يقوم العم محمد بإعداد عجينة الخمير والتي تتكون من الطحين والخميرة والهيل والسمن والحبة السوداء ويتم عجنها في اول الليل وتترك تتخمر من اربع الى خمس ساعات
يخرج العم محمد قبل صلاة الفجر في طريقه الى المسجد وفي طريقه يرفع صوته بعبارة (يا نايم وقت الغنائم )
حتى يسمع صوته في أنحاء الشارع ويكرر العبارة باستمرار مع كل بضع خطوات
كان منزلنا في زقاق داخلي ومع ذلك كان يصل صوته إلينا كل صباح وكأنه كان منبها طبيعيا ارسله الله لإيقاظ الناس لصلاة الفجر ، ولم اسمع ان احدا اشتكى من صوته في ذلك الوقت المبكر، بل كنت اتخيل ان كل من يسمعه سوف يدعوا له بالخير كونه يوقظ الناس للصلاة، و تعودنا سماع جملة ( يا نايم وقت الغنائم ) حتى اصبحت معزوفة شجية يطرب لها الشارع والنَّاس
يذهب العم محمد الى المسجد مرورا بشارع الزعفران وشارع الشيخ عبد الله وما جاورهما
وعند عودته بعد اداء الصلاة يمر بنفس الطريق مكررا نفس النداء لمن فاتت عليهم الصلاة وعادوا للنوم وتكون خيوط الفجر والضوء قد بداء في الأفق وماهي الا نصف الساعة او اكثر حتى يظهر مرة اخرى في الشارع حاملا صحنا كبيرا مغطى بعناية حتى يظل ساخنا مليء بأقراص الخمير الذي يكون قد جهزه بعد صلاة الفجر ، وبيداء بنداء جديد يملا جنبات الشارع (ابو الخمير ابو الخمير)، ولكن هذه المرة بخطوات ابطاء ويجد دوما من يوقفه في الطريق ليشتري الخمير المعروف عنه جودته العالية حتى بعض ربات البيوت يرسلن اولادهن للشراء رغم قدرتهن على عمله في المنزل
أقراص الخمير يجيد عملها معظم ربات البيوت ومكوناتها في متناول الجميع ويتم تناولها مع الشاي العدني بالحليب او الشاي الأحمر وتسمى وجبة الفقراء ولكن حتى الميسورين يحبوها.
لا توجد أية معلومات كيف دخلت عدن ولكن ربما - وهذا ليس مؤكدا - ان الهنود القادمين الى عدن هم اول من صنعها.
في غالب الأيام يعود العم محمد صالح وقد استنفذ كمية الخمير التي معه
وهو بالطبع لا يستمر في السير الى مالانهاية بل يتوقف بجوار مقهى او ركن شارع ليواصل البيع
ويعود الى منزله بما رزقه الله وبما يكفي لتغطية مصاريفه ومعيشته وإيجار بيته المتواضع
وبيداء بالتحضير للوجبة التالية من الخمير
العم محمد صالح نموذج للإنسان المكافح لا يكل ولا يمل ويصل الليل بالنهار ليكسب عيشه وترك بصمته في مل بيت وأحبه الناس ولازال الكثير ممن عاش تلك الحقبة يذكره ، وجمع الدنيا والاخرة بحرصه على التذكير بصلاة الصبح وفي النداء اليومي ( يا نايم وقت الغنائم ) واحسب ان كل من سمعه سيكتب اجره في ميزان حسناته
عليه رحمة الله
#محمود_الشيباني
#عدن
يخرج العم محمد قبل صلاة الفجر في طريقه الى المسجد وفي طريقه يرفع صوته بعبارة (يا نايم وقت الغنائم )
حتى يسمع صوته في أنحاء الشارع ويكرر العبارة باستمرار مع كل بضع خطوات
كان منزلنا في زقاق داخلي ومع ذلك كان يصل صوته إلينا كل صباح وكأنه كان منبها طبيعيا ارسله الله لإيقاظ الناس لصلاة الفجر ، ولم اسمع ان احدا اشتكى من صوته في ذلك الوقت المبكر، بل كنت اتخيل ان كل من يسمعه سوف يدعوا له بالخير كونه يوقظ الناس للصلاة، و تعودنا سماع جملة ( يا نايم وقت الغنائم ) حتى اصبحت معزوفة شجية يطرب لها الشارع والنَّاس
يذهب العم محمد الى المسجد مرورا بشارع الزعفران وشارع الشيخ عبد الله وما جاورهما
وعند عودته بعد اداء الصلاة يمر بنفس الطريق مكررا نفس النداء لمن فاتت عليهم الصلاة وعادوا للنوم وتكون خيوط الفجر والضوء قد بداء في الأفق وماهي الا نصف الساعة او اكثر حتى يظهر مرة اخرى في الشارع حاملا صحنا كبيرا مغطى بعناية حتى يظل ساخنا مليء بأقراص الخمير الذي يكون قد جهزه بعد صلاة الفجر ، وبيداء بنداء جديد يملا جنبات الشارع (ابو الخمير ابو الخمير)، ولكن هذه المرة بخطوات ابطاء ويجد دوما من يوقفه في الطريق ليشتري الخمير المعروف عنه جودته العالية حتى بعض ربات البيوت يرسلن اولادهن للشراء رغم قدرتهن على عمله في المنزل
أقراص الخمير يجيد عملها معظم ربات البيوت ومكوناتها في متناول الجميع ويتم تناولها مع الشاي العدني بالحليب او الشاي الأحمر وتسمى وجبة الفقراء ولكن حتى الميسورين يحبوها.
لا توجد أية معلومات كيف دخلت عدن ولكن ربما - وهذا ليس مؤكدا - ان الهنود القادمين الى عدن هم اول من صنعها.
في غالب الأيام يعود العم محمد صالح وقد استنفذ كمية الخمير التي معه
وهو بالطبع لا يستمر في السير الى مالانهاية بل يتوقف بجوار مقهى او ركن شارع ليواصل البيع
ويعود الى منزله بما رزقه الله وبما يكفي لتغطية مصاريفه ومعيشته وإيجار بيته المتواضع
وبيداء بالتحضير للوجبة التالية من الخمير
العم محمد صالح نموذج للإنسان المكافح لا يكل ولا يمل ويصل الليل بالنهار ليكسب عيشه وترك بصمته في مل بيت وأحبه الناس ولازال الكثير ممن عاش تلك الحقبة يذكره ، وجمع الدنيا والاخرة بحرصه على التذكير بصلاة الصبح وفي النداء اليومي ( يا نايم وقت الغنائم ) واحسب ان كل من سمعه سيكتب اجره في ميزان حسناته
عليه رحمة الله
#محمود_الشيباني
#عدن
في صباح اليوم التالي استقل المسافرون سيارة نقل لاند روفر مكشوفة إلى عدن. كانت عدن حينئذ في بداية نهضتها وعمرانها، وكانت مبهرة للصبي القادم من الجبال والذي لم ير في عمره سيارة ولا عمارات ولا طرق معبدة ولا حركة بذلك الحجم. رؤية المظاهر الحضارية في المدينة أنستهم تعب الطريق والضنك الذي عانوه في سفرهم. أخذ الطبل أحمد وصديقه علي إلى التواهي حيث يعمل والده خبّازاً في مخبازة هناك. كان وصوله ومقابلة والده لحظة صادمة ومؤثرة لوالد أحمد فكيف يصل ابنه الصغير إلى عدن وهو في حالة رثة والإرهاق باد على وجهه وسأله: "ما الذي أتى بك يا بني" قال: "أتيت إلى عدن اشتغل واصرف على أُمي" وكان رداً كافٍ ليكتُم الأب غضبه ودهشته.
بعد أن استقر به المقام مع والده لعدة أيام أخذه والده إلى كريتر وهناك طلب من الفقي علوان أن يلحقه بحلقات دروسه. كان الفقي علوان بجانب عمله كمعلم يعمل في التجارة والاستيراد وكان رجل تقيّ وله سمعة طيبة لدى كل من عاش في عدن. ولكن أحمد لم يكن يريد التعليم فقط، بل كان ايضا متشوقاً للعمل في أي مهنة وأصر على ذلك فكان مثار إعجاب الفقي علوان. وبدء عمله بعمل بسيط وهو قص قطع القماش المستورد إلى أجزاء محسوبة ولفها وترتيبها وكان يحصل مقابل ذلك على مبالغ يومية يوفرها ولا يميل إلى صرفها أو تبديدها.
وبعد بضعة أشهر جمع ما يساوي ريالين من الريالات الفرنس أو ريالات ماريا تريزا وفي ذلك الوقت كان هذا المبلغ كبيراً ويساوي الكثير في القرى. أخذ أحمد الريالات ووضعها في قطعة قماش صغيرة ولفها بورقة بعناية وسلمها إلى الطبل مُراسل القرية وقال له سلمها لامي في القرية واطلب منها أن تدعوا لي وهكذا فعل الطبل وكانت فرحة الأم لا توصف لأن ابنها بلغ مبلغ الرجال ودعت له بالخير والبركة وسعة الرزق.
وأظن أن دعوتها استجيبت فمن يومها كان الرزق ينساق إلى أحمد وبلغ مبلغ الشباب ورزقه الله خيرا كثيرا وأصبح من تجار عدن المعروفين واتسعت تجارته من الاستيراد من الخارج ونفع الله به كل من حوله من أهله ومن يعرف وكان سخيا بالصدقات في السر والعلن والمساهمة في أعمال الخير.
وهكذا يكون من أخلص في البر لوالديه فصدق معهم واصدقوا هم في الدعوة وصدق الله معهم في الإجابة.
#محمود_الشيباني
بعد أن استقر به المقام مع والده لعدة أيام أخذه والده إلى كريتر وهناك طلب من الفقي علوان أن يلحقه بحلقات دروسه. كان الفقي علوان بجانب عمله كمعلم يعمل في التجارة والاستيراد وكان رجل تقيّ وله سمعة طيبة لدى كل من عاش في عدن. ولكن أحمد لم يكن يريد التعليم فقط، بل كان ايضا متشوقاً للعمل في أي مهنة وأصر على ذلك فكان مثار إعجاب الفقي علوان. وبدء عمله بعمل بسيط وهو قص قطع القماش المستورد إلى أجزاء محسوبة ولفها وترتيبها وكان يحصل مقابل ذلك على مبالغ يومية يوفرها ولا يميل إلى صرفها أو تبديدها.
وبعد بضعة أشهر جمع ما يساوي ريالين من الريالات الفرنس أو ريالات ماريا تريزا وفي ذلك الوقت كان هذا المبلغ كبيراً ويساوي الكثير في القرى. أخذ أحمد الريالات ووضعها في قطعة قماش صغيرة ولفها بورقة بعناية وسلمها إلى الطبل مُراسل القرية وقال له سلمها لامي في القرية واطلب منها أن تدعوا لي وهكذا فعل الطبل وكانت فرحة الأم لا توصف لأن ابنها بلغ مبلغ الرجال ودعت له بالخير والبركة وسعة الرزق.
وأظن أن دعوتها استجيبت فمن يومها كان الرزق ينساق إلى أحمد وبلغ مبلغ الشباب ورزقه الله خيرا كثيرا وأصبح من تجار عدن المعروفين واتسعت تجارته من الاستيراد من الخارج ونفع الله به كل من حوله من أهله ومن يعرف وكان سخيا بالصدقات في السر والعلن والمساهمة في أعمال الخير.
وهكذا يكون من أخلص في البر لوالديه فصدق معهم واصدقوا هم في الدعوة وصدق الله معهم في الإجابة.
#محمود_الشيباني