظر أحدهم إلى الآخر متحيّرًا، فطلبوا الإمهال ليفكّروا بالأمر ويتشاوروا فيه، فقال لهم كبيرهم: اقبلوا المباهلة وإذا رأيتم أنّ محمدًا قد جاء لها برفع الصوت والضوضاء وجمع كبير من الناس فلا تقلقوا ولا تخافوا، ولكن إذا جاءكم مع أفراد قلائل فلا تباهلوا واركنوا إلى المصالحة والسلم.
🔹وفي يوم المباهلة رأوا أنّ نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء مع صغيرين وشاب واحد وامرأة، وكان الصغيران هما الحسن والحسين (عليهما السَّلام)، وذلك الشاب علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)، وأمّا المرأة فكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
🔹 فقال أسقف النصارى: أنا أرى وجوهًا لو أنّها طلبت من الله أن يزيل الجبال لأزالها، إذا باهل هؤلاء الأشخاص لم يبق نصراني واحد على وجه الأرض، لنا قد أعلنوا الانصراف عن المباهلة واستعدادهم للصلح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "والذي بعثني بالحقّ نبيًا لو فعلوا لاضطرم عليهم الوادي نارًا"⁴.
🔹 وقد جاءت هذه الحادثة - فضلًا على إلى تفاسير الشيعة - في مصادر أهل السنة⁵.
🔹 يقول العلامة الطباطبائي: اتّفق على نقل واقعة المباهلة واحد وخمسون فردًا من الصحابة⁶.
🔹 وأورد صاحب كتاب (إحقاق الحق) اسم ستّين فردًا من كبار أهل السنة وعلمائهم من الذين قالوا أنّ هذه الآية دالة على عظمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)⁷.
🔹 ووافق يوم المباهلة الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين من شهر ذي الحجّة وكان محلّها في أيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خارج المدينة، التي صارت الآن جزءًا منها، وقد بُني هناك مسجد باسم (مسجد الإجابة) يبعد عن مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كيلو مترين تقريبًا، (اللهم ارزقنا زيارته وشفاعته).
🔹 وطبق الرواية التي جاءت في تفسير الميزان فإنّ المباهلة لم تكن خاصّة بالنصارى، فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دعا اليهود أيضًا للمباهلة.
🔹 ولم تكن المباهلة خاصّة بزمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل - وطبق مفاد بعض الروايات - فإنّه يمكن للمؤمنين الآخرين المباهلة أيضًا، وقد أمر الإمام الصادق (عليه السلام) بذلك⁸.
🔹 وإلى جانبِ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستطيع أن يباهل النصارى بمفرده من دون مشاركة علي، وفاطمة، والحسن والحسين (عليهم السلام)، لكن الله تعالى ورسوله أرادا بهذا العمل أن يفهمونا أنّ هؤلاء الأشخاص أنصار الرسول وشركاؤه في الدعوة للحقّ والهدف، وكانوا إلى جانبه مستعدين لمواجهة الخطر ومواصلة حركة الرسالة ومسيرها.
⁉️ وقد ينقدح سؤال وهو : لم يكن في هذه الواقعة من النساء إلّا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) فلِمَ استعمل القرآن كلمة (نساءنا) بصيغة الجمع؟
✅ ويكون الجواب: هناك في القرآن موارد متعدّدة يذكر فيها الله تعالى شخصًا واحدًا بصيغة الجمع من ذلك الآية 181 من سورة آل عمران، إذ إن الذي قال إن الله فقير - هناك - هو شخص واحد، ولكن القرآن يقول بصيغة الجمع: ﴿... الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ...﴾⁹ ، كذلك قال القرآن بشأن النبي إبراهيم (عليه السلام): ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ...﴾¹⁰، مع إنّه كان فردًا واحدًا لا أكثر.
↪️ #يتبع ①
⏰ #دقائق_مع_القرآن
💠 9. المباهلة
💫 قال تعالى: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾¹.
🔹 لفظة (نبتهل) مشتقة من مادة (بهل) التي بمعنى نشر اليد وفتحها ورفعها باتّجاه السماء للدعاء²، وقد عُرفت هذه الآية لوجود هذه اللفظة فيها بآية المباهلة، يعني تضرّع مجموعتين متخاصمتين إلى الله تعالى وطلب اللعنة منه على المجموعة المقابلة التي هي باطلة الاعتقاد من وجهة نظر الطرف الآخر³.
🔹 ونقرأ في تفاسير الشيعة والسنة وبعض كتب الحديث والتاريخ أنّه في السنة العاشرة من الهجرة ذهب عِدّة من الأشخاص وبأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى منطقة (نجران) لتبليغ الإسلام هناك، شكّل نصارى نجران من جانبهم أيضًا مجموعة من ممثّليهم وأرسلوهم إلى المدينة لمحاجّة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقعت هناك المحاجّة والمناقشة، ولكن نصارى نجران أنكروا على النبي الأكرم وتردّدوا في أحقيّة الإسلام، فنزلت هذه الآية مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما سمع نصارى نجران ذلك من رسول الله أخذ ينظر أحدهم إلى الآخر متحيّرًا، فطلبوا الإمهال ليفكّروا بالأمر ويتشاوروا فيه، فقال لهم كبيرهم: اقبلوا المباهلة وإذا رأيتم أنّ محمدًا قد جاء لها برفع الصوت والضوضاء وجمع كبير من الناس فلا تقلقوا ولا تخافوا، ولكن إذا جاءكم مع أفراد قلائل فلا تباهلوا واركنوا إلى المصالحة والسلم.
🔹وفي يوم المباهلة رأوا أنّ نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء مع صغيرين وشاب واحد وامرأة، وكان الصغيران هما الحسن والحسين (عليهما السَّلام)، وذلك الشاب علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)، وأمّا المرأة فكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
🔹 فقال أسقف النصارى: أنا أرى وجوهًا لو أنّها طلبت من الله أن يزيل الجبال لأزالها، إذا باهل هؤلاء الأشخاص لم يبق نصراني واحد على وجه الأرض، لنا قد أعلنوا الانصراف عن المباهلة واستعدادهم للصلح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "والذي بعثني بالحقّ نبيًا لو فعلوا لاضطرم عليهم الوادي نارًا"⁴.
🔹 وقد جاءت هذه الحادثة - فضلًا على إلى تفاسير الشيعة - في مصادر أهل السنة⁵.
🔹 يقول العلامة الطباطبائي: اتّفق على نقل واقعة المباهلة واحد وخمسون فردًا من الصحابة⁶.
🔹 وأورد صاحب كتاب (إحقاق الحق) اسم ستّين فردًا من كبار أهل السنة وعلمائهم من الذين قالوا أنّ هذه الآية دالة على عظمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)⁷.
🔹 ووافق يوم المباهلة الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين من شهر ذي الحجّة وكان محلّها في أيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خارج المدينة، التي صارت الآن جزءًا منها، وقد بُني هناك مسجد باسم (مسجد الإجابة) يبعد عن مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كيلو مترين تقريبًا، (اللهم ارزقنا زيارته وشفاعته).
🔹 وطبق الرواية التي جاءت في تفسير الميزان فإنّ المباهلة لم تكن خاصّة بالنصارى، فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دعا اليهود أيضًا للمباهلة.
🔹 ولم تكن المباهلة خاصّة بزمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل - وطبق مفاد بعض الروايات - فإنّه يمكن للمؤمنين الآخرين المباهلة أيضًا، وقد أمر الإمام الصادق (عليه السلام) بذلك⁸.
🔹 وإلى جانبِ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستطيع أن يباهل النصارى بمفرده من دون مشاركة علي، وفاطمة، والحسن والحسين (عليهم السلام)، لكن الله تعالى ورسوله أرادا بهذا العمل أن يفهمونا أنّ هؤلاء الأشخاص أنصار الرسول وشركاؤه في الدعوة للحقّ والهدف، وكانوا إلى جانبه مستعدين لمواجهة الخطر ومواصلة حركة الرسالة ومسيرها.
⁉️ وقد ينقدح سؤال وهو : لم يكن في هذه الواقعة من النساء إلّا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) فلِمَ استعمل القرآن كلمة (نساءنا) بصيغة الجمع؟
✅ ويكون الجواب: هناك في القرآن موارد متعدّدة يذكر فيها الله تعالى شخصًا واحدًا بصيغة الجمع من ذلك الآية 181 من سورة آل عمران، إذ إن الذي قال إن الله فقير - هناك - هو شخص واحد، ولكن القرآن يقول بصيغة الجمع: ﴿... الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ...﴾⁹ ، كذلك قال القرآن بشأن النبي إبراهيم (عليه السلام): ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ...﴾¹⁰، مع إنّه كان فردًا واحدًا لا أكثر.
↪️ #يتبع ①