من صافي الخمر نسقيه
في طفولتي، سألتُ أمّي: "مِن وين إحنا أصلنا؟"
فقالت: "كان سيدك دايماً يقول إحنا أصلنا من اليمن"، تُغوي هذه المحادثة المتشبّثة بالذاكرة في تخيّل لقاءٍ بين علي ولد زايد ومحمد العابد (ولولد زايد ولدٌ اسمه محمد، يتكرّر ذكره في أعرافه)، يوصيه وقد ضاقت الدنيا في وجهه:
عِز القبيلي بلاده ولو تجرع وباها
يِشد منها بلا ريش ولكتسى ريش جاها
استدراك: بما أنّ الشيء بالشيء يُذكَر
تُهَيْمن على الاهتمام التراثيّ في فلسطين نزعةٌ فلكلوريةٌ تتأرجحُ ما بين التعامل مع التراث كمادةٍ غرائبيةٍ للتسلية، وما بين التعامل معه كموضوعٍ للدراسة والبحث. ومع أن مُفتَتح الكلام عن التراث يبدأ بلازمة أهمّية التراث في المحافظة على الهوية الوطنية، لكنّ السؤال: عن أيّ هويةٍ وطنيةٍ نتحدّثُ في وقتٍ نعيش فيه صراعاً على تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية؟ هذا الصراع هو امتدادٌ للصّراع السياسيّ داخل المجتمع الفلسطينيّ ما بين قوى المقاومة وقوى التواطؤ مع العدو.
لنقُل بشكلٍ أوضح؛ لا يمكننا اختزالُ الاهتمام بالتراث وحِفظِه في سياق الصراع مع المشروع الصهيونيِّ كتهديدٍ وسلبٍ لهويتنا الوطنية، وإنما علينا الانتباهُ إلى استخدام التراث من قِبَل النُّخب السياسية والاقتصادية -تحديداً السلطة- كوسيلةٍ للهيمنة الاجتماعية وشرعنة وجودها ودورها عبر تسويقها لذاتها كحاميةٍ للهوية التراثية والأصالة من خلال رعايتها للأنشطة التراثية؛ سواءً في المناهج الدراسية أو الاحتفالات الثقافية التراثية.
باختصارٍ، ما نُسمّيه اهتماماً بالتراث والفلكلور ما هو إلا في الحقيقة استخدامٌ للتراث والفلكلور لأغراضٍ سياسيةٍ؛ إمّا للهيمنة أو مقاومتها؛ فالصِّراع في حقيقته هو "ما بين مُهيمِنٍ ومُهيمَنٍ عليه، لا بين حديثٍ وتقليديٍّ".
وهنا تبرُزُ مسألة تهميش البُعد العربيّ في دراسات التراث الفلسطينية؛ من حيثُ مقارنة التراث الفلسطينيّ بتراث الشعوب العربية واتّصاله وتواشُجِه معه؛ فالتركيز على الهوية التراثية المُستقلّة كان في بدايته ردّة فعلٍ مُتفهّمةٌ على إنكار المشروع الصهيونيّ لوجود شعبٍ فلسطينيٍّ مُستقلٍّ، ولكنّه تحوّل مع الوقت إلى صناعة هويةٍ فلسطينيةٍ "محليّةٍ" على مقاس مشروع منظّمة التحرير المهووسة بالقرار المستقلّ وبما يخدم مسعاها في مشروع التسوية مع العدو.
هذه المنظمة، وقد صارت تُسمّى السلطة الفلسطينية، اصطفّت رسمياً مع قوى العدوان على الشعب اليمنيِّ. ومن هنا فإنّ اختياري للكتابة عن الشخصية التراثية اليمنية، الحكيم علي ولد زايد، هو اتكاءٌ على التراث في معركة الشعوب الواحدة: في مواجهة سُلطاتها ومُستعمِريها.
الكاتب
#خالد_عودة_الله
في طفولتي، سألتُ أمّي: "مِن وين إحنا أصلنا؟"
فقالت: "كان سيدك دايماً يقول إحنا أصلنا من اليمن"، تُغوي هذه المحادثة المتشبّثة بالذاكرة في تخيّل لقاءٍ بين علي ولد زايد ومحمد العابد (ولولد زايد ولدٌ اسمه محمد، يتكرّر ذكره في أعرافه)، يوصيه وقد ضاقت الدنيا في وجهه:
عِز القبيلي بلاده ولو تجرع وباها
يِشد منها بلا ريش ولكتسى ريش جاها
استدراك: بما أنّ الشيء بالشيء يُذكَر
تُهَيْمن على الاهتمام التراثيّ في فلسطين نزعةٌ فلكلوريةٌ تتأرجحُ ما بين التعامل مع التراث كمادةٍ غرائبيةٍ للتسلية، وما بين التعامل معه كموضوعٍ للدراسة والبحث. ومع أن مُفتَتح الكلام عن التراث يبدأ بلازمة أهمّية التراث في المحافظة على الهوية الوطنية، لكنّ السؤال: عن أيّ هويةٍ وطنيةٍ نتحدّثُ في وقتٍ نعيش فيه صراعاً على تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية؟ هذا الصراع هو امتدادٌ للصّراع السياسيّ داخل المجتمع الفلسطينيّ ما بين قوى المقاومة وقوى التواطؤ مع العدو.
لنقُل بشكلٍ أوضح؛ لا يمكننا اختزالُ الاهتمام بالتراث وحِفظِه في سياق الصراع مع المشروع الصهيونيِّ كتهديدٍ وسلبٍ لهويتنا الوطنية، وإنما علينا الانتباهُ إلى استخدام التراث من قِبَل النُّخب السياسية والاقتصادية -تحديداً السلطة- كوسيلةٍ للهيمنة الاجتماعية وشرعنة وجودها ودورها عبر تسويقها لذاتها كحاميةٍ للهوية التراثية والأصالة من خلال رعايتها للأنشطة التراثية؛ سواءً في المناهج الدراسية أو الاحتفالات الثقافية التراثية.
باختصارٍ، ما نُسمّيه اهتماماً بالتراث والفلكلور ما هو إلا في الحقيقة استخدامٌ للتراث والفلكلور لأغراضٍ سياسيةٍ؛ إمّا للهيمنة أو مقاومتها؛ فالصِّراع في حقيقته هو "ما بين مُهيمِنٍ ومُهيمَنٍ عليه، لا بين حديثٍ وتقليديٍّ".
وهنا تبرُزُ مسألة تهميش البُعد العربيّ في دراسات التراث الفلسطينية؛ من حيثُ مقارنة التراث الفلسطينيّ بتراث الشعوب العربية واتّصاله وتواشُجِه معه؛ فالتركيز على الهوية التراثية المُستقلّة كان في بدايته ردّة فعلٍ مُتفهّمةٌ على إنكار المشروع الصهيونيّ لوجود شعبٍ فلسطينيٍّ مُستقلٍّ، ولكنّه تحوّل مع الوقت إلى صناعة هويةٍ فلسطينيةٍ "محليّةٍ" على مقاس مشروع منظّمة التحرير المهووسة بالقرار المستقلّ وبما يخدم مسعاها في مشروع التسوية مع العدو.
هذه المنظمة، وقد صارت تُسمّى السلطة الفلسطينية، اصطفّت رسمياً مع قوى العدوان على الشعب اليمنيِّ. ومن هنا فإنّ اختياري للكتابة عن الشخصية التراثية اليمنية، الحكيم علي ولد زايد، هو اتكاءٌ على التراث في معركة الشعوب الواحدة: في مواجهة سُلطاتها ومُستعمِريها.
الكاتب
#خالد_عودة_الله