مآذن بلا مذاهب
#جبلة
فاتنة إب تواجه الإهمال والزحف العمراني
صادق علي
ارتبطت مدينة "جِبلة" التاريخية، فاتنة إب، بأهم مراحل ازدهار الحضارة الإسلامية في اليمن، وذاع صيتها إبان حكم الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، المرأة التي وحّدت اليمن وحَكمته، خلال الفترة بين عامي 1085 و1138 ميلادية، وترسخت في عهدها مفاهيم الحكم المتسامح.
تحيط بالمدينة سلسلة من المدرجات الخضراء والأودية والبساتين الغنّاء، التي تعد متنفسها الأوحد، في ظل استمرار الزحف العمراني على حساب الزراعة والمساحات الخضراء.
تبعد جبلة عن مركز محافظة إب، بحوالي سبعة كيلومترات غرباً، ويتوسطها جامعُ الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، وقصر "العز"- بيت الملكة أروى، المهدد بالخراب، وعددٌ كبير من المباني الأثرية التي تقاوم، بقوة تاريخِها ومعاني قيمة المكان، وحشيةَ الزحف العمراني وعشوائية البناء واللامبالاة تجاه النمط المعماري.
تعيش المدينة التاريخية، حالةَ اغتراب بفعل زحف قوالب الأسمنت والاستحداثات المعمارية في محيطها. الزائر لهذه المدينة تتجه عيناه مباشرة نحو جامع الملكة أروى، الذي ينتصب كشاهد عيان على حجم حضارة وتاريخ حقبة إسلامية مزدهرة. جبل "التعكر" يبدو كحارسٍ أمين لدرة أثرية تروي تاريخًا ناصعًا لمدينة كانت ذات يوم عاصمة للحكم المتسامح، إبان الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، التي سنت سلسلة من القوانين الاقتصادية الهامة في المجال الزراعي وتربية الثروة الحيوانية والعدل والقضاء والثقافة، وشهدت اليمن في عصرها تطورًا ملحوظًا في كافة مجالات الحياة .
تتميز جبلة بالجمع بين المعالم التاريخية والموقع الجغرافي، وتحيط بها المدرجات والمروج الخضراء، التي تواجه مخططات عمرانية تهدد جمال المدينة ورونقها
بيوت شبيهة بالأبراج
ترجع مصادر تاريخية، منها كتاب "طبقات فقهاء اليمن"، الذي ألفه عمر بن سمرة الجعدي، أن تسمية جبلة بهذا الاسم، نسبة إلى رجل برع في الصناعات الحرفية القديمة، التي كان يمارسها في المدينة قبل أن تتحول إلى أشهر مدن اليمن، منذ منتصف القرن الخامس الهجري، عندما اتخذها مؤسس الدولة الصليحية عبدالله بن محمد الصليحي عاصمة لدولته. كان ذلك في العام 458 هجرية، وهي الدولة التي دامت أكثر من 90 عامًا، تمكن خلالها أمراء الدولة الصليحية من تحويل جبلة إلى مركز حضري وديني وعلمي، خاصة في عهد الملكة أروى بنت أحمد، التي أنشئت في عهدها أهم المعالم التاريخية.
تتميز جبلة بالجمع بين المعالم التاريخية والموقع الجغرافي المميز، إذ تحيط بها المدرجات والمروج الخضراء، التي تواجه مخططات عمرانية تهدد جمال المدينة ورونقها. ويوجد في المدينة عدد من السواقي القديمة وقنوات الري، التي كانت شريانًا للزراعة في منطقة جبلة ومحيطها.
قديماً كانت تسمى "مدينة النهرين"؛ لأنها تقع بين نهرين، كان الأول يصب من منطقة وراف، والثاني من جبل التعكر، فضلًا عن مساجدها الأثرية، البالغ عددها أكثر من 16 مسجدًا، أهمها وأبرزها مسجد الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، الذي يبلغ عمر بنائه أكثر من ألف عام.
بيوتها الأثرية المبنية من الحجر، تبدو كالأبراج، حيث يتكون بعضها من 6 إلى 7 طوابق، وعليها نقوش زخرفية بمثابة شواهد تاريخية على البناء الهندسي والمعماري المتميز لمدينة جبلة، ودليل على النهضة العمرانية التي ميزت تلك الحقبة من الزمن.
حين تمتد قدم الزائر نحو أزقتها وأحيائها القديمة، تتكشف أهمية ذلك البناء، وكيفية رصف شوارعها وأزقتها، وحجم معاناة المدينة جراء الإهمال وعدم الترميم، بل وهجران بعض البيوت من السكان، وتدمير بعض القصور، مثلما هو حاصل لقصر "العز"، الذي كان مقر حكم الملكة أروى، والذي يعاني الخراب والإهمال حالياً. ويعد قصرها الشاهق والواسع، الذي ما زالت بعض معالمه قائمة، من العجائب الذي تحدثت عنها الكتب والمؤلفات، وقد تناقل الناس الروايات عنه أنه كان مكونًا من 360 غرفة بعدد أيام السنة.
جوامع تاريخية
أمّا مآذنها الشامخة وجوامعها التاريخية، فهي قصة تُشَدّ إليها رحال الزائرين، لما تتمتع به هذه الجوامع من جمال هندسي وبناء معماري فريد يعبر عن حضارة عظيمة.
يعود معظم هذه الجوامع إلى عهد الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، المرأة التي وحدت اليمن وحكمته خلال الفترة بين 1085 و1138 ميلادية، وبها تجسدت شخصية المرأة اليمنية والعربية، كحاكمة تفوّقت على غيرها من الرجال الذين حكموا اليمن، وسادت بحكمها سياسيًّا، ولم تسُد به مذهبيًّا.
أصبحت الملكة أروى بنت أحمد مضربًا للأمثال في الحكم العادل، ما جعل منها رمزًا للحاكم المتسامح، واستطاعت خلال فترة حكمها أن تشيّد الكثير من المساجد ودُور العلم، وأنشأت السواقي الممتدة على عشرات الكيلومترات، مثل ساقية الجَنَد، التي كانت تمتد على مسافة أكثر من ثلاثين كيلومترا، مروراً بالكثير من المرتفعات.
#جبلة
فاتنة إب تواجه الإهمال والزحف العمراني
صادق علي
ارتبطت مدينة "جِبلة" التاريخية، فاتنة إب، بأهم مراحل ازدهار الحضارة الإسلامية في اليمن، وذاع صيتها إبان حكم الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، المرأة التي وحّدت اليمن وحَكمته، خلال الفترة بين عامي 1085 و1138 ميلادية، وترسخت في عهدها مفاهيم الحكم المتسامح.
تحيط بالمدينة سلسلة من المدرجات الخضراء والأودية والبساتين الغنّاء، التي تعد متنفسها الأوحد، في ظل استمرار الزحف العمراني على حساب الزراعة والمساحات الخضراء.
تبعد جبلة عن مركز محافظة إب، بحوالي سبعة كيلومترات غرباً، ويتوسطها جامعُ الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، وقصر "العز"- بيت الملكة أروى، المهدد بالخراب، وعددٌ كبير من المباني الأثرية التي تقاوم، بقوة تاريخِها ومعاني قيمة المكان، وحشيةَ الزحف العمراني وعشوائية البناء واللامبالاة تجاه النمط المعماري.
تعيش المدينة التاريخية، حالةَ اغتراب بفعل زحف قوالب الأسمنت والاستحداثات المعمارية في محيطها. الزائر لهذه المدينة تتجه عيناه مباشرة نحو جامع الملكة أروى، الذي ينتصب كشاهد عيان على حجم حضارة وتاريخ حقبة إسلامية مزدهرة. جبل "التعكر" يبدو كحارسٍ أمين لدرة أثرية تروي تاريخًا ناصعًا لمدينة كانت ذات يوم عاصمة للحكم المتسامح، إبان الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، التي سنت سلسلة من القوانين الاقتصادية الهامة في المجال الزراعي وتربية الثروة الحيوانية والعدل والقضاء والثقافة، وشهدت اليمن في عصرها تطورًا ملحوظًا في كافة مجالات الحياة .
تتميز جبلة بالجمع بين المعالم التاريخية والموقع الجغرافي، وتحيط بها المدرجات والمروج الخضراء، التي تواجه مخططات عمرانية تهدد جمال المدينة ورونقها
بيوت شبيهة بالأبراج
ترجع مصادر تاريخية، منها كتاب "طبقات فقهاء اليمن"، الذي ألفه عمر بن سمرة الجعدي، أن تسمية جبلة بهذا الاسم، نسبة إلى رجل برع في الصناعات الحرفية القديمة، التي كان يمارسها في المدينة قبل أن تتحول إلى أشهر مدن اليمن، منذ منتصف القرن الخامس الهجري، عندما اتخذها مؤسس الدولة الصليحية عبدالله بن محمد الصليحي عاصمة لدولته. كان ذلك في العام 458 هجرية، وهي الدولة التي دامت أكثر من 90 عامًا، تمكن خلالها أمراء الدولة الصليحية من تحويل جبلة إلى مركز حضري وديني وعلمي، خاصة في عهد الملكة أروى بنت أحمد، التي أنشئت في عهدها أهم المعالم التاريخية.
تتميز جبلة بالجمع بين المعالم التاريخية والموقع الجغرافي المميز، إذ تحيط بها المدرجات والمروج الخضراء، التي تواجه مخططات عمرانية تهدد جمال المدينة ورونقها. ويوجد في المدينة عدد من السواقي القديمة وقنوات الري، التي كانت شريانًا للزراعة في منطقة جبلة ومحيطها.
قديماً كانت تسمى "مدينة النهرين"؛ لأنها تقع بين نهرين، كان الأول يصب من منطقة وراف، والثاني من جبل التعكر، فضلًا عن مساجدها الأثرية، البالغ عددها أكثر من 16 مسجدًا، أهمها وأبرزها مسجد الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، الذي يبلغ عمر بنائه أكثر من ألف عام.
بيوتها الأثرية المبنية من الحجر، تبدو كالأبراج، حيث يتكون بعضها من 6 إلى 7 طوابق، وعليها نقوش زخرفية بمثابة شواهد تاريخية على البناء الهندسي والمعماري المتميز لمدينة جبلة، ودليل على النهضة العمرانية التي ميزت تلك الحقبة من الزمن.
حين تمتد قدم الزائر نحو أزقتها وأحيائها القديمة، تتكشف أهمية ذلك البناء، وكيفية رصف شوارعها وأزقتها، وحجم معاناة المدينة جراء الإهمال وعدم الترميم، بل وهجران بعض البيوت من السكان، وتدمير بعض القصور، مثلما هو حاصل لقصر "العز"، الذي كان مقر حكم الملكة أروى، والذي يعاني الخراب والإهمال حالياً. ويعد قصرها الشاهق والواسع، الذي ما زالت بعض معالمه قائمة، من العجائب الذي تحدثت عنها الكتب والمؤلفات، وقد تناقل الناس الروايات عنه أنه كان مكونًا من 360 غرفة بعدد أيام السنة.
جوامع تاريخية
أمّا مآذنها الشامخة وجوامعها التاريخية، فهي قصة تُشَدّ إليها رحال الزائرين، لما تتمتع به هذه الجوامع من جمال هندسي وبناء معماري فريد يعبر عن حضارة عظيمة.
يعود معظم هذه الجوامع إلى عهد الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، المرأة التي وحدت اليمن وحكمته خلال الفترة بين 1085 و1138 ميلادية، وبها تجسدت شخصية المرأة اليمنية والعربية، كحاكمة تفوّقت على غيرها من الرجال الذين حكموا اليمن، وسادت بحكمها سياسيًّا، ولم تسُد به مذهبيًّا.
أصبحت الملكة أروى بنت أحمد مضربًا للأمثال في الحكم العادل، ما جعل منها رمزًا للحاكم المتسامح، واستطاعت خلال فترة حكمها أن تشيّد الكثير من المساجد ودُور العلم، وأنشأت السواقي الممتدة على عشرات الكيلومترات، مثل ساقية الجَنَد، التي كانت تمتد على مسافة أكثر من ثلاثين كيلومترا، مروراً بالكثير من المرتفعات.
مسجد الملكة أروى من المعالم، التي ما زالت شاخصة وشاهدة على الحضارة والسعة التي وصلتها عاصمة الدولة الصليحية، إذ يعد المسجد بما يحتويه من زخارف ونقوش إسلامية بديعة، واحدًا من العجائب الزخرفية.
لجامع الملكة أروى في جبلة مئذنتان؛ ووفقاً لتأكيدات ياسر الجرافي، قيِّم الجامع وأحد المهتمين بالتراث، فقد بنيت المئذنة البيضاء" في عصر حكم الملكة قبل ألف عام. على هذه المئذنة نقوش وزخارف إحداها عبارة "هذه لله والحمدلله"، بالإضافة إلى زخارف باللغة الحميرية. أما المئذنة الثانية، فعمرها أكثر من 600 عام، وبنيت في عهد والي مدينة إب، عبد الله محمد باسلامة. ويواصل "الجرافي" حديثه لـ"خيوط" عن الجامع، لافتاً إلى أنه يعاني من نقص في التمويل للحفاظ على مكوناته وملحقاته كمعلم أثري بارز.
وإذ يشير الجرافي إلى ضرورة الاهتمام بوقفية وملحقات الجامع، يشدد على أن أكثر مرفق يتطلب الترميم هي "البِركة"، إذ يخشى "الجرافي" -كما يؤكد- من تسرب المياه من البركة إلى تحت صومعة الجامع.
أما سطح الجامع والنقوش على "المصندقات" (الفواصل التي بين أخشاب السقف) الشبيهة بمصندقات الجامع الكبير بصنعاء، تعاني هي الأخرى من الإهمال. وخلال زيارتنا لـ"بهو" الجامع والعقود، لُوحِظ معاناتها من الإهمال، حتى أن هناك أشجارًا بدأت تنبت في أحد عقود الجامع، دون أن يُعرف مدى تأثير جذورها على البناء.
في منتصف الجدار الشمالي للجامع، يقع المحراب، وهو عبارة عن تجويف بسيط يبلغ عمقه حوالي (85 سم)، يعلوه عقد مدبب محمول على عمودين، عليهما زخارف نباتية وهندسية، ويحيط بالمحراب نقوش وكتابات عربية بالخط الكوفي
أبواب ونقوش
هذا الجامع التاريخي يعد، كغيره من جوامع جبلة وصوامعها ومآذنها، شاهد عيان على حقبة تاريخية مهمة في تاريخ اليمن، سادت فيها مفاهيم التسامح بصورة نموذجية. للجامع أربعة أبواب؛ "باب الخلافة"، وهو المؤدي إلى السوق القديم وإلى القصر، لكن حسب القائمين على الجامع، فإن هناك تسرباً للمياه من بركة قصر "العز إلى" الجامع.
هناك أيضاً "باب الرحمة" ويطل على سوق الفخار، و"باب البِرْكة" ويطل على بركة المياه الخاصة بالجامع والحمامات التابعة له. أما الرابع، فهو الباب الرئيسي للجامع، وعليه زخارف تاريخية. ويظهر تاج الملكة أروى بنت أحمد الصليحي على بوابة الجامع، ويقال إنه كان عليه عدد من الياقوت والمرجان والعقيق اليماني، ولكنها اختفت مع مرور الزمن.
في منتصف الجدار الشمالي للجامع، يقع المحراب، وهو عبارة عن تجويف بسيط يبلغ عمقه حوالي (85 سم)، يعلوه عقد مدبب محمول على عمودين، عليهما زخارف نباتية وهندسية، ويحيط بالمحراب نقوش وكتابات عربية بالخط الكوفي. وغير بعيد منه، توجد "مسبحة" الملكة أروى، التي يقول القائمين على الجامع إن عدد حباتها كان يبلغ الألف حبة من الحجم الكبير، وتمتد إلى حوالي 6 أمتار، وهي بحاجة إلى "متن" (خيط) بجودة عالية، حتى لا تتآكل، كما تحتاج إلى صندوق زجاجي للحفاظ عليها.
وأمرت الملكة حسب المصادر التاريخية عندما انتقلت إلى مدينة جبلة عام (480 هجرية/ 1087 ميلادية)، بتحويل "دار العز" الأول إلى الجامع الذي ينسب إليها حالياً، حيث لا يزال قائمًا ومحتفظًا بعناصره المعمارية والزخرفية، التي يتبين من خلالها مدى تأثره بطراز العمارة الفاطمية؛ نتيجة العلاقات التي كانت بين الدولة الصليحية باليمن والدولة الفاطمية في مصر.
وصية الملكة أروى
يعتبر ضريح الملكة أروى من أهم أضرحة القرن السادس الهجري، باعتباره الأثر الباقي من أضرحة الدولة الصليحية. وحسب ما تشير إليه المصادر والأبحاث التاريخية منها كتاب زكريا محمد "مساجد اليمن: نشائتها وتطورها" فقد بني، كما أمرت الملكة، في الركن الشمالي الغربي من الجامع، وأنها استثنت موضع ضريحها من بناء الجامع. كما أشارت في وصيتها وعاينها الشهود والقضاة، وقد دفنت في جامعها بذي جِبلة، أيسرَ القِبلة، في منزل متصل بالجامع، وكانت هي التي تولت عملية تشييده، وهيأت موضع ضريحها بنفسها. لكن هذا الضريح تعرض للاعتداء عام 1993، من قبل متطرفين، وتم إعادة بنائه لاحقاً. وبالمجمل، فإن مدينة جبلة التاريخية تعد متحفًا مفتوحًا ومكانًا ذا قيمة تاريخية وحضارية مهمة، حريٌّ بالجهات المعنية بهيئة الآثار والمدن التاريخية، ووزارات الثقافة والأوقاف، والسلطة المحلية، الاهتمام بهذه المدينة التاريخية، وإنقاذ معالمها من الاندثار.
•••
صادق علي
لجامع الملكة أروى في جبلة مئذنتان؛ ووفقاً لتأكيدات ياسر الجرافي، قيِّم الجامع وأحد المهتمين بالتراث، فقد بنيت المئذنة البيضاء" في عصر حكم الملكة قبل ألف عام. على هذه المئذنة نقوش وزخارف إحداها عبارة "هذه لله والحمدلله"، بالإضافة إلى زخارف باللغة الحميرية. أما المئذنة الثانية، فعمرها أكثر من 600 عام، وبنيت في عهد والي مدينة إب، عبد الله محمد باسلامة. ويواصل "الجرافي" حديثه لـ"خيوط" عن الجامع، لافتاً إلى أنه يعاني من نقص في التمويل للحفاظ على مكوناته وملحقاته كمعلم أثري بارز.
وإذ يشير الجرافي إلى ضرورة الاهتمام بوقفية وملحقات الجامع، يشدد على أن أكثر مرفق يتطلب الترميم هي "البِركة"، إذ يخشى "الجرافي" -كما يؤكد- من تسرب المياه من البركة إلى تحت صومعة الجامع.
أما سطح الجامع والنقوش على "المصندقات" (الفواصل التي بين أخشاب السقف) الشبيهة بمصندقات الجامع الكبير بصنعاء، تعاني هي الأخرى من الإهمال. وخلال زيارتنا لـ"بهو" الجامع والعقود، لُوحِظ معاناتها من الإهمال، حتى أن هناك أشجارًا بدأت تنبت في أحد عقود الجامع، دون أن يُعرف مدى تأثير جذورها على البناء.
في منتصف الجدار الشمالي للجامع، يقع المحراب، وهو عبارة عن تجويف بسيط يبلغ عمقه حوالي (85 سم)، يعلوه عقد مدبب محمول على عمودين، عليهما زخارف نباتية وهندسية، ويحيط بالمحراب نقوش وكتابات عربية بالخط الكوفي
أبواب ونقوش
هذا الجامع التاريخي يعد، كغيره من جوامع جبلة وصوامعها ومآذنها، شاهد عيان على حقبة تاريخية مهمة في تاريخ اليمن، سادت فيها مفاهيم التسامح بصورة نموذجية. للجامع أربعة أبواب؛ "باب الخلافة"، وهو المؤدي إلى السوق القديم وإلى القصر، لكن حسب القائمين على الجامع، فإن هناك تسرباً للمياه من بركة قصر "العز إلى" الجامع.
هناك أيضاً "باب الرحمة" ويطل على سوق الفخار، و"باب البِرْكة" ويطل على بركة المياه الخاصة بالجامع والحمامات التابعة له. أما الرابع، فهو الباب الرئيسي للجامع، وعليه زخارف تاريخية. ويظهر تاج الملكة أروى بنت أحمد الصليحي على بوابة الجامع، ويقال إنه كان عليه عدد من الياقوت والمرجان والعقيق اليماني، ولكنها اختفت مع مرور الزمن.
في منتصف الجدار الشمالي للجامع، يقع المحراب، وهو عبارة عن تجويف بسيط يبلغ عمقه حوالي (85 سم)، يعلوه عقد مدبب محمول على عمودين، عليهما زخارف نباتية وهندسية، ويحيط بالمحراب نقوش وكتابات عربية بالخط الكوفي. وغير بعيد منه، توجد "مسبحة" الملكة أروى، التي يقول القائمين على الجامع إن عدد حباتها كان يبلغ الألف حبة من الحجم الكبير، وتمتد إلى حوالي 6 أمتار، وهي بحاجة إلى "متن" (خيط) بجودة عالية، حتى لا تتآكل، كما تحتاج إلى صندوق زجاجي للحفاظ عليها.
وأمرت الملكة حسب المصادر التاريخية عندما انتقلت إلى مدينة جبلة عام (480 هجرية/ 1087 ميلادية)، بتحويل "دار العز" الأول إلى الجامع الذي ينسب إليها حالياً، حيث لا يزال قائمًا ومحتفظًا بعناصره المعمارية والزخرفية، التي يتبين من خلالها مدى تأثره بطراز العمارة الفاطمية؛ نتيجة العلاقات التي كانت بين الدولة الصليحية باليمن والدولة الفاطمية في مصر.
وصية الملكة أروى
يعتبر ضريح الملكة أروى من أهم أضرحة القرن السادس الهجري، باعتباره الأثر الباقي من أضرحة الدولة الصليحية. وحسب ما تشير إليه المصادر والأبحاث التاريخية منها كتاب زكريا محمد "مساجد اليمن: نشائتها وتطورها" فقد بني، كما أمرت الملكة، في الركن الشمالي الغربي من الجامع، وأنها استثنت موضع ضريحها من بناء الجامع. كما أشارت في وصيتها وعاينها الشهود والقضاة، وقد دفنت في جامعها بذي جِبلة، أيسرَ القِبلة، في منزل متصل بالجامع، وكانت هي التي تولت عملية تشييده، وهيأت موضع ضريحها بنفسها. لكن هذا الضريح تعرض للاعتداء عام 1993، من قبل متطرفين، وتم إعادة بنائه لاحقاً. وبالمجمل، فإن مدينة جبلة التاريخية تعد متحفًا مفتوحًا ومكانًا ذا قيمة تاريخية وحضارية مهمة، حريٌّ بالجهات المعنية بهيئة الآثار والمدن التاريخية، ووزارات الثقافة والأوقاف، والسلطة المحلية، الاهتمام بهذه المدينة التاريخية، وإنقاذ معالمها من الاندثار.
•••
صادق علي
في #إب..عاصمتان لليمن الموحد
عبدالحليم الصلاحي
إب جغرافيا مفعمة بالدهشة وطبيعة باذخة الجمال، عندما تستدل على معنى اسمها (إب) في معاجم اللغة ستجده يدل على المكان الكثير المرعى والمكسو بالنباتات والحشائش التي تنمو اعتماداً على المطر، فجاءت التسمية مرادفاً للغنى الزراعي ووفرة الأمطار في تضاريس إب الطبيعية المتوزعة بين مرتفعات جبلية شاهقة دائمة الخضرة في الشمال الغربي والجنوب الغربي، وسهول منبسطة شديدة الخصوبة في الشمال والشمال الشرقي، وأودية عميقة تجري فيها المياه طوال العام، لتشكل مجتمعة جغرافيا مغرية، ولكنها أيضاً شديدة الوعورة لا تعطي دون أن تأخذ، ولا تمنح دون جهد بشري يعمل على تطويع عناصر ثرائها لخدمة الإنسان.
تآزر حنو الطبيعة وثراؤها مع شروط المناخ المعتدل خلال الفصول المختلفة، لتكون إب الى جانب مأرب والجوف وحضرموت وصنعاء وشبوة، أقدم المستقرات البشرية في جنوب شبه الجزيرة العربية، تسجل الدراسات الأثرية وجوداً بشرياً في المحافظة الخضراء يعود الى عصور ما قبل التاريخ، حيث عثر على الأدوات الحجرية التي استخدمها إنسان ذلك العصر في عدد من المواقع، وخاصة على ضفاف الأودية في وادي بنا وبعض مناطق العدين، على الرغم من أن تتبع أثر النشاط البشري للعصور القديمة في اليمن لم يكتشف منه سوى القليل حتى اللحظة.
بدايات يمانية
خلال الألف عام الأولى قبل ميلاد المسيح نمت حركة التبادل التجاري، وظهرت طرق التجارة كوسيلة اتصال بين التجمعات البشرية، وكان للتجمعات السكانية في جنوب غرب الجزيرة العربية دور محوري فيها سواء كمحطات تجارية أو مناطق لتصدير منتجات كاللبان والبخور، ومثل البحر الأحمر وباب المندب مفتاح هذا الدور، على وقع هذا التطور نشأت عدد من الممالك اليمنية القوية مثل سبأ وقتبان وحضرموت، وامتد نفوذ بعض تلك الممالك الى بعض المناطق في محافظة إب مثل منطقة العود التي تتبع مملكة قتبان، وهو ما جعلها تشهد ازدهاراً حضارياً تبعاً لازدهار تلك الممالك ونمو مواردها.
وفي القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد، ومع زوال الهيمنة اليمنية على البحر الأحمر، واحتدام الصراعات والحروب بين الممالك اليمنية المختلفة، زادت قوة الأقيال الإقطاعيين الذين عملوا على استبدال الحكم الاتحادي لمملكة سبأ وإضعاف دور السلطة المركزية لصالح تعزيز نفوذهم، وخاصة الأقيال الحميريين، ولكن أقيال القبائل الحميرية التي استوطنت ضفاف وادي بنا تمكنوا من لملمة شتات الفوضى الناجم عن ضعف مملكة سبأ، وكان العام 115 قبل الميلاد تاريخاً فاصلاً في تاريخ المنطقة الجغرافية المعروفة اليوم باسم محافظة إب واليمن عموماً، عندما ظهر الحميريون كقوة مهمة، وأسسوا مملكة سبأ وذي ريدان على يد شمر ذي ريدان، واتخذوا من ظفار يريم عاصمة لهم، ثم امتدت مملكتهم لتشمل مناطق أخرى في إب مثل يريم ومذيخرة وبعدان والشعر ووراف.
التاريخ يحط رحاله في إب
المراحل التاريخية التي كانت فيها اليمن كياناً موحداً انعكس توحدها على شكل استقرار اجتماعي وسياسي ودرجة عالية من الحمائية ضد أطماع الخارج، وقد ساقت الأقدار وحركة التاريخ الى محافظة إب شرف أن تكون اثنتان من مدنها عاصمة لليمن الموحد الجغرافيا والإنسان مرتين في التاريخ، فكانت ظفار الواقعة اليوم في مديرية السدة عاصمة للحميريين الذين وحدوا اليمنيين للمرة الأولى في التاريخ، وفي سياق تاريخي آخر كانت مدينة جبلة عاصمة للدولة الصليحية التي وحدت اليمن أيضاً في بنية وكيان سياسي واحد.
ظفار عاصمة الموحدين الأوائل
الملوك الحميريون الذين يعرفهم المؤرخون باسم (ملوك سبأ وذي ريدان)، سجلوا من عاصمتهم ظفار عدداً من الإنجازات الحضارية، منها جهودهم في أول توحيد لليمن في كيان سياسي، حيث عمل عدد من ملوكها بهذا الاتجاه، منهم شمر يهحمد ويأسر يهنعم وشمر يهرعش، الى أن تحقق هدف التوحيد بالفعل عام 275 بعد الميلاد، في عهد الملك شرحبيل بن يعفر أبو كرب أسعد المشهور باسم (أسعد الكامل)، ليكون بعدها لقب الملوك الحميريين (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم طودا وتهامة)، ليمتد حكم الحميريين قرابة 600 عام من 115 قبل الميلاد حتى 527 بعد الميلاد.
ازدهرت ظفار كعاصمة للدولة اليمنية الموحدة، فشهدت نمواً عمرانياً وإنشائياً شمل بحسب الدراسات الأثرية والنقوش والسدود وقنوات الري والأسواق والقصور كقصر ذي ريدان وشوحطان وكوكبان ومعبد قصر ريدان وأسواراً محيطة بالمدينة ببوابات متعددة، إضافة الى الحصون كحصن العرافة وحصن (اليهودية)، وأيضاً العديد من المقابر الملكية ومآثر إنشائية أخرى بقيت جزئياً في مناطق أخرى من المحافظة مثل منطقة وراف الواقعة حالياً في مديرية جبلة.
عبدالحليم الصلاحي
إب جغرافيا مفعمة بالدهشة وطبيعة باذخة الجمال، عندما تستدل على معنى اسمها (إب) في معاجم اللغة ستجده يدل على المكان الكثير المرعى والمكسو بالنباتات والحشائش التي تنمو اعتماداً على المطر، فجاءت التسمية مرادفاً للغنى الزراعي ووفرة الأمطار في تضاريس إب الطبيعية المتوزعة بين مرتفعات جبلية شاهقة دائمة الخضرة في الشمال الغربي والجنوب الغربي، وسهول منبسطة شديدة الخصوبة في الشمال والشمال الشرقي، وأودية عميقة تجري فيها المياه طوال العام، لتشكل مجتمعة جغرافيا مغرية، ولكنها أيضاً شديدة الوعورة لا تعطي دون أن تأخذ، ولا تمنح دون جهد بشري يعمل على تطويع عناصر ثرائها لخدمة الإنسان.
تآزر حنو الطبيعة وثراؤها مع شروط المناخ المعتدل خلال الفصول المختلفة، لتكون إب الى جانب مأرب والجوف وحضرموت وصنعاء وشبوة، أقدم المستقرات البشرية في جنوب شبه الجزيرة العربية، تسجل الدراسات الأثرية وجوداً بشرياً في المحافظة الخضراء يعود الى عصور ما قبل التاريخ، حيث عثر على الأدوات الحجرية التي استخدمها إنسان ذلك العصر في عدد من المواقع، وخاصة على ضفاف الأودية في وادي بنا وبعض مناطق العدين، على الرغم من أن تتبع أثر النشاط البشري للعصور القديمة في اليمن لم يكتشف منه سوى القليل حتى اللحظة.
بدايات يمانية
خلال الألف عام الأولى قبل ميلاد المسيح نمت حركة التبادل التجاري، وظهرت طرق التجارة كوسيلة اتصال بين التجمعات البشرية، وكان للتجمعات السكانية في جنوب غرب الجزيرة العربية دور محوري فيها سواء كمحطات تجارية أو مناطق لتصدير منتجات كاللبان والبخور، ومثل البحر الأحمر وباب المندب مفتاح هذا الدور، على وقع هذا التطور نشأت عدد من الممالك اليمنية القوية مثل سبأ وقتبان وحضرموت، وامتد نفوذ بعض تلك الممالك الى بعض المناطق في محافظة إب مثل منطقة العود التي تتبع مملكة قتبان، وهو ما جعلها تشهد ازدهاراً حضارياً تبعاً لازدهار تلك الممالك ونمو مواردها.
وفي القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد، ومع زوال الهيمنة اليمنية على البحر الأحمر، واحتدام الصراعات والحروب بين الممالك اليمنية المختلفة، زادت قوة الأقيال الإقطاعيين الذين عملوا على استبدال الحكم الاتحادي لمملكة سبأ وإضعاف دور السلطة المركزية لصالح تعزيز نفوذهم، وخاصة الأقيال الحميريين، ولكن أقيال القبائل الحميرية التي استوطنت ضفاف وادي بنا تمكنوا من لملمة شتات الفوضى الناجم عن ضعف مملكة سبأ، وكان العام 115 قبل الميلاد تاريخاً فاصلاً في تاريخ المنطقة الجغرافية المعروفة اليوم باسم محافظة إب واليمن عموماً، عندما ظهر الحميريون كقوة مهمة، وأسسوا مملكة سبأ وذي ريدان على يد شمر ذي ريدان، واتخذوا من ظفار يريم عاصمة لهم، ثم امتدت مملكتهم لتشمل مناطق أخرى في إب مثل يريم ومذيخرة وبعدان والشعر ووراف.
التاريخ يحط رحاله في إب
المراحل التاريخية التي كانت فيها اليمن كياناً موحداً انعكس توحدها على شكل استقرار اجتماعي وسياسي ودرجة عالية من الحمائية ضد أطماع الخارج، وقد ساقت الأقدار وحركة التاريخ الى محافظة إب شرف أن تكون اثنتان من مدنها عاصمة لليمن الموحد الجغرافيا والإنسان مرتين في التاريخ، فكانت ظفار الواقعة اليوم في مديرية السدة عاصمة للحميريين الذين وحدوا اليمنيين للمرة الأولى في التاريخ، وفي سياق تاريخي آخر كانت مدينة جبلة عاصمة للدولة الصليحية التي وحدت اليمن أيضاً في بنية وكيان سياسي واحد.
ظفار عاصمة الموحدين الأوائل
الملوك الحميريون الذين يعرفهم المؤرخون باسم (ملوك سبأ وذي ريدان)، سجلوا من عاصمتهم ظفار عدداً من الإنجازات الحضارية، منها جهودهم في أول توحيد لليمن في كيان سياسي، حيث عمل عدد من ملوكها بهذا الاتجاه، منهم شمر يهحمد ويأسر يهنعم وشمر يهرعش، الى أن تحقق هدف التوحيد بالفعل عام 275 بعد الميلاد، في عهد الملك شرحبيل بن يعفر أبو كرب أسعد المشهور باسم (أسعد الكامل)، ليكون بعدها لقب الملوك الحميريين (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم طودا وتهامة)، ليمتد حكم الحميريين قرابة 600 عام من 115 قبل الميلاد حتى 527 بعد الميلاد.
ازدهرت ظفار كعاصمة للدولة اليمنية الموحدة، فشهدت نمواً عمرانياً وإنشائياً شمل بحسب الدراسات الأثرية والنقوش والسدود وقنوات الري والأسواق والقصور كقصر ذي ريدان وشوحطان وكوكبان ومعبد قصر ريدان وأسواراً محيطة بالمدينة ببوابات متعددة، إضافة الى الحصون كحصن العرافة وحصن (اليهودية)، وأيضاً العديد من المقابر الملكية ومآثر إنشائية أخرى بقيت جزئياً في مناطق أخرى من المحافظة مثل منطقة وراف الواقعة حالياً في مديرية جبلة.
كثير من تلك المعالم أتى عليها الدهر بفعل تقادم الزمن، ولم يبق منها سوى أجزاء متداعية في أنحاء المنطقة الواقعة في مديرية السدة من محافظة إب، ولكن جوف الأرض ما زال يموج بأوابد وشواهد دولة عظيمة، وبين الحين والآخر تصل فرق الآثار اليمنية أو الأجنبية الى اكتشافات أثرية جديدة مثل اكتشاف معامل خاصة لصناعة التماثيل عام 2006 في حصن العرافة، واكتشاف أجزاء من (معبد قصر ريدان) عام 2007، إضافة الى آلاف القطع الأثرية التي تحرز من قبل الهيئة العامة للآثار أو توجد في المتاحف اليمنية والعالمية قادمة من ظفار، فضلاً عما يعثر عليه بعض السكان المحليين بين فترة وأخرى أثناء أعمالهم اليومية في الزراعة أو البناء.
جبلة وأروى اسمان لا يفترقان
الدولة الصليحية التي تأسست عام 429هـ/1037م، وامتد حكمها حتى العام 492هـ/1098م، كانت أيضاً إحدى الدول أو الممالك اليمنية التي استطاعت توحيد اليمن في كيان سياسي واحد. الصليحيون الذين أسسوا دولتهم بعد سقوط دولة بني زياد، في فترة اتسمت بصراعاتها الشديدة بين عدد من الدويلات اليمنية التي كانت كل واحدة منها تبسط نفوذها على جزء من الجغرافيا اليمنية بحدودها الحالية، وبعضها كانت تمتد سلطتها شمالاً خارج الجغرافيا المعروفة اليوم بكونها جزءاً من الأراضي اليمنية، وقد استطاع ملوك بني صليح التغلب على خصومهم السياسيين في الدويلات اليمنية الأخرى، ووحدوها جميعاً تحت سلطتهم، وامتد نفوذهم شمالاً حتى وصل مدينة مكة.
مرة أخرى كان التاريخ على موعد مع إب عام 458هـ/1066م، عندما اختط الأمير عبدالله بن أحمد الصليحي مدينة جبلة، وهي حالياً مركز مديرية جبلة في محافظة إب، فكانت هذه المدينة عاصمة لليمن الموحد عندما جعلها الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي عاصمة لدولته، لتنتقل زوجته السيدة أروى بنت أحمد الصليحي، والمعروفة باسم (الملكة أروى)، بعد تفويض زوجها لها بإدارة شؤون الدولة، الى (دار العز) الذي شيد بأمر المكرم في مدينة جبلة.
مآثر صليحية
استطاعت السيدة أروى أن تكون اسماً فارقاً في التاريخ اليمني بطريقة حكمها وإدارتها للدولة، حيث أولت اهتماماً بالغاً للعلم وطلابه وللأنشطة الإنتاجية كالزراعة والرعي، وشهدت جبلة خلال عهدها توسعاً عمرانياً، وصارت مركزاً نشطاً للعلم، وأوقفت مساحات واسعة من الأرض للرعي وللمدارس وطلاب العلم في إب.
دار العز وتسمى أيضاً دار السلطنة، أرساها وشيدها الملك المكرم، وكانت مقراً للحكم وإدارة الدولة، وهي الآن عدة بنايات ومساجد، وإحدى بناياتها تحمل اسم دار العز، وتتكون من 5 طوابق مبنية من الحجارة المهندمة.
الجامع الكبير الذي تم بناؤه بأمر السيدة أروى، هو أيضاً أحد شواهد النمو والتطور العمراني الذي شهدته المدينة بفضل اتخاذها عاصمة للدولة، وقد بني على الطراز الهندسي والمعماري الإسلامي، ويضم ضريح السيدة أروى الذي أمرت ببنائه في الجامع، وأوصت بدفنها فيه، ويكسو الضريح نقش آيات قرآنية مكتوبة بخط النسخ والخط الكوفي، وزخارف نباتية مختلفة مشابهة لنمط الزخارف السائدة في العهد الفاطمي.
جبلة المدينة ومحيطها فيها عدد من السواقي وأنظمة الري العتيقة التي يعود معظمها الى عهد السيدة، وتعبر تصميماتها ومرورها بمناطق ذات ارتفاعات مختلفة عن إبداع هندسي بالنظر الى مستوى الإمكانات العلمية والهندسية لذلك العصر، والأدوات التي كانت متاحة أيام إنشائها.
شيد الصليحيون كذلك في مديرية جبلة حصن التعكر العسكري الذي مثل القبضة القوية للملكة والدولة للسيطرة على الجوار المحيط بجبلة وحمايتها كعاصمة، بالإضافة الى حماية الطرق التجارية المرتبطة بموانئ الساحل الغربي والجنوبي، ولم يبق من الحصن اليوم سوى أجزاء من السور تتخللها أبراج الحراسة، جميعها مبنية من البازلت، إضافة الى عدد من مدافن الحبوب والمؤن الغذائية التي نحتت في الصخر أسفل القلعة.
جبلة وأروى اسمان لا يفترقان
الدولة الصليحية التي تأسست عام 429هـ/1037م، وامتد حكمها حتى العام 492هـ/1098م، كانت أيضاً إحدى الدول أو الممالك اليمنية التي استطاعت توحيد اليمن في كيان سياسي واحد. الصليحيون الذين أسسوا دولتهم بعد سقوط دولة بني زياد، في فترة اتسمت بصراعاتها الشديدة بين عدد من الدويلات اليمنية التي كانت كل واحدة منها تبسط نفوذها على جزء من الجغرافيا اليمنية بحدودها الحالية، وبعضها كانت تمتد سلطتها شمالاً خارج الجغرافيا المعروفة اليوم بكونها جزءاً من الأراضي اليمنية، وقد استطاع ملوك بني صليح التغلب على خصومهم السياسيين في الدويلات اليمنية الأخرى، ووحدوها جميعاً تحت سلطتهم، وامتد نفوذهم شمالاً حتى وصل مدينة مكة.
مرة أخرى كان التاريخ على موعد مع إب عام 458هـ/1066م، عندما اختط الأمير عبدالله بن أحمد الصليحي مدينة جبلة، وهي حالياً مركز مديرية جبلة في محافظة إب، فكانت هذه المدينة عاصمة لليمن الموحد عندما جعلها الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي عاصمة لدولته، لتنتقل زوجته السيدة أروى بنت أحمد الصليحي، والمعروفة باسم (الملكة أروى)، بعد تفويض زوجها لها بإدارة شؤون الدولة، الى (دار العز) الذي شيد بأمر المكرم في مدينة جبلة.
مآثر صليحية
استطاعت السيدة أروى أن تكون اسماً فارقاً في التاريخ اليمني بطريقة حكمها وإدارتها للدولة، حيث أولت اهتماماً بالغاً للعلم وطلابه وللأنشطة الإنتاجية كالزراعة والرعي، وشهدت جبلة خلال عهدها توسعاً عمرانياً، وصارت مركزاً نشطاً للعلم، وأوقفت مساحات واسعة من الأرض للرعي وللمدارس وطلاب العلم في إب.
دار العز وتسمى أيضاً دار السلطنة، أرساها وشيدها الملك المكرم، وكانت مقراً للحكم وإدارة الدولة، وهي الآن عدة بنايات ومساجد، وإحدى بناياتها تحمل اسم دار العز، وتتكون من 5 طوابق مبنية من الحجارة المهندمة.
الجامع الكبير الذي تم بناؤه بأمر السيدة أروى، هو أيضاً أحد شواهد النمو والتطور العمراني الذي شهدته المدينة بفضل اتخاذها عاصمة للدولة، وقد بني على الطراز الهندسي والمعماري الإسلامي، ويضم ضريح السيدة أروى الذي أمرت ببنائه في الجامع، وأوصت بدفنها فيه، ويكسو الضريح نقش آيات قرآنية مكتوبة بخط النسخ والخط الكوفي، وزخارف نباتية مختلفة مشابهة لنمط الزخارف السائدة في العهد الفاطمي.
جبلة المدينة ومحيطها فيها عدد من السواقي وأنظمة الري العتيقة التي يعود معظمها الى عهد السيدة، وتعبر تصميماتها ومرورها بمناطق ذات ارتفاعات مختلفة عن إبداع هندسي بالنظر الى مستوى الإمكانات العلمية والهندسية لذلك العصر، والأدوات التي كانت متاحة أيام إنشائها.
شيد الصليحيون كذلك في مديرية جبلة حصن التعكر العسكري الذي مثل القبضة القوية للملكة والدولة للسيطرة على الجوار المحيط بجبلة وحمايتها كعاصمة، بالإضافة الى حماية الطرق التجارية المرتبطة بموانئ الساحل الغربي والجنوبي، ولم يبق من الحصن اليوم سوى أجزاء من السور تتخللها أبراج الحراسة، جميعها مبنية من البازلت، إضافة الى عدد من مدافن الحبوب والمؤن الغذائية التي نحتت في الصخر أسفل القلعة.
الدَّوْلَة الرَّسُوليِّة بَيْن مَكة وظِفَار (626 هـ - 858 هـ)
#بني_رسول
نسب بني رسول
يرفع النسابون نسب الرسوليين إلى جبلة بن الأيهم الغساني. والغساسنة فرع من قبيلة الأزد اليمنية التي نزحت إلى شمال الجزيرة بعد تهدم السد وسادوا في بلاد الشام، وفي أزمنة لاحقة سكن أحفاد ابن الأيهم بلاد التركمان وتكلموا لغتهم ومن هنا جاء الوهم عند بعض النسابة فجعلوهم تركمانًا. أما الجد القريب للرسوليين فهو محمد بن هارون الذي استوطن العراق ودخل في خدمة أحد خلفاء بني العباس الذي وثق بحكمته وفصاحته فجعله رسوله إلى الشام ومصر حتى غلب عليه لقب رسول فصار علما عليه وعلى أسرته من بعده، ثم انتقل رسول هذا من العراق إلى الشام ومن هناك إلى مصر.
فلما استوثق الحكم للأيوبيين في مصر أدخلوا أبناء رسول في خدمتهم ومكنوهم من اليمن ، فكان في اليمن من بني رسول خمسة صحبهم توران شاه، أحدهم المؤسس سالف الذكر نور الدين عمر بن علي بن رسول الذي جاهد مع الأيوبيين في اليمن لتوطيد دولتهم حتى آلت إليه الأمور.
الدولة الرسولية (بنو رسول) كانت سلالة مسلمة حكمت بلاد اليمن في الفترة (626 – 858 هـ )، أسسها عمر بن رسول وأعلن إستقلالها عن الأيوبيون في مصر، وأعلن نفسه ملكاً مستقلا بتلقبه بلقب "الملك المنصور". وتمكن من توحيد البلاد من جديد وبقيت تعز عاصمتة، وكان عمر بن رسول طموحاً وسياسياً بارعا وبدأ ببناء قاعدة دعم شعبية في تعز ساعدته كثيراً في بناء الدولة الرسولية على أساس صلب، فسيطر على زبيد أولاً ثم توجه شمالاَ نحو المرتفعات الشمالية ثم إلى الحجاز فامتد ملكه من ظفار وحتى مكة.
قُتل عمر بن رسول من قبل ابن اخيه عام 646 هـ إلا أن الملك المظفر يوسف الأول تمكن من هزيمة ابن عمه، وقمع محاولة الزيدية لزعزعة ملكه فتلقب بالمظفر لذلك. عندما سقطت بغداد عام 1258 أمام هولاكو خان، تلقب الملك المظفر يوسف الأول بلقب الخليفة ونقل العاصمة من صنعاء إلى تعز لقربها من عدن. وكسى المظفر الكعبة المشرفة من داخلها وخارجها بعد انقطاع ورودها من بغداد بسبب دخول المغول اليها، وبقيت كسوته الداخلية حتى سنة 761 هـ ، وقد كتب على لوح رخامي داخل الكعبة النص الآتي :
” أمر بتجديد رخام هذا البيت المعظم، العبد الفقير إلى رحمة ربه وأنعمه؛ يوسف بن علي بن رسول، اللهم أيده بعزيز نصرك، واغفر له ذنوبه، برحمتك يا كريم يا غفار بتاريخ سنة ثمانين وستمائة هجرية. “
وبنى عدداً من المدارس والقلاع والحصون، وخلال حوالى سبعة و أربعين سنة، هي فترة حكم المظفر يوسف استطاعت خلالها عاصمته تعز أن تتبوأ موقعها بين المدن العربية في تلك الحقبة وما تلاها. وانشأ داراً لضرب السكة في تعز، إضافة إلى عدن وصنعاء وزبيد وصعدة ومكة. توفي الملك المظفر في تعز سنة 647 هـ ودفن بها بعد 47 عاما من الحكم منفرداً حتى ألد أعدائه، وهم الزيدية، وصفوه بأعظم ملوك اليمن تعليقا على وفاته.
يعتبر "العصر الرسولي" واحد من أزهى الفترات في بلاد اليمن، فقد أقروا الحرية المذهبية والدينية، حتى الرحالة ماركو بولو أشاد باليمن خلال هذه الفترة ونشاطها التجاري والعمراني وكثرة القلاع والحصون بالبلاد، فكان عهد دولة الرسوليين من أفضل العصور التي مرت على اليمن بعد الإسلام، وهي من أطول الدول اليمنية عمراً طيلة تاريخ البلاد بعد الإسلام وبنو قلعة القاهرة بتعز وجامع ومدرسة المظفر ولعدد من ملوكهم مؤلفات في الطب والصناعة واللغة.
بنى الرسوليين قلعة القاهرة بتعز وجامع ومدرسة المظفر والمدرسة الأسدية والجبرتية والمعتبية والياقوتية والأشرفية وغيرها. وكان الهدف من ذلك تعزيز المذهب الشافعي، الذي لا يزال المذهب الغالب في اليمن. حيث كان ملوك بنو رسول رجالاً متعلمين أنفسهم فلم يكتفوا بإثراء المكتبات بالكتب بل لعدد من ملوكهم مؤلفات في الطب والفلك والزراعة، فتحولت تعز وزبيد أيام الرسوليين، إلى مراكز مهمة لدراسة المذهب الشافعي على مستوى العالم. عزز الرسوليون علاقات اليمن التجارية مع الهند والشرق الأقصى. فقد استفادوا كثيرا من التجارة العابرة للبحر الأحمر من عدن وزبيد. وشهدت عدن أحد أفضل عصورها خلال ملك الرسوليين. كما قاموا بتبني العديد من البرامج الزراعية لترويج زراعة النخيل، وخلال هذه الفترة أصبح البن سلعة رابحة لليمن. ويعتبر المؤرخون دولة بني رسول من أعظم الدول اليمانية منذ سقوط مملكة حِميَّر، ذلك لإنهم عكس الأيوبيين أو العثمانيين، فلم يكن وجودهم عسكرياً لتأمين مصالح خارجية لا علاقة لها بمصالح السكان، فقد اندمجوا في المجتمع اليمني، وأدعوا أصلا عربياً لتبرير ملكهم وتوحيد السكان خلفهم، ولكنهم بالتأكيد كانوا من الأوغوز.
#بني_رسول
نسب بني رسول
يرفع النسابون نسب الرسوليين إلى جبلة بن الأيهم الغساني. والغساسنة فرع من قبيلة الأزد اليمنية التي نزحت إلى شمال الجزيرة بعد تهدم السد وسادوا في بلاد الشام، وفي أزمنة لاحقة سكن أحفاد ابن الأيهم بلاد التركمان وتكلموا لغتهم ومن هنا جاء الوهم عند بعض النسابة فجعلوهم تركمانًا. أما الجد القريب للرسوليين فهو محمد بن هارون الذي استوطن العراق ودخل في خدمة أحد خلفاء بني العباس الذي وثق بحكمته وفصاحته فجعله رسوله إلى الشام ومصر حتى غلب عليه لقب رسول فصار علما عليه وعلى أسرته من بعده، ثم انتقل رسول هذا من العراق إلى الشام ومن هناك إلى مصر.
فلما استوثق الحكم للأيوبيين في مصر أدخلوا أبناء رسول في خدمتهم ومكنوهم من اليمن ، فكان في اليمن من بني رسول خمسة صحبهم توران شاه، أحدهم المؤسس سالف الذكر نور الدين عمر بن علي بن رسول الذي جاهد مع الأيوبيين في اليمن لتوطيد دولتهم حتى آلت إليه الأمور.
الدولة الرسولية (بنو رسول) كانت سلالة مسلمة حكمت بلاد اليمن في الفترة (626 – 858 هـ )، أسسها عمر بن رسول وأعلن إستقلالها عن الأيوبيون في مصر، وأعلن نفسه ملكاً مستقلا بتلقبه بلقب "الملك المنصور". وتمكن من توحيد البلاد من جديد وبقيت تعز عاصمتة، وكان عمر بن رسول طموحاً وسياسياً بارعا وبدأ ببناء قاعدة دعم شعبية في تعز ساعدته كثيراً في بناء الدولة الرسولية على أساس صلب، فسيطر على زبيد أولاً ثم توجه شمالاَ نحو المرتفعات الشمالية ثم إلى الحجاز فامتد ملكه من ظفار وحتى مكة.
قُتل عمر بن رسول من قبل ابن اخيه عام 646 هـ إلا أن الملك المظفر يوسف الأول تمكن من هزيمة ابن عمه، وقمع محاولة الزيدية لزعزعة ملكه فتلقب بالمظفر لذلك. عندما سقطت بغداد عام 1258 أمام هولاكو خان، تلقب الملك المظفر يوسف الأول بلقب الخليفة ونقل العاصمة من صنعاء إلى تعز لقربها من عدن. وكسى المظفر الكعبة المشرفة من داخلها وخارجها بعد انقطاع ورودها من بغداد بسبب دخول المغول اليها، وبقيت كسوته الداخلية حتى سنة 761 هـ ، وقد كتب على لوح رخامي داخل الكعبة النص الآتي :
” أمر بتجديد رخام هذا البيت المعظم، العبد الفقير إلى رحمة ربه وأنعمه؛ يوسف بن علي بن رسول، اللهم أيده بعزيز نصرك، واغفر له ذنوبه، برحمتك يا كريم يا غفار بتاريخ سنة ثمانين وستمائة هجرية. “
وبنى عدداً من المدارس والقلاع والحصون، وخلال حوالى سبعة و أربعين سنة، هي فترة حكم المظفر يوسف استطاعت خلالها عاصمته تعز أن تتبوأ موقعها بين المدن العربية في تلك الحقبة وما تلاها. وانشأ داراً لضرب السكة في تعز، إضافة إلى عدن وصنعاء وزبيد وصعدة ومكة. توفي الملك المظفر في تعز سنة 647 هـ ودفن بها بعد 47 عاما من الحكم منفرداً حتى ألد أعدائه، وهم الزيدية، وصفوه بأعظم ملوك اليمن تعليقا على وفاته.
يعتبر "العصر الرسولي" واحد من أزهى الفترات في بلاد اليمن، فقد أقروا الحرية المذهبية والدينية، حتى الرحالة ماركو بولو أشاد باليمن خلال هذه الفترة ونشاطها التجاري والعمراني وكثرة القلاع والحصون بالبلاد، فكان عهد دولة الرسوليين من أفضل العصور التي مرت على اليمن بعد الإسلام، وهي من أطول الدول اليمنية عمراً طيلة تاريخ البلاد بعد الإسلام وبنو قلعة القاهرة بتعز وجامع ومدرسة المظفر ولعدد من ملوكهم مؤلفات في الطب والصناعة واللغة.
بنى الرسوليين قلعة القاهرة بتعز وجامع ومدرسة المظفر والمدرسة الأسدية والجبرتية والمعتبية والياقوتية والأشرفية وغيرها. وكان الهدف من ذلك تعزيز المذهب الشافعي، الذي لا يزال المذهب الغالب في اليمن. حيث كان ملوك بنو رسول رجالاً متعلمين أنفسهم فلم يكتفوا بإثراء المكتبات بالكتب بل لعدد من ملوكهم مؤلفات في الطب والفلك والزراعة، فتحولت تعز وزبيد أيام الرسوليين، إلى مراكز مهمة لدراسة المذهب الشافعي على مستوى العالم. عزز الرسوليون علاقات اليمن التجارية مع الهند والشرق الأقصى. فقد استفادوا كثيرا من التجارة العابرة للبحر الأحمر من عدن وزبيد. وشهدت عدن أحد أفضل عصورها خلال ملك الرسوليين. كما قاموا بتبني العديد من البرامج الزراعية لترويج زراعة النخيل، وخلال هذه الفترة أصبح البن سلعة رابحة لليمن. ويعتبر المؤرخون دولة بني رسول من أعظم الدول اليمانية منذ سقوط مملكة حِميَّر، ذلك لإنهم عكس الأيوبيين أو العثمانيين، فلم يكن وجودهم عسكرياً لتأمين مصالح خارجية لا علاقة لها بمصالح السكان، فقد اندمجوا في المجتمع اليمني، وأدعوا أصلا عربياً لتبرير ملكهم وتوحيد السكان خلفهم، ولكنهم بالتأكيد كانوا من الأوغوز.
www.otaibi.info
الدَّوْلَة الرَّسُوليِّة بَيْن مَكة وظِفَار (626 هـ - 858 هـ)
الدَّوْلَة الرَّسُوليِّة بَيْن مَكة وظِفَار (626 هـ - 858 هـ) منتدى الجزيرة العربية التاريخي
كانت علاقة الرسوليين مع مماليك مصر علاقة معقدة، إذ احتدم التنافس بينهم على الحجاز وأحقية كسوة الكعبة، بالإضافة لإصرار المماليك على إعتبار بني رسول تابعين لهم. استمرت دولة بني رسول لأكثر من مئتي سنة إلى أن دب فيها الضعف عام 827 هـ فأصبحت المملكة مهددة من قبل أفراد الأسرة الحاكمة، بسبب خلافاتهم حول مسألة الخلافة، بالإضافة للتمردات المتكررة من الأئمة الزيدية وأنصارهم، كان الرسوليون يحظون بدعم سكان تهامة وجنوب اليمن واضطر الرسوليون لشراء ولاء قبائل المرتفعات الشمالية بالأموال وعندما ضعفت الدولة، وجد الرسوليون أنفسهم عالقين في حرب إستنزاف فلم يكن الزيدية يوما ما سياسيين بارعين أو حكاما أقوياء، ولكنهم يعرفون جيدا كيف يستنزفون طاقات أعدائهم. ورغم جهود الرسوليين لتثبيت المذهب الشافعي في اليمن لمجابهة الزيدية والإسماعيلية، إلا أن من أسقط دولتهم لم يكونوا أعدائهم التقليديين بل سلالة شافعية محلية اسمها بنو طاهر، إذ استغل الطاهريون الخلافات بين الأسرة الرسولية الحاكمة ليسيطروا على عدن ولحج وبحلول عام 858 هـ أعلنوا أنفسهم الحكام الجدد لليمن.
تميز حكم بني رسول الطويل الأمد بكثير من الإنجازات المهمة في ميدان العلم والتجارة والزراعة والطب، فقد بنوا المدارس الكثيرة وأجزلوا العطاء للعلماء وكان كثير من ملوك بني رسول علماء وشعراء وأصحاب رأي ومؤلفي كتب في فروع المعرفة المختلفة، ولا تزال مدينة تعز إلى يومنا هذا تتزين بمنجزاتهم العمرانية كجامع المظفر وجامع الأشرفية ومدرسة الأشرفية وحصن تعز المسمى الآن قاهرة تعز، بالإضافة إلى آثار المدارس الفقهية، وفي زمانهم برز العلماء والشعراء في كل فن، وهو سر الإعجاب المتزايد بالدولة الرسولية. ولعل أبرز ما يشير إلى سطوع نجم الدولة الرسولية وتبوؤها مكاناً لائقاً بين أمم عصرها تلك الرسالة التي وجهها مسلمو الصين إلى الملك المظفر يشتكون من تعسف ملك الصين ومنعهم من ختان أولادهم كما يطلب منهم الدين الإسلامي، فمجرد توجيه هذه الرسالة إلى الملك المظفر تفيد أن مسلمي العالم كانوا يرون في الملك الرسولي خليفة للمسلمين يتوجهون إليه بالشكوى، وقد تصرف الملك المظفر بما يتفق ومكانته في نفوس مسلمي الصين، إذ بعث إلى ملك الصين برسالة يطلب فيها منه السماح لمسلمي الصين بممارسة واجب الختان لأبنائهم وبعث إليه بهدية تليق بمقامه، فرفع ملك الصين الحضر على ختان المسلمين لأبنائهم، وهو ما يشير إلى تقدير ملك الصين لمكانة الدولة الرسولية خاصة وأن ملوك الصين المعاصرين للدولة الرسولية قد عدوا أنفسهم سادة على العالمين وأن غيرهم من ملك أو سواه إنما هو عبدٌ لهم كما تبين رواية بهذا المعنى تصف مقابلة وفد بلاد الصين للملك الناصر الرسولي.
حكَّام الدولة الرسولية
1- المنصور عمر بن علي بن محمد هارون (الرسول) 626 – 647 هـ
2- المظفر يوسف بن المنصور عمر 647 – 694 هـ
3- الأشرف عمر بن المظفر يوسف 694 – 696 هـ
4- المؤيد داود بن المظفر يوسف 696 – 721 هـ
5- المجاهد علي بن المؤيد داود 721 – 764 هـ
6- الأفضل العباس بن المجاهد علي 764 – 778 هـ
7- الأشرف إسماعيل (الأول) بن الأفضل العباس 778 – 803 هـ
8- الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل (الأول) 803 – 827 هـ
9- المنصور عبد الله بن الناصر أحمد 827 – 830 هـ
10- الأشرف إسماعيل (الثاني) بن الناصر أحمد 830 – 831 هـ
11- الطاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل (الأول) 831 – 842 هـ
12- الأشرف إسماعيل (الثالث) بن الظاهر يحيى 850 – 858 هـ
13- المظفر يوسف بن عمر بن إسماعيل (الأول) 845 – 847 هـ
14- المسعود أبو القاسم بن إسماعيل (الثاني) 847 – 858 هـ
كانت الدولة الرسولية دولة عسكرية بحتة، لأن طبيعة الحكم الرسولي مبنية على المؤسسة العسكرية، وترتب على ذلك سيطرة القانون العسكري على الحياة الرسمية والعامة ، أمتلكت الدولة الرسولية جيشاً قوياً عملت على إعداده تربوياً وعسكرياً، وحرصت على تحديثه باستمرار من خلال متابعة واقتباس عمليات التحديث التي طرأت على الجيوش التي عاصرت الجيش الرسولي – وخاصةً الجيش المملوكي - ، واستدعاء الخبراء والمختصين في المجال العسكري . شكّـل الجيش عماد الدولة الرسولية وأساساً في بقائها على مسرح الوجود لأكثر من قرنين وربع القرن من الزمان؛ فلولا عناية سلاطين بني رسول بالجيش لما حققوا قوة اقتصادية وسياسية، ولا هيئت لهم الأسباب في قمع التمردات وإخماد الثورات .
اتخذت الدولة الرسولية من النهج العسكري أساساً في تعاملها مع القوى الأخرى، فلكي تبرهن على شرعية حكمها، وإظهار كفاءتها ومقدراتها اتخذت من توحيد اليمن، ومن التوسع العسكري، والسيطرة على الأماكن المقدسة هدفاً استراتيجياً لإثبات ذلك حيث امتدت سيطرة الدولة الرسولية في أوج قوتها العسكرية على رقعة كبيرة من الأرض، حيث امتدت حدودها الشرقية إلى عمان حالياً في الشرق وإلى السواحل الغربية للبحر الأحمر-الموازية لليمن غرباً مكة شمالاً وبحر العرب وخليج عدن جنوباً .
تميز حكم بني رسول الطويل الأمد بكثير من الإنجازات المهمة في ميدان العلم والتجارة والزراعة والطب، فقد بنوا المدارس الكثيرة وأجزلوا العطاء للعلماء وكان كثير من ملوك بني رسول علماء وشعراء وأصحاب رأي ومؤلفي كتب في فروع المعرفة المختلفة، ولا تزال مدينة تعز إلى يومنا هذا تتزين بمنجزاتهم العمرانية كجامع المظفر وجامع الأشرفية ومدرسة الأشرفية وحصن تعز المسمى الآن قاهرة تعز، بالإضافة إلى آثار المدارس الفقهية، وفي زمانهم برز العلماء والشعراء في كل فن، وهو سر الإعجاب المتزايد بالدولة الرسولية. ولعل أبرز ما يشير إلى سطوع نجم الدولة الرسولية وتبوؤها مكاناً لائقاً بين أمم عصرها تلك الرسالة التي وجهها مسلمو الصين إلى الملك المظفر يشتكون من تعسف ملك الصين ومنعهم من ختان أولادهم كما يطلب منهم الدين الإسلامي، فمجرد توجيه هذه الرسالة إلى الملك المظفر تفيد أن مسلمي العالم كانوا يرون في الملك الرسولي خليفة للمسلمين يتوجهون إليه بالشكوى، وقد تصرف الملك المظفر بما يتفق ومكانته في نفوس مسلمي الصين، إذ بعث إلى ملك الصين برسالة يطلب فيها منه السماح لمسلمي الصين بممارسة واجب الختان لأبنائهم وبعث إليه بهدية تليق بمقامه، فرفع ملك الصين الحضر على ختان المسلمين لأبنائهم، وهو ما يشير إلى تقدير ملك الصين لمكانة الدولة الرسولية خاصة وأن ملوك الصين المعاصرين للدولة الرسولية قد عدوا أنفسهم سادة على العالمين وأن غيرهم من ملك أو سواه إنما هو عبدٌ لهم كما تبين رواية بهذا المعنى تصف مقابلة وفد بلاد الصين للملك الناصر الرسولي.
حكَّام الدولة الرسولية
1- المنصور عمر بن علي بن محمد هارون (الرسول) 626 – 647 هـ
2- المظفر يوسف بن المنصور عمر 647 – 694 هـ
3- الأشرف عمر بن المظفر يوسف 694 – 696 هـ
4- المؤيد داود بن المظفر يوسف 696 – 721 هـ
5- المجاهد علي بن المؤيد داود 721 – 764 هـ
6- الأفضل العباس بن المجاهد علي 764 – 778 هـ
7- الأشرف إسماعيل (الأول) بن الأفضل العباس 778 – 803 هـ
8- الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل (الأول) 803 – 827 هـ
9- المنصور عبد الله بن الناصر أحمد 827 – 830 هـ
10- الأشرف إسماعيل (الثاني) بن الناصر أحمد 830 – 831 هـ
11- الطاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل (الأول) 831 – 842 هـ
12- الأشرف إسماعيل (الثالث) بن الظاهر يحيى 850 – 858 هـ
13- المظفر يوسف بن عمر بن إسماعيل (الأول) 845 – 847 هـ
14- المسعود أبو القاسم بن إسماعيل (الثاني) 847 – 858 هـ
كانت الدولة الرسولية دولة عسكرية بحتة، لأن طبيعة الحكم الرسولي مبنية على المؤسسة العسكرية، وترتب على ذلك سيطرة القانون العسكري على الحياة الرسمية والعامة ، أمتلكت الدولة الرسولية جيشاً قوياً عملت على إعداده تربوياً وعسكرياً، وحرصت على تحديثه باستمرار من خلال متابعة واقتباس عمليات التحديث التي طرأت على الجيوش التي عاصرت الجيش الرسولي – وخاصةً الجيش المملوكي - ، واستدعاء الخبراء والمختصين في المجال العسكري . شكّـل الجيش عماد الدولة الرسولية وأساساً في بقائها على مسرح الوجود لأكثر من قرنين وربع القرن من الزمان؛ فلولا عناية سلاطين بني رسول بالجيش لما حققوا قوة اقتصادية وسياسية، ولا هيئت لهم الأسباب في قمع التمردات وإخماد الثورات .
اتخذت الدولة الرسولية من النهج العسكري أساساً في تعاملها مع القوى الأخرى، فلكي تبرهن على شرعية حكمها، وإظهار كفاءتها ومقدراتها اتخذت من توحيد اليمن، ومن التوسع العسكري، والسيطرة على الأماكن المقدسة هدفاً استراتيجياً لإثبات ذلك حيث امتدت سيطرة الدولة الرسولية في أوج قوتها العسكرية على رقعة كبيرة من الأرض، حيث امتدت حدودها الشرقية إلى عمان حالياً في الشرق وإلى السواحل الغربية للبحر الأحمر-الموازية لليمن غرباً مكة شمالاً وبحر العرب وخليج عدن جنوباً .
كان أن اهتمام الرسوليين بالجيش هو نتيجة إدراكهم بأنه الوسيلة والأداة التي يمكن من خلالها بسط النفوذ والسيطرة، واعتبرته أيضاً المنفذ الوحيد الذي تستطيع من خلاله بث معتقداتها ومبادئها، والحصول كذلك على مكاسب سياسية واقتصادية تساعد في ديمومة حكمها .
التاريخ ليس رفاهية، أو حكاية مسلية يرويها جد لأحفاده.
التاريخ: مرآة صنعها الأمس ليرى فيها اليوم وجهه غدا!
كي نعرف: إلى أين نحن ذاهبون؟
علينا أن نعرف: من أين أتينا؟
أقرأ التاريخ، لترى المستقبل!
🔘 اليمن_تاريخ_وثقافة
#تاريخ_اليمن
#آثار_اليمن
#فنون_وأدب_اليمن
#صور_يمنية
🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪
🔘 t.me/taye5
التاريخ: مرآة صنعها الأمس ليرى فيها اليوم وجهه غدا!
كي نعرف: إلى أين نحن ذاهبون؟
علينا أن نعرف: من أين أتينا؟
أقرأ التاريخ، لترى المستقبل!
🔘 اليمن_تاريخ_وثقافة
#تاريخ_اليمن
#آثار_اليمن
#فنون_وأدب_اليمن
#صور_يمنية
🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪
🔘 t.me/taye5
Telegram
اليمن_تاريخ_وثقافة
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
@mao777 للتواصل