اليمن_تاريخ_وثقافة
11.5K subscribers
144K photos
352 videos
2.2K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
، خلال السنوات الأولى للنظام، ناتجاً من نتاجات الأيديولوجيا الاشتراكية وشرعنةً لنظام الحكم الجديد، كما كانت وسيلة لجميع التيارات المتنافسة في الحزب الاشتراكي اليمني كي تشكّل قوّة داعمة لها.

في آب 1972، طالبت هذه الأيام السبعة المجيدة التي شهدت تظاهر آلاف الريفيين في شوارع عدن، طالبت الرئيس سالم ربيع علي بتأميم المساكن وبتخفيض جديد لرواتب الموظفين، ونظّم هذه المظاهرات التنظيم السياسي للجبهة الوطنية الذي حل محل الجبهة القومية أثناء المؤتمر الخامس الذي عُقد في آذار 1972، والذي اتخذ منحى ماركسياً ازداد تأكيداً(6). وحرك هذه المظاهرات الرئيس ليضغط على سكان المدن وخصومه السياسيين في آن. وقدّم الكاتب العدني حبيب عبد الرب وصْفاً لها بتهكم لطيف، قال:

«كان صخب الأصوات الهادرة والحادة والراقصة يهزّ أركان مدينة وادعة وراضخة، ويغمرها خلافاً للعادة، فنزل المتظاهرون، الذين هاجمهم الحبور الثوري، إلى عدن من بطاح اليمن الجنوبي بشاحنات الحزب، فشُدهت العاصمة بهذه المسيرة الأولى والطويلة والمعلنة بمسرة. ووصل إليها متظاهرو الموجات الأولى قبل أسبوع، فأسكرتهم الحميّة. وهدرت الحناجر مطلقة عبارات مسجوعة، وقرر المتظاهرون في شعاراتهم أن حرق الملاءات النسائية كان واجباً وطنياً (كما لو أن الطقس لم يكن محرقاً)، وأن تخفيض الرواتب كان كذلك. وطلبوا من «الزعماء التاريخيين» الثلاثة التشدّد في الخط المعادي للرجعية، لأن الشعب «برمّته» ماركسي، كما هتفوا! [...] ثم أطلقوا الهتافات المنغومة التالية:

لا نبغي لا «الهيبي» ولا سروايل «قوائم الفيل»،

لا نعرف إن كان لابسها ذكراً أم أنثى.

لا نريد الخونة والرجعية.

شعبنا برمّته ماركسي»(7).

كانت مخلفات الحكم البريطاني، كالنوادي والفيلات والثكنات العسكرية والحدائق، عالقة بالمدينة، فأعطتها هذا الطابع الخاص جداً والفريد من نوعه، لو لم تشبْهُ مسحة من الانطواء الطوعي. وفعلاً كانت عدن عاصمة معزولة ومنكفئة على نفسها، علماً بأنها محصورة بين البحر والجبال، ولكنها أصبحت منقطعة عن باقي العالم بفعل سياسة أمنية تقنن بشدة منح تأشيرات السفر وتمنع الاتصال بالأجانب بموجب قانون صدر عام 1975. كان عجوز يمني في عيد الأضحى يبحث عن شاحنة لينقل عليها خروفه، دون جدوى، فقرر استيقاف أية سيارة مجاناً، فركب بسيارة شخص سوداني. فأوقفته الشرطة عند أحد حواجزها، فأمضى يومين في السجن لأنه تكلّم مع رجل أجنبي.

انكفأت عدن على منطقتها الخلفية، فأدارت ظهرها للبحر، ولم يعد ميناؤها يستقبل سوى بواخر البلدان الشقيقة، فانطوت المدينة على نفسها وانقطعت عن باقي العالم، ولكنها أصبحت معقلاً للعروبة والاشتراكية في بيئة معادية تحكمها الملكيات النفطية. لقد غادر الأجانب البلاد، وكذلك غادرها العسكريون والموظفون البريطانيون، ولكن غادرها أيضاً كبار التجار من أوروبا والهند الذين وقعوا ضحية قوانين التأميم التي صدرت عام 1969، فحلَّ محلهم المقاتلون والمناضلون التابعون للجبهة القومية، ومعظمهم أتوا من مناطق القبائل وتوازع المسؤولون فيلات النخبة الأوروبية القابعة على الشاطئ، في حين أن الريفيين أقاموا في مباني «المعلاّ» وراحوا يتخلصون تدريجياً من ثيابهم الريفية الزاهية.

 

عاصمة الشيوعيون العرب:

إن العلاقات التي نسجها المناضلون اليمنيون والفلسطينيون داخل حركة القوميين العرب إبان الستينات من القرن العشرين وأثناء معارك الدفاع عن جمهورية الشمال ومن أجل استقلال الجنوب، استمرت بعد تحقيق هذين الهدفين وحُلّ حركة القوميين العرب عام 1970، وكان جورج حبش رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونايف حواتمة رئيس الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين، من مسؤولي حركة القوميين العرب التي قاتلت البريطانيين والسلاطين ما بين 1963 و1967، وكان مناضلو هذا التنظيم عماده الأساسي. في عام 1967 سافر الفلسطينيان جورج حبش وهاني الهندي مع اللبناني محسن إبراهيم إلى مدينة تعز سعياً للتوسط بين تياري الجبهة القومية ، وكان التيار الأول يؤيّد الاندماج مع جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، وهي تنظيم مناوئ دعمه النظام الناصري، في حين كان التيار الثاني يقاومه(8). ومن بين جميع الحركات المنبثقة عن حركة القوميين العرب وعن جبهة تحرير عمان والخليج العربي داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحدها الجبهة القومية نجحت في استلام السلطة(9).

خلال عشرين سنة، أي ما بين 1970 و1990، أصبحت عدن عاصمة الشيوعية العربية وقاعدة خلفية للفلسطينيين، وإذ يقع اليمن الجنوبي في أطراف العالم العربي، فقد تحوّل إلى حَرَم «تقدمي» لأنه كان يحظى بحماية سوفيتية، وهي عنصر استقرار لنظام تتهدده الصراعات القبلية والذي تعرّض لضربة قاضية أثناء النزاع العنيف بين تياري الحزب الاشتراكي اليمني عام 1986. صحيح أنه كان على هامش العالم، ولكنه احتل مركز الصدارة في العالم الشيوعي العربي، إذ كان بمثابة معقل وقاعدة لوجستية له في آن.

لقد استقبل اليمن الجنوبي الشيوعيين العر
اقيين الذين فرّوا من قمع نظام صدام حسين، والشيوعيين اللبنانيين ومنظمة العمل الشيوعي في لبنان الذين قدموا إليه للتدريب أثناء الحرب اللبنانية (1975 - 1990). ولعب عدد من المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين، وبينهم جورج حبش ونايف حواتمة وكريم مروّة، ونديم عبد الصمد ومحسن إبراهيم وفواز طرابلسي دوراً مهماً في تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني عام (1975)، المنحدر من الجبهة القومية والاتحاد الديموقراطي للشعب وحزب الطليعة الشعبي (البعث سابقا) (10). وكانت العلاقات بين الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي في لبنان مع القادة اليمنيين الجنوبيين وطيدة جداً. وكان المسدس الشخصي لجورج حاوي، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، هدية من علي ناصر محمد رئيس اليمن الجنوبي، واستخدمت هذا المسدس (من ماركة ماكاروف) المقاوِمة سهى بشارة في عملية الاغتيال التي أقدمت عليها ضد رئيس الميليشيا المتحالفة مع إسرائيل في جنوب لبنان، انطون لحد(11). وحاول جورج حاوي مع كثيرين التوسط بين الخصمين المتنازعين على رئاسة الحزب الاشتراكي اليمني، عبد الفتاح اسماعيل وعلي ناصر محمد. فسافر من دمشق إلى عدن عام 1985 ليقنع علي ناصر محمد بألا يعدم عبد الفتاح اسماعيل، وبأن يرسله إلى موسكو، على الرغم من المعارضة الأولية للسفير الروسي الذي كان يدافع عن أحقية هذا الأخير في السلطة(12). والتمس تيارا الحزب الاشتراكي اليمني من قادة الحزب الشيوعي اللبناني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جورج حبش) والجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين (نايف حواتمة) التوسط بينهما للحؤول دون اللجوء إلى العنف، لا بل طار جورج حاوي إلى موسكو ليقنع عبد الفتاح إسماعيل دون جدوى بالعودة إلى عدن وبأن يصبح فاعلاً في النزاع الوشيك(13). وقاد مهمة الإمكانية الأخيرة مع نديم عبد الصمد، فتوجه إلى عدن محاولاً إقناع قادة الحزب الاشتراكي اليمني بإرجاء اجتماع المكتب السياسي المقرر في 13 كانون الثاني 1986. وباءت جهوده بالفشل لأنها لم تتمكن من إخماد ثورة العنف التي أدمت العاصمة لمدة 10 أيام تقريباً، مما أنذر ببداية النهاية جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وسرّع في عملية التوحيد مع اليمن الشمالي.

كان نظام اليمن الجنوبي يكلف عدداً من المهندسين المعماريين المناضلين الشيوعيين اللبنانيين بإنجاز بعض المشاريع ومنها بناء روك أوتيل في حي التهاوي (عدن) وتصميم مخطط مديني للمكّلا أو تشييد جامعة عدن. وفي روك أوتيل الذي أصبح الآن فندق 26 سبتمبر كان يجتمع حاملو المسدسات ومنظرو الثورة العالمية. وجاء بعضهم ليعطوا الرفاق اليمنيين دروساً في الاشتراكية العلمية، وقدم غيرهم لإعداد العمليات «الثورية» الوشيكة. ووُضعت البرامج الجامعية بمساعدة الزعيم والمثقف الشيوعي اللبناني حسين مروّة، وساهم المربون اللبنانيون في وضع البرامج المدرسية. ولكن عدن لم تكن معبداً عصياً على الانتهاك؛ ففي حزيران 1976 اغتيل شيوعي كردي عراقي، كان أستاذاً في جامعة عدن، وأقدم على قتله في وضح النهار قطاع طرق متنكرون بثياب دبلوماسيين تابعين للناظم البعثي، فأوقفتهم الشرطة في سفارتهم، فانتقم النظام العراقي بتوقيف طلاب اليمن الجنوبي وطردهم من العراق(14).

وساهم عام 1982 عدد من الشعراء الشيوعيين العراقيين، ومنهم سعدي يوسف، في تأسيس دار نشر «الهمداني». وقبل ذلك بسنة تمنّى سعدي يوسف لو يقام تمثال للشاعر رامبو في عدن يحجّ إليه الشعراء «سنوياً ويضعون تحت قدميه قرابينهم من الخمور والورود»(15). وفي السنة نفسها حاول سعدي يوسف، بصحبة مواطنه العراقي شوقي عبد الأمير والشاعر الفرنسي غولفيك، إقناع رئيس اليمن الجنوبي علي ناصر محمد بإطلاق اسم رامبو على شارع في حي التواهي، بعد بحث غير مثمر عن منزله في عدن. وبدلاً من ذلك، قبل الرئيس باستبدال اسم شاطئ غولد مهر وتحويله إلى شاطئ أرتور رامبو، وبقي هذا القرار نظرياً وصار نسياً منسياً الآن(16). وكان مطعم «نشوان» تملكه الجبهة الشعبية لتحرير فلطسين، وكان الطبّاخون والخدم فيه لبنانيين؛ وكان يتردد إليه عدد من المناضلين اليساريين القادمين من جنوب لبنان. أما حصة الحزب الشيوعي العراقي فتمثلت في إدارة ملهى ليلي في عدن(17).

وكان اليمن الجنوبي قد أصبح «معقلاً ثورياً»؛ وفي سنوات قيامه الأولى، كانت تتهدده الجمهورية العربية اليمنية وحلفاؤها في شبه الجزيرة العربية الذين يمثلون «المعسكر الرجعي» المتحالف مع الولايات المتحدة. فدافع نظام عدن عن نفسه بتسليح حركات المعارضة المناوئة للسلطات القائمة لاسيما لدى جيرانه المباشرين، أي الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، وسلطنة عمان في الشرق. وكانت قاعدة الجبهة الوطنية الديموقراطية التي اعتمدت الكفاح المسلح في الشمال موجودة في عدن. وكان مناضلوها مرتبطين عضوياً بالحزب الاشتراكي اليمني، بشكل سري في البداية لأن هذه الجبهة حافظت لمدة طويلة على رواية تقول إنها مؤلفة من تنظيمات مختلفة.

وكان اليمن الجنوبي يستقبل المناضلين القا
دمين من شبه الجزيرة العربية برمتها لينظمّوا إلى ميليشيا «ظفار» التي كان لها في البداية هدف قومي متمثل أساساً بجبهة تحرير ظفار التي أخذت فيما بعد طابعاً أيديولوجياً وطموحاً جغرافياً متنامياً بتبنيها الماركسية وبتوسعها الطموح إلى شبه الجزيرة العربية بكاملها. وبالتالي غيرت اسمها بعد التحول الثوري لعام 1968، ليصبح «الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل»(18). ومع أن حرب العصابات انتهت عام 1975، كانت ملصقات مناضلات ظفار هؤلاء ذوي البناطيل الكاكية القصيرة والشعر المجعد تزيّن غرف المناضلين الغربيين في الثمانينات من القرن العشرين. ونجد هذه الصورة على غلاف الترجمة الفرنسية لرواية المصري صنع الله إبراهيم التي من خلال شخصية وردة، وهو الاسم الذي أطلق على عنوان الرواية، أراد الكاتب أن يُشيد بأولئك النساء المناضلات وبحرب العصابات في ظفار.

 

مفترق طرق أمام الثورة العالمية:

منذ 1970، جعل الصعود المحتمل لحركات المقاومة الفلسطينية والشطط الشديد الذي حل بأقصى اليسار الأوروبي الذي تبنّى القضية المناوئة للصهيونية، جعل من عدن محطة ومفترق طرق لعدد من هذه التنظيمات. إن علاقات مجموعة «المجال الخارجي» لوديع حداد الذي استقلّ عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالمناضلين الألمان المنحدرين من فصيل الجيش الأحمر ومن حركة 2 حزيران ومن الخلايا الثورية، وأيضاً بالجيش الأحمر الياباني، وبمنظمة «إيتا» الباسكية، وبمجموعات دانمركية وإيطالية، أتاحت الفرصة لجميع هذه التنظيمات أن تحط الرحال في المعبد الجنوبي اليمني حيث كان وديع حداد يعمل تقريباً على هواه. وانزعجت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من علاقاته المميزة مع نظام عدن، واعتبرتها انتقاصاً لامتيازاتها وللنفوذ الذي يمكن أن تمارسه على «المجال الخارجي»وعلى رفاق الحزب الاشتراكي اليمني. ففُصل وديع حداد رسمياً من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في شباط 1976.

بدأ وديع حداد نشاطاته في عدن في بداية عام 1970، وخُصصت له فيللا في حي خورمكسر. وكانت هذه المدينة مركزية بالنسبة لفعاليات مجموعته ولمركز التدريب الذي أقيم فيها. ومع أن معسكر جعارعُرف باسم معسكر عدن، إلا أنه كان المعسكر الأهم. ويقع جعار في منطقة أبين ويبعد حوالي 70 كلم شرق عدن. وأصبح هذا المكان الصغير منذ التسعينات من القرن العشرين أحد معاقل الجهاديين في اليمن، وبخاصة مع جيش عدن/أبين الذي شن العديد من العمليات وقام بخطف السيّاح. ويصعب التصور أن هذا المعسكر كان ما بين 1971 و1990 مركز التأهيل العسكري والأيديولوجي لمجموعة وديع حداد الذي اشتهر عالمياً بخطف الطائرات وأخذ وزراء خارجية منظمة الأوبيك رهائن في فيينا عام 1975(19)، وتدرّب في هذا المعسكر كل من الفينزويلي إيليش راميريز سانشيز الملقب بكارلوس، وفوساكو شيجنونو رئيسة الجيش الأحمر الياباني، وهاغوب هاغوبيان (واسمه الحقيق بدروس أوهانيسيان) مؤسس منظمة الجيش السري الأرمني، وعدد من الألمان التابعين لفصيل الجيش الأحمر، وحركة 2 حزيران، وعدد من الخلايا الثورية؛ ناهيك عن المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين، والأرتريين وبعض الإيطاليين (باستثناء الألوية الحمراء) والإيرانيين والأتراك والباسكيين والهولنديين والنيكارغويين والسلفادوريين...

ولم يكن باستطاعة المعسكر أن يستقبل للتدريب العسكري والسياسي إلا حوالي 40 شخصاً، وكان فيه النظام قاسياً، إذ كان وديع حداد رئيساً صارماً يحرص على الانضباط الشديد. ويقال إنه أسند المسؤولية لكارلوس خلال رحلة قام بها إلى بيروت ونيروبي(20). وأورد هانس يواكيم كلين، وهو من عتاة حركة 2 حزيران وساهم في أخذ الرهائن في فيينا، شهادة مُرّة تطعن بوديع حداد، الملقب بـ «أبو هاني». ونستطيع الظن، ولو دون تيقّن، أن وصف معسكر التدريب ينطبق على معسكر جعار، لأنه قرر عندما كتب مذكراته، وخوفاً من العمليات الانتقامية، ألاّ يذكر البلدان العربية التي استقبلته. قال:

«كان هناك فصل تام بين الزعماء والجنود. وكان أبو هاني بالتأكيد مسؤولاً عن الجميع. وكان ساكي ساعده الأيمن، بعد أن حيّد جهازُ الموساد في نيروبي أبا حنّفة وآخرين. وكان ساكي، فضلاً عن ذلك المسؤول عن المعسكر، ولكنه تخلّى عن هذه المسؤولية لمرؤوسيه، وهكذا لم يترتب عليه أن يأتي إلى هذا المعسكر غير المريح إلاّ مرّة كل يومين أو ثلاثة. وكانت في المعسكر أيضاً «مها» التي خطفت طائرة مع ليلى خالد، وكانت «حافظة أسرار ومرافقة» أبو هاني (هكذا كان لقبها الرسمي)، بالإضافة إلى «سوسو» بنت أخيها التي كانت تهتم بالجانب التجاري للمعسكر، بما فيه المصروفات التي كان يتعيّن عليها أن توقّع على بياناتها باسمها المستعار. وكان فيه أيضاً بعض نواب الزعماء. وكان المندبون السياسيون الذين يأتون إلى المعسكر أحياناً، يلتقون فقط بأبو هاني وبعض الأشخاص الآنفي الذكر. خلال الأشهر الثمانية عشر التي قضيتها هنا (وكان جلها داخل المعسكر)، حضرنا درساً سياسياً واحداً أعطاه للجنود أحد المندوبين السياسيين الذي
قدم خصيصاً إلى المكان... القادة في... [لم يذكر اسم المعسكر عمداً]... كان أبو هاني في كل مكان ويتمتع في أغلب الأحيان بالمباهج التي يمكن أن تؤمنها العاصمة، كالذهاب إلى السينما وزيارة المرقص، والمشاركة في ولائم الفندق. وكان في جيبه ما لم يكن يمتلكه أي جندي: أي العملات ولم تعطَ هذه الامتيازات إلا لجوني ولي، وأعطيت جزئياً لزعماء فصيل الجيش الأحمر، ولزعماء الخلايا الثورية. ولم يحظَ باقي أعضاء حرب العصابات القادمين من ألمانيا الغربية والرفاق الفلسطينيون إلاّ ببعض الحقوق»(21).

وهكذا أصبحت عدن القاعدة اللوجستية للناشطين الألمان، بسبب العلاقات التي ربطتهم بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكان «التضامن الثوري» متفاوتاً مع المناضلين الألمان التابعين للخلايا الثورية. كان هؤلاء يقومون بعمليات إرهابية لصالح وديع حداد مقابل الحصول على الأسلحة والنقود والتدريب. وهكذا قتل العديد من الناشطين الألمان في عمليات خطف الطائرات. وكانت بيروت وبغداد تشكلان محطتين أخريين لتلك العلاقة القائمة بين الزبون ورب العمل أو بين المرتزق ومُصدِر الأوامر؛ ولكن عدن كانت تتمتع بمزايا أهم (لاسيما المزايا الدبلوماسية، بالنسبة لكارلوس خصوصاً)، فانعزالها وبُعدها عن خط الجبهة مع إسرائيل بالإضافة إلى الحماية السوفيتية جعلت منها معبداً نفيساً، لاسيما وأن دعمها للقضية الفلسطينية كان يحمل طابعاً عاطفياً (علاقات شخصية بينيّة) وتوجهاً راديكالياً (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين أكثر من فتح). وهكذا في عام 1972، أشادت حكومة اليمن الجنوبي بعملية نفذّها كومندوس تابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتم فيها «اختطاف» زورق حربي سريع من مرفأ عدن أُخذ ليقصف، قرب جزيرة بريم، ناقلة النفط كورال سي المتوجهة نحو إسرائيل.

يجب التصديق بأن المدينة وجدت وظيفتها كمحطة، ليس على صعيد التجارة الدولية، وإنما على صعيد نوع جديد متمثل بخطف الطائرات، الذي اختصت به الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلال سنوات 1970. فقد استقبل مطارها الطائرة الأولى في شباط 1972، عندما خطف مناضلو «المجال الخارجي»، طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا من مطار نيودلهي وأجبروها على الهبوط في عدن. فدفعت الحكومة الألمانية فدية قدرها 5 ملايين دولار، واستسلم الكومندوس للسلطات اليمنية التي لم تتأخر في إطلاق سراحهم. وبعد ذلك بسنتين اقتحم كومندوس مشترك من منظمة الجيش الأحمر الياباني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين السفارة اليابانية في الكويت وخطفوا رهائن عديدين بينهم السفير، وانضمّوا إلى مجموعة أخرى فلسطينية يابانية قادمة من سنغافورة أخذت كرهائن عدداً من ركاب سفينة تنقل السيارات والركاب، ونقلتهم طائرة تابعة لشركة الخطوط اليابانية من الكويت إلى اليمن الجنوبي حيث اختفوا. ومع ذلك، طُرد من عدن مرتين خاطفو الرهائن المرتبطون بمجموعة وديع حداد. في عام 1974، اليابانيون الثلاثة الذين خطفوا رهينة من السفارة الفرنسية في لاهاي غادروا هولندا على متن طائرة توجهت إلى عدن، ولكن سلطات اليمن الجنوبي منعتهم من مغادرة الطائرة. فقبل السوريون باستقبال الطائرة. وفي تشرين الأول 1977 خطف كومندوس فلسطيني طائرة بوينغ تابعة لشركة لوفتهانزا تعمل على خط بالما في مايوركا - فرانكفورت، وطالب بإطلاق سجناء تابعين لفصيل الجيش الأحمر الألماني وفلسطينيين معتقلين في تركيا، وكان من المتوقع أن تحط الطائرة في عدن في نهاية المطاف. صحيح أنها حطت فيها، ولكن لم يسمح لها بالبقاء فأقلعت إلى مقاديشيو حيث هاجمتها القوات الخاصة الألمانية وقتل جميع مختطفي الرهائن، ماعدا اللبنانية سهيلة السايح. وكان هذا الخطفُ العمليةَ الأخيرة المدوية لوديع حداد، واستخدمت كمناسبة لجناح عبد الفتاح اسماعيل من الحزب الاشتراكي اليمني للإطاحة بسالم ربيع علي الذي سمح لوديع حداد بهبوط الطائرة في عدن(22) فأعدم عام 1978.

وكانت المدينة أيضاً ملجأ للمناضلين المطاردين في أوروبا أو في أماكن أخرى فوجدوا في اليمن الجنوبي غُفْليّة تعويضيّة أو خلوةً قصيرة قبل أن يغوصوا ثانية في العمل السري داخل بلدانهم. بعد أن تعرّض العديد من أعضاء الجيش الأحمر الياباني لعمليات تطهير دامية عام 1972 ولموجات من الاعتقالات على يد الشرطة، يقال إنهم عرّجوا على عدن.

شارك ألمانيان مع كارلوس في أخذ وزراء الأوبيك كرهائن في كانون الأول 1995، وتبنت منظمة أيلول الأسود تنفيذها ووضعت تحت مسؤولية اللبناني كمال خير بك. ويقال إن هذا الأخير التقى بكارلوس في عدن قبل العملية بشهر ولم يقبل المشاركة فيها إلاّ بعد موافقة وديع حداد(23). وبعد العملية توقف هانس جواشيم كلين وكارلوس في الجزائر وليبيا ثم لاذا بعدن. وفي أحد البنوك في عدن سُلمت الفدية الباهظة التي طُلبت من إيران والسعودية عن وزيري النفط جمشيد أموزيغار وأحمد زكي اليماني. وتوّجت العملية باسم وديع حداد الذي استدعى كارلوس إلى دارته في خورمكسر كي يشرح له كارلوس لماذا خالف أوام
ام 1990، ثم أصبح رئيساً لليمن الموحد.

([3]) حسب شهادة حبيب عبد الرب الذي أشركني في ذكرياته العدنية إبان عقد السبعينات من القرن العشرين.

([4]) فواز طرابلسي: "وعود عدن"، بيروت، دار رياض الريس، 2000، ص87.

([5]) انظر كتابه: «صورة الفتى بالأحمر، أيام في السلم والحرب»، بيروت، دار رياض الريس، 1997، ص76.

([6]) أصبح هذا التنظيم الحزب الاشتراكي اليمني، عام 1975، أثناء انعقاد المؤتمر السادس.

([7]) حبيب عبد الرب: "الأميرة النافقة" (La Reine étripée)، باريس، لارماتان، 1998، ض13 - 14.

([8]) Helen Lackner, P.D.R. Yemen, Outpost Of Socialist Development in Arabia, London, Ithaca Press, 1985, P. 43.

([9]) هيلين لاكنر، المرجع المذكور، ص36.

([10]) انظر كتاب كريم مروّة: "كريم مروّة يتذكر. في ما يشابه السيرة، حوارات مع صقر أبو فخر"، دمشق، دار المدى، 2002، ص311 - 312.

([11]) جورج حاوي: "الحرب والمقاومة والحزب"، بيروت، دار النهار، 2005، ص35.

([12]) جورج حاوي: المرجع المذكور، ص128 - 129.

([13]) جورج حاوي: المرجع المذكور، ص130 - 131.

([14]) هيلين لاكنر، المرجع المذكور، ص84.

([15]) Lucine Taminian, «Rimbaud's House in Aden, Yemen: Giving Voice (S) to the Silent Poet», Cultural Anthropology, Vol. 13, n 4, 1998, p. 464.

([16]) لوسيان تامنيان، المرجع المذكور، ص474.

([17]) فواز طرابلسي، "وعود عدن"، مرجع سابق، ص46، و89.

([18]) انظر فواز طرابلسي، "صورة الفتى الأحمر.."، مرجع سابق، ص74.

([19]) أصيب وديع حداد بسرطان الدم، وتوفي في 28 آذار 1978 في إحدى مستشفيات برلين الشرقية.

([20]) المعلومات المتعلقة بالمعسكر مأخوذة من كتاب غسان شربل: "أسرار الصندوق الأسود"، بيروت، دار رياض الريس، 2008.

([21]) Hans-Joachim Klein, La mort mercenaire. Témoignage d'un ancien terroriste ouest - allemand, Paris, Seuil, 1980, p. 268-270.

([22]) غسان شربل، المرجع المذكور، ص126.

([23]) غسان شربل، المرجع المذكور، ص228.

([24]) Anne Steiner et Loic Debray, RAF Guérilla urbaine en Europe occidentale, Paris, Editions L'échappée, 2006, p. 60. 

([25]) أعفي عن فيرينا بيكر عام 1989، بعد 12 عاماً من الاعتقال، ولكنها في آذار 2010 اتهمت بقتل المدّعي العام بوباك (في 17 نيسان 1977).

([26]) آن ستينر ولويك دوبريه، الكتاب المذكور، ص131.

([27]) Christophe Chiclet, «L'adieu aux armes», 
ره ولم يقتل الوزيرين الإيراني والسعودي، وألزمه من ثمّ بالالتحاق بمعسكر جعار.

ومن أصل ستة سجناء أطلق سراحهم مقابل تحرير الرهينة بيتر لورنز - وهو نائب عن الاتحاد المسيحي الديموقراطي، كانت قد خطفته حركة 2 حزيران في شهر شباط 1975- ذهب خمسة منهم إلى اليمن الجنوبي(24)، وهناك وجدوا فيرينا بيكر «الخطيبة السوداء»لحركة 2 حزيران التي التحقت بفصيل الجيش الأحمر RAF في عدن حيث حطت رحالها هناك في السنة نفسها قبل أن تسافر من جديد إلى ألمانيا عام 1977(25). ووُجد في عدن مناضلون هاربون من أمثال بيتر يورغن بوك (من فصيل الجيش الأحمر) الذي شارك في خطف هانس مارتان شليير، رئيس نقابة أرباب العمل في ألمانيا الغربية في أيلول 1977. وتم إيقافه في يوغسلافيا في أيار 1978، فطرد إلى اليمن الجنوبي حيث بقي حتى نهاية 1999(26). إلى عدن لجأ كارلوس بعد فشله في القبض على رهائن في عينتبه حيث اقتحم كومندوس إسرائيلي في حزيران 1976 طائرة إيرباص تابعة للخطوط الجوية الفرنسية كانت قد خطفتها مجموعة مشتركة من حركة 2 حزيران ومن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

بعد توحيد اليمن في أيار 1990، ولاسيما بعد هزيمة الانفصاليين التابعين للحزب الاشتراكي اليمني في تموز 1994، لم تعد عدن ملاذاً للقانطين الأمميين الذي تحوّلوا إلى مجرد مرتزقة متقاعدين في أغلب الأحيان. في عام 1991 طردت سوريا أعضاء مجموعة كارلوس إلى اليمن الجنوبي سابقاً ولكنهم عادوا إلى دمشق بسرعة فسُلّموا إلى ليبيا ثم إلى الأردن. ومن الأردن أرسل كارلوس عام 1993 إلى الخرطوم حيث اعتقلته الشرطة الفرنسية في السنة التالية(27). وتوصّل يوهانس فاينريش، وهو عضو في الخلايا الثورية وكان الساعد الأيمن لكارلوس. توصل إلى البقاء في عدن لسنوات عديدة ولكنه اعتقل أخيراً في حزيران 1995. وتسليمه لألمانيا يدل بالتأكيد على نهاية هذه الحقبة. 

 

أيام الحزب:

في عدن، عاصمة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية سابقاً، تصاحب شعور بالانتماء المديني مع حنين غامض ومزدوج للفترة البريطانية ولفترة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية. والحنين الأول مرادف للاحتلال والقمع وللازدهار الاقتصادي أيضاً وللحداثة الاجتماعية والسياسية وللاختلاط الديني، في حين أن الحنين الثاني الذي أطلقت عليه تسمية «أيام الحزب» يحيل إلى الأمن وسيادة نظام الدولة الذي لا ينازع ويحيل أيضاً إلى غياب الحريات الاقتصادية والسياسية وإلى الصراع الدامي على السلطة داخل الحزب الاشتراكي اليمني. وتاريخ 13 كانون الثاني 1986 في هذا الشأن هو تاريخ حاسم لأنه دلَّ على الانحسار المحتوم لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية. انطلاقاً من تلك الفترة، راحت نساء كثيرات يتحجّبن، وراح الرجال يعودون إلى الجوامع تكفيراً عن زندقة الطبقة الحاكمة وعن فسقها المفترض أو المؤكد.

بعد ذلك بعشرين سنة، أي في 13 كانون الثاني 2008، جمعت مظاهرة حاشدة عشرات الآلاف من الأشخاص في عدن لمحو آثار الشقاق وللإعلان عن وحدة سكان الجنوب وللمطالبة بإنهاء إجراءات التمييز التي يمارسها نظام صنعاء ضد سكان الجنوب. وسميت «تجمّع المصالحة» وانتهت بأعمال عنف أدت إلى سقوط العديد من الضحايا في أوساط الجيش والمتظاهرين. وشكلت هذه «المصالحة الوطنية» الكبرى هدنة لسلسلة من الاجتماعات القبلية والإقليمية التي انعقدت في الأشهر السابقة للتخلي عن عمليات الثأر. مع العلم أن الدولة في الفترة الاشتراكية (1967 - 1990) كانت قد قمعتها بشدة، ولكنها بزغت من جديد منذ قيام الوحدة.

((#30)) أصبح أحد أشكال التراث السلبية في الفترة الاشتراكية المتمثلة بالمجازر بين الإخوة المتصارعين التي وقعت في 13 كانون الثاني 1986، أصبح للمفارقة رمزاً للاصطفاف والتعبئة لدى جزء من سكان المحافظات الجنوبية التي تستعيد الآن ذاكرة «أيام الحزب» وترى فيها مكوّناً أساسياً لفرادتها التاريخية والاجتماعية والثقافية. وبما أن كل ذاكرة هي ذاكرة انتقائية وجمعية أيضاً، فإنها قد تتغير بسرعة تغيّر مجرى الأحداث وميزان القوى. إن سنوات الاشتراكية في اليمن الجنوبي التي دامت ثلاثة وعشرين عاماً تشكل سجلاً ذاكرياً يتوسط ماضياً بعيداً لجنوب شبه الجزيرة العربية تحت الحماية البريطانية والعقدين الأخيرين من عمر اليمن الموحد الذي يبدو حاضره المقلقل وكأنه يعيد بعض الألق الجنيني لتلألؤ النجمة الحمراء ماضياً 

([1]) ما بين 1967 و1970 كان اسم اليمن الجنوبي «الجمهورية اليمنية الجنوبية الشعبية»، التي صارت عام 1970، بعد تبنّي الدستور الأول، «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية».

([2]) في حرب أيار - تموز 1994، اشتبك انفصاليو الحزب الاشتراكي اليمني مع القوات الوحدوية التابعة لنظام الحكم في صنعاء، وبعد أن تحصّن الانفصاليون في عدن أعلنوا في 21 أيار 1994 إنشاء الجمهورية الديموقراطية اليمنية «الهشة» التي تزعّمها علي سالم البيض الذي وقّع اتفاقيات الوحدة عام 1990 مع علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية من عام 1978 حتى ع
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
من مذكرات #علي_ناصر محمد
الطريق الى عدن

كيف كادت  الحروب القبلية المستعرة في مناطق الجنوب وبين قبائله تهلك الحرث والنسل  .. ولماذا طالت رقاب النساء والأطفال ؟

الشاعر علي رامي غزير الألفاظ

كان بن رامي علي شاعرا مجيا فحلا غزير الألفاظ والمعاني متفق الكلمات والقوافي ودخل في مساجلات شعرية مع فحول الشعراء للقبائل الاخرى التي تقاتلت مع قبيلته منها هذه المساجلة الشعرية (بدع وجواب) بين  بن رامي علي وناصر عبدالله عمير امكعبي (1) في الحرب القبلية بين ال حسنة والمياسر في حرب فوشان:

بدع بن رامي:

يا دي "بمسمار" وكد لك قدح            لنته تبا تحلب ازباب امتيوس(1)

( مسمار: من حصون المياسر)  

جواب ناصر عبدالله:

امتيس يحلب حتى لو نطح                    با يحلبونه شديدين النفوس

بدع بن رامي:

يا دي تنشد قول انك فرح                     با حاربك مثلما حرب البسوس

جواب ناصر عبدالله:

يا دي تمزمز وتالي تنبطح                    با يبطحونك بعدات الفلوس

بدع بن رامي:

في الموج شف كل منا قد سبح               نتسعر امذري والدنيا يبوس

جواب ناصر عبدالله:

واحنا قبل من تمنعنا طفح              "مسمار" بيدي على ريمه جلوس

الثأر وقتل الاطفال والنساء

كما واصل برطم حديثه عن قصص الثأر والحروب والعنف التي شهدتها مناطق الجنوب ومنها قصة أشبه بالاسطورة أن رجلا له ثأر مع قبيلة اخرى حيث قام بذبح أطفال من يطلب ثأره والناس غافلون في لعب وسمر وعندما خرج للسمر بعد تنفيذ جريمته رأته إحدى العجائز وأنكرت وجوده وأيقنت أن وراءه مصيبة للقبيلة وقالت العجوز شعراً لأهل السمر جاء فيه:

ليه يأهل اللعب ما تنكرون الغريب

        والضوع دي في الفريقة ياصريب الصريب

وقد علم الشاب أنها كشفت أمره فقال:

ألا عسى يا كل عودة لا طرح لش نصيب

      أخرج عيونش وسـاهن في كتور الكريب

 والليلـة الـبــرد يشلبني شليب

     وأهلي بمرخة وأنا الليلة بوادي حطيب  .

 ولا معي ثوب با أدفى به ولا أهلي قريب

      والضوع ذي في الفريقة يا صريب الصريب .

وركب حصانه وطار به بعد اعترافه الصريح بذبح الأطفال.

الحرب بين قبائل ا ل حسنة

 وواصل حديثه العم أحمد مسعود برطم وقال: كانت الحروب القبلية المستعرة في مناطق الجنوب وبين قبائله تهلك الحرث والنسل وتدمر كل أواصر الاخوة والمحبة, والاواصر الانسانية والدينية والوطنية بين الناس, وتجاوزت في اجرامها وقسوتها وهمجيتها وعبثيتها كل منطق العقل والتفكير السليم. كان المتناحرون يقتلون الاطفال والنساء ويدمرون المباني ويردمون الآبار ويخربون المحاصيل ويقطعون الأشجار المثمرة. والشواهد والامثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ففي الحرب بين ال منصور وال زامك مثلا تم نسف وتدمير حصن هادي علي بكمية كبيرة من البارود وضعت في أسفل الحصن وقد ادى تفجيرها الى احراق الحصن من أسفله حتى اعلاه مما ادى الى مقتل اطفال هادي علي الصغار ومقتل زوجته الحامل ولم ينجو من الموت الا باعجوبة, حين انقذته اخشاب الحصن من أن يدفن تحت ترابه وقد استخدم خصوم هادي علي من ال زامك المكيدة في هذه العملية للنيل من عدوهم اللدود, حيث قام قردع بن سالم باغراء عبد هادي علي بوضع البارود في أسفل حصن سيده واحراقه مقابل وعده بتزويجه بجارية جميلة يملكها وفي التمهيد لهذه العملية قام قردع سالم بدعوة عبد هادي علي لزيارته بواسطة أحد "الرباعة" لدى القبيلة.  

تفجير حصن هادي علي ومقتل أسرته

وخلال الزيارة طلب قردع من جاريته الجميلة التزين ولبس اجمل الثياب حين دخولها لتقديم القهوة لسيدها ولضيفه عبد هادي علي, وطلب منها الجلوس أمام العبد لبرهة لاثارته ولفت انتباهه قبل الانصراف. وبعد أن ادارت الجارية بجمالها راس العبد خرجت ليبدأ قردع بتقديم عرضه للعبد. حيث سأله بعد خروج الجارية رأيه فيها فقال العبد انها جميلة وفاتنة قال له قردع سالم انه سيتزوجها لها أن اراد ولكن بشرط ان ينفذ طلب بسيط منه, ولما سأله عن المطلوب صارحه قردع بأن المطلوب ان يضع كمية من البارود أسفل الحصن ويشعل النار في فتيل التفجير ويلوذ بالفرار وياتي لاخذ الجارية ويذهب بها اينما شاء. وافق العبد على الشرط وقبل المخاطرة ليفوز بالجارية الحسناء, ونفذ ما طلب منه بدقة وسهولة, حيث كان هادي علي يثق فيه و يأتمنه على مفاتيح بيته وحصنه, وكان هو الموكل بإغلاق ابواب الحصن والسهر على حمايته. وفي ليلة التنفيذ قام العبد كعادته باغلاق الابواب وحين تأكد أن سيده ذهب الى النوم وان الجميع قد خلد الى السكينة, اشعل فتيل التفجير وخرج ليحرق الانفجار الحصن ويقتل أطفاله وزوجته غير أنه نجا من الموت بعد أن تعرض وجهه للاحتراق بنار البارود المتفجر ولم ينقذه من الموت سوى بعض الأخشاب التي حمته من الاندفان , تحت الركام. وعنما ابلغوا قردع بان هادي علي لم يقتل قال عبارته المشهورة: "ما خرج هادي من تحت امخشب الا لـ امنشب" وقد قال هادي علي شعرا في هذه الواقعة :

قال هادي علي بالله بلا مشرعة

بالله في الحيد
ولا في ظبور المباني

قال هادي علي عاتب علي بندقي

من يوم ماتوا عيالي ما قرح من يماني

زيارة عمر بن سعيد والزوامل المحرضة للحرب

كانت قبائل المنطقة الوسطى تذهب لزيارة ولي الله الصالح عمر بن سعيد في كل عام , وكانت قبائل الحسني تذهب الى هذه الزيارة مجتمعة رغم الخصام والقتال فيما بينها وفي احدى المرات ذهبوا للزيارة وكانت قبيلة ال منصور متحالفة مع قبيلة الجعمي والوليدي والشعيثي ضد آل زامك ولكن المنصوري في هذه الظروف ترك القبائل المتحالف معها واثناء وصولهم الى النجدة مقر الولي عمر بن سعيد عملوا "محف" وكان اهل القرية ومن معاهم يستقبلوهم بقبائل اخرى. وعند نزول آل حسنة الى المحف تقدموا آل زامك وحصلت اشكالية على "التقدمة" (من يتقدم اولا) وبعد ذلك قال علي هادي:

التقدمة  ماهي على المهزر

التقدمة عند القضاء والدين

احنا سنان الرمح وعقابه

واحنا الرمد واحنا القذا في العين

فرد عليه ناصر بن مسعود بن هادي:

التقدمة قولوا لبن هادي

لما تقابل كمن أحمر عين

من حربنا قد ترّك أصحابه

همل ضميده والبقر رزين

وبعد هذه الابيات الشعرية حصلت مشادة بين الطرفين واقسم ناصر علي ان يدخل قرية جمعان غازيا ووقعت معركة بعد ذلك قتل فيها  آل حسين ناصر علي وقال علي هادي:

       رد به دان بتبدع من اشجان                

فاقد حير ثعبان (2) دي فيه الحمى منطوية

       ذا السنة شان والثانية حربان  (3)            

والثالث به اعوان والرابع خطاب الرعية

       يا مقيدح ويا امناطل و قمزان (4)

قلي لاهل جمعان ما بعذر بيوت العنية

ورد عليه سليمان:

بن سليمان حيا الليلة القبيلة      

والفج (5) ميدان والسوقي  يرد القدية(6)  

سو اربع على مربع يشب الورع      

يدخل في العاس بين الكبر (7) الشرعبية

يا علي لا تقعشي ادوع(8)  شع اهل الوجع      

بايضربونك كلما الجمال شد السرية (9)  

وقال سالم قردع:

لا قتل بن علي هادي حسين اندفن

ذي هو صواعق تقارح من مزون (10) اعجمية

ياحجر من حجار الواقعة بش حجر

ماشي يقع زيد بين العصبة الناصرية

وانا قالوا يبون امزيد من عندنا

بيني وبين امقليتة نار شاجب عطية (11) .

وقال علي سليمان:

بن سليمان شبينا وشب البلا

وكلما شاب رديناه في احسن شبابه

يا وليدي ومنصوري ويا باجعم

حلالي الفج ملقي لي مرازم وكابة

شل خوته وسندهم لبيس (12) العسر

لما خذو الوعل من بيت النشب والصلابة  

بيتك اصطاب يابن هادي الناصري

ياليت بوك النمر يذهن  (13)ويبصر مصابه.

وقال علي سليمان:

يابن علي هادي ويابن المجعلي

واجب عدتكم مايقع فيها بوار

كديتم الخراز عاني معتني

جاني مرسل منكم وسط النهار

جبتوا بن امشيبه وخيران امعسل

حتى محمد دي قتلتوا خوه ار  (14)

جبتو بن امحروق يقتل صاحبه

قلت اضربوا جمعان يوم انتوا بصار .

. (يتبع ) ..

هوامش /

1-  قوشان  يقال انه من ال العود ويسكن في امقوز وكان صديقا لشباب من ال فرج وقد تعرض للضرب من شباب من ال صالح ظنا منهم انه ابن بدر الفرجي فقامت الحرب بينهم لذلك السبب وعند خروج ال حسنة وصلوا الى ريمان لم يستطع احد الدخول اليه الا ال باجعم ومعهم علي هادي فقتل واحد من ال باجعم من ال عمير وعند عودتهم دارت مساجلة شعرية بين هادي علي وعبدالله ناصر عمير

قال هادي علي

الحب نحنا يأهل ناصر والجيش نحنا دي نسوقه      يا الناصري ودي بسعفك من حيث ما لاحت بروقه

فرد عليه ناصر عبدالله

يا الحب نحنا الملح فيكم ولا أسألوا من حيث سوقه      من تحت ريمان الملبس بأن الدبش وانجال شوبه

فقال هادي علي:

حيا لقيلك يا امعميري ماحن وارعد في وزونه       انتوا طنب للبيت مرسي وحنا عموده لا ذلوقه

عندها قال علي هادي اخطيت يا أبه سويت نفسك فوقهم قال له أبوه لا ماخطيت لان البيت بلا طنب تشله الريح
كتايب ( المعلامة ) بدثينة
المذكرات من كتاب علي ناصر محمد الذي أسماه ( الطريق إلى عدن )  
( ذاكرة وطن  من الاحتلال إلى الاستقلال )

أما في حمص السورية، وأصولهم من اليمن، فيوم الأربعاء كما هو متداول هو يوم الحماصنة ويوم عيد عندهم. وقد وصل اليمانيون إلى حمص مع الفتوحات الإسلامية واستقروا فيها ورفضوا التقدم نحو بقية بلاد الشام. كما اختارت والدتي شيخة بنت محمد أن تكون حمص مستقرها ومأواها الأخير في هذه الدنيا ومدخلها إلى العالم الآخر، عندما وافاها الأجل عام1996م وجرى تشييعها بحضور عدد كبير من المسؤولين في الحزب والدولة. وأنا حتى الآن لا أعرف سر كلمة الربوع، ولماذا يتطير من ذكرها بعض الناس ويتوجسون حدوث شر أو مكروه لهم في هذا اليوم. ولكن يبدو لي أن حادثاً رهيباً وفظيعاً حدث في المنطقة نتجت عنه مأساة كبيرة، وكان ذلك يوم أربعاء، أو ربوع كما نطلق على يوم الأربعاء. ويبدو أن الأجيال توارثت التطير من يوم الأربعاء، فبقي الخوف والهلع في القلوب من تلك المأساة البعيدة، بينما نسي الناس الواقعة أو الحادثة الرهيبة نفسها.. لكن التشاؤم من يوم الربوع ظل مزروعاً في الذاكرة الشعبية تتوارثه الأجيال من الأجيال التي سبقتها. وفي محاولة للتهرب من ذكر الأربعاء، أو الربوع، الذي يتشاءمون منه، فإن الناس عندنا أخذوا يطلقون على الأربعاء (يوم امبرك) أي يوم البركة حتى يدفعون النحس عن هذا اليوم.

معلامة بنيص

مازال في ذاكرتي بعض ملامح حياتي الأولى وخاصة رغبتي في التعلم, اذ كان الاولاد في عُمري يلتحقون بالكتاب (المعلامة) عند العلامه صالح بنيص او كما كان يطلق عليه "بوي بنيص". كان المعلم صالح بنيص رجلا فاضلا قيل انه ذهب إلى حضرموت لدراسة علوم الدين وأسس بعد عودته أول كتاب لتعليم الاطفال في منطقتنا امفرعة وامقوز وغيرها من قرى المنطقة. وكانت الكتاتيب هي مؤسسات التعليم الوحيدة المتاحة في دثينة ولم تفتح المدارس النظامية الحديثة في دثينة إلا في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.. وكانت هذه الكتاتيب تعلم القراءة والكتابة وتحفظ القرآن الكريم، وتعلم الأطفال أصول الصلاة والصوم والوضوء ونواقضه، وقد تعلم إخواني فيها جميعاً، ولم تتح لهم فرصة المتابعة, حيث التحق الأكبر سناً منهم بالخدمة العسكرية في جيش "الليوي" و"شبرد" في عدن, وبعضهم اشتغل بحراثة الأرض. ولم يكن ذلك مما يناسبني ويناسب طموحي حتى في تلك السن المبكرة. ولكن بعد هذا الحرمان الطويل من التعليم أصبح في بيتنا اليوم أكثر من خمسةٍ وثلاثين خريجاً من البنين والبنات من أبناء إخواني وهذا من ثمار الثورة التي لم تكن متوفرة في زمن الاحتلال.

أخيراً حان الوقت الذي دخلت فيه باب المدرسة، وحل معه شعور جميل بأن عليّ أن أدرس وأن أتفوق. ولا أدري كيف ارتبطت عندي، في ذلك الوقت المبكر، فكرة الدراسة بالعمل. ولا كيف أن التحصيل والمواظبة كفيلان بضمان مستقبل طيب لي، وبما يساعد أسرتي على تجاوز شظف العيش.

الدراسة في احور

التحقت مع عدد من أترابي من أبناء قريتنا وبعض القرى الأخرى بمدرسة أحور, وكان يشرف عليها السيد علي المشهور, وكانت تابعة لحكومة معارف عدن, ومن بين الذين التحقوا معي خلال الفترة ذاتها عبد الله أحمد علي (من ناعب) وعبد الله محمد الهيثمي من (كبران) وعبد الله حسين درامة ومحمد حسين درامة من (امقوز) وحسن علي الصغير من (عدن) وقـد سمي بعد ذلك أثناء حرب التحرير باسمه الحركي (بدر) واستشهد في 14 مايو 1968م وفضل محسن (1)  وعبد الله محسن الطويل وسواهم.

حلمي أن أكون مدرساً

وكانت مناهج المدرسة هي تلك المعتمدة في مستعمرة عدن, وكان يتم التركيز فيها على مادتي اللغة العربية والدين اللتين يوليهما السيد علي اهتماماً خاصاً. وكان هذا من أجمل ما حملته ذاكرتي عن الأيام الأولى للدراسة. لقد أحسست منذ اليوم الدراسي الأول بجدية المسار الذي أقطعه، وصار حلمي الجديد أن أكون مدرساً مثل هؤلاء الذين يقفون إزائي، بقاماتهم العالية، أمام اللوح (السبورة) وهم - كما بدا لي - يعرفون كل شيء ولا تخفى عليهم خافية. ولأن المناهج في مثل تلك المدارس كانت متطورة آنذاك، ولأن مدرسة مودية كانت تفتقر إلى مدرسين فقد عدت إلى قريتنا بعد أن أنهيت الابتدائية في مدرسة أحور، والتحقت مدرساً بمدرسة مودية، وكنت أدرس التلاميذ وفي الوقت ذاته أواصل منهج دراستي المتوسطة ثم معهد دار المعلمين بكريتر عدن.

اخوتي خصوني ب برعاية بتكاليف دراستي

كانت المصاعب أكبر من أحلام صبي بعمري. الحاجة تطوّق خناق الأسرة والأشقاء، ولا تسمح لمثلي أن يواصل دراسته، مع أن تكاليف الدراسة من ملابس وكتب وقرطاسية وما إليها لم تكن مرتفعة. لكن حالفني الحظ بأن انخرط أشقائي أحمد وعوض في جيش الليوي في عدن، وصلاح في الحرس الاتحادي، وكان مرتبه الأفضل، فخصني برعايته الاستثنائية وتكفل ببقائي على مقاعد الدراسة، كما أخذ على عاتقه مساعدة العائلة بصورة عامة, وهذا ما ضاعف شعوري الدفين بالمسؤولية.

وبعد هذا الحديث عن سني دراستي الأول
ى فسأتحدث عن رحلتنا الطريق الى عدن ودراستي لاحقا فيها .

بداية الرحلة إلى عدن

أخيراً نجحت في إقناع الجميع وعلى رأسهم الوالد ناصر محمد بالسفر الى عدن لمسافة 209كم وحينها كانت السيارات تأتي من عدن الى دثينة والى قريتنا ولم يكن مفهوما من وجهة نظر الوالد السفر على الاقدام والجمال ولكن امنية تحققت لي في هذه الرحلة وهو ما سنتحدث عنه في هذا المذكرات ..

وبدأت استعداداتنا للسفر..

انطلقنا من قريتنا (2)  بعيد صلاة الفجر مع يقظة الجميع، فالجميع هنا.. الرجال .. النساء .. الأطفال .. الجمال .. الغنم والطيور ينطلق مع الأذان الأول ولا مكان للكسالى، إذ لا نوم بعد صياح الديك ، " (3) وصلاة" الصبح, ولا أتذكر أن أحداً كان ينام بعد شروق الشمس، فبعد انقشاع الظلام الذي يلف البلاد والعباد يجب أن يبدأ الكل بالحركة.. وكلهم لرزقهم يسعون.

فيما كنا نغادر القرية رأينا عدداً من النسوة على حافة بئر قريتنا "عماصير" وهن يسحبن الماء من أعماق البئر بالدلاء المصنوعة من الجلد وحول البئر عددٌ من الحمير والجمال المحملة بالماء. تتهيأ للعودة إلى القرى والمناطق التي جاءت منها، وبعضها يبعد مسيرة يوم كامل وربما أكثر.. كانت "عماصير" المبنية من أسفلها إلى أعلاها بالحجارة والصخور المرصوفة بأحكام, محفورة في سفح جبل القاهرة ليس بعيداً عن وادي وجر، وقد حفرت بكاملها في جسم الجبل ذي الصخور الرمادية المائلة إلى الاخضرار.. كانت هذه البئر من القِدم بحيث لا يُعرف من حفرها ومتى حفرت. الناس هنا يقولون إن "الكفر" هم من حفرها. وصفة الكفر في الوعي الشعبي البسيط تعني الأقوام الذين عاشوا قبل الإسلام.. البعض يقول إن من حفرها بنو "غسان", والأرجح أنهم الأوسانيون.

كانت "عماصير" كما يؤكد كبار السن البئر الوحيدة في المنطقة كلها، وكان الناس يأتون     إليها للسقي من مناطق تبعد مسيرة اليوم واليومين وقد قال احد الشعراء عنها:

ياعماصير مال أهلش كمل بختهم

           ماتوا من الغبن حما يبصرون الوريدة

هادي علي يا ريتني عندهم

          ولا محلة معاهم رأس تاك امحديدة

أي إن أهل "عماصير" يموتون من الحسرة كل يوم وهم يتأملون أجمل الفتيات الفاتنات اللواتي يأتين من كل المناطق للسقي من بئرهم.

وقد ارخ الشاعر فرحان لهذه البئر قبل ثلاثمئة سنة عندما ضاعت بعض الدواب لأهل مودية وجاءوا يبحثون عنها إلى امفرعة وكانت الضباع قد افترست الدواب بين الأشجار الكثيفة التي كانت موجودة بين امقوز ومودية وكانت مليئة بأشجار (الصرح) التي تستخدم في سقف المباني لقوتها واستقامتها: ويؤكد الأهالي أن بعض الحُصون ومنها حُصن جدنا سليمان محمد جُلبت كل الأخشاب المستخدمة في سقوفها من هذه أشجار هذه المنطقة التي كانت لا تخلو من الحيوانات المفترسة كما يقول كبار السن نقلاً عمن سبقهم من آبائهم وأجدادهم. تقول القصة إن دواب أهل مودية لم تبق منها إلا دابة واحدة وصلت إلى القرية. وعندما جاء أهل مودية يسألون عن دوابهم وكان بينهم شخص اسمه ابن قاسم علي وجدوا أهل امفرعة في رقص ولهو بإحدى المناسبات وقد قال الشاعر فرحان شعراً عندما رأهم وعرف غرضهم من المجيئ:

حمير بر قاسم علي ضاعين وامدبة

 معانا لا متى يا مودية با تشربوا مأنا

وهذا يعني أن أهل مودية كانوا يشربون من بئر "عماصير" في تلك الفترة.

وكان لهذه البئر نبعان أحدهما ينبع من جهة الجبل الذي يحتضن القرية وماؤه يميل إلى الملوحة وطعمه غير مستساغ، وكان هذا النبع يسد بإحكام بما تيسر من الجلود والخرق والحجارة حتى لا يفسد المياه العذبة التي تتدفق من العين الأخرى التي ينبع ماؤها من جهة الوادي.

ويذكر أن الشاعر فرحان كان يتاجر على حماره، بين أرض أل حسنة و المياسر في مودية وفي إحدى المرات أخذ "سييرا" (مرافقا)ً يحميه وفي الطريق هجم عليهم مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق وأخذوا الحمار والبضاعة ولم يحمه أو يدافع عنه مرافقه الذي كان مسلحاً وكان من قرية تسمى اورمة، فقال حينها:

 

اورمـــــة لا تجيها زكـــنـــك مــــكــنـــك

مقصور محجور وإلا با تبان الخبية

خذت سيير من عصبة تشب البلا

واتقاطبوني طرف موقط  (4) جناح العشية

لا عد نفعني ولا ناعاد عنته بشي    

الله يصيبش مصيبة يا العروق الوشية

يا حبال امعزف ما عاد باشد بش

با تقطعي بي قطع بش في الخبوت الخلية

قال فرحان من حانق علي يشتحن    

يشد كوكب على جنبه بشترة (5)  قوية

هوامش /

1-  - أصبح فضل محسن مدير مراجعة الحسابات في عدن .  

2-  - قرية الفرعة:  تبعد نحو200متر عن قرية امقوز، ويفصل بينهما وادي وجر.

3- كان صياح الديكة حينها الساعة المنبهة الوحيدة

4- موقط جبل في منطقة آل وليد ويكنوا بآل مجرب

 5- شترة: تعني حبل
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
اليمن_تاريخ_وثقافة
#صور_يمنية
من اليمن لليمن للحضارة للفن للمدن للقرى للماضي للحاضر للارض للانسان للحرب للواقع
هنا
#اليمن
#صور_يمنية
#صور_يمنية
. #صور_يمنية
⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️
👍🏻

📸📸صورة🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪
https://tttttt.me/taye5
للاشتراك فـي القناة عبر الرابط التالي
👇👇👇👇👇👇👇👇
📸📸صورة🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪
🔵 www.telegram.me/taye5®
📸📸صور_يمنية 🇾🇪🇾🇪🇾🇪
🔵 www.telegram.me/taye5®
📸📸صور_يمنية 🇾🇪🇾🇪🇾🇪
جنى شخصية يمنية جذبت معجبين باليمن
🔵 www.telegram.me/taye5®
📸📸صور_يمنية 🇾🇪🇾🇪🇾🇪