4⃣
#إبن_عتيق حاكم #زيلع وعلاقته بالشيخ #العدني
وقد وجدنا أيضًا ضمن إعفاءات دفتر الجباية المؤيدية سالف الذكر في منطقة زبيد، نصًا يرد فيه: “الشيخ الصالح أبو بكر ابن عتيق، خمسة وعشرون” (قيراط)([41]). وأبو بكر ابن عتيق له أيضًا إقطاعات كبيرة ومسامحات في منطقة تعز في ناحيتي جَبَا وصَبِر، وردت في المصدر ذاته([42]). وهذا البيت، آل عتيق، ورد ذكره في مُشجر النسابة اليمني أبي علامة المؤيدي المتوفى سنة 1044 (1634م) حيث ذكر أن “عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق عقبه كثير، ويقال لهم آل بني عتيق”([43])، أو آل عتيق([44]). وهذا الوالد، عبدالله بن محمد، تابعي مشهور وله أخبار مستفيضة، وهو الذي يقال له: ابن ابي عتيق([45]).
ثانيًا- أبو بكر بن عبدالله العيدروس العدني: علم كبير من أعلام السادة آل باعلوي، الذين تصدروا المشهد الديني في حضرموت قرونًا طويلة. وهو قطب بارز من أقطاب الصوفية، تَسود منصة آل باعلوي، وفاق أقرانه، حتى صار مرجعًا لطلاب العلم والمريدين، وله تراجم مستفيضة في مراجع السادة العلويين، نقتطف منها بعض ما ورد في “المشرع الروي”([46]). اسمه الكامل أبو بكر بن عبدالله الملقب بالعيدروس بن أبي بكر بن عبدالرحمن السقاف باعلوي. وُلد عام 851 (1447م) بتريم، ونشأ في حِجر والده وأخذ عنه التصوف، ودرس على عمه الشيخ علي بن أبي بكر السقاف المتوفى سنة 895 (1490م)([47])، وعلى الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن بلحاج بافضل المتوفى في الخامس من رمضان سنة 918 (23 نوفمبر 1512م)([48])، وكثير غيرهم. كان العيدروس شغوفًا بكتاب إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد محمد الغزالي المتوفى سنة 505 (1111م)، ومؤلفات محيى الدين محمد ابن عربي الأندلسي المتوفى سنة 638 (1240م)([49])، جلس محل والده الذي ألبسه الخرقة([50]) وحكّمه وأجازه في الإلباس، والتحكيم والإقراء والتدريس، وذلك في رجب سنة 865 (1461م) قبل موته بشهر، وعمره أربعة عشر سنة. وكانت لهذا القطب مجاهدات ورياضات عظيمة، رحل إلى الحرمين وعدن وزبيد وأخذ عن علمائها، وحج سنة 880 (1475م) وأخذ عن الحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي المتوفى سنة 902 (1497م)، وغيره، وأجازه أكثر مشايخه في جميع مروياتهم ومؤلفاتهم. تميز بصفاء الذهن وذكاء الفطنة، وكان صائب الرأي، حاد الفراسة، مما أعجب مشايخه، ولما رجع إلى تريم جلس للتدريس والانتفاع وأخذ عنه جماعة كثيرون.
وكان كثير التبسم، دائم البشر، لطيف المعشر، عطوفًا على الفقراء والأيتام والأرامل، واصلًا لهم بالبر سرًا وعلانية، قصده الشعراء بالقصائد، فكان يجيزهم عليها بما تطيب قلوبهم من المكرمات. وكان يقبل الهدية والنذور، ويسعى في إيصال الخير إلى المستحقين من طرف الأعيان بجاهه وماله، تنقل في بلدان اليمن لزيارة الأولياء ونفع الضعفاء، واتفق له كرامات باهرة كثيرة، ثم حج سنة 888 (1483م)، ولما رجع من الحرمين دخل بلد زيلع، وكان الحاكم بها محمد ابن عتيق، ثم سافر إلى عدن وركب منها إلى الشحر سنة 889 (1484م)، واستقر في عدن وانتشر ذكره، وقصده القاصدون وصار له جاه كبير بها. وكان كثير الإطعام والإكرام، يُذبح لبساطه في رمضان ثلاثون خروفًا.
وهذا الشيخ، أبو بكر بن عبدالله العيدروس، هو واحد من سلسلة طويلة وعريضة من المشايخ والسادة آل باعلوي، الذين يرجع نسبهم إلى رجل اسمه أحمد بن عيسى المهاجر انتقل من العراق إلى حضرموت في القرن الرابع الهجري، وتفرعت منه بيوت العلويين، وكان السادة هؤلاء أبرز قبائل حضرموت في النفوذ الروحي، والعدد، والثقافة، والمال، ومتانة العلاقات فيما بينهم والتأثير في مجتمعهم([51]).
#إبن_عتيق حاكم #زيلع وعلاقته بالشيخ #العدني
وقد وجدنا أيضًا ضمن إعفاءات دفتر الجباية المؤيدية سالف الذكر في منطقة زبيد، نصًا يرد فيه: “الشيخ الصالح أبو بكر ابن عتيق، خمسة وعشرون” (قيراط)([41]). وأبو بكر ابن عتيق له أيضًا إقطاعات كبيرة ومسامحات في منطقة تعز في ناحيتي جَبَا وصَبِر، وردت في المصدر ذاته([42]). وهذا البيت، آل عتيق، ورد ذكره في مُشجر النسابة اليمني أبي علامة المؤيدي المتوفى سنة 1044 (1634م) حيث ذكر أن “عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق عقبه كثير، ويقال لهم آل بني عتيق”([43])، أو آل عتيق([44]). وهذا الوالد، عبدالله بن محمد، تابعي مشهور وله أخبار مستفيضة، وهو الذي يقال له: ابن ابي عتيق([45]).
ثانيًا- أبو بكر بن عبدالله العيدروس العدني: علم كبير من أعلام السادة آل باعلوي، الذين تصدروا المشهد الديني في حضرموت قرونًا طويلة. وهو قطب بارز من أقطاب الصوفية، تَسود منصة آل باعلوي، وفاق أقرانه، حتى صار مرجعًا لطلاب العلم والمريدين، وله تراجم مستفيضة في مراجع السادة العلويين، نقتطف منها بعض ما ورد في “المشرع الروي”([46]). اسمه الكامل أبو بكر بن عبدالله الملقب بالعيدروس بن أبي بكر بن عبدالرحمن السقاف باعلوي. وُلد عام 851 (1447م) بتريم، ونشأ في حِجر والده وأخذ عنه التصوف، ودرس على عمه الشيخ علي بن أبي بكر السقاف المتوفى سنة 895 (1490م)([47])، وعلى الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن بلحاج بافضل المتوفى في الخامس من رمضان سنة 918 (23 نوفمبر 1512م)([48])، وكثير غيرهم. كان العيدروس شغوفًا بكتاب إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد محمد الغزالي المتوفى سنة 505 (1111م)، ومؤلفات محيى الدين محمد ابن عربي الأندلسي المتوفى سنة 638 (1240م)([49])، جلس محل والده الذي ألبسه الخرقة([50]) وحكّمه وأجازه في الإلباس، والتحكيم والإقراء والتدريس، وذلك في رجب سنة 865 (1461م) قبل موته بشهر، وعمره أربعة عشر سنة. وكانت لهذا القطب مجاهدات ورياضات عظيمة، رحل إلى الحرمين وعدن وزبيد وأخذ عن علمائها، وحج سنة 880 (1475م) وأخذ عن الحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي المتوفى سنة 902 (1497م)، وغيره، وأجازه أكثر مشايخه في جميع مروياتهم ومؤلفاتهم. تميز بصفاء الذهن وذكاء الفطنة، وكان صائب الرأي، حاد الفراسة، مما أعجب مشايخه، ولما رجع إلى تريم جلس للتدريس والانتفاع وأخذ عنه جماعة كثيرون.
وكان كثير التبسم، دائم البشر، لطيف المعشر، عطوفًا على الفقراء والأيتام والأرامل، واصلًا لهم بالبر سرًا وعلانية، قصده الشعراء بالقصائد، فكان يجيزهم عليها بما تطيب قلوبهم من المكرمات. وكان يقبل الهدية والنذور، ويسعى في إيصال الخير إلى المستحقين من طرف الأعيان بجاهه وماله، تنقل في بلدان اليمن لزيارة الأولياء ونفع الضعفاء، واتفق له كرامات باهرة كثيرة، ثم حج سنة 888 (1483م)، ولما رجع من الحرمين دخل بلد زيلع، وكان الحاكم بها محمد ابن عتيق، ثم سافر إلى عدن وركب منها إلى الشحر سنة 889 (1484م)، واستقر في عدن وانتشر ذكره، وقصده القاصدون وصار له جاه كبير بها. وكان كثير الإطعام والإكرام، يُذبح لبساطه في رمضان ثلاثون خروفًا.
وهذا الشيخ، أبو بكر بن عبدالله العيدروس، هو واحد من سلسلة طويلة وعريضة من المشايخ والسادة آل باعلوي، الذين يرجع نسبهم إلى رجل اسمه أحمد بن عيسى المهاجر انتقل من العراق إلى حضرموت في القرن الرابع الهجري، وتفرعت منه بيوت العلويين، وكان السادة هؤلاء أبرز قبائل حضرموت في النفوذ الروحي، والعدد، والثقافة، والمال، ومتانة العلاقات فيما بينهم والتأثير في مجتمعهم([51]).
5⃣
#إبن_عتيق حاكم #زيلع وعلاقته بالشيخ #العدني
أ.د #عماد_العتيقي
الاعتقاد بالخوارق: يُعد النص المنقول أعلاه انموذجًا على اعتقاد الناس ذلك الزمن بالخوارق وخاصةً للمشايخ والأولياء، وهذه الثقافة قديمة في حضرموت وراسخة فيها كما نقل أحمد المقريزي([58]) عن أهلها، وزمنه غير بعيد عن زمن العيدروس، من ذلك ما زعموا أن الساحرات يحملن الإرادات من بعض النساء، ويطرن في الهواء لتحسس أخبار الرجال المسافرين إلى الهند، ويرجعن بالخبر إلى نسائهم. ومنه ما زعموا أن طائفة تسمى آل عمر بن عيسى تمتلك قدرات خارقة، فكانوا يستغيثون بمشايخهم لعلاج لدغة الحية، ويعتقدون أنهم يحبسون الطير في البرية، إلى غير ذلك من الخوارق والكرامات المزعومة، فعندما تحصل كرامة لأحد المشايخ مثل العيدروس ويستجيب الله لدعائه بشفاء جارية ابن عتيق، سرعان ما تتحور القصة ويعتقد العوام أنه أحياها من الموت، الأمر الذي أنكره هو بنفسه بشدة.
وهذا الاعتقاد بقدرات العيدروس صار مدخلًا للتحيل والخداع، فقد روى الرحالة فارثما([59]) نفسه كيف استطاع التخلص من الأسر في بلاط السلطان عامر بن عبدالوهاب، حيث احتجزته زوجته، فلما أراد أن يفتكّ من أسره ادعى أنه مريض بداء مستعسر، وأنه نذر أن يذهب إلى الشيخ العدني الذي يصنع المعجزات ليُكتب له الشفاء على يديه، فأذنت له، وبهذه الحيلة استطاع التخلص من سجنه، وادعى أنه شُفي على يدي العدني.
الشبكات التجارية والأحداث السياسية: لا شك أن بندر زيلع كان رافدًا تجاريًا رئيسًا لتُجار اليمن وحضرموت، وهو إقليم عريق في الحضارة يقع شرقي اليمن، وله ساحل عريض على بحر العرب، تقع فيه بنادر الشحر والمكلا الاستراتيجية، وفي الداخل تمتد الحواضر التاريخية على طول الوادي المعروف بوادي حضرموت الخصيب، وأهمها من الغرب إلى الشرق: شبام، سيئون، بَور، تريم، عينات، وقبر هود([60])، وهو البلد الذي انطلق منه السادة لتكوين شبكة عالمية للدعوة، والتصوف، والتجارة، وصلت إلى الهند والملايو([61])، وقد تأثر النشاط التجاري بلا شك بالأحداث السياسية المتعاقبة في بلدان خليج عدن وما حولها.
ونلاحظ أنه بحلول الربع الأول من القرن العاشر/السادس عشر الميلادي حصلت تغيرات جذرية في المشهد السياسي في بلاد العرب، فقد سيطر العثمانيون الأتراك على مصر والحجاز، وأرسلوا حملات على اليمن، وتغلب البرتغاليون على الهند وهرمز وكثير من بنادر الخليج، واستمرت الثورة الإسلامية في تهديد إمبراطورية الحبشة المسيحية بدعم من الأتراك، وصار المحيط الهندي مسرحًا للصراع بين البرتغاليين والأتراك([62])، وتغلب المصريون المماليك على كثير من بلدان اليمن في صراعات أدت إلى مقتل السلطان عامر بن عبدالوهاب الطاهري في ربيع الثانيسنة 923 (مايو 1517م)([63]). وقد استشعر كثير من أمراء الأقاليم ضعف الدولة الطاهرية وقرب نهايتها فساندوا المماليك ثم العثمانيين، من هؤلاء السلطان بدر الكثيري في حضرموت الذي اضطر إلى الاستعانة بالعثمانيين، وذلك ليتفادى هجوم البرتغاليين المتكرر على بندر الشِحر مفتاح بلاده، وأخيرًا بايع السلطان سليمان في ربيع الأول سنة 944 (أغسطس 1537م)([64]). ظهر في هذه الفترة نشاط بارز لأعيان من آل عتيق الذين نقلوا أعمالهم من بر سعدالدين إلى الشحر.
#إبن_عتيق حاكم #زيلع وعلاقته بالشيخ #العدني
أ.د #عماد_العتيقي
الاعتقاد بالخوارق: يُعد النص المنقول أعلاه انموذجًا على اعتقاد الناس ذلك الزمن بالخوارق وخاصةً للمشايخ والأولياء، وهذه الثقافة قديمة في حضرموت وراسخة فيها كما نقل أحمد المقريزي([58]) عن أهلها، وزمنه غير بعيد عن زمن العيدروس، من ذلك ما زعموا أن الساحرات يحملن الإرادات من بعض النساء، ويطرن في الهواء لتحسس أخبار الرجال المسافرين إلى الهند، ويرجعن بالخبر إلى نسائهم. ومنه ما زعموا أن طائفة تسمى آل عمر بن عيسى تمتلك قدرات خارقة، فكانوا يستغيثون بمشايخهم لعلاج لدغة الحية، ويعتقدون أنهم يحبسون الطير في البرية، إلى غير ذلك من الخوارق والكرامات المزعومة، فعندما تحصل كرامة لأحد المشايخ مثل العيدروس ويستجيب الله لدعائه بشفاء جارية ابن عتيق، سرعان ما تتحور القصة ويعتقد العوام أنه أحياها من الموت، الأمر الذي أنكره هو بنفسه بشدة.
وهذا الاعتقاد بقدرات العيدروس صار مدخلًا للتحيل والخداع، فقد روى الرحالة فارثما([59]) نفسه كيف استطاع التخلص من الأسر في بلاط السلطان عامر بن عبدالوهاب، حيث احتجزته زوجته، فلما أراد أن يفتكّ من أسره ادعى أنه مريض بداء مستعسر، وأنه نذر أن يذهب إلى الشيخ العدني الذي يصنع المعجزات ليُكتب له الشفاء على يديه، فأذنت له، وبهذه الحيلة استطاع التخلص من سجنه، وادعى أنه شُفي على يدي العدني.
الشبكات التجارية والأحداث السياسية: لا شك أن بندر زيلع كان رافدًا تجاريًا رئيسًا لتُجار اليمن وحضرموت، وهو إقليم عريق في الحضارة يقع شرقي اليمن، وله ساحل عريض على بحر العرب، تقع فيه بنادر الشحر والمكلا الاستراتيجية، وفي الداخل تمتد الحواضر التاريخية على طول الوادي المعروف بوادي حضرموت الخصيب، وأهمها من الغرب إلى الشرق: شبام، سيئون، بَور، تريم، عينات، وقبر هود([60])، وهو البلد الذي انطلق منه السادة لتكوين شبكة عالمية للدعوة، والتصوف، والتجارة، وصلت إلى الهند والملايو([61])، وقد تأثر النشاط التجاري بلا شك بالأحداث السياسية المتعاقبة في بلدان خليج عدن وما حولها.
ونلاحظ أنه بحلول الربع الأول من القرن العاشر/السادس عشر الميلادي حصلت تغيرات جذرية في المشهد السياسي في بلاد العرب، فقد سيطر العثمانيون الأتراك على مصر والحجاز، وأرسلوا حملات على اليمن، وتغلب البرتغاليون على الهند وهرمز وكثير من بنادر الخليج، واستمرت الثورة الإسلامية في تهديد إمبراطورية الحبشة المسيحية بدعم من الأتراك، وصار المحيط الهندي مسرحًا للصراع بين البرتغاليين والأتراك([62])، وتغلب المصريون المماليك على كثير من بلدان اليمن في صراعات أدت إلى مقتل السلطان عامر بن عبدالوهاب الطاهري في ربيع الثانيسنة 923 (مايو 1517م)([63]). وقد استشعر كثير من أمراء الأقاليم ضعف الدولة الطاهرية وقرب نهايتها فساندوا المماليك ثم العثمانيين، من هؤلاء السلطان بدر الكثيري في حضرموت الذي اضطر إلى الاستعانة بالعثمانيين، وذلك ليتفادى هجوم البرتغاليين المتكرر على بندر الشِحر مفتاح بلاده، وأخيرًا بايع السلطان سليمان في ربيع الأول سنة 944 (أغسطس 1537م)([64]). ظهر في هذه الفترة نشاط بارز لأعيان من آل عتيق الذين نقلوا أعمالهم من بر سعدالدين إلى الشحر.