اليمن_تاريخ_وثقافة
11.2K subscribers
143K photos
351 videos
2.19K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#ثورة_سبتمر_المجيدة

ملخص مقدمات ثورة 26 سبتمبر المجيدة

لم تكن ثورة 26 سبتمبر 1962، عملا ارتجاليا أو تلقائيا، نتيجة ظروف سطحية طارئة، أو مفاجئات لم تكن في الحسبان، بل كانت حصيلة نضالات وحركات خاضها المناضلون الأحرار طيلة عقود بهدف تغيير واقع الشعب والتحول نحو الدولة العادلة.
كما لم تكن ثورة 26 سبتمبر وليدة العام 1962، بل سبقتها موجات من الإرهاصات الثورية طوال عهود طويلة من العذاب والألم عاشتها البلاد تئن تحت وطأة الحكم الرجعي العتيق، وتمثلت هذه الأرهاصات في عدة انتفاضات وحركات ثورية قام بها الشعب اليمني قبل ذلك ولكنها انتكست نتيجة تحالف القوى الرجعية والاستعمارية ضدها.

ثورة 1948

وقد مثلت الثورة الدستورية في فبراير 1948، أول تحرك جاد لإسقاط سلطة الإمام يحيى، واستبدالها بإمامة دستورية توافق عليها الأحرار، مع بعض الشخصيات التي كانت مقربة من الدولة المتوكلية، إلا أنها رأت ضرورة التحرك لإخراج اليمن من مستنقع الظلام.
لقد ظل الإمام يحيى بن حميد الدين يحكم اليمن قرابة 40 عاما، حكما فرديا على نمط العصور الوسطى عن طريق إثارة الفتن والنعرات بين فئات الشعب والتخلص من قيادات القوى الشعبية بالنفي والاضطهاد والاغتيال.
وبسبب سياسات الإمام وفشله في تنفيذ الإصلاحات أو الاستجابة لدعوات النصح والإصلاح، قرر الثوار التخلص منه، وإعلان ملكية دستورية، وفعلا نجح البطل الثائر علي ناصر القردعي من قتل الإمام يحيى في 17 فبراير 1948، ومن ثم تم تنصيب عبدالله الوزير ملكا، لكن هذه الثورة سرعان ما انهارت بعد 25 يوما بسبب الكثير من العوامل الموضوعية، أبرزها أنها لم تتمكن من التخلص من ولي عهد الإمام، أحمد حميد الدين، والذي كان ذكيا ويمتلك قدرة على التأثير والحشد.
وفعلا نجح أحمد حميد الدين في التحرك صوب حجة، وجمع حوله القبائل وحرضها على المقاومة، ثم اقتحم صنعاء معلنا فشل الثورة والقبض على رجالها واقتادهم إلى ميادين الإعدام، والبعض الآخر دفع بهم إلى ظلمات السجون، من ضمنهم عبدالله السلال الذي تولى الحكم بعد ثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بأحمد حميد الدين بعد 14 سنة من ثورة 48.
في كتاب "اليمن ثورة وثوار" لخص الكاتب "عبد الرحيم عبدالله"، أسباب فشل ثورة فبراير عام 1948، مقسما إياها إلى ثلاثة أقسام، استراتيجية وداخلية وخارجية، أما الاستراتيجية، فلخصها في أن الثورة لم تكن تمتلك استراتيجية كاملة وتكتيك ملائم ومدروس، وهذا اتضح من خلال عدم قدرتها على تحديد ساعة الصفر، إضافة إلى غياب التنسيق، ففي الوقت الذي نجحت الخلية التي في صنعاء بقيادة القردعي في اغتيال الإمام يحيى، فشلت خلية تعز في اغتيال ولي العهد أحمد حميد الدين، كما أن هذه الثورة لم تضع في الحسبان احتمالات المقاومة والثورة المضادة، ولم تضع استراتيجية وتكتيك لحماية النصر الذي حققته في البداية، كما خلص إلى أن الثوار ركزوا على صنعاء وأهملوا بقية المحافظات.
ومن الناحية الداخلية، لم يعتمد التنظيم الذي خطط للثورة، على الجماهير، ما جعله يعمل بعيدا عن الشعب، ولم يكسب قاعدة شعبية للثورة، كما أن النضوج السياسي والفكري لم يكن قد قضى بعد على المعتقدات الخرافية والشعوذة الإمامية التي سيطرت على عقول البسطاء من أبناء الشعب.
ومن الناحية الخارجية، اعتمد الثوار في 48 على التأييد الخارجي، خصوصا من جامعة الدول العربية، التي كونت لجنة خاصة لزيارة اليمن لاستقصاء الحالة عن قرب، ولكن الجامعة لم تكن تملك القدرة آنذاك على تفهم معنى قيام حركة ثورية كهذه الحركة، في وقت كانت المنظقة العربية تخضع لظروف خاصة، وبالتالي فقد عجزت الجامعة العربية عن حماية هذه الثورة.

حركة 1955

المحطة الثانية في مسيرة النضال ضد الإمامة تمثلت في حركة مارس 1955، فبعد فشل ثورة 1948 انتشرت حملات الدمار والنهب والاستغلال والقتل والاضطهاد، ولم يترك الإمام أحمد وأذنابه قبيلة ولا مدينة إلا وأطاح من أبنائها بالكثير، وفي ظل هذه الظروف، خبت الحركة الوطنية حينا، ولكنها نمت ولم يخمد أوارها المتأجج، وعندما سنحت أول فرصة أمام الحركة الوطنية سارعت إلى استغلالها.
وتمثلت هذه الفرصة في الخلافات الحادة بين أفراد الأسرة المالكة التي كانت من نتائجها خروج الأمير عبدالله عن طاعة أخيه الإمام أحمد، وهنا تهيأت للحركة الوطنية فرصة استغلال الأمير عبدالله للقيام بحركة تطيح بالإمام أحمد.
وفعلا تم اللقاء بين الأمير عبدالله وبين عدد من رجال الجيش وفي مقدمتهم المقدم أحمد الثلايا، والنقيب محمد قائد سيف، وآخرين من الضباط وبعض المدنيين الذين كان وضع البلاد يقلقهم ويشغل بالهم.
وانتهز هؤلاء حادثة اصطدام بعض جنود الجيش بقبائل منطقة الحوبان وبادروا بتنفيذ خطتهم من خلال إقناع الجيش بضرورة القيام بالثورة، وتم تنفيذ المخطط المرسوم، حيث اضطر الإمام أحمد تحت ضغط تهديد الجيش المرابط أمام قصره في تعز إلى التنازل كتابة عن الإمامة لأخيه عبدالله، وفرضت على الإمام أحمد العزلة والحصار، ورغم ذلك نجح بمساعدة نجله ال
بدر في الفرار إلى حجة، وبدأ البدر بالمقاومة من هناك ضد الحركة الجديدة، وتمكن الإمام أحمد من استعادة عرشه بعد ثلاثة أيام فقط وسارع بإعدام قادة حركة 55 وفي مقدمتهم المقدم أحمد يحيى الثلايا والأمير عبدالله والأمير العباس دون محاكمه، بينما تمكن النقيب محمد قائد سيف من الفرار إلى عدن.
ومن الأخطاء التي وقعت فيها هذه الحركة، انعزالها في مدينة تعز، ولم يكن لها تخطيط سياسي شعبي، ولم تحاول أن تمد نفوذها إلى باقي المناطق الأخرى، كما أن بعض أعضاء الحركة الوطني عارضوا الثورة لاشتراك بعض أفراد الأسرة المالكة فيها، وكانوا يرون أن أفراد الأسرة المالكة تزعوا الثورة من أجل أطماع خاصة.

حركة مارس 1961

ومن الحركات المهمة في تاريخ النضال ضد الإمامة، حركة 6 مارس 1961، والمتمثلة في محاولة اغتيال الإمام أحمد في الحديدة، وقد قام بهذه الحركة الملازم عبدالله اللقية والملازم محمد عبدالله العلفي، ضابط مستشفى الحديدة، ومحسن الهدوانة، وكانت بمثابة التمهيد للثورة الأخيرة.
وقد بقيت أسرار هذه المحاولة غامضة إلى ما بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، حيث اتضح لاحقا أن هناك ضباطا ومدنيين كانوا قد اشتركوا فيها للإطاحة بالإمام أحمد، منهم عبدالله السلال، الذي كان يشغل منصب مدير عام ميناء الحديدة، وقد تم تنحيته من منصبه بعد هذه الحادثة، ونقل على إثرها إلى صنعاء.
نجح الثوار الثلاثة في استهداف الإمام أثناء زيارته إلى المستشفى في الحديدة، إلا أنه لم يمت، وكانت النتيجة مقتل البطلين عبدالله اللقية ومحمد العلفي، وقد تم إعدام اللقية في ميدان العرضي بتعز، بعد أن دار سجال رائع بينه وبين هيئة المحكمين، كانت الغلبة له فيه رغم أنه كان في وثاقه، وقيل أن البدر هو من قام بقتله.
وقد ظل الإمام أحمد طريح الفراش متأثرا بجراحه التي أصيب بها في مستشفى الحديدة، قرابة عام ونصف، إلى أن توفي في 18 سبتمبر من العام 1962، ليتولى الحكم بعده نجله محمد البدر، والذي لم يستمر فيها سوى 6 أيام، بعد أن أطاح به الثوار صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر.
وهكا استفادت ثورة 26 سبتمبر المجيدة من دروس حركات وثورات 1948 و 1955، لينجحوا في إقامة النظام الجمهوري في 26 سبتمبر، ويبدأوا مرحلة جديدة من مراحل البناء والنضال لمقاومة فلول الإمامة وترسيخ دعائم النظام الجديد.
اليمن_تاريخ_وثقافة
Video
اول نشيد وطني لليمن عند قيام الثورة
#ثورة_سبتمر_المجيدة
عيد باي حال عدت ياعيد

ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962 اليمنية لكنها أيضا الأكثر حميمية في نفوس عامة اليمنيين، وإن كان فساد الأنظمة المتعاقبة منذ قيام الثورة قد أدى إلى خفوت حضورها المعنوي في نفوسهم، ثم عادوا للشعور بالخيبة والخذلان من كل الأحداث التي مرت بالبلاد وأغرقتها في المستنقع الراهن.
بعد أيام من مرور ذكرى سبتمبر كتب محفوظ البعيثي، نائب مدير شئون المحافظات بصحيفة الثورة اليومية الحكومية، أن مندوب جماعة الحوثيين تدخل في صياغة المواد التي جمعتها الصحيفة للعدد الاحتفائي بالثورة، وقام تحديداً بحذف توصيف الحكم الإمامي الذي قامت ضده بالكهنوتي والظالم، وحذف كذلك الحديث عن التخلف وانتشار الجهل والمرض في ذلك العهد. ذلك أن جماعة الحوثيين، التي أحيت الذكرى الأولى لاستيلائها على صنعاء (21 أيلول/سبتمبر 2014) تشعر بقرابة مناطقية ومذهبية مع الاماميين، وهم يتجنبون إجمالا أي إشادة بتلك الثورة والبعض منهم صرح باعتبارها انقلابا. 
لم يكن يوم الخميس 26 سبتمبر1962 عاديا في حياة اليمنيين، بل كان نافذة عبور زمني نقلتهم مباشرة من حياة القرون الوسطى إلى عتبات العصر الحديث، وبدأ بعدها فقط تأسيس نظام تعليمي وجهاز إداري للدولة مهما كانت أخطاؤها وبدائيتها، لأنها انطلقت عملياً من الصفر، ومن يعرف أوضاع اليمنيين قبلها سيدرك أنها كانت تحقيقا لحاجة اجتماعية وسياسية، وكانت أول تحرك اجتماعي في شبه الجزيرة العربية ضد احتكار الحكم، والتخلص من الكهنوت الحاكم باسم الله بأسوأ الأساليب وأكثرها بدائية وبعدا عن العصر. ولهذا وجدت نفسها منذ اليوم الأول في مواجهة قوى المحيط الإقليمي والمحيط القبلي لصنعاء أيضا، في ظل قطبية الصراع الإقليمي بين الرياض والقاهرة، ورفض الرياض أي تغيير في هرم السلطة على حدودها الجنوبية، ليس حبا في الأئمة ولا دفاعا عنهم وإنما خوفا من انتشار عدوى الجمهورية شمالا. ورغم الأخطاء التي ارتكبت باسمها وكيفية الغدر بها إلا أنها تظل ثورة مهمة في تاريخ اليمنيين الحديث.
لم تتخل السعودية عن الدعم الشامل لبقايا الملكيين إلا بعد اطمئنانها لتسليم زمام هذا التغيير الجوهري إلى يد القوى غير الثورية، والشخصيات الموالية لها والمتظللة بمظلة الجمهورية الوليدة دون الإيمان بمبادئها، وبعد التخلص من الثوار السبتمبريين بأكثر من طريقة وبأكثر من وسيلة حتى العام 1970، حينما بدأ ما عرف بالمصالحة الوطنية التي فرضت إعادة بعض رموز دولة الإمامة للمشاركة في حكم دولة الجمهورية الجديدة  في شبه الجزيرة. وتسلمت حينها الرياض ملف اليمن لتتحول إلى المتحكم الفعلي حتى بمصير الحاكمين لصنعاء، فاتخذ مسار ثورة سبتمبر إلى طريقا جديدا حقق انتصار الرياض وحلفاءها على أرض الواقع، بينما وفي الظاهر حوفظ على انتصار نظريا  الثورة التي نشدها الناس أمام الرأي العام بعد إفراغها من مبادئها الجوهرية وبذر بذرة صراع غير محدود بين أجنحتها الثورة أغرق اليمن في حروب متوالية وأزمات مستمرة حتى اللحظة، وتخلص عمليا من أي حضور لسلطة الدولة وسيادة القانون كما حدث منذ اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي.
نصت أهداف ثورة سبتمبر على إيجاد مجتمع ديمقراطي عادل. لكنّ كل الرؤساء الذين صعدوا إلى السلطة باسمها جرّموا الحزبية والتعددية السياسية، التي اعتبرها القاضي الإرياني (1967-1974) تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة، أي أنّ الأحزاب مجرد امتداد لقوى خارجية وليست كيانات محلية، وأنها مصدر خطر فكري وثقافي على البلد. وتحت هذه الذريعة تم التخلص من- أو إقصاء- كل من خالف هذه القاعدة. وأودعت القاهرة قد وفدا يمنيا رفيعا في سجونها عام 1966 لأنهم عارضوا رغبة إبقاء الرئيس السلال في السلطة، ولم تفرج عنهم إلا بعد هزيمة 1967، أي أن اليمنيين كانوا مجبرين على إرضاء الرياض أو القاهرة قبل أن تتحكم الرياض بكل خيوط اللعبة لاحقا .
قبل وصول الرئيس السابق (علي عبد الله صالح) إلى السلطة في تموز/ يوليو 1978، وحكم الجمهورية العربية اليمنية (الشطر الشمالي من اليمن حينها) 4 رؤساء، تمت إزاحة اثنين منهم فيما يمكن وصفه بالانقلاب الأبيض واغتيال الاثنين الآخرين. ولم يكن أي من الانقلابين والاغتيالين حدثين وطنيين بل كانت جميعها ذات ارتباطات إقليمية مباشرة. وبعد 33 عاما من حكم صالح، وقبل أسبوع واحد من انتخاب خليفته الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، ظهر للعلن ما سمي ب"الوثيقة الفكرية للزيدية"، وتبناها في وقتها عبد الملك الحوثي، وهي أعادت حصر الحكم في "البطْنَين" (أبناء الحسن والحسين) في دلالة رمزية على الرغبة بتخطي مبادئ وأهداف ثورة سبتمبر 1962 التي كسرت أدبيات التمييز الطائفي، واحتكار حق الوصول إلى السلطة في فئة محدودة من المجتمع.
بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء (أيلول/ سبتمبر2014) تحولت مواقف الشارع والنخب اليمنية تجاه ثورة "سبتمبر 1962" من تفاوت درجة الثورية إلى إعادة تحديد موقف من الثورة ذاتها.

وظهرت أصوات تتساءل فيما إذا كان ما حدث ثورة بالأصل
. و
رغم عدم نجاحها في تحقيق أهدافها عمليا إلّا أنها وضعت القدم الأولى على الطريق الصحيح ورسمت معالم ذلك الطريق ولو تمت إزاحتها عن سلوكها كما رسم لها قادتها وهم مجموعة من الضباط الشباب الذين بحثوا عن التغيير دون السعي لكونهم البديل في حادثة لم تتكرر في التاريخ اليمني بعدها وهو ما استغلته القوى التقليدية للتخلص منهم وقتل أكثرهم في جبهات القتال ضد الملكيين، بينما تربع أولئك على سدة القرار سواء من داخل الأطر الرسمية أو من خارجها.
كسرت ثورة سبتمبر قيودا متعددة الحلقات كبلت اليمن جسدا وروحا لقرون، كما أنها بعثت الروح الجديدة في أطراف ذلك الجسد وكان القادمون من مناطق الجنوب اليمني (المحتل من بريطانيا حينها) للقتال دفاعا عن صنعاء هم ذاتهم من فجروا ثورة أكتوبر 1963 ضد الاستعمار الانجليزي للجنوب، وأصبحت صنعاء وتعز حواضن الكفاح لتحرير عدن وأخواتها الخمس جنوبا.
حدث كل ذلك عميقا في مخيلة اليمنيين الذين عرفوا اليمن لقرون عبر الضرائب القسرية في ظل حكم الأئمة دون أيّ حضور حتى للحديث المهم  "لا فضل لعربي ولا أعجمي"، ولا حتى بشكل خجول في الأدبيات الحالمة للسلطات الثيولوجية. وقد أدى ذلك العمى العاطفي إلى تسلّق قوى رمادية ليست جمهورية وليست ملكية استطاعت التخلص من الطرفين، جمهوريين وملكيين، لتصعد إلى السلطة دون استحقاق.

حاول اليمنيون الخطو خطوة جديدة في 2011 وتحويل سبتمبر إلى ما كانوا يأملون في 1962، لكنّ الحروب التي نتجت لاحقا أعادت تعريفاتهم وانتماءاتهم بناء على هويات أكثر قدما وبدائية، وبالرغم من الاعتداء المتكرر والمتنوع عليها. وبالرغم من ذلك ظلت ثورة سبتمبر 1962 بوصلة اليمنيين الأهم والأسمى، كما ظلّت معياراّ نادرا لقياس يمنيّتهم وتعسكرهم مع المستقبل أو ضده. 
لم يستقر اليمن الجمهوري الديمقراطي حتى اللحظة، ولم تتحقق من أهداف ثورته الأمّ سوى أنها وضعت أقدامهم على الطريق وفتحت أعينهم على الغاية، وكرست العدالة والمساواة والحرية كمفردات في خطابهم اليومي، وغاية لغد لم تتضح ملامحه بعد.  وحتى ذلك الحين، ستظل سبتمبر كالنهر، يمشي بتعرج وضلال وغياب بصيرة أحيانا. لكنه حتماً لا يرجع للوراء بغض النظر عن طبيعة الأنظمة والسلطات والقوى
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#ثورة_سبتمر_المجيدة

مضى نصف قرن ونيف على ثورة 26 سبتمبر 1962م، فكيف نستقرئ مسيرتها بعد هذه المسافة الزمنية حدثا وفكرا وصيرورة؟!

ستة وخمسون عاما هي عمر جيل وقليل أيضا، فلو كانت الثورة إنسانا لكان اليوم جَدا، له أبناء وأحفاد، ولكان اليوم في قوة الرجولة،مفاخرا بأبنائه وأحفاده بين يديه.

ثورة 26 سبتمبر..من أي نبع تدفقت؟ وفي أي اتجاه انسربت؟ هل أخفقت أو نجحت؟ ما أسباب الإخفاق؟، وما ملامح النجاح؟ هذا ما تجيب عنه السطور التالية..

أقول: ثورة 26 سبتمبر 1962م الانفجار الأعظم، والتتويج الأكبر لنضالات اليمنيين ضد سلالة الكهنوت الإمامي البغيض، وكانت خاتمة لثورة 48 وانقلاب 55 وحركة 59 وانتفاضة 61م في القرن العشرين، ناهيك عما سبقها من انتفاضات وتمردات أخرى على نظام الحكم الإمامي منذ العشرينيات، أو ثورات اليمنيين ضد الأئمة قبل ذلك. فهذه هي منابعها الأساسية وروافدها الأولية التي سقتها وغذتها.

صحيح أن ثورة 48 فشلت؛ لكنها فتحت كوة الضوء في جدار العتمة، وبعثت على التساؤلات الجدلية في أوساط العامة عن طبيعة الحكم ومقارنته إلى الأنظمة العربية الأخرى القائمة آنذاك، إضافة إلى أنها كسرت الهالة الدينية التي كان الإمام يحاول صبغها على شخصه، بأنه ابن السماء، وأن الرصاص لا يخترق جسده، فلما اخترقت رصاصات القردعي جسده سرعان ما سقط زيف الدعاية الكاذب.

 وبدأت نخبة صنعاء وذمار وإب وتعز والحديدة تتحدث في مجالسها الخاصة عن ظلم الإمامة وكهنوتها، وعن ضرورة الإصلاح السياسي، كما رفعت النخبة المستنيرة أصواتها عالية بضرورة تغيير نمط الحكم بكامله لا مجرد الإصلاح الذي يشبه الترقيع من وجهة نظرها، والأمر كذلك حقا. وشكل مذياع صوت العرب من القاهرة مدرسة في الوعي والتثقيف من بداية الخمسينيات حتى قامت الثورة.

وعمق انقلاب 55م بقيادة الثلايا تلك التساؤلات أكثر في أوساط الجيش والمتعاطفين معه، وإن فشل الانقلاب المستعجل وغير المدروس كما فشلت قبله ثورة 48 الدستورية التي كانت منقطعة إلى حد كبير عن عامة الناس، مقتصرة على النخبة فقط. وجاءت حركة سعيد فارع عام 59م ثم تمرد حاشد تعزيزا لجدليات عقد من الزمن، فبدأ صنم الإمامة يتهاوى، ليتطور الأمر بانتفاضة طلاب صنعاء الأكثر شجاعة وانطلاقا، بوعي جديد متشكل من ثقافة بيروت والقاهرة وبغداد ودمشق التي كانت قد تسربت عبر الصحف والمجلات والكتب إلى صنعاء، وكان أكثرها تأثيرا ثورة يوليو المصرية بثقافتها الجديدة وأصواتها الصاخبة.

هذا عن النبع الذي تدفقت منه، كخلفية ثقافية للحدث، باعتبار الثورة في الفكر وفي الذهن قبل أن تكون في الواقع، وباعتبار الثورة قلما وكتابا قبل أن تكون مدفعا وبندقية؛ إذ الوعي بالثورة يسبق الثورة نفسها.فما المسارب التي تمشت فيها؟ والمصبات التي انسربت إليها؟

لكل ثورة أو حدث حامله الأساسي وقائده الذي يرفع شارة النصر، وكان تنظيم الضباط الأحرار مسنودا بالشعب هو مفجر نبع الثورة في فصلها الأول، مدعوما من جمهورية مصر العربية، لأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة القائمة آنذاك، وفي صورته البدائية، فلا أحزاب سياسية، ولا منظمات مجتمع مدني، ولا جامعات ولا اتحادات ثقافية أو سياسية، الدولة أشبه بسوق شعبي يتحكم فيه “ابن السماء” يقود الجند ويوزع أصواع البر والشعير على حد سواء، يقابل سفراء الدول وقادتها ويشرف بنفسه على شراء لجام البغلة التي يركبها. يقضي بين الناس، ثم يكتب التمائم والتعاويذ للمرضى، كما أشار إلى ذلك الدكتور مصطفى الشكعة في كتابه “مغامرات مصري في مجاهل اليمن”..كل شيء بيد الإمام.!ومن دعاه لفكرة عصرية أو للإصلاح فالرد جاهز: تريدوننا أن نتشبه بالنصارى؟ إلى حد أن شراء أي مواطن لجهاز الراديو في عهد الإمام يحيى كان لا يتم إلا بإذن منه شخصيا، كما ذكر ذلك القاضي الإرياني في مذكراته..!

هبت رياح الثورة، فكان كل مواطن ثورة بذاته، عدا الجهلة من الأتباع حول العاصمة صنعاء الذين شكلوا ــ بجهلهم ــ عقبة في طريق الثورة، تجاوزتها إرادة اليمنيين بعد ذلك.

بعد هذه المقدمة.. لنا أن نتساءل: كيف عادت الإمامة من جديد بعد ما يزيد عن خمسين عاما على قيامها؟ ما هي بذور الخلل في الثورة التي جعلت قرون الشياطين تطل من جديد؟!

 1ــ إنسانية ثورة 26 سبتمبر المفرطة

من المعلوم أن للثورات والانقلابات لغتها الخاصة ومنطقها المختلف، بحكم استثنائية اللحظة، إذ تتخذ ــ في الغالب ــ منطقا حديا لا يقبل المساومة أو أنصاف الحلول؛ لأن التراخي في لحظات الجد يفضي إلى صناعة مشهد من الهزل يترتب عليه سيل من الدماء وتلال من الجماجم، وهو ما كان حقا اليوم..ولو تأملنا في تفاصيل ثورة الباستيل في فرنسا لرأينا تلك اللغة الحاسمة والحدية في التعامل مع الأعداء؛ حيث يقتضي الموقف القضاء الكلي على العدو، لا مهادنته أو ممالأته. فطبيعة الأنظمة الجمهورية التي تتولد من أنظمة رجعية كهنوتية تشبه عملية استئصال السرطان، إذ تقتضي مصلحة المريض القضاء كليا على كل شعيرات السرطان في العضو الذي يسكنه المر
ض، لأن بقاء شعيرة سرطانية واحدة فقط بعد العملية يفضي إلى انتشار الداء من جديد. وقد رأينا شعار الثورة نفسها: “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس” بل لقد كان مبدأ “روبسبير” نفسه يقول: “لا أحد بريء..أعدموه”. فكانت هذه الحدية ــ على الرغم من بعض الأخطاء المصاحبة ــ عاملا من عوامل نجاح الثورة.

نموذج آخر.. الثورة البلشفية في روسيا التي اتخذت منطقا أكثر حدية في التعامل مع القياصرة، إلى حد أنها كانت تتحسس الأكف الناعمة لقطعها، وقطع رؤوس أصحابها، مقابل الإبقاء على الأكف الخشنة من “البروليتاريا”. وفي علم القاصي والداني أن روسيا انتقلت فورا من ظلام العصور الوسطى التي كانت تعيشها مطلع القرن العشرين إلى واحدة من الدول العظمى بعد هذه الثورة بعقود قليلة جدا، بفضل تلك الصرامة في التعامل مع العدو الذي أنهكته حد التدمير، ولم تبق لها عرقا ينبض، فأعدمت الملايين بحق وبدون حق.

وللقارئ أن يتخيل أن جل من تم إعدامهم من النظام الإمامي السابق في ثورة سبتمبر 37 شخصا فقط لا غير..!حسب وثيقة يتداولها أعداء ثورة سبتمبر أنفسهم، رافعين عقيرتهم بها..! ولا ندري ما ذا نقول عن ثورة جل قتلاها 37 خصما..! فأي تسامح هذا؟ بل أي سذاجة هذه؟!!

هذه الإنسانية المفرطة كانت خللا كبيرا مع خصم غير شريف، ارتد على الفور، مستغلا سماحة خصمه.

 2ــ الثورة المضادة

بفعل الظروف الخاصة باليمن وثورتها آنذاك، ومن بينها حالة التسامح الساذجة لم تكن ثورة اليمن حاسمة كثورة يوليو المصرية، أو أي ثورة أخرى، بل امتد بها العمر ثماني سنوات في حرب أهلية طحنت الأخضر واليابس، وكل بلاد اليمن يباس حينها، ثورة مضادة تمتلك مقومات الدولة التي استحوذت عليها، بما في ذلك المال الذي جنته قبل ذلك واعتمدت عليه في شراء الولاءات القبلية وتشكيل العصابات، في الوقت الذي جاء الثوار من مكاتبهم كموظفين لا يمتلكون إلا الحد الأدنى مما كان يطلق عليه “معاشا” شهريا يكفي لسد الرمق لا أكثر. فأعاقت الثورةُ المضادة ثورةَ الشعب عن الأمن فالشروع في البناء فورا، وتسببت في استنزاف مقدرات الدولة لصالح تثبيت أركان الجمهورية على حساب صناعة التنمية. أضف إلى ذلك أن بعضا منهم قد أعلن موالاته للجمهورية والنظام الجديد، فدخلها تقية، ولكن لينخر جسدها من الداخل.

 3ــ الاغتيالات السياسية

كانت الإمامة من وقت مبكر تعرف خصومها الاستراتيجيين على وجه الدقة. فعمدت على اغتيالهم والتخلص منهم فورا، وأبرز هؤلاء: الشهيد علي عبدالمغني، دينامو تنظيم الضباط الأحرار ورأسه المدبر، وأيضا الشهيد محمد محمود الزبيري، وقبلهما الشهيدان: اللقية والعلفي، وهؤلاء كانوا الأكثر وعيا وثقافة وفكرا، والأكثر إدراكا لخطر الإمامة، خاصة عبدالمغني والزبيري؛ لذا عمدت الإمامة على تصفيتهم والتخلص منهم من وقت مبكر، وبقي الخصوم أو الأعداء التقليديون، أو الأقل إدراكا للإمامة وخطرها. مع الإشارة هنا إلى عدم التهوين من شأن أي مناضل سبتمبريبذل جهده وماله في سبيل القضية الوطنية.

 4ــ الخلافات البينية داخل الصف الجمهوري

أجمع الثوار على الثورة، وعلى النظام الجمهوري، بلا استثناء؛ لكنهم اختلفوا من اليوم التالي في إدارة هذا النظام، وانشق الصف الجمهوري فورا إلى تيارين: الراديكالي العسكري بقيادة السلال ومعه تنظيم الضباط الأحرار، مدعوما من النظام المصري، والتيار الآخر: تيار المحافظين الذي تزعمه الزبيري والنعمان ومعهما الشيخان: الأحمر وأبو لحوم الذين عارضوا بقوة طريقة إدارة السلال وتدخلات المصريين في الدولة، وخرج الزبيري مغادرا صنعاء إلى عمران، وهناك أسس “حزب الله” كواجهة سياسية للمعارضة، وكان المصريون فعلا هم من يدير الشأن اليمني كاملا، وكانت الخلافات بين التيارين حدية وصارمة، على صدق جمهورية الطرفين معا، وإجماعهم بلا استثناء على كره الإمامة ونظامها الكهنوتي. وتعبيرا عن وجهة نظره فقد نظم قصيدته الشهيرة “الكارثة” وهي القصيدة الوحيدة التي نظمها بعد ثورة 26 سبتمبر، وفيها مخاطبا السلال:

البدر في الجرف تحميه حماقتكم  وأنتم مثلما كنتم له حرس

لولاكمُ لم يقم “بدرٌ” ولا “حسنٌ” ولم يعد لهما نبض ولا نفَسُ.

معرضا بالرئيس السلال الذي كان قائد حرس الإمام البدر قبل الثورة.

والواقع أن هذين التيارين من عسكريين وقبليين ومثقفين كانوا يفتقدون جميعا لتجربة العمل السياسي، بحكم احتكار الإمامة لمناصب السياسة فيما بينها داخل الأسرة الواحدة فقط، ولا يسمحون للقبائل بالاقتراب منها إلا في القضاء أو الجندية فقط، وكانت الجندية والقضاء تابعين لتوجيهات الإمام لأن الإمامة أصلا لم تعرف نظام المؤسسات ولا نظام الدولة الحديث. فكان لهذا السبب انعكاسه المباشر عقب الثورة.

 5ــ انقلاب خمسة نوفمبر

كان انقلاب خمسة نوفمبر 1967م أحد نتائج الخلافات الجمهورية الجمهورية نفسها، بين السلال ومناصريه من جهة، وبين المشايخ ومعهم بعض المثقفين من جهة أخرى. وقد انسد الأفق بين الصف الجمهوري الواحد. وبقدر ما كان انقلاب خمسة نوفمبر حلا للطرفي
ن الجمهوريين المتصارعين كان أيضا أول مسمار في نعش الجمهورية، ذلك لأن قيادة الصف الجمهوري الراديكالي قد تراجعت، مقابل تقدم التيار التقليدي المحافظ بزعامة الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي لم يكن غير واجهة سياسية فقط؛ في الوقت الذي تسلط المشايخ والنافذون على مؤسسات الدولة وجيروها لمصالحهم الخاصة، حتى بدا كل شيخ إماما برأسه، وهو ما عبر عنه البردوني شعرا بقوله:

والأباة الذين بالأمس ثاروا  أيقظوا حولنا الذئاب وناموا

ربّما أحسنوا البدايات لكن هل يحسّون كيف ساء الختام؟

وبمقدار ما تصلب السلال سابقا في رفض أي مصالحة مع الإمامة وعودتهم أو التفاوض معهم، أبدى “النوفمبريون” بعض المرونة تجاه الإمامة باستثناء بيت حميد الدين فقط، وانتهت الحرب بمصالحة سياسية عام 1970م. ومن هنا تسلل الإماميون من جديد إلى وبصورة رسمية في دوائر الحكم، بل في المجلس الجمهوري؛ حيث كان أحمد محمد الشامي عضوا فيه، كما كان هناك أعضاء آخرون في الحكومة وفي مختلف الدوائر الرسمية، يتحوصلون بصمت، ويعملون بهدوء من أجل استعادة “الحق الإلهي”..!وظلوا ممسكين بزمام القضاء والأوقاف حتى اليوم بالقوة تارة وبالاستحواذ تارة أخرى؛ إضافة إلى تغلغلهم في مناصب الدولة المهمة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثورة 26 سبتمبر حين قامت كان التعليم حكرا على الإماميين والقضاة وبعض التجار الميسورين فقط، ويكاد بقية الشعب كله أميا، فكان الإماميون هم المستفيدون من الثورة؛ ذلك أن الجهاز الجديد للدولة تطلب كفاءات جديدة ونوعية قياسا إلى شروط تلك المرحلة، فلم يكن غيرهم المتعلمون، عدا قلة قليلة من أبناء الشعب، فاستغلوا مناصب الدولة الجديدة تحت شعار الجمهورية كما استغلوا مناصب الدولة سابقا تحت راية الإمامة والحق الإلهي..! وهكذا فقد أخرجهم الشعب من النافذة؛ لكنهم عادوا من الباب، ومارسوا من الفساد في عهد الجمهورية أضعاف ما مارسوه قبلها لتشويه صورة الحكم، فكان انقلاب 13 يونيو 1974م الأبيض ضد القاضي الإرياني.

 6ــ جهل القيادة السياسية بخطر الإمامة

منذ بداية فترة حكم علي عبدالله صالح وحتى انتهائها في فبراير 2012م فما بعدها أيضا نستطيع القول أن ثمة بلادة سياسية وغباء تاريخيا بحقيقة الإمامة وخطرها على اليمن أرضا وإنسانا غلب على ذهنية هذه النخبة سلطة ومعارضة، ولذا ــ ورغم براعة علي صالح التكتيكية ــ إلا أنه دفع رأسه في الأخير ثمنا لذلك الغباء والمكر معا، حين غض الطرف عنهم من وقت مبكر، وهم يعبثون بأمن الدولة وسيادتها، ثم تحالف معهم صراحة عقب مغادرته للسلطة انتقاما من خصومه السياسيين، اللقاء المشترك وثورة 11 فبراير 2011م. من ناحيتها أيضا نجد أدبيات الاحزاب السياسية فارغة وبرامجها التثقيفية تكاد تخلو من التنبيه لخطر الإمامة على الشعب اليمني، وهو خطر وجودي في الأصل، بل إن الصراع معهم صراع وجود وصراع حياة. ومع هذا فلم يستشعروا الخطر من وقت مبكر، ليتفاجؤوا بهم كالقرود التي تلتهم المزارع، منقضين على مؤسسات الدولة، بل لقد غزوا حتى غرف النوم، في أبشع تصرف همجي لا مثيل له إلا أفعال آبائهم وأجدادهم التي لم يقرأ عنها الساسة للأسف.

منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي أعلن أحد كرادلة النظرية الإمامية تمسكهم بمشروعهم التاريخي شعرا بقوله:

أخبروا فهدا والقصور العوالي  أننا نخبة كرام فوارس

سنعيد الإمامة للحكم يوما  إن بثوب النبي أو بفكر ماركس

فإن خابت آمالنا بالعراق ونجد   فلنا أخوة كرام بفارس

لقد كان مشروعهم واضحا معلنا عنه، فيما كان الجمهوريون في غفلة الجهل سادرين، وكأن قيادتنا الجمهوريين خلال الفترة الماضية لا تقرأ التاريخ السياسي ولا الفكري لهذه الجماعة.

هذا ما يتعلق بالأسباب الداخلية، وهناك عوامل إقليمية ودولية ساعدت هذه الجماعة على الانقضاض على النظام الجمهوري، وإن أبقت عليه شكلا، وأيضا تدمير مؤسسات الدولة، في إطار خطط دولية كبيرة، لما تتكشف ملامحها كلية حتى الآن
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الأربعاء الموافق: «٢٦ سبتمبر ٢٠١٨م
اجري حوارا مطولا مع المناضل الكبير وأحد أهم ركائز ثورة ٢٦ سبتمبر المفكر؛؛

محمد عبد الله #الفسيل

. تطرق فيه الى تفاصيل كثيرة عن احداث ثورتي «١٩٤٨م - و١٩٦٢م» وما رافقتها من احداث وتقلبات، وكذا ما اعقبها من تحولات .. كما استعرض مجريات وتحولات الحاضر بكل تفاصيله.

الحوار اتسم بالجرأة والصراحة .. وشمل قراءة تحليلية عميقة ودقيقة لمجمل التحولات التي تشهدها الساحة اليمنية

هو أحد المناضلين المشاركين في الحركة الوطنية، وأحد مؤسسي حزب الأحرار والجمعية اليمنية الكبرى بزعامة الشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد نعمان ابتداء من عام 1944م .. ساهم مع الأحرار في ثورة ١٩٤٨م الدستورية، وسجن في عهد الإمامة لمدة «١٣» عاما.

شارك مشاركة فعالة في ثورة ١٩٦٢م الجمهورية، وكان أول من كتب وقرأ البيان الأول للثورة في إذاعة صنعاء .. تولى مناصب رفيعة في الدولة منها سفيرا لليمن في كل من: «الصومال، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، وألمانيا الشرقية، والعراق»، كما عمل مستشارا سياسيا للرئيس إبراهيم الحمدي، وكان من المقربين في بداية عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح .. انتخب عضوا في مجلس النواب عقب إعلان الوحدة اليمنية.

شارك في صياغة دستور الجمهورية اليمنية، كما شارك في صياغة الميثاق الوطني للمؤتمر الشعبي العام، وكان عضوا فاعلا في اللجنة الدائمة للمؤتمر، ثم استقال نتيجة رأيه المخالف للحكم الشمولي، ولكنه استمر ناصحا ومعارضا حتى اليوم، كما شارك في ثورة فبراير 2011م الشبابية.

هو كاتب وشاعر وأديب، له العديد من الكتب والإصدارات السياسية أهمها كتاب «رسائل إلى الرئيس - كيف نفهم القضية الوطنية - نحو النور - ودموع وآلام - أراء في الحياة - وبين الشك واليقين» وكان قد أصدر كتابا في بداية حياته عن الإمام يحيى بعنوان «الرجل الشاذ» .. وحاليا على وشك الانتهاء من كتابة مذكراته .. انه الأستاذ المناضل والقامة الوطنية المعروفة محمد عبد الله الفسيل .. التقيناه ودار بيننا الحوار التالي:

واليمنيون يحتفلون اليوم بالعيد الـ «٥٦» لثورة الـ ٢٦ من سبتمبر الخالدة، وباعتبارك أحد المناضلين الذين أسهموا بشكل فاعل في تفجير ثورة ١٩٤٨م الدستورية وثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م المجيدة؛ نسألك أولا: ماهي الاسباب والدوافع التي قادتكم لتفجير ثورة ١٩٤٨م الدستورية، وكيف كانت انطلاقتها؟

- الأسباب تخلف الإمام يحيى وظلمه وطغيانه وتعسفاته واستبداد نظامه، هذه الأسباب جميعها دفعت الطلائع المستنيرة من الشعب اليمني إلى محاولة التغيير وأنا واحدا منهم، وقد كانت هذه المحاولة مبكرة جدا لأنها كانت محصورة في طلائع مستنيرة بسيطة بينما الغالبية العظمى من الشعب كانت مخدرة ومضللة وخانعة ومستسلمة، لكننا كمستنيرين قررنا حينها أن لا بد أن نناضل حتى نحرر تلك الملايين المضللة والمخدرة من كابوس الظلم الواقع عليهم، لذلك بدأنا بمطالبة الإمام يحيى بضرورة عمل إصلاحات، وقد اقتصرت مطالبنا تلك في رفع «خطاط» العسكر من بيوت الرعية، وأن تكون الزكاة أمانة، وأن يحسن ظروف الموظفين والعسكر والجيش، وأن يوظف أموال الشعب في بناء المشاريع الخدمية وفتح المدارس والطرقات والمستشفيات بدلا من أن يكنز تلك الأموال في منزله، بمعنى أن مطالبنا كانت بسيطة، ولم نصل لمرحلة المطالبة بإصلاح نظام الحكم، وكنا حينها نريد تحسين الظروف دون التدخل في سلطة الإمام، وعلى الرغم أنه اعتبر من أذكى الأئمة الذين حكموا اليمن إلا أنه كان بخيلا، والبخل يجعل البخيل يعتقد أن الناس يكرهونه فيبادلهم الكراهية، وبالتالي كان الإمام يحيى يحتقر الناس ويبغضهم لأنه يعتقد أنهم يكرهونه، ولذلك تحول إلى طاغية، حيث كان يظلم الناس ويفترض فيهم الشر مسبقا، وقد رفض الإمام جميع تلك المطالب.

آخر محاولة مع الإمام يحيى كانت من الشهيد محمد محمود الزبيري في عام ١٩٤٢م، حيث كان الزبيري في مصر هو والأستاذ النعمان وقد أنشأوا «منظمة الشباب اليمني» ومعهم محمد علي الجفري والصافي من الجنوب، وكانوا حينها يكتبون مقالات وينشرونها في بعض الصحف مثل صحيفة الشورى الفلسطينية وصحيفة الصداقة، وبعدها قام الزبيري بصياغة نظام أساسي، وأسس جمعية جديدة باسم «جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وقد أراد بهذا الاسم أن يتخاطب مع الإمام وفقا لعقليته، وبعد كتابة النظام الأساسي قام بعرضه على الأستاذ النعمان، وقال له: خلاص أنا قررت أخرج اليمن وأحاول اقنع الإمام بمنطقه الديني لعمل إصلاحات، لكن النعمان قال له: «الإمام عقليته منغلقة ومستحيل يقبل»، ونصحه أن لا يتعب نفسه، وقال له إذا كان ولا بد أن نخرج فلنذهب إلى ولي العهد في تعز لأني أعرفه وبيننا مراسلات، لكن الزبيري أصر على رأيه ورجع اليمن وطلب مقابلة الإمام، وعندما قابله حاول الإمام إهانته، حيث سلم عليه وقال له اجلس هناك وأشار له لمكان بعيد بحيث لا يجلس بجواره، ثم عرض عليه نظام الجمعية، وقال له: هذه يا مولانا دعوه للإصلاح عن طريقكم وأن