عبدالجبار الرفاعي
3.77K subscribers
616 photos
51 videos
270 files
1.09K links
مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضۚ
Download Telegram
الإفطار على موائد آكلي أموال الناس بالباطل يمرض الأرواح، وكذلك التهافت على مختلف أصناف الطعام، بنحو تغرق فيه مائدة الإفطار بمقادير من الطعام، تفوق حاجة الإنسان، بشكل يثير الاشمئزاز. وما يمرض الأرواح أيضا تفشى ظاهرة التنافس على دعوات إفطار، كأنها مباريات، لا تتفوق فيها إلا الدعوات الأكثر إسرافا وتبذيرا، التي تتضاعف فيها أصناف الأطعمة وتتضخم فيها كمياتها، بنحو تُلقَى أكثرها برميها في مكبات النفايات. غاية الصوم في رمضان تطهير الأرواح، لكن يتوقف تطهير الأرواح على تطهير الأبدان من أكل الحرام، وتبذير الطعام الحرام، وعدم نسيان الجياع، في زمن ينام فيه 800 مليون جائع كل ليلة في الأرض.
من العقيدة إلى التجربة.. قراءة في أنسنة الدين

‏عبد الإله عبدالله الطويان

يقدّم عبد الجبار الرفاعي في مشروعه الفلسفي تصورًا للدين لا يقتصر على العقائد والطقوس، بل يتجاوزه، ليصبح تجربة وجودية تمنح الحياة معنًى روحيًا وأخلاقيًا وجماليًا. فالدين، في رؤيته، ليس مجرد منظومة مغلقة أو مجموعة من الأحكام الفقهية، بل هو «حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية»، كما يوضح في كتابه «الدين والظمأ الأنطولوجي».
هذه الرؤية تجعل الدين حالة حية يعيشها الإنسان بكامل كيانه، بما يشمل العقل والوجدان والروح، بحيث يكون وسيلة تمنحه الطمأنينة، وتساعده على تجاوز القلق الوجودي الذي لازم الفلاسفة من كيركغارد إلى كامو، فالرفاعي يرى أن الإنسان كائن متعطش للمعنى، وغير قادر على تحمل العبث والفراغ الروحي، مما يجعل الدين ضرورة وجودية لا ترفًا فكريًا.
وفي سياق إعادة تعريفه للدين، يرفض الرفاعي الرؤية الاختزالية التي تحصر الدين في منظومة اعتقادية أو نصوص جامدة، ويفتحه على أفق أوسع، حيث تصبح التجربة الروحية جوهر الدين، حيث يقول في «مقدمة في علم الكلام الجديد»: «الدين ليس خطابًا جامدًا أو نصوصًا معزولة عن سياقاتها، بل هو حياة تُعاش في أفق المعنى، إذ يشكّل وعي الإنسان بذاته، ويوجّهه نحو التسامي الروحي والتكامل الأخلاقي».
من هذا المنطلق، يصبح الدين، وفقًا للرفاعي، تجربة تمنح الإنسان السكينة وسط صخب الحياة، وتساعده على مواجهة الاغتراب الوجودي، وهو ما جعله يشدد على أن الدين لا ينبغي أن يكون مجرد إطار نظري، بل حالة شعورية وجدانية تتجلى في حياة الفرد اليومية.
إذا كان الدين، عند الرفاعي، يمنح الإنسان أفقًا روحيًا، فإن هذا الأفق لا يبقى مجرد إحساس داخلي، بل ينعكس في السلوك الأخلاقي. الأخلاق، في رؤيته، ليست مجرد التزام اجتماعي أو قانوني، بل هي امتداد طبيعي للحالة الروحية التي يعيشها الإنسان. في «الدين والظمأ الأنطولوجي»، يؤكد الرفاعي: «الأخلاق الحقيقية لا تنبع من الخوف من العقاب، ولا من الرغبة في المكافأة، بل من إحساس داخلي بالمسؤولية تجاه الذات والآخر».
هذه الرؤية تتجاوز التصورات التقليدية التي تفصل بين الإيمان والممارسة، حيث يرى الرفاعي أن الفضيلة ليست طاعة ميكانيكية لأوامر خارجية، بل ثمرة لنضج روحي يجعل الإنسان ينحاز إلى الخير بإرادته.
وفي فلسفة الرفاعي، الدين ليس فقط تجربة عقلية أو سلوكية، بل هو أيضًا تجربة جمالية، حيث يُدرك الإنسان المعنى الروحي والأخلاقي من خلال الجمال، حيث يقول في «إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين»: «الدين في جوهره تجربة جمالية تُثير الدهشة وتحرّك أعماق الإنسان، وتفتح له أفقًا من التأمل في الجلال والجمال الكامن في الكون».
الجمال هنا لا يقتصر على الفن أو الطبيعة، بل يمتد إلى القيم الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، مما يجعل الإيمان أكثر حيوية وتأثيرًا. وهذا التفاعل بين الروحانية والجمال يعزز الأخلاق، حيث تصبح الفضيلة ممارسة تنبع من وعي جمالي بالحياة، وليس مجرد التزام جاف بالواجب.
ينطلق مشروع الرفاعي في إسلامية المعرفة من رفض القراءات الاختزالية للدين التي تقتصر على البُعد الفقهي أو الأيديولوجي، داعيًا إلى إعادة تأصيل الدراسات الإسلامية بما يجعلها أكثر ارتباطًا بتجربة الإنسان المعاصر. ففي كتابه «أنسنة الدين»، يوضح رؤيته قائلًا: «إن الإسلاميات الكلاسيكية، في كثير من الأحيان، انشغلت بالجدل العقائدي والتفريع الفقهي على حساب المعنى العميق للدين، مما أدى إلى تجريد الدين من أبعاده الروحية والإنسانية».
من هنا، تأتي دعوته إلى «أنسنة الإسلاميات»، أي تحرير الدراسات الإسلامية من الجمود والانغلاق، وإعادة ربطها بأسئلة الإنسان وهمومه الروحية والأخلاقية والجمالية.
ويرى الرفاعي أن الدين يمكنه مواكبة الحداثة إذا تم التركيز على جوهره الروحي والأخلاقي والجمالي بدلًا من الانشغال بالقضايا الشكلية والفقهية وحدها، حيث يقول في «مقدمة في علم الكلام الجديد»: «لكي يكون الدين فاعلًا في عصر الحداثة، يجب أن يستعيد روحه الحيّة بدلًا من أن يتحوّل إلى مؤسسات سلطوية تحاول فرض وصايتها على العقل».
بهذا المعنى، لا يرى الرفاعي أن الحداثة تفرض القطيعة مع الدين، بل تدعو إلى قراءة جديدة للدين تجعله أكثر انسجامًا مع تحولات العصر دون أن يفقد جوهره الروحي.
وفقًا لهذه الرؤية، يصبح الدين نسيجًا حيًا من التفاعل بين ثلاثة أبعاد مترابطة:

• البعد الروحي: يمنح الإنسان إحساسًا بالمعنى والطمأنينة.
• البعد الأخلاقي: يجعل الأخلاق نابعة من تجربة داخلية لا من إملاءات خارجية.
• البعد الجمالي: يحوّل الدين إلى تجربة حية، مليئة بالإحساس والدهشة، بدلًا من أن يكون منظومة جافة من الأحكام.
وبالنتيجة نجد أن الرفاعي قدم تصورًا متكاملًا للدين، لا يختزله في التشريع أو العقيدة، بل يجعله تجربة إنسانية شاملة، تستجيب لحاجة الإنسان إلى المعنى، وتسهم في بناء عالم أكثر رحمة وإنسانية.
يمكننا استحضار رؤية الفيلسوف اللاهوتي بول تيليش في هذا السياق، إذ يرى أن الدين ليس مجرد منظومة من المعتقدات الجامدة، بل هو تعبير عن «الاهتمام المطلق» للإنسان، أي بحثه الدائم عن المعنى العميق لوجوده، حيث يقول تيليش في كتابه «ديناميكية الإيمان»: «الإيمان ليس مجرد تصديق عقلي، بل هو حالة من الانخراط الكامل في تجربة المعنى، حيث يجد الإنسان طمأنينته وغاية وجوده».
هذا التصور الكامل، الذي قدّمه عبد الجبار الرفاعي على مدى أكثر من أربعة عقود، يحثّنا على مواصلة التنقيب خلف فيلسوف المعرفة الدينية، الذي يرى الدين تجربة وجودية ممتدة لا تقتصر على الطقوس والتشريعات، بل تعكس توق الإنسان العميق إلى الروحانية والأخلاق والجمال كعناصر متكاملة في حياته.
https://www.alwatan.com.sa/article/1162444?utm_source=chatgpt.com
‏في شهر رمضان الكريم، الذي ينام فيه عشرات الملايين جياعًا في الأرض، يتهافت المترفون على موائد تتكدس فيها مختلف أنواع الشراب والطعام الفائضة عن الحاجة، فيجري إلقاء اكثرها في مكب النفايات. لا يُستهلَك هذا الطعام إلا بغرض الاستعراض المبتذل والاستعلاء والتفاخر، ففي مجتمع الاستهلاك التفاخري تتحدد قيمة الإنسان ومكانتُه المجتمعية بنوع ما يمتلكُ ويستهلك من الأشياء الفاحشة الثمن. تتسيّد في حياة المترفين في هذا المجتمع حالة التبجح  والتباهي، ويطغى فيه الاستعراض المقرف بما يقتنيه الإنسان، ويأكله ويلبسه. ينظر هؤلاء للتسوق والامتلاك والاستهلاك بوصفه وسيلةً للتفوق على غيرهم، فيجري استثمار ذلك في تنمية وتعزيز رصيد تفوق مَن يتهافت على اهدار الطعام، خاصةً لدى الطبقة الغارقة في الأضواء، المتهافتة على إظهار سلطتها على غيرها. تسرف هذه الطبقةُ بشراء السيارات الفخمة، وماركات الملابس باهظة الثمن، والألماس والمجوهرات النادرة، وغيرها من السلع التي تقاس قيمتها بارتفاع ثمنها، بل تستعمل لغرض الظفر بالإعجاب والثناء، وامتلاك سلطة على غيرها، فكلّما غلا ثمنُها تضاعف شغف المترفين فيها، وتنامى شعورهم بالاستعلاء على الطبقة الفقيرة.

#عبدالجبار_الرفاعي
#موائد_المترفين
من العقيدة إلى التجربة،
قراءة في أنسنة الدين عند عبد الجبار الرفاعي

عبدالإله عبدالله
الطويان

يقدّم عبد الجبار الرفاعي في مشروعه الفلسفي تصورًا للدين لا يقتصر على العقائد والطقوس، بل يتجاوزه ليصبح تجربة وجودية تمنح الحياة معنًى روحيًا وأخلاقيًا وجماليًا. فالدين، في رؤيته، ليس مجرد منظومة مغلقة أو مجموعة من الأحكام الفقهية، بل هو “حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية” كما يوضح في كتابه “الدين والظمأ الأنطولوجي”.
هذه الرؤية تجعل الدين حالة حية يعيشها الإنسان بكامل كيانه، بما يشمل العقل والوجدان والروح، حيث يكون وسيلة تمنحه الطمأنينة، وتساعده على تجاوز القلق الوجودي الذي لازم الفلاسفة من كيركغارد إلى كامو. فالرفاعي يرى أن الإنسان كائن متعطش للمعنى، وغير قادر على تحمل العبث والفراغ الروحي، مما يجعل الدين ضرورة وجودية لا ترفًا فكريًا.
في سياق إعادة تعريفه للدين، يرفض الرفاعي الرؤية الاختزالية التي تحصر الدين في منظومة اعتقادية أو نصوص جامدة، ويفتحه على أفق أوسع، حيث تصبح التجربة الروحية جوهر الدين. يقول في “مقدمة في علم الكلام الجديد”:
“الدين ليس خطابًا جامدًا أو نصوصًا معزولة عن سياقاتها، بل هو حياة تُعاش في أفق المعنى؛ إذ يشكّل وعي الإنسان بذاته، ويوجّهه نحو التسامي الروحي والتكامل الأخلاقي”.
من هذا المنطلق، يصبح الدين، وفقًا للرفاعي، تجربة تمنح الإنسان السكينة وسط صخب الحياة، وتساعده على مواجهة الاغتراب الوجودي، وهو ما جعله يشدد على أن الدين لا ينبغي أن يكون مجرد إطار نظري، بل حالة شعورية وجدانية تتجلى في حياة الفرد اليومية.
إذا كان الدين، عند الرفاعي، يمنح الإنسان أفقًا روحيًا، فإن هذا الأفق لا يبقى مجرد إحساس داخلي، بل ينعكس في السلوك الأخلاقي. الأخلاق، في رؤيته، ليست مجرد التزام اجتماعي أو قانوني، بل هي امتداد طبيعي للحالة الروحية التي يعيشها الإنسان. في “الدين والظمأ الأنطولوجي”، يؤكد:
“الأخلاق الحقيقية لا تنبع من الخوف من العقاب، ولا من الرغبة في المكافأة، بل من إحساس داخلي بالمسؤولية تجاه الذات والآخر”.
هذه الرؤية تتجاوز التصورات التقليدية التي تفصل بين الإيمان والممارسة، حيث يرى الرفاعي أن الفضيلة ليست طاعة ميكانيكية لأوامر خارجية، بل ثمرة لنضج روحي يجعل الإنسان ينحاز إلى الخير بإرادته.
في فلسفة الرفاعي، الدين ليس فقط تجربة عقلية أو سلوكية، بل هو أيضًا تجربة جمالية، حيث يُدرك الإنسان المعنى الروحي والأخلاقي من خلال الجمال. يقول في “إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين”:
“الدين في جوهره تجربة جمالية، تُثير الدهشة وتحرّك أعماق الإنسان، وتفتح له أفقًا من التأمل في الجلال والجمال الكامن في الكون”.
الجمال هنا لا يقتصر على الفن أو الطبيعة، بل يمتد إلى القيم الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، مما يجعل الإيمان أكثر حيوية وتأثيرًا. وهذا التفاعل بين الروحانية والجمال يعزز الأخلاق، حيث تصبح الفضيلة ممارسة تنبع من وعي جمالي بالحياة، وليس مجرد التزام جاف بالواجب.
ينطلق مشروع الرفاعي من رفض القراءات الاختزالية للدين التي تقتصر على البُعد الفقهي أو الأيديولوجي، داعيًا إلى إعادة تأصيل الدراسات الإسلامية بما يجعلها أكثر ارتباطًا بتجربة الإنسان المعاصر. في كتابه “أنسنة الدين”، يطرح الرفاعي رؤيةً متكاملةً تُؤَكِّدُ على ضرورة دمج الأبعاد الأخلاقية والروحية في فهم النصوص الدينية، مع الحفاظ على جوهرها الثابت. يدعو إلى حوارٍ خلَّاق بين التراث الإسلامي ومتطلبات العصر الحديث، ساعيًا لبناء نموذجٍ إسلاميٍّ يتفاعل بإيجابية مع قضايا الإنسان الراهنة كالحرية والعدالة والتنوع الثقافي. كما يقدّم الكتاب آلياتٍ عمليةً لتعزيز قيم التسامح والتعايش، مُشَدِّدًا على أن التجديد الديني يجب أن ينبثق من فهمٍ عميقٍ للواقع المتغير، دون تفريطٍ في الثوابت الشرعية أو إغفالِ حاجات الروح الإنسانية. تُجَسِّدُ هذه الرؤية محاولةً جادّةً لربطِ الإسلام بتحديات العصر، مع التأكيد أن الدين يجب أن يكونَ عاملَ إغناءٍ للحياة الإنسانية، لا حاجزًا أمام تطورها. يوضح رؤيته قائلًا:
“إن الإسلاميات الكلاسيكية، في كثير من الأحيان، انشغلت بالجدل العقائدي والتفريع الفقهي على حساب المعنى العميق للدين، مما أدى إلى تجريد الدين من أبعاده الروحية والإنسانية”.
من هنا، تأتي دعوته إلى “أنسنة الإسلاميات”؛ أي تحرير الدراسات الإسلامية من الجمود والانغلاق، وإعادة ربطها بأسئلة الإنسان وهمومه الروحية والأخلاقية والجمالية.
يرى الرفاعي أن الدين يمكنه مواكبة الحداثة إذا تم التركيز على جوهره الروحي والأخلاقي والجمالي، بدلًا من الانشغال بالقضايا الشكلية والفقهية وحدها. يقول في “مقدمة في علم الكلام الجديد”:
“لكي يكون الدين فاعلًا في عصر الحداثة، يجب أن يستعيد روحه الحيّة، بدلًا من أن يتحوّل إلى مؤسسات سلطوية تحاول فرض وصايتها على العقل”.
بهذا المعنى، لا يرى الرفاعي أن الحداثة تفرض القطيعة مع الدين، بل يدعو إلى قراءة جديدة للدين تجعله أكثر انسجامًا مع تحولات العصر، دون أن يفقد جوهره الروحي.
وفقًا لهذه الرؤية، يصبح الدين نسيجًا حيًّا من التفاعل بين ثلاثة أبعاد مترابطة:
• البعد الروحي: يمنح الإنسان إحساسًا بالمعنى والطمأنينة.
• البعد الأخلاقي: يجعل الأخلاق نابعة من تجربة داخلية، لا من إملاءات خارجية.
• البعد الجمالي: يحوّل الدين إلى تجربة حية، مليئة بالإحساس والدهشة، بدلًا من أن يكون منظومة جافة من الأحكام.
وبالنتيجة نجد أن الرفاعي قدم تصوّرًا متكاملًا للدين، لا يختزله في التشريع أو العقيدة، بل يجعله تجربة إنسانية شاملة، تستجيب لحاجة الإنسان إلى المعنى، وتساهم في بناء عالم أكثر رحمة وإنسانية.
يمكننا استحضار رؤية الفيلسوف اللاهوتي بول تيليش في هذا السياق؛ إذ يرى أن الدين ليس مجرد منظومة من المعتقدات الجامدة، بل هو تعبير عن “الاهتمام المطلق” للإنسان؛ أي بحثه الدائم عن المعنى العميق لوجوده. يقول تيليش في كتابه “ديناميكية الإيمان”:
“الإيمان ليس مجرد تصديق عقلي، بل هو حالة من الانخراط الكامل في تجربة المعنى، حيث يجد الإنسان طمأنينته وغاية وجوده.”
هذا التصور الكامل، الذي قدّمه عبد الجبار الرفاعي على مدى أكثر من أربعة عقود، يحثّنا على مواصلة التنقيب خلف فيلسوف المعرفة الدينية، الذي يرى الدين تجربة وجودية ممتدة لا تقتصر على الطقوس والتشريعات، بل تعكس توق الإنسان العميق إلى الروحانية، والأخلاق، والجمال كعناصر متكاملة في حياته.

https://www.mominoun.com/articles/من-العقيدة-إلى-التجربة--قراءة-في-أنسنة-الدين-عند-عبد-الجبار-الرفاعي-9822#
‏ندوات ومحاضرات وحوارات د. عبد الجبار الرفاعي
ندوة الدكتور عبدالجبار الرفاعي في كرسي قنواتي في القاهرة
المحاضرة الأولى في ندوة بعنوان: "الدين أمام مستجدات العلوم الإنسانية"، تكلمت فيها لمدة خمس ساعات في كرسي قنواتي بالقاهرة يوم 17-5-2024، بمعهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان بالقاهرة، وحضرها نحو 50 طالبة وطالب دكتوراه في الجامعات المصرية.

‏المحاضرة الأولى:
https://youtu.be/beZMnpNYyqg?si=1nFtAZd10LzvQfjb

المحاضرة الثانية :

https://youtu.be/61Kw2LxX2m4?si=mNHZ2CzOWqWljH2D

المحاضرة الثالثة :

https://www.youtube.com/watch?v=4yGQzC8DsSE


‏حوار إجراه: هادي اللواتي
https://www.youtube.com/watch?v=wqo12rLH3Os

صالون علي وجيه
‏حوار أجراه: على وجيه
https://youtu.be/mWt3RSSpu94?si=ffev5uOgvxnCjSi6

‏برنامج أوراق
حوار أجراه: عارف الساعدى
https://youtu.be/kNsFZk69hTE?si=Z3MahvNJUixmO62U

‏ الدنيوي والديني في علم الكلام الجديد معرض القاهرة للكتاب يناير 2024
https://youtu.be/-aj29AUTDa8?si=1snQ35xhZgO5sdnZ


مسارب الضوء، بيت الزبير- مسقط
https://www.youtube.com/watch?v=hOKRIQalwYs

حوار محمد حسين الرفاعي وكريم جديد قناة السلام الجزائرية
https://www.youtube.com/watch?v=NDUqjQDGA2I&t=121s&ab_channel=%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%AD%D8%AB%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%AC%D8%AF%D9%8A

‏ندوة بيت الحكمة بتونس الشهر الأول 2019، بعنوان أفق جديد لفهم الوحي خارج المدونة الكلامية القديمة
https://youtube.com/watch?v=gauoVkiixMs&feature=shared

‏الدين منبع إشباع الحاجة الوجودية الكائن البشري
‏ندوة بيت الحياة في بغداد
مساء 12-11-2018
https://youtu.be/qtEp86trwaA?si=2zgQb-3A3XdYgH0M


مسرّات القراءة ومخاض الكتابة حسب المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي، في: 17/03/2024
- قرأنا لكم - https:/www.mc-doualiya.com/%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%AC/%D9%82%D8%B1%D8%A3%D9%86%D8%A7-%D9%84%D9%83%D9%85/20240317-%D9%85%D8%B3%D8%B1%D9%91%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%AD%D8%B3%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%8A

‏لقاء راديو مسقط
‏أجرى الحوار: سليمان المعمري

نوافذ ثقافية - حوار مع المفكر العراقي عبدالجبار الرفاعي - الثلاثاء 7 مايو 2024م by إذاعة سلطنة عُمان on #SoundCloud
https://on.soundcloud.com/yFc8nFYtBEkSjQU7A

لقاء راديو صوت العرب 24-5-2024
https://m.youtube.com/watch?v=78W84SFG6CM&list=PLFOpRh7LQ7nlVOxrJMPhynlFIMQ8r0oDw&index=53&pp=iAQB

‏فلسفة الفقه/ ندوة منتدى الثلاثاء الثقافية 21-10-2020
https://youtu.be/KKzPRtAzWJY?si=DJIEhxEMP_wKBux3

‏ ندوة حول: فلسفة ملا ملا صدر الشيرازي ومرجعياتها - الجامعة المستنصرية، سنة 2020
أ. د. عبدالجبار الرفاعي
https://youtube.com/watch?v=l09TIgy1FVs&feature=shared


مقابلة راديو مونتكارلو مع #عبدالجبار_الرفاعي حول كتابه الأخير: "مسرات القراءة ومخاض الكتابة".

https://www.mc-doualiya.com/%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%AC/%D9%82%D8%B1%D8%A3%D9%86%D8%A7-%D9%84%D9%83%D9%85/20240317-%D9%85%D8%B3%D8%B1%D9%91%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%AD%D8%B3%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%8A

عقدت الجمعية الفلسفية الموريتانية "بيت الحكمة" ندوة يوم 11-1-2025 تناولت: "قراءة في مشروع تجديد الفكر الديني عند #عبدالجبار_الرفاعي"، تحدث فيها:
1. د. إيمان مخينيني.
2. د. محمد همام.
3. د. نايلة ابي نادر.
4. د. محمد حسين الرفاعي.
مدير الندوة: الأستاذ إبراهيم الحيمر.
يمكن مشاهد الندوة على هذا الرابط:

https://youtu.be/47thKw73ABU?si=JxyNG7njXoUonU3S


ندوة اتحاد الأدباء والكتاب ببغداد
يناير 2025
https://youtu.be/1gHRxPLssG4?si=HeyGSg9HPAX7BEPP

‏حوار مع الدكتور عبد الجبار الرفاعي على تلفزيون العراقية في برنامج مجاز

https://www.youtube.com/live/iKzpmqzag_o?si=MebfPINWL948pQUJ
تأملات_في_القراءة_الإنسانية_للدين_مجتهد_شبستري.pdf
7.8 MB
تأملات في القراءة الإنسانية للدين- محمد مجتهد شبستري
عبدالجبار الرفاعي
الدين_والنزعة_الإنسانية.pdf
‏صدرت هذا اليوم الطبعة ‏الإلكترونية الخامسة لكتاب: "الدين والنزعة الإنسانية"، تأليف: عبدالجبار الرفاعي، عن مؤسسة هنداوي في القاهرة، وهي طبعة مدققة ومنقحة. يمكن تحميل الكتاب من هذا الرابط:
https://downloads.hindawi.org/books/74738615.pdf
عبدالجبار الرفاعي
غلاف_الدين_والظمأ_الأنطولوجي_طبعة_شرق_أفريقيا.pdf
‏الطبعة السادسة لكتاب "الدين والظمأ الأنطولوجي"، خاصة بشرق افريقيا، تصدر في جوبا عاصمة جمهورية جنوب السودان.
عبدالجبار الرفاعي
‏الطبعة السادسة لكتاب "الدين والظمأ الأنطولوجي"، خاصة بشرق افريقيا، تصدر في جوبا عاصمة جمهورية جنوب السودان.
‏نشرت عن كتاب: (الدين والظمأ الأنطولوجي) حتى اليوم أكثر من 250 مقالة، وترجم إلى عدة لغات.
‏تلقيت مكالمة في 31-3-2025، من طبيبة تخبرني عن مثقف يعيش في أوروبا، قالت: أخبرني عن اثنين من الأشخاص من معارفه في أوروبا، أعلنا أنهما قررا السفر للقيام بعمليات انتحارية، يقول: فملئنا نحن الأصدقاء بالذعر، وبذلنا معهم مختلف وسائل الإقناع، فلم ينفع معهم اي شيء، أخيرا طلبنا منهما قبل عمليات الانتحار، قراءة كتاب: (الدين والظمأ الأنطولوجي). الغريب كان أثر كلمات هذا الكتاب كالسحر، فبعد قراءتهما له، قررا الخلاص من هذا القرار الكابوسي، بعد اكتشافهما إيمان المحبة والتراحم والسلام وتذوقه، بعد قراءة هذا الكتاب.
من أين تشتقُّ الكراهيَةُ مفاهيمَها؟ عبدالجبار الرفاعي
١
الحنينُ للماضي
ربما لا توجد مجتمعاتٌ بشريَّة مولعة بهاجس التراث كالمجتمعات الإسلاميَّة، فهي تعيش حنينًا إلى الماضي لا حدودَ له، وتخلع عليه ما يحلو لها من المعاني والصور المثالية، وتتعاطى معه باعتبارِه نَاجِزًا ومكتملًا ومطلقًا وفريدًا، وتحشد كلَّ أحلامِها وأمانيها وتطلُّعاتها في استرداده كما هو، بنحوٍ أمسى معه ذلك التراث قَيْدًا يكبِّلُ حاضرَها ويلغي مستقبلَها؛ ذلك أنَّها تسعى لأن يصير زمانُها زمانًا تَكراريًّا، لا ينتهي إلا من حيثُ بَدَأَ، ولا يبدأ إلَّا من حيث انتهى. وأفضى حنينُها وتمجيدُها لتراثها مصدرًا لطائفةٍ من الالتباساتِ والخلطِ في الرُّؤية، بشكلٍ يتعذَّر فيه التمييزُ بين الدِّين بوصفه تساميًا للرُّوح وتجسيدًا للقِيَمِ النَّبيلة، والتُّراث بوصفه إنتاجًا بشريًّا، يرتبط عضويًّا بمختلِف الظروف والعوامل الثَّقافيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة المتغيِّرة، مثلما تعذَّر التمييزُ بين الواقعة التاريخيَّة والشخص التاريخيِّ، والواقعة الرمزية والشخص الرمزي، الذي صاغه المُتخيَّلُ الدينيُّ، وكرَّسَهُ في الذاكرة الجمعيَّة، واعتبره متعاليًا على الأرض، ومتجاوزًا لمعطياتِ الواقع. وكأنَّ حركة التاريخ لم تكن تحوُّلًا من النَّقص إلى الكمال، ومن الحَسَن إلى الأَحْسَن، وإنَّما تُخْتَزَلُ بتمامِها في رؤى ومواقف السلف، الذين توقف التاريخُ عندهم، حتى أصبحت أيَّةُ محاولة لمساءلة التَّاريخ، ونزع القناع عن التُّراث تُنْعَتُ بالعدوان على أمجاد الأمَّة وماضيها المُشرق، ويجري التشهيرُ بكلِّ باحثٍ يعمِد إلى الكشف عن عمليَّات حذف وإقصاءِ الحوادثِ والوقائع والمُعتقداتِ التي لا تنسجم مع الأيديولوجيا التبجيليَّة المهيمنة، أو يسعى للإعلان عن المُهَمَّش والمسكوتِ عنه، وفضح السَّائد والمُتَغَلِّب في التُّراث.

وتشتد سطوةُ التراثِ عبر حضورِ فكر الأمواتِ ومقولاتِهم، بل يغدو الأمواتُ هم مصدر الإلهامِ للكثير من المعاني في حياتنا، وتُعْلِي مجتمعاتُنا من مقاماتهم عندما تنصبهم حُكَّامًا على الأحياء، وتعود إليهم في ما تواجهه من تحديات، وتستعير آراءَهم في أكثر القضايا والمستجدَّات.

إنَّنا نعيش تحت وطأة التُّراث، خاصَّة فيما يسود مجتمعاتِنا من نزعات تعصب وكراهية ونفي للآخر، وسنبقى قابعين في هذا السِّجن، ولا نستطيع الإفلات منه، ما لم ندرك أنَّ التراث يتمثَّل في مجموعة معانٍ، وأنَّ هناك شروطًا لغويَّة وثقافيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة لإنتاج كلِّ معنى، ومن الضروري تحليلُ تلك الشروط، ورصد صيرورتها التاريخية والأنساق التي تحركت فيها، ودراسة السياقات الاجتماعية للمعرفة، والأُطُر السوسيولوجيَّة والأنثروبولوجيَّة والسيميائيَّة والسيكولوجيَّة لتشكُّل الخطابات المتنوعة المنبثقة من هذه المعاني. وكما يقول الأبُ بولس نويا: «إنَّ التراث هو بمثابةِ الأب، ونحن نعلم منذ فرويد أنَّ الابن لا يستطيع أنْ يكتسب حريته ويحقِّق شخصيَّته إلا إذا قتل أباه. على الإنسان العربيِّ أن يُمِيتَ تراث الماضي في صورةِ الأب، لكي يستعيدَه في صورةِ الابن.»٢
ويحسب أنصار التُّراث أنَّ الانتماء للإسلام لا ينفك عن الاستسلام للتراث واستدعائه بكافة عناصره في حاضرنا، غير أنَّ الإيمان والمعتقد لا يرتكز على التراث، والرُّكون إلى فهم السلف. الإيمان والانتماء للإسلام يعني بناءَ صِلَة حيويَّة فعَّالة مع الله في العصر الذي يعيش فيه الإنسانُ، تستقي هذه الصلةُ مادَّتها من فهمِ الشخص للوحي، وتجرِبته الرُّوحية الخاصَّة، ولا تستقيها من التراث.

التراث بمعنى مجموعة الممارسات الدينية والعقائد والمفاهيمِ السَّائدة في حقبةٍ مُعَيَّنَة من حياة المسلمين، هو مفهوم ثقافيٌّ أنثروبولوجي، لذا فالمجال مفتوح أمام المُتَأَلِّهين المسلمين في كلِّ زمانٍ لنقد ذلك التراث وتفكيكِه، إذ بوسعهم غربلة ونقد المسلَّمات والمسَبَّقات والميول، ومقدِّمات فهم الكتاب والسنة، والتطلعات الدينية الموروثة من عصور سالفة.
ولكي تبقى جذوةُ الإيمان متَّقدة في الأرواح ينبغي أنْ يَتجاوز الإيمانُ ما تراكَمَ من شُروح وتأويلات عبر التاريخ، ويكون إيمانًا نقديًّا، فالإيمان النقديُّ هو الذي يُتيح لصاحبِه مواكبةَ إيقاع الحياة، والإصغاء إلى الواقع، وما يضجُّ به العالمُ من استفهامات لا حدودَ لها،٣ وهو الذي يكسر النرجسيَّة الدينيَّة، والمنطق العقائدي الأحاديَّ. الإيمان النقدي كفيل بتجاوز احتكار مفهوم النجاة والمشروعية الحصرية، فليس هناك أحد يمتلك الإيمان الحقَّ، ويمنح لنفسه أو غيره النجاة، بينما يهلك الآخرون الذين لا يتطابق نمطُ اعتقادهم مع معتقده. ومقتضى ذلك التخلُّص من أساليب التعبئة الأيديولوجية، وترك استخدام كلِّ الكلمات والمصطلحات الدينية المشبعة بهجاءِ الآخر، المتوارثة من صراعات الطوائف والفرق، والحروب بين أتباع الأديان في العصور الوسطى.
٢
اللغةُ والأحكام المسَبَّقة
اللغة ليست بريئة، اللغة مشحونة بأحكام مسَبَّقة، وبحسب جاك دريدا: «إنَّ اللغة ليست أداة نستعملها، بل هي المادَّة التي نحن مصنوعون منها.»٤ ويشدد بيير بورديو على أن «الكلمات تصنع الأشياءَ إلى حدٍّ كبير، وأنَّ تغيير الكلمات، وتغيير التمثيلات، بوجه أعم التمثيلات التصويرية … هو بالفعل طريقة لتغيير الأشياء. والسياسة جوهريًّا هي مسألةُ كلمات.»٥
لقد صارت الكلمات والعبارات في أحاديثنا وكتاباتنا بمثابةِ أدواتِ قتال نتراشق بها، وتعمل على بثِّ التَّشَنُّج، وإشاعة التوتُّر، حيال أيَّة قضيَّة نتحدث عنها، وأمسى الإصغاءُ للآخر، وتفهُّم ما يرمي إليه مستحيلًا، إثر عُنْفِ اللُّغة، وقسوة مداليل الألفاظ المتداولة بين المتخاطبين وصخبها، حتى صارَ المجالُ التداوليُّ للُّغة المُستعملة في حياتنا أحد أبرز منابع الكراهية، وتزوير صورة الآخر.

إنَّ تطهيرَ اللغة من الكلمات والمصطلحات القَدْحية المشبَّعة بالتشهير بالآخر ضرورةٌ يفرضها عنفُ الواقع، الذي يضجُّ بالاحتراب والصراع الديني والطائفي، وينبغي أنْ تتَّسع عمليةُ تطهير اللغة من العنف لتشمل المقررات الدراسية في سائر مراحل التعليم، ويجري تأهيلٌ لغويٌّ للمربِّين والمعلِّمين والمدرسين، مضافًا إلى الصحافيين والإعلاميين، ويعمِد إلى تثقيفهم وتنبيههم إلى خطورة تداوُل الكلمات والأساليب التعبيريَّة ذات الحمولة السلبيَّة، وما يمكن أنْ ينجم عنها من تشويهٍ لصورة الشركاء معنا في الإنسانية، فضلًا عن شركائنا في المواطنة.

ويستمدُّ معجمُ هذه اللغة مادَّتَه ومفرداتِه من الرؤية الصِّراطية وميراثها الكلاميِّ والفقهي المُمْتَدِّ في جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، ولا سيَّما في تمثُّلاته السلفية المناهضة للعقل، والتي دوَّنته في فضاءٍ سجاليٍّ يضجُّ بالخصومات. ويتوكَّأ هذا النوعُ من الميراث على تفسيرٍ فظٍّ ساذج للنَّصِّ، معبأ بسلسلة من الإسقاطات والتحريفات، ويرفض أيَّة محاولة تسعى لتأويل النصِّ، واستكناه أبعادِه الرمزيَّة، والنظر إليه باعتبارِه نصًّا مكتنزًا بالإشارة والكناية والمجاز والإيحاء والتَّلميح وضرب الأمثال، ومنبعًا لتأويلات وقراءات متنوعة، تنبثق من الأفق المعرفيِّ للقارئ، وأفق انتظاره ورؤيته للعالَم، والفضاء الثقافي ونمط المعطيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة في عصره.

٣
الصِّيَغُ الجاهزة في التَّفسير
إنَّ التفسيرَ الذي يفترضُ وجودَ فهمٍ واحد للنصِّ، هو الفهمُ الذي قالتْ به الجماعةُ الأولى من المسلمين. وكأنَّ النصَّ لا يحتملُ أيَّ تأويل أو تفسير يخرج على الصيغ التَّبسيطيَّة الجاهزة، ويُعْلِنُ عن رؤيةٍ مغايرة لها. مواقف وفهم السلف تمثِّل المشروعيَّة، أمَّا المواقف والتأويلات اللاحقة فإنَّها مشروعة بوصفها معبِّرة عن رؤيةِ السَّلَف ومستنسِخة لها، وهي هرطقة وبدعة حينما تجتهد في بلورةِ رؤيةٍ مختلفة، تغور إلى اللامرئي في النصِّ، وتتحرَّر من الأصول والترسيمات الصارمة والمغلقة للتعاطِي مع النَّصِّ. منذ أن دَوَّن الشافعيُّ هذه الأصول، وتكرَّسَتْ بمرور الزَّمان، وصارتْ ترسيماتٍ أبديَّةً، وصيغًا جاهزة تحتكر فهم النص، وتُسْبِغُ الشرعيَّة على كل تفسيرٍ مشتَّقٍّ منها، وترفض الاجتهاد الذي ينزع إلى التفكيرِ خارج مداراتها، وصوغ مفاهيم لا ترتدُّ إليها، كما نلاحظ في الميراث الغزير للعارفين والفلاسفة، الذين حرصوا على استلهام العناصر الرُّوحية والإنسانية والجمالية والعقلانية، وأدركوا أنَّ النصَّ القرآنيَّ إشاريُّ المقاصد، غزير المعاني، رمزيُّ البنية. وتخطَّوا القراءةَ الاختزاليَّة التبسيطيَّة، وما أفضتْ إليه من إفقارٍ للنص، وإظهارِه بصورةٍ عاريةٍ من كلِّ مضمون مكثَّف، غنيٍّ بالمداليل والمعاني المكتنزة.
عادةً ما تشيع القراءةُ السلفيَّةُ التبسيطيَّةُ للنصِّ في حالةِ الانحطاط والتَّراجع الحضاريِّ، بينما يزدهرُ التأويلُ العرفانيُّ والفلسفيُّ للنصِّ في حالة النهوض الحضاري، وقد ألمح إلى ذلك الشيخ مصطفى عبد الرازق بقوله: «يُلَاحَظُ أنَّ الرأيَ السائد بين المسلمين في أمر الوحي يميل في الركود النظريِّ إلى مذاهب المتكلمين، ويتأثر برأي الفلاسفة في عصور النُّهوض.»٦
تسودُ القراءةُ التبسيطيَّة للنصِّ اليومَ أدبياتِ الجماعات الدينية، ويتشكَّل في ضوئِها وعيُ قطاعاتٍ عريضةٍ من المنخرطين في هذه الجماعات، ويجري تجنيدُهم في معارك تستنزف طاقاتِ مجتمعاتِنا وتُهدر إمكاناتِها. تصرُّ هذه القراءةُ على القطيعةِ مع الميراثِ الإنسانيِّ في تاريخِنا، وتحارب بضراوةٍ التفكيرَ الفلسفيَّ، وتعتبر ذلك التراثَ غريبًا عن الإسلام، أمَّا التجارِب الرُّوحية الملهمة للعارفين، وما أنجزوه من آثار متنوعة المضامين، عميقة المعاني، فإنها تُصَنَّف شطحات وهرطقات أجنبية على الإسلام. الجماعاتُ الأصوليَّةُ تنشد تديُّنًا شكليًّا، يفتقر إلى استيعابِ المضمون التنزيهيِّ المفعَّم بالمعنى للتديُّن، وتستفزُّه التأملاتُ العميقة التي تُقَارِب النصَّ بفكرٍ عميقٍ ووعيٍ يُضِيءُ المضامينَ الكامِنَة الخفيَّة فيه.

٤
بواعثُ الكراهية
يفتقر التديُّن الأصوليُّ إلى التعاطي المتفائل المفعَّم بالأمل مع الحياة، والانفتاح على العالم، واستبصار ما يحفل به من ثراء وجمال وتنوُّع. يعجز هذا التديُّن السلبيُّ عن إدراك أنَّ الله وهب الحياةَ للإنسان، فصارتْ مناطَ الاستخلاف والأمانة، وبالتالي المسئوليَّة، وارتكزتْ عليها وانبثقتْ منها كلُّ مكاسب البشرية وإبداعاتها وتعبيراتها.

تحرص الأديانُ على احترام الحياة، وربما تقديسها، وتتطلع الرسالاتُ السماويةُ إلى تطهير الحياة من القلق، وبثِّ الطمأنينة والسكينة في رُوع الإنسان، عبر ترسيخ النَّزعة الرُّوحية والأخلاقية والجمالية، وتكريس المضمون المعنويِّ للعالَم، والكشف عن مظاهر الانسجام بين الإنسان وما حوله، وتحريره من الاغتراب الكونيِّ، ومن كلِّ ما من شأنه أن يسلخه وينفيه من هذا الوجود. غير أنَّ الحياة تغدو لعنةً، وأية محاولة للتشبُّث بها، والسعي لعمارتها، والتنعُّم بطيباتها، تصبح منافيةً للفهم السلفي للدين؛ ذلك الفهم الذي يتمحور خطابُه حول هجاءِ الحياة، وتمجيدِ الموت، ولعنِ المباهج، وأسبابِ الفرح والغبطة والمسرَّة، بل ومسخ الذوق الفنيِّ، وتجاهل الأبعاد الجمالية في الكون، والإعراضِ عن الجسد ونسيان متطلباته الغريزية، وما يحيط به من فضاء حسيٍّ، وما يجسِّده من جمال، والتعاملِ معه باعتباره عدوًّا، لا سبيلَ إلى التديُّن الحقِّ إلا بتجاوز رغباته وحاجاته، وأنَّ الاحتشام والعفة لا تحقُّق لهما إلا بالتخلُّص من المشاعر الحسِّية، ورفض الحب، واعتباره تهتُّكًا وابتذالًا، وأنَّ النجاة في اليوم الآخر ترتبط بالفرار من حبِّ الحياة وكلِّ شيء ينتمي إليها؛ ما يؤدِّي إلى انطفاء الذوق الفني، والعجز عن تذوق الجمال، والإفادة منه كلغة مشتركة في الحياة، ووسيلة رائعة للتواصل بين الشعوب، وقناة عابرة للتاريخ والثقافات.

ان التعامل مع الحياة بهذا المنطق، هو مصدر الشعور بالإحباط والفشل، وهو الذي يقود إلى العنف، والرغبة في تدمير الحياة، وتحطيم كل شيء ينتمي إليها. حين تهيمن ثقافةُ الموت على وجدان الإنسان، تنطفئُ جذوةُ الحياة في نفسِه، ويفتقد القدرةَ على المساهمة في البناء، ولا يتقن أيةَ حرفة سوى تقديس الحزن، وصناعة الحقد والبغضاء، فتندثر طاقاتُه، وتتعطَّل قابلياته، وتتبدَّد إمكاناتُه ومواهبُه بأسرِها.

وليس هناك دربٌ يقودُنا إلى الحياة، ويعيد قطاعاتٍ واسعة من الشباب إلى العالم الذي افتقدهم، سوى إشاعة فهم عقلانيٍّ جريء للدين يخترقُ الأدبيَّاتِ الجنائزيَّةَ في تراثِنا، التي تكثِّف حضورها في الخطاب السلفي اليوم، كما يخترق ما راكمتْه تجرِبةُ الاجتماع الإسلاميِّ من إكراهات ومظالم وصراعات مختلفة، عملت على تبلوُر مفهومات وفتاوى مشبعة بتلوينات تلك التجرِبة ومشبعة بإكراهاتها.
لقد بَاتَت الحاجةُ ملحَّة إلى دراسة وتحليل منابع اللاتسامح، وبواعث العُنف والكراهية في مجتمعاتنا، والاعتراف بأنَّ الكثير مِنْهَا يكمُن في الفهم الحرفيِّ المغلق للنصوصِ الدينية، والجهود الحثيثة للسلفيَّة في تعميم هذا الفهم وتعزيزه عبر خطاباتها المتنوعة. من الضروري عدم التوقُّف عند دراسة مضمون الخطاب، وإنما يجب تحليلُ خطاب الجماعات الأصوليَّة، ودراسة الآليات الخطابية التي تُنتج العنف، وتمتدح العداوة؛ ذلك أنَّ اللغة ليستْ أداةً محايدة في بيان المعاني، بل اللُّغة في حَراكها التواصلي والاجتماعي، كما تجسِّدها النصوصُ، هي فضاءٌ من الفضاءاتِ الاجتماعيَّة يخضع لحركيَّة خاصة، ينبغي أنْ تُحَلَّلَ من داخلها.٧ وعلى حد تعبير نيتشه، فإنَّ «كلَّ كلمة هي حُكم مسَبَّق.»
يطغى في خطاب تلك الجماعات تبجيلُ العنف، والإعلاء من قيمته، والتَّشديد على أثره الحاسِم في الدَّعوة، وتصرُّ على أنَّه السبيل الوحيد للخلاصِ من الظُّلم والاضطهاد في الدنيا، والفوز بالفردوس في يوم القيامة، بينما تتجاهل الأساليبَ اللاعنفيةَ في دعوات الأنبياء، كذلك تهمل بِعَمْدٍ أَبْرَزَ حَرَكَتَيْ لاعنفٍ في القرن العشرين؛ وهما المقاومة السلمية الواسعة في الهند بقيادة المهاتما غاندي، مضافًا إلى المقاومة السلميَّة في جنوب أفريقيا بزعامة نيلسون مانديلا، وما تحقَّق في المسعى السلميِّ لهما من مكاسب مهمَّة، وما قطفتاه من ثمار في تحرير الهند وجنوب أفريقيا.

إنَّ مراجعةً عاجلةً للأدبيَّاتِ السلفيَّة، تُرِينَا بوضوحٍ كيف أنَّ هذه الأدبيَّات بقدر ما تتحدَّث عن مناهضةِ الآخَر، وانحصارِ أسلوبِ التَّعاطي معه في القتل والإبادة، فإنَّها تَتَكَتَّم على مساحةٍ شاسعة في النصِّ، تتحدث عن الرأفة والرفق والعفو والغفران والرحمة، حتى يُخَيَّل لمن يستمع إلى منابر هذه الجماعات، أو يقرأ بياناتِها، أنَّها تتحدث عن دين خاصٍّ تنحته، وتعيد تشكيلَه في إطار وعيِها ومسمَّياتها ومسَبَّقاتها الذهنية، ولا عَلاقة له بالنص المؤسِّس. إنَّه دين مشبع بالإكراهات، ينفي الرُّوح التطهُّريَّة للدين، ويمسخُ ما يختزنه من معانٍ سامية، ويفرِّغه من محتواه الرُّوحي والأخلاقي والعقلانيِّ، ويحيلُه إلَى مجموعةٍ من المقولاتِ والشِّعاراتِ المُغْلَقة، التي تستنزف الطاقة الحيويَّة الإبداعيَّة لرسالة الدين، وتُفقره، وتمسخه، وتستبدله بمفهوماتٍ وأفكار مقطوعةِ الجذور عن رُوح الدِّين وجوهره، وتصيِّره عِبْئًا ينوءُ النَّاسُ بحِملِه، ويعطِّل ديناميَّة التطوُّر في الاجتماع البشري، ويستدعي القِيَم الرديئةَ للبداوة فيبعثها من جديد، ويتبنَّاها ويدافع عنها، ويُسقط عليها قناعًا إسلاميًّا، بوصفها تمثِّل الهُويَّة والأصالة، بينما هي في الحقيقة ليستْ إلا تمثُّلات وتعبيرات وتقاليد بيئةٍ محلِّيَّة صحراوية قاسية غليظة، رفضها القرآنُ ونَعَتَهَا بتسميَات قَدْحِيَّة، وجعلها النقيض لرُوح الدين ومقاصده الأخلاقيَّة، وأهدافه الإنسانيَّة.٨
٥
غِيَابُ الموقف النَّقدي
ينظر السلفيُّون للإسلام باعتباره شيئًا مطلقًا ولا نهائيًّا في التَّاريخ، من دون أن يتنبهوا إلى أنَّ الإسلامَ دينٌ مثل بقيَّة الأَدْيَان، تتنوَّع تمثُّلاته وتجلِّيات حضوره في الواقع. والدين بمعنى الظاهرة الأنثروبولوجيَّة التاريخية، كما أنَّه يُساهم في تشكيل التاريخ، كذلك يتشكل طبقًا للتاريخ، ويتَّخذ في صيرورته شكلَ الزمانِ والمكان الذي يتحقَّق فيه. ومثلما يهدفُ الدينُ إلى بناء وتغيير الإنسان، فإنَّ الإنسانَ أيضًا يبني مفهوماتِه الخاصَّة عن الدين، ويعمل على صوغ تصوُّره عن الدِّين في فضاءِ رؤيتِه للعالم وأنماط حياته المختلفة. ومن الوَهم النظرُ إلى الإسلام والمسلمين كأَمْرَيْنِ قارَّيْنِ ساكِنَيْنِ، لا يتحوَّلان ولا يتبدَّلان، يؤثِّران في كلِّ شيء ولا يتأثَّران على مَرِّ الزَّمان. الإسلام والمسلمون يخضعان للمشروطيَّة التاريخية، والعواملِ الزمانيَّة والمكانيَّة المتغيِّرة. لذلك كانت الإلهيَّاتُ المتوارثةُ لدى المسلمين مشتقَّة من طبيعةِ حياتِهم، وشَكْل النِّظام السياسيِّ الحاكم في دولهم، والنظام المعرفي المهيمن على تفكيرهم.

ترتكزُ الإلهياتُ الموروثةُ على بنيةٍ تستبعد الآخرَ، وتكرِّس مركزيَّة مطلقة، تجد مثالَها الأرضي في الخليفة أو السلطان، وحكومته الشمولية المستبدة. إنَّ حقلًا عريضًا من هذه الإلهيَّات لا محلَّ فيه للحرية الدينيَّة، أو إفساح المجال لصاحب الدِّين المختلف، ومساواته بسواه من الرعايا على أساس مفهوم المواطنة.
يتمدَّد مفهومُ الإله في هذه الإلهيات ليغطِّي كافَّةَ المجالات الدنيوية، وهو ما يصطلح عليه بعض المفكرين الغربيين «إله الحدِّ الأقصى». ويذهب فريق من المفكرين ومؤرِّخي العقائد في الغرب إلى أنَّ ظهور «إله الحدِّ الأقصى» في القرون الوسطى أدَّى إلى خروج الإلهِ تدريجيًّا من ساحة الحياة. والمقصود بهذا التصوُّر للإله، هو أنَّه الإله غير الملتزم بأيَّة موازين أخلاقيَّة، أو منطقيَّة، أو عقليَّة، أو فلسفيَّة، والمتمتِّع بحرية مطلقة، حتى قيل إنَّ بوسعه ارتكاب المُحالات العقلية والمنطقية، أي إنَّ «إلهَ الحدِّ الأقصى» فتحَ الباب على مصراعَيْه لإلغاء الإله الرُّوحي والأخلاقي.

وبغية تجاوز الإلهيات الاستبعادية، لا بدَّ من تحرير صورة الإله مما تراكم عليْها عبر الزمان من رؤية السَّلف للعالم، وما تعرضَتْ إليه حياتُهم من كراهية وإكراهات.

بوسعنا اليوم الاستعانة بمعطيات العلوم والمعارف الحديثة، والتفكير بواسطة كلِّ ما هو متاح في عصرنا، للتحدُّث عن الإله، فكما أتاحت لنا هذه المعطيات معرفةَ الإنسان، واكتشاف الكثير من الأبعاد المجهولة في شخصيته الفردية والاجتماعية، من خلال الاستعانة بعلم النفس والأنثروبولوجيا والاجتماع واللسانيات والسيميائيَّات وغيرها، يمكن أن تمنحنا هذه العلومُ أدواتٍ ومناهجَ جديدة لدراسة الدين كظاهرة أبديَّة في الاجتماع البشري، والتعرف على مساراته عبر التاريخ، وبالتالي اكتشاف ما هو مرتبط بالمعطيات الظرفيَّة والثابتة منه، وكذلك التعرف على ما يتعلَّق بصورة الإله وأنماط تشكُّلها عبر التاريخ، وصلة هذه الصورة بالملابسات والظروف المتنوعة.

وتظلُّ المُعطيات الرَّاهنة للعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية والعلوم البحتة، من أهمِّ مكاسب العصر، وكلُّ ما أنجزه الغرب من تقدم ورفاهية إنما هو ثمرةٌ لامتلاكه العلم الحديث، ومثابرته المتواصلة على تنميته وتطويره، بينما يقبع في نفق التخلف من يفتقد العلم، ويبقى على هامش حركة التاريخ مستهلكًا لما ينجزه غيرُه.

ولا سبيلَ إلى تجديد الفكر الديني، وتجاوز الإلهيات التقليدية، إلا بتوظيف المُعطيات الرَّاهنة للعلوم والمعارف البشرية في دراسة التراث الديني، والتوغُّل في مداراته، وغربلة مكوناته، وتفكيك عناصره، والحذر من الانخراطِ في رؤيته. أمَّا غياب الموقف النقدي من التراث، وشيوع الوفاء التاريخي، وطغيان الحالة التبجيليَّة، لكلِّ ما يمُتُّ إلى المَاضي، وعدم القدرة على إدراك العَاهَات، والتشوُّهات، والثَّغرات، والانتكاسات، والإكراهات، في الموروث، فقد نجم عنه انسدادُ الآفاق النَّقديَّة، وإحضار الماضي كما هو، وسطوته على الوعي، وإعاقته للتفكير، والعجز عن مواكبة متغيِّرات الحياة.٩ أي إنه «ليس من الصعب فقط استدعاء نَموذجٍ أنتجتْه سجالاتُ العصور الوسطى، وفرضُه وتعميمه على الحاضر، إنما المستحيل تطبيق فَهْمٍ مختزَل وهامشيٍّ للإسلام، أنتجته العصورُ المتأخرة، فَهْمٍ يقوم على التمايُز المذهبي، والتعارُض الطائفيِّ، والانغلاق على الذات، وتبجيل السلطة، وتسويغ طاعتها، والتكفير، ونبذ الاجتهاد، وتجهيل الناس بحقيقة أحوالهم الاجتماعية. كلُّ هذا ضِمن نمط من الحياة والتفاعل، والمصالح، والعَلاقات الاجتماعية، التي تكاد تختلف كليًّا عما كان شائعًا إبَّان تلك الحقبة، التي يُفترض أنَّ النموذج المطلوب ظهر فيها.»١٠
تنبعثُ من حين لآخر في مجتمعاتنا أصواتٌ تدعو إلى تعزيز الهُوية والخصوصيَّة والأصالة والقوميَّة، وترتعد خوفًا من ذوبان الهُوية واضمحلالها، وكافَّة هذه الأصوات تتَّفق على جعل الآخر مصدرًا لكلِّ المشكلات والآثام. وكأنَّ الهُوية مُعْطًى جوهريٌّ ثابت ونهائي، وأنَّها خالدة ومستمرة، لا تتغير ولا يطرأ عليها أيُّ تحوُّل. وتساهم هذه المزاعمُ في تضليلِ الرأي العام، وتجييش قطاعات عريضة من النَّاشئة في معارك موهومة مع الآخر. ولم يتنبه هؤلاء إلى أنَّ الهُوية الساكنة ليست موجودةً إلا في أحلامهم، وأنَّ الهُوية ليست فيما يثبت بل فيما يتغير. الهُوية معنًى لا صورة له، أو هي، بشكل أدقَّ، معنًى في صورة متحركة دائمًا، وأنَّها ليستْ مجرد الوَعْي، إنما هي أيضًا اللاوعي، ليست المُعْلَن وحده، وإنَّما هي كذلك المكبوت، ليست المتحقِّق وحده، وإنما هي كذلك المشروع، الأخذ في التحقُّق أو الفشل، وليست المتواصل وحده، بل المتقطِّع كذلك.١١