غِرَاسُ السَّلَفِ 📚
2.59K subscribers
1.87K photos
49 videos
26 files
150 links
قال شيخُ الإسلامِ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ سُفيانُ بنُ سعيدٍ الثَّوريُّ: "إنِ استطعتَ ألَّا تحكَّ رأسَك إلَّا بأثَرٍ فافْعَلْ!".

بوت القناة: @G_Salafi_bot
Download Telegram
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

الأشهر: بكسر الشّين وسكون الرّاء، من الإشراك بالله.
ويروى بفتح الشّين والرّاء، أي: حبائله ومصائده التي يصيد بها النّاس.
وحبائل الشّيطان كثيرة؛ فمنها: حبائل الشّرك، وحبائل البدع، وحبائل كبار الذّنوب، وحبائل صغار الذّنوب، وغيرها.
فحينئذ تكون رواية "وشَرَكه" -بالفتح- أعمّ؛ لأنّ الشَّرَكَ منه الشِّرْكُ.
أنا عند ظنِّ عبدي، فليظُنَّ بي ما شاء!

قال الحافظُ أبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في المُحتضرينَ ( ١٦ ): حدَّثنا أبو خيثمةَ قال: حدَّثنا شَبابةُ بنُ سوَّارٍ، عن هِشامِ بنِ الغازِ قال: حدَّثني حيَّانُ أبو النَّضرِ قال: قال لي واثِلةُ بنُ الأسقعِ: قُدْني إلى يزيدَ بنِ الأسودِ، فإنَّه قد بَلَغَني أنَّه لِما به.
قال: فقُدتُه، فدخل عليه وهو ثقيلٌ وقد وُجِّهَ، وقد ذهب عقلُه.
قال: فنادوه، فقلتُ: إنَّ هذا واثلةُ أخوكَ.
قال: فأبقى اللهُ من عقلِه ما سمع أنَّ واثلةَ قد جاء، قال: فمدَّ يدَه، فجعل يلمسُ بها، فعرفتُ ما يريدُ، فأخذتُ كفَّ واثلةَ فجعلتُها في كفِّه، وإنَّما أراد أن يضعَ يدَه في يدِ واثلةَ ذاك لموضعِ يدِ واثلةَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجعل يضعُ مرَّةً على صدرِه، ومرَّةً على وجهِه، ومرَّةً على فيه.
فقال واثلةُ: أما تُخبِرُني عن شيءٍ أسألُكَ عنه؟ كيف ظنُّكَ باللهِ؟
قال: أغرَقَتْني ذُنوبٌ، وأشفيتُ على هَلَكةٍ، ولكن أرجو رحمةَ اللهِ.
فكبَّرَ واثلةُ، وكبَّرَ أهلُ البيتِ تكبيرةً، وقال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "يقولُ اللهُ: أنا عندَ ظنِّ عبدي، فلْيَظُنَّ بي ما شاءَ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه كلُّهم ثِقاتٌ.

وواثلةُ بنُ الأسقعِ صحابيٌّ جليلٌ، أسلمَ قبل غزوةِ تبوكَ، وكان من أصحابِ الصُّفَّةِ، شهدَ فُتوحَ الشَّامِ، وسكن الشَّامَ، ومات بها.

وقولُه: "قُدني إلى يزيدَ بنِ الأسودِ": أي خُذني إليه.
ويزيدُ من كبارِ التَّابعينَ وساداتِهم في الشَّامِ، أسلم في حياةِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقولُه: "فإنَّه قد بَلَغَني أنَّه لِما به": أي: من حُضورِه الموتَ.
وقولُه: "وقد وُجِّهَ": أي نحوَ القِبلةِ.
وقولُه: "وأشفيتُ على هَلَكةٍ": أي قاربتُ.

ورواه ابنُ أبي الدُّنيا في حُسنِ الظَّنِّ باللهِ ( ٢ ) بنفسِ الإسنادِ والمتنِ.

ورواه مُطَوَّلًا ومُختَصَرًا: الإمامُ أحمدُ ( ١٦٠١٦ و١٦٠١٧ و١٦٩٧٩ )، وابنُ المُبارَكِ في الزُّهدِ ( ٨٥٥ )، والدُّولابيُّ في الكُنى والأسماءِ ( ١٩٠٦ )، وابنُ حِبَّانَ ( ٦٣٣ و٦٣٤ و٦٣٥ و٦٤١ )، والطَّبرانيُّ في المُعجَمِ الكبيرِ ( ٢٢ / ٨٧ - ٨٨ برقم ٢٠٩ و٢١٠ و٢١١ ) وفي المُعجَمِ الأوسطِ ( ٤٠١ ) وفي مُسنَدِ الشَّامِيِّينَ ( ١٢٣٥ و١٤١٤ و١٥٤٦ )، وتمَّامٌ في فوائدِه ( ٤٨٧ )، والحاكمُ ( ٧٦٠٣ )، والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٩٧٥ ) وفي الأربعينَ الصُّغرى ( ١٢٤ )، وابنُ شاهينَ في التَّرغيبِ ( ٣٦٨ )، وأبو نُعَيمٍ في معرفةِ الصَّحابةِ ( ٦٤٨٦ )، والخطيبُ البغداديُّ في المُتَّفقِ والمُفتَرقِ ( ٥٤٤ و٥٤٥ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دِمشقَ ( ٦٥ / ١١٤ - ١١٦ ) من طُرُقٍ، عن حيَّانَ أبي النَّضرِ، به.

ورواه الطَّبرانيُّ في الكبيرِ ( ٢٢ / ٨٩ - ٩٠ برقم ٢١٥ ) وفي الأوسطِ ( ٧٩٥١ ) وفي مُسنَدِ الشَّامِيِّينَ ( ٢١٩٣ )، وابنُ عساكرَ ( ٦٥ / ١١٤ ) من طريقِ يُونسَ بنِ ميسرةَ بنِ حلبسَ، عن واثلةَ، بنحوِه.

ورواه البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٩٧٤ )، وابنُ عساكرَ ( ٦٥ / ١١٤ ) من طريقِ عُتبةَ بنِ أبي حكيمٍ، عن واثلةَ، بنحوِه.

ورواه ابنُ عديٍّ في الكاملِ ( ٩ / ٤٩٩ )، وابنُ عساكرَ ( ٦٥ / ١١٦ - ١١٧ ) من طريقِ معروفٍ الخيَّاطِ، عن واثلةَ، بنحوِه.

وصحَّحهُ ابنُ حِبَّانَ والحاكمُ والذَّهبيُّ والألبانيُّ.

وللحديثِ المرفوعِ شواهدُ:

١ - عن أبي هُرَيرةَ قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يقولُ اللهُ تعالى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسِه.. الحديثَ.
رواه البُخاريُّ ( ٧٤٠٥ و٧٥٠٥ )، ومُسلِمٌ ( ٢٦٧٥ ).

٢ - عن أنسِ بنِ مالكٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "يقولُ اللهُ: أنا عند ظنِّ عبدي بي،
وأنا معه إذا دعاني
".
رواه أحمدُ ( ١٣١٩٢ و١٣٩٣٩ ) بإسنادٍ صحيحٍ.
🔴 إنا لله وإنا إليه راجعون
إنا لله وإنا إليه راجعون
لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم
حسبنا الله ونعم الوكيل
حسبنا الله وكفى بالله حسيباً
🤲 اللهم عليك باليهود المعتدين ومن أعانهم وأيدهم.
اللهم صب عليهم العذاب صباً، ومزقهم كل ممزق.
🤲 اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وأيدهم وقوهم واحفظهم وسدد رميهم ورأيهم وارزقهم مدداً لا يتوقف، وعجل بنصرهم وتمكينهم.
قال الحافظُ ابنُ حبَّانَ في المجروحينَ ( ١ / ٣٤ ): أخبرنا عبدُ الملكِ بنُ مُحمَّدٍ قال: حدَّثنا أبو زُرعةَ الرَّازيُّ قال: حدَّثنا مُقاتِلُ بنُ مُحمَّدٍ قال: سمعتْ وكيعًا يقولُ: "إنِّي لأرجو أن يرفعَ اللهُ عزَّ وجلَّ لشُعبةَ درجاتٍ في الجنَّةِ بذبِّهِ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهْ عليه وسلَّمَ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه أئِمَّةٌ.

ورواه الهَرَويُّ في ذمِّ الكلامِ ( ٩٨٢ ) من طريقِ ابنِ حبَّانَ، بهذا الإسنادِ.
ورواه الخطيبُ في تاريخِ بغدادَ ( ١٠ / ٣٦٣ ) من طريقٍ آخرَ، عن أبي زُرعةَ، به.
وذكَرَهُ المِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ١٢ / ٤٩٣ )، والذَّهبيُّ في السِّير ( ٧ / ٢١٩ )، وابنُ كثيرٍ في تاريخِه ( ١٣ / ٤٨٦ ).
قال الفَسَويُّ في المعرفةِ والتَّاريخِ ( ٣ / ١٢ ): حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمَّارٍ قال: سمعتُ يحيى بنَ سعيدٍ القطَّانَ يقولُ: "كان سُفيانُ الثَّوريُّ أعلمَ بحديثِ الأعمشِ من الأعمشِ".
قال إمامُ دارِ الهِجرةِ أبو عبدِ اللهِ مالكُ بنُ أنسٍ الأصبحيُّ المَدَنيُّ: "لا يُؤخَذُ العِلمُ عن أربعةٍ: سَفيهٍ يُعلِنُ السَّفَهَ، وَإن كان أروى النَّاسِ، وصاحبِ بِدعةٍ يدعو إلى هواهُ، ومَن يكذبُ في حديثِ النَّاسِ، وإن كنتُ لا أَتَّهِمُه في الحديثِ، وصالحٍ عابدٍ فاضلٍ، إذا كان لا يحفظُ ما يُحدِّثُ به".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواه الفَسَويُّ في المعرفةِ والتَّاريخِ ( ١ / ٦٨٤ )، وابنُ أبي حاتمٍ في الجرحِ والتَّعديلِ ( ٢ / ٣٢ )، وابنُ حِبَّانَ في المجروحينَ ( ١ / ٧٧ )، والقاضي الرَّامَهُرمُزيُّ في المُحدِّثِ الفاصلِ ( ص٤٠٣ )، والدِّينوَريُّ في المُجالَسةِ وجواهرِ العلمِ ( ١٨٩١ و٣٠٥٣ )، وابنُ عديٍّ في الكاملِ ( ١ / ٢٤٨ )، والعُقَيليُّ في الضُّعَفاءِ ( ٣٣ )، وابنُ المُقرِئِ في المُعجَمِ ( ١٠٤٨ )، وابنُ عبدِ البرِّ في التَّمهيدِ ( ١ / ٦٨٢ - ٦٨٣ )، والقاضي عِياضٌ في الإلماعِ ( ص٦٠ )، والخطيبُ البغداديُّ في الكِفايةِ ( ٤٧٥ ) وفي الجامعِ لأخلاقِ الرَّاوي ( ١٧١ )، وابنُ نقطةَ في التَّقييدِ ( ٤٣٦ )، والعلائيُّ في بُغيةِ المُلتَمِسِ ( ص٧٧ ).
وإسنادُه صحيحٌ.

وذكَرَهُ ابنُ عبدِ البرِّ في جامعِ بيانِ العِلمِ ( ١٥٤٢ )، والبغويُّ في شرحِ السُّنَّةِ ( ١ / ٣١٨ )، والقاضي عِياضٌ في إكمالِ المُعلِمِ ( ١ / ١٢٦ )، والذَّهبيُّ في السِّير ( ٨ / ٦٧ - ٦٨ )، وابنُ مُفلِحٍ في الآدابِ الشَّرعيَّةِ ( ٢ / ١٤٣ )، والسَّخاويُّ في الجواهرِ والدُّرَرِ ( ١ / ٧٧ ).

وفي بعضِ المصادِرِ اختِلافٌ في ألفاظِ المتنِ، ولفظُ مَتنِنا من السِّيَرِ للإمامِ الذَّهبيِّ . .
سَلِ الواحةَ الخضراءَ والماءَ جارِيا
وهذي الصَّحارى والجِبالَ الرَّواسِيا

سَلِ الرَّوضَ مُزدانًا سلِ الزَّهرَ والنَّدى
سَلِ اللَّيلَ والإصباحَ والطَّيرَ شادِيا

وسَلْ هذه الأنسامَ والأرضَ والسَّما
وسَلْ كلَّ شيءٍ تَسمَعِ الحمدَ سارِيا

فلو جنَّ هذا اللَّيلُ وامتدَّ سرمدًا
فمَن غيرُ ربِّي يُرجِعُ الصُّبحَ ثانِيا

فلو غاض هذا الماءُ في القاعِ هل لكم
سوى اللهِ يُجرِيهِ كما شاء راوِيا

ولو أنَّ هذي الرِّيحَ ثارَتْ وأعفَرَتْ
أفي كَونِكم مَن يُوقفُ الرِّيحَ ناهِيا

ألا أيُّها البحَّاثُ ما بالُ بحْثِكم
توقَّفَ مَشدُوها لدى الكونِ واهِيا

إلهي ضلَّ النَّاسُ في جُنحِ غيِّهم
وليس لهم إلَّاكَ يا ربُّ هادِيا
الشَّمسُ والبدرُ من أنوارِ حِكمتِهِ
والبرُّ والبحرُ فيضٌ من عطاياهُ

فالطَّيرُ سبَّحَهُ والزَّرعُ قدَّسَهُ
والموجُ كبَّرَهُ والحُوتُ ناجاهُ

والنَّملُ تحتَ الصُّخورِ الصُّمِّ مجَّدَهُ
والنَّحلُ يهتفُ حمدًا في خلاياهُ

ربُّ السَّماءِ وربُّ الأرضِ قد خَضَعَتْ
إنسٌ وجِنٌّ وأملاكٌ لعلياهُ

النَّاسُ يَعصُونَهُ جهرًا فيستُرُهُم
والعبدُ ينسى وربِّي ليس ينساهُ
قال الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ: "إنَّ حقًّا على مَن طلبَ العِلمَ أن يكونَ له وقارٌ وسكينةٌ وخشيةٌ، وأن يكونَ مُتَّبِعًا لأثَرِ مَن مضى قبله".

رواه أبو نُعَيمٍ في حِليةِ الأولياءِ ( ٦ / ٣٢٤ )، والبيهقيُّ في المَدخَلِ إلى السُّنَنِ ( ٥١٠ )، والخطيبُ في الجامعِ لأخلاقِ الرَّاوي ( ٢١٢ ).

ورواه أبو نُعَيمٍ ( ٦ / ٣٢٠ )، وذكَرَهُ الذَّهَبيُّ في السِّير ( ٨ / ١٠٧ - ١٠٨ ) بلفظِ: "حقٌّ على مَن طلبَ العِلمَ أن يكونَ له وقارٌ وسكينةٌ وخشيةٌ، والعِلمُ حسنٌ لمن رُزِقَ خيرَه، وهو قَسْمٌ من اللهِ تعالى، فلا تُمكِّنِ النَّاسَ من نفسِكَ، فإنَّ من سعادةِ المرءِ أن يُوفَّقَ للخيرِ، وإنَّ من شِقوةِ المرءِ أن لا يزالَ يُخطِئُ، وذلٌّ وإهانةٌ للعلمِ أن يتكلَّمَ الرجلُ بالعِلمِ عند مَن لا يُطِيعُه".
لن تنالَ المكارِمَ إلَّا بالعِلمِ!

قال الحافظُ أبو بكرٍ الدِّينَوَريُّ المالِكيُّ في المُجالَسةِ وجواهرِ العلمِ ( ٢ / ١٨٦ برقم ٣٠٧ ): حدَّثنا أبو إسماعيلَ التِّرمذيُّ قال: سمعتُ نُعَيمَ بنَ حمَّادٍ يقولُ: سمعتُ ابنَ المُبارَكِ يقولُ: "عجبتُ لمن لم يَطلُبِ العِلمَ كيف تدعوهُ نفسُه إلى مَكرُمةٍ؟!".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
وأبو إسماعيلَ هو مُحمَّدُ بنُ إسماعيلَ التِّرمذيُّ، ثقةٌ إمامٌ؛ قال الذَّهبيُّ: "انبرمَ الحالُ على توثيقِه وإمامتِه".

وذكَرَهُ الذَّهبيُّ في السِّير ( ٨ / ٣٩٨ ) وفي تاريخِه ( ٤ / ٨٨٤ ).
قيل للإمامِ عبدِ اللهِ بنِ المُبارَكِ: إلى متى تكتبُ العِلمَ -وفي روايةٍ: الحديثَ-؟
قال: "لعلَّ الكلمةَ التي أنتفعُ بها لم أكتُبْها بعدُ".

رواه ابنُ أبي حاتمٍ في الجرحِ والتَّعديلِ ( ١ / ٢٨٠ )، والخطيبُ في شرفِ أصحابِ الحديثِ ( ١٣٤ )، وابنُ سمعونَ في أماليه ( ١٢٦ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٣٢ / ٤٠٨ - ٤٠٩ ).
وذكَرَهُ الذَّهبيُّ في السِّير ( ٨ / ٤٠٧ ).
فائدةٌ:

قال الذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ٨ / ٤٠٩ ): "وقد تفقَّهَ ابنُ المُبارَكِ بأبي حنيفةَ، وهو معدودٌ في تلامذتِه".
فائدةٌ:

وقال الذَّهبيُّ في السِّير ( ٨ / ٤٥٧ ): "ولقد كان خَلقٌ من طلبةِ الحديثِ يتكلَّفونَ الحجَّ، وما المُحرِّكُ لهم سِوى لُقِيِّ سُفيانَ بنِ عُيَينةَ؛ لإمامتِه وعُلُوِّ إسنادِه".
قال الحافظُ أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ ( ٣٨٠٥٠ ): حدَّثنا عبَّادُ بنُ العوَّامِ، عن هشامٍ، عن الحسنِ: ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ) قال: "في الدُّنيا: العِلمَ والعِبادةَ، وفي الآخرةِ: الجنَّةَ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
وهشامٌ هو ابنُ حسَّانَ الأزديُّ.
والحسنُ هو البصريُّ.

ورواه التِّرمِذيُّ ( ٣٤٨٨ )، وابنُ أبي حاتمٍ في التَّفسيرِ ( ١٨٧٩ و١٨٨٠ و١٨٨٤ )، والطَّبَريُّ في التَّفسيرِ ( ٣ / ٥٤٥ - ٥٤٦ )، وابنُ عبدِ البرِّ في جامعِ بيانِ العِلمِ ( ٢٥٢ و٢٥٣ )، والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ١٧٤٣ )، والآجُرِّيُّ في أخلاقِ العُلَماءِ ( ص٤٣ ) من طُرُقٍ، عن الحَسَنِ البصريِّ.

قال الإمامُ ابنُ قيِّمِ الجوزيَّةِ: "وهذا من أحسَنِ التَّفسيرِ؛ فإنَّ أجلَّ حسَناتِ الدُّنيا العِلمُ النَّافعُ والعملُ الصَّالِحُ". اهـ
مِفتاحُ دارِ السَّعادةِ ( ١ / ٣٩٧ ).

وفي تفسيرِ هذه الآيةِ عِدَّةُ أقوالٍ:
- قيلَ: الحَسَنةُ في الدُّنيا: امرأةٌ صالحةٌ حسناءُ، وفي الآخرةِ: الحُورُ العِينُ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: الرِّزقُ الحلالُ والعملُ الصَّالحُ، وفي الآخرةِ: المغفرةُ والثَّوابُ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: العِلمُ والعمَلُ به، وفي الآخرةِ: تيسيرُ الحِسابِ ودُخولُ الجنَّةِ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: التَّوفيقُ والعِصمةُ، وفي الآخرةِ: النَّجاةُ والرَّحمةُ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: أولادٌ أبرارٌ، وفي الآخرةِ: مُرافَقةُ الأنبياءِ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: المالُ والنِّعمةُ، وفي الآخرةِ: تمامُ النِّعمةِ، وهو الفوزُ من النَّارِ ودُخولُ الجنَّةِ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: الدِّينُ واليقينُ، وفي الآخرةِ: اللِّقاءُ والرِّضا.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: الثَّباتُ على الإيمانِ، وفي الآخرةِ: السَّلامةُ والرِّضوانُ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: الإخلاصُ، وفي الآخرةِ: الخلاصُ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: حلاوةُ الطَّاعةِ، وفي الآخرةِ: لذَّةُ الرُّؤيةِ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: عافيةٌ، وفي الآخرةِ: عافيةٌ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: السُّنَّةُ، وفي الآخرةِ: الجنَّةُ.
- وقِيلَ: في الدُّنيا: الرِّزقُ الطَّيِّبُ والعِلمُ، وفي الآخرةِ: الجنَّةُ.

ولا شكَّ أنَ الحَسَنةَ في الدُّنيا تشملُ كلَّ أنواعِ الخيرِ فيها، من العِلمِ والعِبادةِ والعافيةِ وسعةِ الرِّزقِ والدَّارِ وهناءِ العيشِ مع الزَّوجةِ والولدِ، كما تشملُ حَسَنةُ الآخرةِ الخُلودَ في ألوانِ نعيمِ الجنَّةِ وملَذَّاتِها.

قال الإمامُ الطَّبَريُّ بعد أن ذكرَ بعضَ أقوالِ المُفَسِّرينَ في الآيةِ ( ٣ / ٥٤٧ ): "والصَّوابُ من القولِ في ذلك عندي أن يُقالَ: إنَّ اللهَ جلَّ ثناؤُه أخبرَ عن قومٍ من أهلِ الإيمانِ به وبرسولِه ممَّن حجَّ بيتَه، يسألونَ ربَّهم الحسَنةَ في الدُّنيا، والحسَنةَ في الآخرةِ، وأن يَقِيَهُم عذابَ النَّارِ.
وقد تجمعُ الحسَنةُ من اللهِ عزَّ وجلَّ العافيةَ في الجِسمِ، والمعاشِ، والرِّزقِ، وغيرِ ذلك، والعِلمَ، والعِبادةَ.
وأمَّا في الآخرةِ فلا شكَّ أنَّها الجنَّةُ؛ لأنَّ مَن لم يَنَلْها يومئذٍ فقد حُرِمَ جميعَ الحسَناتِ، وفارقَ جميعَ معاني العافيةِ.
وإنَّما قُلنا: إنَّ ذلك أولى التَّأويلاتِ بالآيةِ؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يَخْصُصْ بقولِه مُخبِرًا عن قائلِ ذلك من معاني الحسنةِ شيئًا، ولا نَصَبَ على خُصوصِه دلالةً دالَّةً على أنَّ المُرادَ من ذلك بعضٌ دون بعضٍ.
فالواجبُ من القولِ فيه ما قُلنا، من أنَّه لا يجوزُ أن يُخَصَّ من معاني ذلك شيءٌ، وأن يُحكَمَ له بعُمومِه على ما عَمَّهُ اللهُ". اهـ
قال الإمامُ أحمدُ في الزُّهدِ ( ٩٩٥ ): حدَّثني كثيرٌ، حدَّثنا جعفرٌ، حدَّثنا يزيدُ بنُ الأصمِّ قال: سمعتُ أبا هُرَيرةَ يقولُ: "يُبصِرُ أحدُكم القذاةَ في عينِ أخيه، وينسى الجَذعَ أوِ الجِذلَ في عينِه".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مُسلِمٍ.
وكثيرٌ هو ابنُ هِشامٍ، وجعفرٌ هو ابنُ بُرقانَ.

ورواه أبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في الصَّمتِ ( ١٩٤ ) وفي ذمِّ الغِيبةِ ( ٥٧ ) من طريقِ كثيرِ بنِ هِشامٍ، به.

ورواه البُخاريُّ في الأدَبِ المُفرَدِ ( ٥٩٢ ) من طريقِ مِسكينِ بنِ بُكَيرٍ الحرَّانيِّ، عن جعفرِ بنِ بُرقانَ، عن يزيدَ، عن أبي هُرَيرةَ موقوفًا.

وخالفَ مُحمَّدُ بنُ حِميَرَ كثيرَ بنَ هِشامٍ، ومِسكينَ بنَ بُكَيرٍ؛ فرواه مرفوعًا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:

رواه ابنُ صاعدٍ في زوائدِ الزُّهدِ لابنِ المُبارَكِ ( ٢١٢ )، وابنُ حِبَّانَ ( ٥٧٦١ )، وأبو الشَّيخِ في أمثالِ الحديثِ ( ٢١٧ )، والقُضاعيُّ في مُسنَدِ الشَّهابِ ( ٦١٠ )، وأبو نُعَيمٍ في الحِليةِ ( ٤ / ٩٩ )، والبيهقيُّ في الشُّعَبِ ( ٦٣٣٧ ) من طريقِ مُحمَّدِ بنِ حِميَرَ، عن جعفرِ بنِ بُرقانَ، عن يزيدَ بنِ الأصمِّ، عن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

قال أبو نُعَيمٍ: "غريبٌ من حديثِ يزيدَ؛ تفرَّدَ به مُحمَّدُ بنُ حِميَرَ، عن جعفرٍ". اهـ

أي: تفرَّدَ برفعِه.
ومُحمَّدُ بنُ حِميَرَ وإن كان صدوقًا؛ إلَّا أنَّ روايةَ مَن أوقفَ الأثرَ على أبي هُرَيرةَ أصحُّ، ورُواتُه أقوى.
وهو -أي مُحمَّدُ بنُ حِميَرَ- مُختَلفٌ فيه.

والحديثُ قد صحَّحهُ الشَّيخُ الألبانيُّ مرفوعًا وموقوفًا.

وهذا الأثَرُ يُضرَبُ مثَلًا لمن يرى الصَّغيرَ من عُيوبِ النَّاسِ، وفيه من العُيوبِ ما نِسبتُه إليه كنِسبةِ الجِذعِ إلى القذاةِ!

وقال البُخاريُّ: قال أبو عُبَيدٍ: "الجِذلُ: الخشبةُ العاليةُ الكبيرةُ".

ورُوِيَ عن عَمرِو بنِ العاصِ رضي اللهُ عنه من قولِه:

قال البُخاريُّ في الأدَبِ المُفرَدِ ( ٨٨٦ ): حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ قال: حدَّثني مُوسى بنُ عُلَيٍّ، عن أبيه، عن عمرِو بنِ العاصِ قال: "عجبتُ من الرجلِ يفرُّ من القَدَرِ وهو مُواقِعُه، ويرى القذاةَ في عينِ أخيه ويَدَعُ الجِذعَ في عينِه، ويُخرِجُ الضّغنَ من نفسِ أخيه ويَدَعُ الضّغنَ في نفسِه، وما وضعتُ سِرِّي عند أحدٍ فلُمتُه على إفشائِه، وكيف ألومُه وقد ضِقتُ به ذَرعًا؟".

وهذا إسنادٌ حسنٌ؛ عبدُ اللهِ صدوقٌ، لكنَّه مُتابَعٌ.

ومُوسى بنُ عُلَيٍّ: ثِقةٌ ثبتٌ مِصريٌّ، وكان أميرَ مِصرَ لأبي جعفرٍ المنصورِ.

ووالدُه: هو عُلَيُّ -بضمِّ العينِ وفتحِ اللَّامِ- بنُ رَباحٍ اللَّخْميُّ المِصريُّ.
اسمُه: عَلِيٌّ، ولقَبُه: عُلَيٌّ -بالتَّصغيرِ-، وكان لا يرضى هذا اللَّقبَ.
وقِيلَ: إنَّ أباهُ رباحًا مَن غيَّرَ اسمَه لمَّا بلَغَهُ أنَّ بني أُمَيَّةَ كان يقتلونَ كلَّ مَن كان اسمُه عَلِيًّا!!
لكن في هذا نظرٌ..

وعُلَيٌّ من كبارِ التَّابعينَ وثِقاتِهم وأئِمَّتِهم وعُلَمائِهم.
وعُمِّرَ دهرًا طويلًا، وله وفادةٌ على مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ.
وكان أعورَ؛ ذهبَتْ عينُه في غزوةِ ذاتِ الصَّواري.

ورواه البيهقيُّ في القضاءِ والقدرِ ( ٥٠١ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٤٦ / ١٨٩ ) من طريقِ اللَّيثِ بنِ سعدٍ.

ورواه ابنُ حبَّانَ في روضةِ العُقَلاءِ ( ص١٨٨ ) من طريقِ بكرِ بنِ يُونسَ بنِ بُكَيرٍ.

كلاهما ( اللَّيثُ وبكرٌ ) عن مُوسى بنِ عُلَيٍّ، عن أبيه، به.

ورواه ابنُ المُبارَكِ في الزُّهدِ ( ١١٢٢ ) قال: أخبرنا ابنُ لهيعةَ، أخبرني الحارثُ بنُ يزيدَ، عن عُلَيِّ بنِ رباحٍ قال: قال عمرُو بنُ العاصِ: "انتهى عجبي إلى ثلاثٍ: المرءُ يفرُّ من القَدَرِ وهو لاقيه، وهو يُبصِرُ في عينِ أخيه القذى فيعيبُه ويكونُ في عينِه الجِذعُ فلا يعيبُه، ويكونُ في دابَّتِه الصَّعَرُ فيُقوِّمُها بجَهدِه، ويكونُ فيه الصَّعَرُ فلا يُقوِّمُ نفسَهُ".

وقولُه: "الصَّعَر": الصَّعَر: ميلٌ في الوجهِ أو في أحدِ الشِّقَّينِ.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
وابنُ المُبارَكِ سمع من ابنِ لهيعةَ قديمًا.

ورواه اللَّالكائيُّ في شرحِ أُصولِ الاعتِقادِ ( ١٢٣٥ )، والخطيبُ في تاريخِ بغدادَ ( ٨ / ٦٧٨ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٤٦ / ١٩٠ ) من طريقِ المُقرِئِ، عن ابنِ لهيعةَ، عن الحارثِ بنِ يزيدَ، به.

وسماعُ عبدِ اللهِ بنِ يزيدَ المُقرِئِ من ابنِ لهيعةَ قديمٌ أيضًا.

وورد أيضًا -أعني الأثرَ- عن الإمامِ التَّابعيِّ الحسنِ البصريِّ رحمه اللهُ:

قال أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ ( ٣٨٣٧٢ ): حدَّثنا عفَّانُ قال: حدَّثنا أبو الأشهبِ قال: سمعتُ الحسنَ يقولُ: "يا ابنَ آدمَ، تُبصِرُ القذى في عينِ أخيكَ، وتَدَعُ الجِذلَ مُعتَرِضًا في عينِكَ".

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رِجالُه ثِقاتٌ.
وأبو الأشهبِ هو جعفرُ بنُ حيَّانَ العُطارِديُّ.
ورواه ابنُ أبي شيبةَ ( ٣٨٣٧٢ ) قال: حدَّثنا أبو أُسامةَ.
ورواه أحمدُ في الزُّهدِ ( ١٦٤٨ ) قال: حدَّثنا عبدُ الصَّمدِ.
ورواه أبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في الصَّمتِ ( ٢٠٢ ) وفي ذمِّ الغِيبةِ ( ٦٥ ) من طريقِ ابنِ المُبارَكِ.

وثلاثتُهم ( أبو أُسامةَ وعبدُ الصَّمدِ وابنُ المُبارَكِ ) عن أبي الأشهبِ، عن الحسنِ، به.

فائدةٌ:
قال المُناويُّ رحمه اللهُ في فيضِ القديرِ ( ٦ / ٤٥٧ ): "هذا الحديثُ مَثَلٌ من أمثالِ العرَبِ السَّائرةِ المُتَداوِلةِ". اهـ
( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ).

قال الحافظُ أبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في الرِّضا عن اللهِ ( ٧ ): حدَّثنا عليُّ بنُ الجعدِ قال: أخبرنا أبو مُعاوِيةَ، عن الأعمشِ، عن أبي ظبيانَ، عن علقمةَ في قولِه تعالى: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال: "هي المُصيبةُ تُصِيبُ الرجلَ فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ فيُسلِّمُ لها ويرضى".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ.

أبو مُعاويةَ هو مُحمَّدُ بنُ خازمٍ الضَّريرُ، والأعمشُ هو سُلَيمانُ بنُ مِهرانَ الأسديُّ، وأبو ظبيانَ هو حُصَينُ بنُ جُندبٍ الجَنَبيُّ، وعلقمةُ هو ابنُ قيسٍ النَّخَعيُّ.

ابنُ أبي الدُّنيا وعليُّ بنُ الجعدِ بغداديَّانِ، والباقونَ كُوفِيُّونَ.

وأبو ظبيانَ وعلقمةُ تابعيَّانِ كبيرانِ.

وعلقمةُ تابعيٌّ جليلٌ كبيرٌ، راهبُ أهلِ الكُوفةِ عبادةً وعِلمًا وفضلًا وفِقهًا، وكان إمامًا مُقرِئًا طيِّبَ الصَّوتِ بالقُرآنِ، وهو من أجلِّ طُلَّابِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه، وكان أشبهَ النَّاسِ بابنِ مسعودٍ هديًا ودَلًّا وسمتًا، وكان طُلَّابُه يسألونَه ويتفقَّهونَ به والصَّحابةُ مُتَوافِرُونَ.

ورواه الطَّبَريُّ في التَّفسيرِ ( ٢٣ / ١٢ - ١٣ )، وإسماعيلُ القاضي في أحكامِ القُرآنِ ( ٣٨٧ ) من طُرُقٍ، عن الأعمشِ، عن أبي ظبيانَ، به.

وقال إسماعيلُ القاضي في أحكامِ القُرآنِ ( ٣٨٦ ): حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ قال: حدَّثنا أبي، عن الأعمشِ، عن أبي ظبيانَ قال: كان علقمةُ يُعرَضُ، فتحضرُه، فمرَّ بهذه الآيةِ ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )، فسألناه، فقال: "هو الرجلُ تُصيبُه المُصيبةُ، فيُسلِّمُ ويرضى، ويعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ".
وهذا إسنادٌ صحيحٌ.

وقولُه: "يُعرَضُ، فتحضرُه": أي يُعرَضُ عليه المُصحَفُ، فتحضرُه آيةٌ فيقفُ عندها.

ورواه البيهقيُّ في السُّنَنِ الكُبرى ( ٧٢١٤ ) وفي شُعَبِ الإيمانِ ( ٩٥٠٣ )، والثَّعلبيُّ في الكشفِ والبيانِ ( ٣١٥٥ ) من طريقِ وكيعِ بنِ الجرَّاحِ، عن الأعمشِ، عن أبي ظِبيانَ قال: كنَّا نعرضُ المصاحفَ عند علقمةَ بنِ قيسٍ فمَرَرْنا بهذه الآيةِ: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) فسألناه عنها، فقال: "هو الرجلُ تُصِيبُه المُصَيبةُ فيعلمُ أنَّها من عِندِ اللهِ فيرضى ويُسلِّمُ".

قال البيهقيُّ: "ورُوِيَ هذا عن ابنِ مسعودٍ".

قلتُ: قال البُخاريُّ في الصَّحيحِ / في كتابِ التَّفسيرِ: "سُورةُ التَّغابُنِ، وقال علقمةُ، عن عبدِ اللهِ: ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )، هو الذي إذا أصابَتْهُ مُصِيبةٌ رضيَ، وعرف أنَّها من اللهِ".

قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في فتحِ الباري ( ١٠ / ٧١٣ ): وهذا التَّعليقُ وصَلَهُ عبدُ الرَّزَّاقِ عن ابنِ عُيَينةَ عن الأعمشِ عن أبي ظبيانَ عن علقمةَ مِثلَهُ، لكن لم يَذكُر ابنَ مسعودٍ، وكذا أخرجه الفِريابيُّ عن الثَّوريِّ، وعبدُ بنُ حُمَيدٍ عن عُمَرَ بنِ سعدٍ عن الثَّوريِّ عن الأعمشِ، والطَّبريُّ من طريقٍ عن الأعمشِ.
نعم أخرَجَهُ البَرقانيُّ من وجهٍ آخرَ فقال: عن علقمةَ قال: شهدنا عنده -يعني عند عبدِ اللهِ- عَرْضَ المصاحفِ، فأتى على هذه الآيةِ ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال: هي المُصِيباتُ تُصِيبُ الرجلَ فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ فيُسلِّمُ ويرضى". اهـ

وانظُرْ تغليقَ التَّعليقِ ( ٣ / ٣٤٢ - ٣٤٣ ) للحافظِ ابنِ حجرٍ.

وقال السُّيوطيُّ في الدُّرِّ المنثورِ ( ١٤ / ٥١٦ ): وأخرجَ سعيدُ بنُ منصورٍ عن ابنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه في الآيةِ قال: هي المُصيباتُ تُصيبُ الرجلَ فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ فيُسلِّمُ لها ويرضى. اهـ

وذكَرَهُ ابنُ الأثيرِ في جامع الأصولِ ( ٢ / ٣٩٥ - ٣٩٦ برقم ٨٥١ ) عن علقمةَ قال: شَهِدْنا عند عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وعرَضَ المصاحِفَ، فأتى على هذه الآية: ( وَمَنْ يُؤمِنْ باللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال: هي المُصِيباتُ تُصيبُ الرجلَ، فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ، فيُسلِّمُ ويرضى.
قال ابنُ الأثيرِ: "أخرَجَهُ البُخاريُّ".

قلتُ: ذكَرَهُ البُخاريُّ تعليقًا كما تقدَّمَ.

ورواه سعيدُ بنُ منصورٍ في سُنَنِه ( ٨ / ١٠٣ برقم ٢٢٣١ ): نا أبو مُعاويةَ، نا الأعمشُ، عن أبي ظبيانَ، عن علقمةَ قال: شَهِدْنا عنده عَرْضَ المصاحفِ، فأتى على هذه الآيةِ: ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال: "هي المُصيباتُ تُصيبُ الرَّجلَ، فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ، فيُسلِّمُ لها ويرضى".
وهذا إسنادٌ كُوفيٌّ صحيحٌ.
ويُحتَملُ أنَّ جُملةَ: "شَهِدْنا عنده" من قولِ علقمةَ، فيكونُ الضَّميرُ عائدًا على عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، كما ذكرَ الحافظُ ابنُ حجرٍ، فيكونُ الأثرُ من قولِ ابنِ مسعودٍ.
ويُحتَملُ أن تكونَ من قولِ أبي ظبيانَ، فيكونُ الضَّميرُ عائدًا على علقمةَ، فيكونُ الأثرُ من قولِ علقمةَ.
واللهُ أعلمُ.

ولا أستبعدُ أن يكونَ قد قاله ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه، وأخَذَهُ منه علقمةُ؛ فإنَّ علقمةَ من خواصِّ طُلَّابِ ابنِ مسعودٍ، وكان مُلازِمًا له، وهو أجلُّ أصحابِ ابنِ مسعودٍ مع مسروقٍ والأسودِ.

وعزاه شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ في مواضعَ من كُتُبِه لعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه؛ كما في منهاجِ السُّنَّةِ ( ٣ / ٢٦ و٨٣ )، والفُرقانِ ( ص١٣٥ )، ومجموعِ الفتاوى ( ٧ / ٢٣٠ ) و ( ٨ / ٤٥٤ ) و ( ١١ / ٢٥٩ ) و ( ١٧ / ٩٧ ).

وقال كما في مجموعِ الفتاوى ( ٨ / ٣١٩ ): قال ابنُ مسعودٍ أو غيرُه: فذكره..

وقال أيضًا كما في المجموعِ ( ٨ / ١٧٨ ): قال بعضُ السَّلَفِ -إمَّا ابنُ مسعودٍ وإمَّا علقمةُ-: فذكره..

وعزاه في مواضعَ أُخرى لعلقمةَ؛ كما في المِنهاجِ ( ٥ / ١٣٦ )، ومجموعِ الفتاوى ( ٢ / ١٠٩ ) و ( ٨ / ٧٧ ).

وعزاه في مواضعَ لطائفةٍ من السَّلَفِ أو بعضِ السَّلَفِ؛ كما في الاستغاثةِ ( ص٤٢٦ )، والعُبوديَّةِ ( ص٣٤ )، واقتِضاءِ الصِّراطِ المُستَقِيمِ ( ٢ / ٣٩٠ )، ومجموعِ الفتاوى ( ٢ / ٣٢٦ ) و ( ٣٠ / ٣٦٢ ) و ( ٥ / ١٦٢ ) و ( ٨ / ١٠٧ ).
قال الخطيبُ البغداديُّ في تاريخِ بغدادَ ( ١٤ / ١٧٢ ): أخبرني الأزهريُّ قال: أخبرنا عليُّ بنُ مُحمَّدٍ بنُ لُؤلُؤٍ الورَّاقُ قال: حدَّثنا هيثمٌ الدُّوريُّ قال: حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ سُوَيدٍ الطَّحَّانُ قال: كنا عند عاصمِ بنِ عليٍّ، ومعنا أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلَّامٍ وإبراهيمُ بنُ أبي اللَّيثِ وذكرَ جماعةً، وأحمدُ بنُ حنبلٍ يُضرَبُ ذلك اليومَ، فجعل عاصمٌ يقولُ: ألا رجلٌ يقومُ معي فنأتيَ هذا الرجلَ فنُكلِّمَهُ؟ قال: فما يُجِيبُه أحدٌ، قال: فقال إبراهيمُ بنُ أبي اللَّيثِ: يا أبا الحُسَينِ، أنا أقومُ معك.
فصاح: يا غُلامُ خُفِّي، فقال له إبراهيمُ: يا أبا الحُسَينِ، أبلُغُ إلى بَنَاتِي فأُوصِيهم وأُجدِّدُ بهم عهدًا.
قال: فظنَنَّا أنَّه ذهب يتكفَّنُ ويتحنَّطُ، ثم جاء، فقال عاصمٌ: يا غُلامُ خُفِّي، فقال إبراهيمُ: يا أبا الحُسَينِ، إنِّي ذهبتُ إلى بناتي، فبكَينَ.
قال: وجاء كتابُ ابنَتَي عاصمٍ من واسطَ: يا أبانا! إنَّه بلَغَنا أنَّ هذا الرجلَ أخذ أحمدَ بنَ حنبلٍ، فضرَبَه على أن يقولُ: القُرآنُ مخلوقٌ، فاتَّقِ اللهَ ولا تُجِبْهُ، فواللهِ لأن يأْتِيَنا نَعيُكَ أحبُّ إلينا من أن يأتيَنا أنَّكَ أجبتَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ بغداديٌّ صحيحٌ.

وقولُه: "فنأتيَ هذا الرجلَ فنُكلِّمَهُ": يعني الذي يمتحنُ النَّاسَ بخلقِ القُرآنَ، فنكلِّمُه أن يكفَّ عن الإمامِ أحمدَ.
وهو إمَّا المُعتصمُ -وهو الأغلبُ- أو ابنُه الواثقُ.

وقولُه: "فما يُجِيبُه أحدٌ": يعني خوفًا ورهبةً من أن يُمتحَنوا أو يُضرَبوا.

وقولُه: "يا غلامُ، خُفِّي": يعني يا غُلامُ أعطِني خُفِّي لألبسَه كي نخرجَ.
والخُفُّ هو ما يُنتَعَلُ في الرِّجلِ حِذاءً كان أو غيرَهُ.

وقولُ ابنُ أبي اللَّيثِ: "يا أبا الحُسَينِ، أبلُغُ إلى بَنَاتِي فأُوصِيهم وأُجدِّدُ بهم عهدًا": يعني أنَّه وضعَ الموتَ أمامَ عينَيهِ عندما يذهبُ مع عاصمٍ، فذهب لبناتِه يُودِّعُهنَّ.

وقولُ الرَّاوي: "فظنَنَّا أنَّه ذهب يتكفَّنُ ويتحنَّطُ": يعني أنَّ عاصمًا وابنَ أبي اللَّيثِ تجهَّزا للموتِ بسببِ ذهابِهما للسُّلطانِ وإنكارِهما عليه.

وقولُ ابنِ أبي اللَّيثِ: "يا أبا الحُسَينِ، إنِّي ذهبتُ إلى بناتي، فبكَينَ": يعني أنَّه رفضَ الذَّهابَ بسببِ إشفاقِه على بناتِه وحُرقتِه عليهنَّ.

وعاصمُ بنُ عليٍّ: إمامٌ عالِمٌ من أهلِ واسطَ، من أئمَّةِ المُحدِّثينَ، قدم بغدادَ وحدَّثَ بها زمانًا طويلًا، وتكاثروا عليه، ثم رجع إلى واسطَ، وهو صدوقُ الحديثِ.

يروي عن أبيه، وشُعبةَ -وكان من أصحابِه-، والمسعوديِّ، وأبي الأحوصِ، وشريكٍ، واللَّيثِ بنِ سعدٍ، وأبي عوانةَ، وغيرِهم.
وروى عنه: أحمدُ بنُ حنبلٍ، والبُخاريُّ، والدَّارميُّ، وأبو حاتمٍ الرَّازيُّ، وعمرٌو الفلَّاسُ، وغيرُهم.

قال فيه الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ -كما في سُؤالاتِ أبي داودَ له ( ٤٤١ )-: "قام من الإسلامِ بموضعٍ أرجو أن يُثيبَهُ اللهُ به الجنَّةَ".

وقال الذَّهبيُّ في السِّير ( ٩ / ٢٦٣ ): "كان عاصمٌ رحمه اللهُ ممَّن ذبَّ عن الدِّينِ في المِحنةِ". ثم ذكرَ الأثرَ.

وروى الأثرَ ابنُ الجوزيِّ في مناقبِ الإمامِ أحمدَ ( ص٤٥٢ - ٤٥٣ ) وفي المُنتَظَمِ ( ١١ / ٦٩ ) من طريقِ الخطيبِ البغداديِّ، بهذا الإسنادِ.

وذكرَه المِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ١٤ / ٥١٤ - ٥١٥ )، والذَّهبيُّ في تاريخِ الإسلامِ ( ٥ / ٥٩١ ) وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ٩ / ٢٦٤ ).