عبدالجبار الرفاعي
3.77K subscribers
618 photos
51 videos
270 files
1.09K links
مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضۚ
Download Telegram
الايمان الناتج عن البرهان العقلي متخشب، لا تنبض الحياة بالإيمان إلا أن يكون صلة متدفقة تغذيها المحبّة. معرفة الله غير حُبّ الله، معرفة الله أعني بها الادراك العقلي وليس الشهود القلبي. حُبّ الله سير القلب وسفره إلى الله، في رحلة يسعى فيها القلب أن يصير مرآة تنعكس عليها الأنوار الإلهية. معرفة الله هي تدبر العقل وتأمله وتفكيره في خلق الله وآياته واعتقاده بوجوده. الفلاسفة واللاهوتيون المتكلمون يعرفوننا على أدلة وجود الله وصفاته، لكن لا يوصلنا إلى الله إلا البصيرة الروحية، ولا تتكشف البصيرة وتنجلي من دون حُبّ الله. لا يرتوي الظمأ الأنطولوجي بمعرفة الله، بل يرتوي هذا الظمأ بحُبّ الله ووصاله. مثلما لا يتكرّس الإيمان بمعرفة الله، بل يتكرس بحُبّ الله. سفينة السفر إلى الله هي حُبّ الله، لا معرفة الله بمعناها العقلي. حُبّ الله يجعل الدين دواء وشفاء للروح والقلب، بل لا يكون الدين دواء وشفاء إلا بحُبّ الله، ولا تكفي لذلك معرفة الله. القلب الذي خطت عليه أسرار الحُبّ الإلهي قلبٌ لا يكفّ عن إنشاد ترانيم حُبّ الله والإنسان والعالم.
خلق الله الإنسانَ وجعله محتاجًا لصلة وجودية به، وجود الإنسان هشّ فقير، لا يثري وجوده ويحرّره من اغترابه إلا الصلة الوجودية بالله المكتفي بذاته الغني عن العالمين. لا أظن هناك انسان يستغني عن الله، وإن تنكّر لذلك يحاول الارتباط بمطلق موهوم سواه. الجيل الجديد يريد أن يرى صورة بهيجة مضيئة لله، يفرح ويبتهج عندما يشهد أنوارها. لا جيل الآباء ولا الجيل الجديد ضدّ الله بوصفه نورًا، وإلهًا للرحمة والمحبة. تفشي اللادينية لدى الجيل الجديد نشأ من تسلط الصورة المظلمة الكئيبة لله التي رسمتها تفسيرات عنيفة، حجبت أنواره المشرقة في آيات القرآن عن هؤلاء الذي يقرأونه بعيون بعض المفسّرين، وحجبتها مواقفُ وممارسات رجال سلطة ينطقون باسم الله في أحاديثهم زورًا، وهم أبعد العباد عن الله. رجال ينفّرون العباد من الله في مواقفهم وسلوكهم، ويقطعون الطرق إليه.
الحُبّ والرحمة والحقّ والعدالة والسلام ضمانة أساسية لحضور الدين المؤثر الفاعل في الحياة الفردية والمجتمعية. كلُّ ديانة تحرص على إنتاج الحُبّ والرحمة وتسعى لتحقيق الحقّ والعدالة والسلام، وتعلنها بوصفها الهدفَ الذي تسعى لتحقيقه في الحياة، ويجسّده أتباعها في سلوكهم، تتلهّف القلوب للانتماء إليها، ويتأبّد حضورها في الحياة، وكلُّ ديانة تحرص على إنتاج الحرب والانشغال بصراعات السلطة والثروة، تنفر القلوبُ منها ومن أتباعها. ما يربحه كلُّ دين رسالتُه الحُبّ والرحمة والعدالة والسلام يخسره كلُّ دين رسالته الحرب والغلبة على السلطة، واكتناز المال والاستيلاء على الثروة، واستعباد الإنسان.
بعد نصف قرن من تعلّم وتعليم علوم الدين كثّفت كتاباتي على رسم صورة نورانية لله، في ضوء ما رسمها الله لذاته في آيات القرآن الصريحة. حاولت أن تكون كتاباتي رسائلَ إيمانٍ ومحبّة وتراحم ومعرفة، باقتباس صورته النورانية، والكتابة عنها بتنويعات يتكشف فيها شيءٌ من أبعادها في كتابه المجيد، والإشارة إلى تجلياتها الساطعة في الوجود. رأيت هذا النوع من الكتابات يوقظ صوت الله في الأرواح الكئيبة، ويسعف الضائعين في وديان التيه ليدلهم على الله، ويريهم إشراقاته الأبدية، ويمكّنهم من تذوق محبته وشهود أنواره. لا أعرف هدية أقدمها لأحد أثمن من المحبّة، ولا أتقن مهنة في الحياة أفضل من صناعة المحبّة. المحبّة دواء لكلِّ داء أخلاقي، المحُبّة بلسم يسعف القلوب الجريحة بأوجاع الحياة المريرة، ذلك ما انتهيت إليه بعد مخاضات مضنية وتجارب مؤذية بتجرع ما تضج به الحياة من شرور تنهش الأرواح.

#عبدالجبار_الرفاعي
#المحبة
#حب_الله

https://al-aalem.com/%D8%AD%D9%8F%D8%A8%D9%91-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%8A%D8%AC%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B4%D9%81%D8%A7%D8%A1/