أفادَني بعضُ طُلَّابِ العِلمِ -جزاهم اللهُ خيرًا- هذا الرَّاويَ:
٥٦ - أبو جعفرٍ هارونُ بنُ سعيدٍ السَّعديُّ الأيليُّ المِصريُّ.
روى عنه مُسلِمٌ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجه.
٥٦ - أبو جعفرٍ هارونُ بنُ سعيدٍ السَّعديُّ الأيليُّ المِصريُّ.
روى عنه مُسلِمٌ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجه.
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
الأمر سهل بارك الله فيك؛ فتقيّ الدّين هو والد تاج الدّين، وكلاهما عالم بحر في العلوم، إمامان فقيهان شافعيّان، وكانا أشعريّين رحمهما الله.
وليس واحد منهم صديقًا لابن تيميّة! بل كانا من أشدّ أعدائه وأعداء تلميذه ابن القيّم! غفر الله للجميع..
- فالوالد:
هو تقيّ الدّين قاضي القضاة أبو الحسن عليّ بن عبد الكافي بن عليّ السّبكيّ.
- والابن:
هو تاج الدّين أبو نصر عبد الوهّاب بن عليّ بن عبد الكافي بن عليّ السّبكيّ.
ويمكنك التّمييز بينهما: من خلال كتبهما؛ فأهمّ كتب الأب هي: "السّيف المسلول على من سبّ الرّسول"، و"الفتاوى" له.
وأهمّ كتب الابن هي: "طبقات الشّافعيّة الكبرى"، و"جمع الجوامع في أصول الفقه"، و"الأشباه والنّظائر".
فإذا رأيت نقلًا من إحدى هذه الكتب، معزوًّا إلى إحداها، تستطيع التّمييز بذلك.
وأمّا العلماء والمشايخ إذا نقلوا عنهما شيئًا؛ فيميّزون ذلك بقولهم: قال السّبكي الكبير، أو قال السّبكيّ الصّغير.
أو قال السّبكيّ الأب، أو قال السّبكيّ الابن.
أو قال التّقيّ السّبكيّ، أو قال التّاج السّبكيّ.
والله أعلم..
الأمر سهل بارك الله فيك؛ فتقيّ الدّين هو والد تاج الدّين، وكلاهما عالم بحر في العلوم، إمامان فقيهان شافعيّان، وكانا أشعريّين رحمهما الله.
وليس واحد منهم صديقًا لابن تيميّة! بل كانا من أشدّ أعدائه وأعداء تلميذه ابن القيّم! غفر الله للجميع..
- فالوالد:
هو تقيّ الدّين قاضي القضاة أبو الحسن عليّ بن عبد الكافي بن عليّ السّبكيّ.
- والابن:
هو تاج الدّين أبو نصر عبد الوهّاب بن عليّ بن عبد الكافي بن عليّ السّبكيّ.
ويمكنك التّمييز بينهما: من خلال كتبهما؛ فأهمّ كتب الأب هي: "السّيف المسلول على من سبّ الرّسول"، و"الفتاوى" له.
وأهمّ كتب الابن هي: "طبقات الشّافعيّة الكبرى"، و"جمع الجوامع في أصول الفقه"، و"الأشباه والنّظائر".
فإذا رأيت نقلًا من إحدى هذه الكتب، معزوًّا إلى إحداها، تستطيع التّمييز بذلك.
وأمّا العلماء والمشايخ إذا نقلوا عنهما شيئًا؛ فيميّزون ذلك بقولهم: قال السّبكي الكبير، أو قال السّبكيّ الصّغير.
أو قال السّبكيّ الأب، أو قال السّبكيّ الابن.
أو قال التّقيّ السّبكيّ، أو قال التّاج السّبكيّ.
والله أعلم..
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
لعلّه يقصد: أسلّي نفسي تصبّرًا على فراقها.. أو: أستعين بالصّبر الجميل..
أو شيء من هذا المعنى.
وفي النّفس من استخدام "أعوذ" شيء، ولو استخدم لفظ: "أستعين" لذهب اللّبس.
لأنّ الاستعانة طلب العون دينيًا أو دنيويًّا؛ قال الله عزّ وجلّ: ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصلاة ).
أمّا الاستعاذة فتكون لدفع الشّرّ، كما في سورتي الفلق والنّاس.
مع التّنبيه على أن الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة تارة تكون عبادة فلا يجوز صرفها لغير الله عزّ وجلّ، وتارة تكون عادة فيجوز طلبها من المخلوق بشرطين أساسين، الأوّل: أن يكون المخلوق حاضرًا، والثّاني: أن يكون قادرًا.
والله أعلم..
لعلّه يقصد: أسلّي نفسي تصبّرًا على فراقها.. أو: أستعين بالصّبر الجميل..
أو شيء من هذا المعنى.
وفي النّفس من استخدام "أعوذ" شيء، ولو استخدم لفظ: "أستعين" لذهب اللّبس.
لأنّ الاستعانة طلب العون دينيًا أو دنيويًّا؛ قال الله عزّ وجلّ: ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصلاة ).
أمّا الاستعاذة فتكون لدفع الشّرّ، كما في سورتي الفلق والنّاس.
مع التّنبيه على أن الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة تارة تكون عبادة فلا يجوز صرفها لغير الله عزّ وجلّ، وتارة تكون عادة فيجوز طلبها من المخلوق بشرطين أساسين، الأوّل: أن يكون المخلوق حاضرًا، والثّاني: أن يكون قادرًا.
والله أعلم..
والمعذرة على التّأخير في إجابة الأسئلة، إذ لم تصلني إشعارات بها في ذلك الموقع، وبعض الأحيان أجده معطّلًا.
فمن أراد أن يسأل شيئًا فليسأل في بوت القناة.
فمن أراد أن يسأل شيئًا فليسأل في بوت القناة.
الإمامُ الحافظُ أبو جعفرٍ مُحمَّدُ بنُ عَوفِ بنِ سُفيانَ الطَّائيُّ الحِمصيُّ.
روى عن أبيه عوفٍ، وآدمَ بنِ أبي إياسٍ، وأبي اليمانِ الحكمِ بنِ نافعٍ، وأبي عاصمٍ الضَّحَّاكِ بنِ مَخلَدٍ، وعبدِ اللهِ بنِ يزيدَ المُقرِئِ، وعبدِ الأعلى بنِ مُسهِرٍ، وعُبَيدِ اللهِ بنِ مُوسى، ومُحمَّدِ بنِ يُوسفَ الفِريابيِّ، وهِشامِ بنِ عمَّارٍ، وخَلْقٍ كثيرٍ بالشَّامِ والعِراقِ.
وروى عنه أبو داودَ، والنَّسائيُّ، وأبو حاتمٍ وابنُه عبدُ الرَّحمنِ وأبو زُرعةَ الرَّازيُّونَ، وأبو بشرٍ الدُّولابيُّ، وآخرونَ.
وقد سمع منه الإمامُ أحمدُ -مع جلالَتِه- حديثًا رواه له عن أبيه.
وكان ثقةً ثبتًا عالمًا بحديثِ الشَّامِ صحيحًا وضعيفًا.
وقال الإمامُ أحمدُ: "ما كان بالشَّامِ منذُ أربعينَ سنةً مِثلُ مُحمَّدِ بنِ عَوفٍ".
وكذلك أثنى عليه طائفةٌ من العُلَماءِ، ووصفوه بالحِفظِ والعِلمِ والتَّبحُّرِ.
وهو من أقرانِ الإمامِ البُخاريِّ.
قال عبدُ الصَّمدِ بنُ سعيدٍ القاضي: سمعتُ مُحمَّدَ بنَ عَوفٍ يقولُ: كنتُ ألعبُ في الكنيسةِ بالكُرَةِ وأنا حدَثٌ، فدخَلَتِ الكُرَةُ إلى المسجدِ، فوَقَعَتْ قُربَ المُعافى بنِ عِمرانَ الحِمصِيِّ، فدَخَلتُ لأَخْذِها، فقال: ابنُ مَن أنتَ؟ قلتُ: ابنُ عَوفِ بنِ سُفيانَ، قال: أمَا إنَّ أباكَ كان من إخوانِنا، فكان ممَّن يكتبُ معنا الحديثَ والعِلمَ، والذي كان يُشبِهُكَ أن تتَّبعَ ما كان عليه والِدُكَ.
فصِرتُ إلى أُمِّي، فأخبرتُها، فقالَتْ: صدقَ، هو صديقٌ لأبيكَ، فألبَسَتْني ثوبًا وإزارًا، ثم جئتُ إلى المُعافى، ومعي مِحبَرةٌ وورقٌ، فقال لي: اكتُبْ: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عيَّاشٍ، عن عبدِ ربِّهِ بنِ سُلَيمانَ قال: كتبَتْ لي أُمُّ الدَّرداءِ في لوحي بما تُعلِّمُني: اطلبُوا العِلمَ صِغارًا، تَعمَلُوا به كِبارًا، فإنَّ لكلِّ حاصدٍ ما زرعَ.
فكان هذا أوَّلَ ما سمعتُه. اهـ
رواه ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٥٥ / ٤٩ ).
وذكَرَهُ ياقوتُ الحمويُّ في مُعجَمِ البُلدانِ ( ٢ / ٣٠٤ )، والذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٢ / ٦١٤ - ٦١٥ ) وفي تاريخِ الإسلامِ ( ٦ / ٦١٧ )، والغزِّيُّ في حُسنِ التَّنبُّهِ ( ١١ / ٤٣٢ - ٤٣٣ ).
والمُعافى بنُ عِمرانَ هذا هو الظِّهْريُّ، من أهلِ حِمصَ، مقبولٌ، ووثَّقه ابنُ حِبَّانَ.
يروي عن إسماعيلَ بنِ عيَّاشٍ، ومالكِ بنِ أنسٍ، وعبدِ اللهِ بنِ لهيعةَ، وعبدِ العزيزِ بنِ أبي حازمٍ، وغيرِهم.
ولا شيءَ له في الكُتُبِ السِّتَّةِ، وهو غيرُ المُعافى بنِ عمرانَ المَوصِليِّ.
روى عن أبيه عوفٍ، وآدمَ بنِ أبي إياسٍ، وأبي اليمانِ الحكمِ بنِ نافعٍ، وأبي عاصمٍ الضَّحَّاكِ بنِ مَخلَدٍ، وعبدِ اللهِ بنِ يزيدَ المُقرِئِ، وعبدِ الأعلى بنِ مُسهِرٍ، وعُبَيدِ اللهِ بنِ مُوسى، ومُحمَّدِ بنِ يُوسفَ الفِريابيِّ، وهِشامِ بنِ عمَّارٍ، وخَلْقٍ كثيرٍ بالشَّامِ والعِراقِ.
وروى عنه أبو داودَ، والنَّسائيُّ، وأبو حاتمٍ وابنُه عبدُ الرَّحمنِ وأبو زُرعةَ الرَّازيُّونَ، وأبو بشرٍ الدُّولابيُّ، وآخرونَ.
وقد سمع منه الإمامُ أحمدُ -مع جلالَتِه- حديثًا رواه له عن أبيه.
وكان ثقةً ثبتًا عالمًا بحديثِ الشَّامِ صحيحًا وضعيفًا.
وقال الإمامُ أحمدُ: "ما كان بالشَّامِ منذُ أربعينَ سنةً مِثلُ مُحمَّدِ بنِ عَوفٍ".
وكذلك أثنى عليه طائفةٌ من العُلَماءِ، ووصفوه بالحِفظِ والعِلمِ والتَّبحُّرِ.
وهو من أقرانِ الإمامِ البُخاريِّ.
قال عبدُ الصَّمدِ بنُ سعيدٍ القاضي: سمعتُ مُحمَّدَ بنَ عَوفٍ يقولُ: كنتُ ألعبُ في الكنيسةِ بالكُرَةِ وأنا حدَثٌ، فدخَلَتِ الكُرَةُ إلى المسجدِ، فوَقَعَتْ قُربَ المُعافى بنِ عِمرانَ الحِمصِيِّ، فدَخَلتُ لأَخْذِها، فقال: ابنُ مَن أنتَ؟ قلتُ: ابنُ عَوفِ بنِ سُفيانَ، قال: أمَا إنَّ أباكَ كان من إخوانِنا، فكان ممَّن يكتبُ معنا الحديثَ والعِلمَ، والذي كان يُشبِهُكَ أن تتَّبعَ ما كان عليه والِدُكَ.
فصِرتُ إلى أُمِّي، فأخبرتُها، فقالَتْ: صدقَ، هو صديقٌ لأبيكَ، فألبَسَتْني ثوبًا وإزارًا، ثم جئتُ إلى المُعافى، ومعي مِحبَرةٌ وورقٌ، فقال لي: اكتُبْ: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عيَّاشٍ، عن عبدِ ربِّهِ بنِ سُلَيمانَ قال: كتبَتْ لي أُمُّ الدَّرداءِ في لوحي بما تُعلِّمُني: اطلبُوا العِلمَ صِغارًا، تَعمَلُوا به كِبارًا، فإنَّ لكلِّ حاصدٍ ما زرعَ.
فكان هذا أوَّلَ ما سمعتُه. اهـ
رواه ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٥٥ / ٤٩ ).
وذكَرَهُ ياقوتُ الحمويُّ في مُعجَمِ البُلدانِ ( ٢ / ٣٠٤ )، والذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٢ / ٦١٤ - ٦١٥ ) وفي تاريخِ الإسلامِ ( ٦ / ٦١٧ )، والغزِّيُّ في حُسنِ التَّنبُّهِ ( ١١ / ٤٣٢ - ٤٣٣ ).
والمُعافى بنُ عِمرانَ هذا هو الظِّهْريُّ، من أهلِ حِمصَ، مقبولٌ، ووثَّقه ابنُ حِبَّانَ.
يروي عن إسماعيلَ بنِ عيَّاشٍ، ومالكِ بنِ أنسٍ، وعبدِ اللهِ بنِ لهيعةَ، وعبدِ العزيزِ بنِ أبي حازمٍ، وغيرِهم.
ولا شيءَ له في الكُتُبِ السِّتَّةِ، وهو غيرُ المُعافى بنِ عمرانَ المَوصِليِّ.
قال الذَّهبيُّ في السِّيَرِ ( ١٣ / ٥٢٥ ) عن مُسنَدِ الإمامِ أحمدَ: "فلعلَّ اللهَ يُقيِّضُ لهذا الدِّيوانِ العظيمِ مَن يُرتِّبُه ويُهذِّبُه، ويحذفُ ما كُرِّرَ فيه، ويُصلِحُ ما تصحَّفَ، ويُوضِحُ حالَ كثيرٍ من رِجالِه، ويُنبِّهُ على مُرسَلِه، ويُوهِّنُ ما ينبغي من مناكيرِه، ويُرتِّبُ الصَّحابةَ على المُعجَمِ، وكذلكَ أصحابَهُم على المُعجَمِ، ويَرمِزُ على رُؤوسِ الحديثِ بأسماءِ الكُتُبِ السِّتَّةِ، وإن رتَّبَه على الأبوابِ فحَسَنٌ جميلٌ، ولولا أنِّي قد عَجِزتُ عن ذلكَ لضَعفِ البَصَر، وعدَمِ النِّيَّةِ، وقُربِ الرَّحيلِ، لَعملتُ في ذلكَ". اهـ
سُبحانَ اللهِ القادرِ على كلِّ شيءٍ!
قال الإمامُ عيسى بنُ مُحمَّدٍ الطَّهمانيُّ: "رأيتُ بخُوارِزمَ امرأةً لا تأكلُ ولا تشربُ ولا تَرُوثُ".
وقال يحيى العنبريُّ: سمعتُ الطَّهمانيَّ يحكي شأنَ التي لا تأكلُ ولا تشربُ، وأنَّها عاشَتْ كذلك نيِّفًا وعشرينَ سنةً، وأنَّه عايَنَ ذلك.
ذكَرَهما الذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٣ / ٥٧٢ ) ثم قال: قلتُ: سقتُ قِصَّتَها في تاريخِ الإسلامِ، وهي: رحمةُ بنتُ إبراهيمَ، قُتِلَ زوجُها، وترَكَ ولَدَينِ، وكانَتْ مِسكينةً، فنامَتْ فرأَتْ زوجَها مع الشُّهَداءِ يأكلُ على موائدَ، وكانَتْ صائمةً، قالَتْ: فاستَأذَنَهُم، وناوَلَني كِسرةً، أكلتُها، فوجدتُها أطيبَ من كلِّ شيءٍ، فاستَيقَظَتْ شبعانةً، واستمرَّتْ.
وهذه حِكايةٌ صحيحةٌ، فسُبحانَ القادرِ على كلِّ شيءٍ. اهـ
تعالوا لنرى ما ذكَرَهُ الإمامُ الذَّهبيُّ في تاريخِه..
قال رحمه اللهُ: قال الحاكم: سمعتُ أبا زكريَّا العنبريَّ يقول: سمعتُ أبا العبَّاس، فذكرَ قصَّةَ المرأةِ التي لا تأكلُ ولا تشربُ، وأنها عاشتْ كذلك نيّفًا وعشرينَ سنةً.
فقال -يعني الطّهمانيّ-: إنّ الله يُظهِرُ إذا شاء ما شاء من آياتِه، فيزيدُ الإسلامَ بها عزًّا وقوَّةً، وإنَّ ممَّا أدركنا عيانًا، وشاهدناه في زمانِنا: أنّني وردتُ سنةَ ثمانٍ وثلاثينَ مدينةً من مدائنِ خُوارزمَ، بينها وبين المدينةِ العُظمى نصفُ يومٍ، فأُخبِرتُ أنَّ بها امرأةً من نساءِ الشُّهداءِ رأتْ رُؤيا كأنَّها أُطعِمَتْ في منامِها شيئًا، فهي لا تأكلُ ولا تشربُ منذُ عهدِ عبدِ اللهِ بنِ طاهرٍ.
ثمّ مررتُ بها سنةَ اثنتَينِ وأربعينَ، فرأيتُها وحدَّثَتْني بحديثِها، ثمّ رأيتُها بعد عشرِ سنينَ، فرأيتُ حديثَها شائعًا، فاجتمعتُ بها وهي مارَّةٌ، فرأيتُ مِشْيَتَها قويَّةً، وإذا هي امرأةٌ نَصَفٌ، جيِّدةُ القامةِ، حسنةُ البِنْيةِ، مُتورِّدةُ الخدَّينِ، فسايرتني وأنا راكبٌ، فعرضتُ عليها مركبًا، فأبَتْ وبقيتْ تمشي معي.
وحضر مجلسي محمَّدُ بنُ حَمدَوَيه الحارثيّ، وهو فقيهٌ قد كتب عنه مُوسى بنُ هارونَ، وكَهْلٌ له عبارةٌ وبيانٌ يُسمَّى عبدَ الله بنَ عبدِ الرَّحمنِ، وكان يَخلفُ أصحابَ المظالمِ في ناحيتِه، فسألتُهم عنها، فأحسنوا القولَ فيها، وأثنوا عليها، وقالوا: أمرُها ظاهرٌ، ليس فينا من يختلفُ فيه.
وقال عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: أنا أسمعُ أمرَها من أيَّامِ الحَداثةِ، وقد فرَّغتُ بالي لها، فلم أرَ إلّا سِترًا وعفافًا، ولم أعثرْ منها على كذبٍ في دعواها، وذكر أنَّ مَن كان يلي خُوَارِزمَ كانوا يُحْضِرونها الشَّهرَ والشَّهْرَينِ في بيتٍ، ويُغلقونَ عليها.
قال: فلمّا تواطأ أهلُ النّاحيةِ على تصديقِها سألتُها، فقالت: اسمي رحمةُ بنتُ إبراهيمَ، كان لي زوجٌ نجَّارٌ يأتيه رِزقُه يومًا فيومًا. وأنّها ولدتْ منه عدّةَ أولادٍ.
وجاء الأقطعُ ملكُ التُّركِ الغُزِّيَّةَ، فعبرَ الواديَ عند جُمودِه إلينا في زُهاء ثلاثةِ آلافِ فارسٍ.
قال الطَّهمانيُّ: والأقطعُ هذا كان كافرًا عاتيًا، شديدَ العداوةِ للمُسلمينَ، قد أثَّرَ على أهلِ الثُّغورِ، وألحَّ على أهلِ خُوارزمَ، وكان وُلاةُ خُراسانَ يتألَّفونه، ويبعثون إليه بمالٍ وأَلْطافٍ، وأنه أقبل مرّةً في خُيولِه، فعاثَ وأفسدَ وقتل، فأنهض إليه ابنُ طاهرٍ أربعةً من القُوَّادِ، وأنَّ وادي جَيحُونَ -وهو الذي في أعلى نهرِ بَلْخَ- جَمَدٌ، وهو وادٍ عظيمٌ، شديدُ الطُّغيانِ، كثيرُ الآفاتِ، وإذا امتدَّ كان عرضُه نحوًا من فَرسَخٍ، وإذا جَمَدَ انطبقَ، فلم يُوصلْ منه إلى شيءٍ، حتَّى يُحفَرَ فيه، كما تُحفَرُ الآبارُ في الصُّخورِ، وقد رأيتُ كَثَفَ الجَمَدِ عشرةَ أشبارٍ، فأُخبِرتُ أنَّه كان فيما خلا يزيدُ على عشرينَ شِبرًا، وإذا هو انطبق صار الجَمَدُ جسرًا لأهلِ البلدِ، تسيرُ عليه القوافلُ والعَجَلُ، وربما بقي الجمدُ مائةً وعشرينَ يومًا، وأقلُّه سبعونَ يومًا.
قالت المرأةُ: فعبر الكافرُ، وصار إلى بابِ الحِصنِ، فأراد النَّاسُ الخُروجَ لقِتالِه، فمنعهم العاملُ دونَ أن تتوافى العساكرُ.
فشدَّ طائفةٌ من شُبَّانِ النَّاسِ، فتقاربوا من السُّورِ، وحملوا على الكَفَرةِ، فتهازَمُوا، واستَجَرُّوهم بين البُيوتِ، ثمّ كَرُّوا عليهم، وصار المسلمون في مثلِ الحَرجَة فحاربوا أشدَّ حربٍ، وثبتوا حتّى تقطَّعت الأوتارُ، وأدرَكَهم اللُّغوبُ والجوعُ والعَطَشُ، وقُتِل عامَّتُهم، وأُثْخِنَ مَن بقي، فلمَّا جنَّ عليهم اللَّيلُ، تحاجز الفريقانِ.
قالت: ورُفِعَت النِّيرانِ من المناظرِ ساعةَ عُبورِ الكافرِ، فاتَّصلت بجُرْجانيَّةِ خُوارِزمَ، وكان بها مِيكالُ مولى طاهرٍ في عَسكَرٍ، فخفَّ وركض إلى حِصنِنا في يومٍ وليلةٍ أربعينَ فرسخًا، وغدا التُّركُ للفراغِ من أمرِ أولئك، فبينا هم كذلك إذا ارتفعت لهم الأعلامُ السُّودُ، وسمعوا الطُّبولَ، فأفرجوا عن القومِ، ووافى ميكالُ موضعَ المعركةِ، فارتَثَّ القَتلى، وحَمَل الجرحى، وأدخل الحصن عَشِيَّتَئِذٍ زُهاء أربعِ
قال الإمامُ عيسى بنُ مُحمَّدٍ الطَّهمانيُّ: "رأيتُ بخُوارِزمَ امرأةً لا تأكلُ ولا تشربُ ولا تَرُوثُ".
وقال يحيى العنبريُّ: سمعتُ الطَّهمانيَّ يحكي شأنَ التي لا تأكلُ ولا تشربُ، وأنَّها عاشَتْ كذلك نيِّفًا وعشرينَ سنةً، وأنَّه عايَنَ ذلك.
ذكَرَهما الذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٣ / ٥٧٢ ) ثم قال: قلتُ: سقتُ قِصَّتَها في تاريخِ الإسلامِ، وهي: رحمةُ بنتُ إبراهيمَ، قُتِلَ زوجُها، وترَكَ ولَدَينِ، وكانَتْ مِسكينةً، فنامَتْ فرأَتْ زوجَها مع الشُّهَداءِ يأكلُ على موائدَ، وكانَتْ صائمةً، قالَتْ: فاستَأذَنَهُم، وناوَلَني كِسرةً، أكلتُها، فوجدتُها أطيبَ من كلِّ شيءٍ، فاستَيقَظَتْ شبعانةً، واستمرَّتْ.
وهذه حِكايةٌ صحيحةٌ، فسُبحانَ القادرِ على كلِّ شيءٍ. اهـ
تعالوا لنرى ما ذكَرَهُ الإمامُ الذَّهبيُّ في تاريخِه..
قال رحمه اللهُ: قال الحاكم: سمعتُ أبا زكريَّا العنبريَّ يقول: سمعتُ أبا العبَّاس، فذكرَ قصَّةَ المرأةِ التي لا تأكلُ ولا تشربُ، وأنها عاشتْ كذلك نيّفًا وعشرينَ سنةً.
فقال -يعني الطّهمانيّ-: إنّ الله يُظهِرُ إذا شاء ما شاء من آياتِه، فيزيدُ الإسلامَ بها عزًّا وقوَّةً، وإنَّ ممَّا أدركنا عيانًا، وشاهدناه في زمانِنا: أنّني وردتُ سنةَ ثمانٍ وثلاثينَ مدينةً من مدائنِ خُوارزمَ، بينها وبين المدينةِ العُظمى نصفُ يومٍ، فأُخبِرتُ أنَّ بها امرأةً من نساءِ الشُّهداءِ رأتْ رُؤيا كأنَّها أُطعِمَتْ في منامِها شيئًا، فهي لا تأكلُ ولا تشربُ منذُ عهدِ عبدِ اللهِ بنِ طاهرٍ.
ثمّ مررتُ بها سنةَ اثنتَينِ وأربعينَ، فرأيتُها وحدَّثَتْني بحديثِها، ثمّ رأيتُها بعد عشرِ سنينَ، فرأيتُ حديثَها شائعًا، فاجتمعتُ بها وهي مارَّةٌ، فرأيتُ مِشْيَتَها قويَّةً، وإذا هي امرأةٌ نَصَفٌ، جيِّدةُ القامةِ، حسنةُ البِنْيةِ، مُتورِّدةُ الخدَّينِ، فسايرتني وأنا راكبٌ، فعرضتُ عليها مركبًا، فأبَتْ وبقيتْ تمشي معي.
وحضر مجلسي محمَّدُ بنُ حَمدَوَيه الحارثيّ، وهو فقيهٌ قد كتب عنه مُوسى بنُ هارونَ، وكَهْلٌ له عبارةٌ وبيانٌ يُسمَّى عبدَ الله بنَ عبدِ الرَّحمنِ، وكان يَخلفُ أصحابَ المظالمِ في ناحيتِه، فسألتُهم عنها، فأحسنوا القولَ فيها، وأثنوا عليها، وقالوا: أمرُها ظاهرٌ، ليس فينا من يختلفُ فيه.
وقال عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: أنا أسمعُ أمرَها من أيَّامِ الحَداثةِ، وقد فرَّغتُ بالي لها، فلم أرَ إلّا سِترًا وعفافًا، ولم أعثرْ منها على كذبٍ في دعواها، وذكر أنَّ مَن كان يلي خُوَارِزمَ كانوا يُحْضِرونها الشَّهرَ والشَّهْرَينِ في بيتٍ، ويُغلقونَ عليها.
قال: فلمّا تواطأ أهلُ النّاحيةِ على تصديقِها سألتُها، فقالت: اسمي رحمةُ بنتُ إبراهيمَ، كان لي زوجٌ نجَّارٌ يأتيه رِزقُه يومًا فيومًا. وأنّها ولدتْ منه عدّةَ أولادٍ.
وجاء الأقطعُ ملكُ التُّركِ الغُزِّيَّةَ، فعبرَ الواديَ عند جُمودِه إلينا في زُهاء ثلاثةِ آلافِ فارسٍ.
قال الطَّهمانيُّ: والأقطعُ هذا كان كافرًا عاتيًا، شديدَ العداوةِ للمُسلمينَ، قد أثَّرَ على أهلِ الثُّغورِ، وألحَّ على أهلِ خُوارزمَ، وكان وُلاةُ خُراسانَ يتألَّفونه، ويبعثون إليه بمالٍ وأَلْطافٍ، وأنه أقبل مرّةً في خُيولِه، فعاثَ وأفسدَ وقتل، فأنهض إليه ابنُ طاهرٍ أربعةً من القُوَّادِ، وأنَّ وادي جَيحُونَ -وهو الذي في أعلى نهرِ بَلْخَ- جَمَدٌ، وهو وادٍ عظيمٌ، شديدُ الطُّغيانِ، كثيرُ الآفاتِ، وإذا امتدَّ كان عرضُه نحوًا من فَرسَخٍ، وإذا جَمَدَ انطبقَ، فلم يُوصلْ منه إلى شيءٍ، حتَّى يُحفَرَ فيه، كما تُحفَرُ الآبارُ في الصُّخورِ، وقد رأيتُ كَثَفَ الجَمَدِ عشرةَ أشبارٍ، فأُخبِرتُ أنَّه كان فيما خلا يزيدُ على عشرينَ شِبرًا، وإذا هو انطبق صار الجَمَدُ جسرًا لأهلِ البلدِ، تسيرُ عليه القوافلُ والعَجَلُ، وربما بقي الجمدُ مائةً وعشرينَ يومًا، وأقلُّه سبعونَ يومًا.
قالت المرأةُ: فعبر الكافرُ، وصار إلى بابِ الحِصنِ، فأراد النَّاسُ الخُروجَ لقِتالِه، فمنعهم العاملُ دونَ أن تتوافى العساكرُ.
فشدَّ طائفةٌ من شُبَّانِ النَّاسِ، فتقاربوا من السُّورِ، وحملوا على الكَفَرةِ، فتهازَمُوا، واستَجَرُّوهم بين البُيوتِ، ثمّ كَرُّوا عليهم، وصار المسلمون في مثلِ الحَرجَة فحاربوا أشدَّ حربٍ، وثبتوا حتّى تقطَّعت الأوتارُ، وأدرَكَهم اللُّغوبُ والجوعُ والعَطَشُ، وقُتِل عامَّتُهم، وأُثْخِنَ مَن بقي، فلمَّا جنَّ عليهم اللَّيلُ، تحاجز الفريقانِ.
قالت: ورُفِعَت النِّيرانِ من المناظرِ ساعةَ عُبورِ الكافرِ، فاتَّصلت بجُرْجانيَّةِ خُوارِزمَ، وكان بها مِيكالُ مولى طاهرٍ في عَسكَرٍ، فخفَّ وركض إلى حِصنِنا في يومٍ وليلةٍ أربعينَ فرسخًا، وغدا التُّركُ للفراغِ من أمرِ أولئك، فبينا هم كذلك إذا ارتفعت لهم الأعلامُ السُّودُ، وسمعوا الطُّبولَ، فأفرجوا عن القومِ، ووافى ميكالُ موضعَ المعركةِ، فارتَثَّ القَتلى، وحَمَل الجرحى، وأدخل الحصن عَشِيَّتَئِذٍ زُهاء أربعِ
مائةِ جنازةٍ، وعمَّتِ المُصيبةُ، وارتجَّتِ الناحيةُ بالبُكاءِ والنَّوحِ، ووُضِعِ زوجي بين يديَّ قتيلًا، فأدركني من الجَزَعِ والهَلَعِ عليه ما يُدرِكَ المرأةَ الشَّابَّةَ المِسكينةَ على زوجٍ أبي أولاد، وكاسِبِ عِيالٍ.
فاجتمع النِّساءُ من قراباتي والجيرانِ، وجاء الصِّبيانُ، وهم أطفال يطلبون الخُبزَ، وليس عندي ما أعطيهم، فضِقتُ صَدرًا، وأذّن المغربُ، فصلَّيتُ ما قُضِيَ لي، ثم سجدتُ أدعو، وأتضرَّعُ وأسألُ، فنمتُ، فرأيتُ كأنِّي في أرضٍ حسناءَ ذاتِ حِجارةٍ وشَوكٍ، أهيمُ فيها والِهةً حرَّى أطلبُ زوجي، فناداني رجلٌ: خُذي ذاتَ اليمينِ، فأخذتُ، فرُفِعَتْ لي أرضٌ سهلةٌ طيِّبةُ الثَّرى، طاهرةُ العُشبِ، وإذا قصورٌ وأبنيةٌ لا أُحسِنُ أن أصِفَها، وأنهارٌ تجري من غير أخاديدَ، فانتهيتُ إلى قومٍ جُلوسٍ حِلَقًا حِلَقًا، عليهم ثيابٌ خُضرٌ، قد علاهم النُّورُ، فإذا هم الذين قُتِلوا، يأكلونَ على موائدَ.
فجعلتُ أبغي زوجي، فناداني: يا رحمةُ، يا رحمةُ، فيمَّمتُ الصَّوتَ، فإذا به في مِثلُ حالِ مَن رأيتُ من الشُّهداءِ، ووجهُه مثلُ القمرِ ليلةَ البدرِ، وهو يأكلُ مع رِفقةٍ، فقال لهم: إنَّ هذه البائسةَ جائعةٌ منذُ اليومِ، أفتأذنون أن أناولَها؟
فأذنوا له، فناولَني كِسرةً أبيضَ من الثَّلجِ، وأحلى من العسلِ، وألينَ من الزُّبدِ، فأكلتُها، فلمَّا استقرَّتْ في جوفي قال: اذهبي، فقد كفاكِ اللهُ مؤونةَ الطَّعامِ والشَّرابِ ما حييتِ.
فانتبهتُ وأنا شَبعى رَيًّا، لا أحتاجْ إلى طعامٍ ولا إلى شرابٍ، فما ذقتُهما إلى الآنِ.
قال الطَّهمانيُّ: وكانت تحضُرُنا، وكنَّا نأكلُ، فتتنحَّى، وتأخذُ على أنفِها، تزعم أنّها تتأذَّى برائحةِ الطَّعامِ، فسألتُها: هل يخرجُ منك رِيحٌ؟ قالت: لا، قلتُ: والحيضُ؟ أظنُّها قالت: انقطع، قلتُ: فهل تحتاجينَ حاجةَ النِّساءِ إلى الرِّجالِ؟ قالت: أما تستحي منِّي، تسألُني عن مِثلِ هذا؟ قلتُ: إنّي لعلِّي أُحدِّثُ النّاسَ عنكِ، قالت: لا أحتاجُ، قلتُ: فتنامينَ؟ قالت: نعم، قلتُ: فما ترينَ في منامِكِ؟ قالت: مثلَ النَّاسِ، قلتُ: فتَجِدينَ لفقدِ الطَّعامِ وَهنًا في نفسِكَ؟ قالت: ما أحسستُ بالجوعِ منذ طعمتُ ذلك الطَّعامَ.
وكانت تقبلُ الصَّدقةَ، فقلتُ: ما تصنعين بها؟ قالت: أكتسي وأكسو ولدي، قلت: فهل تجدينَ البردَ؟ قالت: نعم، قلتُ: فهل يُدرِكُكِ اللُّغوبُ والإعياءُ إذا مشيتِ؟ قالت: نعم، ألستُ من البشرِ؟ قلت: فتتوضَّئينَ للصَّلواتِ؟ قالت: نعم، قلت: ولِمَ؟ قالت: تأمرُني بذلك الفُقَهاءُ، تعني للنّومِ.
وذكرتْ لي أنَّ بطنَها لاصِقٌ بظهرِها، فأمرتُ امرأةً من نسائِنا، فنظَرَتْ، فإذا بطنُها كما وصَفتْ، وإذا قد اتَّخذتْ كيسًا وضمَّت القُطنَ وشدَّتْه على بطنِها كي لا ينقصفَ ظهرُها إذا مَشَت.
قال: ثم لم أزلْ أختلفُ إلى هَزارَسْفَ، -يعني بُلَيدَتَها- فتحضرُ، فأُعيدُ مسألتَها، وهي تتكلَّمُ بلُغَةِ أهلِ خُوارِزمَ، فلا تزيدُ في الحديثِ، ولا تُنقِصُ منه.
فعرضتُ كلامَها كلَّه على عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الفقيهَ، قال: أنا أسمع هذا الحديثَ منذ نشأتُ، فلا أرى من يدفعِه.
وأجريتُ ذِكْرَها لأبي العبَّاسِ أحمدَ بنِ مُحمَّدِ بنِ طلحةَ بنِ طاهرٍ والي خُوارزمَ في سنةِ ستٍّ وستِّينَ، فقال: هذا غيرُ كائنٍ، قلتُ: فالأمرُ سهلٌ، والمسافةُ قريبةٌ، تأمُرُ بها، فتُحمَلُ إليك، وتمتحنُها بنفسِكَ.
فأمَرَني، فكتبتُ عنه إلى العاملِ، فأشْخَصَها على رِفقٍ، فأخبرني أبو العبَّاسِ أحمدُ أنَّه وكَّل أُمَّه دون النَّاسِ بمُراعاتِها، وسألَها أن تستقصيَ عليها، وتتفقَّدَها في ساعاتِ الغَفلاتِ.
وأنّها بقيت عند أمِّه نحوًا من شهرينَ، في بيتٍ لا تخرجْ منه، فلم يرَوَها تأكلُ ولا تشربُ، وكثُرَ من ذلك تعَجُّبُه، وقال: لا يُنكَرُ للهِ قُدرةٌ.
وبرَّها وصَرَفها، فلم يأتِ عليها إلَّا القليلُ حتَّى ماتت، رحمها الله.
انظُرْ تاريخَ الإسلامِ ( ٦ / ٩٩٢ - ٩٩٥ ) للذَّهبيِّ.
وقد رواها ابنُ الجوزيِّ في المُنتَظَمِ ( ١١ / ١٥١ - ١٥٤ ) بإسنادٍ صحيحٍ، فقال رحمه اللهُ: وظهر في هذه السَّنَةِ في بعضِ قُرى خُوارِزم عجبٌ من امرأةٍ رأتْ منامًا، فكانت لا تأكلُ ولا تشربُ، وقد ذكر قصَّتَها أبو عبدِ اللهِ الحاكمُ في تاريخِ نيسابورَ.
أخبرنا زاهرُ بنُ طاهرٍ، أخبرنا أبو بكرٍ البيهقيُّ، أخبرنا الحاكم أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ النَّيسابوريُّ قال: سمعتُ أبا زكريَّا يحيى بنَ مُحمَّدٍ العنبريَّ يقولُ: سمعتُ أبا العبَّاسِ عيسى بنَ مُحمَّدٍ المَروَزيَّ يقولُ: وردتُ في سنةِ ثمانٍ وثلاثينَ مدينةً من مدائن خُوارزم تُدعى هَزَارَسْف…… ثم ذكر القصَّةَ كاملةً.
فاجتمع النِّساءُ من قراباتي والجيرانِ، وجاء الصِّبيانُ، وهم أطفال يطلبون الخُبزَ، وليس عندي ما أعطيهم، فضِقتُ صَدرًا، وأذّن المغربُ، فصلَّيتُ ما قُضِيَ لي، ثم سجدتُ أدعو، وأتضرَّعُ وأسألُ، فنمتُ، فرأيتُ كأنِّي في أرضٍ حسناءَ ذاتِ حِجارةٍ وشَوكٍ، أهيمُ فيها والِهةً حرَّى أطلبُ زوجي، فناداني رجلٌ: خُذي ذاتَ اليمينِ، فأخذتُ، فرُفِعَتْ لي أرضٌ سهلةٌ طيِّبةُ الثَّرى، طاهرةُ العُشبِ، وإذا قصورٌ وأبنيةٌ لا أُحسِنُ أن أصِفَها، وأنهارٌ تجري من غير أخاديدَ، فانتهيتُ إلى قومٍ جُلوسٍ حِلَقًا حِلَقًا، عليهم ثيابٌ خُضرٌ، قد علاهم النُّورُ، فإذا هم الذين قُتِلوا، يأكلونَ على موائدَ.
فجعلتُ أبغي زوجي، فناداني: يا رحمةُ، يا رحمةُ، فيمَّمتُ الصَّوتَ، فإذا به في مِثلُ حالِ مَن رأيتُ من الشُّهداءِ، ووجهُه مثلُ القمرِ ليلةَ البدرِ، وهو يأكلُ مع رِفقةٍ، فقال لهم: إنَّ هذه البائسةَ جائعةٌ منذُ اليومِ، أفتأذنون أن أناولَها؟
فأذنوا له، فناولَني كِسرةً أبيضَ من الثَّلجِ، وأحلى من العسلِ، وألينَ من الزُّبدِ، فأكلتُها، فلمَّا استقرَّتْ في جوفي قال: اذهبي، فقد كفاكِ اللهُ مؤونةَ الطَّعامِ والشَّرابِ ما حييتِ.
فانتبهتُ وأنا شَبعى رَيًّا، لا أحتاجْ إلى طعامٍ ولا إلى شرابٍ، فما ذقتُهما إلى الآنِ.
قال الطَّهمانيُّ: وكانت تحضُرُنا، وكنَّا نأكلُ، فتتنحَّى، وتأخذُ على أنفِها، تزعم أنّها تتأذَّى برائحةِ الطَّعامِ، فسألتُها: هل يخرجُ منك رِيحٌ؟ قالت: لا، قلتُ: والحيضُ؟ أظنُّها قالت: انقطع، قلتُ: فهل تحتاجينَ حاجةَ النِّساءِ إلى الرِّجالِ؟ قالت: أما تستحي منِّي، تسألُني عن مِثلِ هذا؟ قلتُ: إنّي لعلِّي أُحدِّثُ النّاسَ عنكِ، قالت: لا أحتاجُ، قلتُ: فتنامينَ؟ قالت: نعم، قلتُ: فما ترينَ في منامِكِ؟ قالت: مثلَ النَّاسِ، قلتُ: فتَجِدينَ لفقدِ الطَّعامِ وَهنًا في نفسِكَ؟ قالت: ما أحسستُ بالجوعِ منذ طعمتُ ذلك الطَّعامَ.
وكانت تقبلُ الصَّدقةَ، فقلتُ: ما تصنعين بها؟ قالت: أكتسي وأكسو ولدي، قلت: فهل تجدينَ البردَ؟ قالت: نعم، قلتُ: فهل يُدرِكُكِ اللُّغوبُ والإعياءُ إذا مشيتِ؟ قالت: نعم، ألستُ من البشرِ؟ قلت: فتتوضَّئينَ للصَّلواتِ؟ قالت: نعم، قلت: ولِمَ؟ قالت: تأمرُني بذلك الفُقَهاءُ، تعني للنّومِ.
وذكرتْ لي أنَّ بطنَها لاصِقٌ بظهرِها، فأمرتُ امرأةً من نسائِنا، فنظَرَتْ، فإذا بطنُها كما وصَفتْ، وإذا قد اتَّخذتْ كيسًا وضمَّت القُطنَ وشدَّتْه على بطنِها كي لا ينقصفَ ظهرُها إذا مَشَت.
قال: ثم لم أزلْ أختلفُ إلى هَزارَسْفَ، -يعني بُلَيدَتَها- فتحضرُ، فأُعيدُ مسألتَها، وهي تتكلَّمُ بلُغَةِ أهلِ خُوارِزمَ، فلا تزيدُ في الحديثِ، ولا تُنقِصُ منه.
فعرضتُ كلامَها كلَّه على عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الفقيهَ، قال: أنا أسمع هذا الحديثَ منذ نشأتُ، فلا أرى من يدفعِه.
وأجريتُ ذِكْرَها لأبي العبَّاسِ أحمدَ بنِ مُحمَّدِ بنِ طلحةَ بنِ طاهرٍ والي خُوارزمَ في سنةِ ستٍّ وستِّينَ، فقال: هذا غيرُ كائنٍ، قلتُ: فالأمرُ سهلٌ، والمسافةُ قريبةٌ، تأمُرُ بها، فتُحمَلُ إليك، وتمتحنُها بنفسِكَ.
فأمَرَني، فكتبتُ عنه إلى العاملِ، فأشْخَصَها على رِفقٍ، فأخبرني أبو العبَّاسِ أحمدُ أنَّه وكَّل أُمَّه دون النَّاسِ بمُراعاتِها، وسألَها أن تستقصيَ عليها، وتتفقَّدَها في ساعاتِ الغَفلاتِ.
وأنّها بقيت عند أمِّه نحوًا من شهرينَ، في بيتٍ لا تخرجْ منه، فلم يرَوَها تأكلُ ولا تشربُ، وكثُرَ من ذلك تعَجُّبُه، وقال: لا يُنكَرُ للهِ قُدرةٌ.
وبرَّها وصَرَفها، فلم يأتِ عليها إلَّا القليلُ حتَّى ماتت، رحمها الله.
انظُرْ تاريخَ الإسلامِ ( ٦ / ٩٩٢ - ٩٩٥ ) للذَّهبيِّ.
وقد رواها ابنُ الجوزيِّ في المُنتَظَمِ ( ١١ / ١٥١ - ١٥٤ ) بإسنادٍ صحيحٍ، فقال رحمه اللهُ: وظهر في هذه السَّنَةِ في بعضِ قُرى خُوارِزم عجبٌ من امرأةٍ رأتْ منامًا، فكانت لا تأكلُ ولا تشربُ، وقد ذكر قصَّتَها أبو عبدِ اللهِ الحاكمُ في تاريخِ نيسابورَ.
أخبرنا زاهرُ بنُ طاهرٍ، أخبرنا أبو بكرٍ البيهقيُّ، أخبرنا الحاكم أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ النَّيسابوريُّ قال: سمعتُ أبا زكريَّا يحيى بنَ مُحمَّدٍ العنبريَّ يقولُ: سمعتُ أبا العبَّاسِ عيسى بنَ مُحمَّدٍ المَروَزيَّ يقولُ: وردتُ في سنةِ ثمانٍ وثلاثينَ مدينةً من مدائن خُوارزم تُدعى هَزَارَسْف…… ثم ذكر القصَّةَ كاملةً.
أبو عَمرٍو الحارِثُ بنُ مِسكِينِ بنِ مُحمَّدٍ المِصريُّ.
قاضي القُضاةِ بمصرَ، وكان إمامًا عالِمًا زاهدًا فقيهًا مُحدِّثًا ثَبتًا ثِقةً حُجَّةً جليلًا قوَّالًا بالحقِّ من قُضاةِ العدلِ.
امتُحِنَ في خَلقِ القُرآنِ فلم يُجِبْ.
يروي عن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ، وابنِ وهبٍ، وأشهبَ بنِ عبدِ العزيزِ، وغيرِهم.
وأخذَ فِقهَ الإمامِ مالكٍ عن ابنِ القاسمِ.
طلبَ العلمَ على كِبَرٍ؛ لذلك فاتَهُ اللَّيثُ بنُ سعدٍ، ومالكُ بنُ أنسٍ، وعبدُ اللهِ بنُ لهيعةَ، والكِبارُ.
وروى عنه أبو داودَ، والنَّسائيُّ، وعبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ، وأبو يعلى الموصليُّ، وغيرُهم.
حدثَ بينه وبين والإمامِ النَّسائيِّ خِلافٌ، وكان بينهما خشونةٌ، فلم يُمكِّنِ الحارثُ النَّسائيَّ من حُضورِ مجلسِه والسَّماعِ منه!
فكان النَّسائيُّ يستترُ في موضعٍ من حلقةِ الحارثِ حيثُ لا يراه، ويسمعُ منه.
ونرى الإمامَ النَّسائيَّ قد تورَّعَ وتحرَّى في الأداءِ، فعدَلَ عن العبارةِ المألوفةِ في الرِّوايةِ، وهي: حدَّثنا أو أخبرنا.
فكان يقولُ: أخبرنا الحارثُ بنُ مسكينٍ قراءةً عليه وأنا أسمعُ.
وتارةً يقولُ: حدَّثنا الحارثُ بنُ مسكينٍ قراءةً عليه وأنا أسمعُ.
وتارةً يقولُ: قال الحارثُ بنُ مسكينٍ قراءةً عليه وأنا أسمعُ.
وتارةً يقولُ: أنبأنا الحارثُ بنُ مسكينٍ قراءةً عليه وأنا أسمعُ.
انظُرْ مثالًا على ذلك في سُنَنِه: ( ٩ و١٢ و٢٨٧ و٣٣١ و٣٧٦ و٧٨٨ و١٥١٩ و١٧١٣ و١٨٣٥ و٢٠١٩ و٢٣٤١ و٢٣٤٣ و٢٥٩٦ و٣١٣١ و٣٦٥٠ ) وغيرِها في مواضعَ أُخرى.
ومِثلُ الإمامِ النَّسائيِّ الإمامُ أبو داودَ! فكان يسمعُ من الحارثِ بنِ مِسكِينٍ دُونَ عِلمِه، فلا أدري، هل كان بينهما شيءٌ؟
فكان أبو داودَ يقولُ: قُرِئَ على الحارثِ بنِ مِسكِينٍ وأنا شاهدٌ.
انظُرْ سُنَنَ أبي داودَ ( ٣٠١٧ و٣٠٣٤ و٣٢٨٨ و٣٧٤٨ و٣٩١٤ و٣٩٢٢ و٤٧١٥ ).
فانظُرْ إلى دِقَّةِ هذَينِ الإمامَينِ الجليلَينِ وأمانَتِهما..
قاضي القُضاةِ بمصرَ، وكان إمامًا عالِمًا زاهدًا فقيهًا مُحدِّثًا ثَبتًا ثِقةً حُجَّةً جليلًا قوَّالًا بالحقِّ من قُضاةِ العدلِ.
امتُحِنَ في خَلقِ القُرآنِ فلم يُجِبْ.
يروي عن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ، وابنِ وهبٍ، وأشهبَ بنِ عبدِ العزيزِ، وغيرِهم.
وأخذَ فِقهَ الإمامِ مالكٍ عن ابنِ القاسمِ.
طلبَ العلمَ على كِبَرٍ؛ لذلك فاتَهُ اللَّيثُ بنُ سعدٍ، ومالكُ بنُ أنسٍ، وعبدُ اللهِ بنُ لهيعةَ، والكِبارُ.
وروى عنه أبو داودَ، والنَّسائيُّ، وعبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ، وأبو يعلى الموصليُّ، وغيرُهم.
حدثَ بينه وبين والإمامِ النَّسائيِّ خِلافٌ، وكان بينهما خشونةٌ، فلم يُمكِّنِ الحارثُ النَّسائيَّ من حُضورِ مجلسِه والسَّماعِ منه!
فكان النَّسائيُّ يستترُ في موضعٍ من حلقةِ الحارثِ حيثُ لا يراه، ويسمعُ منه.
ونرى الإمامَ النَّسائيَّ قد تورَّعَ وتحرَّى في الأداءِ، فعدَلَ عن العبارةِ المألوفةِ في الرِّوايةِ، وهي: حدَّثنا أو أخبرنا.
فكان يقولُ: أخبرنا الحارثُ بنُ مسكينٍ قراءةً عليه وأنا أسمعُ.
وتارةً يقولُ: حدَّثنا الحارثُ بنُ مسكينٍ قراءةً عليه وأنا أسمعُ.
وتارةً يقولُ: قال الحارثُ بنُ مسكينٍ قراءةً عليه وأنا أسمعُ.
وتارةً يقولُ: أنبأنا الحارثُ بنُ مسكينٍ قراءةً عليه وأنا أسمعُ.
انظُرْ مثالًا على ذلك في سُنَنِه: ( ٩ و١٢ و٢٨٧ و٣٣١ و٣٧٦ و٧٨٨ و١٥١٩ و١٧١٣ و١٨٣٥ و٢٠١٩ و٢٣٤١ و٢٣٤٣ و٢٥٩٦ و٣١٣١ و٣٦٥٠ ) وغيرِها في مواضعَ أُخرى.
ومِثلُ الإمامِ النَّسائيِّ الإمامُ أبو داودَ! فكان يسمعُ من الحارثِ بنِ مِسكِينٍ دُونَ عِلمِه، فلا أدري، هل كان بينهما شيءٌ؟
فكان أبو داودَ يقولُ: قُرِئَ على الحارثِ بنِ مِسكِينٍ وأنا شاهدٌ.
انظُرْ سُنَنَ أبي داودَ ( ٣٠١٧ و٣٠٣٤ و٣٢٨٨ و٣٧٤٨ و٣٩١٤ و٣٩٢٢ و٤٧١٥ ).
فانظُرْ إلى دِقَّةِ هذَينِ الإمامَينِ الجليلَينِ وأمانَتِهما..
فائدةٌ إسناديَّةٌ:
قال الإمامُ أحمدُ ( ٢٣٥٥٤ ): حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ مهدِيٍّ، عن زائدةَ بنِ قُدامةَ، عن منصورٍ، عن هلالِ بنِ يسافٍ، عنِ الرَّبيعِ بنِ خُثَيمٍ، عن عمرِو بنِ ميمونٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى، عن امرأةٍ من الأنصارِ، عن أبي أيُّوبَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: "أيعجزُ أحدُكم أن يقرأَ ثُلُثَ القُرآنِ في ليلةٍ؟ فإنَّه مَن قرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ) في ليلةٍ؛ فقد قرأَ لَيلَتَئِذٍ ثُلُثَ القُرآنِ".
رواه الذَّهبيُّ في مُعجمِ شُيوخِه ( ٢ / ٢٨٩ ) من طريقِ الإمامِ أحمدَ هذا، ثم قال: "هذا حديثٌ صالحُ الإسنادِ من الأفرادِ، ولا نعلمُ حديثًا بين أحمدَ بنِ حنبلٍ فيهِ وبين النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تِسعةُ أنفُسٍ سواه، وهو ممَّا اجتمع في سندِه سِتَّةٌ تابعيُّونَ يروي بعضُهم عن بعضٍ، وهذا لا نظيرَ له؛ فإنَّ منصورَ بنَ المُعتمرِ معدودٌ في صِغارِ التَّابعينَ، وقد أخرجه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ من طريقِ زائدةَ، وحسَّنهُ التِّرمذيُّ، مع أنَّه مُعلَّلٌ". اهـ
وقال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِه ( ٨ / ٥٢١ ): "وهذا حديثٌ تُساعيُّ الإسنادِ للإمامِ أحمدَ".
ورواه النَّسائيُّ ( ٩٩٦ ) قال: أخبرنا مُحمَّدُ بنُ بشَّارٍ قال: حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ، عن زائدةَ، به.
ورواه التِّرمذيُّ ( ٢٨٩٦ ) قال: حدَّثَنا قُتَيبةُ ومُحمَّدُ بنُ بشَّارٍ قالا: حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ مهديٍّ، به.
فصار الإسنادُ لهما عُشَاريًّا.
وقولُ الذَّهبيِّ: "..مع أنَّه مُعلَّلٌ": يُريدُ الإسنادَ، لأنَّ فيه اختِلافًا كثيرًا واضطِرابًا.
أمَّا المتنُ فهو صحيحٌ؛ فقد رُوِيَ من غيرِ ما طريقٍ عن صحابةٍ آخَرِينَ، منها في الصَّحيحَينِ.
قال الإمامُ أحمدُ ( ٢٣٥٥٤ ): حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ مهدِيٍّ، عن زائدةَ بنِ قُدامةَ، عن منصورٍ، عن هلالِ بنِ يسافٍ، عنِ الرَّبيعِ بنِ خُثَيمٍ، عن عمرِو بنِ ميمونٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى، عن امرأةٍ من الأنصارِ، عن أبي أيُّوبَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: "أيعجزُ أحدُكم أن يقرأَ ثُلُثَ القُرآنِ في ليلةٍ؟ فإنَّه مَن قرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ) في ليلةٍ؛ فقد قرأَ لَيلَتَئِذٍ ثُلُثَ القُرآنِ".
رواه الذَّهبيُّ في مُعجمِ شُيوخِه ( ٢ / ٢٨٩ ) من طريقِ الإمامِ أحمدَ هذا، ثم قال: "هذا حديثٌ صالحُ الإسنادِ من الأفرادِ، ولا نعلمُ حديثًا بين أحمدَ بنِ حنبلٍ فيهِ وبين النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تِسعةُ أنفُسٍ سواه، وهو ممَّا اجتمع في سندِه سِتَّةٌ تابعيُّونَ يروي بعضُهم عن بعضٍ، وهذا لا نظيرَ له؛ فإنَّ منصورَ بنَ المُعتمرِ معدودٌ في صِغارِ التَّابعينَ، وقد أخرجه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ من طريقِ زائدةَ، وحسَّنهُ التِّرمذيُّ، مع أنَّه مُعلَّلٌ". اهـ
وقال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِه ( ٨ / ٥٢١ ): "وهذا حديثٌ تُساعيُّ الإسنادِ للإمامِ أحمدَ".
ورواه النَّسائيُّ ( ٩٩٦ ) قال: أخبرنا مُحمَّدُ بنُ بشَّارٍ قال: حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ، عن زائدةَ، به.
ورواه التِّرمذيُّ ( ٢٨٩٦ ) قال: حدَّثَنا قُتَيبةُ ومُحمَّدُ بنُ بشَّارٍ قالا: حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ مهديٍّ، به.
فصار الإسنادُ لهما عُشَاريًّا.
وقولُ الذَّهبيِّ: "..مع أنَّه مُعلَّلٌ": يُريدُ الإسنادَ، لأنَّ فيه اختِلافًا كثيرًا واضطِرابًا.
أمَّا المتنُ فهو صحيحٌ؛ فقد رُوِيَ من غيرِ ما طريقٍ عن صحابةٍ آخَرِينَ، منها في الصَّحيحَينِ.
قال أبو جعفرٍ التُّستَريُّ: حَضَرْنا أبا زُرعةَ بماشَهرَانَ، وهو في السَّوقِ، وعنده أبو حاتمٍ، وابنُ وارةَ، والمُنذِرُ بنُ شاذانَ، وجماعةٌ من العُلَماءِ، فذكَرُوا حديثَ التَّلقينِ: "لقِّنُوا موتاكم: لا إلهَ إلَّا اللهُ"، واستَحْيَوْا من أبي زُرعةَ أن يُلقِّنُوهُ، فقالوا: تعالَوا نذكُرِ الحديثَ.
فقال ابنُ وارةَ: حدَّثنا أبو عاصمٍ الضَّحَّاكُ بنُ مَخلَدٍ، حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ جعفرٍ، عن صالحٍ، وجعل يقولُ: ابنُ أبي.. ولم يُجاوِزْه.
وقال أبو حاتمٍ: حدَّثنا بُندارٌ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، عن عبدِ الحميدِ بنِ جعفرٍ، عن صالحٍ.. ولم يُجاوِزْ.
والباقونَ سكتوا.
فقال أبو زُرعةَ وهو في السَّوقِ: حدَّثنا بُندارٌ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ جعفرٍ، عن صالحِ بنِ أبي عَرِيبٍ، عن كثيرِ بنِ مُرَّةَ الحضرميِّ، عن مُعاذِ بنِ جبلٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن كان آخِرُ كلامِه: لا إلهَ إلَّا اللهُ، دخلَ الجنَّةَ".
وتُوُفِّيَ رحمه اللهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: "حَضَرْنا أبا زُرعةَ": هو الإمامُ الجليلُ المُحدِّثُ الكبيرُ الحافظُ أبو زُرعةَ عُبَيدُ اللهِ بنُ عبدِ الكريمِ الرَّازيُّ.
وقولُه: "بماشَهرَان": هي قريةٌ من قُرى الرَّيِّ.
والرَّيُّ مدينةٌ كبيرةٌ مشهورةٌ من أُمَّهاتِ البلادِ، كان تزخرُ بالعُلَماءِ، والنِّسبةُ إليها: رازِيٌّ.
وهي تقعُ اليومَ في إيرانَ عجَّلَ اللهُ بزوالِها وهلاكِها.
وقولُه: "وهو في السَّوقِ": السَّوق: أي في نزعِ الموتِ، كأنَّ الرُّوحَ تُساقُ لتخرجَ من البدنِ.
وقولُه: "وعنده أبو حاتمٍ": هو الإمامُ الكبيرُ الحافظُ أبو حاتمٍ مُحمَّدُ بنُ إدريسَ الرَّازيُّ.
"وابنُ وارةَ": هو الإمامُ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ مُسلِمِ بنِ عُثمانِ بنِ وارةَ الرَّازيُّ، من أقرانِ صاحبَيهِ أبي زُرعةَ وأبي حاتمٍ.
وكان أبو زُرعةَ يُبَجِّلُه ويُكرِمُه.
قال الطَّحاويُّ: "ثلاثةٌ من عُلَماءِ الزَّمانِ بالحديثِ، اتَّفقوا بالرَّي، لم يكن في الأرضِ مِثلُهم في وقتِهم: ابنُ وارةَ، وأبو حاتمٍ، وأبو زُرعةَ".
"والمُنذرُ بنُ شاذانَ": أبو عَمرِو الرَّازيُّ التَّمَّارُ، أحدُ الأعلامِ، ومن تلاميذِ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ.
روى هذه القصَّةَ: الخطيبُ البغداديُّ في تاريخِ بغدادَ ( ١٢ / ٤٤ - ٤٥ ) قال: حدَّثنا أبو عليٍّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ مُحمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ مُحمَّدِ بنِ فَضالةَ النَّيسابوريُّ الحافظُ بالرَّيِّ، قال: أخبرنا أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ شاذانَ الرَّازيُّ بنيسابورَ، قال: سمعتُ أبا جعفرٍ التُّستَريَّ، فذكرها.
ثم قال الخطيبُ: "كتبَ عنِّي هذا الخبرَ أبو بكرٍ البرقانيُّ، والقاضي أبو العلاءِ الواسطيُّ، وأبو القاسمِ التَّنُّوخيُّ، وأحمدُ بنُ مُحمَّدٍ العَتِيقيُّ، وغيرُهم من الشُّيوخِ".
قلتُ: هؤلاءِ من شُيوخِ الخطيبِ البغداديِّ، فهو يفخرُ بروايتِهم عنه!
ورواها ابنُ الجوزيِّ في المُنتَظمِ ( ١٢ / ١٩٥ ) وفي الثَّباتِ حتَّى المماتِ ( ص١٦١ - ١٦٢ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٣٨ / ٣٥ )، والمِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ١٩ / ١٠١ - ١٠٢ )، وابنُ المُلقِّنِ في البدرِ المُنيرِ ( ١٢ / ٤٨٣ - ٤٨٦ ) من طريقِ الخطيبِ البغداديِّ، بهذا الإسنادِ.
ورواها الذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٣ / ٨٥ ) من طريقٍ آخرَ، عن عُمرَ بنِ مُحمَّدِ بنِ إسحاقَ قال: سمعتُ ابنَ وارةَ يقولُ: حضرتُ أنا وأبو حاتمٍ عند وفاةِ أبي زُرعةَ، فقُلنا: كيف تُلقِّنُ مِثلَ أبي زُرعةَ؟ فقلتُ: حدَّثنا أبو عاصمٍ، حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ جعفرٍ.
وقال أبو حاتمٍ: حدَّثنا بُندَارٌ في آخَرِينَ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، حدَّثنا عبدُ الحميدِ.
ففتح عينَيهِ، وقال: حدَّثنا بُندَارٌ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، أخبرنا عبدُ الحميدِ، حدَّثنا صالحُ بنُ أبي عَرِيبٍ، عن كثيرِ بنِ مُرَّةَ، عن مُعاذٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن كان آخِرُ كلامِه: لا إلهَ إلاَّ الله"، وخرَجَتْ رُوحُه معه.
وعندَ ابنِ البنَّاءِ في فضلِ التَّهليلِ ( ٤٩ ) وابنِ العِمادِ في شَذَراتِ الذَّهبِ ( ٣ / ٢٧٩ ): "..فخرَجَتْ رُوحُه مع الهاءِ قبل أن يقولَ: دخلَ الجنَّةَ".
ورواها أيضًا ابنُ أبي حاتمِ في مُقدِّمةِ الجرحِ والتَّعديلِ ( ١ / ٣٤٥ - ٣٤٦ ) قال: سمعتُ أبي يقولُ: مات أبو زُرعةَ مطعونًا مبطونًا يعرقُ جبينُه في النَّزعِ، فقلتُ لمُحمَّدِ بنِ مُسلِمٍ: ما تحفظُ في تلقينِ الموتى لا إلهَ إلا اللهُ؟ فقال مُحمَّدُ بنُ مُسلمٍ: يُروى عن مُعاذِ بنِ جبلٍ.. فمَن قبلَ أن يستتمَّ رفعَ أبو زُرعةَ رأسَه وهو في النَّزعِ فقال: روى عبدُ الحميدِ بنُ جعفرٍ عن صالحِ بنِ أبي عَرِيبٍ، عن كثيرِ بنِ مُرَّةَ، عن مُعاذٍ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "من كان آخرُ كلامِه: لا إلهَ إلا اللهُ دخل الجنَّةَ".
فصار البيتُ ضجَّةً ببُكاءِ مَن حضرَ.
فقال ابنُ وارةَ: حدَّثنا أبو عاصمٍ الضَّحَّاكُ بنُ مَخلَدٍ، حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ جعفرٍ، عن صالحٍ، وجعل يقولُ: ابنُ أبي.. ولم يُجاوِزْه.
وقال أبو حاتمٍ: حدَّثنا بُندارٌ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، عن عبدِ الحميدِ بنِ جعفرٍ، عن صالحٍ.. ولم يُجاوِزْ.
والباقونَ سكتوا.
فقال أبو زُرعةَ وهو في السَّوقِ: حدَّثنا بُندارٌ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ جعفرٍ، عن صالحِ بنِ أبي عَرِيبٍ، عن كثيرِ بنِ مُرَّةَ الحضرميِّ، عن مُعاذِ بنِ جبلٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن كان آخِرُ كلامِه: لا إلهَ إلَّا اللهُ، دخلَ الجنَّةَ".
وتُوُفِّيَ رحمه اللهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: "حَضَرْنا أبا زُرعةَ": هو الإمامُ الجليلُ المُحدِّثُ الكبيرُ الحافظُ أبو زُرعةَ عُبَيدُ اللهِ بنُ عبدِ الكريمِ الرَّازيُّ.
وقولُه: "بماشَهرَان": هي قريةٌ من قُرى الرَّيِّ.
والرَّيُّ مدينةٌ كبيرةٌ مشهورةٌ من أُمَّهاتِ البلادِ، كان تزخرُ بالعُلَماءِ، والنِّسبةُ إليها: رازِيٌّ.
وهي تقعُ اليومَ في إيرانَ عجَّلَ اللهُ بزوالِها وهلاكِها.
وقولُه: "وهو في السَّوقِ": السَّوق: أي في نزعِ الموتِ، كأنَّ الرُّوحَ تُساقُ لتخرجَ من البدنِ.
وقولُه: "وعنده أبو حاتمٍ": هو الإمامُ الكبيرُ الحافظُ أبو حاتمٍ مُحمَّدُ بنُ إدريسَ الرَّازيُّ.
"وابنُ وارةَ": هو الإمامُ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ مُسلِمِ بنِ عُثمانِ بنِ وارةَ الرَّازيُّ، من أقرانِ صاحبَيهِ أبي زُرعةَ وأبي حاتمٍ.
وكان أبو زُرعةَ يُبَجِّلُه ويُكرِمُه.
قال الطَّحاويُّ: "ثلاثةٌ من عُلَماءِ الزَّمانِ بالحديثِ، اتَّفقوا بالرَّي، لم يكن في الأرضِ مِثلُهم في وقتِهم: ابنُ وارةَ، وأبو حاتمٍ، وأبو زُرعةَ".
"والمُنذرُ بنُ شاذانَ": أبو عَمرِو الرَّازيُّ التَّمَّارُ، أحدُ الأعلامِ، ومن تلاميذِ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ.
روى هذه القصَّةَ: الخطيبُ البغداديُّ في تاريخِ بغدادَ ( ١٢ / ٤٤ - ٤٥ ) قال: حدَّثنا أبو عليٍّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ مُحمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ مُحمَّدِ بنِ فَضالةَ النَّيسابوريُّ الحافظُ بالرَّيِّ، قال: أخبرنا أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ شاذانَ الرَّازيُّ بنيسابورَ، قال: سمعتُ أبا جعفرٍ التُّستَريَّ، فذكرها.
ثم قال الخطيبُ: "كتبَ عنِّي هذا الخبرَ أبو بكرٍ البرقانيُّ، والقاضي أبو العلاءِ الواسطيُّ، وأبو القاسمِ التَّنُّوخيُّ، وأحمدُ بنُ مُحمَّدٍ العَتِيقيُّ، وغيرُهم من الشُّيوخِ".
قلتُ: هؤلاءِ من شُيوخِ الخطيبِ البغداديِّ، فهو يفخرُ بروايتِهم عنه!
ورواها ابنُ الجوزيِّ في المُنتَظمِ ( ١٢ / ١٩٥ ) وفي الثَّباتِ حتَّى المماتِ ( ص١٦١ - ١٦٢ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٣٨ / ٣٥ )، والمِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ١٩ / ١٠١ - ١٠٢ )، وابنُ المُلقِّنِ في البدرِ المُنيرِ ( ١٢ / ٤٨٣ - ٤٨٦ ) من طريقِ الخطيبِ البغداديِّ، بهذا الإسنادِ.
ورواها الذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٣ / ٨٥ ) من طريقٍ آخرَ، عن عُمرَ بنِ مُحمَّدِ بنِ إسحاقَ قال: سمعتُ ابنَ وارةَ يقولُ: حضرتُ أنا وأبو حاتمٍ عند وفاةِ أبي زُرعةَ، فقُلنا: كيف تُلقِّنُ مِثلَ أبي زُرعةَ؟ فقلتُ: حدَّثنا أبو عاصمٍ، حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ جعفرٍ.
وقال أبو حاتمٍ: حدَّثنا بُندَارٌ في آخَرِينَ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، حدَّثنا عبدُ الحميدِ.
ففتح عينَيهِ، وقال: حدَّثنا بُندَارٌ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، أخبرنا عبدُ الحميدِ، حدَّثنا صالحُ بنُ أبي عَرِيبٍ، عن كثيرِ بنِ مُرَّةَ، عن مُعاذٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن كان آخِرُ كلامِه: لا إلهَ إلاَّ الله"، وخرَجَتْ رُوحُه معه.
وعندَ ابنِ البنَّاءِ في فضلِ التَّهليلِ ( ٤٩ ) وابنِ العِمادِ في شَذَراتِ الذَّهبِ ( ٣ / ٢٧٩ ): "..فخرَجَتْ رُوحُه مع الهاءِ قبل أن يقولَ: دخلَ الجنَّةَ".
ورواها أيضًا ابنُ أبي حاتمِ في مُقدِّمةِ الجرحِ والتَّعديلِ ( ١ / ٣٤٥ - ٣٤٦ ) قال: سمعتُ أبي يقولُ: مات أبو زُرعةَ مطعونًا مبطونًا يعرقُ جبينُه في النَّزعِ، فقلتُ لمُحمَّدِ بنِ مُسلِمٍ: ما تحفظُ في تلقينِ الموتى لا إلهَ إلا اللهُ؟ فقال مُحمَّدُ بنُ مُسلمٍ: يُروى عن مُعاذِ بنِ جبلٍ.. فمَن قبلَ أن يستتمَّ رفعَ أبو زُرعةَ رأسَه وهو في النَّزعِ فقال: روى عبدُ الحميدِ بنُ جعفرٍ عن صالحِ بنِ أبي عَرِيبٍ، عن كثيرِ بنِ مُرَّةَ، عن مُعاذٍ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "من كان آخرُ كلامِه: لا إلهَ إلا اللهُ دخل الجنَّةَ".
فصار البيتُ ضجَّةً ببُكاءِ مَن حضرَ.
قولُه: "فمَن قبلَ أن يستتمَّ": يعني قبل أن ينهيَ مُحمَّدُ بنُ مُسلِمِ بنِ وارةَ كلامَه عن حديثِ مُعاذِ بنِ جبلٍ؛ نهض أبو زُرعةَ رحمه اللهُ وروى الحديثَ بإسنادِه.
قال أبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ في حِليةِ الأولياءِ ( ٩ / ٢٢٠ - ٢٢١ ): حدَّثنا إبراهيمُ بنُ عبدِ اللهِ الأصبهانيُّ، ثنا مُحمَّدُ بنُ إسحاقَ السَّرَّاجُ قال: سمعتُ مُحمَّدَ بنَ مُسلمِ بنِ وارةَ يقولُ: رأيتُ أبا زُرعةَ في المنامِ، فقلتُ له: ما حالُكَ يا أبا زُرعةَ؟
قال: أحمدُ اللهَ على الأحوالِ كُلِّها، إنَّي أُحضِرتُ فوقفتُ بين يدَي اللهِ تعالى، فقال لي: يا عُبَيدَ اللهِ، لِمَ تذرَّعتَ في القولِ في عِبادي؟
فقلتُ: يا ربِّ، إنَّهم حادَلوا دِينَكَ، فقال: صدقتَ.
ثم أُتِيَ بطاهرٍ الخُلْقانيِّ، فاستَعدَيتُ عليه إلى ربِّي تعالى، فضُرِبَ الحدَّ مِائةً، ثم أُمِرَ به إلى الحبسِ.
ثم قال: ألحِقُوا عُبيدَ اللهِ بأصحابِه، بأبي عبدِ اللهِ، وأبي عبدِ اللهِ، وأبي عبدِ اللهِ: سُفيانَ الثَّوريِّ، ومالكِ بنِ أنسٍ، وأحمدَ بنِ حنبلٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رِجالُه أئمَّةٌ.
إبراهيمُ بنُ عبدِ اللهِ الأصبهانيُّ، هو المعروفُ بالقصَّارِ، لُقِّبَ به لأنه كان يغسلُ الموتى لورَعِه وزُهدِه، واجتهادِه في العبادةِ، ومُتابَعَتِه السُّنَّةَ.
والسَّرَّاجُ وابنُ وارةَ إمامانِ كبيرانِ جليلانِ ثِقَتانِ.
ورواه الخطيبُ البغداديُّ في تاريخِ بغدادَ ( ١٢ / ٤٦ - ٤٧ ) قال: أخبرنا أبو نُعَيمٍ الحافظُ، حدَّثنا إبراهيمُ، به.
ورواه ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٣٨ / ٣٤ )، والمِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ١٩ / ١٠٢ - ١٠٣ )، والذَّهبيُّ في السِّيَرِ ( ١٣ / ٨٤ - ٨٥ ) من طريقِ الخطيبِ البغداديِّ، بهذا الإسنادِ.
وقال الذَّهبيُّ: "إسنادُها كالشَّمسِ".
ورواه ابنُ أبي حاتمِ في مُقدِّمةِ الجرحِ والتَّعديلِ ( ١ / ٣٤٦ ) قال: سمعتُ مُحمَّدَ بنَ مُسلِمٍ يقولُ: رأيتُ أبا زُرعةَ رحمه اللهُ في المنامِ، فقلتُ: ما فعل بكَ ربُّكَ؟ فقال: قرَّبَني وأدناني، وقرَّبني وأدناني، حتَّى هكذا وأومأُ بيدِه، ثم قال لي: يا عُبَيدَ اللهِ تذرَّعتَ بالكلامِ؟ قلتُ: لأنَّهم حاولوا دِينَكَ ،قال: ألحِقُوهَ بأبي عبدِ اللهِ، وأبي عبدِ اللهِ، وأبي عبدِ اللهِ.
قال مُحمَّدُ بنُ مُسلِمٍ: فوقع في نفسي في النَّومِ أنَّ أبا عبدِ اللهِ سُفيانُ الثَّوريُّ، وأنَّ أبا عبدِ اللهِ مالكُ بنُ أنسٍ، وأنَّ أبا عبدِ اللهِ أحمدُ بنُ حنبلٍ. اهـ
قولُه: "تذرَّعتَ في القولِ..": أي أكثرتَ الكلامَ وبالغتَ فيه.
يعني كلامَه في الجرحِ والتَّعديلِ.
وقولُه: "إنَّهم حادَلوا دينَك": أي جارُوا على دينِكَ وخادَعوهُ، ووضعوا الأحاديثَ المكذوبةَ.
وعند ابنِ عساكرَ: "خاذلوا دينَك"، وعند المزِّيِّ: "حاربوا دينك"، وعند الذَّهبيِّ: "حاولوا دينك".
قال: أحمدُ اللهَ على الأحوالِ كُلِّها، إنَّي أُحضِرتُ فوقفتُ بين يدَي اللهِ تعالى، فقال لي: يا عُبَيدَ اللهِ، لِمَ تذرَّعتَ في القولِ في عِبادي؟
فقلتُ: يا ربِّ، إنَّهم حادَلوا دِينَكَ، فقال: صدقتَ.
ثم أُتِيَ بطاهرٍ الخُلْقانيِّ، فاستَعدَيتُ عليه إلى ربِّي تعالى، فضُرِبَ الحدَّ مِائةً، ثم أُمِرَ به إلى الحبسِ.
ثم قال: ألحِقُوا عُبيدَ اللهِ بأصحابِه، بأبي عبدِ اللهِ، وأبي عبدِ اللهِ، وأبي عبدِ اللهِ: سُفيانَ الثَّوريِّ، ومالكِ بنِ أنسٍ، وأحمدَ بنِ حنبلٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رِجالُه أئمَّةٌ.
إبراهيمُ بنُ عبدِ اللهِ الأصبهانيُّ، هو المعروفُ بالقصَّارِ، لُقِّبَ به لأنه كان يغسلُ الموتى لورَعِه وزُهدِه، واجتهادِه في العبادةِ، ومُتابَعَتِه السُّنَّةَ.
والسَّرَّاجُ وابنُ وارةَ إمامانِ كبيرانِ جليلانِ ثِقَتانِ.
ورواه الخطيبُ البغداديُّ في تاريخِ بغدادَ ( ١٢ / ٤٦ - ٤٧ ) قال: أخبرنا أبو نُعَيمٍ الحافظُ، حدَّثنا إبراهيمُ، به.
ورواه ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٣٨ / ٣٤ )، والمِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ١٩ / ١٠٢ - ١٠٣ )، والذَّهبيُّ في السِّيَرِ ( ١٣ / ٨٤ - ٨٥ ) من طريقِ الخطيبِ البغداديِّ، بهذا الإسنادِ.
وقال الذَّهبيُّ: "إسنادُها كالشَّمسِ".
ورواه ابنُ أبي حاتمِ في مُقدِّمةِ الجرحِ والتَّعديلِ ( ١ / ٣٤٦ ) قال: سمعتُ مُحمَّدَ بنَ مُسلِمٍ يقولُ: رأيتُ أبا زُرعةَ رحمه اللهُ في المنامِ، فقلتُ: ما فعل بكَ ربُّكَ؟ فقال: قرَّبَني وأدناني، وقرَّبني وأدناني، حتَّى هكذا وأومأُ بيدِه، ثم قال لي: يا عُبَيدَ اللهِ تذرَّعتَ بالكلامِ؟ قلتُ: لأنَّهم حاولوا دِينَكَ ،قال: ألحِقُوهَ بأبي عبدِ اللهِ، وأبي عبدِ اللهِ، وأبي عبدِ اللهِ.
قال مُحمَّدُ بنُ مُسلِمٍ: فوقع في نفسي في النَّومِ أنَّ أبا عبدِ اللهِ سُفيانُ الثَّوريُّ، وأنَّ أبا عبدِ اللهِ مالكُ بنُ أنسٍ، وأنَّ أبا عبدِ اللهِ أحمدُ بنُ حنبلٍ. اهـ
قولُه: "تذرَّعتَ في القولِ..": أي أكثرتَ الكلامَ وبالغتَ فيه.
يعني كلامَه في الجرحِ والتَّعديلِ.
وقولُه: "إنَّهم حادَلوا دينَك": أي جارُوا على دينِكَ وخادَعوهُ، ووضعوا الأحاديثَ المكذوبةَ.
وعند ابنِ عساكرَ: "خاذلوا دينَك"، وعند المزِّيِّ: "حاربوا دينك"، وعند الذَّهبيِّ: "حاولوا دينك".