اليمن_تاريخ_وثقافة
11.7K subscribers
144K photos
352 videos
2.21K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#طارق_حاتم
وحدة التقطير والخاصة بتحلية مياه البحر وكانت موجودة في منطقة حجيف الصورة تعود الى ماقبل عام 1880
َنَاع آل زين في #يافع – الحد
قرية أثرية تنام على نقوش وآثار عريقة
-------------------------------
د.علي صالح الخلاقي:
لا أبالغ حينما أصف منطقة الحد- يافع بالمخزن النفيس لما تبقى من نقوش المسند الحِمْيَرية التي تم العثور عليها في أطلال المدن والمستوطنات القديمة التي تسمى بالخربة وجمعها خرائب والتي تنتشر في كثير من اصقاع هذه المنطقة، ومنها ما تم نبشه واستخدامه في بناء البيوت والحصون القديمة والحديثة.. وهذا الوصف له ما يؤكده من الشواهد العديدة التي بقيت هنا أو هناك رغم ما لحق بها من صروف الدهر وفعل البشر الذين تعاملوا معها بدون وعي ولم يقدروا هذه النفائيس حق قدرها.
أبدأ هنا الحديث عن رحلة طالما حلمت القيام بها إلى القرية الأثرية (صَنَاع آل زين).. أو (صَنَاع السفلى)، لتمييزها عن جارتها صناع العُليا. وهي قرية أثرية تنام على أطلال وشواهد وآثار حِميرية عريقة، وأبرز معالمها قلاعها القديمة ذات السّمو والمَنَعَة، والمُحكمة الصنعة.
تهيبت الوصول إليها بسيارتي لكثرة ما سمعت عن صعوبة الطريقة المؤدية إليها.. لكن تطمينات الأصدقاء في أن الطريق قد تم إصلاحها شجعتني للوصول إليها.. وفعلا اندهشت لذلك الجهد الكبير الذي بذله المواطنون بتعاونهم في إصلاح ورَصّ المواقع الأكثر صعوبة من الطريق بحجارة الجرانيت الصلبة، الأمر الذي جنب الطريق من أخطار السيول التي كانت تجرفها وتفقدها معالمها، خاصة وأن الطريق الترابية تنحدر من علوٍّ إلى أسْفل، فما أن اجتزنا صناع العليا وهبطنا قليلاً في الطريق المنحدر على جانب أحد الأودية حتى بدت لنا من بُعد قرية صناع السفلى أو (صناع آل زين) بحصونها القديمة الشاهقة المحاطة بالمباني الجديدة التي توسعت حولها بشكل ملفت للنظر، دون أن تطاولها ارتفاعاً.
وصلنا إلى وادي الغيل الخصب المزدان بالخضرة والمزروعات الذي يقع أسفل القرية القديمة ومن اسمه فقد كانت تجري فيه مياه الغَيْل، وهنا في ظلال شجرة سرو (عِلب) معمّرة كان في استقبالنا عدد من أبناء صناع الكرام وبعد ترحابهم بنا أصروا على ضيافتنا فاعتذرنا لارتباطات مسبقة.
وقبل الصعود بسيارتنا في الطريق المرصوص كان علينا أن ننتظر مرور إحدى السيارات النازلة، لأن الطريق للأسف ضيق ولا يتسع إلا لمرور سيارة واحدة فقط وعلى الصاعد بسيارته أن ينتظر السيارة النازلة أو العكس، وقد تنبهوا لهذا الأمر مؤخراً، وهناك تفكير بتوسعة بعض جوانب الطريق لتسهيل مرور السيارات.
بدأنا جولتنا في المنطقة الأثرية القديمة التي تقع في سفح الجبل من جهة الشمال والمطلة على أشعاب (هِبران) حيث بقايا أطلال منطقة(السوق) التي احتفظت بتسميتها القديمة، وفيها آثار خزانات المياة المطلية بالنورة وبقايا المِحدادة وأطلال معبد قديم ما زالت بعض أساساته واضحه، وهناك في ظهر لسان صخري مستطيل يتمدد في الهواء على شَفَا هاوية جبلية تطل على شعب (الجَرَّة) المنحدر إلى (هِبْران) توجد نقوش قديمة بخط المسند بدت بعض أحرفها واضحة ودقيقة، رغم مرور مئات القرون عليه في العراء، وبعضها أثرت فيه عوامل التَّعْرية التي تؤدِّي إلى تآكل القشرة الأرضيّة مثل مياه الأمطار والرِّياح واشعة الشمس، أما الضرر الأكبر الذي لحق بهذه النقوش وعرَّض أجزاءها للتلف فسببه العبث الذي لحق بها بدون وعي من بعض الشباب ممن لا يعرفون قيمتها التاريخية فحفروا كتابات حديثة فوق أحرف تلك النقوش الأصلية حتى فقدت بعض أحرفها، وبات من الصعب قراءة النقش الأصلي جراء الخدوش والتلف الذي تعرض له، وقد صعدت لتصوير النقش وكذا الجلوس على اللسان الضخري الممتد في الهواء وشعرت وكأنني على حافة هاوية سحيقة، أو على جناح طائرة تسبح في الفضاء.
بعد ذلك ارتقيت إلى أعلى القرية القديمة مشياً على الأقدام في طريق السيارات المرصوفة بالحجارة إلى أعلى القمة فيما تأخر زميلا رحلتي أخي المهندس طيار سالم صالح (دَوفس) والأستاذ محمد علي الحربي، اللذان بقيا في موقع (الوَصَر ) القديم، وانهمكا في حديث خاص مع مرافقنا الشاعر حسن محمد زين دون اللحاق بي، وعند وصولي كان دليلي شقيقه أحمد والشاب عبدالحكيم.
وقفت أمام (دار القلعة) وجاره القريب منه (دار القناديل) منبهراً حابس الأنفاس أتأمل في دقة الصّنعة المُتقنة لمن شيدوا هذه الحصون المنيعة التي بلغت عنان السماء، ورغم استحداث مبانٍ حديثة وجميلة حولها إلا أنها تظل الأرفع والأضخم، ومعهما (دار الجبانة) القديم الذي بُني في تلة مقابلة في ذراع وادي الغيل كحارس لمدخل القرية القديمة، وقد بقيت هذه الحصون الثلاثة على هيئتها تفوح بعبق التاريخ وتروي بحجارتها ونقوشها وزخارفها حكاية صناعها الأوائل المفعمين بالتحدي لقساوة الطبيعة والطامحين إلى السمو والعيش في بواذخ القمم العالية.
التقطت صوراً من اتجاهات مختلفة للقلعتين الرئيسيتين في أعلى القمة، وبالذات القلعة الرئيسية (دار القلعة) التي تعد نموذجاً للقلاع الحصينة المحاطة بكافة المرفقات الخدماتية، وتُبيّن حجارتها الكبيرة غالباً أنها مأخوذة من مستوطنة حِمْيَرية قديمة قامت على انقاضها في نفس الموقع، وأعيد بتلك الحجارة بناءها قبل حوالي خمسمائة عام وما زالت باقية تقاوم الزمن وتتحدى الخطوب والعواصف والبروق .وهذا ما تؤكده ضخامة تلك الحجارة الرخامية المستطلية أو المربعة الملساء أو تلك الحجارة التي حفظت لنا النقوش المحفورة عليها بخط المسند، وهي ثلاثة نقوش في واجهات (دار القلعة): الأول في الجهة الشمالية وقد وضع بطريقة جعلت الحروف مقلوبة ، والثاني والثالث في الجهة الغربية ، وإلى جوارهما حجر رخام منحوت عليه مذبح، ونصوص هذه النقوش الثلاثة هي:
(1) ص د ق ن/ ب ي
(2) ز ي د م / و ر
(3) و د أ ب.
وإلى جانب هذه النقوش هناك نقش قديم ونفيس بخط المسند ما زال باقيا في صفحة الجبل على مشارف السد الأثري القديم الذي كان يحجز المياه في أسفل وادي الغيل، ويعود إلى حضارة ما قبل الإسلام، وقد بقيت بعض حجارة أساساته السميكة المطلية بالنورة، ولعل هذه النقوش تشير إلى اسم الملك أو القيل الذي قام بتشييد هذا السد، وللأسف أنه قد تعرض للتلف في أجزاء متناثرة في وسطه جراء وضعه هدفاً(نَصع) للرماية، ويجب الاهتمام بهذا النقش ومحاولة فك رموزه من قبل المختصين. وعلى سكان (صناع) الحفاظ على ما تبقى منه كشاهد يعتّد به على حضارة عريقة. ويذكرني هذا النقش بنقش مماثل في (حيد امعين) القريب من قرية قطنان على مقربة من مستوطنة (هديم) ويقع هو الآخر في بطن جبل يشرف على سد قديم كان يحجز المياه. وحسب إشارات بعض المؤرخين فإن الملك علي بن الفضل الحميري قد اتخذ من جبل (صناع) قلعة حصينة له ولأتباعه.
إن حصون صَناع وقلاعها القديمة لم تعد الآن مأهولة بالسكان، وأن بقيت تستخدم كمخزن للمؤن والأعلاف وغيرها، إذ هجرها ساكونها إلى البيوت الحديثة الكثيرة حولها أو تلك التي تنتشر على الروابي والمرتفعات حول وادي الغيل والأودية الأخرى والتي تستوعب الزيادة السكانية وتلبي متطلبات الحياة الحديثة. ومع ذلك يجب على أجيال اليوم من (الصّناعيين) أن يحسنوا صنعاً إلى تراث أجدادهم من خلال الحفاظ على هذه المعالم التاريخية والقيام بترميمها وصيانتها وذلك بتكحيل الفراغات بين الحجارة بمادة الأسمنت بما لا يؤثر على هيئتها وشكلها القديم، وكذلك العمل على ترميم السقوف وصبها بالإسمنت حتى لا تتسرب منها مياه الأمطار وتعرضها للانهيار.
وبقدر افتتاني واعجابي بالقلاع التاريخية ونقوشها المسندية فقد أعجبت أيضا بذلك التوسع العمراني الحديث الجاري على قدمٍ وساق في تلك التباب والتلال المحيطة بالوادي والذي يكاد يشكل تجمعات سكانية متقاربة هنا وهناك. وما يلفت الانتباه ويستحق الثناء والتقدير أن البيوت الحديثة تلتزم النمط المعماري اليافعي الأصيل بحيث تخلو القرية من أية تاثيرات للبناء الاسمنتي الدخيل الذي يفتقر إلى أية مَسَحَات جمالية ولا صلة بفرادة معمارنا الجميل والأصيل، بل ويكاد أن يهدد هويتنا وخصوصيتنا المعمارية، كما هو الحال في بعض المناطق. والجميل حقا أن البيوت الحديثة في هذه القرية الجميلة شيدت بحجارة من مقالع الحجارة في محيطها القريب وباللون الرمادي المائل إلى الأزرق وجمعت بين الأصالة والمعاصرة بما تحمله من تطورات وتحسينات عديدة في الشكل والمضمون ومراعاة السعة الداخلية التي تقتضيها متطلبات الحياة العصرية، وهذا مؤشر مثير للإطمئنان، ويجعلنا نرفع قبعاتنا إجلالاً لأصحابها، الذين آثروا الحفاظ على النمط المعماري الأصيل وتجسيد الارتباط العاطفي بالبيئة المحلية، دون أن يتخلوا عن ركب التطور ومساره الذي لا يعرف التوقف والجمود.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
لوحة إرشادية لطريق القافله
دمت / جبوبة / الرضمة
𐩵𐩣𐩩 𐩴𐩨𐩨𐩩 𐩧𐩳𐩣𐩩
#محمد_الشميري
#نقوش_مسندية
#لغة_نقوش_المسند
#الإمام_يحيى و #رعيته

تَواصل سِلبي

#بلال_الطيب

«إن موقف الطاغية كذلك الذي يَقطع الشجرة لكي يَقطف الثمرة»، حِكمة قالها الفيلسوف الفرنسي شارل مونتيسكيو قديمًا، فجسدها الأئمة من بيت حميد الدين وأسلافهم في حُكمهم الكهنوتي، وكما كانت اليمن بالنسبة لهؤلاء قرية للجبايات الكبيرة، كان الشعب تلك الشجرة الغنية بالثمار، التي سقطت في الأخير فوق من اعتدى عليها، وأردته قتيلًا.

فقه سياسي
تعددت أسماء الجبايات الإمامية، والسلب في النهاية واحد، تارة كانوا يسمونها زكاة، وتارة واجبات، ومرة عُشر، وأخرى حق بيت المال، وكُله في الأول والأخير يتم باسم الله، ويُنهك عباد الله.

جعلوا - أي الأئمة السلاليين - من الرعية المُستضعفين مصدرًا رئيسيًا لدخل الدولة، ولم يبحثوا عن مصادر أخرى لذلك الدخل، وعن ذلك قال الأستاذ أحمد محمد نعمان: «لقد بات من المـُقرر أنَّه ليس للحكومة مورد من موارد المال إلا من أرض الفلاح، ومزرعة الفلاح، وعناء الفلاح، وكد الفلاح، فهو قُوتُها، وقوتها، وكنزها، ومتجرها الذي لا تعرف سواه».

وبلغ الأمر بالإمام يحيى أنَّه كان يحدد مقادير الزكاة بنفسه، ويؤكد ذلك هذه الرسالة التي بعثها لأحد عماله 9 فبراير 1926م، حيث قال: «قد سبق الأمر إليكم بقبض علف الذرة من نفس شبام، بعد كل قدح ربع ريـال، وحيث تحقق بأنَّ ذلك موافق للحق، نأمركم بالقبض من جميع ما تحت نظارتكم من المحلات، بعد كل قدح ربع ريـال من ذرة وغيرها، فخرج ما لم يستفاد بعلفه مثل الخردل، والحلبة، والقلا، والعدس، والسعتر، والذرة. وهذا اعتبار من الصراب الحاصل بهذه السنة، واجروا الضم على التزام ما يقاوم الثمن، ريال الزائد على الدرهم، فلا بد من ضمه، حيث كان الالتزام بشرط أن القبض بعد كل قدح ثمن ريـال، فاعتمدوا هذا».

أوغلت تلك السلطات الغاشمة في تفتيت وتمزيق الشعب الواحد على قاعدة العصبية المذهبية والعرقية السلالية، وصيروهم - تبعاً لذلك - رعية وعساكر، ولقد عرَّف الشهيد محمد محمود الزبيري الإمامة: بأنَّها فكرة مذهبية طائفية يعتنقها من القديم شطر من الشعب، وهم الزيدية - أي الهادوية - وأنَّ باقي اليمنيين لا يدينون بها، ولا يرون لها حقًا في السيطرة عليهم، مُشيـرًا إلى أنَّ التَحكم الإمامي خلق شعـورًا مَريرًا لدى الغالبية، وأبقى الانقسام ظلًا قاتمًا رهيبًا يخيم على البلاد.

وأكد القاضي الزبيري أنَّ سكان المناطق الشمالية العُقلاء منهم أبرياء من هذا الافتئات والظلم، وأنَّهم لبثوا الدهر الطويل يعانون مرارة الطغيان، ويرون فيه حكمًا طارئًا عليهم، دخيلًا على حياتهم، يفرض عليهم إلى جانب السُلطة السياسية سلطة روحية تعيش في دمائهم كالكابوس الرهيب، وتُجرعهم المـُعتقدات المسمومة، ثم تُطلقهم على الفريق الآخر كالذئاب المسعورة.

مـارس الإماميون العبث على عباد الله، في حياتهم وممتلكاتهم، فالاستبداد المُطلق، كان عنوان حكمهم، وهويته اللصيقة به، والطغيان الأحمق، كان سُلوكهم اليومي الذي يتباهون به، قـادوا البلاد والعباد بما أملته عليهم رغباتهـم الفجَّة، وفَصّلوا فقهاً سياسيًا يشملهم بكل الخيرات، ويستثني كل اليمنيين.

ألسنا مُسلمين؟!
كانوا - أي أولئك الأئمة السلاليين - يقولون أنَّهم يَحكمون بأمر الله، وباسم الحق الإلهي، وما من استبداد سياسي - كما قال الكواكبي - إلا ويتخذ لنفسه صفة قدسية يُشارك بها الله، والطغاة - كما قال علي الوردي - يعبدون الله، وينهبون عباد الله في آن واحد.

ولتوضيح هذه الصورة أكثر، أترككم مع هذه المُقتطفات من قصيدة طويلة للشاعر سليمان بن عبدالرحمن الكحيلي الصلوي، عدد فيها تلك الجبايات التعسفية بمفردات دارجة أكثر شُمولًا، وهي - أي القصيدة - مُرسلة في الأصل للإمام الطاغية يحيى حميد الدين، جاء فيها:

بلغــــــــوا عــــنا أميـــــر المؤمنين
أنَّ هــــذا الظـــــلم آذى المســــلمين
تـــــــرك الامـــة في أمــــر مهيــن
مـــــــا جرى منــــــا ألسنـا مسلمين
أولاً يستـــلــــمــون الـــعـــاشـــــرة
وهي في التــــخمين ضربة جائرة
وعــــــوائــدهــــا عليــــها دائـــرة
والرعــــايا مـــن عنـــاياها ذاهلين
بعد هـــــذا طلبـــــوا ثلــــث البــدل
ازعجـــــوا النـــــاس بسهـــل وجبل
ســـلمــــوا فــورًا بغــاية العــــجـــل
وهـــــم إذ ذاك قــهــــرًا باكئــــيـــن
طفقـــــوا يحصــــــون أنــواع الثمار
أول الدفتــــــر اســـم الدجــر صار
والذرة نوعــان بيضـــــاء وصــفار
برهم حنـــــطة واســـم الهند صين
عـــدة الأغــــنــام رابـــــع مـا ذكـر
والمخــــضــر ثـم فــول وعــــتــــر
وكــــــذا البسبـــاس معها قد سطــر
والريـــــاحيــــــن أتـــت واليـاسمين
دمغـــــة باســـم إعــانة حـــــربيــة
والغنـــــي المثــري بحــــاجة ربية
والــــذي قد كــــــان يمـــلك جنبـية
بــــاعها واعتـــاض عنـــها بالسكين
ثـــم قـــــالوا باطنــيـــــة يــــا تـجـار
الفــــقيـــــر منــــهم وأربــاب اليسار
أي وربي ذاك غـــــاية الحــــصــار
يتـــــركـوا المثـــري فقيــرًا بيــقين
بعد ذلك طلـبــــوا عشــــــر الجمال
مـــن ريــــاليــن إلى خمســة ريـال
افــــــزعوا النســوان منـها والعيال
ثم صـــــاحوا يـــــا أمــان الخائفين
اردفـــــوا النــحل وفيــها أشـــركوا
مالكيـــــها والــــذي لــــم يمـــلكـوا
تلف النــــاس وكـــادوا يهلــــكـــوا
يا لطيــف الطف بنا والمسلميــــن
وزكـــاة الفـــطر يبغــوها فــلـوس
قدرها أضعاف أضعاف النفوس
غمــر النــاس بهـــــا هـــم وبؤس
فتــــــراهم كـــــالسكــاري حائرين
وإذا راجـــــعت أهــانوا جــانبــي
أهــــــون الشتـم لـنــا: يا نــاصبي
مــــا درينا ما السبــب يا صاحبي
يستــــحـلـــون دمـــاء المسلـميـــن
هـــــــؤلاء القـوم أنصـار الإمـــام
استــــباحـوا كــــل أمــــوال الأنام
أخــــــذوا المـوجود حلا والحرام
ويقــــــولوا أنَّهــم متـــطــوعيــن

وسبق لمحمد بن محمد زبارة أن خاطب الإمام يحيى حميد الدين بقصيدة طويلة أسماها (الدين النصيحة)، ومنها نقتطف:
تنــاهوا تنـاهوا عـــــن عمـــوم التظالم
وتهــــوين أمـــر الظلم عـــن كل ظالم
وتغميــــــض عيـن عـــن فضــــــح آمر
هلـــــوع ولــوع بــــاقتـناص الــــدراهم
وجعل حقــــــوق المسلـــميــن مُبــــاحة
لقــــــاض وســـجـان وجنــــد وخـــــادم
حــــــرام حــــرام أنْ تكـــونـــوا ذريعة
لعمـــــالكم فــــي فعل هـــــذي الجـرائم
يسمــــــونـــها حيــــنًا مصـــارف عسكر
وحيـــنـــــًا هـــدايــــا أو بقـايا لــــــوازم
وحيـــــــــنًا إعـانـــات وحيــنًا بأجــــــرة
وحيــنًا بـــــآداب عــــلى جـــرم جــــارم
وجـــــــل نقــــــــود المســـلميـن بدوركم
بــلا دفــــتـــر فيــــــــها ولا رقـــم راقـــم
كــأن زكـــــاة المسلـــميــــــن ومــــــالهم
تــــــراث أبــــيـــــكم أحضــــرت للتقاسم
ولا تجـــهلـــــــوا نظــــم الأميــــر محمد
(سماعًا) لمـــن في عصــــره المتقـــادم

وقد أشار إلى هذا الظلم الفادح، المنافي للحق والعدل القاضي يحيى بن محمد الإرياني بقوله:
تـــأمل في الــــذي يبـــدي الـــزمان
ومــــــاذا قــــــد أتــاح بـــــه الأوان
أمـــورٌ لـــــو تــأمــلـها لبـــيـــــبٌ
بعين العـــــقـــــل حـــار لها الجنان
لقـــــد عــــــمَّ الفســاد بكــل أرض
بمــــــا لا يُستـطــاع لــــه بــــيــان
أحكم العقـل يقضي خرص زرعٍ
وقد أودى وطــــاح بــــــه الزمان

كل السبــب عسـاكر الحلالي
كما يحفظ الموروث الشعبي العديد من المهايد التي تصور تلك المُعاناة المتفاقمة، وفي أعالي جبل صبر - حيث أقطن - كان ثمة مُخمن يُدعى (عياش) - لم أجد اسمه كاملًا - اُشتهر بظلمه الشديد، ووصل به الأمر أنْ اعتبر أشجار الزرب الشوكية أشجار بُن، وأحصاها وقيدها في دفاتره على هذا الأساس، وكم عانى المواطنون جراء ذلك، وكُنَّ النساء حال مقدمه يُرددن:
هذي السنة كل المخازن أعطال
عياش خرج بكى الشيب والأطفال

أما الرجال فكانوا يهجلون:
لــــــعنــــة عـــــلى عـــيـــــــــاش
تُـــــــــوجــــــشــــه وجــــــــــاش
تنزل عظــــــامـــــه أمــــجـــــاش

وقد استجاب الله بالفعل لدعوات أولئك الرعية المظلومين، وأصيب عياش - كما تشير الذاكرة الشفهية - بمرض خطير هدَّ عظامه، وكان سبب وفاته.

وفي ناحية بلاد الطعام بمحافظة ريمة، كان هناك - كما أفاد الباحث علي حسين الزبير - مُخمن يُدعى عثمان دبش، وقد هجاه الشاعر الشعبي علي محمد جريد بقصيدة طويلة عرَّج فيها على تلك المظالم، ومن تلك القصيدة نقتطف:
يــــا الله تـــزيــــل الطــــوَّاف
طـــــــــوَّاف نــــقـمــة النـــقم
عثمــــان دبش لا قـــد مات
ولا يـــــــــــزوره نـــــــــادم
أبــــوه في المُــــــزدلفــــــات
شيـــــــطـــــان جـــاور الحرم
يُـــــــرمى بقـــعر الجمـــرات
والا بـــــــقـعـــر جــهــــنـــــم
يشتـــي ثــــلاث وأربع قات
وثــــــلاثـــــة أربـــــعــة خـدم
وعَمِّـــــــروا لـــــــه ســــــرات
ولا يــــــــــــنــــادم نــــــــــادم
عســـــــل وسمـــــن وفـــتـات
كــــبــــاش وبــــــر مُتـــــمــم

وفي الحجرية كما في ريمة، وجبل صبر تكرر ذلك الظلم، وقد اهتمت الذاكرة الشفهية بتوثيقة، ومن أهازيج تلك المنطقة المـُتداولة نقتطف:
من قـــل مـــا بيده قالوا له مجنون
أرضه مــع الـدولة وسلاحه مرهون
دولة إمــــام والعـامـــــل الحـــلالي
نهبـــني المـــأمــور قُــــوت عيـالي

والحلالي - هنا - هو القاضي حسين الحلالي الآنسي، عامل الإمام يحيى على منطقة الحجرية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الفائت، وقد تم تعيينه في ذلك المنصب في ديسمبر 1926م، فيما خلَّد الشاعر سعيد الشيباني اسمه في غنائيته الرائعة (يا نجم يا سامر فوق المصلى)، وسجل فيها أيضًا ظلمه، وأماني الرعية في التخلص منه ومن عساكره، جاء فيها:
هجرتني والقـــلب غيـر سـالي
كل السبــب عسـاكر الحلالي
بكر مـــــن التـربة غبــش يلالي
بيـــده سبيل بجيـــبه أمـر عالي
ربي استمـــع يا هادي كل حائر
دعــا الرعية شــــوقها لمـاطـــر
يسقي الجــرب يسلي الخواطـر
يُطــــهر القـــــرية من العسـاكر

قضاء مُبرم
وليت أمر الظلم توقف عند ذلك الحد، فبعد التخمين، والكشف يأتي دور بيت المال، وهي الجهة التي تحوي دفاتر تقديرات المخامنة، والكشافين، ومن خلالها تتم المُقارنة بين ما كان وما صار، وإنْ كانت تلك التقديرات أكثر من العام الماضي اعتمدوها، وإنْ كانت أقل رفضوها، وخاطبوا الرعية أنْ يسلموا ما سبق دفعه.

وإذا جادت السماء في سنة ما بغيثها، وأخرجت الأرض غلاتها بكثرة، خلافًا عن السنوات السابقة، فإنَّ الزكاة تتضاعف، وتُصبح ثابتة في الدفاتر، حتى لو تغير الحال إلى الأسوأ، وغادر الناس قراهم، وحول هذه الجزئية قال عبدالرحمن البيضاني: «وحتى إذا هاجر بعض أهالي المنطقة فرارًا من الزكاة؛ أمر الإمام بأنْ تضم أنصبتهم منها على جيرانهم، لأنَّ الإمام يريد نفس المقدار من المال»!

وخُلاصة هذه المأساة أنَّ ما تم تسجيله في الدفاتر فهو كالقضاء المُبرم الذي لا يجوز نقضه، ولا تخفيفه بحالٍ من الأحوال، حتى لو انقطع الغيث، وعمَّ الجفاف، أو جرفت السيول الأرض، أو أصيبت الزراعة بآفات قاتلة، أو غادر - كما سبق أنْ ذكرنا - الناس قُراهم!

وفي حال ما كانت تلك التقديرات مُتساوية، فيضاف لها بعض التعديلات، ويُضاف ما لا بد منه احتياطًا، على اعتبار أنَّ المخامنة قد يكونوا تهاونوا في حق بيت المال، ويلي ذلك ضم العائد، وعُشر العشر، وحق العلف، والرهينة، ثم يجري التسعير، وهو تقدير قيمة الزكوات، لأنَّها في الغالب لا تدفع عينًا؛ بل تؤخذ قيمتها نقدًا، وللمالية سعر مخصوص يختلف كثيرًا عن سعر السوق؛ بل وأكثر منه بثلاثة أضعاف، وهنا يضطر الرعوي المسكين أنْ يبيع جميع مُمتلكاته ليفي بذلك، أو يغادر أرضه فرارًا من ذلك.

ماذا نريد أنْ نفعل؟
كان الإمام يحيى دائم الاتصال والتواصل برعيته، عبر عساكرة المُتوحشين طبعًا، لا ليتفقد أحوالهم، ويُنفذ مَطالبهم، عملًا بقول - من يدعي أنَّه جده - النبي محمد صلى عليه وسلم: «كُلكم راعٍ، وكُلكم مَسؤول عن رعيته»، وإنما لكي ينهب أموالهم، ويتفنن في أذيتهم، ويُمعن في إذلالهم، عملًا بالمقولة الاستعبادية الدارجة: «جَوع كَلبك يتبعك»، وهي العبارة التي هذبها بقوله: «غبر الشميل إذا لم يُظلموا ظَلموا»!

وقد تَحدث الشاعر عبدالله البردوني عن ذلك التواصل السلبي، وصور تلك العلاقة الاستغلالية بقوله: «كان الإمام يحيى لا ينقطع عـن قرية أو منطقة إلا مدة قصيرة، فقد كان مأموروه وجنوده يمسحون البلاد طولًا وعرضًا، يتحسسون ما يجري، ويتحصلون ثمرة ما ينبت وما يتحرك، يأتي المُخمن عند بزوغ الثمرة، يليه القباض عند حصادها، يليه الكاشـف على القباض، يليه العسكري لتحصيل البواقي، يتبعه عَدَّاد المواشي، ثم مُثمر الخضر والفواكه، فيدوم اتصال الإمام بالشعب علــى طِيلــة العام، عن طريق المأمورين والعساكر، ويزيد اتصاله أعنف إذا نجمت أحداث، واحتدم شِجار».

وحين قام أحد أصدقائه - أي أصدقاء الإمام يحيى - بمُراجعته في التخفيف من جور الضرائب التي كان يَفرضها على المُواطنين، خاطبه بقوله: «هل رأيتهم يحملون البصائر ويعرضون أرضهم للبيع؟!».

وقد عَمل الأحرار الأوائل على تحسين تلك العلاقة الشائكة، وإيجاد قانون رادع ينظمها، ولو عدنا إلى أدبياتهم الحافلة بتلك المآسي، لوجدنا أنَّ رفع الظلم عن الرعية المساكين كان البند الأول في سلسلة مطالبهم الإصلاحية التي قدموها للإمام يحيى حميد الدين 1934م، ليتعمق الأستاذ أحمد محمد نعمان في ذات الأوجاع والمطالب في رسالة شهيرة أسماها (الأنـَّة الأولـى)، موجهة لـولي العهد أحمد يحيى حميد الدين 1937م، سبق وأنْ اقتطفنا فقرات منها، وأثرينا بها موضوعنا بشمول.

وقد جاء في مُقدمة تلك الأنَّة: «يا صاحب السمو، إن أشد آلام الإنسان هو الألم الذي لا يستطيع أن يشكوه فما أشد آلام رعيتكم، وما أعجزهم عن الشكوى؛ بل ما أخوفهم من الأنين والتوجع والتأوه، هؤلاء رعيتكم يناشدونكم العدل والإنصاف، فقد انقطع أملهم بعد الله إلا منكم، وقلَّ رجاؤهم إلا فيكم، فهل لكم أن تجعلوا حداً للمصائب النازلة بهم، والمظالم التي أقضت مضاجعهم، وسلبت راحتهم، وأقلقت