منذ عصر الاستعمار، تحوّل العداءُ للآخر إلى أيديولوجيا سياسية تتبنّاها الحركاتُ اليساريةُ والقوميةُ والأصولية، وتُربّي أتباعها عليها، حتى صار العيشُ المزمنُ في محيطٍ عدائي عقيدةً سياسيةً يتلقّنها الأتباعُ، جنبًا إلى جنبٍ مع ما يُلقَّن لهم من أفكارٍ ومواقف. نتيجة لذلك، صار يصعب على معظمهم التحرّر من هذه العقيدة، حتى مع تقدُّمهم في العمر، أو تغيّر مواقعهم الفكرية. عرفتُ ماركسيين انتقلوا إلى الإسلام السياسي في مراحل متأخرة من حياتهم، لكن مواقفهم لم تتغيّر. تغيّرَ الإطارُ أو القالبُ الذي يُعبّرون من خلاله عن مواقفهم، إلا أن المضمونَ ظلّ على حاله؛ لبثوا تأسرهم النظرةُ التآمرية للعالم، والعداءُ للآخر المختلِف. المحتوى الأيديولوجيُّ النفسيُّ العميقُ للإنسان لا يتغيّر بسهولة، حتى لو بدّل شعاراته ومواقعه التنظيمية. العداءُ للآخر ليس دائمًا موقفًا عقلانيًا، بل كثيرًا ما يكون حالةً نفسيةً تتغذّى على الخوف، والرفض.
هويّةُ الجماعة تتجلّى في معتقداتها وسرديّاتها ومرويّاتها عن نفسها والآخر، في الماضي والحاضر، كما تتشكّل من أحلامها وتطلّعاتها للمستقبل.كلُّ هويّةٍ مغلقةٍ تزهو بوهم أنها مركزُ العالم، وأن ما يصحّ عليها لا يصحّ على غيرها، وأنها مرجعيّةُ الحقيقة الوحيدة. هذا التمركز يولّد نزعةً تبشيريّة تسعى إلى فرض قيم الجماعة، ورؤيتها للعالم، ومعارفها، وآدابها، وفنونها، وثقافتها على كلّ مَن يقع خارج محيطها العقائدي والثقافي. ويستند هذا النزوع إلى قناعةٍ راسخة بأن عقيدتها وثقافتها ورؤيتها للعالم خَلّاقةٌ دائمًا؛ أي أنها تملك القدرة المستمرة على إنتاج ما تحتاجه البشريّة من قيمٍ ومعارف وآداب وفنون وثقافة في العصور المختلفة.
لكلِّ جماعةٍ بشرية شغف بإنتاج #هوية خاصة مصطفاة، على وفق رهانات ترسمها أحلامها وآفاق انتظارها، وما تتعرض له من إكراهات، وأنماط الرهانات والتحديات، وما تنشده من احتياجات متنوعة في الزمان والمكان.كلُّ ذلك يسهم في كيفية بناء معتقدِها، ويحدّد ألوانَ رسمِها لصوره المتنوعة وتعبيراتِه في العصور المختلفة. وتُدمج أيّ صورة من صور المعتقد بوصفه عنصرًا رئيسًا في مكونات هذه الهوية، إلى جانب العناصر الإثنية والثقافية واللغوية وغيرها، بالشكل الذي يجعل المعتقد مكونًا أساسيًا فاعلًا ومنفعلًا داخل الهوية، إذ تتغذى منه الهوية باستمرار ويتغذى منها. بل إن كلَّ هوية تنشد إنتاج الحقيقة على وفق رهاناتها ومطامحها ومعاييرها، سواء كانت تلك الحقيقة دينية أو دنيوية. وهذه ظاهرة بشرية عامة لا تتخلف ولا تختلف، يخضع لها كلُّ معتقد في ولادته وصيرورته داخل فضاء الهوية الجمعية.
لكي يكون البحثُ علميًا في نشأة المعتقد وتطوره، ينبغي أن يكون منهجه وفيًا لكلِّ ذلك، فلا يقفز على حقائق الواقع، ولا يتجاهل أثر السلطة والإكراهات واللغة والثقافة والمتخيّل والميثيولوجيا والمحيط، وكلَّ ما يضجّ به التاريخُ في تحولات وصيرورة ذلك المعتقَد. بمعنى أن يكونَ منهجًا يتبصر تاريخية المعتقَد، ويكشف سياقات تشكّله في المتخيّل، ويزيل الغبارَ عن صوره المتنوعة عبر محطاته المختلفة في الزمان والمكان.
تعيد المخيِّلةُ ابتكارَ الصور في فضائها، وهو فضاءٌ رحب يتضخم باستمرار، فتولِّد #المخيِّلةُ الأحلامَ والأماني والرغباتِ المختلفة وحتى الأوهام، وما يصدر عن نرجسيات الهوية المتجذّرة في البنى اللاشعورية، وما تختزنه من أوهام تفوّق هذه الهوية واصطفائها وقدراتها الاستثنائية الفذّة، وإن كانت تعيش واقعًا بائسًا يضجّ بالأمية والفقر والمرض، غير أنها تلجأ للذاكرة العتيقة والأمجاد الإمبراطورية لأسلافها. تكرّر هذه الهوية بلا جدوى، لسنواتٍ طويلة تجنيدَ الإنسان، وما يمكن توظيفُه من طاقات في المجتمع، لإيقاد رمادِ نرجسية إمبراطورية مندثرة، من دون أن تكترثَ هذه الهويةُ بهزائمها، ولا تقف عندها وتدرس أسبابَها وتكتشف ثغراتها، ولا تسعى لأن تجرّب طريقةً بديلة في توكيد حضورها في الواقع وصناعة حاضرها ومستقبلها.
الهويات الأيديولوجية مغلقة تجهض أية محاولة للتعددية العقائدية والثقافية والسياسية. في هذه الهوية المغلقة، يعيد متخيَّلُ الجماعة كتابةَ تاريخها في أفقٍ يتحول فيه الماضي إلى سرديةٍ رومانسيةٍ فاتنة، ويصبح العجزُ عن بناء الحاضر استعادةً مهووسةً بالأمجاد العتيقة. ويجري ضخّ الذاكرة الجمعية بتاريخٍ متخيَّلٍ يضمحلُّ فيه حضورُ التاريخ الأرضي، وتُخلع على الحوادث والشخصيات والرموز والأفكار والمعتقدات والتراث هالةٌ أسطوريةٌ، تتحدّث عنها وكأنها خارجَ الزمان والمكان والواقع الذي ظهرتْ وتكوّنتْ وعاشتْ فيه.
هويّةُ الجماعة تتجلّى في معتقداتها وسرديّاتها ومرويّاتها عن نفسها والآخر، في الماضي والحاضر، كما تتشكّل من أحلامها وتطلّعاتها للمستقبل.كلُّ هويّةٍ مغلقةٍ تزهو بوهم أنها مركزُ العالم، وأن ما يصحّ عليها لا يصحّ على غيرها، وأنها مرجعيّةُ الحقيقة الوحيدة. هذا التمركز يولّد نزعةً تبشيريّة تسعى إلى فرض قيم الجماعة، ورؤيتها للعالم، ومعارفها، وآدابها، وفنونها، وثقافتها على كلّ مَن يقع خارج محيطها العقائدي والثقافي. ويستند هذا النزوع إلى قناعةٍ راسخة بأن عقيدتها وثقافتها ورؤيتها للعالم خَلّاقةٌ دائمًا؛ أي أنها تملك القدرة المستمرة على إنتاج ما تحتاجه البشريّة من قيمٍ ومعارف وآداب وفنون وثقافة في العصور المختلفة.
لكلِّ جماعةٍ بشرية شغف بإنتاج #هوية خاصة مصطفاة، على وفق رهانات ترسمها أحلامها وآفاق انتظارها، وما تتعرض له من إكراهات، وأنماط الرهانات والتحديات، وما تنشده من احتياجات متنوعة في الزمان والمكان.كلُّ ذلك يسهم في كيفية بناء معتقدِها، ويحدّد ألوانَ رسمِها لصوره المتنوعة وتعبيراتِه في العصور المختلفة. وتُدمج أيّ صورة من صور المعتقد بوصفه عنصرًا رئيسًا في مكونات هذه الهوية، إلى جانب العناصر الإثنية والثقافية واللغوية وغيرها، بالشكل الذي يجعل المعتقد مكونًا أساسيًا فاعلًا ومنفعلًا داخل الهوية، إذ تتغذى منه الهوية باستمرار ويتغذى منها. بل إن كلَّ هوية تنشد إنتاج الحقيقة على وفق رهاناتها ومطامحها ومعاييرها، سواء كانت تلك الحقيقة دينية أو دنيوية. وهذه ظاهرة بشرية عامة لا تتخلف ولا تختلف، يخضع لها كلُّ معتقد في ولادته وصيرورته داخل فضاء الهوية الجمعية.
لكي يكون البحثُ علميًا في نشأة المعتقد وتطوره، ينبغي أن يكون منهجه وفيًا لكلِّ ذلك، فلا يقفز على حقائق الواقع، ولا يتجاهل أثر السلطة والإكراهات واللغة والثقافة والمتخيّل والميثيولوجيا والمحيط، وكلَّ ما يضجّ به التاريخُ في تحولات وصيرورة ذلك المعتقَد. بمعنى أن يكونَ منهجًا يتبصر تاريخية المعتقَد، ويكشف سياقات تشكّله في المتخيّل، ويزيل الغبارَ عن صوره المتنوعة عبر محطاته المختلفة في الزمان والمكان.
تعيد المخيِّلةُ ابتكارَ الصور في فضائها، وهو فضاءٌ رحب يتضخم باستمرار، فتولِّد #المخيِّلةُ الأحلامَ والأماني والرغباتِ المختلفة وحتى الأوهام، وما يصدر عن نرجسيات الهوية المتجذّرة في البنى اللاشعورية، وما تختزنه من أوهام تفوّق هذه الهوية واصطفائها وقدراتها الاستثنائية الفذّة، وإن كانت تعيش واقعًا بائسًا يضجّ بالأمية والفقر والمرض، غير أنها تلجأ للذاكرة العتيقة والأمجاد الإمبراطورية لأسلافها. تكرّر هذه الهوية بلا جدوى، لسنواتٍ طويلة تجنيدَ الإنسان، وما يمكن توظيفُه من طاقات في المجتمع، لإيقاد رمادِ نرجسية إمبراطورية مندثرة، من دون أن تكترثَ هذه الهويةُ بهزائمها، ولا تقف عندها وتدرس أسبابَها وتكتشف ثغراتها، ولا تسعى لأن تجرّب طريقةً بديلة في توكيد حضورها في الواقع وصناعة حاضرها ومستقبلها.
الهويات الأيديولوجية مغلقة تجهض أية محاولة للتعددية العقائدية والثقافية والسياسية. في هذه الهوية المغلقة، يعيد متخيَّلُ الجماعة كتابةَ تاريخها في أفقٍ يتحول فيه الماضي إلى سرديةٍ رومانسيةٍ فاتنة، ويصبح العجزُ عن بناء الحاضر استعادةً مهووسةً بالأمجاد العتيقة. ويجري ضخّ الذاكرة الجمعية بتاريخٍ متخيَّلٍ يضمحلُّ فيه حضورُ التاريخ الأرضي، وتُخلع على الحوادث والشخصيات والرموز والأفكار والمعتقدات والتراث هالةٌ أسطوريةٌ، تتحدّث عنها وكأنها خارجَ الزمان والمكان والواقع الذي ظهرتْ وتكوّنتْ وعاشتْ فيه.