والعودة خمس في خمس, ولكن الله ستر! حتى ثورة الشباب التي تحولت إلى ثورة شعب, لم تسلم من جشع الجراد ونقيق الضفادع الخضراء والصفراء السامّة والقاتلة!
لكن انتكاس الثورات يحدث في معظم دول العالم.. حتى الثورة الفرنسية أصبحت مُلكا عضوضا بعد قيامها بفترة وعلى يد نابليون! قبل أن تستأنف مسيرتها الباهرة القاهرة!
* * *
ثمَّة وجوهٌ سبتمبرية رائعةٌ لا تُنسى, تنضح بالشجاعة والثقافة والنقاء,..
إشراقة علي عبدالمغني, وأحزان عبدالله اللقية, وشجاعة صالح الرحبي, وإطلالة علي بن علي الرويشان, وحكمة أحمد ناصر القردعي, وأستاذيّة أحمد المروني, وعِلْم وخِبرة عبدالرحمن الإرياني, وحنكة القاضي عبدالسلام صبرة, والثنائي النادر القاضي الزبيري والأستاذ النعمان.. أرواحٌ عظيمةٌ معظمها غادر الحياة قبل الأوان.. وقبل أن تكتمل سنتان من عمر الثورة! لكنني أزعم أنني رأيت هؤلاء الأبطال في وجوه شباب ثورة ربيع اليمن 2011,.. رأيتهم عيانا, وخبرتهم تجربةً وثقافة, وتيقّنتُ أن التاريخ ينسابُ من بين أصابعهم المجرّحة النازفة, وأنّ ثورةً تلدُ أخرى, وهكذا كل ثورات العالم,.. لا أحد في عالمنا يتنكّر لدماءٍ سالت من أجل التغيير, فما يزال الفرنسيون يحتفلون بثورتهم والعالم معهم بعد عقودٍ ومئات من السنين,.. صحيحٌ أنها جمهوريات فرنسية خمس متتالية عبر زمن طويل, ورغم ذلك, ما تزال الثورة الفرنسية أمّ الثورات لدى الفرنسيين وفي العالم كلّه, ..
كذلك ما يزال الشعب الأمريكي وبعد مئات من السنين أيضا يحتفل بثورته كل عام, رغم حروب الوحدة بين الشمال والجنوب في القرن التاسع عشر, وعبر طريقٍ طويل ومضنٍ صوب التقدم والتغيير, وكرامة الإنسان ورفاهيته,.. وصولا إلى التغيير النوعي ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بأن يحكم البيت الأبيض رجلٌ أسود! وأن يدير الامبراطورية الكبرى رجلٌ ملوّنٌ قَدِم والده المباشر من كينيا الإفريقية! وما كان لذلك أن يحدث قبل عشرين سنةٍ فقط! لكنه الشعب الأمريكي الذي تفوّق في هذا المنحى حتى على الشعوب الأوروبية.
العالم يتغيّر, لكنه يظل يدور حول الشمس! وليس ثمّة من شمسٍ في تاريخنا المعاصر أكثر تأثيرا وتغييرا من شمس ثورة سبتمبر 1962, باعتبارها طاقةً هائلة للتغيير والتغيّر, وبوابةً عَبَرَتْ بلادٌ عبْرها إلى فضاءٍ جديد, وعالمٍ يتجدد, مهما بدا بؤسُ اللحظة خانقا.. ويأس البُرْهة قاتلا .. التاريخ يقول ذلك,.. والساحات الثائرة ما تزال فوّارةً بالأمل, موّارةً بالتغيير.
أخيراً.. ماذا يبقى من ثورة سبتمبر؟
يبقى أنها كانت البداية الأقوى في العصر الحديث للحلم بوطن جديد, والأهم أنها زرعت في الوجدان الجمعي اليمني إمكانية تحقيق هذا الحلم رغم قطّاع الطرق وقاتلي الأحلام..
ويبقى أنها ستظلّ الفوّهة الأمّ لبركان التغيير,.. وحتى هذه اللحظة فإن كل كرات النار التي تدحرجت عبر العقود الماضية, وما تزال, لم تكن إلّا من تلك الفوّهة المضيئة في تلك السنة, في ذلك الشهر, في ذلك اليوم.. في تلك الساعة
لكن انتكاس الثورات يحدث في معظم دول العالم.. حتى الثورة الفرنسية أصبحت مُلكا عضوضا بعد قيامها بفترة وعلى يد نابليون! قبل أن تستأنف مسيرتها الباهرة القاهرة!
* * *
ثمَّة وجوهٌ سبتمبرية رائعةٌ لا تُنسى, تنضح بالشجاعة والثقافة والنقاء,..
إشراقة علي عبدالمغني, وأحزان عبدالله اللقية, وشجاعة صالح الرحبي, وإطلالة علي بن علي الرويشان, وحكمة أحمد ناصر القردعي, وأستاذيّة أحمد المروني, وعِلْم وخِبرة عبدالرحمن الإرياني, وحنكة القاضي عبدالسلام صبرة, والثنائي النادر القاضي الزبيري والأستاذ النعمان.. أرواحٌ عظيمةٌ معظمها غادر الحياة قبل الأوان.. وقبل أن تكتمل سنتان من عمر الثورة! لكنني أزعم أنني رأيت هؤلاء الأبطال في وجوه شباب ثورة ربيع اليمن 2011,.. رأيتهم عيانا, وخبرتهم تجربةً وثقافة, وتيقّنتُ أن التاريخ ينسابُ من بين أصابعهم المجرّحة النازفة, وأنّ ثورةً تلدُ أخرى, وهكذا كل ثورات العالم,.. لا أحد في عالمنا يتنكّر لدماءٍ سالت من أجل التغيير, فما يزال الفرنسيون يحتفلون بثورتهم والعالم معهم بعد عقودٍ ومئات من السنين,.. صحيحٌ أنها جمهوريات فرنسية خمس متتالية عبر زمن طويل, ورغم ذلك, ما تزال الثورة الفرنسية أمّ الثورات لدى الفرنسيين وفي العالم كلّه, ..
كذلك ما يزال الشعب الأمريكي وبعد مئات من السنين أيضا يحتفل بثورته كل عام, رغم حروب الوحدة بين الشمال والجنوب في القرن التاسع عشر, وعبر طريقٍ طويل ومضنٍ صوب التقدم والتغيير, وكرامة الإنسان ورفاهيته,.. وصولا إلى التغيير النوعي ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بأن يحكم البيت الأبيض رجلٌ أسود! وأن يدير الامبراطورية الكبرى رجلٌ ملوّنٌ قَدِم والده المباشر من كينيا الإفريقية! وما كان لذلك أن يحدث قبل عشرين سنةٍ فقط! لكنه الشعب الأمريكي الذي تفوّق في هذا المنحى حتى على الشعوب الأوروبية.
العالم يتغيّر, لكنه يظل يدور حول الشمس! وليس ثمّة من شمسٍ في تاريخنا المعاصر أكثر تأثيرا وتغييرا من شمس ثورة سبتمبر 1962, باعتبارها طاقةً هائلة للتغيير والتغيّر, وبوابةً عَبَرَتْ بلادٌ عبْرها إلى فضاءٍ جديد, وعالمٍ يتجدد, مهما بدا بؤسُ اللحظة خانقا.. ويأس البُرْهة قاتلا .. التاريخ يقول ذلك,.. والساحات الثائرة ما تزال فوّارةً بالأمل, موّارةً بالتغيير.
أخيراً.. ماذا يبقى من ثورة سبتمبر؟
يبقى أنها كانت البداية الأقوى في العصر الحديث للحلم بوطن جديد, والأهم أنها زرعت في الوجدان الجمعي اليمني إمكانية تحقيق هذا الحلم رغم قطّاع الطرق وقاتلي الأحلام..
ويبقى أنها ستظلّ الفوّهة الأمّ لبركان التغيير,.. وحتى هذه اللحظة فإن كل كرات النار التي تدحرجت عبر العقود الماضية, وما تزال, لم تكن إلّا من تلك الفوّهة المضيئة في تلك السنة, في ذلك الشهر, في ذلك اليوم.. في تلك الساعة
علينا أن نتذكر دائما أن ثلثي هذه الخمسين كان مخطوفا مختطفا! أو لعلّه كذلك! والتاريخ كما الأشخاص, له وعليه, فمثلا لا يمكن أن نحسب الفتنة الكبرى في صدر الدولة الإسلامية على الإسلام! أو مقتل الخليفة عثمان على الصحابة!
وكذلك سبتمبر النقيّ البهيّ بثوّاره الشباب, والأحداث التي توالت, والعهود التي تتالت! وصولا إلى اختطاف ثروات البلاد ومقدّراتها.. وجعْلِها رهينةً لدى أيّة قوّة عالمية يمكن أن تدفع أو تحمي فقط كي يبقى كرسي الحكم! رغم أن الكرسي أصبح على قدمٍ واحدة!
* * *
لا يمكن القول أن اللحظة البائسة التي نعيشها الآن هي من بنات أفكار سبتمبر! وكما أن لكل ثورةٍ أبطالها, فلها أيضا سارقوها ومدّعوها بل وخائنوها وبائعوها!
رغم ذلك فإننا يجب ألّا ننسى أن الجزيرة العربية برمّتها تغيّرت _وليس اليمن فحسب_ بفعل اندلاع ثورة سبتمبر اليمنية, فأوّلُ الغيث كان استقلال جنوب الوطن, تلا ذلك "موجات التغيير" في السعودية ودول الخليج الأخرى, وقد أكد ذلك الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود في مذكراته وذكرياته عن ستينيات القرن العشرين وتأثير الثورة اليمنية, قالها تصريحا لا تلميحا عن التنمية والتعليم والتغيير بسبب ثورة اليمن, والدور المصري المؤثر والفاعل, والموحي, حتى أنّ مجموعةً من أمراء الأسرة المالكة أعلنت إنشقاقها تحت اسم "الأمراء الأحرار" !! وكان على رأس هذه المجموعة الثائرة الأمير طلال بن عبدالعزيز, وإثر ذلك أُطيح بالملك سعود الذي وصل صنعاء وأعلن تمرده! وخَلَفَهُ بعد ذلك الملك فيصل بن عبدالعزيز الأكثر حنكةً وذكاء.
ولأنّ التاريخ يعيد نفسه أحيانا للتأكيد, ولو بصورةٍ مختلفة, فإن ثورة ربيع اليمن 2011 المتّقدة بشبابها وطموحها نحو التغيير هزّت الجزيرة العربية مرةً أخرى! فإذا بالإخوة في الخليج جميعه يعيدون حساباتهم في طرائق الحكم والشورى والانتخابات وحتى أنه تم اعتماد مرتّب شهري لكل مواطن عاطل عن العمل!.. وهكذا الدنيا,.. اللهب هنا والضوء هناك! حريق الدم هنا, والتغيير على مهل ورويّة هناك!
* * *
نحن ننسى أحيانا أهميّة التراكم في الصيرورة التاريخية للقضايا والأحداث,ومسارات التحول, وننسى بقصدٍ أحيانا _ولكلٍ أسبابه في النسيان!_ أجمل وأروع إنجازاتنا كشعب, وأيامنا كأعمار, .. البعض ينسى قاصدا لمجرّد أنه لم يكن هناك! فهو يعتقد أن التاريخ لا يبدأ إلا من تحت أخمص قدمه! دون تقدير لتضحيات الملايين, عبر أجيال من البشر, وجبالٍ من الآلام والأحلام والأحزان, والصبر والمصابرة والانتظار في سبيل التغيير والتنوير, والمستقبل الأفضل والأجمل.
خُذْ مثلا ما هو حادثٌ في مصر الآن,.. أنا أزعم أن ثورة 25 يناير 2011 تناسلت من ثورة 23 يوليو 1952, فلولا جمهورية جمال عبدالناصر ابن الرجل البسيط ساعي البريد, لَمَا وصَلَت إلى محمد مرسي العياط الفلاح المنتخب من الشعب عبر دستور 23 يوليو الجمهوري! وأظن أن على مرسي أن يتذكر ذلك دائما! لكن ذلك لن يمنعنا من القول أن الكثير من رؤساء الجمهوريات الذين وصلوا إلى السلطة في العالم العربي خلال نصف قرن مضى خيبوا ظن شعوبهم, رغم جذورهم الشعبية الفقيرة, فمعظمهم تجبّر وتكبّر, وقَتَل ونَهَب,
وبالنسبة لليمن فإننا ننسى كالعادة أن القاضي عبدالرحمن الإرياني كان أول رئيس جمهورية في العالم الثالث كله ترك السلطة راضيا نظيفا نقيا من القتل والنهب! ولكن كالعادة لم يلتفت كثيرون لمبادرته, ولم ينصفه أحد بعد أن تم تغليب الهوى الحزبي على الحق والعدل!
في اليمن أيضا كما مصر, ما كان لثورة 14 اكتوبر 1963 أن تحدث دون أن يسبقها بركان 26 سبتمبر 1962, والتي سبقتها ثورة 1948 النخبوية, وما كان للوحدة في 1990 أن تحدث دون أن يسبقها قيام نظام جمهوري في كلا الشطرين..
وما كان لثورة ربيع اليمن 2011 أن تُعْلِنَ شعار الدولة المدنية الحديثة دون أن تسبقها كل عذابات وأحلام التغيير والاستقلال والتعددية السياسية ومخرجات الجامعات خلال خمسين عاما!
وهكذا.. ثورةٌ تَلِدُ أخرى!
أو ثورةٌ حبلى بأخرى!
وفي الواقع, أن اليمن كان يحتاج لألف ثورة وليس لثورةٍ واحدة! فميراث التخلف والجهل كان مطبقا على كل شيء,.. كل شيء!
ولذلك فإنه كان من السهل استغفال الشعب في أوّل فرصةٍ لرئيس يحاول أن يصبح ملكا عبر ثلث قرن من الاستمرار في الحكم! ودون أن يدري فقد أصبح ملكا بالفعل كي تنتكس الأحلام والأعلام!
فإذا صحّ أن الثورات تأكل أبناءها في كل الدنيا, فإن اليمنيين هم الذين يأكلون الثورات حيّةً طريّة! اليمنيون يأكلون كل شيء.. الثورات والثيران وحتى الجراد!
ولم يكن ذلك ذنب ثورة سبتمبر, فأبطالها الحقيقيون غاب معظمهم عن مجريات الأحداث خلال الثلاثين سنةٍ الماضية, بعد أن أصبح النهب ثقافةً سائدة, وهو ما لن تبرأ منه البلاد إلّا بعناء! وبعد حين! بعد أن تم مسخ كل شعار , واستهلاك كل قيمة ومعنى!
فمثلا, النظام الجمهوري تحول إلى التوريث الجمهوري, وحلم الوحدة أصبح كابوس الوحدة, والدستور أصبح مجرّد طبخة, لخمس سنوات في خمس أو سبع في سبع,
وكذلك سبتمبر النقيّ البهيّ بثوّاره الشباب, والأحداث التي توالت, والعهود التي تتالت! وصولا إلى اختطاف ثروات البلاد ومقدّراتها.. وجعْلِها رهينةً لدى أيّة قوّة عالمية يمكن أن تدفع أو تحمي فقط كي يبقى كرسي الحكم! رغم أن الكرسي أصبح على قدمٍ واحدة!
* * *
لا يمكن القول أن اللحظة البائسة التي نعيشها الآن هي من بنات أفكار سبتمبر! وكما أن لكل ثورةٍ أبطالها, فلها أيضا سارقوها ومدّعوها بل وخائنوها وبائعوها!
رغم ذلك فإننا يجب ألّا ننسى أن الجزيرة العربية برمّتها تغيّرت _وليس اليمن فحسب_ بفعل اندلاع ثورة سبتمبر اليمنية, فأوّلُ الغيث كان استقلال جنوب الوطن, تلا ذلك "موجات التغيير" في السعودية ودول الخليج الأخرى, وقد أكد ذلك الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود في مذكراته وذكرياته عن ستينيات القرن العشرين وتأثير الثورة اليمنية, قالها تصريحا لا تلميحا عن التنمية والتعليم والتغيير بسبب ثورة اليمن, والدور المصري المؤثر والفاعل, والموحي, حتى أنّ مجموعةً من أمراء الأسرة المالكة أعلنت إنشقاقها تحت اسم "الأمراء الأحرار" !! وكان على رأس هذه المجموعة الثائرة الأمير طلال بن عبدالعزيز, وإثر ذلك أُطيح بالملك سعود الذي وصل صنعاء وأعلن تمرده! وخَلَفَهُ بعد ذلك الملك فيصل بن عبدالعزيز الأكثر حنكةً وذكاء.
ولأنّ التاريخ يعيد نفسه أحيانا للتأكيد, ولو بصورةٍ مختلفة, فإن ثورة ربيع اليمن 2011 المتّقدة بشبابها وطموحها نحو التغيير هزّت الجزيرة العربية مرةً أخرى! فإذا بالإخوة في الخليج جميعه يعيدون حساباتهم في طرائق الحكم والشورى والانتخابات وحتى أنه تم اعتماد مرتّب شهري لكل مواطن عاطل عن العمل!.. وهكذا الدنيا,.. اللهب هنا والضوء هناك! حريق الدم هنا, والتغيير على مهل ورويّة هناك!
* * *
نحن ننسى أحيانا أهميّة التراكم في الصيرورة التاريخية للقضايا والأحداث,ومسارات التحول, وننسى بقصدٍ أحيانا _ولكلٍ أسبابه في النسيان!_ أجمل وأروع إنجازاتنا كشعب, وأيامنا كأعمار, .. البعض ينسى قاصدا لمجرّد أنه لم يكن هناك! فهو يعتقد أن التاريخ لا يبدأ إلا من تحت أخمص قدمه! دون تقدير لتضحيات الملايين, عبر أجيال من البشر, وجبالٍ من الآلام والأحلام والأحزان, والصبر والمصابرة والانتظار في سبيل التغيير والتنوير, والمستقبل الأفضل والأجمل.
خُذْ مثلا ما هو حادثٌ في مصر الآن,.. أنا أزعم أن ثورة 25 يناير 2011 تناسلت من ثورة 23 يوليو 1952, فلولا جمهورية جمال عبدالناصر ابن الرجل البسيط ساعي البريد, لَمَا وصَلَت إلى محمد مرسي العياط الفلاح المنتخب من الشعب عبر دستور 23 يوليو الجمهوري! وأظن أن على مرسي أن يتذكر ذلك دائما! لكن ذلك لن يمنعنا من القول أن الكثير من رؤساء الجمهوريات الذين وصلوا إلى السلطة في العالم العربي خلال نصف قرن مضى خيبوا ظن شعوبهم, رغم جذورهم الشعبية الفقيرة, فمعظمهم تجبّر وتكبّر, وقَتَل ونَهَب,
وبالنسبة لليمن فإننا ننسى كالعادة أن القاضي عبدالرحمن الإرياني كان أول رئيس جمهورية في العالم الثالث كله ترك السلطة راضيا نظيفا نقيا من القتل والنهب! ولكن كالعادة لم يلتفت كثيرون لمبادرته, ولم ينصفه أحد بعد أن تم تغليب الهوى الحزبي على الحق والعدل!
في اليمن أيضا كما مصر, ما كان لثورة 14 اكتوبر 1963 أن تحدث دون أن يسبقها بركان 26 سبتمبر 1962, والتي سبقتها ثورة 1948 النخبوية, وما كان للوحدة في 1990 أن تحدث دون أن يسبقها قيام نظام جمهوري في كلا الشطرين..
وما كان لثورة ربيع اليمن 2011 أن تُعْلِنَ شعار الدولة المدنية الحديثة دون أن تسبقها كل عذابات وأحلام التغيير والاستقلال والتعددية السياسية ومخرجات الجامعات خلال خمسين عاما!
وهكذا.. ثورةٌ تَلِدُ أخرى!
أو ثورةٌ حبلى بأخرى!
وفي الواقع, أن اليمن كان يحتاج لألف ثورة وليس لثورةٍ واحدة! فميراث التخلف والجهل كان مطبقا على كل شيء,.. كل شيء!
ولذلك فإنه كان من السهل استغفال الشعب في أوّل فرصةٍ لرئيس يحاول أن يصبح ملكا عبر ثلث قرن من الاستمرار في الحكم! ودون أن يدري فقد أصبح ملكا بالفعل كي تنتكس الأحلام والأعلام!
فإذا صحّ أن الثورات تأكل أبناءها في كل الدنيا, فإن اليمنيين هم الذين يأكلون الثورات حيّةً طريّة! اليمنيون يأكلون كل شيء.. الثورات والثيران وحتى الجراد!
ولم يكن ذلك ذنب ثورة سبتمبر, فأبطالها الحقيقيون غاب معظمهم عن مجريات الأحداث خلال الثلاثين سنةٍ الماضية, بعد أن أصبح النهب ثقافةً سائدة, وهو ما لن تبرأ منه البلاد إلّا بعناء! وبعد حين! بعد أن تم مسخ كل شعار , واستهلاك كل قيمة ومعنى!
فمثلا, النظام الجمهوري تحول إلى التوريث الجمهوري, وحلم الوحدة أصبح كابوس الوحدة, والدستور أصبح مجرّد طبخة, لخمس سنوات في خمس أو سبع في سبع,
#ثورة_سبتمر_المجيدة
من #صنعاء الى #ردفان
[ كان هناك تكامل بين الشطرين في ثورة أكتوبر ]
تعد ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م واحدة من أهم الثورات العربية الناجحة والتي غيرت بقيامها مجرى الأحداث وانتصرت للحرية والكرامة بعد سنوات من النضال الثوري المسلح ضد الاستعمار البريطاني قدم فيها اليمنيون أرواحهم ودماءهم وأموالهم في سبيل تحرير البلاد والتي رزحت تحت نار المستعمر لأكثر من 130 عاماً تعرضوا فيها لشتى صنوف القهر والإذلال والاستنزاف والعبودية.
والحديث عن هذه الثورة المباركة يثير الكثير من الحماس والفخر حولها فهي لم تأت بمحض الصدفة أو ولدتها عوامل مؤقتة، إنما جاءت حصاد سنوات من النضال المتواصل في مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والإجتماعية والثقافية من مختلف تيارات المجتمع القومية والإسلامية والقبلية ومن كل اليمنيين في الشمال والجنوب، وقد أكدت هذا الثورة بقيامها واحدية الثورة اليمنية ووحدوية اليمنيين عبر التاريخ وهي حقائق لا تقبل الشك أو الجدال مهما حاول البعض ممن لم يعيشوا عصر الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر والأحداث التي رافقتهما أن يزرعوه في نفوس الأجيال من عوامل التشطير وإثارة العنصرية والمناطقية المقيتة.
لقد تفجرت ثورة الرابع عشر من أكتوبر في جبال ردفان الشامخة وذلك بعد نضجها ثورياً وعسكرياً في الشطر الشمالي من اليمن خاصة في صنعاء وتعز وإب والحديدة حيث مثلت هذه المحافظات ملاذاً آمناً للثوار استطاعوا خلالها أن يرسموا مخططاتهم الثورية بدقة بمساعدة رفقائهم من عناصر المد الثوري في الشمال وذلك بعد أن قاتل الجميع في دعم الثورة السبتمبرية والتي كان لها الدور الأساسي في تفجير ثورة الرابع عشر من أكتوبر.
ولادة الثورة
وقد ساعد نجاح ثورة سبتمبر في تسريع الخطى نحو استقلال الجنوب، فبعد أن استضافت عدن لعقود الأحرار المناهضين للحكم الإمامي مثلت ثورة سبتمبر الحاضن الكبير لانطلاق ثورة أكتوبر. يقول علي أحمد السلامي والذي يعد واحداً ممن شكلوا فرع حركة القوميين العرب في أكتوبر عام 1959م في عدن بمعية الشهيد المقدم فيصل عبداللطيف الشعبي وسيف أحمد الضالعي وطه أحمد مقبل وسلطان أحمد عمر وهذا الأخير هو الذي تكفل بقيادة تنظيم الحركة في الشمال: "إن ثورة 26 سبتمبر 1962م خلقت في عدن وفي كل مناطق الجنوب ظرفاً هيأ ومهد وأوجد مناخاً ممتازاً لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة ولذلك هب الشعب كله في مقاومة الاحتلال البريطاني بدعم وتأييد من ثوار سبتمبر العظيم".
ظل الثوار في عدن وبقية المحافظات الجنوبية في صراع دائم مع الاستعمار البريطاني غير أن بداية الثورة الحقيقية كانت عندما لوحت حركة القوميين العرب في اليمن بتبني فكرة الكفاح المسلح ضد الاستعمار وعملائه في المنطقة وهي الفكرة التي قربها قادة الحركة إلى أذهان الرئيس السلال والقيادة العربية في اليمن.
ومن المهم هنا التأكيد على أن كثيرا من قيادة الحركة في عدن تبوؤوا مناصب رسمية رفيعة في الشمال فقد عين قحطان الشعبي مستشاراً لرئيس الجمهورية العربية اليمنية عقب ثورة سبتمبر لشؤون الجنوب وشارك في تشكيل أول حكومتين متتاليتين بعد الثورة، كما عين عبدالحافظ قائد وكيلاً لوزارة الإعلام وعبدالقادر سعيد مديراً لمكتب الثقافة والإعلام في تعز وسالم زين محمد رئيساً لتحرير صحيفة الجمهورية إلى جانب الانتشار الواسع لكوادر الحركة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.
وبعد قيام ثورة سبتمبر قامت الحركة بأول مبادرة عملية من خلال فرع الحركة في الشمال حيث كثفت الحركة من نشاطها الإعلامي والتنظيمي في أوساط أبناء الجنوب المشاركين في الحرس الوطني والحرس الشعبي في الشمال للدفاع عن ثورة سبتمبر وفي أوساط اليمنيين الذين كانوا يتوافدون تباعاً من تعز وصنعاء وإب، والذين التحقوا بالجمعية التي بدأت تتشكل بعلم القيادي الأول للحركة فيصل عبداللطيف الذين كان أقدم عضو فيها منذ كان طالباً في القاهرة.
وقد هيأ إنشاء مكتب لشؤون الجنوب برئاسة المناضل قحطان الشعبي الأجواء للتسريع بقيام الحركة حيث تلاحقت الاجتماعات والاتصالات وكان من أهم تلك الاجتماعات التي عقدت في صنعاء الاجتماع العام الموسع الذي عقد في دار السعادة في 24 فبراير 1963م والذي حضره الكثير من العناصر القيادية وخرج الاجتماع بعد نقاشات مطولة بالاتفاق على تأسيس جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل" على أن يكون شكل نضالها هو انتهاج أسلوب النضال المسلح حتى التحرير وأكد هذا القرار مرة أخرى في اجتماع أخر في أغسطس 1963م حين انضمت قوى أخرى للجبهة كالناصريين والبعثيين وغيرهم علماً بأن اجتماع فبراير تم الإعداد والتحضير له بالاتصالات المستمرة التي كانت تجريها قيادة الحركة مع الرئيس السلال وبعض القياديين الجمهوريين ورموز القيادة المصرية.
ولحقت بهذه الخطوة العديد من الخطوات العملية تمثلت بتقديم الدعم والتدريب الإعلامي والدعم المادي للمتفرغين للمهام النضالية في إطار القيادات وأعضاء جيش التحرير وقطاع الفدائيين
من #صنعاء الى #ردفان
[ كان هناك تكامل بين الشطرين في ثورة أكتوبر ]
تعد ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م واحدة من أهم الثورات العربية الناجحة والتي غيرت بقيامها مجرى الأحداث وانتصرت للحرية والكرامة بعد سنوات من النضال الثوري المسلح ضد الاستعمار البريطاني قدم فيها اليمنيون أرواحهم ودماءهم وأموالهم في سبيل تحرير البلاد والتي رزحت تحت نار المستعمر لأكثر من 130 عاماً تعرضوا فيها لشتى صنوف القهر والإذلال والاستنزاف والعبودية.
والحديث عن هذه الثورة المباركة يثير الكثير من الحماس والفخر حولها فهي لم تأت بمحض الصدفة أو ولدتها عوامل مؤقتة، إنما جاءت حصاد سنوات من النضال المتواصل في مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والإجتماعية والثقافية من مختلف تيارات المجتمع القومية والإسلامية والقبلية ومن كل اليمنيين في الشمال والجنوب، وقد أكدت هذا الثورة بقيامها واحدية الثورة اليمنية ووحدوية اليمنيين عبر التاريخ وهي حقائق لا تقبل الشك أو الجدال مهما حاول البعض ممن لم يعيشوا عصر الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر والأحداث التي رافقتهما أن يزرعوه في نفوس الأجيال من عوامل التشطير وإثارة العنصرية والمناطقية المقيتة.
لقد تفجرت ثورة الرابع عشر من أكتوبر في جبال ردفان الشامخة وذلك بعد نضجها ثورياً وعسكرياً في الشطر الشمالي من اليمن خاصة في صنعاء وتعز وإب والحديدة حيث مثلت هذه المحافظات ملاذاً آمناً للثوار استطاعوا خلالها أن يرسموا مخططاتهم الثورية بدقة بمساعدة رفقائهم من عناصر المد الثوري في الشمال وذلك بعد أن قاتل الجميع في دعم الثورة السبتمبرية والتي كان لها الدور الأساسي في تفجير ثورة الرابع عشر من أكتوبر.
ولادة الثورة
وقد ساعد نجاح ثورة سبتمبر في تسريع الخطى نحو استقلال الجنوب، فبعد أن استضافت عدن لعقود الأحرار المناهضين للحكم الإمامي مثلت ثورة سبتمبر الحاضن الكبير لانطلاق ثورة أكتوبر. يقول علي أحمد السلامي والذي يعد واحداً ممن شكلوا فرع حركة القوميين العرب في أكتوبر عام 1959م في عدن بمعية الشهيد المقدم فيصل عبداللطيف الشعبي وسيف أحمد الضالعي وطه أحمد مقبل وسلطان أحمد عمر وهذا الأخير هو الذي تكفل بقيادة تنظيم الحركة في الشمال: "إن ثورة 26 سبتمبر 1962م خلقت في عدن وفي كل مناطق الجنوب ظرفاً هيأ ومهد وأوجد مناخاً ممتازاً لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة ولذلك هب الشعب كله في مقاومة الاحتلال البريطاني بدعم وتأييد من ثوار سبتمبر العظيم".
ظل الثوار في عدن وبقية المحافظات الجنوبية في صراع دائم مع الاستعمار البريطاني غير أن بداية الثورة الحقيقية كانت عندما لوحت حركة القوميين العرب في اليمن بتبني فكرة الكفاح المسلح ضد الاستعمار وعملائه في المنطقة وهي الفكرة التي قربها قادة الحركة إلى أذهان الرئيس السلال والقيادة العربية في اليمن.
ومن المهم هنا التأكيد على أن كثيرا من قيادة الحركة في عدن تبوؤوا مناصب رسمية رفيعة في الشمال فقد عين قحطان الشعبي مستشاراً لرئيس الجمهورية العربية اليمنية عقب ثورة سبتمبر لشؤون الجنوب وشارك في تشكيل أول حكومتين متتاليتين بعد الثورة، كما عين عبدالحافظ قائد وكيلاً لوزارة الإعلام وعبدالقادر سعيد مديراً لمكتب الثقافة والإعلام في تعز وسالم زين محمد رئيساً لتحرير صحيفة الجمهورية إلى جانب الانتشار الواسع لكوادر الحركة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.
وبعد قيام ثورة سبتمبر قامت الحركة بأول مبادرة عملية من خلال فرع الحركة في الشمال حيث كثفت الحركة من نشاطها الإعلامي والتنظيمي في أوساط أبناء الجنوب المشاركين في الحرس الوطني والحرس الشعبي في الشمال للدفاع عن ثورة سبتمبر وفي أوساط اليمنيين الذين كانوا يتوافدون تباعاً من تعز وصنعاء وإب، والذين التحقوا بالجمعية التي بدأت تتشكل بعلم القيادي الأول للحركة فيصل عبداللطيف الذين كان أقدم عضو فيها منذ كان طالباً في القاهرة.
وقد هيأ إنشاء مكتب لشؤون الجنوب برئاسة المناضل قحطان الشعبي الأجواء للتسريع بقيام الحركة حيث تلاحقت الاجتماعات والاتصالات وكان من أهم تلك الاجتماعات التي عقدت في صنعاء الاجتماع العام الموسع الذي عقد في دار السعادة في 24 فبراير 1963م والذي حضره الكثير من العناصر القيادية وخرج الاجتماع بعد نقاشات مطولة بالاتفاق على تأسيس جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل" على أن يكون شكل نضالها هو انتهاج أسلوب النضال المسلح حتى التحرير وأكد هذا القرار مرة أخرى في اجتماع أخر في أغسطس 1963م حين انضمت قوى أخرى للجبهة كالناصريين والبعثيين وغيرهم علماً بأن اجتماع فبراير تم الإعداد والتحضير له بالاتصالات المستمرة التي كانت تجريها قيادة الحركة مع الرئيس السلال وبعض القياديين الجمهوريين ورموز القيادة المصرية.
ولحقت بهذه الخطوة العديد من الخطوات العملية تمثلت بتقديم الدعم والتدريب الإعلامي والدعم المادي للمتفرغين للمهام النضالية في إطار القيادات وأعضاء جيش التحرير وقطاع الفدائيين
يزات لتكثيف الهجمات على الثوار في جبهة ردفان التي كانت الوحيدة أمام العدو الحاقد
والتي كانت تقدمها مصر عن طريق الحكومة اليمنية آنذاك.
جبهة عدن
مثلت مدينة عدن قبيل ثورة أكتوبر شرارة نار أخرى أطلقها الثوار في وجه المستعمر البريطاني حيث بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي في عدن أوائل عام 1946م وتشكلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي الذي كان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار وتحمل المسؤولية في بداية العمل لعدة أشهر الشهيد نور الدين قاسم ثم تعرض للاعتقال وأسندت المسؤولية فيما يعد لعبدالفتاح إسماعيل الذي استمر يقودها حتى ما قبل الاستقلال بعدة أشهر.
وكانت العمليات التي شكلت البداية هي قصف مبنى المجلس التشريعي في كريتر وضرب برج المطار وغيرها من الأعمال الفدائية التي استخدمت فيها القنابل على بعض الأهداف في المدينة وتزايدت تلك الأعمال حتى إن الجماهير في عدن كما يقول راشد محمد ثابت كانت قد اعتادت على سماع الانفجارات والاشتباكات الليلية بين الفدائيين والقوات البريطانية وتحولت الجماهير إلى حارس أمين للفدائيين في كل زقاق وبيت وشارع وكانت البيوت والمحلات التجارية والدكاكين مفتوحة لكل فدائي يريد النفاذ من مطاردة الدوريات البريطانية أو الاختفاء عن أعين المخبرين والجواسيس المنتشرة في الأحياء والأزقة الشعبية.
وكانت تلك العمليات الفدائية تتم بالتنسيق بين فرع الجبهة في عدن والثوار في الشطر الشمالي من اليمن حيث كانت ملامح الثورة قد بدأت تتبلور.
المسؤوليات القيادية ميدانياً
إضافة إلى ما كانت تشهد مدينة عدن من عمليات متواصلة فقد كان هناك نضج ثوري بدأ يتشكل في أوساط المواطنين بمحافظات أبين والضالع وحضرموت ولحج وكان الأهم من ذلك هو تحديد المسؤوليات ميدانياً تمهيدا للثورة المسلحة الشاملة التي فجرت الحرب في وجه المستعمر وأرغمته على الرحيل وننشرها هنا نصا من كتاب راشد محمد ثابت عن ثورة أكتوبر:
"بعد ترتيب الأوضاع الإدارية لعمل هيئات الجبهة في مقرها الرئيسي في تعز وتحديد التخصصات لأعضاء المجلس المركزي في الجوانب التنظيمية، والعسكرية والمالية والإعلامية وشؤون العلاقات والاتصالات المحلية والخارجية، عملت القيادة على توزيع المهام النضالية على عدد من العناصر، وذلك بحسب خصائص وظروف كل منطقة على حدة وقد باشرت القيادة في تعز العمل على إعداد المقاتلين أولاً من جبهة ردفان بقيادة الشيخ راجح بن غالب لبوزة والتنسيق مع مكتب القيادة المصرية في تعز بتحديد فترات زمنية للتدريب في معسكر خاص في "صالة" لنشطاء الجبهة القومية يرمز إليه بعملية"صلاح الدين".
كانت البداية أن يتحرك الشيخ غالب بن راجح لبوزة إلى الداخل للاستطلاع والتعرف على طبيعة ما يجري داخل منطقة ردفان، والعمل على تنظيم المجاميع المقاتلة في الداخل وتوزيع المهام للأفراد والمجموعات بهدف الحصول على المعلومات الدقيقة حول ردود أفعال السلطات الاستعمارية في المنطقة من عودة المقاتلين إلى مناطقهم، ومدى ما تقوم به القوات الاستعمارية من حشد عسكري استعدادي للقتال، وفيما إذا كانت تتمركز في المنطقة بصورة ثابتة أو مؤقتة، على أن تظل القيادة في صورة ما يجري داخل منطقة ردفان من خلال مراكز المتابعة التي عملت الجبهة على تنظيمها عبر مركز ثابت في إب بالتنسيق مع القائد العسكري أحمد الكبسي الذي كان من أعضاء الحركة ومكلفاً رسمياً من صنعاء بمتابعة النشاطات المعادية من الجنوب ضد الثورة والجمهورية، كما تم ترتيب عناصر متحركة للاتصال بين الداخل في ردفان والقيادة في مدينة تعز، وكانت حصيلة المعلومات التي وصلت من ردفان أن الإدارة البريطانية قد ضاقت ذرعاً من عودة الشيخ راجح بن لبوزة إلى منطقته مع عدد من المقاتلين الذين كانوا في جبهات القتال داخل الشمال يدافعون عن النظام الجمهوري الجديد.
وثارت ثائرة الضابط السياسي البريطاني "مستر مينلل" الذي أقدم على إرسال رسالة إلى الشيخ غالب بن راجح لبوزة يوضح فيها علم السلطة البريطانية بعودته وزملائه إلى ردفان وهم يحملون الأسلحة والقنابل اليدوية، ويطلب منه الحضور إلى الحبيلين لمقابلة الضابط السياسي البريطاني والنائب محمود حسن علي مع إحضار الأسلحة مشفوعة بخمسمئة شلن ضمان التزامه بالبقاء، مع التعهد بحسن السلوك وعدم العودة إلى "اليمن"، ما لم فسوف ينال مع زملائه العقاب الشديد، هذا الإنذار كان بادرة انطلاق المعركة الأولى التي بشرت بولادة ثورة منظمة لا يتوقف أوارها حتى يتم الجلاء التام والشامل.
وكان الرد الحاسم من الثوار يحمل عزيمة التحدي لغطرسة الضابط السياسي البريطاني وقواته العسكرية المحتشدة للقتال، وذلك بعد أن قام الشيخ لبوزة باستدعاء جميع المقاتلين من أبناء المنطقة للاجتماع في منطقة عقيبة ردفان وأطلعهم على بجاحة التحذير البريطاني وطلب منهم الرأي فيما يجب عمله، وبعد نقاش وحوار مستفيض أجمع الحاضرون على المواجهة والإستعانة بالله مهما كانت النتائج.
وكان الرد القاطع من جانب الثوار هو عدم التسليم أو الالتزام بشروط الضابط السياسي البريطاني، ب
جبهة عدن
مثلت مدينة عدن قبيل ثورة أكتوبر شرارة نار أخرى أطلقها الثوار في وجه المستعمر البريطاني حيث بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي في عدن أوائل عام 1946م وتشكلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي الذي كان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار وتحمل المسؤولية في بداية العمل لعدة أشهر الشهيد نور الدين قاسم ثم تعرض للاعتقال وأسندت المسؤولية فيما يعد لعبدالفتاح إسماعيل الذي استمر يقودها حتى ما قبل الاستقلال بعدة أشهر.
وكانت العمليات التي شكلت البداية هي قصف مبنى المجلس التشريعي في كريتر وضرب برج المطار وغيرها من الأعمال الفدائية التي استخدمت فيها القنابل على بعض الأهداف في المدينة وتزايدت تلك الأعمال حتى إن الجماهير في عدن كما يقول راشد محمد ثابت كانت قد اعتادت على سماع الانفجارات والاشتباكات الليلية بين الفدائيين والقوات البريطانية وتحولت الجماهير إلى حارس أمين للفدائيين في كل زقاق وبيت وشارع وكانت البيوت والمحلات التجارية والدكاكين مفتوحة لكل فدائي يريد النفاذ من مطاردة الدوريات البريطانية أو الاختفاء عن أعين المخبرين والجواسيس المنتشرة في الأحياء والأزقة الشعبية.
وكانت تلك العمليات الفدائية تتم بالتنسيق بين فرع الجبهة في عدن والثوار في الشطر الشمالي من اليمن حيث كانت ملامح الثورة قد بدأت تتبلور.
المسؤوليات القيادية ميدانياً
إضافة إلى ما كانت تشهد مدينة عدن من عمليات متواصلة فقد كان هناك نضج ثوري بدأ يتشكل في أوساط المواطنين بمحافظات أبين والضالع وحضرموت ولحج وكان الأهم من ذلك هو تحديد المسؤوليات ميدانياً تمهيدا للثورة المسلحة الشاملة التي فجرت الحرب في وجه المستعمر وأرغمته على الرحيل وننشرها هنا نصا من كتاب راشد محمد ثابت عن ثورة أكتوبر:
"بعد ترتيب الأوضاع الإدارية لعمل هيئات الجبهة في مقرها الرئيسي في تعز وتحديد التخصصات لأعضاء المجلس المركزي في الجوانب التنظيمية، والعسكرية والمالية والإعلامية وشؤون العلاقات والاتصالات المحلية والخارجية، عملت القيادة على توزيع المهام النضالية على عدد من العناصر، وذلك بحسب خصائص وظروف كل منطقة على حدة وقد باشرت القيادة في تعز العمل على إعداد المقاتلين أولاً من جبهة ردفان بقيادة الشيخ راجح بن غالب لبوزة والتنسيق مع مكتب القيادة المصرية في تعز بتحديد فترات زمنية للتدريب في معسكر خاص في "صالة" لنشطاء الجبهة القومية يرمز إليه بعملية"صلاح الدين".
كانت البداية أن يتحرك الشيخ غالب بن راجح لبوزة إلى الداخل للاستطلاع والتعرف على طبيعة ما يجري داخل منطقة ردفان، والعمل على تنظيم المجاميع المقاتلة في الداخل وتوزيع المهام للأفراد والمجموعات بهدف الحصول على المعلومات الدقيقة حول ردود أفعال السلطات الاستعمارية في المنطقة من عودة المقاتلين إلى مناطقهم، ومدى ما تقوم به القوات الاستعمارية من حشد عسكري استعدادي للقتال، وفيما إذا كانت تتمركز في المنطقة بصورة ثابتة أو مؤقتة، على أن تظل القيادة في صورة ما يجري داخل منطقة ردفان من خلال مراكز المتابعة التي عملت الجبهة على تنظيمها عبر مركز ثابت في إب بالتنسيق مع القائد العسكري أحمد الكبسي الذي كان من أعضاء الحركة ومكلفاً رسمياً من صنعاء بمتابعة النشاطات المعادية من الجنوب ضد الثورة والجمهورية، كما تم ترتيب عناصر متحركة للاتصال بين الداخل في ردفان والقيادة في مدينة تعز، وكانت حصيلة المعلومات التي وصلت من ردفان أن الإدارة البريطانية قد ضاقت ذرعاً من عودة الشيخ راجح بن لبوزة إلى منطقته مع عدد من المقاتلين الذين كانوا في جبهات القتال داخل الشمال يدافعون عن النظام الجمهوري الجديد.
وثارت ثائرة الضابط السياسي البريطاني "مستر مينلل" الذي أقدم على إرسال رسالة إلى الشيخ غالب بن راجح لبوزة يوضح فيها علم السلطة البريطانية بعودته وزملائه إلى ردفان وهم يحملون الأسلحة والقنابل اليدوية، ويطلب منه الحضور إلى الحبيلين لمقابلة الضابط السياسي البريطاني والنائب محمود حسن علي مع إحضار الأسلحة مشفوعة بخمسمئة شلن ضمان التزامه بالبقاء، مع التعهد بحسن السلوك وعدم العودة إلى "اليمن"، ما لم فسوف ينال مع زملائه العقاب الشديد، هذا الإنذار كان بادرة انطلاق المعركة الأولى التي بشرت بولادة ثورة منظمة لا يتوقف أوارها حتى يتم الجلاء التام والشامل.
وكان الرد الحاسم من الثوار يحمل عزيمة التحدي لغطرسة الضابط السياسي البريطاني وقواته العسكرية المحتشدة للقتال، وذلك بعد أن قام الشيخ لبوزة باستدعاء جميع المقاتلين من أبناء المنطقة للاجتماع في منطقة عقيبة ردفان وأطلعهم على بجاحة التحذير البريطاني وطلب منهم الرأي فيما يجب عمله، وبعد نقاش وحوار مستفيض أجمع الحاضرون على المواجهة والإستعانة بالله مهما كانت النتائج.
وكان الرد القاطع من جانب الثوار هو عدم التسليم أو الالتزام بشروط الضابط السياسي البريطاني، ب
ل وعدم الاعتراف بسلطة حكومة الاتحاد على منطقة ردفان، وتضمنت الرسالة الاستعداد لمواجهة أي عدوان على مناطقهم مهما كانت الاحتمالات، وأرسل الرد إلى الضابط السياسي البريطاني يحمل توقيع الشيخ راجح بن لبوزة نيابة عن مجموعة العائدين إلى ردفان، وأرفق الرد أيضاً بطلقة رصاص تعبيراً عن بدء القطيعة مع أعداء الوطن من المحتلين والعملاء.
رد الفعل البريطاني لم يكن سريعاً وهو ما توقعه الثوار من الطبيعة الماكرة والمعهودة من القوات البريطانية، فأجمع المقاتلون من أبناء المنطقة على الاستعداد للمعركة، وإخلاء المنازل من العائلات حتى لا تكون عرضة للقصف والإبادة، وكانت حركة الاستطلاع للثوار قد حصلت على معلومات بتقدم الوحدات العسكرية البريطانية يوم الثالث عشر من أكتوبر صباحاً من عام 1963م باتجاه وادي المصارح يصحبها الضابط السياسي" مستر مينلل" ويرافقه شيخ المنطقة محمود حسن علي لخرم، في هذه الأثناء تحرك الشيخ لبوزة مع المقاتلين من منطقة وادي ديسان باتجاه جبل البدوي للتمركز هناك، وتوزيع المقاتلين على مواقع مختلفة بما فيها موقع " المصراح" استعداداً للهجوم على القوات البريطانية في الحبيلين، غير أن المعلومات التي حصل عليها المقاتلون هي أن القوات البريطانية أخرت الهجوم يوماً واحداً وهي تتقدم إلى وادي المصراح لتقوم بالهجوم في اليوم التالي 14 أكتوبر من عام 1963م.
كانت القوات البريطانية قد تمكنت من اعتقال أحد العائدين من زملاء الشيخ لبوزة، وهو الأمر الذي أشاع الحذر في أوساط المقاتلين والاستعداد للمعركة، وقد تجمع للقتال من أبناء المنطقة حوالي سبعين مقاتلاً توزعوا على جميع الخطوط التي يتوقع أن تمر منها القوات البريطانية، وكان المقاتلون قد عرفوا بتحرك القوات البريطانية صباح يوم الرابع عشر من أكتوبر.
حيث بدأت أرتال القوات البريطانية في مسيرة عسكرية من خارج معسكر الحبيلين متخذة طريقها عبر الثمير إلى وادي المصراح، حيث قامت بالانتشار لمواجهة المقاومة من الثوار وحاولت قوات العدو التقدم تحت تغطية نارية مكثفة من الدبابات ومدفعية الهاونات إلى جانب القصف الثقيل للمدفعية، كان الشيخ لبوزة متمركزاً مع مجموعته في جبل البدوي بعد أن نزل إلى القمة التي على يمين قرية البيضاء وهو يتقدم الفصيل الصدامي الأول ضد القوات البريطانية، وقد توزعت قوات المقاتلين الثوار إلى أربع مجموعات واستمرت المعركة على أشدها بين الطرفين ولم تستطع القوات البريطانية أن تتقدم ولو شبراً واحداً.
واضطرت إلى الانسحاب من بعض المواقع مستخدمة القتال عن بعد معتمدة على القصف المدفعي على مواقع الثوار، إلا أن القوات البريطانية بعد ذلك تقدمت من مواقع أخرى مع استخدام القصف بشكل مركز ومكثف، فكان احد زملاء الشيخ لبوزة واسمه سعيد ينصح بالانسحاب فرفض لبوزة الانسحاب قائلاً لزميله إذا انسحبت خطوة فسوف ينسحب البقية ألف خطوة، فواصل معركته ضد القوات الاستعمارية حتى الساعة الحادية عشرة ظهراً حين أصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة أخذت شكل التوالي في أماكن انفجارها أدت إلى إصابة المقاتل راجح بن لبوزة بشظية من القذيفة الخامسة في الجنب الأيمن مخترقة جسده حتى الجانب الأيسر موقع القلب، لكنه ظل قابضاً على سلاحه وهو يتلوى كالأسد، حتى وافته المنية وهو في عرينه حين نطق بالشهادة وهو يشيح بالتفاتة نظر إلى زميله سعيد حسين، الذي وافته الشهادة في وكره أيضاً قبل دقائق من وفاة القائد الشهيد، وكانت لحظة الشهادة في يوم الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م هي يوم أن أعلنت الجبهة القومية بداية الثورة المسلحة من على قمم جبال ردفان الشماء، هذه الثورة التي استمرت تتصاعد دون توقف حتى جلاء آخر جندي بريطاني من أرض جنوب اليمن الطاهرة.
استمرت المعارك في منطقة ردفان بعد استشهاد القائد البطل راجح بن لبوزة، وتعززت القناعة لدى المقاتلين بمواصلة المقاومة ضد العدو الذي لا يفهم سوى لغة القوة المواجهة، وقررت قيادة الجبهة القومية في تعز إرسال المناضل عبدالله المجعلي إلى جبهة ردفان ليتحمل المسؤلية التنظيمية هناك والتخطيط للمعارك الموجهة ضد القوات الاستعمارية، ورفع الكفاءة القتالية على بعض الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها الجبهة، بالرغم من أن معظمها كانت من الأسلحة المستخدمة ضد الاستعمار البريطاني وإسرائيل في مصر.
ودفعت الجبهة القومية بعناصر قيادة بعضها من المجلس التنفيذي للإشراف على إدارة المعارك في هذه الجبهة وكلفت الشيخ عبدالله المجعلي بالتوجه إلى ردفان مباشرة بعد استشهاد المناضل راجح بن غالب لبوزة، وتبعه بعد ذلك القيادي المناضل طه أحمد مقبل، ثم كلفت القيادة عدداً من الضباط اليمنيين والمصريين للدخول لفترات قصيرة إلى مواقع الجبهة في ردفان لغرض تأهيل المقاتلين في مجال التخطيط ميدانياً للمعارك، كما خططت قيادة الجبهة لفتح جبهات أخرى في منطقة الضالع، وحالمين، ودثينة، لتخفيف المواجهة على جبهة ردفان وزيادة الضغط القتالي على قوات الاستعمار التي حصلت على التعز
رد الفعل البريطاني لم يكن سريعاً وهو ما توقعه الثوار من الطبيعة الماكرة والمعهودة من القوات البريطانية، فأجمع المقاتلون من أبناء المنطقة على الاستعداد للمعركة، وإخلاء المنازل من العائلات حتى لا تكون عرضة للقصف والإبادة، وكانت حركة الاستطلاع للثوار قد حصلت على معلومات بتقدم الوحدات العسكرية البريطانية يوم الثالث عشر من أكتوبر صباحاً من عام 1963م باتجاه وادي المصارح يصحبها الضابط السياسي" مستر مينلل" ويرافقه شيخ المنطقة محمود حسن علي لخرم، في هذه الأثناء تحرك الشيخ لبوزة مع المقاتلين من منطقة وادي ديسان باتجاه جبل البدوي للتمركز هناك، وتوزيع المقاتلين على مواقع مختلفة بما فيها موقع " المصراح" استعداداً للهجوم على القوات البريطانية في الحبيلين، غير أن المعلومات التي حصل عليها المقاتلون هي أن القوات البريطانية أخرت الهجوم يوماً واحداً وهي تتقدم إلى وادي المصراح لتقوم بالهجوم في اليوم التالي 14 أكتوبر من عام 1963م.
كانت القوات البريطانية قد تمكنت من اعتقال أحد العائدين من زملاء الشيخ لبوزة، وهو الأمر الذي أشاع الحذر في أوساط المقاتلين والاستعداد للمعركة، وقد تجمع للقتال من أبناء المنطقة حوالي سبعين مقاتلاً توزعوا على جميع الخطوط التي يتوقع أن تمر منها القوات البريطانية، وكان المقاتلون قد عرفوا بتحرك القوات البريطانية صباح يوم الرابع عشر من أكتوبر.
حيث بدأت أرتال القوات البريطانية في مسيرة عسكرية من خارج معسكر الحبيلين متخذة طريقها عبر الثمير إلى وادي المصراح، حيث قامت بالانتشار لمواجهة المقاومة من الثوار وحاولت قوات العدو التقدم تحت تغطية نارية مكثفة من الدبابات ومدفعية الهاونات إلى جانب القصف الثقيل للمدفعية، كان الشيخ لبوزة متمركزاً مع مجموعته في جبل البدوي بعد أن نزل إلى القمة التي على يمين قرية البيضاء وهو يتقدم الفصيل الصدامي الأول ضد القوات البريطانية، وقد توزعت قوات المقاتلين الثوار إلى أربع مجموعات واستمرت المعركة على أشدها بين الطرفين ولم تستطع القوات البريطانية أن تتقدم ولو شبراً واحداً.
واضطرت إلى الانسحاب من بعض المواقع مستخدمة القتال عن بعد معتمدة على القصف المدفعي على مواقع الثوار، إلا أن القوات البريطانية بعد ذلك تقدمت من مواقع أخرى مع استخدام القصف بشكل مركز ومكثف، فكان احد زملاء الشيخ لبوزة واسمه سعيد ينصح بالانسحاب فرفض لبوزة الانسحاب قائلاً لزميله إذا انسحبت خطوة فسوف ينسحب البقية ألف خطوة، فواصل معركته ضد القوات الاستعمارية حتى الساعة الحادية عشرة ظهراً حين أصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة أخذت شكل التوالي في أماكن انفجارها أدت إلى إصابة المقاتل راجح بن لبوزة بشظية من القذيفة الخامسة في الجنب الأيمن مخترقة جسده حتى الجانب الأيسر موقع القلب، لكنه ظل قابضاً على سلاحه وهو يتلوى كالأسد، حتى وافته المنية وهو في عرينه حين نطق بالشهادة وهو يشيح بالتفاتة نظر إلى زميله سعيد حسين، الذي وافته الشهادة في وكره أيضاً قبل دقائق من وفاة القائد الشهيد، وكانت لحظة الشهادة في يوم الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م هي يوم أن أعلنت الجبهة القومية بداية الثورة المسلحة من على قمم جبال ردفان الشماء، هذه الثورة التي استمرت تتصاعد دون توقف حتى جلاء آخر جندي بريطاني من أرض جنوب اليمن الطاهرة.
استمرت المعارك في منطقة ردفان بعد استشهاد القائد البطل راجح بن لبوزة، وتعززت القناعة لدى المقاتلين بمواصلة المقاومة ضد العدو الذي لا يفهم سوى لغة القوة المواجهة، وقررت قيادة الجبهة القومية في تعز إرسال المناضل عبدالله المجعلي إلى جبهة ردفان ليتحمل المسؤلية التنظيمية هناك والتخطيط للمعارك الموجهة ضد القوات الاستعمارية، ورفع الكفاءة القتالية على بعض الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها الجبهة، بالرغم من أن معظمها كانت من الأسلحة المستخدمة ضد الاستعمار البريطاني وإسرائيل في مصر.
ودفعت الجبهة القومية بعناصر قيادة بعضها من المجلس التنفيذي للإشراف على إدارة المعارك في هذه الجبهة وكلفت الشيخ عبدالله المجعلي بالتوجه إلى ردفان مباشرة بعد استشهاد المناضل راجح بن غالب لبوزة، وتبعه بعد ذلك القيادي المناضل طه أحمد مقبل، ثم كلفت القيادة عدداً من الضباط اليمنيين والمصريين للدخول لفترات قصيرة إلى مواقع الجبهة في ردفان لغرض تأهيل المقاتلين في مجال التخطيط ميدانياً للمعارك، كما خططت قيادة الجبهة لفتح جبهات أخرى في منطقة الضالع، وحالمين، ودثينة، لتخفيف المواجهة على جبهة ردفان وزيادة الضغط القتالي على قوات الاستعمار التي حصلت على التعز
#ثورة_سبتمر_المجيدة
الإمام البدر.. كما عرفت وسمعت
الأربعاء 25 / 04 / 2012م
زيد بن علي الفضيل
أثار حديث معالي الفريق حمد العريفي على صفحات جريدة المدينة يوم الخميس الفائت 19 أبريل 2012م حول جلالة الإمام محمد البدر، آخر ملوك المملكة المتوكلية اليمنية (1904 – 1962م)، الشجون والذكريات حول مرحلة مهمة من تاريخ اليمن المعاصر، وهي مرحلة الحرب الأهلية خلال فترة الستينيات الميلادي، بين الملكيين بقيادة الإمام البدر، والجمهوريين المدعومين من قبل القوات المصرية.
وواقع الحال فما أشار إليه معالي الفريق في حديثه حول شخصية الإمام البدر، ومدى تمتعه بروح متواضعة ليِّنة حتى مع أبسط الجنود صحيح بالمطلق، كما أؤكد على قوله بلسان الإمام من أنه كان ينوي أن يجعل من اليمن جنّة يحسدهم الناس عليها، لكون ذلك مما يقرُّ به الكثير من العارفين المعاصرين المقربين منه، وتؤكده شخصيته التنويرية، وطبيعة تدرج حياته السياسية.
على أني في المقابل، وانطلاقًا من أمانة علمية وقرابة أسرية وشراكة سياسية، لا أستطيع أن أقرَّ بما أشار إليه معالي الفريق من تكرار زواج الإمام البدر وطلاقه كل يومين أو ثلاثة، إذ أن ذلك يستحيل فعلاً لمن كان في حاله ووضعه الحربي، ويصعب تحقيقه على من يعيش بين الجبال، وينام على أزيز الطائرات المصرية، وأصوات القنابل السامة والحارقة، كما أن زوجتيه لا تمتّان إليه بصلة دم أبدًا، وتقيم أرملته أم ولديه في بريطانيا منذ مغادرة زوجها إليها في أوائل السبعينيات الميلادي، حيث استكان لحالة التأمل حتى وفاته بها.
لقد تمتع الإمام البدر بشخصية فريدة من نوعها، إذ كان شفّافًا في تعامله مع الآخرين، بسيطًا في نظرته للأشياء، مُحسنًا الظن دائمًا، وتلك كانت أحد ملامح مصيبته السياسية، حيث كان الإمام البدر - وخلال ولايته للعهد - أحد أهم المناصرين للرئيس عبدالناصر في مصر، مؤمنًا بنظرته التحديثية ورؤيته السياسية؛ كان باختصار ناصريًّا في أفكاره وتوجهاته، ميّالاً للمعسكر الشرقي من الناحية السياسية، في مقابل المعسكر الغربي الداعم للكيان الإسرائيلي، ودون أن يؤمن بمبادئ وأفكار اليسار، إلا ما كان متوافقًا مع التوجهات الإسلامية بما كان يعرف بالاشتراكية الإسلامية، أو اشتراكية أبي ذر بحسب تعبير بعض النخبة اليسارية، وكان لأجل ذلك أن حمل لقب الأمير الأحمر، وبخاصة من بعد زيارته لجمهورية الصين، وتأييده لإرسال بعثات طلابية إلى هناك.
كان كل ذلك مدعاة لتوثيق علاقته بالرئيس عبدالناصر، على الرغم من توجس علاقة الأخير بأبيه الإمام أحمد، الذي ما كان يروق له أن يحكم مصر العروبة والفكر أحد أفراد العسكر، وهو ما وضح في كثير من مواقفه السياسية، التي أظهرت مدى انزعاجه من تولي الرئيس عبدالناصر لمقاليد الحكم في مصر، الأمر الذي وتَّر العلاقة بين الطرفين من جهة، ودعا القيادة المصرية إلى دعم تولي الأمير البدر مقاليد الحكم بمختلف السبل.
وفي تلك الأثناء كان اليمن يعيش حالة من التموج السياسي بين مؤيد لتولي البدر، وآخر مؤيد لتولي عمّه الأمير الحسن سفير اليمن في الأمم المتحدة لمقاليد الحكم من بعد الإمام أحمد، وفريق ثالث عمل بصمت من أجل إعادة تفعيل العمل بميثاق دستور ثورة 1948م، وكان أحد أبرز قياديي ذلك الفريق السيد علي بن عبدالكريم الفضيل ورفيق نضاله السيد محمد بن أحمد الشامي ولفيف غيرهم من مثقفي وأدباء اليمن، الذين كانوا على تواصل مستمر مع بعض رجال الفكر والسياسة اليمنيين المقيمين في مصر خلال تلك الفترة.
وكان مضمون توجههم يقوم على تصحيح مسار الحكم في اليمن ليعود حكمًا شورويًا انتخابيًا متوافقًا مع نظام حكم دولة الأئمة السياسي، الذي تشترط مدونته السياسية توفر أربعة عشر شرطًا فيمن يتولى الترشح لتولي أمر وواجبات الإمامة، على شرط أن يقبل المترشح للمنصب بكل ما ينص عليه دستور 1948م من تنظيم لصلاحيات وواجبات الحكم.
على أن الأمر لم يصفُ لأصحاب هذا التوجه، حيث واجهوا معارضة قوية من قبل البدريين والحسنيين على حدٍّ سواء، وتم تشويه صورتهم لدى الإمام أحمد وولي عهده البدر من قبل الطرف الأقوى في السلطة وهم البدريون، الذين كانوا على ارتباط وثيق بالقيادة المصرية، غير المتحمسة لإعادة شكل دولة ثورة الدستور، خاصة وأن الدعوة إلى قيام نظام جمهوري بروح عنصرية، قد باتت واضحة لدى بعض القيادات البدرية، وهو ما أدى إلى انكشاف حالة الحرب بين بعض المقربين من البدر، وبين السيد الفضيل ومن معه من رفاقه المقربين، ليكون ذلك مدعاة لاتهام الفضيل بتسيير مختلف المظاهرات الطلابية، التي كانت تهتف بشعارات ضد مؤسسة الحكم في حينه، بهدف تحريض الإمام أحمد والأمير البدر على تصفيته ومن معه.
وكان لهم ذلك حيث أمر البدر بسجن السيد علي الفضيل في داره المعروفة بدار البشائر، وسعى إلى استصدار أمر بإعدامه، لكن تدخل صديقه محمّد بن أحمد الشامي لدى الإمام أحمد، وتوضيحه الصورة قد منع قرار موته، وفكّ أسره، غير أن حالة الوعي السياسي بخطورة العمل الاستخبارات
الإمام البدر.. كما عرفت وسمعت
الأربعاء 25 / 04 / 2012م
زيد بن علي الفضيل
أثار حديث معالي الفريق حمد العريفي على صفحات جريدة المدينة يوم الخميس الفائت 19 أبريل 2012م حول جلالة الإمام محمد البدر، آخر ملوك المملكة المتوكلية اليمنية (1904 – 1962م)، الشجون والذكريات حول مرحلة مهمة من تاريخ اليمن المعاصر، وهي مرحلة الحرب الأهلية خلال فترة الستينيات الميلادي، بين الملكيين بقيادة الإمام البدر، والجمهوريين المدعومين من قبل القوات المصرية.
وواقع الحال فما أشار إليه معالي الفريق في حديثه حول شخصية الإمام البدر، ومدى تمتعه بروح متواضعة ليِّنة حتى مع أبسط الجنود صحيح بالمطلق، كما أؤكد على قوله بلسان الإمام من أنه كان ينوي أن يجعل من اليمن جنّة يحسدهم الناس عليها، لكون ذلك مما يقرُّ به الكثير من العارفين المعاصرين المقربين منه، وتؤكده شخصيته التنويرية، وطبيعة تدرج حياته السياسية.
على أني في المقابل، وانطلاقًا من أمانة علمية وقرابة أسرية وشراكة سياسية، لا أستطيع أن أقرَّ بما أشار إليه معالي الفريق من تكرار زواج الإمام البدر وطلاقه كل يومين أو ثلاثة، إذ أن ذلك يستحيل فعلاً لمن كان في حاله ووضعه الحربي، ويصعب تحقيقه على من يعيش بين الجبال، وينام على أزيز الطائرات المصرية، وأصوات القنابل السامة والحارقة، كما أن زوجتيه لا تمتّان إليه بصلة دم أبدًا، وتقيم أرملته أم ولديه في بريطانيا منذ مغادرة زوجها إليها في أوائل السبعينيات الميلادي، حيث استكان لحالة التأمل حتى وفاته بها.
لقد تمتع الإمام البدر بشخصية فريدة من نوعها، إذ كان شفّافًا في تعامله مع الآخرين، بسيطًا في نظرته للأشياء، مُحسنًا الظن دائمًا، وتلك كانت أحد ملامح مصيبته السياسية، حيث كان الإمام البدر - وخلال ولايته للعهد - أحد أهم المناصرين للرئيس عبدالناصر في مصر، مؤمنًا بنظرته التحديثية ورؤيته السياسية؛ كان باختصار ناصريًّا في أفكاره وتوجهاته، ميّالاً للمعسكر الشرقي من الناحية السياسية، في مقابل المعسكر الغربي الداعم للكيان الإسرائيلي، ودون أن يؤمن بمبادئ وأفكار اليسار، إلا ما كان متوافقًا مع التوجهات الإسلامية بما كان يعرف بالاشتراكية الإسلامية، أو اشتراكية أبي ذر بحسب تعبير بعض النخبة اليسارية، وكان لأجل ذلك أن حمل لقب الأمير الأحمر، وبخاصة من بعد زيارته لجمهورية الصين، وتأييده لإرسال بعثات طلابية إلى هناك.
كان كل ذلك مدعاة لتوثيق علاقته بالرئيس عبدالناصر، على الرغم من توجس علاقة الأخير بأبيه الإمام أحمد، الذي ما كان يروق له أن يحكم مصر العروبة والفكر أحد أفراد العسكر، وهو ما وضح في كثير من مواقفه السياسية، التي أظهرت مدى انزعاجه من تولي الرئيس عبدالناصر لمقاليد الحكم في مصر، الأمر الذي وتَّر العلاقة بين الطرفين من جهة، ودعا القيادة المصرية إلى دعم تولي الأمير البدر مقاليد الحكم بمختلف السبل.
وفي تلك الأثناء كان اليمن يعيش حالة من التموج السياسي بين مؤيد لتولي البدر، وآخر مؤيد لتولي عمّه الأمير الحسن سفير اليمن في الأمم المتحدة لمقاليد الحكم من بعد الإمام أحمد، وفريق ثالث عمل بصمت من أجل إعادة تفعيل العمل بميثاق دستور ثورة 1948م، وكان أحد أبرز قياديي ذلك الفريق السيد علي بن عبدالكريم الفضيل ورفيق نضاله السيد محمد بن أحمد الشامي ولفيف غيرهم من مثقفي وأدباء اليمن، الذين كانوا على تواصل مستمر مع بعض رجال الفكر والسياسة اليمنيين المقيمين في مصر خلال تلك الفترة.
وكان مضمون توجههم يقوم على تصحيح مسار الحكم في اليمن ليعود حكمًا شورويًا انتخابيًا متوافقًا مع نظام حكم دولة الأئمة السياسي، الذي تشترط مدونته السياسية توفر أربعة عشر شرطًا فيمن يتولى الترشح لتولي أمر وواجبات الإمامة، على شرط أن يقبل المترشح للمنصب بكل ما ينص عليه دستور 1948م من تنظيم لصلاحيات وواجبات الحكم.
على أن الأمر لم يصفُ لأصحاب هذا التوجه، حيث واجهوا معارضة قوية من قبل البدريين والحسنيين على حدٍّ سواء، وتم تشويه صورتهم لدى الإمام أحمد وولي عهده البدر من قبل الطرف الأقوى في السلطة وهم البدريون، الذين كانوا على ارتباط وثيق بالقيادة المصرية، غير المتحمسة لإعادة شكل دولة ثورة الدستور، خاصة وأن الدعوة إلى قيام نظام جمهوري بروح عنصرية، قد باتت واضحة لدى بعض القيادات البدرية، وهو ما أدى إلى انكشاف حالة الحرب بين بعض المقربين من البدر، وبين السيد الفضيل ومن معه من رفاقه المقربين، ليكون ذلك مدعاة لاتهام الفضيل بتسيير مختلف المظاهرات الطلابية، التي كانت تهتف بشعارات ضد مؤسسة الحكم في حينه، بهدف تحريض الإمام أحمد والأمير البدر على تصفيته ومن معه.
وكان لهم ذلك حيث أمر البدر بسجن السيد علي الفضيل في داره المعروفة بدار البشائر، وسعى إلى استصدار أمر بإعدامه، لكن تدخل صديقه محمّد بن أحمد الشامي لدى الإمام أحمد، وتوضيحه الصورة قد منع قرار موته، وفكّ أسره، غير أن حالة الوعي السياسي بخطورة العمل الاستخبارات
ي المصري وتوجهات بعض الموالين لابنه العنصرية، قد جاءت متأخرة، إذ سرعان ما مات الإمام في ظروف غامضة، كما توفي السيد محمّد الشامي في نفس يوم وفاته إثر حادث سير غريب، ولم تمض أيام معدودات إلا وقام عدد من الضباط الأحرار مساء يوم الأربعاء 26 سبتمبر 1962م بالهجوم في آن واحد على منزل الإمام، وعلى منزل السيد علي الفضيل، وآخرين من القيادات السياسية في حينه.
وكان قبل ذلك قد حرص تنظيم الضباط الأحرار على إدخال أستاذهم السيد الفضيل في مشروعهم الثوري الجمهوري، في محاولة أخيرة من قبلهم لاحتواء توجهه السياسي، لاسيما وأن عديدًا منهم يدين له بالفضل في تكوين رؤيته السياسية الأولى، حيث انتدب الضباط اللواء علي قاسم المؤيد لذلك الأمر، وفق رواية اللواء أحمد قرحش، لكن السيد الفضيل ظلّ متمسكًا بموقفه السياسي، فما كان منهم إلا أن اتخذوا قرارًا بالقضاء عليه تزامنًا مع القضاء على الإمام البدر.
تجدر الإشارة إلى أن القرار بالقضاء على حكم المملكة المتوكلية اليمنية، وإنهاء حكم الإمام البدر، لم يُتخذ من قبل القيادة المصرية إلا بعد استياء الرئيس جمال من الأسلوب الذي عامله به الإمام أحمد حال وصوله بحرًا إلى بورسعيد. وفي ذلك يذكر السياسي السيد أحمد الشامي أن خطة استخباراتية بالاتفاق مع البدر، كانت تقضي باستئذان قائد الطائرة المُقلة للإمام من إيطاليا إلى الحبشة وصولاً إلى اليمن، بالتوقف في القاهرة بسبب عطل فني، وفي حينه يتم القبض على الإمام وفرض الإقامة الجبرية عليه، ليتولى مقاليد الحكم في اليمن ابنه البدر.
وكان الإمام أحمد قد غادر اليمن إلى روما لتلقي العلاج من بعد تعرضه لمحاولة اغتيال سنة 1960م وهو في ردهات المستشفى العسكري بالحديدة؛ لكن الإمام أحمد لم تنطل عليه الحيلة، وأبدى موافقته المبدئية لقائد الطائرة، ثم وبعد أن اطمأن، أخذ بيد القاضي عبدالرحمن الإرياني (كما ذكر ذلك القاضي عبدالرحمن للسيد أحمد الشامي) وطلب منه أن يرافقه إلى مقصورة القيادة ليرى عظمة الخالق في طيران هذه الآلة، وحال دخوله المقصورة، طلب الإمام بلغة حازمة من قائد الطائرة العودة إلى روما، وعند بلوغه العاصمة الإيطالية استدعى الإمام السيد الشامي، وكان صديقًا مقربًا من البدر وبالتالي مواليًا للرئيس عبدالناصر، وقال له: «اذهب لصاحبك وأخبره أني سآتي إلى مصر».
فانطلق السيد الشامي إلى القاهرة دون استفهام، وطلب من نائب الإمام السفير السيد حسن إبراهيم، ترتيب لقاء عاجل مع الرئيس جمال، وحين استفهم الرئيس عن مدى إمكانية زيارة الإمام لمدينة القاهرة، قال السيد الشامي متخلصًا: «إذا كنتم يا فخامة الرئيس في شرف استقباله في بورسعيد، وقدمتم له طلبًا لزيارة القاهرة، فربما سيوافق على ذلك».
وفعلاً توجّه الرئيس إلى بورسعيد لاستقبال الإمام، الذي اعتذر عن النزول إلى أرض الميناء، فما كان من الرئيس إلا أن صعد إليه ومعه بعض رجالات دولته، لكن استقبال الإمام له كان فاترًا، حيث اعتذر عن القيام لمرضه، وفي تلك الأثناء بلغ الإمام أحمد أن الحاج أمين الحسيني وشيخ الأزهر عبدالرحمن التاج في طريقهما إليه للسلام عليه، فما كان منه إلا أن قام لهما قائلاً: «فأما الجهاد والعلم فيُجلّان» وأخذ يتبادل معهما أطراف الحديث متجاهلاً الرئيس ومن معه، وهو ما جعل الشيخان يطلبان الاستئذان سريعًا، ثم أراد الرئيس المغادرة، لكن الإمام أراد أن يُكمل رسالته العملية للرئيس جمال ولولده البدر فخاطب الرئيس وبلغة حازمة قائلا :»يظهر أنك والولد البدر قد نسيتم أن لكم ولليمن إمام».
يذكر السيد الشامي أن ذلك كان حدثًا مفصليًا في علاقة الرئيس جمال باليمن وبالإمام البدر نفسه، إذ خرج غاضبًا مكفهرًا، وهو ما أتاح للدكتور عبدالرحمن البيضاني المدعوم من قبل أنور السادات، أن يتسيد المشهد السياسي في تلك الفترة، ويقود الرغبة المصرية لإنهاء الحكم الملكي في اليمن، وكان مؤدّى ذلك أن مات الإمام أحمد في ظروف طبية غامضة، وسار اليمن نحو مسار الانقلاب العسكري.
ونتيجة لذلك التوجّه اشتعلت الحرب الأهلية في اليمن طوال ثمان سنوات بين القبائل الملكية المؤيدة لحكم الإمام البدر، وقوات النظام الجمهوري المدعومة من قبل القوات المصرية، التي انزلقت في حرب مرهقة، كانت لها نتائجها الوخيمة على مصر، وبخاصة خلال حرب 1967م أمام الكيان الإسرائيلي الغاصب.
واستمرت أجواء الحرب الأهلية بين مدٍّ وجزر حتى اللحظة التي فشل فيها الملكيون في حصار صنعاء سنة 1968م، ووضح انشقاق الصف الملكي على نفسه مع أحداث مؤتمر صعدة، التي أرادت فيه بعض القيادات الملكية عزل الإمام البدر وتولية ابن عمه الأمير محمد بن الحسين ملكًا جديدًا، لكن ذلك على الواقع العملي لم يتحقق، وتكوّن بديلاً عنه مجلس أعلى للإمامة برئاسة الأمير محمد وعضوية عدد من القيادات الملكية ومنهم السيد علي الفضيل.
ولم تستقر الساحة الملكية بعد ذلك، حيث زادت الاختلافات البينية، وشعر الإمام البدر بضعف قوته المفرط، فآثر إقالة الناس في خطاب شهير من بيعته، وا
وكان قبل ذلك قد حرص تنظيم الضباط الأحرار على إدخال أستاذهم السيد الفضيل في مشروعهم الثوري الجمهوري، في محاولة أخيرة من قبلهم لاحتواء توجهه السياسي، لاسيما وأن عديدًا منهم يدين له بالفضل في تكوين رؤيته السياسية الأولى، حيث انتدب الضباط اللواء علي قاسم المؤيد لذلك الأمر، وفق رواية اللواء أحمد قرحش، لكن السيد الفضيل ظلّ متمسكًا بموقفه السياسي، فما كان منهم إلا أن اتخذوا قرارًا بالقضاء عليه تزامنًا مع القضاء على الإمام البدر.
تجدر الإشارة إلى أن القرار بالقضاء على حكم المملكة المتوكلية اليمنية، وإنهاء حكم الإمام البدر، لم يُتخذ من قبل القيادة المصرية إلا بعد استياء الرئيس جمال من الأسلوب الذي عامله به الإمام أحمد حال وصوله بحرًا إلى بورسعيد. وفي ذلك يذكر السياسي السيد أحمد الشامي أن خطة استخباراتية بالاتفاق مع البدر، كانت تقضي باستئذان قائد الطائرة المُقلة للإمام من إيطاليا إلى الحبشة وصولاً إلى اليمن، بالتوقف في القاهرة بسبب عطل فني، وفي حينه يتم القبض على الإمام وفرض الإقامة الجبرية عليه، ليتولى مقاليد الحكم في اليمن ابنه البدر.
وكان الإمام أحمد قد غادر اليمن إلى روما لتلقي العلاج من بعد تعرضه لمحاولة اغتيال سنة 1960م وهو في ردهات المستشفى العسكري بالحديدة؛ لكن الإمام أحمد لم تنطل عليه الحيلة، وأبدى موافقته المبدئية لقائد الطائرة، ثم وبعد أن اطمأن، أخذ بيد القاضي عبدالرحمن الإرياني (كما ذكر ذلك القاضي عبدالرحمن للسيد أحمد الشامي) وطلب منه أن يرافقه إلى مقصورة القيادة ليرى عظمة الخالق في طيران هذه الآلة، وحال دخوله المقصورة، طلب الإمام بلغة حازمة من قائد الطائرة العودة إلى روما، وعند بلوغه العاصمة الإيطالية استدعى الإمام السيد الشامي، وكان صديقًا مقربًا من البدر وبالتالي مواليًا للرئيس عبدالناصر، وقال له: «اذهب لصاحبك وأخبره أني سآتي إلى مصر».
فانطلق السيد الشامي إلى القاهرة دون استفهام، وطلب من نائب الإمام السفير السيد حسن إبراهيم، ترتيب لقاء عاجل مع الرئيس جمال، وحين استفهم الرئيس عن مدى إمكانية زيارة الإمام لمدينة القاهرة، قال السيد الشامي متخلصًا: «إذا كنتم يا فخامة الرئيس في شرف استقباله في بورسعيد، وقدمتم له طلبًا لزيارة القاهرة، فربما سيوافق على ذلك».
وفعلاً توجّه الرئيس إلى بورسعيد لاستقبال الإمام، الذي اعتذر عن النزول إلى أرض الميناء، فما كان من الرئيس إلا أن صعد إليه ومعه بعض رجالات دولته، لكن استقبال الإمام له كان فاترًا، حيث اعتذر عن القيام لمرضه، وفي تلك الأثناء بلغ الإمام أحمد أن الحاج أمين الحسيني وشيخ الأزهر عبدالرحمن التاج في طريقهما إليه للسلام عليه، فما كان منه إلا أن قام لهما قائلاً: «فأما الجهاد والعلم فيُجلّان» وأخذ يتبادل معهما أطراف الحديث متجاهلاً الرئيس ومن معه، وهو ما جعل الشيخان يطلبان الاستئذان سريعًا، ثم أراد الرئيس المغادرة، لكن الإمام أراد أن يُكمل رسالته العملية للرئيس جمال ولولده البدر فخاطب الرئيس وبلغة حازمة قائلا :»يظهر أنك والولد البدر قد نسيتم أن لكم ولليمن إمام».
يذكر السيد الشامي أن ذلك كان حدثًا مفصليًا في علاقة الرئيس جمال باليمن وبالإمام البدر نفسه، إذ خرج غاضبًا مكفهرًا، وهو ما أتاح للدكتور عبدالرحمن البيضاني المدعوم من قبل أنور السادات، أن يتسيد المشهد السياسي في تلك الفترة، ويقود الرغبة المصرية لإنهاء الحكم الملكي في اليمن، وكان مؤدّى ذلك أن مات الإمام أحمد في ظروف طبية غامضة، وسار اليمن نحو مسار الانقلاب العسكري.
ونتيجة لذلك التوجّه اشتعلت الحرب الأهلية في اليمن طوال ثمان سنوات بين القبائل الملكية المؤيدة لحكم الإمام البدر، وقوات النظام الجمهوري المدعومة من قبل القوات المصرية، التي انزلقت في حرب مرهقة، كانت لها نتائجها الوخيمة على مصر، وبخاصة خلال حرب 1967م أمام الكيان الإسرائيلي الغاصب.
واستمرت أجواء الحرب الأهلية بين مدٍّ وجزر حتى اللحظة التي فشل فيها الملكيون في حصار صنعاء سنة 1968م، ووضح انشقاق الصف الملكي على نفسه مع أحداث مؤتمر صعدة، التي أرادت فيه بعض القيادات الملكية عزل الإمام البدر وتولية ابن عمه الأمير محمد بن الحسين ملكًا جديدًا، لكن ذلك على الواقع العملي لم يتحقق، وتكوّن بديلاً عنه مجلس أعلى للإمامة برئاسة الأمير محمد وعضوية عدد من القيادات الملكية ومنهم السيد علي الفضيل.
ولم تستقر الساحة الملكية بعد ذلك، حيث زادت الاختلافات البينية، وشعر الإمام البدر بضعف قوته المفرط، فآثر إقالة الناس في خطاب شهير من بيعته، وا
عتذر لهم عن كل قطرة دم سالت، وقرر التوجه إلى بريطانيا للعيش بها، مغلقًا الأبواب على نفسه، حابسًا ذكرياته في جوفه، لاسيما وأنها قد حفلت بالعديد من الانكسارات الناتجة عن خيانة المقربين له، ابتداء من الرئيس عبدالناصر، مرورًا بالرئيس عبدالله السلال قائد حرسه الخاص، وانتهاء بوالد زوجته العميد يحيى الحرسي.
هذه جملة من الأحداث، ولا يزال المشهد حافلاً بالكثير من الخفايا والأسرار، التي أرجو أن تتاح لها الفرصة في يوم من الأيام للظهور، ليتاح للدارسين التفكر فيها والاستعانة بها لتحليل فترة مهمة من تاريخنا المعاصر
هذه جملة من الأحداث، ولا يزال المشهد حافلاً بالكثير من الخفايا والأسرار، التي أرجو أن تتاح لها الفرصة في يوم من الأيام للظهور، ليتاح للدارسين التفكر فيها والاستعانة بها لتحليل فترة مهمة من تاريخنا المعاصر
#ثورة_سبتمر_المجيدة
حسن البنا و #اليمن
المقدمة
الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها الأول تدخل في اليمن قبل تدخل جمال عبد الناصر فيها.. بقاعدة أن أرض اليمن ممهدة لانتشار دعوة جماعة الإخوان المسلمين فيها.
وشمل التدخل صورا مختلفة كانت شعارا للعمل السري الذي يمهد للانقلاب على حكم الإمام يحيى .. كإرسال المدرسين المصريين المنتمين إلى الإخوان وتكوين شركات اقتصادية وتشكيل تنظيم « الأحرار اليمنيين » فما هي قصة حسن البنا مع اليمن لمعرفة ذلك لابد من العودة إلى الوراء قليلا.
فقد خضع اليمن طوال إحدى عشر قرنا للحكم الإمامي الزيدي ( 385هـ - 1482هـ ) وظلت للإمامة طول هذه الفترة هيبتها ولليمن كله تفرده حيث لم تنجح أي قوى سواء إسلامية أو عربية أو حتى أوربية في النفاذ إليه والتأثير فيه كما لليمن مذهب إسلامي خاص -المذهب الشيعي الزيدي- ميزه عن سائر أقطار العالم العربي ما في ذلك قلب الجزيرة العربية مهد الإسلام ذاته. كما ظلت أبواب اليمن مغلقة تماما أما أي مؤثرات جديدة.
إلا أنه في ظل حكم لإمام يحيى بن حميد الدين ( 1869- 1948 ). بدأت مؤثرات جديدة تطرق أبواب اليمن كانت عبارة عن أصوات خافتة حتى تعاظم دورها وتبلورت في حركة معارضة منظمة انتشرت على أرض اليمن وخارجه.
وكانت بداية هذه الحركة على يد الطلاب اليمنيين الذين جاءوا إلى مصر للدراسة في الجامعة الإسلامية العريقة الأزهر أو بجامعة القاهرة منذ عام 1935.
وفي ذلك الوقت حدث التحول الهام فقد تعرف هؤلاء الطلاب وعلى رأسهم –الزبيري- والنعمان- على الإمام حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وظلوا يترددن على المركز العام للجماعة وقد اهتم بهما الإمام حسن البنا كثيرا وخاصة بعد انضمامها للجماعة والعمل على لوائها.
فيقول الثائر اليمني علي ناصر العنسي "كنا ندرس في الأزهر وبدأنا الاتصال بالإخوان المسلمين و حسن البنا الذي كان يرى أن اليمن أنسب البلاد استراتيجيا ولها مناخ مناسب للإخوان وأخذ يهتم بنا اهتماما خاصا" وفي هذه اللقاءات كان الإخوان يقولون أنهم مقتنعون بأن الحكم في اليمن" لا يمثل الإسلام بل يشوهه ولهذا فالإخوان ضده".
والحقيقة أن الإخوان لم تقتصر علاقتهم فقط بالطلاب اليمنيين ولكنها امتدت إلى جميع الطلاق الوافدين من الدول العربية والإسلامية وهذا يتفق تماما مع منهج الإخوان وعالمية الدعوة وكان لهذه العلاقة أثر هام فيما بعد فعندما عاد هؤلاء الطلاب لبلادهم أسسوا فروع لجماعة الإخوان وربما كان ذلك النواة الأولى لنشأة التنظيم الدولي للإخوان فمع تطور الجماعة أسس البنا عام 1944 قسما خاص أطلق عليه « قسم الاتصال بالعالم الإسلامي » وأصبح للإخوان عمل منظم ودور كبير في دعم قضايا العالم العربي والإسلامي واتخذ هذا الدعم صورا متعددة كما عمل القسم على الاهتمام بالطلاب الوافدين للدراسة في مصر على أن يكونوا هم نواة لأفكار الجماعة عند عودتهم لبلادهم ومن هؤلاء بالطبع الطلبة اليمنيين.
ولقد كان اليمنيون طلاب وحكومة يرون في الإخوان رمز للإخوان الإسلامية و الجهاد المخلص لرفع راية الإسلام ويمنحوهم ذلك ثقتهم وولائهم بصورة لم تعرف أنها قد تكررت مع بلد آخر ففي عام 1938 عندما شارك وفد يمني برئاسة سيف الإسلام عبد الله بن الإمام يحيى في المؤتمر البرلماني العالمي عن قضية فلسطين لجأ الوفد إلى حسن البنا لترشيح سكرتير خاص للوفد فاختار حسن البنا الأستاذ محمود أبو السعود لهذا الأمر ومرافقتهم إلى لندن وباريس.
فالإخوان هم الهيئة الإسلامية العربية الوحيدة التي اهتمت بالقضية اليمنية وأولتها مكانة متقدمة في جدول أعمالها السياسية والفكرية وبواسطة وسائلها الإعلامية المطبوعة وتكاد تكون أخبار اليمن شمالا وجنوبا حاضرة في معظم أعدادها.
وقد عاد الطلاب إلى اليمن بعد تخرجهم ومارسوا نشاطا سياسيا واسعا حتى اضطر أغلبهم. بعد تعرضه للمطاردة والاعتقال –إلى الهجرة إلى عدن عام 1944 واستطاع الأحرار اليمنيين كما أطلقوا على أنفسهم تأسيس حزب الأحرار الذي تحول إلى الجمعية اليمانية الكبرى في عدن عام 1946 وأسسوا جريدة "صوت اليمن" وقد انضم إلى الأحرار الأمير سيف الحق إبراهيم الابن الثامن للإمام يحيى وكان دائم الاتصال بحسن البنا في القاهرة وقد وصلت الأحداث لذروتها حينما أرسل حين البنا عام 1947 الفضيل الورتلاني المجاد الجزائري المعروف –كان قد سبقه مدرسين مصريين من الإخوان- إلى اليمن لينسق ويقود المعارضة في صنعاء وعدن ولعب الرجل دورا محوريا في الإعداد للثورة.
وقد رجع إلى القاهرة ووضع مع حسن البنا "الميثاق المقدس" أو دستور الإصلاح الذي سيطبق في حالة نجاح الثورة المنتظرة على حم الإمام يحيى وعاد الورتلاني مرة أخرى إلى اليمن وعرض "الميثاق المقدس" على قادة الإصلاح.. فقامت ثورة الدستور أو ثورة 1948 والتي تعتبر من الناحية الفعلية هي البداية الحقيقية لتاريخ اليمن المعاصر وربما الحديث وذلك كانت عليه الأحوال في اليمن فقد أحدثت الثورة هزة عنيفة في ال
حسن البنا و #اليمن
المقدمة
الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها الأول تدخل في اليمن قبل تدخل جمال عبد الناصر فيها.. بقاعدة أن أرض اليمن ممهدة لانتشار دعوة جماعة الإخوان المسلمين فيها.
وشمل التدخل صورا مختلفة كانت شعارا للعمل السري الذي يمهد للانقلاب على حكم الإمام يحيى .. كإرسال المدرسين المصريين المنتمين إلى الإخوان وتكوين شركات اقتصادية وتشكيل تنظيم « الأحرار اليمنيين » فما هي قصة حسن البنا مع اليمن لمعرفة ذلك لابد من العودة إلى الوراء قليلا.
فقد خضع اليمن طوال إحدى عشر قرنا للحكم الإمامي الزيدي ( 385هـ - 1482هـ ) وظلت للإمامة طول هذه الفترة هيبتها ولليمن كله تفرده حيث لم تنجح أي قوى سواء إسلامية أو عربية أو حتى أوربية في النفاذ إليه والتأثير فيه كما لليمن مذهب إسلامي خاص -المذهب الشيعي الزيدي- ميزه عن سائر أقطار العالم العربي ما في ذلك قلب الجزيرة العربية مهد الإسلام ذاته. كما ظلت أبواب اليمن مغلقة تماما أما أي مؤثرات جديدة.
إلا أنه في ظل حكم لإمام يحيى بن حميد الدين ( 1869- 1948 ). بدأت مؤثرات جديدة تطرق أبواب اليمن كانت عبارة عن أصوات خافتة حتى تعاظم دورها وتبلورت في حركة معارضة منظمة انتشرت على أرض اليمن وخارجه.
وكانت بداية هذه الحركة على يد الطلاب اليمنيين الذين جاءوا إلى مصر للدراسة في الجامعة الإسلامية العريقة الأزهر أو بجامعة القاهرة منذ عام 1935.
وفي ذلك الوقت حدث التحول الهام فقد تعرف هؤلاء الطلاب وعلى رأسهم –الزبيري- والنعمان- على الإمام حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وظلوا يترددن على المركز العام للجماعة وقد اهتم بهما الإمام حسن البنا كثيرا وخاصة بعد انضمامها للجماعة والعمل على لوائها.
فيقول الثائر اليمني علي ناصر العنسي "كنا ندرس في الأزهر وبدأنا الاتصال بالإخوان المسلمين و حسن البنا الذي كان يرى أن اليمن أنسب البلاد استراتيجيا ولها مناخ مناسب للإخوان وأخذ يهتم بنا اهتماما خاصا" وفي هذه اللقاءات كان الإخوان يقولون أنهم مقتنعون بأن الحكم في اليمن" لا يمثل الإسلام بل يشوهه ولهذا فالإخوان ضده".
والحقيقة أن الإخوان لم تقتصر علاقتهم فقط بالطلاب اليمنيين ولكنها امتدت إلى جميع الطلاق الوافدين من الدول العربية والإسلامية وهذا يتفق تماما مع منهج الإخوان وعالمية الدعوة وكان لهذه العلاقة أثر هام فيما بعد فعندما عاد هؤلاء الطلاب لبلادهم أسسوا فروع لجماعة الإخوان وربما كان ذلك النواة الأولى لنشأة التنظيم الدولي للإخوان فمع تطور الجماعة أسس البنا عام 1944 قسما خاص أطلق عليه « قسم الاتصال بالعالم الإسلامي » وأصبح للإخوان عمل منظم ودور كبير في دعم قضايا العالم العربي والإسلامي واتخذ هذا الدعم صورا متعددة كما عمل القسم على الاهتمام بالطلاب الوافدين للدراسة في مصر على أن يكونوا هم نواة لأفكار الجماعة عند عودتهم لبلادهم ومن هؤلاء بالطبع الطلبة اليمنيين.
ولقد كان اليمنيون طلاب وحكومة يرون في الإخوان رمز للإخوان الإسلامية و الجهاد المخلص لرفع راية الإسلام ويمنحوهم ذلك ثقتهم وولائهم بصورة لم تعرف أنها قد تكررت مع بلد آخر ففي عام 1938 عندما شارك وفد يمني برئاسة سيف الإسلام عبد الله بن الإمام يحيى في المؤتمر البرلماني العالمي عن قضية فلسطين لجأ الوفد إلى حسن البنا لترشيح سكرتير خاص للوفد فاختار حسن البنا الأستاذ محمود أبو السعود لهذا الأمر ومرافقتهم إلى لندن وباريس.
فالإخوان هم الهيئة الإسلامية العربية الوحيدة التي اهتمت بالقضية اليمنية وأولتها مكانة متقدمة في جدول أعمالها السياسية والفكرية وبواسطة وسائلها الإعلامية المطبوعة وتكاد تكون أخبار اليمن شمالا وجنوبا حاضرة في معظم أعدادها.
وقد عاد الطلاب إلى اليمن بعد تخرجهم ومارسوا نشاطا سياسيا واسعا حتى اضطر أغلبهم. بعد تعرضه للمطاردة والاعتقال –إلى الهجرة إلى عدن عام 1944 واستطاع الأحرار اليمنيين كما أطلقوا على أنفسهم تأسيس حزب الأحرار الذي تحول إلى الجمعية اليمانية الكبرى في عدن عام 1946 وأسسوا جريدة "صوت اليمن" وقد انضم إلى الأحرار الأمير سيف الحق إبراهيم الابن الثامن للإمام يحيى وكان دائم الاتصال بحسن البنا في القاهرة وقد وصلت الأحداث لذروتها حينما أرسل حين البنا عام 1947 الفضيل الورتلاني المجاد الجزائري المعروف –كان قد سبقه مدرسين مصريين من الإخوان- إلى اليمن لينسق ويقود المعارضة في صنعاء وعدن ولعب الرجل دورا محوريا في الإعداد للثورة.
وقد رجع إلى القاهرة ووضع مع حسن البنا "الميثاق المقدس" أو دستور الإصلاح الذي سيطبق في حالة نجاح الثورة المنتظرة على حم الإمام يحيى وعاد الورتلاني مرة أخرى إلى اليمن وعرض "الميثاق المقدس" على قادة الإصلاح.. فقامت ثورة الدستور أو ثورة 1948 والتي تعتبر من الناحية الفعلية هي البداية الحقيقية لتاريخ اليمن المعاصر وربما الحديث وذلك كانت عليه الأحوال في اليمن فقد أحدثت الثورة هزة عنيفة في ال
مجتمع اليمني والعربي على الرغم من أنها لم تستمر سوى 26 يوما فقط. عموما فدراسة هذه الثورة وعلاقة حسن البنا بها هي من قبيل ركوب الصعب وهي أشبه بالخوض في بحر هائج مضطرب بالعواصف والأنواء بحثا عن حطام سفينة غارقة وإعادة تركيبها من جديد فأحداث الثورة جرت وقائعها على أرض دولتين متباعدتين مسافة وفكرا.
وسنحاول كشف جورها وفكرتها وأهدافها وما أحاط بها من أسرار لم يقدر لها أن تذاع في حينها ولماذا فشلت ومن الذين حاربوها داخل اليمن وخارجه ولأي سبب حورت ومن أهم أبطالها وكيف قبض عليهم وكيف عذبوا حتى مات بعضهم من التعذيب ثم أرسل إلى المقصلة البدائية لكي يفصل رأسه عن جسده بعد أن فارق الحياة من مدة.
أما الأبطال الذين أرسلوا إلى المقصلة الابتدائية أحياء فكيف قابلوا الموت وما هي الحكم الخالدة التي نقطوا بها قبل أن يجتذ الجلاد رؤوسهم ويدخلهم التاريخ من أوسع الأبواب وإكرامها نلاحظ أن الصف الثاني من قادة ثورة 1948 هم أنفسهم قادة الصف الأول في ثورة سبتمبر 1962 ضد الإمام البدر وقد تفاءل هؤلاء خيرا بـ " زعيم العرب" عبد الناصر وطلبوا منه الدعم والمساعدة وكان الزعيم في ذلك الوقت قد فقد برستيجه بعد فشل وحدته مع سوريا وأراد استرجاعه في اليمن... وسرعان مما اتضح لقادة الثورة الأهداف الحقيقية من وراء مساعده عبد الناصر لهم فقد اعتقد ناصر أنه يستطيع ابتلاع اليمن في أقل من شهر ثم يتخذ أرضية موطئ قدم يناوئ به العرش السعودي وباقي مشيخات الخليل حيث آبار النفط ومصالح الدول الكبرى ولكن خاب سعيه واستمرت الحرب أكثر من خمس سنوات سقط فيها -في أقل تقرير- 15 ألف ضابط وجندي مصري ما بين قتيل وجريح ومفقود و 100 ألف يمني وتم حرق الكثير من القرى اليمنية واعتقل عبد الناصر قادة الثورة في السجن الحربي بالقاهرة وظلوا بالسجن عاما كاملا ( سبتمبر 1966 – ديسمبر 1967 ) وهم عبد الرحمن الإرياني و سن العمري و أحمد النعمان ومعهم أ :ثر من ستين آخرون بل إن عبد الناصر تخلص من أبو الأحرار اليمني محمود الزبيري –تم اغتياله 1965- حيث كان قد اعترض على الدستور المقترح الذي قدمه عبد الناصر لحكم اليمن مستبعدا الشريعة الإسلامية. وأصبح قائد القوات المصرية في اليمن هو الحاكم الفعلي. وبعد هزيمة الزعيم المخزية عام 1967 خرج قادة اليمن من السجن الحربي واستطاعوا إنقاذ اليمن وأصبح عبد الرحمن الإرياني رئيسا لليمن و حسن العمري رئيسا للوزارة.
كل ما سبق وغيره سنتناوله في خمسة فصول وملاحق ففي الفصل الأول سنلقى الضوء على شخصية حسن البنا وفكره ورؤيته للعروبة و الإسلام.
أما الفصل الثاني فيتناول أحوال اليمن قبل عام تصنيف:الإخوان في اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأسباب التي أدت إلى قيام الثورة.
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان حسن البنا وتشكيل المعارضة اليمنية نتبع فيه علاقة البنا بالطلاب في القاهرة وانضمامهم إلى الإخوان ونشاطهم بعد عودتهم لليمن وإرسال البنا الفضيل الورتلاني لليمن لينسق بين المعارضة وكيف وضع البنا والورتلاني "الميثاق المقدس" مع تحليل كامل لمحتوى هذا الميثاق الذي اعتبر دستور الثورة.
وفي الفصل الرابع سنتناول فقيام ثورة الدستور أو ثورة 1948 وعلاقة حسن البنا وصحافة الإخوان بالثورة والوفد الإخواني الذي أرسله حسن البنا على طائرة خاصة إلى اليمن ومراسلات الإمام الجديد عبد الله الوزير مع حسن البنا كما سنتناول كيف فشلت الثورة والأسباب المحلية والدولية التي أدت إلى ذلك.
أما عن الفصل الخامس والأخير فيتناول ثورة 1962 وقرار عبد الناصر بالتدخل في ثورة اليمن وأسباب ذلك والنتائج التي ترتبت على ذلك التدخل.
وفي هذه الدراسة لم أفضل ( محو ذاتي ) لكي أجعل صوت الأحداث التاريخية وحدها مسموعا فالمؤرخ إذا أمكنه طمس ذاته لم يستطع أن يحقق موضوعية عالية وحرم نفسه من أداء الفكر التاريخي كله. وقد رأيت مقتضيات الأمانة العلمية أن الحق بعض الوثائق الهامة والتي تتعلق بموضع الدراسة كملاحق بهذا الكتاب هذا بالإضافة إلى دراسات مستقلة عن شخصيات قادة الثورة 1948.
د. حمادة حسني
-
وسنحاول كشف جورها وفكرتها وأهدافها وما أحاط بها من أسرار لم يقدر لها أن تذاع في حينها ولماذا فشلت ومن الذين حاربوها داخل اليمن وخارجه ولأي سبب حورت ومن أهم أبطالها وكيف قبض عليهم وكيف عذبوا حتى مات بعضهم من التعذيب ثم أرسل إلى المقصلة البدائية لكي يفصل رأسه عن جسده بعد أن فارق الحياة من مدة.
أما الأبطال الذين أرسلوا إلى المقصلة الابتدائية أحياء فكيف قابلوا الموت وما هي الحكم الخالدة التي نقطوا بها قبل أن يجتذ الجلاد رؤوسهم ويدخلهم التاريخ من أوسع الأبواب وإكرامها نلاحظ أن الصف الثاني من قادة ثورة 1948 هم أنفسهم قادة الصف الأول في ثورة سبتمبر 1962 ضد الإمام البدر وقد تفاءل هؤلاء خيرا بـ " زعيم العرب" عبد الناصر وطلبوا منه الدعم والمساعدة وكان الزعيم في ذلك الوقت قد فقد برستيجه بعد فشل وحدته مع سوريا وأراد استرجاعه في اليمن... وسرعان مما اتضح لقادة الثورة الأهداف الحقيقية من وراء مساعده عبد الناصر لهم فقد اعتقد ناصر أنه يستطيع ابتلاع اليمن في أقل من شهر ثم يتخذ أرضية موطئ قدم يناوئ به العرش السعودي وباقي مشيخات الخليل حيث آبار النفط ومصالح الدول الكبرى ولكن خاب سعيه واستمرت الحرب أكثر من خمس سنوات سقط فيها -في أقل تقرير- 15 ألف ضابط وجندي مصري ما بين قتيل وجريح ومفقود و 100 ألف يمني وتم حرق الكثير من القرى اليمنية واعتقل عبد الناصر قادة الثورة في السجن الحربي بالقاهرة وظلوا بالسجن عاما كاملا ( سبتمبر 1966 – ديسمبر 1967 ) وهم عبد الرحمن الإرياني و سن العمري و أحمد النعمان ومعهم أ :ثر من ستين آخرون بل إن عبد الناصر تخلص من أبو الأحرار اليمني محمود الزبيري –تم اغتياله 1965- حيث كان قد اعترض على الدستور المقترح الذي قدمه عبد الناصر لحكم اليمن مستبعدا الشريعة الإسلامية. وأصبح قائد القوات المصرية في اليمن هو الحاكم الفعلي. وبعد هزيمة الزعيم المخزية عام 1967 خرج قادة اليمن من السجن الحربي واستطاعوا إنقاذ اليمن وأصبح عبد الرحمن الإرياني رئيسا لليمن و حسن العمري رئيسا للوزارة.
كل ما سبق وغيره سنتناوله في خمسة فصول وملاحق ففي الفصل الأول سنلقى الضوء على شخصية حسن البنا وفكره ورؤيته للعروبة و الإسلام.
أما الفصل الثاني فيتناول أحوال اليمن قبل عام تصنيف:الإخوان في اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأسباب التي أدت إلى قيام الثورة.
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان حسن البنا وتشكيل المعارضة اليمنية نتبع فيه علاقة البنا بالطلاب في القاهرة وانضمامهم إلى الإخوان ونشاطهم بعد عودتهم لليمن وإرسال البنا الفضيل الورتلاني لليمن لينسق بين المعارضة وكيف وضع البنا والورتلاني "الميثاق المقدس" مع تحليل كامل لمحتوى هذا الميثاق الذي اعتبر دستور الثورة.
وفي الفصل الرابع سنتناول فقيام ثورة الدستور أو ثورة 1948 وعلاقة حسن البنا وصحافة الإخوان بالثورة والوفد الإخواني الذي أرسله حسن البنا على طائرة خاصة إلى اليمن ومراسلات الإمام الجديد عبد الله الوزير مع حسن البنا كما سنتناول كيف فشلت الثورة والأسباب المحلية والدولية التي أدت إلى ذلك.
أما عن الفصل الخامس والأخير فيتناول ثورة 1962 وقرار عبد الناصر بالتدخل في ثورة اليمن وأسباب ذلك والنتائج التي ترتبت على ذلك التدخل.
وفي هذه الدراسة لم أفضل ( محو ذاتي ) لكي أجعل صوت الأحداث التاريخية وحدها مسموعا فالمؤرخ إذا أمكنه طمس ذاته لم يستطع أن يحقق موضوعية عالية وحرم نفسه من أداء الفكر التاريخي كله. وقد رأيت مقتضيات الأمانة العلمية أن الحق بعض الوثائق الهامة والتي تتعلق بموضع الدراسة كملاحق بهذا الكتاب هذا بالإضافة إلى دراسات مستقلة عن شخصيات قادة الثورة 1948.
د. حمادة حسني
-