الجنوب العربي وحركة التحرر الوطني.
يتميز الجنوب العربي بموقع جغرافي فريد يمتد من باب المندب غرباً وجبل الشيخ سعيد من على امتداد المداخل الجنوبية للبحر الأحمر ومداخل المحيط الهندي مما جعله يكسب أهمية إستراتيجية جعلته نقطة صراع منذ الحقب التاريخية للتنافس والحماية للمصالح الإستراتيجية والتجارية في المحيط الهندي وباب المندب ليجعل منه جسر دولياً في وسط المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. وبهذه المكانة الإستراتيجية للجنوب العربي وجد نفسه هذا الشعب داخل حلقة الصراع الدولي للسياسة التي أفرزتها الحربين العالميتين من بروز سمه جديدة للعصر في الصراع السياسي في ذلك الوقت (المعسكر الاشتراكي - المعسكر الرأسمالي) وهذا الصراع أدى إلى بروز حركة التحرر الوطني من الاستعمار في حق تقرير المصير للشعوب والتي أقرتها الأمم المتحدة لتصفية مخلفات الاستعمار لنيل الاستقلال لهذه الشعوب. وباندلاع ثورة 23 يوليو في مصر 1952م لعبة دوراً بارزاً في التأثير على مجريات الأمور في الوطن العربي والشرق الأوسط عموماً سواء من حيث المفاهيم والمنطلقات الفكرية التي طرحتها كمنهاج وخطة عمل على الصعيد الداخلي أو بالنسبة لمجمل تحالفاتها وعلاقاتها مع القوى والأنظمة القائمة ونظرتها لطبيعة التحالف مع القوى الخارجية. والواقع أن تأثير الثورة على الحركة القومية العربية كان كبيراً لدرجة أنه ما من حزب قومي إلا وطلب ربط مصيره بمصير ثورة مصر التي قادها عبدالناصر وكانت حركة القوميين العرب الأكثر تأثراً بالثورة المصرية. ودخل الجنوب العربي ضمن هذا الصراع القومي لمفهوم الوحدة العربية ويمننة الجنوب على طريق قيام الدولة العربية الموحدة من خلال إنشاء الحركة الوطنية والمتمثلة في مجموعة من التنظيمات السياسية للعمل الوطني وتفعيل دورها مع كافة الشرائح في المجتمع المدني المتمثل في النقابات العمالية والمهنية وغيرها من التحالفات الشعبية لكي تلعب دوراً كبيراً في توعية الشعب نحو حركة التحرر الوطني ودعوة إلى دمج إمارات الجنوب العربي مع اليمن على طريق الوحدة العربية وبانتصار ثورة يوليو ودعمها للقوميين قُدر لهذا الشعب أن يسجل صفحة من صفحات الدمج ألقسري لهوية وتاريخ وثقافة شعب الجنوب العربي المتأصل في جذور التاريخ الإنساني والحضاري في مملكاته الأولى مثل مملكة حضرموت التي سادة قبل ثمانية عشر قرناً قبل الميلاد ومملكة قتبان التي تعتبر أول دولة أسست نظام برلماني في العصر القديم والذي يعتبر بمثابة نظام البرلمانات الحديث. أًسس مبدأ القرار الجامعي وكان ذلك بداية العصر الميلادي وكذلك شق الطرقات وترصيصها بالأحجار وحفر الأنفاق لتسهيل طرق القوافل التجارية. وبهذه الدعوة القومية وبحسن النوايا لشعب الجنوب التواق لوحدة الأمة تخلا عن كل هذا التاريخ ليقدم للأمة أروع صور التضحية والحب قوبلت بالجحدان والنكران وطمس الإنسان.
الحرب العالمية الأولى وسلطنات الجنوب العربي.
عاشت الدول العربية والإسلامية قبل عام 1918م تحت دار الخلافة العثمانية وبهزيمة العثمانيين منحت بعض الدول استقلالها مثل مناطق أقاليم شبة الجزيرة العربية التي منحت فيها تهامة وزبيد استقلالها عن الخلافة العثمانية وذلك بحسب الاتفاقية التي أبرمة في 25 ذي الحجة سنة 1336هـ الموافق 31 ديسمبر 1918م عقدت الهدنة بين دولة تركيا والمملكة البريطانية وحلفائهما وقد قبلت تركيا بلا قيد أو شرط بعد هزيمتها هذه الاتفاقية وقد حددت الاتفاقية بين الأتراك والبريطانيين على مسالة الحدود وتسليم الحكم في اليمن إلى الإمام يحيى بعد أن تكبدوا خسائر في حربهم إلى جانب ألمانيا وقد هاجم قائد الجيوش التركية علي سعيد باشا سلطنة لحج العبدلية في 22 شعبان من عام 1333هـ وفي الساعة الحادية عشر ظهراً بدأت تتجمع القوات العثمانية حول لحج وفي الساعة الرابعة عشراً هاجم الأتراك مدينة الحوطة وأطلقوا عليها المدافع وفي صباح يوم الاثنين الساعة العاشرة أبيحت المدينة للناهبين ثلاثة أيام وأصبحت المدينة خراباً وأهلها فقراء ففشت المجاعة في البلاد وضجت العباد حتى فتحت الطريق إلى عدن وفي ليلة غرة شهر رمضان توفي السلطان علي بن أحمد بن علي سلطان لحج وخلفه ابن عمه السلطان عبدالكريم فضل بن علي وقد شنت الحرب تحت فتوى شيخ الإسلام في الأستانة صرح لهم إباحة أموال المسلمين المهاجرين لأنهم فروا من بلاد المسلمين للنصارى والمراد بها عدن وهو الميناء الرئيسي لسلطنة لحج التي سقطت تحت يد الانجليز في ذلك الوقت وتركيا تحارب لصالح ألمانيا وهي حرب ليس للمسلمين فيها لا ناقة ولا جمل على ما ذكرت في المصادر.
وقد سعى السلطان عبدالكريم بدوراً كبيراً في جعل من اليمن دولة موحدة مستقلة تضم كل من الشوافع والزيود في اليمن تحت سيادة الإمام يحيى معارضاً قيام دولتين أحدهما في صنعاء وأخرى في تعز وفي مارس 1919م انسحبت كافة القوات التركية وبهذا تم تعين الإمام يحيى بن حميد الدين ملكاً على المملكة المتوكلية وذهب في توسعة ناقضاً كل الاتفاقيات والمساندة ف
يتميز الجنوب العربي بموقع جغرافي فريد يمتد من باب المندب غرباً وجبل الشيخ سعيد من على امتداد المداخل الجنوبية للبحر الأحمر ومداخل المحيط الهندي مما جعله يكسب أهمية إستراتيجية جعلته نقطة صراع منذ الحقب التاريخية للتنافس والحماية للمصالح الإستراتيجية والتجارية في المحيط الهندي وباب المندب ليجعل منه جسر دولياً في وسط المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. وبهذه المكانة الإستراتيجية للجنوب العربي وجد نفسه هذا الشعب داخل حلقة الصراع الدولي للسياسة التي أفرزتها الحربين العالميتين من بروز سمه جديدة للعصر في الصراع السياسي في ذلك الوقت (المعسكر الاشتراكي - المعسكر الرأسمالي) وهذا الصراع أدى إلى بروز حركة التحرر الوطني من الاستعمار في حق تقرير المصير للشعوب والتي أقرتها الأمم المتحدة لتصفية مخلفات الاستعمار لنيل الاستقلال لهذه الشعوب. وباندلاع ثورة 23 يوليو في مصر 1952م لعبة دوراً بارزاً في التأثير على مجريات الأمور في الوطن العربي والشرق الأوسط عموماً سواء من حيث المفاهيم والمنطلقات الفكرية التي طرحتها كمنهاج وخطة عمل على الصعيد الداخلي أو بالنسبة لمجمل تحالفاتها وعلاقاتها مع القوى والأنظمة القائمة ونظرتها لطبيعة التحالف مع القوى الخارجية. والواقع أن تأثير الثورة على الحركة القومية العربية كان كبيراً لدرجة أنه ما من حزب قومي إلا وطلب ربط مصيره بمصير ثورة مصر التي قادها عبدالناصر وكانت حركة القوميين العرب الأكثر تأثراً بالثورة المصرية. ودخل الجنوب العربي ضمن هذا الصراع القومي لمفهوم الوحدة العربية ويمننة الجنوب على طريق قيام الدولة العربية الموحدة من خلال إنشاء الحركة الوطنية والمتمثلة في مجموعة من التنظيمات السياسية للعمل الوطني وتفعيل دورها مع كافة الشرائح في المجتمع المدني المتمثل في النقابات العمالية والمهنية وغيرها من التحالفات الشعبية لكي تلعب دوراً كبيراً في توعية الشعب نحو حركة التحرر الوطني ودعوة إلى دمج إمارات الجنوب العربي مع اليمن على طريق الوحدة العربية وبانتصار ثورة يوليو ودعمها للقوميين قُدر لهذا الشعب أن يسجل صفحة من صفحات الدمج ألقسري لهوية وتاريخ وثقافة شعب الجنوب العربي المتأصل في جذور التاريخ الإنساني والحضاري في مملكاته الأولى مثل مملكة حضرموت التي سادة قبل ثمانية عشر قرناً قبل الميلاد ومملكة قتبان التي تعتبر أول دولة أسست نظام برلماني في العصر القديم والذي يعتبر بمثابة نظام البرلمانات الحديث. أًسس مبدأ القرار الجامعي وكان ذلك بداية العصر الميلادي وكذلك شق الطرقات وترصيصها بالأحجار وحفر الأنفاق لتسهيل طرق القوافل التجارية. وبهذه الدعوة القومية وبحسن النوايا لشعب الجنوب التواق لوحدة الأمة تخلا عن كل هذا التاريخ ليقدم للأمة أروع صور التضحية والحب قوبلت بالجحدان والنكران وطمس الإنسان.
الحرب العالمية الأولى وسلطنات الجنوب العربي.
عاشت الدول العربية والإسلامية قبل عام 1918م تحت دار الخلافة العثمانية وبهزيمة العثمانيين منحت بعض الدول استقلالها مثل مناطق أقاليم شبة الجزيرة العربية التي منحت فيها تهامة وزبيد استقلالها عن الخلافة العثمانية وذلك بحسب الاتفاقية التي أبرمة في 25 ذي الحجة سنة 1336هـ الموافق 31 ديسمبر 1918م عقدت الهدنة بين دولة تركيا والمملكة البريطانية وحلفائهما وقد قبلت تركيا بلا قيد أو شرط بعد هزيمتها هذه الاتفاقية وقد حددت الاتفاقية بين الأتراك والبريطانيين على مسالة الحدود وتسليم الحكم في اليمن إلى الإمام يحيى بعد أن تكبدوا خسائر في حربهم إلى جانب ألمانيا وقد هاجم قائد الجيوش التركية علي سعيد باشا سلطنة لحج العبدلية في 22 شعبان من عام 1333هـ وفي الساعة الحادية عشر ظهراً بدأت تتجمع القوات العثمانية حول لحج وفي الساعة الرابعة عشراً هاجم الأتراك مدينة الحوطة وأطلقوا عليها المدافع وفي صباح يوم الاثنين الساعة العاشرة أبيحت المدينة للناهبين ثلاثة أيام وأصبحت المدينة خراباً وأهلها فقراء ففشت المجاعة في البلاد وضجت العباد حتى فتحت الطريق إلى عدن وفي ليلة غرة شهر رمضان توفي السلطان علي بن أحمد بن علي سلطان لحج وخلفه ابن عمه السلطان عبدالكريم فضل بن علي وقد شنت الحرب تحت فتوى شيخ الإسلام في الأستانة صرح لهم إباحة أموال المسلمين المهاجرين لأنهم فروا من بلاد المسلمين للنصارى والمراد بها عدن وهو الميناء الرئيسي لسلطنة لحج التي سقطت تحت يد الانجليز في ذلك الوقت وتركيا تحارب لصالح ألمانيا وهي حرب ليس للمسلمين فيها لا ناقة ولا جمل على ما ذكرت في المصادر.
وقد سعى السلطان عبدالكريم بدوراً كبيراً في جعل من اليمن دولة موحدة مستقلة تضم كل من الشوافع والزيود في اليمن تحت سيادة الإمام يحيى معارضاً قيام دولتين أحدهما في صنعاء وأخرى في تعز وفي مارس 1919م انسحبت كافة القوات التركية وبهذا تم تعين الإمام يحيى بن حميد الدين ملكاً على المملكة المتوكلية وذهب في توسعة ناقضاً كل الاتفاقيات والمساندة ف
ي دعمه من أشقاءه في الجنوب والسلطان عبدالكريم في لحج وبدأ يفرض سياسة أمر الواقع من أجل احتلال سلطنة لحج العبدلية وهي إحدى سلطنات الجنوب الهامة. وفي عامي 1925-1926م بدأت مسألة مناقشة اتفاقيات الحدود مع الإمام يحيى فرفض الاعتراف بهذه الاتفاقيات وأدخل إمارات الجنوب العربي والملكة المتوكلية في دوامة الصراع السياسي المدعوم لصالح قوى أخرى.
لقد تعرض سلاطين إمارات الجنوب العربي إلى هجوم كبير بوصفهم دعاة للانفصال والفرقة وبالخيانة لأوطانهم وأن هذه القوى المدعية متناسية الحقائق التاريخية لهذا الشعب الذي يشكل مجموعة إمارات ومشيخات ووجودها وجود تاريخي يؤكده العصر الإسلامي الذي نشأت فيه أكبر دول في الجنوب العربي اشتهرت بتراثها التاريخي العظيم وللحقيقة. نستعرض بعض هذه الملاحظات لتوضيح الأمر للقارئ:
وفي عام 1948م وبعد قيام جامعة الدول العربية تقدمت السلطنة العبدلية بمذكرة إلى هذه المنظمة العربية طالبة قبولها عضواً أو تمثيلها في اللجنة الثقافية أسوةً ببلاد المغرب فاعترضت حكومة اليمن على ذلك الطلب بحجة أن لحج محمية بريطانيا وجزء مقتطع من اليمن وألا يمكن بأي حال يكون لها ممثلون في الجامعة العربية وعلى هذا الأساس فليس لحضرموت أو لحج أن تعتبر نفسها سلطة قائمة بذاتها وأن تثبت وجودها في الخارج كهيئة أو حكومة ذات سيادة مستقلة.
وقد اثأروا ممثلو اليمن زوبعة كبيرة ضد سلطنة لحج على الرسالة التي قدمها السيد محمد علي الجفري مستشار عظمة سلطان لحج لصاحب الدولة رئيس الوزارة المصرية بتاريخ 8 ربيع الثاني سنة 1367هـ الموافق 18 فبراير عام 1948م وضح فيها مزاعم المعارضين لتمثيل لحج في الجامعة العربي بحجج قاطعة لا تدع مجالاً لأولئك الذين يحلمون بضم إمارات الجنوب العربي إلى اليمن.
وهذا نص المذكرة السياسية التي أرسلتها سلطنة لحج إلى الجامعة العربية والوفود التي حضرت جلسات الجامعة في شهر فبراير 1948م:
حضرة صاحب الدولة:
بعد الإجلال والاحترام اطلعنا اليوم على اعتراضات أبداها حضرة مندوب حكومة اليمن على انضمام سلطنة لحج إلى بعض لجان جامعة الدول العربية عامةً كما اطلعنا على نشريات أخرى غير صحيحة نشرتها جريدة المصري حول هذا الطلب وإني بصفتي مستشار عظمة السلطان وقد انتدبني لتمثيله في الجامعة أتشرف بأن أقدم لدولتكم المذكرة الآتية:
- أولا: أن سلطنة لحج مستقلة منذ مائتين وثلاثين عاماً وقبل أن يكون للانجليز أي تدخل في السياسة العربية وقبل أن تستقل اليمن بمائتي سنة.
- ثانياً: أن سلطنة لحج ليست محمية بريطانية ومعاهدتها مع الانجليز معاهدة صداقة وود وقد سلمنا الصورة الرسمية عنها إلى معالي الأمين العام.
- ثالثاً: أن عظمة السلطان لا يتقاضى مرتباً من الانجليز ولكن بريطانيا في مقابل استثمار ملاحات بلدة الشيخ عثمان ومقابل المياه الحلوة المستغلة منها تدفع نحو أربعين ألف روبية.
- رابعاً: أن سلطنة لحج مستقلة استقلالاً داخلياً كاملاً ولا يوجد فيها مستشارون إنجليز ولا أي موظف إنجليزي ولا أي مندوب من قبل بريطانيا في أي دائرة ولا المحاكم الشرعية.
- خامساً: أن سلطنة لحج مستعدة لتنفيذ الرغبات العربية القومية ولكنها لا تقبل الانضمام إلى حكومة لا تقوم على أساس نظامي من دستور أو قانون وتطلب من جامعة الدول العربية انتداب لجنة تكون ضيفة عليها لتحقيق الأوضاع الحاضرة في لحج واليمن وترى الفرق الشاسع بينهما في النظام وحكم الشورى والحرية الشخصية وحالة التعليم والصحة وغير ذلك من المرافق العامة.
فمن هذا يتضح ما في تلك الأقوال من مغالطات غير صحيحة، كما أننا نطلب سماع ردنا عليها والوقوف على وجهة نظرنا في مواجهة حضرة مندوب حكومة اليمن الذي لم يراع الأصول السياسية المتعارف عليها بين الحكومات وبعضها.
وفي الختام أرجوا أن تتفضلوا بقبول فائق الاحترام
هذا وإني أختم كلمتي بأنه ليس هناك طريق للوحدة اليمنية وتنفيذ الرغبات القومية العربية إلا الطريق الذي ألمعت إليه آنفاً، أن تقوم في اليمن حكومة نظامية مدنية تعترف بوجود العلم والفن ولا تعتبر الجامعات والكهرباء والراديو والطيارات من عمل الشيطان،،
محمد علي الجفري
الحركة الوطنية ويمننة الجنوب.
ظلت عدن بعد سقوطها في أيدي البريطانيين تابعة لحكومة بومباي وكانت بريطانيا تهتم بالميناء فقط فهي تسعى لزيادة التبادل التجاري مع الأقاليم المحيطة وكانت تركز اهتمامها لتعزيز التجارة بين الشرق والغرب في ميناء عدن ولم يتدخل الإنجليز في شؤون إمارات الجنوب العربي إلا بعد معاهدات الحماية دون تدخل فعّال في شؤونها وفي أول إبريل عام 1937م فصلت عدن عن الحكومة الهندية كولاية تابعة لها إلى مستعمرة تابعة للتاج الملكي البريطاني مع استمرارها كميناء حر وجاء هذا التغير في سلسلة المتغيرات الإستراتيجية التي حكمت بين الشرق والغرب لهذا عملت بريطانيا لنقل كافة مهام السلطة الإدارية إلى وزارة المستعمرات تحسبتاً لأي متغيرات دولية وكذا استقلال الهند التي نالتُه في عام 1947م وكل هذه الظروف والمتغيرات في م
لقد تعرض سلاطين إمارات الجنوب العربي إلى هجوم كبير بوصفهم دعاة للانفصال والفرقة وبالخيانة لأوطانهم وأن هذه القوى المدعية متناسية الحقائق التاريخية لهذا الشعب الذي يشكل مجموعة إمارات ومشيخات ووجودها وجود تاريخي يؤكده العصر الإسلامي الذي نشأت فيه أكبر دول في الجنوب العربي اشتهرت بتراثها التاريخي العظيم وللحقيقة. نستعرض بعض هذه الملاحظات لتوضيح الأمر للقارئ:
وفي عام 1948م وبعد قيام جامعة الدول العربية تقدمت السلطنة العبدلية بمذكرة إلى هذه المنظمة العربية طالبة قبولها عضواً أو تمثيلها في اللجنة الثقافية أسوةً ببلاد المغرب فاعترضت حكومة اليمن على ذلك الطلب بحجة أن لحج محمية بريطانيا وجزء مقتطع من اليمن وألا يمكن بأي حال يكون لها ممثلون في الجامعة العربية وعلى هذا الأساس فليس لحضرموت أو لحج أن تعتبر نفسها سلطة قائمة بذاتها وأن تثبت وجودها في الخارج كهيئة أو حكومة ذات سيادة مستقلة.
وقد اثأروا ممثلو اليمن زوبعة كبيرة ضد سلطنة لحج على الرسالة التي قدمها السيد محمد علي الجفري مستشار عظمة سلطان لحج لصاحب الدولة رئيس الوزارة المصرية بتاريخ 8 ربيع الثاني سنة 1367هـ الموافق 18 فبراير عام 1948م وضح فيها مزاعم المعارضين لتمثيل لحج في الجامعة العربي بحجج قاطعة لا تدع مجالاً لأولئك الذين يحلمون بضم إمارات الجنوب العربي إلى اليمن.
وهذا نص المذكرة السياسية التي أرسلتها سلطنة لحج إلى الجامعة العربية والوفود التي حضرت جلسات الجامعة في شهر فبراير 1948م:
حضرة صاحب الدولة:
بعد الإجلال والاحترام اطلعنا اليوم على اعتراضات أبداها حضرة مندوب حكومة اليمن على انضمام سلطنة لحج إلى بعض لجان جامعة الدول العربية عامةً كما اطلعنا على نشريات أخرى غير صحيحة نشرتها جريدة المصري حول هذا الطلب وإني بصفتي مستشار عظمة السلطان وقد انتدبني لتمثيله في الجامعة أتشرف بأن أقدم لدولتكم المذكرة الآتية:
- أولا: أن سلطنة لحج مستقلة منذ مائتين وثلاثين عاماً وقبل أن يكون للانجليز أي تدخل في السياسة العربية وقبل أن تستقل اليمن بمائتي سنة.
- ثانياً: أن سلطنة لحج ليست محمية بريطانية ومعاهدتها مع الانجليز معاهدة صداقة وود وقد سلمنا الصورة الرسمية عنها إلى معالي الأمين العام.
- ثالثاً: أن عظمة السلطان لا يتقاضى مرتباً من الانجليز ولكن بريطانيا في مقابل استثمار ملاحات بلدة الشيخ عثمان ومقابل المياه الحلوة المستغلة منها تدفع نحو أربعين ألف روبية.
- رابعاً: أن سلطنة لحج مستقلة استقلالاً داخلياً كاملاً ولا يوجد فيها مستشارون إنجليز ولا أي موظف إنجليزي ولا أي مندوب من قبل بريطانيا في أي دائرة ولا المحاكم الشرعية.
- خامساً: أن سلطنة لحج مستعدة لتنفيذ الرغبات العربية القومية ولكنها لا تقبل الانضمام إلى حكومة لا تقوم على أساس نظامي من دستور أو قانون وتطلب من جامعة الدول العربية انتداب لجنة تكون ضيفة عليها لتحقيق الأوضاع الحاضرة في لحج واليمن وترى الفرق الشاسع بينهما في النظام وحكم الشورى والحرية الشخصية وحالة التعليم والصحة وغير ذلك من المرافق العامة.
فمن هذا يتضح ما في تلك الأقوال من مغالطات غير صحيحة، كما أننا نطلب سماع ردنا عليها والوقوف على وجهة نظرنا في مواجهة حضرة مندوب حكومة اليمن الذي لم يراع الأصول السياسية المتعارف عليها بين الحكومات وبعضها.
وفي الختام أرجوا أن تتفضلوا بقبول فائق الاحترام
هذا وإني أختم كلمتي بأنه ليس هناك طريق للوحدة اليمنية وتنفيذ الرغبات القومية العربية إلا الطريق الذي ألمعت إليه آنفاً، أن تقوم في اليمن حكومة نظامية مدنية تعترف بوجود العلم والفن ولا تعتبر الجامعات والكهرباء والراديو والطيارات من عمل الشيطان،،
محمد علي الجفري
الحركة الوطنية ويمننة الجنوب.
ظلت عدن بعد سقوطها في أيدي البريطانيين تابعة لحكومة بومباي وكانت بريطانيا تهتم بالميناء فقط فهي تسعى لزيادة التبادل التجاري مع الأقاليم المحيطة وكانت تركز اهتمامها لتعزيز التجارة بين الشرق والغرب في ميناء عدن ولم يتدخل الإنجليز في شؤون إمارات الجنوب العربي إلا بعد معاهدات الحماية دون تدخل فعّال في شؤونها وفي أول إبريل عام 1937م فصلت عدن عن الحكومة الهندية كولاية تابعة لها إلى مستعمرة تابعة للتاج الملكي البريطاني مع استمرارها كميناء حر وجاء هذا التغير في سلسلة المتغيرات الإستراتيجية التي حكمت بين الشرق والغرب لهذا عملت بريطانيا لنقل كافة مهام السلطة الإدارية إلى وزارة المستعمرات تحسبتاً لأي متغيرات دولية وكذا استقلال الهند التي نالتُه في عام 1947م وكل هذه الظروف والمتغيرات في م
عطيات أمور الجنوب العربي أدت إلى بروز المشاركة الفعلية في الصراع ما بين دعاة الاستقلال بالثورة السلمية في نيل حق تقرير المصير وبين دعاة الثورة المسلحة في الجنوب نحو تحقيق الوحدة العربية اليمنية.
وعلى هذه المتغيرات بدأت بريطانيا في عام 1947م على تأسيس مجلس تشريعي يضم ثمانية من الموظفين وثمانية آخرين من غير الموظفين يتولى الحاكم العام تعين أربعة من الفئة الأولى مع أفراد الفئة الثانية ودخلت عدن ومع إمارات الجنوب مرحلة جديدة من العمل السياسي تجلى ذلك في ظهور منظومة الأحزاب السياسية وإنشاء الجمعيات والنقابات وفي بداية الخمسينات تكونت الجمعية العدنية وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي وكذا مجموعة من الأحزاب الصغيرة التي لم تنجح في الاستمرار مثل الحزب الوطني الاتحادي والمؤتمر الدستوري وحزب الأمة والحزب الشعبي.
وفي يوليو عام 1955م طالبت الجمعية العدنية وحزب الرابطة بانتخابات فعلية للمجلس التشريعي في عدن وقد تم تحديد عدد المرشحين للانتخاب في بعض الأعضاء لأول مرة أن يعتمد الترشيح على أربعة وقد تحصلت الرابطة على ثلاثة مقاعد من الأربعة المرشحين وبهذا ظل الحاكم العام يملك الصوت المرجح في المجلس وفي مايو 1956م قدمت الرابطة مجموعة من المقترحات لتحقيق مزيد من الخطوات في طريق الحكم الذاتي وإقامة مجلس تشريعي منتخب ووزارة منتخبة والاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية والعمل على تخفيض عدد الموظفين الانجليز في المستعمرة للمناصب العليا وفي نوفمبر 1957م أعلنت الحكومة البريطانية عن تغييرات دستورية جديدة في المجلسين التنفيذي والتشريعي ونص الدستور الجديد الذي تحول إلى قانون في نوفمبر 1958م على أن يضم المجلس التشريعي الجديد أثنى عشر عضواً منتخباً وخمسة أعضاء بحكم مناصبهم في الحكومة وستة معينين ورئيساً يعينه الحاكم العام وقد أزالت هذه الترتيبات الجديدة الأغلبية التي كانت للموظفين في المجلس التشريعي وعهدت بالمسؤولية دوائر التعليم والأشغال العامة والمواصلات والعمل والخدمات الاجتماعية والصحة إلى خمسة من أعضاء المجلس التشريعي على أن يكون ثلاثة منهم منتخبين وظل الحاكم محتفظاً بالسلطات التشريعية والتنفيذية في يديه إلا أن اللغة العربية أصبحت للمرة الأولى اللغة الرسمية والبديلة عن الانجليزية في المجلس التشريعي.
وبدخول الرابطة انتخابات المجلس التشريعي وجهت لها ضربة سياسية قوية في سمعتها في ذلك الوقت من قبل أعضاؤها الذين أيدوا المقاطعة وقد اشتعلت بينهما الاختلافات وأظهرت التناقضات. وبهذا الموقف عملت القوى الوطنية إلي تجميع النقابات في عدن وقد كانت توجد في عام 1955م ثلاث نقابات وازداد عدد هذه النقابات فيما بعد إلى 25 نقابة حتى بلغت عام 1956م إلى 30 نقابة وفي نفس هذا العام أنشئ مؤتمر عدن للنقابات (المؤتمر العمالي) ويضم فيه اتحاد عمال الميناء والبترول، والوظائف المتنوعة الحكومية والمواصلات والبريد والوظائف المهنية والوظائف المتنوعة. وفي عام 1962م شُكل حزب الشعب الاشتراكي كواجهة للعمل السياسي بما يسمى مؤتمر عدن للنقابات تعتبر هذه المرحلة هي مرحلة البدايات لثورة بمفهومها الشامل كمقدمة إستراتيجية للعمل السياسي والشعبي تحت نظريتين، معركة التحرير للجنوب العربي متمثل في الثورة السلمية، ومعركة الثورة المسلحة المتمثلة في أيدلوجية الفكر القومي للوحدة العربية ويعتبر حزب الشعب الاشتراكي هو الحزب السياسي الوحيد الذي أنشئ في ذلك الوقت وقد برز على أنقاض حزب الرابطة بعد هزيمته السياسية على كافة الجوانب الشعبية والنقابية بغض النظر فيما حققه من انجازات سياسية على صعيد العمل السياسي وتقديم قضية الجنوب العربي في المحافل الدولية والأمم المتحدة.
باندلاع الانتفاضة المسلحة بقيادة الشيخ غالب بن راجح لبوزة من ردفان بدأت التناقضات على الساحة السياسية بين مؤيد ومعارض فالأحزاب التي نادت بالعمل السلمي لانتزاع الاستقلال باعتباره الأسلوب الوحيد الذي يلبي مطالب جماهير الشعب وأهدافه وآماله مثل حزب رابطة أبناء الجنوب العربي الذي انطلق من أن الجنوب العربي شعب مستقل عن ما يسمى بالتراب اليمني وهو يعتبرها نظرية خرافية لأنه لا يوجد شيء اسمه طين يمني متميز بملامح وسمات وخصائص وصفات عن التراب العربي ويعتبرون هذا الموضوع موضوعاً جدلياً لا طائل تحته ولا جدوى إطلاقاً من إثارته معتبرين أن الجنوب جنوب عربي ليس من حيث شكل التسمية ولكن من حيث الجوهر والمحتوى والدلالات التاريخية وقد شجنت الرابطة النضال المسلح واعتبرته خطراً يهدد الجنوب بالدمار.
أما حزب الشعب الاشتراكي يعتبر النضال المسلح وسيلة رئيسة للضغط على الاستعمار من أجل الوصول إلى حلول سياسية أفضل وليس لإحراز انتصار عسكري حاسم وقد أيد ذلك الطرح حزب البعث في الجنوب والتزاماً بذلك الخط مضموناً ومحتوياً وسلوكاً.
الاتجاه الثاني تيار الثورة المسلحة وهذا التيار ينقسم إلى قسمين:
بدأت فكرة الثورة عبارة عن تيار نظري ولم تكتمل لدى الثورة أية خطة عمل إستراتيجية للعمل ال
وعلى هذه المتغيرات بدأت بريطانيا في عام 1947م على تأسيس مجلس تشريعي يضم ثمانية من الموظفين وثمانية آخرين من غير الموظفين يتولى الحاكم العام تعين أربعة من الفئة الأولى مع أفراد الفئة الثانية ودخلت عدن ومع إمارات الجنوب مرحلة جديدة من العمل السياسي تجلى ذلك في ظهور منظومة الأحزاب السياسية وإنشاء الجمعيات والنقابات وفي بداية الخمسينات تكونت الجمعية العدنية وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي وكذا مجموعة من الأحزاب الصغيرة التي لم تنجح في الاستمرار مثل الحزب الوطني الاتحادي والمؤتمر الدستوري وحزب الأمة والحزب الشعبي.
وفي يوليو عام 1955م طالبت الجمعية العدنية وحزب الرابطة بانتخابات فعلية للمجلس التشريعي في عدن وقد تم تحديد عدد المرشحين للانتخاب في بعض الأعضاء لأول مرة أن يعتمد الترشيح على أربعة وقد تحصلت الرابطة على ثلاثة مقاعد من الأربعة المرشحين وبهذا ظل الحاكم العام يملك الصوت المرجح في المجلس وفي مايو 1956م قدمت الرابطة مجموعة من المقترحات لتحقيق مزيد من الخطوات في طريق الحكم الذاتي وإقامة مجلس تشريعي منتخب ووزارة منتخبة والاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية والعمل على تخفيض عدد الموظفين الانجليز في المستعمرة للمناصب العليا وفي نوفمبر 1957م أعلنت الحكومة البريطانية عن تغييرات دستورية جديدة في المجلسين التنفيذي والتشريعي ونص الدستور الجديد الذي تحول إلى قانون في نوفمبر 1958م على أن يضم المجلس التشريعي الجديد أثنى عشر عضواً منتخباً وخمسة أعضاء بحكم مناصبهم في الحكومة وستة معينين ورئيساً يعينه الحاكم العام وقد أزالت هذه الترتيبات الجديدة الأغلبية التي كانت للموظفين في المجلس التشريعي وعهدت بالمسؤولية دوائر التعليم والأشغال العامة والمواصلات والعمل والخدمات الاجتماعية والصحة إلى خمسة من أعضاء المجلس التشريعي على أن يكون ثلاثة منهم منتخبين وظل الحاكم محتفظاً بالسلطات التشريعية والتنفيذية في يديه إلا أن اللغة العربية أصبحت للمرة الأولى اللغة الرسمية والبديلة عن الانجليزية في المجلس التشريعي.
وبدخول الرابطة انتخابات المجلس التشريعي وجهت لها ضربة سياسية قوية في سمعتها في ذلك الوقت من قبل أعضاؤها الذين أيدوا المقاطعة وقد اشتعلت بينهما الاختلافات وأظهرت التناقضات. وبهذا الموقف عملت القوى الوطنية إلي تجميع النقابات في عدن وقد كانت توجد في عام 1955م ثلاث نقابات وازداد عدد هذه النقابات فيما بعد إلى 25 نقابة حتى بلغت عام 1956م إلى 30 نقابة وفي نفس هذا العام أنشئ مؤتمر عدن للنقابات (المؤتمر العمالي) ويضم فيه اتحاد عمال الميناء والبترول، والوظائف المتنوعة الحكومية والمواصلات والبريد والوظائف المهنية والوظائف المتنوعة. وفي عام 1962م شُكل حزب الشعب الاشتراكي كواجهة للعمل السياسي بما يسمى مؤتمر عدن للنقابات تعتبر هذه المرحلة هي مرحلة البدايات لثورة بمفهومها الشامل كمقدمة إستراتيجية للعمل السياسي والشعبي تحت نظريتين، معركة التحرير للجنوب العربي متمثل في الثورة السلمية، ومعركة الثورة المسلحة المتمثلة في أيدلوجية الفكر القومي للوحدة العربية ويعتبر حزب الشعب الاشتراكي هو الحزب السياسي الوحيد الذي أنشئ في ذلك الوقت وقد برز على أنقاض حزب الرابطة بعد هزيمته السياسية على كافة الجوانب الشعبية والنقابية بغض النظر فيما حققه من انجازات سياسية على صعيد العمل السياسي وتقديم قضية الجنوب العربي في المحافل الدولية والأمم المتحدة.
باندلاع الانتفاضة المسلحة بقيادة الشيخ غالب بن راجح لبوزة من ردفان بدأت التناقضات على الساحة السياسية بين مؤيد ومعارض فالأحزاب التي نادت بالعمل السلمي لانتزاع الاستقلال باعتباره الأسلوب الوحيد الذي يلبي مطالب جماهير الشعب وأهدافه وآماله مثل حزب رابطة أبناء الجنوب العربي الذي انطلق من أن الجنوب العربي شعب مستقل عن ما يسمى بالتراب اليمني وهو يعتبرها نظرية خرافية لأنه لا يوجد شيء اسمه طين يمني متميز بملامح وسمات وخصائص وصفات عن التراب العربي ويعتبرون هذا الموضوع موضوعاً جدلياً لا طائل تحته ولا جدوى إطلاقاً من إثارته معتبرين أن الجنوب جنوب عربي ليس من حيث شكل التسمية ولكن من حيث الجوهر والمحتوى والدلالات التاريخية وقد شجنت الرابطة النضال المسلح واعتبرته خطراً يهدد الجنوب بالدمار.
أما حزب الشعب الاشتراكي يعتبر النضال المسلح وسيلة رئيسة للضغط على الاستعمار من أجل الوصول إلى حلول سياسية أفضل وليس لإحراز انتصار عسكري حاسم وقد أيد ذلك الطرح حزب البعث في الجنوب والتزاماً بذلك الخط مضموناً ومحتوياً وسلوكاً.
الاتجاه الثاني تيار الثورة المسلحة وهذا التيار ينقسم إلى قسمين:
بدأت فكرة الثورة عبارة عن تيار نظري ولم تكتمل لدى الثورة أية خطة عمل إستراتيجية للعمل ال
سياسي والعسكري والشعبي وكما ذكرنا سابقاً أن المؤتمر العمالي للنقابات لعب دوراً كبيراً في تحريك الشعب للمظاهرات والاحتجاجات والإضرابات والعصيان المدني وفي خلال هذه الفترة تمت لقاءات بين القوى الوطنية دعا إليها بعض رجال القبائل البارزين وممثلون من ضباط الجيش الاتحادي وممثلون عن حركة القوميين العرب واستطاعت هذه الشخصيات أن تتزعم الدعوة لاجتماع القوى الوطنية في دار السعادة بصنعاء وذلك في تاريخ 24 فبراير سنة 1963م وفي هذا الاجتماع الذي حضره أكثر من ألف شخص من القبائل ومن الجنود ومن الضباط الأحرار وممثلي حركة القوميين العرب استقرت الرؤى على تشكيل لجنة تحضيرية لتقوم بإعداد مشروع ميثاق في صيغة نداء إلى الفئات الوطنية لكي تلتقي في جبهة واحدة أطلق عليها في البداية جبهة تحرير الجنوب المحتل وانتخبت لجنة تكونت من 11 عضواً تم اختيارهم من الحاضرين وكان من أبرزهم قحطان الشعبي وناصر السقاف وعبدالله المجعلى ومحمد على الصوماتى وثابت علي المنصوري ومحمد أحمد الدقم وبخيت مليط وأحمد عبدالله العولقي وعيدروس حسين قاضي وعلي محمد الكاظمى وعبدالله محمد الصلاحي. وعقدت اللجنة التحضيرية عدة اجتماعات توصلت بعدها إلى إعداد مشروع ميثاق تمت الموافقة عليه في 8 مارس سنة 1963م وأقره الحاضرون من رجالات القبائل والضباط والجنود الأحرار وممثلي القوميين العرب ويتكون الميثاق من مقدمة ومن نقاط عريضة حددت الأهداف والمبادئ التي تناضل من أجلها.
وفي 19 أغسطس 1963م صدر بيان رسمي بقيام الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل وشكلت قيادة للجبهة مكونة من ستة ممثلين عن قطاع القبائل وستة ممثلين عن حركة القوميين العرب وقد لعبة أحداث 14 أكتوبر 1963م التي حدثت بين قبائل ردفان والسلطات البريطانية عندما وجه إنذاراً إلى قبائل ردفان بتسليم السلاح وبدأ التحدي بإرسال قوات ضخمة مدعمة بالمصفحات والدبابات وطائرات لقصف قرى ردفان وتأديب قبائلها مما أثار الشيخ غالب بن راجح لبوزه ودفعه في دخول معركة مسلحة مع القوات البريطانية مما جعل الجبهة القومية أمام أمر واقع فاستغلتها الجبهة القومية وأعلنت في بيان لها اندلاع الثورة المسلحة وأنها المسئولة عن أحداث 14 أكتوبر وبهذا الموقف قضت الجبهة القومية على كافة معارضيها في قيام الجبهة المسلحة للتحرير وقد قرأ البيان من صنعاء أثناء وجود بعض كبار المسئولين العرب في صنعاء وطلبت الجبهة القومية تدعيمها بالسلاح والإمكانيات الضرورية لاستمرار الثورة فوافق المسئولين العرب على أمداد الجبهة ببعض المتطلبات على أن يدرس الموضوع في القاهرة وبعد ذلك عززت جبهة ردفان ببعض الإمكانيات لتقوية استمرارها وأرسلت الجبهة القومية ممثلاً عنها ليتولى قيادة الجبهة وهو الشيخ عبدالله المجعلى وذلك بعد استشهاد الشيخ غالب بن راجح لبوزه في أول يوم لاندلاع الثورة في ردفان وبهذا أصبحت ثورة ردفان شعلة للثورة الشاملة في ربوع الجنوب العربي كله وقد عملت الجبهة القومية على توسيع نشاطها في تلك الفترة وبدأت تستقطب بعض التجمعات السرية التي ظهرت في المنطقة قبل قيام الثورة المسلحة وبدأت في السعي لانضمام هذه التجمعات مثل جبهة الإصلاح اليافعية والجبهة الوطنية والمنظمة الثورية لتحرير الجنوب وتنظيم الضباط الأحرار والجبهة الناصرية وبهذا أصبحت الجبهة القومية مكونة من سبعة تنظيمات سرية استطاعت بالفعل أن تتوسع وأن تتغلغل في كافة صفوف الجماهير وأن تقطع دابر تلك التشكيلات والأحزاب السياسية التي لها موقف من الثورة المسلحة.
أما الأحزاب السياسية الأخرى مثل حركة القوميين العرب والبعثيين والشيوعيين رغم حجم كل منهم ودوره فقد ساهمت إلى حد ما فكرياً في تعميق أسلوب النضال المسلح في أوساط الجماهير في المنطقة وقد التزم حزب البعث في الجنوب بخط حزب الشعب الاشتراكي.
الدمج ألقسري وجبهة التحرير.
في 23/12/1963م دعا الرئيس جمال عبدالناصر إلى مؤتمر القمة العربية الأول ومن أجل ذلك عمل على توحيد الصف العربي وتنقية الأجواء وكانت هذه الخطوة بمثابة تنشيط لدور الجامعة العربية وفي يوم 5/7/1964م عقدة بمبنى الجامعة العربية بالقاهرة وتحت رعايتها مؤتمر وطني للجنوب المحتل حضرة الأمين العام المساعد للجامعة وعدد من الأحزاب والهيئات والشخصيات المستقلة وحزب الشعب الاشتراكي وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي والمؤتمر العشبي بحضرموت والاتحاد الشعبي الديمقراطي والسلطان علي عبدالكريم والسلطان أحمد عبدالله الفضلي ومن المشائخ محمد أبوبكر بن فريد وشخصيات مستقلة مثل السيد عبدالقوي مكاوي وعمر شهاب وقد عبر الأمين العام في كلمته عن غرض الرئيس إلى هذا اللقاء وهو الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الاستعمار واتخاذ خطة موحدة لدعم النضال الوطني والتوجه يداً واحدة إلى لقاء اللجنة الفرعية لتصفية الاستعمار التي تزور القاهرة لتستمع إلى أبناء الجنوب العربي المحتل. وقد أصدرت الأطراف المجتمعة بياناً مشتركاً وتحديد إطار العمل الوطني في مواجهة الاستعمار يداً واحدة والنضال ا
وفي 19 أغسطس 1963م صدر بيان رسمي بقيام الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل وشكلت قيادة للجبهة مكونة من ستة ممثلين عن قطاع القبائل وستة ممثلين عن حركة القوميين العرب وقد لعبة أحداث 14 أكتوبر 1963م التي حدثت بين قبائل ردفان والسلطات البريطانية عندما وجه إنذاراً إلى قبائل ردفان بتسليم السلاح وبدأ التحدي بإرسال قوات ضخمة مدعمة بالمصفحات والدبابات وطائرات لقصف قرى ردفان وتأديب قبائلها مما أثار الشيخ غالب بن راجح لبوزه ودفعه في دخول معركة مسلحة مع القوات البريطانية مما جعل الجبهة القومية أمام أمر واقع فاستغلتها الجبهة القومية وأعلنت في بيان لها اندلاع الثورة المسلحة وأنها المسئولة عن أحداث 14 أكتوبر وبهذا الموقف قضت الجبهة القومية على كافة معارضيها في قيام الجبهة المسلحة للتحرير وقد قرأ البيان من صنعاء أثناء وجود بعض كبار المسئولين العرب في صنعاء وطلبت الجبهة القومية تدعيمها بالسلاح والإمكانيات الضرورية لاستمرار الثورة فوافق المسئولين العرب على أمداد الجبهة ببعض المتطلبات على أن يدرس الموضوع في القاهرة وبعد ذلك عززت جبهة ردفان ببعض الإمكانيات لتقوية استمرارها وأرسلت الجبهة القومية ممثلاً عنها ليتولى قيادة الجبهة وهو الشيخ عبدالله المجعلى وذلك بعد استشهاد الشيخ غالب بن راجح لبوزه في أول يوم لاندلاع الثورة في ردفان وبهذا أصبحت ثورة ردفان شعلة للثورة الشاملة في ربوع الجنوب العربي كله وقد عملت الجبهة القومية على توسيع نشاطها في تلك الفترة وبدأت تستقطب بعض التجمعات السرية التي ظهرت في المنطقة قبل قيام الثورة المسلحة وبدأت في السعي لانضمام هذه التجمعات مثل جبهة الإصلاح اليافعية والجبهة الوطنية والمنظمة الثورية لتحرير الجنوب وتنظيم الضباط الأحرار والجبهة الناصرية وبهذا أصبحت الجبهة القومية مكونة من سبعة تنظيمات سرية استطاعت بالفعل أن تتوسع وأن تتغلغل في كافة صفوف الجماهير وأن تقطع دابر تلك التشكيلات والأحزاب السياسية التي لها موقف من الثورة المسلحة.
أما الأحزاب السياسية الأخرى مثل حركة القوميين العرب والبعثيين والشيوعيين رغم حجم كل منهم ودوره فقد ساهمت إلى حد ما فكرياً في تعميق أسلوب النضال المسلح في أوساط الجماهير في المنطقة وقد التزم حزب البعث في الجنوب بخط حزب الشعب الاشتراكي.
الدمج ألقسري وجبهة التحرير.
في 23/12/1963م دعا الرئيس جمال عبدالناصر إلى مؤتمر القمة العربية الأول ومن أجل ذلك عمل على توحيد الصف العربي وتنقية الأجواء وكانت هذه الخطوة بمثابة تنشيط لدور الجامعة العربية وفي يوم 5/7/1964م عقدة بمبنى الجامعة العربية بالقاهرة وتحت رعايتها مؤتمر وطني للجنوب المحتل حضرة الأمين العام المساعد للجامعة وعدد من الأحزاب والهيئات والشخصيات المستقلة وحزب الشعب الاشتراكي وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي والمؤتمر العشبي بحضرموت والاتحاد الشعبي الديمقراطي والسلطان علي عبدالكريم والسلطان أحمد عبدالله الفضلي ومن المشائخ محمد أبوبكر بن فريد وشخصيات مستقلة مثل السيد عبدالقوي مكاوي وعمر شهاب وقد عبر الأمين العام في كلمته عن غرض الرئيس إلى هذا اللقاء وهو الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الاستعمار واتخاذ خطة موحدة لدعم النضال الوطني والتوجه يداً واحدة إلى لقاء اللجنة الفرعية لتصفية الاستعمار التي تزور القاهرة لتستمع إلى أبناء الجنوب العربي المحتل. وقد أصدرت الأطراف المجتمعة بياناً مشتركاً وتحديد إطار العمل الوطني في مواجهة الاستعمار يداً واحدة والنضال ا
وضات حتى 27 نوفمبر 1967م والوفد البريطاني برئاسة لورد شاكلتون وهكذا ففي 30 من نوفمبر 1967م ولدت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وفي نفس اليوم أصدرت القيادة العامة للتنظيم السياسي للجبهة القومية بياناً أعلنت فيه الجبهة القومية السلطة العليا في الجمهورية وأعلن في البيان عن أتباع الشكل الرئاسي للحكم وعين قحطان محمد الشعبي رئيساً للجمهورية ورئيس كذلك مجلس الوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة وسيف الضالعي وزيراً للشؤون الخارجية وعلي سالم البيض وزيراً للدفاع ومحمد علي هيثم وزيراً للشؤون الداخلية ووزيراً للصحة بالوكالة ومحمود عبدالله عشيش وزيراً للمالية وعبدالفتاح إسماعيل وزيراً للثقافة والإرشاد القومي وشؤون الوحدة اليمنية وفيصل عبداللطيف الشعبي وزيراً للاقتصاد والتجارة والتخطيط وعادل محفوظ خليفة وزيراً للعدل والأوقاف وفيصل شملان وزيراً للأشغال العامة والمواصلات وعبدالملك إسماعيل وزيراً للعمل والضمان الاجتماع ومحمد عبدالقادر بافقية وزير التعليم وسعيد عمر العكبري وزير لشؤون الإدارة المحلية والزراعة وحدد البيان دور ومكان الجبهة القومية في البلاد بأنها قائد الثورة والسلطة العليا وكما أعلنت المبادئ الأساسية لسياسة الدولة في الحقل الخارجي وهي الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والحياد الايجابي وعدم الانحياز والتضامن مع شعوب البلدان والعداء للاستعمار وفي 12 ديسمبر 1967م قبلت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عضواً في جامعة الدول العربية وفي 15 من ديسمبر من نفس العام قبلت في منظمة الأمم المتحدة،،
المراجع :
الكاتب جواد علي ... المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ... الجزء الثاني
الكاتب سقاف علي الكاف ... حضرموت عبر أربعة عشر قرناً
الكاتب أحمد عطية ...تجربة الثورة
الكاتب عادل رضا ...ثورة الجنوب
الكاتب فالكوفا ... السياسة الأستعمارية في جنوب الجزيرة العربية
الكاتب جاد طه ...السياسة البريطانية في جنوب الجزيرة العربية
الكاتب أحمد فضل بن علي محسن العبدلي .... هدية الزمن في أخبار لحج وعدن
الكاتب صلاح البكري ...حضرموت وإمارات الجنوب العربي
1. أن سلاطين هذه الإمارات ليست بريطانيا من منحتهم هذه الألقاب وليست هي من جعلتهم سلاطين على هذه الأرض ولم يفصلوا هذا الجزء من اليمن كما يوهموا الآخرين في مقالاتهم وخطبهم السياسية. 2. أستقل السلطان فضل بن علي العبدلى بمخلاف لحج وعدن من الأتراك سنة 1145هـ وأقر الحوطة عاصمة له وأسس السلطنة العبدلية في ظل ظروف اختلال أحوال العرب بالحروب الوهابية وتوسع محمد علي باشا على السيطرة لباب المندب فاستبقت بريطانيا الأحداث واحتلت عدن. 4. كما كانت على مسرح الأحداث سلطنة الفضلى تحت رئاسة سلطانها حامد بن عبدالله الفضلى ومشيخات يافع والضالع والصبيحة والعواذل. 5. أما حضرموت فقد كانت تحت الدولة الكثيرية منذ ثمانية قرون وظلت باقية حتى بعد ظهور الدويلات وبقية إلى 1967م حتى تم تسليم البلاد إلى الجبهة القومية هي وسلطنة القعيطى في الساحل. 8 ربيع الثاني 1367هـ مستشار عظمة السلطان 18 فبراير 1948م الإمضاء 1. الجبهة القومية من ديسمبر 1962م إلى 1967م. 2. الاندماج ألقسري وجبهة التحرير. 3. دافع السلطان محسن بن فضل العبدلى عن عدن ورفض بيعها للانجليز وشنت الحرب حتى تم الاستيلاء على عدن في 19 يناير 1839م
المراجع :
الكاتب جواد علي ... المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ... الجزء الثاني
الكاتب سقاف علي الكاف ... حضرموت عبر أربعة عشر قرناً
الكاتب أحمد عطية ...تجربة الثورة
الكاتب عادل رضا ...ثورة الجنوب
الكاتب فالكوفا ... السياسة الأستعمارية في جنوب الجزيرة العربية
الكاتب جاد طه ...السياسة البريطانية في جنوب الجزيرة العربية
الكاتب أحمد فضل بن علي محسن العبدلي .... هدية الزمن في أخبار لحج وعدن
الكاتب صلاح البكري ...حضرموت وإمارات الجنوب العربي
1. أن سلاطين هذه الإمارات ليست بريطانيا من منحتهم هذه الألقاب وليست هي من جعلتهم سلاطين على هذه الأرض ولم يفصلوا هذا الجزء من اليمن كما يوهموا الآخرين في مقالاتهم وخطبهم السياسية. 2. أستقل السلطان فضل بن علي العبدلى بمخلاف لحج وعدن من الأتراك سنة 1145هـ وأقر الحوطة عاصمة له وأسس السلطنة العبدلية في ظل ظروف اختلال أحوال العرب بالحروب الوهابية وتوسع محمد علي باشا على السيطرة لباب المندب فاستبقت بريطانيا الأحداث واحتلت عدن. 4. كما كانت على مسرح الأحداث سلطنة الفضلى تحت رئاسة سلطانها حامد بن عبدالله الفضلى ومشيخات يافع والضالع والصبيحة والعواذل. 5. أما حضرموت فقد كانت تحت الدولة الكثيرية منذ ثمانية قرون وظلت باقية حتى بعد ظهور الدويلات وبقية إلى 1967م حتى تم تسليم البلاد إلى الجبهة القومية هي وسلطنة القعيطى في الساحل. 8 ربيع الثاني 1367هـ مستشار عظمة السلطان 18 فبراير 1948م الإمضاء 1. الجبهة القومية من ديسمبر 1962م إلى 1967م. 2. الاندماج ألقسري وجبهة التحرير. 3. دافع السلطان محسن بن فضل العبدلى عن عدن ورفض بيعها للانجليز وشنت الحرب حتى تم الاستيلاء على عدن في 19 يناير 1839م
لمقدس وشجب مؤتمر لندن اللادستوري والمطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالجنوب المحتل. وفي يوم 30/7/1964م وقعت الأطراف على الميثاق الوطني الذي نص على إقامة مجلس تنسيق يمهد لقيام تكتل وطني في الجنوب. وفي 1/10/1964م شكلت قيادة من 12 عضواً لتكوين المنظمة لتوحيد النضال وقيام المنظمة وتم التوقيع من قبل الأطراف المشتركة على دستور منظمة تحرير الجنوب المحتل مقرها الجنوب المحتل ولها فروع داخل العالم العربي وخارجة وحدد الدستور والأعضاء المؤسسين للمنظمة: حزب رابطة الجنوب العربي، حزب الشعب الاشتراكي، هيئة تحرير الجنوب اليمني وشخصيات من الجنوب وكذا السلطان علي عبدالكريم. والسلطان أحمد عبدالله الفضلى. ومحمد عيدروس اليافعي والشيخ محمد أبوبكر بن فريد.
في 13 يناير 1966م وقع بيان عن منظمة تحرير الجنوب المحتل والجبهة القومية وعرض البيان لأبرز أسباب قيام جبهة التحرير بأنها تطورات جديدة للموقف الاستعماري وأن القوى الوطنية تقف ممزقة ومتصارعة أمام الاستعمار ومخططاته ولهذا اتفقت الجبهة القومية ومنظمة التحرير على الاندماج في تنظيم ثوري واحد لقيادة الشعب يحمل اسم جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وفي اليوم الثاني أعلن السيد قحطان محمد الشعبيى الأمين العام للجبهة القومية بلاغاً إلى الصحافة حدد فيه موقف الجبهة من حدث الدمج ونفى قيام الدمج بين التنظيمين وأن الذي وقع على بيان الدمج هو عضو واحد من الجبهة القومية وهو إجراء غير شرعي قام به وأنه مخالف للميثاق الوطني والنظام الداخلي وأن أي اندماج لا يقرره المجلس التنفيذي أو المجلس الوطني بل أنه من صلاحيات المؤتمر الوطني الذي يضم المجلس التنفيذي والمجلس الوطني وممثلين لكل قواعد الجبهة العسكرية والشعبية وأكد البلاغ أن الجبهة القومية مستمرة في قيادة الثورة بتنظيماتها العسكرية والشعبية والفدائية
الحرب الأهلية والاستقلال.
إن الخلاف بين الجبهتين أدى إلى ضرب الجبهتين وتعميق الخلاف بينهما وسنلخص وجهة نظر الجبهة القومية على أساس أن تكون الوحدة الوطنية على تنسيق عسكري وسياسي فقط أما الاسم فهو الجبهة المتحدة لتحرير الجنوب اليمن المحتل أن تكون نسبة التمثيل 50% لكل من الجبهتين أما جبهة التحرير فكانت وجهة نظرها أن الجبهة لا تمانع أن تكون الوحدة الوطنية على أساس التنسيق العسكري والسياسي على أن تحقيق الوحدة كاملة بين قواعد وقيادة الجبهتين وأن الاسم لا يقدم ولا يؤخر وإن كانت تحرص على اسم جبهة التحرير نظراً لاعتراف الدول العربية والصديقة بها أما التمثيل أكدت جبهة التحرير أن هذا ليس مشكلة أساسية وتوافق عليها على المستوى السياسي أما المستوى العسكري بنسبة 6:2 ثلثين لجبهة التحرير وثلث للجبهة القومية وقد رفضت الجبهة القومية هذا الاقتراح وانتهت المحادثات الأولى بالفشل وبدأت المعارك بين الجبهتين وخرجت كافة الزعامات الوطنية والدينية وفئات الشعب تنادى بإيقاف الاقتتال الأهلي واستجابت الجبهتين لهذه النداءات وفي يوم 3/10/1967م حددت الجبهتين موعد ومكان الاجتماع في القاهرة خارج نطاق الجامعة العربية لمناقشة النقاط الأربع التي نص عليها الاتفاق السابق وقد ابتدأ القتال في 29/9/1967م وفي 10/10/1967م بدأت اجتماعات الوحدة الوطنية من جديد في القاهرة وتعثرت المحادثات من الوهلة الأولى ووصلت إلى موقف متأزم عند مناقشة مسئولية الحكم وقد انفض الاجتماع بين الطرفين دون جدوى وفي 23/10/1967م أعلنت بريطانية الانسحاب من الجنوب العربي وقررت الانسحاب خلال الأسابيع الثلاثة القادمة أي قبل شهرين من الموعد المقرر لمنح الاستقلال للجنوب العربي في 9 يناير المقبل عام 1968م وقد بادرت كلاً من الجبهتين بإعلان بيان رسمي يعلن فيه الاتفاق على جميع المسائل التي تم بحثها لمطالبة الشعب والجيش الوقوف بصلابة في وجه ما من شأنه الإضرار بثورته وفي 2/11/1967م وقعت اشتباكات بين القومية والتحرير طوال يوم استخدمت فيها كافة الأسلحة التي بحوزتهم وفي يوم 4/11/1967م وجهت القومية والتحرير نداءً مشتركاً من القاهرة تطالب الوطنيين في عدن بإيقاف القتال وفي يوم 7/11/1967م أعلن الجيش تأييده للجبهة القومية وتدخل بالفعل لصالح الجبهة القومية وحسم الموقف وفي 9 نوفمبر 1967م أعلن سيف الضالعي رئيس المكتب السياسي للجبهة القومية أنه يجب على بريطانيا أن تعترف بسيادة الجبهة القومية على الجنوب وأن تبدأ بالتفاوض معها بشأن نقل السلطة إليها بعد الاستقلال يعتبرها الممثلة الوحيدة للشعب وفي يوم 11 نوفمبر 1967م أعلن متحدث في لندن باسم وزارة الخارجية البريطانية أن بريطانيا قد ردت على طلب الجبهة القومية بالاعتراف بها رسمياً باعتبارها الحكومة الفعلية في عدن وبعدها بدأ الحوار فعلاً بين الجبهة القومية والحكومة البريطانية وفي 21/11/1967م بدأت المباحثات الخاصة بالاستقلال للجنوب العربي برئاسة قحطان الشعبي ممثل الجبهة القومية وكلاً من فيصل عبداللطيف الشعبي وسيف الضالعي وعبد الفتاح إسماعيل ومحمد أحمد البيشى واستمرت المفا
في 13 يناير 1966م وقع بيان عن منظمة تحرير الجنوب المحتل والجبهة القومية وعرض البيان لأبرز أسباب قيام جبهة التحرير بأنها تطورات جديدة للموقف الاستعماري وأن القوى الوطنية تقف ممزقة ومتصارعة أمام الاستعمار ومخططاته ولهذا اتفقت الجبهة القومية ومنظمة التحرير على الاندماج في تنظيم ثوري واحد لقيادة الشعب يحمل اسم جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وفي اليوم الثاني أعلن السيد قحطان محمد الشعبيى الأمين العام للجبهة القومية بلاغاً إلى الصحافة حدد فيه موقف الجبهة من حدث الدمج ونفى قيام الدمج بين التنظيمين وأن الذي وقع على بيان الدمج هو عضو واحد من الجبهة القومية وهو إجراء غير شرعي قام به وأنه مخالف للميثاق الوطني والنظام الداخلي وأن أي اندماج لا يقرره المجلس التنفيذي أو المجلس الوطني بل أنه من صلاحيات المؤتمر الوطني الذي يضم المجلس التنفيذي والمجلس الوطني وممثلين لكل قواعد الجبهة العسكرية والشعبية وأكد البلاغ أن الجبهة القومية مستمرة في قيادة الثورة بتنظيماتها العسكرية والشعبية والفدائية
الحرب الأهلية والاستقلال.
إن الخلاف بين الجبهتين أدى إلى ضرب الجبهتين وتعميق الخلاف بينهما وسنلخص وجهة نظر الجبهة القومية على أساس أن تكون الوحدة الوطنية على تنسيق عسكري وسياسي فقط أما الاسم فهو الجبهة المتحدة لتحرير الجنوب اليمن المحتل أن تكون نسبة التمثيل 50% لكل من الجبهتين أما جبهة التحرير فكانت وجهة نظرها أن الجبهة لا تمانع أن تكون الوحدة الوطنية على أساس التنسيق العسكري والسياسي على أن تحقيق الوحدة كاملة بين قواعد وقيادة الجبهتين وأن الاسم لا يقدم ولا يؤخر وإن كانت تحرص على اسم جبهة التحرير نظراً لاعتراف الدول العربية والصديقة بها أما التمثيل أكدت جبهة التحرير أن هذا ليس مشكلة أساسية وتوافق عليها على المستوى السياسي أما المستوى العسكري بنسبة 6:2 ثلثين لجبهة التحرير وثلث للجبهة القومية وقد رفضت الجبهة القومية هذا الاقتراح وانتهت المحادثات الأولى بالفشل وبدأت المعارك بين الجبهتين وخرجت كافة الزعامات الوطنية والدينية وفئات الشعب تنادى بإيقاف الاقتتال الأهلي واستجابت الجبهتين لهذه النداءات وفي يوم 3/10/1967م حددت الجبهتين موعد ومكان الاجتماع في القاهرة خارج نطاق الجامعة العربية لمناقشة النقاط الأربع التي نص عليها الاتفاق السابق وقد ابتدأ القتال في 29/9/1967م وفي 10/10/1967م بدأت اجتماعات الوحدة الوطنية من جديد في القاهرة وتعثرت المحادثات من الوهلة الأولى ووصلت إلى موقف متأزم عند مناقشة مسئولية الحكم وقد انفض الاجتماع بين الطرفين دون جدوى وفي 23/10/1967م أعلنت بريطانية الانسحاب من الجنوب العربي وقررت الانسحاب خلال الأسابيع الثلاثة القادمة أي قبل شهرين من الموعد المقرر لمنح الاستقلال للجنوب العربي في 9 يناير المقبل عام 1968م وقد بادرت كلاً من الجبهتين بإعلان بيان رسمي يعلن فيه الاتفاق على جميع المسائل التي تم بحثها لمطالبة الشعب والجيش الوقوف بصلابة في وجه ما من شأنه الإضرار بثورته وفي 2/11/1967م وقعت اشتباكات بين القومية والتحرير طوال يوم استخدمت فيها كافة الأسلحة التي بحوزتهم وفي يوم 4/11/1967م وجهت القومية والتحرير نداءً مشتركاً من القاهرة تطالب الوطنيين في عدن بإيقاف القتال وفي يوم 7/11/1967م أعلن الجيش تأييده للجبهة القومية وتدخل بالفعل لصالح الجبهة القومية وحسم الموقف وفي 9 نوفمبر 1967م أعلن سيف الضالعي رئيس المكتب السياسي للجبهة القومية أنه يجب على بريطانيا أن تعترف بسيادة الجبهة القومية على الجنوب وأن تبدأ بالتفاوض معها بشأن نقل السلطة إليها بعد الاستقلال يعتبرها الممثلة الوحيدة للشعب وفي يوم 11 نوفمبر 1967م أعلن متحدث في لندن باسم وزارة الخارجية البريطانية أن بريطانيا قد ردت على طلب الجبهة القومية بالاعتراف بها رسمياً باعتبارها الحكومة الفعلية في عدن وبعدها بدأ الحوار فعلاً بين الجبهة القومية والحكومة البريطانية وفي 21/11/1967م بدأت المباحثات الخاصة بالاستقلال للجنوب العربي برئاسة قحطان الشعبي ممثل الجبهة القومية وكلاً من فيصل عبداللطيف الشعبي وسيف الضالعي وعبد الفتاح إسماعيل ومحمد أحمد البيشى واستمرت المفا
إرهاصة شعبية منسية ..في أرومة النضال الوطني
(62)عاماً
27 ديسمبر 1950-27 ديسمبر 2012م
انتفاضة القصر
لـــ:
أ.محفوظ سالم ناصر
ناشط ومحلل سياسي
بداية البداية
فيما كان الاحتلال البريطاني, يضيف (عدن) إلى مستعمراته, ويضعها دُرة على تاج الملكة فكتوريا, كانت المقاومة الشعبية تتأجج خارج المدينة, "وتتجمع من مناطق الشمال والجنوب, لكي تُطهر (عدن), غير أن هجماتها ترتد منكسرة لقوة حصانة عدن, وحداثة السلاح الذي يستخدمه جيش الاحتلال"
ويذكر التاريخ المحاولات الشعبية لاسترداد عدن من المحتلين البريطانيين التي اضطلع بقيادتها "سلطان لحج بالتعاون مع سلطان الفضلي وذلك في نوفمبر 1893, ومايو 1840, ويوليو 1840, وفي اغسطس 1846, بمعنى أن شعبنا لم يستسلم.. بل قاوم, وناضل, وقدّم الكثير من الشهداء"[1]
إذ انه طول فترة الحكم الاستعماري البريطاني (1839-1967م) والحكم الإمامي الظلامي (1918-1962م), لم تلن للشعب اليمني –بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية- قناة, ولم يخبو بدواخله إتقاد جذوة نضالاته في سبيل الانعتاق من قيود المستعمرين والإماميين الظلاميين, في زخم جماهيري عفوي, تبدت تجلياته في انتفاضات وحركات شعبية عفوية, حسبنا أن نذكر منها في هذه التوطئة:
- الانتفاضات المبكرة لقبائل ردفان (1918, 1938, 1948, 1957)
- حركة حاشد (1337هـ/1919م)
- انتفاضة المقاطرة (1339هـ/1921م-1340هـ/1921م)
- الانتفاضات الشعبية في منطقة العوالق السفلى (1936, 1937, 1946, 1949,1954م)
- انتفاضة الجنود, حاشد, خولان, ذو محمد, ذو حسين (1959)
- انتفاضة قبائل الصبيحة (1942م)
- انتفاضات قبائل حضرموت والمهرة (1942, 1951, 1952, 1955, 1961)
- انتفاضات الشعيب وحالمين والضالع (1947, 1948, 1957)
- انتفاضتي القبائل في يافع (1985, 1959)
- انتفاضة القبائل في منطقة الواحدي (1941) وفي بعض المصادر (1946)
- الانتفاضات في منطقة الفضلي (1945, 1946, 1957)
- انتفاضات العواذل (1946, 1947)
- انتفاضة كريتر (20 يونيو 1967)
- وفي منطقة دثينة (1958)
- وفي منطقة الحواشب- الراحة (1950)
- انتفاضة الصبيحة (1942)[2]
فضلا عن التمردات القبلية من منتصف العشرينيات إلى آخر الإربعينيات, برئاسة شيوخ أو أشباههم : (كالرصاص)في البيضاء, و(الدباغ) في دمت,و (القردعي) في حريب وشبوه[3] .
ومن الحركات النضالية في مسيرة شعبنا التواق حينذاك للحرية والتحرر من المستعمر الأجنبي, والمستبد الظلامي (الوطني), نذكر ودون أن نطيل الوقوف:
- حركة الزرانيق في تهامة (أول سنة 1928- آخر 1929)
- الحركة الدستورية في صنعاء (1948)
- حركة الثلايا في تعز (1955)
- حركة ذمار (ديسمبر 1948)
- حركة ضباط مستشفى الحديدة (اللقية, العلفي, الهندوانة/22 مارس 1961م)
- إضراب سكان تريم (1950) احتجاجا على تعاظم الضرائب, وعلى الأخص الجمركية منها, وبالتزامن مع الإضراب وتفاعلا معه نظم الطلاب مظاهرات سلمية رفعت شعارات مثل (نحن في مجاعة), (الغوا الضريبة الجمركية)...الخ[4]
- انتفاضة حمود باضاوي , السيئونية (1950), حيث أدى فرض ضريبة النخيل على المزارعين في السلطنتين (القعيطية والكثيرية) إلى استياء بالغ لدى الفلاحين الذين اجتمعوا في أحد مساجد سيئون, وساروا إلى بيت رئيسهم (زعيمهم) الذي أطلقت عليه صحيفة فتاة الجزيرة (الاشتراكي النزعة) لدفاعه عن الفلاحين, ومطالبته برفع الضيم عنهم, وقرر الفلاحون الإضراب في سيئون لمدة يومين, إظهارا لاستنكارهم الضريبة الجديدة, وقد نُفذ الإضراب بمشاركة 1500 فلاح, وخوفا من تطور حركة الإضرابات, بطشت السلطة (الكثيرية) بالفلاحين, واعتقلت قائدهم حمود باضاوي, وأودعته السجن[5] , وحتى كتابة هذه الورقة البحثية لم أقف على باحث مُنصف موضوعي قد تناول واستغور شخصية الثائر (باضاوي) بإبعادها الكاريزمية, إنسانيا, واجتماعيا, وقائدا جماهيريا, على النحو الذي تناولها واستغورها به الأستاذ البحاثة القدير عبدالقادر محمد الصبان, وإذا كنتُ قد خصصتُ نضالات الشباب والطلاب بورقة بحثية توّج بها موسم (منارات) الفكري الثقافي الثاني (استنطاق لمسكوت عنه في مسيرة الثورة اليمنية "سبتمبر/أكتوبر") في 30/11/2012م آثرتُ أن أخص (الوحدة) الغرّاء بنشرها, قبل سواها على صفحاتها, بل واستباقا للأمسية المناراتية التتويجية للموسم التي قُدمت فيها الورقة البحثية, وقد أفردت لها –مشكورة- صفحات ثلاث بعددها (1089) الصادر في 28/11/2012م فليعد إليه من أراد الإطلاع, فأن هذه التوطئة (المدخل) تظل بنظري على الأقل منقوصة , دون الوقوف على شذرات من, دور الحركة النسائية في مسيرة النضال الوطني التحرري, وإرجاء الوقوف بعجلة نضالات الحركة العمالية لورقة بحثية قادمة إذا كان لنا في العمرُ بقية.
أيتها المرأة:
إذ
(62)عاماً
27 ديسمبر 1950-27 ديسمبر 2012م
انتفاضة القصر
لـــ:
أ.محفوظ سالم ناصر
ناشط ومحلل سياسي
بداية البداية
فيما كان الاحتلال البريطاني, يضيف (عدن) إلى مستعمراته, ويضعها دُرة على تاج الملكة فكتوريا, كانت المقاومة الشعبية تتأجج خارج المدينة, "وتتجمع من مناطق الشمال والجنوب, لكي تُطهر (عدن), غير أن هجماتها ترتد منكسرة لقوة حصانة عدن, وحداثة السلاح الذي يستخدمه جيش الاحتلال"
ويذكر التاريخ المحاولات الشعبية لاسترداد عدن من المحتلين البريطانيين التي اضطلع بقيادتها "سلطان لحج بالتعاون مع سلطان الفضلي وذلك في نوفمبر 1893, ومايو 1840, ويوليو 1840, وفي اغسطس 1846, بمعنى أن شعبنا لم يستسلم.. بل قاوم, وناضل, وقدّم الكثير من الشهداء"[1]
إذ انه طول فترة الحكم الاستعماري البريطاني (1839-1967م) والحكم الإمامي الظلامي (1918-1962م), لم تلن للشعب اليمني –بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية- قناة, ولم يخبو بدواخله إتقاد جذوة نضالاته في سبيل الانعتاق من قيود المستعمرين والإماميين الظلاميين, في زخم جماهيري عفوي, تبدت تجلياته في انتفاضات وحركات شعبية عفوية, حسبنا أن نذكر منها في هذه التوطئة:
- الانتفاضات المبكرة لقبائل ردفان (1918, 1938, 1948, 1957)
- حركة حاشد (1337هـ/1919م)
- انتفاضة المقاطرة (1339هـ/1921م-1340هـ/1921م)
- الانتفاضات الشعبية في منطقة العوالق السفلى (1936, 1937, 1946, 1949,1954م)
- انتفاضة الجنود, حاشد, خولان, ذو محمد, ذو حسين (1959)
- انتفاضة قبائل الصبيحة (1942م)
- انتفاضات قبائل حضرموت والمهرة (1942, 1951, 1952, 1955, 1961)
- انتفاضات الشعيب وحالمين والضالع (1947, 1948, 1957)
- انتفاضتي القبائل في يافع (1985, 1959)
- انتفاضة القبائل في منطقة الواحدي (1941) وفي بعض المصادر (1946)
- الانتفاضات في منطقة الفضلي (1945, 1946, 1957)
- انتفاضات العواذل (1946, 1947)
- انتفاضة كريتر (20 يونيو 1967)
- وفي منطقة دثينة (1958)
- وفي منطقة الحواشب- الراحة (1950)
- انتفاضة الصبيحة (1942)[2]
فضلا عن التمردات القبلية من منتصف العشرينيات إلى آخر الإربعينيات, برئاسة شيوخ أو أشباههم : (كالرصاص)في البيضاء, و(الدباغ) في دمت,و (القردعي) في حريب وشبوه[3] .
ومن الحركات النضالية في مسيرة شعبنا التواق حينذاك للحرية والتحرر من المستعمر الأجنبي, والمستبد الظلامي (الوطني), نذكر ودون أن نطيل الوقوف:
- حركة الزرانيق في تهامة (أول سنة 1928- آخر 1929)
- الحركة الدستورية في صنعاء (1948)
- حركة الثلايا في تعز (1955)
- حركة ذمار (ديسمبر 1948)
- حركة ضباط مستشفى الحديدة (اللقية, العلفي, الهندوانة/22 مارس 1961م)
- إضراب سكان تريم (1950) احتجاجا على تعاظم الضرائب, وعلى الأخص الجمركية منها, وبالتزامن مع الإضراب وتفاعلا معه نظم الطلاب مظاهرات سلمية رفعت شعارات مثل (نحن في مجاعة), (الغوا الضريبة الجمركية)...الخ[4]
- انتفاضة حمود باضاوي , السيئونية (1950), حيث أدى فرض ضريبة النخيل على المزارعين في السلطنتين (القعيطية والكثيرية) إلى استياء بالغ لدى الفلاحين الذين اجتمعوا في أحد مساجد سيئون, وساروا إلى بيت رئيسهم (زعيمهم) الذي أطلقت عليه صحيفة فتاة الجزيرة (الاشتراكي النزعة) لدفاعه عن الفلاحين, ومطالبته برفع الضيم عنهم, وقرر الفلاحون الإضراب في سيئون لمدة يومين, إظهارا لاستنكارهم الضريبة الجديدة, وقد نُفذ الإضراب بمشاركة 1500 فلاح, وخوفا من تطور حركة الإضرابات, بطشت السلطة (الكثيرية) بالفلاحين, واعتقلت قائدهم حمود باضاوي, وأودعته السجن[5] , وحتى كتابة هذه الورقة البحثية لم أقف على باحث مُنصف موضوعي قد تناول واستغور شخصية الثائر (باضاوي) بإبعادها الكاريزمية, إنسانيا, واجتماعيا, وقائدا جماهيريا, على النحو الذي تناولها واستغورها به الأستاذ البحاثة القدير عبدالقادر محمد الصبان, وإذا كنتُ قد خصصتُ نضالات الشباب والطلاب بورقة بحثية توّج بها موسم (منارات) الفكري الثقافي الثاني (استنطاق لمسكوت عنه في مسيرة الثورة اليمنية "سبتمبر/أكتوبر") في 30/11/2012م آثرتُ أن أخص (الوحدة) الغرّاء بنشرها, قبل سواها على صفحاتها, بل واستباقا للأمسية المناراتية التتويجية للموسم التي قُدمت فيها الورقة البحثية, وقد أفردت لها –مشكورة- صفحات ثلاث بعددها (1089) الصادر في 28/11/2012م فليعد إليه من أراد الإطلاع, فأن هذه التوطئة (المدخل) تظل بنظري على الأقل منقوصة , دون الوقوف على شذرات من, دور الحركة النسائية في مسيرة النضال الوطني التحرري, وإرجاء الوقوف بعجلة نضالات الحركة العمالية لورقة بحثية قادمة إذا كان لنا في العمرُ بقية.
أيتها المرأة:
إذ
ا أصغر العالم .. تبقين كبيرة (همنغواي)
في ظل حُكم النظامين الاستعماري البريطاني, والإمامي الظلامي, كانت سائر فئات الشعب اليمني تعاني ويلاتها, غير أن المعاناة التي كانت ترزح تحت وطأتها , المرأة, أشد وأنكى.
وإذا كان الجوع –يومذاك- يُطال جميع الفئات , فأن العري كان من نصيب المرأة وحدها وبصورة لا يصدقها العقل.
(يقول أحد الموكلين بجمع الضرائب أنه وصل إلى قرية الحداء ليجمع الضريبة الفادحة, وكان يعجب لخلو تلك القرية من النساء, فلا تقع عينه على امرأة في النهار, وقد سأل الرجُل عن السبب, فقيل له, أنهن يلبسن البيوت في النهار, ولما دنا الليل لبسن الظلام, وخرجن لمباشرة عملهن)[6].
ويقول جندي من جنود نظام الإمام يحيى : (كنتُ في قرية من قرى تعز, وكنتُ في مهمة تعداد تعداد الغنم وجمع الضرائب, فكنتُ أرى الناس يأكلون الشجر, وكنتُ أرى الفقر مجسما في كل ما حولي, ولكني عجبت عندما أمرنا أحد الرجال بغض أبصارنا, لخروج النساء, فعجبت, كيف يُحجبون نسائهم وهم في هذا الحال من البؤس, وعرفتُ في الأخير, أن في ذلك البيت خمس نسوة, لا يملكن سوى قميص واحد, ترتديه التي ستذهب منهن لجلب الماء, وتبقى الأخريات في البيت عاريات, وعندما تريد أحداهن الخروج إلى المطبخ لصنع الطعام, تطلب من الآخرين غض أبصارهم)[7].
ولم يكن حال المرأة في جلّ أرياف وبوادي وحواضر اليمن –حينذاك- يختلف كثيرا عن المثالين اللذين أتينا على الاستشهاد بهما قبل قليل. فهذا الرحالة الهولندي (ديرميولين) في كتابه (رحلة من عدن إلى حضرموت) مسجلا مشاهداته وانطباعاته عن الأخيرة , عام 1931م, يقول : (رأينا في لحظة لمحات خاطفة من الفقر المدقع, ورتابة الحياة, والجوع في قرية من هذا الجزء من حضرموت, حيث هلك الناس, وأمتصت الحروب قواهم, والرجال الذين عاشوا مآسيها, هربوا إلى بلاد أجنبية)[8] , ويأتي الرحالة (دير ميولين) على خاتمة ملاحظاته الانطباعية: ( أدركنا أن انعدام الأمن هنا, مسألة أخطر مما كنا نتصور, أدركنا أننا وسط أناس يتطلعون إلى يد قوية, تحقق الاستقرار والأمن والقانون)[9].
ولتحقيق هذا الحلم المشروع, والغاية الوطنية التي يهجس بها الوجدان الجمعي للشعب, أجترحت المرأة اليمنية بطولات ومآثر, وتجثمت الصعب بعيني زرقاء اليمامة, وفدائية (جان دارك) وقد ((برزن في الثلاثينات (القرن الميلادي الماضي) بطلات شعبيات (كأم أولاد أبو دنيا) و (فندة الدرويشة) .. فقد رويّ عنهما: أنهما كانت تصدان الزحوف الإمامية, وأن انتهت هذه المقاومة بالاستسلام), وعلى الرغم من ذلك لم ترفع المرأة, الراية البيضاء.
وعود على بدء ففي آخر الأربعينيات تزايدت أعداد البطلات المجهولات, وبعضهن من عائلات المناضلين, وبعضهن من العاملات في دورهم, وبعضهن من عائلات أجراء مزارعهم, "فقد كُن يحملن الرسائل بين المناضلين من بيت إلى بيت في المدينة أو القرية الواحدة, ومن (صنعاء) إلى بعض المناطق, ومن بعض المناطق إلى (صنعاء), "وقد دفعن هؤلاء النساء أفدح الضرائب لوجه ذلك التحرك, فبعد سقوط الدستور (حركة 1948م) كابدن الإرهاب, والتأيّم, وأبوة الصغار, نيابة عن الأب القتيل أو السجين".-عبدالله البردوني, اليمن الجمهوري, صـ209-.
هذا مع درايتنا ووعينا بأن الأم اليمنية مجبولة على القيام مقام الأب في غيابه, "لكنها في الريف أسهل حملا منها في المدينة, لأن الريفية تعودت حمل العبء في حضور الزوج وغيابه, أما بنت المدينة فقد فاجأتها المسئولية الثقيلة, فأخرجتها من نعم الدلال إلى مواجهة الريح والهجير وزحام الأسواق".-عبدالله البردوني, اليمن الجمهوري, صـ279-.
ولعل من أبرز وأهم الأحداث التغييرية في حياة المرأة التي شهدها النطاق الجغرافي الذي كان يعرف بالمملكة المتوكلية اليمنية , أنه في العام 1957م , افتتحت مدرستان للتمريض في صنعاء وتعز فالتحقت بها جموع من القارئات.. من زوجات وأبكار وأرامل ومطلقات, وقد واجهن معارضة قاسية, لم يخفف من قسوتها إلا أنها عن أمر (الإمام) .. وهذا أول خروج نسائي, من سجون الجدران , إلى الحياة العملية المباشرة.
وكما كان هذا أول خروج نسائي فقد شكل النقطة الأولى من التحول .. ففي العام 1961م , قمنّ الممرضات بأول إضراب في تاريخ بلادنا احتجاجا على إهمالهن من المرتب الشهري, ونجحت تلك المغامرة الناعمة كباكورة تحديات.. تلت هذه الباكورة , المظاهرة الطلابية في المدائن الرئيسة العام 1962م, وبعد شهور أشرقت الثورة في أرديتها العسكرية والثقافية .
وقد اُستقبل هذا الحدث العظيم بتظاهرة للنساء في تعز إلى جانب الرجال , صبيحة الـ26 من سبتمبر 1962م .
وفي 3 أكتوبر 1967م أشعلت أفواج من النساء, مظاهرة إلى جانب مواكب الشباب, وكانت أعداد النساء تقرب من 40 %, وأغلبهن من طالبات المدارس والمدرسات , وعاملات مصنع الغزل والنسيج, على حداثة عهدهن بالعمل الوظيفي والعمالي –عبدالله البردوني, المرجع السابق,صـ280.
ومن بداية ديسمبر 1967م إلى فبراير 1968م , اشتركت المر
في ظل حُكم النظامين الاستعماري البريطاني, والإمامي الظلامي, كانت سائر فئات الشعب اليمني تعاني ويلاتها, غير أن المعاناة التي كانت ترزح تحت وطأتها , المرأة, أشد وأنكى.
وإذا كان الجوع –يومذاك- يُطال جميع الفئات , فأن العري كان من نصيب المرأة وحدها وبصورة لا يصدقها العقل.
(يقول أحد الموكلين بجمع الضرائب أنه وصل إلى قرية الحداء ليجمع الضريبة الفادحة, وكان يعجب لخلو تلك القرية من النساء, فلا تقع عينه على امرأة في النهار, وقد سأل الرجُل عن السبب, فقيل له, أنهن يلبسن البيوت في النهار, ولما دنا الليل لبسن الظلام, وخرجن لمباشرة عملهن)[6].
ويقول جندي من جنود نظام الإمام يحيى : (كنتُ في قرية من قرى تعز, وكنتُ في مهمة تعداد تعداد الغنم وجمع الضرائب, فكنتُ أرى الناس يأكلون الشجر, وكنتُ أرى الفقر مجسما في كل ما حولي, ولكني عجبت عندما أمرنا أحد الرجال بغض أبصارنا, لخروج النساء, فعجبت, كيف يُحجبون نسائهم وهم في هذا الحال من البؤس, وعرفتُ في الأخير, أن في ذلك البيت خمس نسوة, لا يملكن سوى قميص واحد, ترتديه التي ستذهب منهن لجلب الماء, وتبقى الأخريات في البيت عاريات, وعندما تريد أحداهن الخروج إلى المطبخ لصنع الطعام, تطلب من الآخرين غض أبصارهم)[7].
ولم يكن حال المرأة في جلّ أرياف وبوادي وحواضر اليمن –حينذاك- يختلف كثيرا عن المثالين اللذين أتينا على الاستشهاد بهما قبل قليل. فهذا الرحالة الهولندي (ديرميولين) في كتابه (رحلة من عدن إلى حضرموت) مسجلا مشاهداته وانطباعاته عن الأخيرة , عام 1931م, يقول : (رأينا في لحظة لمحات خاطفة من الفقر المدقع, ورتابة الحياة, والجوع في قرية من هذا الجزء من حضرموت, حيث هلك الناس, وأمتصت الحروب قواهم, والرجال الذين عاشوا مآسيها, هربوا إلى بلاد أجنبية)[8] , ويأتي الرحالة (دير ميولين) على خاتمة ملاحظاته الانطباعية: ( أدركنا أن انعدام الأمن هنا, مسألة أخطر مما كنا نتصور, أدركنا أننا وسط أناس يتطلعون إلى يد قوية, تحقق الاستقرار والأمن والقانون)[9].
ولتحقيق هذا الحلم المشروع, والغاية الوطنية التي يهجس بها الوجدان الجمعي للشعب, أجترحت المرأة اليمنية بطولات ومآثر, وتجثمت الصعب بعيني زرقاء اليمامة, وفدائية (جان دارك) وقد ((برزن في الثلاثينات (القرن الميلادي الماضي) بطلات شعبيات (كأم أولاد أبو دنيا) و (فندة الدرويشة) .. فقد رويّ عنهما: أنهما كانت تصدان الزحوف الإمامية, وأن انتهت هذه المقاومة بالاستسلام), وعلى الرغم من ذلك لم ترفع المرأة, الراية البيضاء.
وعود على بدء ففي آخر الأربعينيات تزايدت أعداد البطلات المجهولات, وبعضهن من عائلات المناضلين, وبعضهن من العاملات في دورهم, وبعضهن من عائلات أجراء مزارعهم, "فقد كُن يحملن الرسائل بين المناضلين من بيت إلى بيت في المدينة أو القرية الواحدة, ومن (صنعاء) إلى بعض المناطق, ومن بعض المناطق إلى (صنعاء), "وقد دفعن هؤلاء النساء أفدح الضرائب لوجه ذلك التحرك, فبعد سقوط الدستور (حركة 1948م) كابدن الإرهاب, والتأيّم, وأبوة الصغار, نيابة عن الأب القتيل أو السجين".-عبدالله البردوني, اليمن الجمهوري, صـ209-.
هذا مع درايتنا ووعينا بأن الأم اليمنية مجبولة على القيام مقام الأب في غيابه, "لكنها في الريف أسهل حملا منها في المدينة, لأن الريفية تعودت حمل العبء في حضور الزوج وغيابه, أما بنت المدينة فقد فاجأتها المسئولية الثقيلة, فأخرجتها من نعم الدلال إلى مواجهة الريح والهجير وزحام الأسواق".-عبدالله البردوني, اليمن الجمهوري, صـ279-.
ولعل من أبرز وأهم الأحداث التغييرية في حياة المرأة التي شهدها النطاق الجغرافي الذي كان يعرف بالمملكة المتوكلية اليمنية , أنه في العام 1957م , افتتحت مدرستان للتمريض في صنعاء وتعز فالتحقت بها جموع من القارئات.. من زوجات وأبكار وأرامل ومطلقات, وقد واجهن معارضة قاسية, لم يخفف من قسوتها إلا أنها عن أمر (الإمام) .. وهذا أول خروج نسائي, من سجون الجدران , إلى الحياة العملية المباشرة.
وكما كان هذا أول خروج نسائي فقد شكل النقطة الأولى من التحول .. ففي العام 1961م , قمنّ الممرضات بأول إضراب في تاريخ بلادنا احتجاجا على إهمالهن من المرتب الشهري, ونجحت تلك المغامرة الناعمة كباكورة تحديات.. تلت هذه الباكورة , المظاهرة الطلابية في المدائن الرئيسة العام 1962م, وبعد شهور أشرقت الثورة في أرديتها العسكرية والثقافية .
وقد اُستقبل هذا الحدث العظيم بتظاهرة للنساء في تعز إلى جانب الرجال , صبيحة الـ26 من سبتمبر 1962م .
وفي 3 أكتوبر 1967م أشعلت أفواج من النساء, مظاهرة إلى جانب مواكب الشباب, وكانت أعداد النساء تقرب من 40 %, وأغلبهن من طالبات المدارس والمدرسات , وعاملات مصنع الغزل والنسيج, على حداثة عهدهن بالعمل الوظيفي والعمالي –عبدالله البردوني, المرجع السابق,صـ280.
ومن بداية ديسمبر 1967م إلى فبراير 1968م , اشتركت المر
أة في الدفاع عن العاصمة , وحملن عاملات مصنع الغزل والنسيج, السلاح, عن اندفاع ثوري, وعن اختيار لذلك الموقف.- عبدالله البردوني, المرجع السابق, صـ281-
وإذا كانت الستينيات والسبعينيات , من القرن الميلادي الماضي قد سجلت تضحيات البطلات, ومغامرتهن النسائية .. فأن الفضل في هذا الاهتمام , يرجع إلى تربية الأمهات العظيمات, اللواتي أرضعن أولادهن وبناتهن, قداسة الوطن, وعشق التضحية لوجهه . .- عبدالله البردوني, المرجع السابق, صـ283-
حمامة سلام.. ومسعر مقاومة
آه ما أبشع رؤية الخرائب والدماء والأشلاء , ولكن آه ما أجمل النصر "تشرشل"
على الرغم من كثرة الأحداث المشابهة والمتتابعة, لإنتفاضة المقاطرة (1339هـ/1920م-1340هـ/1921م) إلا أن الأخيرة حُظيت بما لم يحظ به سواها من الوفرة في الأشعار والمدونات التاريخية "وبهذا الاهتمام الأدبي تميزت انتفاضة (المقاطرة) على نظائرها من التفجرات الوطنية".
أما الميزة الأخرى لهذه الانتفاضة, فتتجلى في دور المرأة المقاومة واستبسالها فيها, باعتراف شاعر ومؤرخ النظام الإمامي (عبدالكريم مطهر)[10] في كتابه الذي لم ير النور[11] (رأس الحكمة في سيرة إمام الأُمة) حين قال : (وقد مرد أولئك القوم (يقصد المقاطرة بزعامة آل علي سعد) على العصيان حتى أثروا على النساء, فكنّ يشتمنّ الجنود بأعلى الأصوات, وبالكلمات النابيات). ونحسب أن (مطهر) هنا قد أتى بما يعاكس ما كان مألوفا في البيئات العربية, حيث كُنّ النساء العربيات يضطلعن بدور المُستنهض لهمم المحاربين, وتأجيج مكامن القوة فيهم, ودفعهم للاستبسال في مقاومتهم للعدو, الأجنبي أو المحلي, ولم يكن هذا من أدوار الرجال تجاه النساء, وهنا طاش سهم (مطهر) وهو قد ردد استنكاره هذا على المقطريات في أكثر من موضع في كتابه, ((لأنه أعتاد تقديس النساء للإمام, وأراد أن يقيس نساء (المقاطرة) بنساء (صعدة والحيمتين), حيث كانت كل أم تلقن أطفالها كرامات الإمام وانتصاره ومزايا شخصيته)).
وهذا -كما يقول الأستاذ البردوني- ما أثار استنكار (عبدالكريم مطهر) على نساء (المقاطرة) "ولم يسجل على النساء في المناطق المتمردة الأخرى, أي خبر, لأنهن لم يدخلن المقاومة كالمقطريات اللواتي كن يرمين الجيش الإمامي بالحجارة ويضربنه بالفؤوس)[12]
وكما إن المرأة مسعر للمقاومة ومؤججة لنارها المقدسة ، إذا ما دعت الدواعي ، كما في حال (المقطريات) فأنها – أيضا – رسول محبة وحمامة سلام إذا ما جنح أهلها إليه كما في حال (الحضرميات ) إذ أن المراجع التاريخية تكاد تجمع على أن (حضرموت) عاشت لأجيال عديدة ، تتناوشها عواصف وسهام الاحتراب الأهلي، والحروب القبلية والثارات وبالتالي انعدام الأمن والاستقرار وما يترتب على غيابهما من آثار سلبية على حياة الناس المعيشية والتنمية المجتمعية.
لذا " سعى الكثيرون من أهلها جاهدين من أجل السلام وفي عدادهم النساء اللواتي أدين دوراً مهماً في صنع السلام من وراء الكواليس ووجدن عبر دورين إنجرامس- قرينة وليام هارولد إنجرانس المستشار السياسي المقيم بحضرموت ناطقاً بلسان حالهن ،يسمع صوتهن للجميع، إذ سمح لها بالتواصل مع النساء وولوج عالمهن أثناء رحلاتها وتنقلاتها في أنحاء حضرموت مثلما استطاعت الدخول الى مجالس الرجال وعالمهم وحثت الفساد على إقناع الرجال بتوقيع وثيقة السلام(تعرف بأكثر من اسم: سلام إنجرانس ، هدنة إنجرانس) وكان بعضهن أرامل أو ثكالى سقط رجالهن وأبنائهن في القتال ،وبعضهن فقدن الأشقاء والأقارب" – عبد العزيز القعيطي ،المرجع السابق،ص94-
وقد أثمرت الجهود عن (1400) توقيع لمقاومة(شيوخ) كبريات القبائل وأقواها شكيمة وأشدها بأساً في حضرموت، على نص المعاهدة التي بموجبها استأصلت الثارات القبلية من شأفتها وانتهت عهود طوال من الاحتراب الأهلي وإقلاق الأمن والسكينة العامة للمجتمع والاحتكام للنظام والقانون ،وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة وتمكين السلطتين (القعيطية والكثيرية) من بسط نفوذهما إلى أقصى نطاق جغرافي يخص كل منهما، بعد أن كان لا يتعدى عاصمتيهما (المكلا/سيئون) .وبتجريد القبائل من السلاح ،خيم السلام على أرجاء حضرموت ، بل وتأسس مجلس سلام يضطلع بإخماد الفتن ونزع فتائل الصراعات قبل إشعالها ، وقد أعلن عنه (المجلس) رسمياً في 24يناير العام 1937م.
والفضل يذكر بعد الله فيما تحقق لحضرموت من إستتباب في الأمن واستقرار في حركة المجتمع ل(هارولد إنجرانس) وللسيده حرمة(دورين) ولنساء حضرموت ، وللمحسن الجواد المعطاء ،السيد أبوبكر بن شيخ الكاف وقدكان انجرامس "يعلم ربما أكثر من أي شخص سواه مقدار مابذله السيد أبوبكر بن شيخ الكاف من أجل إحلال السلام في البلاد" وكان إنجرانس ،قد"أتى في كتاباته على ذكر إمرأة متميزة تدعى فاطمة كانت زوجة السيد أبوبكر بن شيخ الكاف ،إذ قال:"يسر أليك الرجال قائلين إن ثمة شخصاً واحداً يناهز السيد أبويكر ،وهي زوجته ،لأن نفوذها يعتد من وراء الستار وينتشر " – عبد العزيز القعيطي ،
وإذا كانت الستينيات والسبعينيات , من القرن الميلادي الماضي قد سجلت تضحيات البطلات, ومغامرتهن النسائية .. فأن الفضل في هذا الاهتمام , يرجع إلى تربية الأمهات العظيمات, اللواتي أرضعن أولادهن وبناتهن, قداسة الوطن, وعشق التضحية لوجهه . .- عبدالله البردوني, المرجع السابق, صـ283-
حمامة سلام.. ومسعر مقاومة
آه ما أبشع رؤية الخرائب والدماء والأشلاء , ولكن آه ما أجمل النصر "تشرشل"
على الرغم من كثرة الأحداث المشابهة والمتتابعة, لإنتفاضة المقاطرة (1339هـ/1920م-1340هـ/1921م) إلا أن الأخيرة حُظيت بما لم يحظ به سواها من الوفرة في الأشعار والمدونات التاريخية "وبهذا الاهتمام الأدبي تميزت انتفاضة (المقاطرة) على نظائرها من التفجرات الوطنية".
أما الميزة الأخرى لهذه الانتفاضة, فتتجلى في دور المرأة المقاومة واستبسالها فيها, باعتراف شاعر ومؤرخ النظام الإمامي (عبدالكريم مطهر)[10] في كتابه الذي لم ير النور[11] (رأس الحكمة في سيرة إمام الأُمة) حين قال : (وقد مرد أولئك القوم (يقصد المقاطرة بزعامة آل علي سعد) على العصيان حتى أثروا على النساء, فكنّ يشتمنّ الجنود بأعلى الأصوات, وبالكلمات النابيات). ونحسب أن (مطهر) هنا قد أتى بما يعاكس ما كان مألوفا في البيئات العربية, حيث كُنّ النساء العربيات يضطلعن بدور المُستنهض لهمم المحاربين, وتأجيج مكامن القوة فيهم, ودفعهم للاستبسال في مقاومتهم للعدو, الأجنبي أو المحلي, ولم يكن هذا من أدوار الرجال تجاه النساء, وهنا طاش سهم (مطهر) وهو قد ردد استنكاره هذا على المقطريات في أكثر من موضع في كتابه, ((لأنه أعتاد تقديس النساء للإمام, وأراد أن يقيس نساء (المقاطرة) بنساء (صعدة والحيمتين), حيث كانت كل أم تلقن أطفالها كرامات الإمام وانتصاره ومزايا شخصيته)).
وهذا -كما يقول الأستاذ البردوني- ما أثار استنكار (عبدالكريم مطهر) على نساء (المقاطرة) "ولم يسجل على النساء في المناطق المتمردة الأخرى, أي خبر, لأنهن لم يدخلن المقاومة كالمقطريات اللواتي كن يرمين الجيش الإمامي بالحجارة ويضربنه بالفؤوس)[12]
وكما إن المرأة مسعر للمقاومة ومؤججة لنارها المقدسة ، إذا ما دعت الدواعي ، كما في حال (المقطريات) فأنها – أيضا – رسول محبة وحمامة سلام إذا ما جنح أهلها إليه كما في حال (الحضرميات ) إذ أن المراجع التاريخية تكاد تجمع على أن (حضرموت) عاشت لأجيال عديدة ، تتناوشها عواصف وسهام الاحتراب الأهلي، والحروب القبلية والثارات وبالتالي انعدام الأمن والاستقرار وما يترتب على غيابهما من آثار سلبية على حياة الناس المعيشية والتنمية المجتمعية.
لذا " سعى الكثيرون من أهلها جاهدين من أجل السلام وفي عدادهم النساء اللواتي أدين دوراً مهماً في صنع السلام من وراء الكواليس ووجدن عبر دورين إنجرامس- قرينة وليام هارولد إنجرانس المستشار السياسي المقيم بحضرموت ناطقاً بلسان حالهن ،يسمع صوتهن للجميع، إذ سمح لها بالتواصل مع النساء وولوج عالمهن أثناء رحلاتها وتنقلاتها في أنحاء حضرموت مثلما استطاعت الدخول الى مجالس الرجال وعالمهم وحثت الفساد على إقناع الرجال بتوقيع وثيقة السلام(تعرف بأكثر من اسم: سلام إنجرانس ، هدنة إنجرانس) وكان بعضهن أرامل أو ثكالى سقط رجالهن وأبنائهن في القتال ،وبعضهن فقدن الأشقاء والأقارب" – عبد العزيز القعيطي ،المرجع السابق،ص94-
وقد أثمرت الجهود عن (1400) توقيع لمقاومة(شيوخ) كبريات القبائل وأقواها شكيمة وأشدها بأساً في حضرموت، على نص المعاهدة التي بموجبها استأصلت الثارات القبلية من شأفتها وانتهت عهود طوال من الاحتراب الأهلي وإقلاق الأمن والسكينة العامة للمجتمع والاحتكام للنظام والقانون ،وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة وتمكين السلطتين (القعيطية والكثيرية) من بسط نفوذهما إلى أقصى نطاق جغرافي يخص كل منهما، بعد أن كان لا يتعدى عاصمتيهما (المكلا/سيئون) .وبتجريد القبائل من السلاح ،خيم السلام على أرجاء حضرموت ، بل وتأسس مجلس سلام يضطلع بإخماد الفتن ونزع فتائل الصراعات قبل إشعالها ، وقد أعلن عنه (المجلس) رسمياً في 24يناير العام 1937م.
والفضل يذكر بعد الله فيما تحقق لحضرموت من إستتباب في الأمن واستقرار في حركة المجتمع ل(هارولد إنجرانس) وللسيده حرمة(دورين) ولنساء حضرموت ، وللمحسن الجواد المعطاء ،السيد أبوبكر بن شيخ الكاف وقدكان انجرامس "يعلم ربما أكثر من أي شخص سواه مقدار مابذله السيد أبوبكر بن شيخ الكاف من أجل إحلال السلام في البلاد" وكان إنجرانس ،قد"أتى في كتاباته على ذكر إمرأة متميزة تدعى فاطمة كانت زوجة السيد أبوبكر بن شيخ الكاف ،إذ قال:"يسر أليك الرجال قائلين إن ثمة شخصاً واحداً يناهز السيد أبويكر ،وهي زوجته ،لأن نفوذها يعتد من وراء الستار وينتشر " – عبد العزيز القعيطي ،
المرجع السابق،ص94- وقد قرر السير مايكل بالكون، رئيس مجلس إدارة شركة الإنتاج السينمائي، إيلنغ ستوديوز،في العام 1952م ،تقديم فيلم بعنوان "سلام إنجرانس" غير أن الأخير رفض ستة نسخ لسيناريوهات الفيلم، لأنها حسب تعبيره "لم تظهر الحضرميين بما يستحقونه" .وفي النهاية ، تم تنظيم بعثة إلى حضرموت لتصوير الفيلم في العام 1953م ، ولكن سرعان ما أدرك ( بالكون) أن مسعاه لم يكلل بالنجاح ، فأفرغ من يديه ، وخاطب إنجرامس ، قائلاً : سوف ننتج الفيلم بعد وفاتك " – عبدالعزيز القعيطي، المرجع السابق ، صـ 94 ،95 ومن منطلق القول بإن الشعر أصدق من التاريخ. بل ( هو التاريخ الحقيقي ، حتى للتاريخ نفسه ) كما يقول جورج ديهاميل فقد تموضعت ( سلام إنجرامس ) عشرات القصائد المؤيدة والمعارضة ، حسبنا أن نقف على واحدة منها للشاعر والمؤرخ ، الكاتب الصحافي محمد بن هاشم ( تـ 1960م )، رد فيها على قصيدة الشيخ صلاح أحمد الأحمدي اليافعي ، التي كان قد أرسلها من حيدر آباد بالهند لجميع قبائل حضرموت عام 1358هـ - 1939م . فعن أحوال حضرموت ما بعد ( سلام إنجرامس ) ، قال بن هاشم، في قصيدته :
كثرت بها الأفراح وارتاحن حسينات الخدود
ولا العناء ..زال البالء، والحق قايم عالعمود
دانت وزانت لَرض من نجران لما قبر هود
أمان ضافي يمسي الراكب بنفسه والنقود
ويُعزي الفضل لأهله، فيقول:
يحيا إنجرامس لي جبال الأرض من خوفه تنود
بالهيبه اصلحها .. بلا ضوله ولا عسكر يقود
قيَّد ذيابتها وبايحكم بتقييد الفهود
والكاف بوسقاف ذي جاب الجميلة لُه يسود
احيا الشريعة وانتصر للحق والشر له يذود
كاتب وخاطب .. وأمست الفتنة بسعيه في خمود
انتفاضة القصر
أول حدث أثر في نفسي, كان حادثة القصر التي راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى من أبناء مدينتي, وكنتُ حينها في المدرسة الغربية الملاصقة للمستشفى, وكنا نطل من الشبابيك وشهدت مع غيري من التلاميذ قتلى وجرحى كثر من أهالي البلاد, مما أحدث أثراً كبيراً في نفسي, وظلت الحادثة راسخة في ذهني, ولا تزال محفورة إلى اليوم (المناضل. خالد محمد عبدالعزيز)
حتى يتأتى لنا الإلمام والإحاطة بهذه الانتفاضة الشعبية التي استنطقتها الثورة (سبتمبر/ أكتوبر) عبرةً وحدثاً ملهماً, وأخرست إحياء ذكراها سلطة 22 مايو 1990م بشريكيها, شريكاً جاهلاً أو متجاهلاً لها (المؤتمر), وآخر كان لاهياً مشغولاً عنها بالمزايا وترتيب الأحوال السلطوية, والنوم في العسل (الاشتراكي), ليتأتى لنا ذلك لابد من أن نقف قليلا عند (الحزب الوطني القعيطي), باعتباره مسعر ومؤجج وقيد هذه الانتفاضة, والمحاول إخمادها ونفض يده عنها في نفس الوقت, كما سيتبدى لنا لاحقا على السطور القادمة.
و (الحزب الوطني القعيطي) كما يتضح لنا من تسميته, اقتصرت حركته ونشاطه على النطاق الجغرافي لما كان يُعرف بـ(السلطنة القعيطية) ولدى تأسيسه في العام 1947م(1) انضوى في إطار عضويته كبار الموظفين , والتجار والمُلاك, ويتمثل الهدف الرئيس أو الأساسي, من وراء تأسيسه في "الدفاع عن العرش القعيطي" بل وليس ببعيد عن محجة الصواب القول بأن هذا الحزب تأسس برعاية ودعم سلطاني وكما يقول الباحث والكاتب الصحافي الأستاذ احمد عوض باوزير فقد كان السلطان صالح بن غالب القعيطي(2) (تـ 1956م) هو نفسه وراء قيام الحزب الوطني, وكان يهدف من وراء ذلك إلى تحقيق مصالح شخصية بحتة منها أن يكون أداة حفظ له في نزاعه مع السلّطنة الكثيرية في قضية (مشكلة) ساه(3), التي انتهت بالتوفيق بين الطرفين بمساع قام بها المستشار البريطاني, وبعد ذلك تخلى السلطان عن تأييده للحزب ووضع أعضاءه في موقف بالغ الدقة والحرج مما أدى ببعضهم إلى الاستقالة, وعلى أثر ذلك توقف نشاط الحزب لفترة طويلة جداً(4).
كان أول مؤسس ورئيس للحزب, الشيخ احمد سالم باعشن, الذي كان رئيسا لمحكمة الجنايات في المكلا, وفيما بعد , ترأسه عوض محمد بكير, الذي كان يتمتع بنفوذ كبير بين أوساط الموظفين في السلطنة , وأن كان ذو ثقافة محدودة.
ومن برنامج الحزب المُعلن يتضح لنا بأنه أنشئ لغرض مساعدة السلطان وإسداء الرأي إليه, وبرنامجه هذا يتألف من أهداف خمسة:
1. محاربة كل ما من شأنه أن يضر بالدولة , وتنبيه الرأي العام لذلك
2. إبداء رأيه للحكومة في شئون البلاد السياسية والإدارية, مساعدةً لها على التوجيه الصحيح
3. معالجة المسائل القومية, وإبداء رأيه فيها علناً, قياماً بالواجب الوطني
4. السعي لإيجاد مجلس تشريعي في الدولة, تنتخب الأمة من يمثلها فيه
5. الاهتمام بنشر التعليم, والثقافة, وتنمية الوعي القومي(5)
وبطبيعة الحال لسنا في مقام البحث والتحليل لهذه الأهداف, وأن كان أبرز ما سيتوقف المرء فيها , فهو بادٍ في الإتيان بألفاظ وعبارات دون إدراكٍ واعٍ لأبعادها وم
كثرت بها الأفراح وارتاحن حسينات الخدود
ولا العناء ..زال البالء، والحق قايم عالعمود
دانت وزانت لَرض من نجران لما قبر هود
أمان ضافي يمسي الراكب بنفسه والنقود
ويُعزي الفضل لأهله، فيقول:
يحيا إنجرامس لي جبال الأرض من خوفه تنود
بالهيبه اصلحها .. بلا ضوله ولا عسكر يقود
قيَّد ذيابتها وبايحكم بتقييد الفهود
والكاف بوسقاف ذي جاب الجميلة لُه يسود
احيا الشريعة وانتصر للحق والشر له يذود
كاتب وخاطب .. وأمست الفتنة بسعيه في خمود
انتفاضة القصر
أول حدث أثر في نفسي, كان حادثة القصر التي راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى من أبناء مدينتي, وكنتُ حينها في المدرسة الغربية الملاصقة للمستشفى, وكنا نطل من الشبابيك وشهدت مع غيري من التلاميذ قتلى وجرحى كثر من أهالي البلاد, مما أحدث أثراً كبيراً في نفسي, وظلت الحادثة راسخة في ذهني, ولا تزال محفورة إلى اليوم (المناضل. خالد محمد عبدالعزيز)
حتى يتأتى لنا الإلمام والإحاطة بهذه الانتفاضة الشعبية التي استنطقتها الثورة (سبتمبر/ أكتوبر) عبرةً وحدثاً ملهماً, وأخرست إحياء ذكراها سلطة 22 مايو 1990م بشريكيها, شريكاً جاهلاً أو متجاهلاً لها (المؤتمر), وآخر كان لاهياً مشغولاً عنها بالمزايا وترتيب الأحوال السلطوية, والنوم في العسل (الاشتراكي), ليتأتى لنا ذلك لابد من أن نقف قليلا عند (الحزب الوطني القعيطي), باعتباره مسعر ومؤجج وقيد هذه الانتفاضة, والمحاول إخمادها ونفض يده عنها في نفس الوقت, كما سيتبدى لنا لاحقا على السطور القادمة.
و (الحزب الوطني القعيطي) كما يتضح لنا من تسميته, اقتصرت حركته ونشاطه على النطاق الجغرافي لما كان يُعرف بـ(السلطنة القعيطية) ولدى تأسيسه في العام 1947م(1) انضوى في إطار عضويته كبار الموظفين , والتجار والمُلاك, ويتمثل الهدف الرئيس أو الأساسي, من وراء تأسيسه في "الدفاع عن العرش القعيطي" بل وليس ببعيد عن محجة الصواب القول بأن هذا الحزب تأسس برعاية ودعم سلطاني وكما يقول الباحث والكاتب الصحافي الأستاذ احمد عوض باوزير فقد كان السلطان صالح بن غالب القعيطي(2) (تـ 1956م) هو نفسه وراء قيام الحزب الوطني, وكان يهدف من وراء ذلك إلى تحقيق مصالح شخصية بحتة منها أن يكون أداة حفظ له في نزاعه مع السلّطنة الكثيرية في قضية (مشكلة) ساه(3), التي انتهت بالتوفيق بين الطرفين بمساع قام بها المستشار البريطاني, وبعد ذلك تخلى السلطان عن تأييده للحزب ووضع أعضاءه في موقف بالغ الدقة والحرج مما أدى ببعضهم إلى الاستقالة, وعلى أثر ذلك توقف نشاط الحزب لفترة طويلة جداً(4).
كان أول مؤسس ورئيس للحزب, الشيخ احمد سالم باعشن, الذي كان رئيسا لمحكمة الجنايات في المكلا, وفيما بعد , ترأسه عوض محمد بكير, الذي كان يتمتع بنفوذ كبير بين أوساط الموظفين في السلطنة , وأن كان ذو ثقافة محدودة.
ومن برنامج الحزب المُعلن يتضح لنا بأنه أنشئ لغرض مساعدة السلطان وإسداء الرأي إليه, وبرنامجه هذا يتألف من أهداف خمسة:
1. محاربة كل ما من شأنه أن يضر بالدولة , وتنبيه الرأي العام لذلك
2. إبداء رأيه للحكومة في شئون البلاد السياسية والإدارية, مساعدةً لها على التوجيه الصحيح
3. معالجة المسائل القومية, وإبداء رأيه فيها علناً, قياماً بالواجب الوطني
4. السعي لإيجاد مجلس تشريعي في الدولة, تنتخب الأمة من يمثلها فيه
5. الاهتمام بنشر التعليم, والثقافة, وتنمية الوعي القومي(5)
وبطبيعة الحال لسنا في مقام البحث والتحليل لهذه الأهداف, وأن كان أبرز ما سيتوقف المرء فيها , فهو بادٍ في الإتيان بألفاظ وعبارات دون إدراكٍ واعٍ لأبعادها وم
دلولاتها, كما في حال الحديث عن النطاق الجغرافي الذي يُراد للأهداف أن تتُرجم وتتحقق فيه, وهو شطرُ من حضرموت (السلطة القعيطية) , وليس كل حضرموت, ناهيك عن الجنوب اليمني, واليمن بشطريه القائمين حينذاك , ومع ذلك تتحدث أهداف عن نطاق جغرافي (السلطنة القعيطية) المكان والناس بألفاظ وعبارات غائمة ومتناقضة ما بينها: (البلاد), (المسائل القومية), (الواجب الوطني) , (الأُمة), (الوعي القومي).
ومثل سائر الأحزاب اليمنية في عهدي الثورة والوحدة, لجهة جدية ومصداقية تعاطيها مع برامجها وأهدافها وسعيها لتحقيقها على أرض الواقع –طبعا مع الأخذ في الاعتبار, الفارق الزماني والظروف الموضوعية والذاتية- فقد ظلت أهداف وبرنامج (الحزب الوطني القعيطي) حبراً على ورق إلى أن كانت نهايته الأولى, بانتهاء قضيه أو نزاع (ساه) بين السلطنتين القعيطية والكثيرية, والتي بانتهائها تخلى عنه راعيه وداعمة السلطان القعيطي.
ولكن, هل عادت الروح للحزب حتى تكون له نهاية ثانية أو ثالثة؟ وإذا كان الأمر كذلك, من الذي أعاد إليه الروح, ومتى ؟ ولماذا؟.
أصل الحكاية
في السلم الوظيفي للسلطنة القعيطية, كانت وظيفة سكرتير (وزير) السلطنة, تعتبر (أكبر وظيفة في الدولة) وأرفع منصب "خطير" كما يصفه المؤرخ سعيد عوض باوزير, وعلى أهمية الوظيفة وخطورتها , غير أنه ظل ولعهود "خط أحمر" يحول ما بينها وبين ارتقاء أبناء حضرموت –خاصة- واليمن- عموما إليها, وأن بلغوا ما بلغوا من المراس والكفاءة والخبرة والتجربة, وبالتالي ظلت منطقة "مغلقة" يحتكرها من يصفهم المؤرخ سعيد عوض باوزير بـ(الوزراء المجلوبين) وكانت الأوساط الشعبية تأمل أن يكون سيف بن علي أو بوعلي الزنجباري (عُماني الجنسية) آخر الحلقات في سلسلتهم , ومعلومة وشائج العلاقة القائمة إلى يومنا هذا ما بين سلطنة عُمان, ومدينة زنجبار التنزانية في شرق أفريقيا, وأصل الحكاية .. أنه جاءت فترة على السلطنة, صار فيها سكرتيرها (وزيرها) الزنجباري, (يتصرف أحيانا دون العودة إلى المستشار البريطاني –وهي بطبيعة الحال-, تصرفات لا ترضي المستشار البريطاني ولهذا أظهر السلطان رغبته في تغييره بناء على طلب المستشار البريطاني "هيوبوستيد)(6).
صحيح أنه كان ثمة إجماع على تغيير الرُجل, غير أن التباين الصارخ في المواقف, كان يتموضع حول البديل, هنا عادت أو أُعيدت الروح , للحزب الوطني القعيطي, ليبدأ أسمه "بالبروز في نهاية العام 1949م(7)" أو أنه كما يرى البعض يعود "إلى الظهور في سبتمبر من العام 1950م حيث شُكلت قيادة جديدة للحزب, برئاسة الشيخ عوض محمد بكير"(8).
ويمكننا أن نمحور المواقف من البديل لـ(الزنجباري) وأقطابها أو محركيها, في, السلطان القعيطي, ويستهدف من إجراء عملية التغيير "تعيين أحد المقربين إليه في منصب السكرتير (الوزير) ليكون العوبة في يده"(9) فيما كان المرشح الأوحد لشغل المنصب, من قبل المستشار البريطاني, بوستيد, هو ناظر المعارف في السلطنة القعيطية, الشيخ قدال سعيد القدال(10) (سوداني الجنسية).
وقبل المضي في عرض بقية الترشيحات للمنصب وأطرافها, لا بأس من أن نقف قليلا عند موقف السلطان من الترشيح الذي تقدم به ورفعه إليه, بوستيد, وقد حرص الأخير على إثباته في كتاب له عن حياته , صُدر في العام 1971م, بعنوان "ذي ويند أوف مور نينج", (رياح الصباح), إذ يقول فيما أثبته من موقف للسلطان من ترشيحه, وما ترتب على ذلك الموقف من أحداث "السلطان كان مترددا في تنحية الشيخ سيف, وألححتُ عليه بشدة حتى قبل ذلك في يونيو 1950م(11)" وعندما ذهب السلطان صالح(12) في إجازة إلى الهند, حيث كان لا يزال قمندار(13) حرس نظام حيدر أباد الأسمي, قام إبنه عوض(14) بأمر السلطنة أثناء غيابه, وتسرب خبر النية في تعيين الشيخ القدال إلى الشعب, فقامت معارضة قوية ضد التعيين(15) التي مثَّلها السواد الأعظم من المواطنين المطالبين (باستبعاد السكرتير/الوزير السابق "الزنجباري" ورفض من رشّحهُ المستشار البريطاني, (القدال) لأسباب أراد الشعب توضيحها للسلطان(16)" بواسطة الحزب, منها, أن المرشح لابد أن يكون من أبناء البلد, فكلا الاثنين (الزنجباري والقدال) غير يمنيين, وقد استفاد السلطان من سخط الجماهير على الأوضاع القائمة ومنها سكرتير/وزير السلطنة, الذي كان يطمح من وراء استبداله إلى الحصول على المزيد من رضاء السلطة الاستعمارية وخطب ودها أكثر , وهنا تلاقى الغضب الصادر من الأسفل, من قبل الجماهير, مع الرغبة الآتية من السلطان, وبدلا من أن تتحمس قيادة الحزب لمطالب الشعب, تحَّمس الحزب لتغيير سكرتير/وزير السلطنة, وطالب هو الآخر بتعيين القدال, وعقد لأجل ذلك عددا من اللقاءات, ونظم العديد من المظاهرات والتي اختفى منها كبار الموظفين والتجار, ولم يحضرها إلا من وصفتهم (فتاة الجزيرة) بالأعضاء الشعبيين)(17).
ولما لم تعد بروزنامة العام 1950م, سوى ستة أيام لا غير, كانت قد تصاعدت الأحداث, وتصلَّبت المواقف (نكون أو لا نكون), ومن موقع المحلل السياسي, والكاتب
ومثل سائر الأحزاب اليمنية في عهدي الثورة والوحدة, لجهة جدية ومصداقية تعاطيها مع برامجها وأهدافها وسعيها لتحقيقها على أرض الواقع –طبعا مع الأخذ في الاعتبار, الفارق الزماني والظروف الموضوعية والذاتية- فقد ظلت أهداف وبرنامج (الحزب الوطني القعيطي) حبراً على ورق إلى أن كانت نهايته الأولى, بانتهاء قضيه أو نزاع (ساه) بين السلطنتين القعيطية والكثيرية, والتي بانتهائها تخلى عنه راعيه وداعمة السلطان القعيطي.
ولكن, هل عادت الروح للحزب حتى تكون له نهاية ثانية أو ثالثة؟ وإذا كان الأمر كذلك, من الذي أعاد إليه الروح, ومتى ؟ ولماذا؟.
أصل الحكاية
في السلم الوظيفي للسلطنة القعيطية, كانت وظيفة سكرتير (وزير) السلطنة, تعتبر (أكبر وظيفة في الدولة) وأرفع منصب "خطير" كما يصفه المؤرخ سعيد عوض باوزير, وعلى أهمية الوظيفة وخطورتها , غير أنه ظل ولعهود "خط أحمر" يحول ما بينها وبين ارتقاء أبناء حضرموت –خاصة- واليمن- عموما إليها, وأن بلغوا ما بلغوا من المراس والكفاءة والخبرة والتجربة, وبالتالي ظلت منطقة "مغلقة" يحتكرها من يصفهم المؤرخ سعيد عوض باوزير بـ(الوزراء المجلوبين) وكانت الأوساط الشعبية تأمل أن يكون سيف بن علي أو بوعلي الزنجباري (عُماني الجنسية) آخر الحلقات في سلسلتهم , ومعلومة وشائج العلاقة القائمة إلى يومنا هذا ما بين سلطنة عُمان, ومدينة زنجبار التنزانية في شرق أفريقيا, وأصل الحكاية .. أنه جاءت فترة على السلطنة, صار فيها سكرتيرها (وزيرها) الزنجباري, (يتصرف أحيانا دون العودة إلى المستشار البريطاني –وهي بطبيعة الحال-, تصرفات لا ترضي المستشار البريطاني ولهذا أظهر السلطان رغبته في تغييره بناء على طلب المستشار البريطاني "هيوبوستيد)(6).
صحيح أنه كان ثمة إجماع على تغيير الرُجل, غير أن التباين الصارخ في المواقف, كان يتموضع حول البديل, هنا عادت أو أُعيدت الروح , للحزب الوطني القعيطي, ليبدأ أسمه "بالبروز في نهاية العام 1949م(7)" أو أنه كما يرى البعض يعود "إلى الظهور في سبتمبر من العام 1950م حيث شُكلت قيادة جديدة للحزب, برئاسة الشيخ عوض محمد بكير"(8).
ويمكننا أن نمحور المواقف من البديل لـ(الزنجباري) وأقطابها أو محركيها, في, السلطان القعيطي, ويستهدف من إجراء عملية التغيير "تعيين أحد المقربين إليه في منصب السكرتير (الوزير) ليكون العوبة في يده"(9) فيما كان المرشح الأوحد لشغل المنصب, من قبل المستشار البريطاني, بوستيد, هو ناظر المعارف في السلطنة القعيطية, الشيخ قدال سعيد القدال(10) (سوداني الجنسية).
وقبل المضي في عرض بقية الترشيحات للمنصب وأطرافها, لا بأس من أن نقف قليلا عند موقف السلطان من الترشيح الذي تقدم به ورفعه إليه, بوستيد, وقد حرص الأخير على إثباته في كتاب له عن حياته , صُدر في العام 1971م, بعنوان "ذي ويند أوف مور نينج", (رياح الصباح), إذ يقول فيما أثبته من موقف للسلطان من ترشيحه, وما ترتب على ذلك الموقف من أحداث "السلطان كان مترددا في تنحية الشيخ سيف, وألححتُ عليه بشدة حتى قبل ذلك في يونيو 1950م(11)" وعندما ذهب السلطان صالح(12) في إجازة إلى الهند, حيث كان لا يزال قمندار(13) حرس نظام حيدر أباد الأسمي, قام إبنه عوض(14) بأمر السلطنة أثناء غيابه, وتسرب خبر النية في تعيين الشيخ القدال إلى الشعب, فقامت معارضة قوية ضد التعيين(15) التي مثَّلها السواد الأعظم من المواطنين المطالبين (باستبعاد السكرتير/الوزير السابق "الزنجباري" ورفض من رشّحهُ المستشار البريطاني, (القدال) لأسباب أراد الشعب توضيحها للسلطان(16)" بواسطة الحزب, منها, أن المرشح لابد أن يكون من أبناء البلد, فكلا الاثنين (الزنجباري والقدال) غير يمنيين, وقد استفاد السلطان من سخط الجماهير على الأوضاع القائمة ومنها سكرتير/وزير السلطنة, الذي كان يطمح من وراء استبداله إلى الحصول على المزيد من رضاء السلطة الاستعمارية وخطب ودها أكثر , وهنا تلاقى الغضب الصادر من الأسفل, من قبل الجماهير, مع الرغبة الآتية من السلطان, وبدلا من أن تتحمس قيادة الحزب لمطالب الشعب, تحَّمس الحزب لتغيير سكرتير/وزير السلطنة, وطالب هو الآخر بتعيين القدال, وعقد لأجل ذلك عددا من اللقاءات, ونظم العديد من المظاهرات والتي اختفى منها كبار الموظفين والتجار, ولم يحضرها إلا من وصفتهم (فتاة الجزيرة) بالأعضاء الشعبيين)(17).
ولما لم تعد بروزنامة العام 1950م, سوى ستة أيام لا غير, كانت قد تصاعدت الأحداث, وتصلَّبت المواقف (نكون أو لا نكون), ومن موقع المحلل السياسي, والكاتب
الصحافي المتابع الراصد للأحداث, والمؤرخ البحاثة المستغور كل شاردة وواردة فيها, يقول الأستاذ احمد عوض باوزير (في مساء يوم الثلاثاء الـ 26 من ديسمبر العام 1950م, كان الكولونيل بوستيد, المستشار البريطاني لدولتي حضرموت "القعيطية والكثيرية" يقود سيارته عبر الشارع الرئيسي لمدينة المكلا, وإلى جواره يجلس الشيخ القدال, ناظر التعليم "السابق" حيث كانا عائدين لتوهما من اجتماع لمجلس الدولة "القعيطية" الذي أكد بالإجماع على تعيين القدال في منصب السكرتير/الوزير للدولة "السلطنة" وعلى رصيف الجمرك, حيث الهواء الطلق جلسا يتجاذبان أطراف الحديث مبتهجين لأن مخاوف السلطان من قرار التعيين قد أمكن التغلب عليها (18) لا سيما أنه قد سبق هذا التحول في الموقف السلطاني, أو تزامن معه وبشهادة بوستيد نفسه, تجمع حوالي أربعة آلاف شخص أمام قصر السلطان, مطالبين بتعيين حضرمي في هذه الوظيفة التي تعتبر أعلى وظيفة في السلطنة, وطالب وفد أن يقابل السلطان عوض (كان حينذاك أميراً وولياً العهد, قائما بمهام والده السلطان في فترة غيابه في إجازة بالهند) ليشرح له الأمر, ولكن بوستيد, أمر السلطان عوض, أن يخبرهم بأن مسألة تعيين سكرتيراً/ وزيراً للسلطنة, ليس من شأنه, وإنما هو من شأن أبيه بعد أن يعود من الهند(19).
وبالعودة إلى زاوية أخرى من المشهد الذي كان قد صوّرهُ لنا المؤرخ باوزير, قبل قليل نطالع أنه (في الوقت الذي كان فيه مجلس الدولة يقر تعيين القدال في منصب السكرتير/الوزير, كان الحزب الوطني وقتئذ يبحث في تكوين وفد برئاسة الشيخ عوض بكير, رئيس الحزب, لتسليم عريضة للسلطان, تتضمن مطالبته بتعيين سكرتير وطني)(20).
وعلى مضض أغمضت المدينة أجفانها , لتصحو على تطورات ومستجدات, في صباح يوم جديد تالٍ, والأيام حبلى بالمفاجآت, وبما لم يكن في الحسبان.
الحدث .. "بطلاً" ورواية
كان الكولونيل هيوبوستيد, قد تولى مهام منصبه معتمداً/مستشاراً بريطانيا في المحمية الشرقية, أوائل العام 1950م وقبل أن يطوي عام تنصيبه , صفحاته, كانت قد تواترت الأحداث التي كان مؤداها ما عُرفت بانتفاضة القصر أو مجزرة المكلا, غير أن حوادثها بقيت "غامضة وغير مدونة إلى أن كتبها بطلها" بوستيد في كتابه الذي سبقت الإشارة إليه (رياح الصباح).
وحتى نقف على أحداث اليوم التالي (27/12/1950م) من مضانها , نعود إلى بوستيد في رياح صباحه الدامي (في الساعة الخامسة من صبيحة يوم السابع والعشرين من ديسمبر (1950م) صحّاني ضابط بوليس المكلا ودخل إلى غرفتي , ثم قال " لقد عُقدت عدة مؤتمرات طيلة الليل بين الجماهير المعارضة لتعيين الشيخ القدال. والوضع جد خطير . وفي الساعة الثامنة والنصف سوف تتجمع الآلاف من الناس في ميدان القصر. وسوف يقوم وفد منهم بتقديم احتجاجهم إلى السلطان على التعيين " فسألته "هل أخبرت الشيخ القدال بالأمر " ؟ فأجاب "نعم. لقد أتيت الآن من عنده وقد بعثني إليك " فقلت: " حسنا, أرجع إليه وأخبره أن يذهب إلى القصر, هو والبارزون أكثر من أعضاء المجلس, بما فيهم الشيخ اليافعي ناصر , ويبقوا السلطان حازما")(21) .
ويمضي بوستيد في روايته ( .. وفي حوالي الساعة الثامنة بدأت أسمع الهدير المشئوم للحشود وهي تملا شارع المكلا الرئيسي, وأمرت كنيدي, نائبي أن يتلفن إلى جيش المكلا النظامي ويأمره أن يستعد بسيارات الحمول في الثكنات لإحضار الجنود في الحال إذا ما دعت الحاجة. ويجب أن لا ينزلوا من ثكناتهم بالديس , إلا بأمر)(22).
(ممثلوا الجماهير ) في مواجهة السلطان
يستطرد راوية الحدث و "بطل" وقائعه , في رياح صباحه الدامي , قائلا: (.. وتجمعت الحشود في ميدان القصر, وحاول بعض الشباب الطائش أن يوقف سيارتي وأنا داخل إلى القصر. وأمرت السائق أن يندفع بينهم, فتفرقوا من طريق السيارة محطمين زجاج نوافذها أثناء تراجعهم. وصعدت إلى القصر, فوجدت السلطان والشيخ ناصر البطاطي والشيخ القدال, وثلاثة آخرين. وفي الحال جاء وفد . وكان السلطان الذي حنا ظهره الطويل مرض الروماتيزم والتهاب المفاصل جالسا فوق أريكته , وهو في منتهى الغضب. وعندما ظهر الوفد حملق فيهم السلطان . ولم يحدث من قبل أن وُوجِه بمعارضة مباشرة لأوامره . وجلسوا مقابلين له على الكراسي, وتكلم الناطق بأسمهم قائلا: "لقد جئنا نيابة عن الشعب لنقول لكم : أننا لا نريد سكرتير الدولة من غير الحضارم" فأجاب السلطان بجفاوة بأن هذا التعيين من اختصاصي وليس من شأن العامة, فهو الذي يدفع للوظيفة وليس هُم. وعندئذ قام الشيخ القدال وألقى خطبة رائعة وأنهاها بقوله : "لقد عرفتكم خلال الأربع عشرة سنة الماضية, وقمت بتعليم أولادكم , وعرفتموني كأحد أعضاء مجلسكم, ولم أسمع من قبل أحداً منكم يتكلم ضدي " . فشعروا بالإحراج والعصبية ثم تقدموا ليصافحوه , وقالوا: " سننزل إلى الجماهير ونخبرها بأننا نرغب في الاعتراف بك"(23) .
ويستدرك بوستيد , مواصلا روايته لوقائع الحدث ( .. إلا أنه في هذا الوقت كانت الأصوات العالية ترتفع فوق كل م
وبالعودة إلى زاوية أخرى من المشهد الذي كان قد صوّرهُ لنا المؤرخ باوزير, قبل قليل نطالع أنه (في الوقت الذي كان فيه مجلس الدولة يقر تعيين القدال في منصب السكرتير/الوزير, كان الحزب الوطني وقتئذ يبحث في تكوين وفد برئاسة الشيخ عوض بكير, رئيس الحزب, لتسليم عريضة للسلطان, تتضمن مطالبته بتعيين سكرتير وطني)(20).
وعلى مضض أغمضت المدينة أجفانها , لتصحو على تطورات ومستجدات, في صباح يوم جديد تالٍ, والأيام حبلى بالمفاجآت, وبما لم يكن في الحسبان.
الحدث .. "بطلاً" ورواية
كان الكولونيل هيوبوستيد, قد تولى مهام منصبه معتمداً/مستشاراً بريطانيا في المحمية الشرقية, أوائل العام 1950م وقبل أن يطوي عام تنصيبه , صفحاته, كانت قد تواترت الأحداث التي كان مؤداها ما عُرفت بانتفاضة القصر أو مجزرة المكلا, غير أن حوادثها بقيت "غامضة وغير مدونة إلى أن كتبها بطلها" بوستيد في كتابه الذي سبقت الإشارة إليه (رياح الصباح).
وحتى نقف على أحداث اليوم التالي (27/12/1950م) من مضانها , نعود إلى بوستيد في رياح صباحه الدامي (في الساعة الخامسة من صبيحة يوم السابع والعشرين من ديسمبر (1950م) صحّاني ضابط بوليس المكلا ودخل إلى غرفتي , ثم قال " لقد عُقدت عدة مؤتمرات طيلة الليل بين الجماهير المعارضة لتعيين الشيخ القدال. والوضع جد خطير . وفي الساعة الثامنة والنصف سوف تتجمع الآلاف من الناس في ميدان القصر. وسوف يقوم وفد منهم بتقديم احتجاجهم إلى السلطان على التعيين " فسألته "هل أخبرت الشيخ القدال بالأمر " ؟ فأجاب "نعم. لقد أتيت الآن من عنده وقد بعثني إليك " فقلت: " حسنا, أرجع إليه وأخبره أن يذهب إلى القصر, هو والبارزون أكثر من أعضاء المجلس, بما فيهم الشيخ اليافعي ناصر , ويبقوا السلطان حازما")(21) .
ويمضي بوستيد في روايته ( .. وفي حوالي الساعة الثامنة بدأت أسمع الهدير المشئوم للحشود وهي تملا شارع المكلا الرئيسي, وأمرت كنيدي, نائبي أن يتلفن إلى جيش المكلا النظامي ويأمره أن يستعد بسيارات الحمول في الثكنات لإحضار الجنود في الحال إذا ما دعت الحاجة. ويجب أن لا ينزلوا من ثكناتهم بالديس , إلا بأمر)(22).
(ممثلوا الجماهير ) في مواجهة السلطان
يستطرد راوية الحدث و "بطل" وقائعه , في رياح صباحه الدامي , قائلا: (.. وتجمعت الحشود في ميدان القصر, وحاول بعض الشباب الطائش أن يوقف سيارتي وأنا داخل إلى القصر. وأمرت السائق أن يندفع بينهم, فتفرقوا من طريق السيارة محطمين زجاج نوافذها أثناء تراجعهم. وصعدت إلى القصر, فوجدت السلطان والشيخ ناصر البطاطي والشيخ القدال, وثلاثة آخرين. وفي الحال جاء وفد . وكان السلطان الذي حنا ظهره الطويل مرض الروماتيزم والتهاب المفاصل جالسا فوق أريكته , وهو في منتهى الغضب. وعندما ظهر الوفد حملق فيهم السلطان . ولم يحدث من قبل أن وُوجِه بمعارضة مباشرة لأوامره . وجلسوا مقابلين له على الكراسي, وتكلم الناطق بأسمهم قائلا: "لقد جئنا نيابة عن الشعب لنقول لكم : أننا لا نريد سكرتير الدولة من غير الحضارم" فأجاب السلطان بجفاوة بأن هذا التعيين من اختصاصي وليس من شأن العامة, فهو الذي يدفع للوظيفة وليس هُم. وعندئذ قام الشيخ القدال وألقى خطبة رائعة وأنهاها بقوله : "لقد عرفتكم خلال الأربع عشرة سنة الماضية, وقمت بتعليم أولادكم , وعرفتموني كأحد أعضاء مجلسكم, ولم أسمع من قبل أحداً منكم يتكلم ضدي " . فشعروا بالإحراج والعصبية ثم تقدموا ليصافحوه , وقالوا: " سننزل إلى الجماهير ونخبرها بأننا نرغب في الاعتراف بك"(23) .
ويستدرك بوستيد , مواصلا روايته لوقائع الحدث ( .. إلا أنه في هذا الوقت كانت الأصوات العالية ترتفع فوق كل م
يدان القصر, وبدأت الحشود في تحطيم الزهريات والنوافذ في أسفل القصر. وسمعت طلقة, ورأيت الجنود يُغلبون من قبل الجماهير, الذين جردوهم من بنادقهم. وقد كان هناك ستة من الحرس فقط في النوبة. وقام الشيخ ناصر , وكان شخصا ضخما طوله أكثر من ستة أقدام, فنزل إليهم ليتناقش معهم في الأمر, فأُسكِت عن الكلام, واستقبلوه بسيل من الأحجار . وعندما سمعنا الأصوات الهادرة أطلعنا السلطان بسرعة إلى غرفته في الطابق الثاني من القصر, وأرسلُت شخصا ليتلفن إلى كنيدي كي يخبره بإحضار جيش المكلا النظامي في الحال. ونزل الوفد إلى الحشد فلم يستطيعوا أن ينطقوا ببنت شفة , وبدأتُ أسمع تحطيم الأبواب في الأسفل, وسرعان ما شاهدت المتظاهرين في بهو القصر , وبينما أنا أعبر الباب هاجمني صومالي بهراوة . وعندما كان يهوي بها عليَّ جُررت إلى الخلف, وأُغلق الباب بقوة من الخلف . وكان الذي قام بهذا العمل هو الشيخ ناصر. وأما هراوة الصومالي فقد دقت عطفة الباب, ولم أصب بأي سوء . وفي أسفل القصر كان هناك مزيد من الصراخ وتحطيم النوافذ والأبواب)(24)
.. وتخضب الميدان بالدماء
( .. ثم سمعت –والكلام موصولاً لبوستيد- وابلا من الرصاص في ميدان القصر, أعقبها في الحال صراخ وأنين , ثم تبع ذلك وابل , آخر من الرصاص, ونواح أكثر من الأنين والألم . لقد حضر جيش المكلا النظامي(25) تحت قيادة القائد بن صميدع , ووجد أبواب المدينة الحديدية(26) مغلقة في وجوههم . فلما رأى بن صميدع ذلك, وكان سريعا كالقط, قاد طابورا من فوق سور المستشارية(27) , فدخل ميدان المستشارية , ومن بابها دخل إلى ميدان القصر. وقام بصف جنوده في الطرف الشرقي من ميدان القصر, وأمرهم بالانبطاح . ثم صرخ للحشود بأن يتوقفوا , وما لم فسيطلق النار عليهم . وقد أطلق الوابل الأول من الرصاص فوق رؤوسهم . فصرخوا "هجوماً هجوماً على الجنود هجوماً . أنهم يساوون عشرين روبية فقط (مشيرين بذلك إلى رابتهم الشهري) , ثم تقدموا نحو جنود أبن صميدع. وأطلق النار مرة ثانية, وسدد الطلقات هذه المرة إلى صدور الجموع . فسقط ثمانية عشر قتيلا(28) , وجُرح سبعة وأربعون , فدارت الجموع و فرّت نحو البوابة , ومن بقيّ منهم في القصر ولى هاربا بأقصى سرعة ممكنة . واستمر السلطان, الذي كان يعبر عن عواطفه بالغضب, استمر السلطان يردد :" كلاب .. كلاب" . وعقدنا بعدئذ جلسة مع الشيخ القدال فقلت : " يجب أن نفرض منع التجول في الحال , وعلى جيش المكلا النظامي القيام بالدوريات في الشوارع " . وتم القبض على زعماء الحركة, وحوكموا من قبل محكمة خاصة مكونة من ثلاثة نواب (محافظين) وعضوين من المجلس . وقد أُدين حوالي سبعين شخصا , وحُكم عليهم بالسجن, وتراوحت فترات سجنهم بين ثلاث وخمس سنوات)(29)
ما بعد العاصفة
على الرغم من دموية الحدث, وكثرة ضحاياه , ومشروعية مطالبهم, إلا أنه لم يحظ بأي موقف (إدانة, شجب, استنكار, ....الخ) إزاء مرتكبيه , من قبل المنظمات والهيئات العربية والإقليمية والدولية , القائمة حينذاك.
وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال : لماذا؟ يجيب عن السؤال "بطل" الحدث وراوية وقائعه , المعتمد/المستشار البريطاني هيوبوستيد , في رياح صباحه الدامي (.. بعثتُ برقية خاصة إلى حاكم عدن, وطلبت منه أن يتأكد بأن لا شيء ينشر في الصحف سوى الخبر الذي بعثت به إليه . وفعلا ظهرت ثلاثة أصدر فقط في جريدة التايمز . وبعد ثلاثة أسابيع من كل هذا نُصِبّ الشيخ قدال سكرتيراً /وزيراً جديداً للسلطنة) .
وقبل إجراءات ومراسيم التنصيب للسكرتير/الوزير الجديد , وربما بالتزامن معها , "قامت السلطات بمهاجمة مقر الحزب الوطني , وأغلقته, واعتقلت بعض قادته , وأودعتهم السجن , والبعض نُفيّ من البلاد في يناير 1951م"(30)
الحزب الوطني في ميزان التقييم
يقول المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف(31) في تقييمه لدور وأداء (الحزب الوطني القعيطي) : (تقتضينا شرعة الأنصاف, القول هنا أننا حينما نستعرض موقف زعماء الحزب الوطني , إلا نطعن في وطنيتهم , ولا في إخلاصهم لبلادهم , وسيعتبر توجيه اللوم إليهم, أو اتهامهم بالقصور, أو التقصير, ضرباً من الشطط والمزايدة الفجة) .
ويعلل بامطرف تقييمه هذا بالإشارة إلى أن (عهد زعماء الحزب الوطني , عهد المساومات السياسية على موائد المفاوضات, وعهد المطالب السلمية , بالمنظور الدستوري (خطوة .. خطوة) , وعلينا أن ندرك أن العهد الذي نشأ فيه الحزب الوطني , كان عهد جبروت وطغيان, وتفرد في الحُكم , وكانت المداراة والتحايل المستتر , والمناورة , أو ما يسمى حديثاً بالتكتيك , بعض الأسلحة لاحتواء عنجهية ذلك العهد وتوجيهه الوجهة الوطنية, بمفهوم ذلك الوقت . ونحن إذا نظرنا إلى ما كان يتمتع به زعماء الحزب الوطني من عدم الحنكة السياسية فلسوف نرى أن أية خطوة منهم للتدخل في شئون السلطان, تعتبر شجاعة فائقة ) .
كيف كنا؟
ويستطرد بامطرف في تقييمه ( .. لقد كنا في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات (من القرن العشرين) متأثرين سطحيا بالمتغير
.. وتخضب الميدان بالدماء
( .. ثم سمعت –والكلام موصولاً لبوستيد- وابلا من الرصاص في ميدان القصر, أعقبها في الحال صراخ وأنين , ثم تبع ذلك وابل , آخر من الرصاص, ونواح أكثر من الأنين والألم . لقد حضر جيش المكلا النظامي(25) تحت قيادة القائد بن صميدع , ووجد أبواب المدينة الحديدية(26) مغلقة في وجوههم . فلما رأى بن صميدع ذلك, وكان سريعا كالقط, قاد طابورا من فوق سور المستشارية(27) , فدخل ميدان المستشارية , ومن بابها دخل إلى ميدان القصر. وقام بصف جنوده في الطرف الشرقي من ميدان القصر, وأمرهم بالانبطاح . ثم صرخ للحشود بأن يتوقفوا , وما لم فسيطلق النار عليهم . وقد أطلق الوابل الأول من الرصاص فوق رؤوسهم . فصرخوا "هجوماً هجوماً على الجنود هجوماً . أنهم يساوون عشرين روبية فقط (مشيرين بذلك إلى رابتهم الشهري) , ثم تقدموا نحو جنود أبن صميدع. وأطلق النار مرة ثانية, وسدد الطلقات هذه المرة إلى صدور الجموع . فسقط ثمانية عشر قتيلا(28) , وجُرح سبعة وأربعون , فدارت الجموع و فرّت نحو البوابة , ومن بقيّ منهم في القصر ولى هاربا بأقصى سرعة ممكنة . واستمر السلطان, الذي كان يعبر عن عواطفه بالغضب, استمر السلطان يردد :" كلاب .. كلاب" . وعقدنا بعدئذ جلسة مع الشيخ القدال فقلت : " يجب أن نفرض منع التجول في الحال , وعلى جيش المكلا النظامي القيام بالدوريات في الشوارع " . وتم القبض على زعماء الحركة, وحوكموا من قبل محكمة خاصة مكونة من ثلاثة نواب (محافظين) وعضوين من المجلس . وقد أُدين حوالي سبعين شخصا , وحُكم عليهم بالسجن, وتراوحت فترات سجنهم بين ثلاث وخمس سنوات)(29)
ما بعد العاصفة
على الرغم من دموية الحدث, وكثرة ضحاياه , ومشروعية مطالبهم, إلا أنه لم يحظ بأي موقف (إدانة, شجب, استنكار, ....الخ) إزاء مرتكبيه , من قبل المنظمات والهيئات العربية والإقليمية والدولية , القائمة حينذاك.
وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال : لماذا؟ يجيب عن السؤال "بطل" الحدث وراوية وقائعه , المعتمد/المستشار البريطاني هيوبوستيد , في رياح صباحه الدامي (.. بعثتُ برقية خاصة إلى حاكم عدن, وطلبت منه أن يتأكد بأن لا شيء ينشر في الصحف سوى الخبر الذي بعثت به إليه . وفعلا ظهرت ثلاثة أصدر فقط في جريدة التايمز . وبعد ثلاثة أسابيع من كل هذا نُصِبّ الشيخ قدال سكرتيراً /وزيراً جديداً للسلطنة) .
وقبل إجراءات ومراسيم التنصيب للسكرتير/الوزير الجديد , وربما بالتزامن معها , "قامت السلطات بمهاجمة مقر الحزب الوطني , وأغلقته, واعتقلت بعض قادته , وأودعتهم السجن , والبعض نُفيّ من البلاد في يناير 1951م"(30)
الحزب الوطني في ميزان التقييم
يقول المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف(31) في تقييمه لدور وأداء (الحزب الوطني القعيطي) : (تقتضينا شرعة الأنصاف, القول هنا أننا حينما نستعرض موقف زعماء الحزب الوطني , إلا نطعن في وطنيتهم , ولا في إخلاصهم لبلادهم , وسيعتبر توجيه اللوم إليهم, أو اتهامهم بالقصور, أو التقصير, ضرباً من الشطط والمزايدة الفجة) .
ويعلل بامطرف تقييمه هذا بالإشارة إلى أن (عهد زعماء الحزب الوطني , عهد المساومات السياسية على موائد المفاوضات, وعهد المطالب السلمية , بالمنظور الدستوري (خطوة .. خطوة) , وعلينا أن ندرك أن العهد الذي نشأ فيه الحزب الوطني , كان عهد جبروت وطغيان, وتفرد في الحُكم , وكانت المداراة والتحايل المستتر , والمناورة , أو ما يسمى حديثاً بالتكتيك , بعض الأسلحة لاحتواء عنجهية ذلك العهد وتوجيهه الوجهة الوطنية, بمفهوم ذلك الوقت . ونحن إذا نظرنا إلى ما كان يتمتع به زعماء الحزب الوطني من عدم الحنكة السياسية فلسوف نرى أن أية خطوة منهم للتدخل في شئون السلطان, تعتبر شجاعة فائقة ) .
كيف كنا؟
ويستطرد بامطرف في تقييمه ( .. لقد كنا في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات (من القرن العشرين) متأثرين سطحيا بالمتغير
ات السياسية الجارية في بعض الأقطار العربية , وفي بعض الأقاليم الآسيوية, والأفريقية, القريبة منا , وكان النضال الوطني في تلك الأقطار مُتخذاً , من ناحية عامة , طابع التطور الدستوري, أو رفع التظلمات , أو التكالب على الوظائف الحكومية مع ارتداء لباس تجار السياسة )
ما الذي كان ينقصنا؟
وعن هذا السؤال يجيب المؤرخ بامطرف (كانت تنقصنا الثقافة السياسية المستنيرة , وكانت كل مناقشاتنا والآراء التي نحملها, أصداء لما كنا نسمعه, أو نقرأ عنه, مما كان يدور في الأقطار الأخرى. ولم يكن لدى الأغلبية الساحقة منا موقفاً محدداً , كانت لنا مواقف من قضايا معينة , ولكنها كانت مواقف زئبقية , أو كانت خفيفة الوزن , سرعان ما تعصف بها رياح التذبذب الفكري, ولم يكن لدينا خط سير واضح , أو نظرية محددة , وكنا نتوسم خيراً في الجميع, ونصيح خلف كل ناعق, بمعنى أننا لم نمتلك الأصالة, بل أننا كنا طفوليين في مقدماتنا التي نرتب عليها نتائج تفكيرنا)
ويؤكد بامطرف في سياق تقييمه ( أن حادثة القصر سوف تفيدنا فائدةً لا يُستهان بها , إذا ما نظرنا إليها على أنها قضية وطنية , جديرة بأن تمنحنا القدرة على النظر من خلالها إلى آفاق بعيدة , والتجول في تلك الآفاق) .
ويمضي في تقييمه (.. ومما بلغني أن أحدهم قال في المجلس الذي كان السلطان يقابل فيه أعضاء الحزب : "يا سلطان , أفهم أنك برجالك, وعشيرتك(32) , وخبرك وعلمك, لا تخليّ السُفل(33) يفرضون عليك سكرتير دولة حسب رغبتهم . اليوم بايفرضون السكرتير وبكره بايقولون لك أطلع من البلاد " كان لهذا الكلام أثره في تصلب موقف السلطان من مطالب الحزب الوطني , وهو على أيه حال صوت الحزازات الغائرة في نفوس قطاعات الشعب آنذاك )
ما ينبغي تعلمه من (مجزرة ) القصر
يقول المؤرخ بامطرف ( .. لن نكون مجازفين بالقول إذا ما رددنا هنا , أن الحوادث التاريخية قد علّمتنا, أن حادثة القصر , مثلها مثل العديد من حوادث التاريخ الهامة , سوف تُعاد روايتها , حديثاً وكاتبةً, وستستعاد على مر السنين, وعلى صور متعددة, مختلفة الأشكال والألوان, وبمنطلقات ومفاهيم مختلفة , تجاوباً مع فلسفات الرواة والكُتاب , أي كان حافزهم للتعليل أو التفسير أو التحليل . لكن شيئاً واحداً من خلال كل ما ذُكر من الملابسات التي أكتنفت حادثة القصر , لا ولن تستعصي على تحليل المؤرخ المُنصِف , الآن , وربما في المستقبل , ذلك الشيء هو أن الحادثة أماطت اللثام في حينه , عن كراهية للحكم الانجلوسلاطيني, كان مفعماً بها فؤاد الرجُل العادي , وأن احتدام تلك الكراهية بين ضلوعه , دفعت به للتعبير عن غضبه على السلطان القعيطي , ومستشاره البريطاني بطريقته الخاصة.
حادثة القصر .. لماذا لم تشكل إرهاصة ؟؟!!
السؤال الافتراضي منا , والإجابة عنه للأستاذ بامطرف ( لقد ظلت حادثة القصر, وقتاً طويلاً, تبحث عن أن تجعل من نفسها إرهاصة, لنضال وطني مكثف, ومستمر, في حضرموت , ولكن الدم المسفوك فيها , أبتلانا بغاشية لم نستطع نفسياً التخلص من آثارها , فالذين استنكروا حادثة القصر, من البرجوازيين, الكبار, والصغار , من ذوي النزعات الضيقة , قد أماتت في أنفسهم, وإلى درجة محسوسة, أساليب القمع والإرهاب التي استعملت في حادثة القصر , أماتت في أنفسهم مزايا التحرك السياسي المُنظم المرن , ولا يُنكر أنه قد كانت في البلاد فئة واعية , تعلم أن وجود الحكم الانجلوسلاطيني عار على حضرموت بأسرها , وأنه لا خلاص إلا بالقضاء عليه بالقوة , لكن أولئك انطووا على أنفسهم بعد الحادثة, وانعزلوا عن الشعب وحاجاته اليومية , ولم يستطع أحد منهم, توجيه مظاهر السخط العفوية, لصالح النضال الجماهيري, ضد الاستعمار والرجعية . لقد أظهرت لهم الحادثة أن النضال السياسي, تواكبه تضحية دموية, لم تخطر لهم على بال, من قبل .
ثم أن انخراط الشباب المثقفين في الوظائف الحكومية بحضرموت , وكنتُ أنا أحدهم , وكانت ولا تزال ثقافتي محدودة جداً , أُحيط حتى نشاطهم الثقافي بالكثير من الريبة الشعبية في نواياهم , وعدّ الناس حركتهم الثقافية صورة من صور الضغط على الحكومة لزيادة مرتباتهم لا أقل ولا أكثر).
شيءُ عن دور الصحافة
وفي تقييمه لتعاطي الصحافة المحلية مع الحادثة , يقول ( .. وإذا كان هناك ما ينبغي أن يُشاد به هنا , فإن الواجب يُحتمُ عليّ, أن أُشيد بموقف الصحف المحلية, التي كانت سيارة في الخمسينيات , والنصف الأول من الستينيات , وفي مقدمتها صحيفة (الطليعة) التي كان يحررها الأستاذ أحمد عوض باوزير, تلك الصحف رغم إمكانياتها الضعيفة, والقيود المفروضة عليها من حكومات العهد البائد , قد جعلت من نفسها منبراً عالياً لإبقاء شعلة الشعور الوطني , مُتقدة , وكانت أكثر الوسائل فعالية في تشييع ومناصرة الحركات الطلابية الوطنية , فيما بعد ).
وعودُ على بدء , يقول ( أن عدم استفادتنا من حادثة القصر بجعلها إرهاصة وطنية , يعود إلى أسباب ذاتية وموضوعية كثيرة , ولكن واحداً من تلك الأسباب كان في غاية ا
ما الذي كان ينقصنا؟
وعن هذا السؤال يجيب المؤرخ بامطرف (كانت تنقصنا الثقافة السياسية المستنيرة , وكانت كل مناقشاتنا والآراء التي نحملها, أصداء لما كنا نسمعه, أو نقرأ عنه, مما كان يدور في الأقطار الأخرى. ولم يكن لدى الأغلبية الساحقة منا موقفاً محدداً , كانت لنا مواقف من قضايا معينة , ولكنها كانت مواقف زئبقية , أو كانت خفيفة الوزن , سرعان ما تعصف بها رياح التذبذب الفكري, ولم يكن لدينا خط سير واضح , أو نظرية محددة , وكنا نتوسم خيراً في الجميع, ونصيح خلف كل ناعق, بمعنى أننا لم نمتلك الأصالة, بل أننا كنا طفوليين في مقدماتنا التي نرتب عليها نتائج تفكيرنا)
ويؤكد بامطرف في سياق تقييمه ( أن حادثة القصر سوف تفيدنا فائدةً لا يُستهان بها , إذا ما نظرنا إليها على أنها قضية وطنية , جديرة بأن تمنحنا القدرة على النظر من خلالها إلى آفاق بعيدة , والتجول في تلك الآفاق) .
ويمضي في تقييمه (.. ومما بلغني أن أحدهم قال في المجلس الذي كان السلطان يقابل فيه أعضاء الحزب : "يا سلطان , أفهم أنك برجالك, وعشيرتك(32) , وخبرك وعلمك, لا تخليّ السُفل(33) يفرضون عليك سكرتير دولة حسب رغبتهم . اليوم بايفرضون السكرتير وبكره بايقولون لك أطلع من البلاد " كان لهذا الكلام أثره في تصلب موقف السلطان من مطالب الحزب الوطني , وهو على أيه حال صوت الحزازات الغائرة في نفوس قطاعات الشعب آنذاك )
ما ينبغي تعلمه من (مجزرة ) القصر
يقول المؤرخ بامطرف ( .. لن نكون مجازفين بالقول إذا ما رددنا هنا , أن الحوادث التاريخية قد علّمتنا, أن حادثة القصر , مثلها مثل العديد من حوادث التاريخ الهامة , سوف تُعاد روايتها , حديثاً وكاتبةً, وستستعاد على مر السنين, وعلى صور متعددة, مختلفة الأشكال والألوان, وبمنطلقات ومفاهيم مختلفة , تجاوباً مع فلسفات الرواة والكُتاب , أي كان حافزهم للتعليل أو التفسير أو التحليل . لكن شيئاً واحداً من خلال كل ما ذُكر من الملابسات التي أكتنفت حادثة القصر , لا ولن تستعصي على تحليل المؤرخ المُنصِف , الآن , وربما في المستقبل , ذلك الشيء هو أن الحادثة أماطت اللثام في حينه , عن كراهية للحكم الانجلوسلاطيني, كان مفعماً بها فؤاد الرجُل العادي , وأن احتدام تلك الكراهية بين ضلوعه , دفعت به للتعبير عن غضبه على السلطان القعيطي , ومستشاره البريطاني بطريقته الخاصة.
حادثة القصر .. لماذا لم تشكل إرهاصة ؟؟!!
السؤال الافتراضي منا , والإجابة عنه للأستاذ بامطرف ( لقد ظلت حادثة القصر, وقتاً طويلاً, تبحث عن أن تجعل من نفسها إرهاصة, لنضال وطني مكثف, ومستمر, في حضرموت , ولكن الدم المسفوك فيها , أبتلانا بغاشية لم نستطع نفسياً التخلص من آثارها , فالذين استنكروا حادثة القصر, من البرجوازيين, الكبار, والصغار , من ذوي النزعات الضيقة , قد أماتت في أنفسهم, وإلى درجة محسوسة, أساليب القمع والإرهاب التي استعملت في حادثة القصر , أماتت في أنفسهم مزايا التحرك السياسي المُنظم المرن , ولا يُنكر أنه قد كانت في البلاد فئة واعية , تعلم أن وجود الحكم الانجلوسلاطيني عار على حضرموت بأسرها , وأنه لا خلاص إلا بالقضاء عليه بالقوة , لكن أولئك انطووا على أنفسهم بعد الحادثة, وانعزلوا عن الشعب وحاجاته اليومية , ولم يستطع أحد منهم, توجيه مظاهر السخط العفوية, لصالح النضال الجماهيري, ضد الاستعمار والرجعية . لقد أظهرت لهم الحادثة أن النضال السياسي, تواكبه تضحية دموية, لم تخطر لهم على بال, من قبل .
ثم أن انخراط الشباب المثقفين في الوظائف الحكومية بحضرموت , وكنتُ أنا أحدهم , وكانت ولا تزال ثقافتي محدودة جداً , أُحيط حتى نشاطهم الثقافي بالكثير من الريبة الشعبية في نواياهم , وعدّ الناس حركتهم الثقافية صورة من صور الضغط على الحكومة لزيادة مرتباتهم لا أقل ولا أكثر).
شيءُ عن دور الصحافة
وفي تقييمه لتعاطي الصحافة المحلية مع الحادثة , يقول ( .. وإذا كان هناك ما ينبغي أن يُشاد به هنا , فإن الواجب يُحتمُ عليّ, أن أُشيد بموقف الصحف المحلية, التي كانت سيارة في الخمسينيات , والنصف الأول من الستينيات , وفي مقدمتها صحيفة (الطليعة) التي كان يحررها الأستاذ أحمد عوض باوزير, تلك الصحف رغم إمكانياتها الضعيفة, والقيود المفروضة عليها من حكومات العهد البائد , قد جعلت من نفسها منبراً عالياً لإبقاء شعلة الشعور الوطني , مُتقدة , وكانت أكثر الوسائل فعالية في تشييع ومناصرة الحركات الطلابية الوطنية , فيما بعد ).
وعودُ على بدء , يقول ( أن عدم استفادتنا من حادثة القصر بجعلها إرهاصة وطنية , يعود إلى أسباب ذاتية وموضوعية كثيرة , ولكن واحداً من تلك الأسباب كان في غاية ا
لخطورة , ذلك السبب الأكبر, كان خلف كل فتور في الحركة الوطنية في حضرموت , وهو أننا كنا شعباً متنافر الأهواء والهويات , متناحر الأغراض والمقاصد . لقد كنا في حضرموت, شعباً ممزق الأوصال, إلى طبقات مغلقة, كالطبقات الهندوكية سواء بسواء. وكان أول من أعلن سخطه على تلك التجزئة , هو الشاعر الشعبي الكبير المعلم عبدالحق , المتوفى عام 1872م , في قوله في قصيدة طويلة لهُ :
لو كلْ يدْ , قبضِتْ , عا الخير, ما جانا السقمْ
ولا بقىْ مسكينْ في ذي الأرضْ يقتلُهُ العدمْ
لكنْ ذا سيدْ, وذا شيخْ , وذا جدُه الحكمْ
وذا قرويْ عا المراوضْ دوب ما يجر النسمْ
وذا عَبرْ عُمرهْ يرونُهْ رِجسْ من جيزْ الخدمْ
إلى قوله:
نحنّا الظلّمْ في توجهنا, واللهْ أنْ نحنا الظّلمْ
لذا السببْ جتنا المذَلِهْ والرثَاثِهْ والبكَمْ
خلاصة هذه الأبيات على ما فيها من وضوح, أننا لم نكن منسجمين في بلادنا , ولم نهتم بخلق حياة مشتركة سعيدة بيننا) .
شهداء الانتفاضة وضحاياها
مما لا شك فيه - وكما أوردنا على الصفحات السابقة- فإن التفاوت بين المصادر التي تناولت الحادثة –على محدوديتها- لجهة عدد الشهداء والجرحي, ويمكننا أن نعزو ذلك إلى:
1. إن النظام السلاطيني, ودار الاستشارة البريطانية , قد أحاطا الحادثة بتعتيم إعلامي, شهد عليه , بوستيد نفسه
2. إن الطرف الذي كان يمكن له الاضطلاع بحصر أعداد الشهداء والجرحى وجمع قاعدة معلوماتية مرجعية عنهم في سجلاته, وأعني هنا (الحزب الوطني ) , قد أربكته حركة الجماهير, وتجاوزت مطالبها حساباته, كما أصابته نتائج رد الفعل, بالذهول من هول الفاجعة, فضلا عما أُنزل به وبقيادته من تنكيل.
3. أنه من الطبيعي في ظل حملة الاعتقالات والمداهمات التي أعقبت الحادثة وطالت أعداد غير قليلة من المشاركين , ألا يؤتى بالضحايا للمستشفى خشية التعرف على هوياتهم فيطال رد فعل السلطة ذويهم أو من له صلة بهم, وإلا لامكن العودة لسجلات المستشفى أو المستوصفات للتعرف على أسماء وهويات الضحايا.
4. أن جُلًّ مؤرخينا وباحثينا جبلوا على إلا يؤرخوا أو يدونوا , عدا سير الحُكام , والأنظمة والقادة, وقلّما استلفتت أقلامهم , وأسترعت اهتماماتهم الحركات والانتفاضات والتمردات لغمار الناس وبسطاء المجتمع.
5. إن المشاركة في الانتفاضة لم تقتصر على المواطنين من مدينة المكلا –فحسب- ولكن , وبشهادة مُعمرين عرفنّاهم عاصروا الحدث وبعضهم كان من المشاركين فيه, فقد شارك إلى جانبهم أخوان لهم من الشقاة الذين يقدمون من ضواحي المدينة, مع خيوط شمس الصباح, الأولى , ويغادرونها إلى مناطقهم مع غروبها, أو عند دنوها للغروب.
كذلك كانت هناك مشاركة لأبناء واديي حجر, وحضرموت (الوادي) القادمين للمكلا تحت وطأة كارثة المجاعة التي حلت بحضرموت عامي 1943/1944م, نتيجة ما حلّ بمناطقهم من جفاف, وقلة المؤن الغذائية وغلاء الأسعار, زِد على هذا توقف تحويلات المهاجرين "الحضارم" في الشرق الأقصى , بسبب الغزو الياباني , وقد استطاب الكثير منهم العيش بالمكلا والإقامة الدائمة بها, وأصبح له فيها ذرية من أبناء وأحفاد, وأزعم أن للأخيرين (الأبناء والأحفاد) أجداد تركت الحادثة أوسمة ونياشين من جراح على أجسادهم , فيما البعض منهم (ماتوا غرباء) في ذلك العهد الغرائبي, مع الاعتذار للرائع الجميل, محمد عبدالولي, صاحب رائعة (يموتون غرباء).
وفي كل الأحوال , ومما تأتى لنا الاطلاع عليه من مراجع , وهي , جد ضئيلة محدودة, فأننا قد وقفنا على أسماء ومعلومات مبتسرة عن أثني عشر شهيدا ممن شاركوا في الانتفاضة, وحصد رصاص جيش النظام , الإنجلوسلاطيني أرواحهم, وذلك العدد الذي تيسّر لنا الوقوف عليه, على ضآلته , إلا أنه دال, من خلال أسماء أصحابه, ومواطنهم الجغرافية, والحرف أو المهن التي كانوا يعتاشون منها, دال على البقية , التي لا زالت حتى الآن, وعلى الرغم من انقضاء (62) عاما, في عامنا هذا (2012م) على الحادثة/ الانتفاضة, خارج نطاق اهتمامات, منظمة مناضلي الثورة وشهداءها , وكذا المؤسسات والهيئات البحثية والتوثيقية المنبثة في أرجاء اليمن من أقصاه إلى أقصاه.
ومن قراءتنا أو تفكيرنا بصوت مسموع في الأسماء التي سبقت الإشارة إليها أمكننا الخلوص إلى:
1. إن أعمار المشاركين, ومن بينهم الضحايا تتراوح ما بين الـ 40 و الـ25 عاما يعني في ريعان الشباب وعنفوانه, ومع ذلك استرخصوا المُهج, واقبلوا على التضحية, إقبال الربيع الطلق, وفي بشاشته , وكأني بلسان حالهم يومذاك, ترجمانه, ما يلهج به الكورال في (كأسك يا وطن) , وهو ينشد بفرح شفيف, مترع بشجن جميل نبيل:
بكتب أسمك يا بلادي عا الشمس الما باتغيب
لا مالي .. ولا أولادي غيرك ما لي حبيب
2. إن السواد الأعظم من المشاركين , هم من المعدمين الفقراء, الشقاة المعتاشين من مهن وحِرف توفر لهم قوت يومهم, ومن البدهي أن يقع مثل هؤلاء بين براثن الأمية الأبجدية , ناهيك عن الأمية الثقافية,
لو كلْ يدْ , قبضِتْ , عا الخير, ما جانا السقمْ
ولا بقىْ مسكينْ في ذي الأرضْ يقتلُهُ العدمْ
لكنْ ذا سيدْ, وذا شيخْ , وذا جدُه الحكمْ
وذا قرويْ عا المراوضْ دوب ما يجر النسمْ
وذا عَبرْ عُمرهْ يرونُهْ رِجسْ من جيزْ الخدمْ
إلى قوله:
نحنّا الظلّمْ في توجهنا, واللهْ أنْ نحنا الظّلمْ
لذا السببْ جتنا المذَلِهْ والرثَاثِهْ والبكَمْ
خلاصة هذه الأبيات على ما فيها من وضوح, أننا لم نكن منسجمين في بلادنا , ولم نهتم بخلق حياة مشتركة سعيدة بيننا) .
شهداء الانتفاضة وضحاياها
مما لا شك فيه - وكما أوردنا على الصفحات السابقة- فإن التفاوت بين المصادر التي تناولت الحادثة –على محدوديتها- لجهة عدد الشهداء والجرحي, ويمكننا أن نعزو ذلك إلى:
1. إن النظام السلاطيني, ودار الاستشارة البريطانية , قد أحاطا الحادثة بتعتيم إعلامي, شهد عليه , بوستيد نفسه
2. إن الطرف الذي كان يمكن له الاضطلاع بحصر أعداد الشهداء والجرحى وجمع قاعدة معلوماتية مرجعية عنهم في سجلاته, وأعني هنا (الحزب الوطني ) , قد أربكته حركة الجماهير, وتجاوزت مطالبها حساباته, كما أصابته نتائج رد الفعل, بالذهول من هول الفاجعة, فضلا عما أُنزل به وبقيادته من تنكيل.
3. أنه من الطبيعي في ظل حملة الاعتقالات والمداهمات التي أعقبت الحادثة وطالت أعداد غير قليلة من المشاركين , ألا يؤتى بالضحايا للمستشفى خشية التعرف على هوياتهم فيطال رد فعل السلطة ذويهم أو من له صلة بهم, وإلا لامكن العودة لسجلات المستشفى أو المستوصفات للتعرف على أسماء وهويات الضحايا.
4. أن جُلًّ مؤرخينا وباحثينا جبلوا على إلا يؤرخوا أو يدونوا , عدا سير الحُكام , والأنظمة والقادة, وقلّما استلفتت أقلامهم , وأسترعت اهتماماتهم الحركات والانتفاضات والتمردات لغمار الناس وبسطاء المجتمع.
5. إن المشاركة في الانتفاضة لم تقتصر على المواطنين من مدينة المكلا –فحسب- ولكن , وبشهادة مُعمرين عرفنّاهم عاصروا الحدث وبعضهم كان من المشاركين فيه, فقد شارك إلى جانبهم أخوان لهم من الشقاة الذين يقدمون من ضواحي المدينة, مع خيوط شمس الصباح, الأولى , ويغادرونها إلى مناطقهم مع غروبها, أو عند دنوها للغروب.
كذلك كانت هناك مشاركة لأبناء واديي حجر, وحضرموت (الوادي) القادمين للمكلا تحت وطأة كارثة المجاعة التي حلت بحضرموت عامي 1943/1944م, نتيجة ما حلّ بمناطقهم من جفاف, وقلة المؤن الغذائية وغلاء الأسعار, زِد على هذا توقف تحويلات المهاجرين "الحضارم" في الشرق الأقصى , بسبب الغزو الياباني , وقد استطاب الكثير منهم العيش بالمكلا والإقامة الدائمة بها, وأصبح له فيها ذرية من أبناء وأحفاد, وأزعم أن للأخيرين (الأبناء والأحفاد) أجداد تركت الحادثة أوسمة ونياشين من جراح على أجسادهم , فيما البعض منهم (ماتوا غرباء) في ذلك العهد الغرائبي, مع الاعتذار للرائع الجميل, محمد عبدالولي, صاحب رائعة (يموتون غرباء).
وفي كل الأحوال , ومما تأتى لنا الاطلاع عليه من مراجع , وهي , جد ضئيلة محدودة, فأننا قد وقفنا على أسماء ومعلومات مبتسرة عن أثني عشر شهيدا ممن شاركوا في الانتفاضة, وحصد رصاص جيش النظام , الإنجلوسلاطيني أرواحهم, وذلك العدد الذي تيسّر لنا الوقوف عليه, على ضآلته , إلا أنه دال, من خلال أسماء أصحابه, ومواطنهم الجغرافية, والحرف أو المهن التي كانوا يعتاشون منها, دال على البقية , التي لا زالت حتى الآن, وعلى الرغم من انقضاء (62) عاما, في عامنا هذا (2012م) على الحادثة/ الانتفاضة, خارج نطاق اهتمامات, منظمة مناضلي الثورة وشهداءها , وكذا المؤسسات والهيئات البحثية والتوثيقية المنبثة في أرجاء اليمن من أقصاه إلى أقصاه.
ومن قراءتنا أو تفكيرنا بصوت مسموع في الأسماء التي سبقت الإشارة إليها أمكننا الخلوص إلى:
1. إن أعمار المشاركين, ومن بينهم الضحايا تتراوح ما بين الـ 40 و الـ25 عاما يعني في ريعان الشباب وعنفوانه, ومع ذلك استرخصوا المُهج, واقبلوا على التضحية, إقبال الربيع الطلق, وفي بشاشته , وكأني بلسان حالهم يومذاك, ترجمانه, ما يلهج به الكورال في (كأسك يا وطن) , وهو ينشد بفرح شفيف, مترع بشجن جميل نبيل:
بكتب أسمك يا بلادي عا الشمس الما باتغيب
لا مالي .. ولا أولادي غيرك ما لي حبيب
2. إن السواد الأعظم من المشاركين , هم من المعدمين الفقراء, الشقاة المعتاشين من مهن وحِرف توفر لهم قوت يومهم, ومن البدهي أن يقع مثل هؤلاء بين براثن الأمية الأبجدية , ناهيك عن الأمية الثقافية,
وبالتالي يصبح من الطبيعي أن يكونوا أكثر استشعارا من غيرهم لمرارات واقعهم, ويحلمون بتغيير ذلك الواقع, ولو بالاندفاع العفوي اللامنظم خلف كل داعٍ, وفي كل سانحة , ومع تيار كل موجة يرون فيها ضالتهم المنشودة , وعند شهداء الحادثة /الانتفاضة/ المجزرة بقية الحكاية.
- حسن سعيد حاتم , في أسرة فقيرة, فتح عينية على الدنيا في العام 1912م , أندفع أو دفعت به أسرته الفقيرة لميدان العمل في بواكير سنين عمُره, فعمل بمحل لغسيل الملابس وكيها, ليحمل بعد ذلك عصا ترحاله وسفره , ويحط رحاله في عدن, ومنها إلى المملكة العربية السعودية التي إعاده منها تشوقه لمراتع صباه, ومدارج طفولته (المكلا) في العام 1950م, إذ أنه في أوبته هذه ودّع حياة العزوبية , ودخل عش الزوجية الذي ما لبث بعد (20) يوما أن أُنتزع منه , ليمضي إلى باريه, في سفر لا عودة منه, وقد أغمض إغماضته الأخيرة, وعلى رأي الروائي الليبي, إبراهيم الكوني, في روايته أو رائعته –سيان- (التبر) فـ"أن الله لا يحب إلا المعذبين, والمبتلين من العباد , بل هو –جل جلاله- لا يبتلي إلا من أحب" .
- محفوظ سالم بامحيسون , أحسب أنه من أهالي (روكب) , وكان مجيئه لدنيانا في العام 1914م, بدأ مشواره في معترك الحياة , صيادا , ثم عمل بعد ذلك في حانوت صغير لبيع الحبوب (الذرة والقمح) , يشهد له معاصروه بـ" الوطنية المفرطة" , وبالمساهمة في دعم (الحزب الوطني القعيطي) , دون أن يجازفوا بتأكيد انتماءه للحزب , من عدمه .
- صالح عوض مخيَّر, في وسط أسري فقير كان ميلاده بمنطقة (القارة) في غيل باوزير , قذفته وطأة أعباء الحياة لساح العمل في سن مبكرة , فتقاذفته أعمال ومهن , حيث بدأ حياته شيّالا بمسقط رأسه . ليرحل منه بعد ذلك إلى بلدة (فوه) التي ما لبث أن غادرها هي الأخرى , إلى المكلا ليعمل فيها –بداية- بإحدى معاصر السمسم , في (الشرج) حي العمال -حاليا- ومن ثمَّ (سقَّا) لبعض البيوت . وفي اليوم المشئوم لهجت الألسن في المدينة (السقَّا مات) دون أن يودع زوجته الفاضلة مكسورة الجناح وأربعه أطفال طريي العود , لا يدرون أين غاب "كبيرهم" , وما الذي غيّبه عن أبصارهم التي كانت تكتحل بمرآه صباح مساء.
- سعيد علي باني , في عائلة مكلاوية فقيرة كان ميلاده , في العام 1915م , وهو من عمال الشحن (شيّالا)
- صالح سالم بانوبي , بالمكلا كان مجيئه للدنيا في العام 1922م . ومثل أنداده من الصيادين وشرائح المجتمع الفقيرة وقع في "شراك" الأمية , ويبدو مما هو مشهود ملموح, أنه لم يغمض إغماضته الأخيرة , إلا بعد أن ورّث جينات مهنته (ركوب البحر وعشق صيد أسماكه) لأبناء وأحفاد من بعده ما زال منهم من يعيش بين ظهرانينا إلى يومنا هذا.
- علي محمد رجرج , في أسرة فقيرة وُلِد في العام 1912م , وكان من صاغه الفضة بالمكلا .
هؤلاء هم ستة من الشهداء وما تسنى لنا الاهتداء إليه عنهم من معلومات لا بأس بها غير أنهم أفضل حالا من وجهة معلوماتية مقارنة بالشهداء الذين سنأتي على ذكرهم :
- محفوظ بن سنكر , من مواليد المكلا (برع السدة) حي السلام حاليا
- خميس سالم بهيلول , استشهد عن (25) عاما
- احمد عمر دعكيك , عامل
- منصور سعد
- بن كليب
- وسالم محمد سهيل , عامل , من مواطني (الحارة) حي الصيادين بالمكلا
وقد زاملنا نجله الوحيد (عبدالرحمن) مهندس الصوت في إذاعة المكلا حتى تقاعده قبل أعوام, وقد عُرف كمنلوجست , مضحكاتي, صاحب نكته في سبعينيات القرن الميلادي الماضي, مثلما عرفناه متندرا على شحُه وتقتيره , فضلا عن جأره بشكواه المُزمنة –حتى لطوب الأرض- من (ضآلة) مبلغ الإعانة الشهرية الذي كان يُمنح له من (صندوق خيرية حضرموت) أكراما للوالد الشهيد , وتكريما لتضحيته , على اعتبار أن الابن الذي أصبح في العقد الأربعيني حينذاك , وقد عمل وله دخل شهري ثابت , وزوجه فاضلة ما زال قاصرا لا عائل له , وأن أرملة الأب الشهيد ما تزال على قيد الحياة لم تنتقل إلى باريها بعد . فيما الشق الثاني من الشكوى السهيلية المزمنة فنوجزها وبحسب تعبيره في أن تكريم (الحزب) لوالده وقف عند تخوم الإعانة الشهرية , وإطلاق أسم الأب الشهيد , على وحدة سكنية (حارة) من وحدات (حارات) حي الصيادين بالمكلا .
ولا أحسبه الآن , وبعد فوات الأوان إلا يعض أصابع الندم , ضاربا أخماسا في أسداس, لاهجا , مرددا في سره :
رُبً يوم بكيت فيه فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه
إذ جاءت الوحدة , وبمجيئها ما عاد من أسم لوالده الشهيد وأشباهه , يطلق على وحدة (حارة) سكنية , ولا حتى على كشك من أكشاك بيع الروتي والرغيف والكيك التابعة للمؤسسة متعددة الأغراض إياها .
وجاء (الخنبشي) وبالأحرى جيء به , فكان باكورة "إنجازاته" و "أهمها" إغلاقه بالضبة والمفتاح , لصندوق خيرية حضرموت , بعد أن كان ملاذاً وستراً وغطاء للفقراء والمعوزين, لليتامى والأرامل , للمرضى ولمن وافاه الأجل غريبا أو مجهولاً أو من تقطّعت به
- حسن سعيد حاتم , في أسرة فقيرة, فتح عينية على الدنيا في العام 1912م , أندفع أو دفعت به أسرته الفقيرة لميدان العمل في بواكير سنين عمُره, فعمل بمحل لغسيل الملابس وكيها, ليحمل بعد ذلك عصا ترحاله وسفره , ويحط رحاله في عدن, ومنها إلى المملكة العربية السعودية التي إعاده منها تشوقه لمراتع صباه, ومدارج طفولته (المكلا) في العام 1950م, إذ أنه في أوبته هذه ودّع حياة العزوبية , ودخل عش الزوجية الذي ما لبث بعد (20) يوما أن أُنتزع منه , ليمضي إلى باريه, في سفر لا عودة منه, وقد أغمض إغماضته الأخيرة, وعلى رأي الروائي الليبي, إبراهيم الكوني, في روايته أو رائعته –سيان- (التبر) فـ"أن الله لا يحب إلا المعذبين, والمبتلين من العباد , بل هو –جل جلاله- لا يبتلي إلا من أحب" .
- محفوظ سالم بامحيسون , أحسب أنه من أهالي (روكب) , وكان مجيئه لدنيانا في العام 1914م, بدأ مشواره في معترك الحياة , صيادا , ثم عمل بعد ذلك في حانوت صغير لبيع الحبوب (الذرة والقمح) , يشهد له معاصروه بـ" الوطنية المفرطة" , وبالمساهمة في دعم (الحزب الوطني القعيطي) , دون أن يجازفوا بتأكيد انتماءه للحزب , من عدمه .
- صالح عوض مخيَّر, في وسط أسري فقير كان ميلاده بمنطقة (القارة) في غيل باوزير , قذفته وطأة أعباء الحياة لساح العمل في سن مبكرة , فتقاذفته أعمال ومهن , حيث بدأ حياته شيّالا بمسقط رأسه . ليرحل منه بعد ذلك إلى بلدة (فوه) التي ما لبث أن غادرها هي الأخرى , إلى المكلا ليعمل فيها –بداية- بإحدى معاصر السمسم , في (الشرج) حي العمال -حاليا- ومن ثمَّ (سقَّا) لبعض البيوت . وفي اليوم المشئوم لهجت الألسن في المدينة (السقَّا مات) دون أن يودع زوجته الفاضلة مكسورة الجناح وأربعه أطفال طريي العود , لا يدرون أين غاب "كبيرهم" , وما الذي غيّبه عن أبصارهم التي كانت تكتحل بمرآه صباح مساء.
- سعيد علي باني , في عائلة مكلاوية فقيرة كان ميلاده , في العام 1915م , وهو من عمال الشحن (شيّالا)
- صالح سالم بانوبي , بالمكلا كان مجيئه للدنيا في العام 1922م . ومثل أنداده من الصيادين وشرائح المجتمع الفقيرة وقع في "شراك" الأمية , ويبدو مما هو مشهود ملموح, أنه لم يغمض إغماضته الأخيرة , إلا بعد أن ورّث جينات مهنته (ركوب البحر وعشق صيد أسماكه) لأبناء وأحفاد من بعده ما زال منهم من يعيش بين ظهرانينا إلى يومنا هذا.
- علي محمد رجرج , في أسرة فقيرة وُلِد في العام 1912م , وكان من صاغه الفضة بالمكلا .
هؤلاء هم ستة من الشهداء وما تسنى لنا الاهتداء إليه عنهم من معلومات لا بأس بها غير أنهم أفضل حالا من وجهة معلوماتية مقارنة بالشهداء الذين سنأتي على ذكرهم :
- محفوظ بن سنكر , من مواليد المكلا (برع السدة) حي السلام حاليا
- خميس سالم بهيلول , استشهد عن (25) عاما
- احمد عمر دعكيك , عامل
- منصور سعد
- بن كليب
- وسالم محمد سهيل , عامل , من مواطني (الحارة) حي الصيادين بالمكلا
وقد زاملنا نجله الوحيد (عبدالرحمن) مهندس الصوت في إذاعة المكلا حتى تقاعده قبل أعوام, وقد عُرف كمنلوجست , مضحكاتي, صاحب نكته في سبعينيات القرن الميلادي الماضي, مثلما عرفناه متندرا على شحُه وتقتيره , فضلا عن جأره بشكواه المُزمنة –حتى لطوب الأرض- من (ضآلة) مبلغ الإعانة الشهرية الذي كان يُمنح له من (صندوق خيرية حضرموت) أكراما للوالد الشهيد , وتكريما لتضحيته , على اعتبار أن الابن الذي أصبح في العقد الأربعيني حينذاك , وقد عمل وله دخل شهري ثابت , وزوجه فاضلة ما زال قاصرا لا عائل له , وأن أرملة الأب الشهيد ما تزال على قيد الحياة لم تنتقل إلى باريها بعد . فيما الشق الثاني من الشكوى السهيلية المزمنة فنوجزها وبحسب تعبيره في أن تكريم (الحزب) لوالده وقف عند تخوم الإعانة الشهرية , وإطلاق أسم الأب الشهيد , على وحدة سكنية (حارة) من وحدات (حارات) حي الصيادين بالمكلا .
ولا أحسبه الآن , وبعد فوات الأوان إلا يعض أصابع الندم , ضاربا أخماسا في أسداس, لاهجا , مرددا في سره :
رُبً يوم بكيت فيه فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه
إذ جاءت الوحدة , وبمجيئها ما عاد من أسم لوالده الشهيد وأشباهه , يطلق على وحدة (حارة) سكنية , ولا حتى على كشك من أكشاك بيع الروتي والرغيف والكيك التابعة للمؤسسة متعددة الأغراض إياها .
وجاء (الخنبشي) وبالأحرى جيء به , فكان باكورة "إنجازاته" و "أهمها" إغلاقه بالضبة والمفتاح , لصندوق خيرية حضرموت , بعد أن كان ملاذاً وستراً وغطاء للفقراء والمعوزين, لليتامى والأرامل , للمرضى ولمن وافاه الأجل غريبا أو مجهولاً أو من تقطّعت به