عبدالجبار الرفاعي
3.77K subscribers
618 photos
51 videos
270 files
1.09K links
مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضۚ
Download Telegram
‏تسجيل صوتي للفصل الثالث بعنوان: (علم الكلام الجديد هو الفهم الجديد للوحي)
من كتابنا (مقدمة في علم الكلام الجديد)
على الرابط:
https://www.hindawi.org/books/46425727/3/
يتحدث الاستاذ عبد الرحمن المرزوقي غدا الاثنين 24-2-2025 في ندوة بمكة المكرمة، عن "الرحمة والأخلاق في الدين" ومرجعيتها في فلسفة الدين عند عبد الجبار الرفاعي.
‏كتبت الشاعرة العراقية #سلامة_الصالحي: (إن لم تقرأ كتاب #الدين_والظمأ_الانطلوجي للدكتور #عبدالجبار_الرفاعي فقد فاتك الكثير. دعوة لمنتجي الدراما العراقية للاستفادة من السيرة التي يتضمنها الكتاب في انجاز مسلسل يعطي للاجيال صورة الجنوب الحقيقية وماعاناه اهله وكيف نبغ من بين كل ذلك العذاب مفكرين ومبدعين كبار ... انه كتاب يوازي مكتبة بكل ماطرح من افكار وتصورات ورؤى .. اذا قرات هذا الكتاب فلن تعود لما كنته ابدا ....).
https://www.facebook.com/100001049503104/posts/9640601742651380/
يقول أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم البصري "354 - 430 هجرية" في مقدمة كتاب «الشكوك على بطليموس»: (وجود الحق صعب، والطريق إليه وعر، والحقائق منغمسة في الشبهات … فطالب الحق ليس هو الناظر في كتب المتقدمين، المسترسل مع طبعه في حسن الظن بهم، بل طالب الحق هو المتهم لظنه فيهم، المتوقف فيما يفهمه عنهم، المتبع الحجة والبرهان، لا قول القائل الذي هو إنسان، المخصوص في جبلّته بضروب الخلل والنقصان. والواجب على الناظر في كتب العلوم، إذا كان غرضه معرفة الحقائق، أن يجعل نفسه خصماً لكل ما ينظر فيه. ويجيل فكره في متنه وفي جميع حواشيه، ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه، ويتهم أيضاً نفسه عند خصامه فلا يتحامل عليه ولا يتسمح فيه. فإنه إذا سلك هذه الطريقة انكشفت له الحقائق، وظهر ما عساه وقع في كلام من تقدمه من التقصير والشُّبه).
أرخنة مصطلح فلسفة الدين: في تكملة المعنى والمبنى من عبد الجبار الرفاعـي إلـى جـان غرايش.

د. رسول محمد رسول
المقترب بين مفكّرين، أحدهما من الشرق والآخر من الغرب الأوروبي، في شؤون الدين علامة طيبة الذكر ولا غرابة أن نجمع بين عدد من المفكرين في الشرق والغرب إذا كانا يقدّمان معرفة مفيدة ودقيقة لمشكلة ما أو مصطلح ما؛ ففي العام قبل الماضي صدرت للرفاعي مراجعته لترجمة كتاب (العقل والمعتقد الديني/ مدخل لفلسفة الدين) وهو كتاب ثر المبنى والمعنى وله صولة في عدد من الجامعات مشترك التأليف شارك فيه: مايكل بيترسون، ووليام هاسكر، وبروس رايخنباخ، وديفيد باسنجر، ونقلته إلى العربية زهراء طاهر، وراجعه الدكتور عبد الجبار الرفاعي (مفكّر عراقي) ليكون متاحاً بين القرّاء.
فلسفة الدين
لقد قرأتُ ذلك الكتاب فلم أجد في متنه تعريفا لمصطلح "فلسفة الدين" لكني وجدته فيه دون تعريف قاطع، إلا أن الرفاعي يبدو تنّبه إلى ذلك فسعى إلى ملء الفراغ في "التقديم" الذي كتبه لهذه الترجمة التاريخية باحثا مدققاً في شؤون فلسفة الدين حتى توصّل إلى بناء تعريف من وجوه عدّة، شبه جامع، لمصطلح "فلسفة الدين" من خلال تناول شؤونه من قريب وبعيد وهو شخص كان خاض في غمار التفكير الديني عملياً عبر عقود طويلة وفي غير بلد إسلامي حتى هذه اللحظة، فأستغل خبراته وثقافته ودرايته لردم الفجوة في هذا الكتاب ذي التأليف المشترك، وبالفعل جاءت مشاركته في الكتاب مشاركة رجل متخصّص لكنها مشاركة تكميلية فطوبى للرفاعي لكونه تنّبه إلى النقص حتى قدّم صورة متكاملة لهذا الكتاب المهم الذي سُعد به قرّاء العربية.
العوسج الملتهب!
ومؤخراً قرأنا كتاب (العوسج الملتهب وأنوار العقل/ ابتكار فلسفة الدين) لمؤلفه الفرنسي جان غرايش بعد أن تمّت ترجمته إلى العربية بجهود محمد علي مقلد وزملاء له.... ومرجعة مشير باسيل عون، وهو مشروع ترجمة لدار الكتاب الجديد المتحدة في بيروت وطرابلس الغرب، وأكثر تحديداً مشروع ترجمة تاريخي نهض به "سالم أحمد الزريقاني" فطوبى له ولهذه الجهود.. ما هو مهم أن جان غرايش هنا هو مؤلف الكتاب وقد بدا مؤرخا (أرخنة) = (Historizing) عملاقاً لفلسفة الدين فعاد إلى البدايات، ومرّ على كل ما يمت بصلة في فلسفة الدين حتى إنه قدّم أنطولوجيا شبه متكاملة لفلسفة الدين جريئة كشف فيها عن الجذور وما تلاها في شؤون فلسفة الدين، ومنها أقدم تعريف لمصطلح "فلسفة الدين" ذاك الذي ظهر لدى "سيغموند فون ستورشينو" الذي عاش قرابة قرن من الزمان سوى سنوات قليلة للفترة 1711 إلى 1797(أي: توفي في نهاية القرن السابع عشر)، وفي سنوات عمره صكّ مصطلح فلسفة الدين في منشور أثار الإعجاب والجدل؛ بل أصدر وباسم مستعار في أوغسبورغ (في بافاريا الألمانية) سنة 1772 كتابه (فلسفة الدين) وطاب له هذا الإصدار حتى راح يوسّعه بين سنة 1773 لغاية سنة 1781 حتى أصبح في سبعة مجلّدات، وهي معلومات قيمة عن مشاركته هذه (ص 144 – 145، الجزء الأول).
إن هذا التأصيل التاريخي من جانب غرايش شبيه بتأصيل عبد الجبار الرفاعي في المقدّمة التي نُشرت مع الكتاب الذي صدر سنة 2019، فكلاهما وعى درس التأصيل وجاء به إلى مدار أن يكون...، وكلاهما يمتلك الوعي الأبستمولوجي لخلق اللحظة المعرفية الحقّة التي نأى عنها التاريخ وخلق غشاوة هي الموئل للخداع، الأمر الذي يعني وجود صعوبات على قارعة الطريق لا بد من تذليلها وهو ما فعله عبد الجبار الرفاعي وزميله جان غرايش كل بحسب ما أشتغل وتأمل وكتب فطوبى لهما باحثين جادين؛ الأول كان يوسّع من دائرة البحث نحو تكاملية في ظهور المصطلح والثاني يؤصل ظهور مصطلح فلسفة الدين عبر قرنين من الزمان فاستحقا اِلإشارة على ما فعلاه وأصدراه.
إن كلا الكتابين يعدان مدران مهمان في فلسفة الدين، وكلا الباحثان أدليا بجهدهما فبوركا على ما فعلا.
https://alsabaah.iq/40137/%D8%A3%D8%B1%D8%AE%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%84%D8%AD-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%83%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D9%86%D9%89-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%80%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%80%D9%89-%D8%AC%D9%80%D8%A7%D9%86-%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%B4
الفلسفة الدينية عند عبد الجبار الرفاعي: رؤية في أفق المعنى

في عمق مشروع عبد الجبار الرفاعي الفلسفي يكمن تصور للدين لا ينحصر في العقائد والطقوس، بل يتجاوزهما إلى تجربة وجودية ممتدة في أفق المعنى. فالدين، في تعريفه، هو “حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية”. هذا التعريف لا يقدّم الدين كنسق مغلق أو مجموعة من المقولات الجاهزة، بل كحالة وجودية، ينفعل بها الإنسان، ويعيشها بكل كيانه، بما يشمل عقله وروحه ووجدانه.
ولكن ما الذي يعنيه هذا التعريف فلسفيًا؟ وكيف تتفاعل العناصر الثلاثة – الروحي، والأخلاقي، والجمالي – لتشكّل وحدة عضوية ديناميكية؟
هنا نلج إلى عمق الفلسفة الدينية عند الرفاعي، حيث لا ينفصل الدين عن بنية الحياة نفسها، بل يصبح نسيجًا متكاملاً من المعاني التي تتوالد وتتفاعل باستمرار.

أولًا: الدين كتجربة وجودية ومعنى روحي
الدين، عند الرفاعي، ليس بنية فوقية مفروضة من الخارج، بل ينبثق من أعماق الإنسان، استجابةً لحاجة وجودية أصيلة إلى المعنى. الإنسان، كما يراه، كائن متعطش للمعنى، غير قادر على تحمل العبث والفراغ الروحي. ومن هنا، يصبح البعد الروحي في الدين ليس مجرد عنصر ثانوي، بل هو مركز الجاذبية الذي يدور حوله كل شيء.
في هذا الإطار، يتجاوز الرفاعي الرؤية الاختزالية للدين، والتي تحصره في المنظومة العقائدية أو الفقهية، ويفتحه على أفق أوسع، حيث التجربة الروحية ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية. فالدين يمدّ الإنسان بنسق من الطمأنينة، يمنحه إحساسًا بالسكينة وسط صخب الحياة، ويجعله قادرًا على مواجهة الاغتراب الوجودي الذي طالما أقلق الفلاسفة منذ كيركغارد حتى كامو.
لكن هذه التجربة الروحية ليست مفصولة عن الواقع، بل تتجلى في الأخلاق والسلوك اليومي، وهنا يظهر التفاعل العميق بين المعنى الروحي والمعنى الأخلاقي.

ثانيًا: المعنى الأخلاقي كامتداد للروحانية
إذا كان الدين يزود الإنسان بمعنى روحي، فإن هذا المعنى لا يبقى حبيس التأملات المجردة، بل يتجلى في الممارسة الأخلاقية. الأخلاق، عند الرفاعي، ليست مجرد منظومة أوامر ونواهٍ، بل هي امتداد طبيعي للحالة الروحية التي يعيشها الإنسان. بعبارة أخرى، كلما تعمّق الإنسان في تجربته الروحية، كلما انعكست هذه التجربة في سلوكه الأخلاقي.
هذه الرؤية تتجاوز التصورات التقليدية التي تفصل بين الدين كإيمان وبين الأخلاق كممارسة، حيث يؤكد الرفاعي أن الأخلاق ليست مجرد التزام اجتماعي أو قانوني، بل هي تعبير عن حالة روحية عميقة. الفضيلة الأخلاقية ليست طاعةً ميكانيكيةً لأوامر خارجية، بل هي ثمرة لنضج روحي يجعل الإنسان ينحاز إلى الخير بإرادته.
وهنا، يظهر لنا أن الأخلاق عند الرفاعي ليست جامدة أو مفروضة بالقوة، بل هي أخلاق ديناميكية، تتفاعل مع النمو الروحي للإنسان، مما يمنحها بعدًا وجوديًا لا يمكن فصله عن أصلها الروحي.

ثالثًا: الجمال كركيزة للروحانية والأخلاق
إذا كانت الروحانية هي أصل الأخلاق، فإن الجمال يشكّل البعد الذي يمنح هذه العلاقة حيويةً وثراءً. الدين، عند الرفاعي، ليس فقط تجربة عقلية أو سلوكية، بل هو أيضًا تجربة جمالية، حيث يُدرك الإنسان المعنى الروحي والأخلاقي عبر الجمال.
الجمال هنا ليس مجرد بعد فني أو حسي، بل هو الجمال الكوني الذي يتجلى في الطبيعة، وفي القيم، وفي الفن، وفي العلاقات الإنسانية. عندما يتحدث الرفاعي عن الجمال، فإنه لا ينظر إليه كترف أو كعنصر هامشي، بل يراه جزءًا من البنية العميقة للدين. فالدين الحقيقي، كما يراه، لا يمكن أن يكون منفرًا أو قبيحًا، بل هو بالضرورة تجربة جمالية تنطوي على الإحساس بالدهشة، والتفاعل مع الجلال والجمال في العالم.
إن إدراك الجمال يعمّق الروحانية، لأن الإنسان لا يكتفي بإدراك المعنى، بل يشعر به، ويتذوقه كخبرة حيّة. وهذا التذوق الجمالي لا يبقى معزولًا، بل يفيض على الأخلاق، فيجعلها أكثر إشراقًا وحيوية. فالفضيلة التي تُمارَس بوعي جمالي تكون أعمق وأصدق من الفضيلة التي تُمارَس بدافع الواجب وحده.
وهكذا، فإن العلاقة بين الروحانية والأخلاق والجمال عند الرفاعي ليست علاقة تجاور، بل هي علاقة تفاعل ديناميكي مستمر، كل عنصر منها يُغذّي الآخر ويثريه.

رابعًا: الدين كنسيج حيّ من التفاعل بين الروحي والأخلاقي والجمالي
من خلال هذه الرؤية، لا يعود الدين مجرد منظومة منفصلة عن الحياة، بل يصبح نسيجًا حيًا من التفاعل المستمر بين الروحي والأخلاقي والجمالي. هذه العناصر الثلاثة ليست مجرد مكونات منفصلة، بل هي وحدة عضوية ديناميكية، كل منها يتأثر بالآخر ويؤثر فيه:
   •   الروحانية العميقة تولّد أخلاقًا أصيلة، غير قائمة على الخوف أو القسر، بل على إدراك داخلي لمعنى الحياة.
   •   الأخلاق، عندما تكون متجذّرة في تجربة روحية، تصبح أكثر إنسانيةً وأقل ميكانيكية.
   •   الجمال، عندما يكون جزءًا من التجربة الدينية، يجعل هذه التجربة أكثر حياةً وبهجة، ويمنحها أفقًا أرحب من المعنى.
وهذا التفاعل المستمر يجعل الدين، في فلسفة الرفاعي، ليس مجرد منظومة جامدة، بل تجربة حيوية تنمو وتتطور، وتتجلى بأشكال مختلفة في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية.

الخاتمة: نحو فلسفة دينية متجددة
الفلسفة الدينية عند عبد الجبار الرفاعي ليست اجترارًا للتراث، ولا تقليدًا للأنساق الفكرية الغربية، بل هي محاولة أصيلة لتقديم فهم جديد للدين، يتجاوز الرؤى الفقهية الجامدة، والتصورات العقائدية المغلقة، نحو دين ينبض بالحياة، ويفتح أفق المعنى، ويستجيب لحاجة الإنسان الوجودية إلى الروحانية والأخلاق والجمال.
هذا التصور يجعل الدين تجربة غنية، لا تختزل في الشعائر، بل تمتد إلى أعمق طبقات الكينونة الإنسانية، بحيث يصبح الدين ليس فقط ما نؤمن به، بل ما نعيشه ونختبره ونحياه. https://www.facebook.com/100000165230921/posts/pfbid0bnxmYgtutsWiwvqvNmuNCuVnV1vYQdbS2ZXvzTmsWiPuguGpawC4aUxDSuG9RyHUl/
مقارنة بين فلسفة الدين عند عبد الجبار الرفاعي ونصر حامد أبو زيد: قراءة في ضوء تعريف الرفاعي وأبو زيد للدين
تتناول هذه الدراسة مقارنة بين فلسفة الدين عند عبد الجبار الرفاعي و فلسفة الدين عند نصر حامد أبو زيد، من خلال تحليل رؤيتهما لمفهوم الدين، والتأويل، والبُعد الروحي والجمالي، والعلاقة بين الدين والحداثة. سنعتمد في هذه المقارنة على تعريف عبد الجبار الرفاعي الجديد للدين، الذي ينظر إليه باعتباره “حياة في أفق المعنى تفرضها الحاجة الوجودية لمعنى روحي وأخلاقي وجمالي في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية.” وسنستعين بنصوص من كتبهما المتاحة لتوضيح الفوارق الجوهرية في رؤيتهما.
1. مفهوم الدين: التجربة الوجودية عند الرفاعي مقابل البنية النصية عند أبو زيد:
أولًا: عبد الجبار الرفاعي والدين كحياة في أفق المعنى: يرى عبد الجبار الرفاعي أن الدين ليس مجرد منظومة اعتقادية أو مجموعة من الأحكام الفقهية، بل هو تجربة وجودية عميقة تمنح الإنسان معنى لحياته، وتلبّي حاجاته الروحية والأخلاقية والجمالية. في كتابه “مقدمة في علم الكلام الجديد”، يقول: “الدين ليس خطابًا جامدًا أو نصوصًا معزولة عن سياقاتها، بل هو حياةٌ تُعاشُ في أفق المعنى، إذ يشكّل وعي الإنسان بذاته، ويوجّهه نحو التسامي الروحي والتكامل الأخلاقي.”. بهذا، يؤكد الرفاعي أن الدين أبعد من كونه نصوصًا فقط، بل هو تجربة تُغني الوجود الإنساني وتساعده على تجاوز القلق الوجودي.
ثانيًا: نصر حامد أبو زيد والدين كنص ثقافي تأويلي: على الجانب الآخر، ينظر نصر حامد أبو زيد إلى الدين بوصفه نصًّا لغويًا خاضعًا للتأويل والتغير بحسب السياق التاريخي والاجتماعي. في كتابه “نظرة جديدة للقرآن: نحو تأويل إنساني”، يؤكد أبو زيد: “النص الديني ليس كيانًا ثابتًا منفصلًا عن الواقع، بل هو جزءٌ من التاريخ الإنساني، ويتشكّل معناه وفقًا للظروف الثقافية والاجتماعية التي ينشأ فيها.” هنا، يظهر الفرق الأساسي بينهما؛ فبينما يرى الرفاعي أن الدين حالة وجودية متجاوزة، يرى أبو زيد أنه نص ثقافي يخضع للتأويل.
2.تأويل النص الديني: المعنى الروحي مقابل التحليل اللساني والتاريخي:
أولًا: عبد الجبار الرفاعي والتأويل كبحث عن المعنى الروحي: يتبنّى عبد الجبار الرفاعي رؤية تأويلية تهدف إلى إحياء البعد الروحي للنصوص الدينية، ويرى أن فهم الدين لا يكتمل إلا من خلال استيعاب تجربة الإيمان الحيّة، وليس فقط تحليل النصوص. في “الدين والظمأ الأنطولوجي”، يكتب: “التأويل ليس مجرد عملية لغوية أو تاريخية، بل هو مسعى لاكتشاف الأبعاد العميقة للنصوص، تلك الأبعاد التي تنير الطريق للباحث عن الطمأنينة الوجودية.”.
ثانيًا: نصر حامد أبو زيد والتأويل كعملية لغوية تاريخية: يرى أبو زيد أن التأويل هو تحليل للخطاب، يهدف إلى كشف العلاقة بين النص والسلطة والسياق التاريخي. في “النص والسلطة والحقيقة”، يقول: “النصوص الدينية ليست مفصولة عن صراعات السلطة والمعرفة، وتأويلها يكشف كيف تشكّلت في سياقاتها، وما الدور الذي لعبته في تشكيل الخطاب الديني المهيمن.” يبرز هنا اختلاف جوهري بينهما: • الرفاعي يرى التأويل طريقًا لتعميق التجربة الروحية. • أبو زيد يرى التأويل أداةً لتفكيك البنية اللغوية للنصوص الدينية.
3. البعد الجمالي والأخلاقي للدين:
أولًا: عبد الجبار الرفاعي والجمال كعنصر جوهري في الدين: يرى الرفاعي أن الدين يحمل بعدًا جماليًا أساسيًا، حيث يمنح الحياة بهجةً ومعنىً. في “الدين والظمأ الأنطولوجي”، يقول: “الإيمان ليس فقط التزامًا أخلاقيًا، بل هو تجربة جمالية تفتح أفقًا من الدهشة والتأمل، مما يمنح الإنسان إحساسًا أعمق بالحياة.”.
ثانيًا: نصر حامد أبو زيد وتركيزه على البنية النصية دون البعد الجمالي: أبو زيد، في المقابل، لا يعالج الدين من زاوية جمالية أو روحية، بل يُركّز على بنية الخطاب الديني. في “هكذا تكلم ابن عربي”، يشير إلى أن: “النصوص الصوفية تعكس تحولات الفكر الديني في مراحل تاريخية معينة، وليس مجرد تجارب جمالية شخصية.”.
4. العلاقة بين الدين والحداثة:
أولًا: الرفاعي والدين كقوة متجددة تواكب الحداثة: يرى الرفاعي أن الدين يمكن أن يتجدد ويواكب الحداثة إذا تم التركيز على جوهره الروحي والأخلاقي والجمالي، وليس فقط على الأحكام االفقهية الجامدة. في “مقدمة في علم الكلام الجديد”، يكتب: “لكي يكون الدين فاعلًا في عصر الحداثة، يجب أن يستعيد روحه الحيّة، بدلًا من أن يتحوّل إلى مؤسسات سلطوية تحاول فرض وصايتها على العقل.” ثانيًا: أبو زيد والدين كخطاب تاريخي يجب تفكيكه: أما أبو زيد، فيرى أن الحداثة تتطلب نقد الخطاب الديني، وإعادة تأويله بطرق جديدة تتجاوز القراءات التقليدية. في “الخطاب الديني”، يقول:“الخطاب الديني التقليدي يعوق التطور الاجتماعي لأنه يتعامل مع النصوص باعتبارها مطلقة وثابتة، بينما تحتاج المجتمعات الحديثة إلى فهم ديني أكثر ديناميكية.”
• الرفاعي يُركّز على المعنى الروحي والجمالي للدين، ويرى أن الإيمان يمنح الإنسان تجربة وجودية غنية.
• أبو زيد يُركّز على تحليل النصوص وتأويلها بوصفها نتاجًا ثقافيًا، ويرى أن التأويل يجب أن يكون أداةً لتجاوز القراءات التقليدية. بهذا، يعكس كل منهما مقاربة مختلفة للدين؛ فالرفاعي يبحث عن الجانب الوجودي للدين، بينما يسعى أبو زيد إلى تحليل بنيته النصية.
عبد الجبار الرفاعي في كتابه "مقدمة في علم الكلام الجديد" تناول مفهوم الوحي بشكل مركب، أكّد الرفاعي أنَّ الوحي يجمع بين بعدين:
1.*البعد الإلهي الغيبي*: هذا البعد يشير إلى أن الوحي في جوهره تجربة غيبية متعالية، فهو إشراقٌ إلهي واتصالٌ بين الله والنبي، وهو المصدر الذي يمنح الوحي قداسته وشرعيته. الرفاعي هنا يلتقي مع التصورات التي ترى في الوحي كلمة الله الموجهة إلى البشر.
2. *البعد البشري التاريخي*: يضيف الرفاعي بعدًا آخر للوحي، وهو البعد البشري الذي يتجلى في كيفية تلقي النبي لهذا الوحي وتفسيره وصياغته بلغة وثقافة عصره. أي أن الوحي، وإن كان مصدره إلهيًا، فإنه حينما ينزل إلى عالم البشر يمر عبر الأفق المعرفي والوجداني للنبي، ويتفاعل مع سياق التاريخ والمجتمع. وهذا يعني أن اللغة، والتراكيب، والمفاهيم التي جاء بها الوحي ليست منفصلة عن الواقع الثقافي والاجتماعي لعصر النبوة.
3. *تميُّز رؤية الرفاعي* ما يميز طرح الرفاعي عن غيره من المفكرين الذين تحدثوا عن البعد التاريخي للوحي، مثل نصر حامد أبو زيد أو محمد أركون، هو أنه لا يختزل الوحي في البعد التاريخي فحسب، بل يحافظ على التوازن بين العنصر الغيبي والعنصر البشري، وهو بذلك يجمع بين نزعة روحانية تؤكد قدسية الوحي، ونزعة عقلانية تؤكد تفاعل الوحي مع الواقع التاريخي والاجتماعي.
*مقارنة مع نصر حامد أبو زيد*: إذا قارنّا رؤية الرفاعي بأبي زيد، نجد أن الأخير ركّز على البعد اللغوي والثقافي للوحي، معتبرًا أن النص القرآني هو تعبيرٌ عن واقعٍ تاريخيٍّ معين، وبالتالي يجب فهمه في ضوء السياق الذي أنتجه. بينما الرفاعي، رغم إقراره بتأثير الثقافة واللغة، لا يُفرّغ الوحي من بُعده الروحي، بل يرى أنه تواصلٌ إلهيٌّ يحمل معنىً يتجاوز الظرف التاريخي، لكنه في الوقت ذاته يتجلّى ضمن شروط بشرية محددة.
*أهمية طرح الرفاعي*: طرح الرفاعي يُقدّم حلاً وسطًا بين القراءات التراثية الجامدة للوحي التي تراه نصًا فوق تاريخي، وبين القراءات النقدية الصارمة التي تجعله نصًا ثقافيًا بحتًا. وهذا التوازن بين البعدين يعكس رؤيته العامة للدين بوصفه تجربةً روحيةً وأخلاقيةً، لا يمكن فصلها عن سياقها التاريخي، لكنها أيضًا ليست مجرّد انعكاس لهذا السياق. بهذا، يكون الرفاعي قد أعاد تعريف الوحي ضمن إطار علم الكلام الجديد، حيث يتحرّر الفهم الديني من الجمود، لكنه في الوقت ذاته يحتفظ بجوهره الروحي المتجاوز للماديات.
مقارنة_بين_فلسفة_الدين_عند_عبد_الجبار_الرفاعي_ونصر_حامد_أبو_زيد.pdf
276.8 KB
مقارنة بين فلسفة الدين عند عبد الجبار الرفاعي ونصر حامد أبو زيد
عبد الجبار الرفاعي فيلسوف دين (1-3).

(1)
عبد الجبار الرفاعي فيلسوف دين لأنه يعيد النظر في الدين من زاوية أنطولوجية، روحية، أخلاقية، وجمالية**، مبتعدًا عن النزعات الفقهية والكلامية التقليدية، ومقتربًا من مقاربات **فلسفة الدين الحديثة التي ترى في الدين تجربةً وجودية تتجاوز القوالب الجامدة.
عبد الجبار الرفاعي فيلسوف دين وليس داعيةً أو متكلمًا قديمًا أو فقيهًا، وذلك بالنظر إلى منطلقاته الفكرية ومنهجه في مقاربة الدين. يمكن إثبات ذلك من خلال مقارنة واضحة بينه وبين هذه التصنيفات الثلاثة:
أولًا: الفرق بينه وبين الداعية
الداعية يهدف إلى التبليغ والإرشاد، وغالبًا ما يسعى إلى تعزيز الالتزام الديني وفق منظور تبشيري أو وعظي. في المقابل، الرفاعي لا ينشغل بالدعوة، بل يعمل على تفكيك وتحليل الظواهر الدينية**، متسائلًا عن أصولها وأبعادها الفلسفية والأنطولوجية. كما أنه يتبنى موقفًا نقديًا تجاه التوظيف الأيديولوجي للدين، بينما الداعية يستخدم الدين غالبًا كأداة لتوجيه المجتمع نحو التزام سلوكي معين.
**ثانيًا: الفرق بينه وبين المتكلم القديم
المتكلمون في التراث الإسلامي (كالأشاعرة والمعتزلة) كانوا يهدفون إلى الدفاع العقلي عن العقائد الدينية**، مستخدمين أدوات المنطق والجدل، وكان اهتمامهم الأساسي هو إثبات صحة العقيدة الإسلامية أمام الخصوم الفكريين. أما الرفاعي، فهو لا ينشغل بالدفاع عن عقيدة معينة، بل يتعامل مع الدين بوصفه **تجربةً روحية وإنسانية تستجيب للظمأ الوجودي. يقول في كتابه *"الدين والظمأ الأنطولوجي"*: "الدين ليس منظومة مغلقة من العقائد والطقوس، بل هو استجابة وجدانية عميقة لحاجة الإنسان إلى المعنى والطمأنينة". كما أن المتكلم يعتمد على أصول كلامية قديمة، بينما الرفاعي يوظف مفاهيم الفلسفة الحديثة في مقاربته للدين، مثل التأويل والظاهراتية والأنطولوجيا.
ثالثًا: الفرق بينه وبين الفقيه
الفقيه يهتم بالأحكام الشرعية وتفاصيل الحلال والحرام، ويشتغل ضمن منهجية نصية استنباطية تقوم على الاجتهاد الفقهي ضمن المذاهب الإسلامية التقليدية. أما الرفاعي، فهو لا يتناول الأحكام الشرعية، بل ينشغل بأسئلة أعمق تتعلق بماهية الدين ودوره في حياة الإنسان**، مثل: لماذا يحتاج الإنسان إلى الدين؟ وما العلاقة بين الدين والكرامة الإنسانية؟ وما أثر الدين في تكوين المعنى الوجودي للإنسان؟ وهذه الأسئلة لا تقع ضمن نطاق علم الفقه. في كتابه *"الدين والكرامة الإنسانية"*، يقول: "الدين ليس أداة للسيطرة ولا مجرد منظومة أوامر ونواهٍ، بل هو منبع للكرامة والرحمة والتآخي الإنساني".
**لماذا يُعد الرفاعي فيلسوف دين؟
لأنه يتناول الدين بمنهج فلسفي تأويلي**، وليس بمنهج فقهي أو كلامي أو وعظي. ينطلق من قضايا **الإنسان والوجود والمعنى**، ويستفيد من **فلسفات الدين الغربية**، مثل بول تيليش وجون هيك، بدلًا من الاقتصار على المناهج التراثية. كما أن مشروعه الفكري يتمحور حول **تحرير الدين من التوظيف السلطوي والأيديولوجي**، والدعوة إلى فهمه بوصفه تجربةً **جمالية وأخلاقية وروحية**، لا منظومة من الأحكام والقوانين.
### **تحليل تعريفه للدين من منظور فلسفة الدين
عبد الجبار الرفاعي لا يعرف الدين باعتباره مجرد مجموعة من العقائد والطقوس والأحكام**، كما يفعل الفقهاء أو المتكلمون التقليديون، بل ينظر إليه باعتباره **استجابةً عميقةً لحاجة الإنسان الوجودية إلى المعنى. فهو يرى أن الدين ليس مجرد نصوص وقوانين، بل هو تجربة أنطولوجية تتصل بوجود الإنسان وحاجته إلى السكينة والطمأنينة. إذ يقول في تعريفه للدين: "الدين حياة في أفق المعنى، تفرضها حاجة وجودية للمعاني الروحية والأخلاقية والجمالية في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية".
ويتضح ذلك في كتابه *"الدين والظمأ الأنطولوجي"*, يؤكد أن الدين هو استجابة للظمأ الروحي العميق الذي يعانيه الإنسان، وهو بذلك يعيد ربط الدين بالبعد الأنطولوجي والفلسفي**، وليس بالجدل الكلامي أو الفقهي. وهذا التناول يتماشى مع منهج **فلسفة الدين الحديثة التي تبحث في الأسس الوجودية للدين بدلًا من التركيز على التشريعات أو الجدل العقدي.
عبد الجبار الرفاعي فيلسوف دين (2-3).

(2)
### إبراز المعاني الروحية في الدين
يرى الرفاعي أن جوهر الدين ليس في التشريعات والأحكام، بل في التجربة الروحية التي تمنح الإنسان معنى لحياته. فهو يركز على البعد التأملي والصوفي للدين**، ويعتبر أن الدين يمنح الإنسان **الشعور بالأمان الداخلي**، وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال القوانين فقط. يقول في *"إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين"*: "كل تجربة دينية أصيلة هي بحث عن الطمأنينة الروحية، لا مجرد امتثال خارجي للأوامر والنواهي".
بخلاف الفقيه الذي ينظر إلى الدين من زاوية التشريع، والمتكلم الذي ينظر إليه من زاوية الدفاع العقدي، يعيد الرفاعي الاعتبار إلى **البعد الروحي للدين**، متأثرًا بفلاسفة الدين مثل **بول تيليش وويليام جيمس**، الذين يرون أن **التجربة الدينية هي جوهر الإيمان**، وليست مجرد التزام حرفي بالنصوص.
### **البعد الأخلاقي في تعريفه للدين
يؤكد الرفاعي، خصوصًا في كتاب *"الدين والكرامة الإنسانية"*, أن الدين يجب أن يكون مصدرًا لتعزيز كرامة الإنسان**، لا أداة للهيمنة والسيطرة. فهو ينتقد القراءات الفقهية التي تجعل الدين مجرد منظومة أوامر ونواهٍ، ويعيد التأكيد على أن الدين في جوهره **يهدف إلى تحقيق العدالة والرحمة. يقول: "لا يمكن أن يكون الدين الحقيقي أداة لإذلال الإنسان، بل هو ينبوع الكرامة والتحفيز الأخلاقي".
هذه الرؤية تتطابق مع فلسفة الدين الأخلاقية**، كما طوّرها **إيمانويل كانط وجون هيك، حيث يصبح الدين أساسًا للتحفيز الأخلاقي وليس مجرد طقوس وشعائر. هنا يبتعد الرفاعي عن التصورات الفقهية التقليدية التي تختزل الأخلاق في الامتثال للنصوص، ويقترب من الرؤية الفلسفية التي ترى أن الإنسانية والأخلاق جوهر أي تجربة دينية حقيقية.
### البعد الجمالي في الدين
في العديد من كتاباته، يشير الرفاعي إلى أن الدين ليس مجرد التزام عقائدي أو فقهي، بل هو تجربة جمالية ترتبط بالإحساس بالسمو والقداسة. وهو يرى أن كثيرًا من القراءات التقليدية للدين أفقدته حسّه الجمالي، وجعلته جافًا ومجردًا من الروحانية. يقول: "الدين بلا جمال يتحول إلى أيديولوجيا مغلقة، تفقده جوهره الروحي العميق".
هذه النظرة تتماشى مع فلسفات الدين التي ترى أن الجمال عنصر جوهري في التجربة الدينية**، مثل فلسفة **شلايرماخر الذي أكد أن التدين الأصيل هو ذلك الذي يوقظ الإحساس بالجمال والسمو، وليس ذلك الذي يفرض القواعد الصارمة فقط.
عبد الجبار الرفاعي هو فيلسوف دين لأنه يعيد النظر في الدين من زاوية أنطولوجية، روحية، أخلاقية، وجمالية**، مبتعدًا عن النزعات الفقهية والكلامية التقليدية، ومقتربًا من مقاربات **فلسفة الدين الحديثة التي ترى في الدين تجربةً وجودية تتجاوز القوالب الجامدة.
عبد الجبار الرفاعي هو فيلسوف دين وليس داعيةً أو متكلمًا قديمًا أو فقيهًا، وذلك بالنظر إلى منطلقاته الفكرية ومنهجه في مقاربة الدين. يمكن إثبات ذلك من خلال مقارنة واضحة بينه وبين هذه التصنيفات الثلاثة:
أولًا: الفرق بينه وبين الداعية
الداعية يهدف إلى التبليغ والإرشاد، وغالبًا ما يسعى إلى تعزيز الالتزام الديني وفق منظور تبشيري أو وعظي. في المقابل، الرفاعي لا ينشغل بالدعوة، بل يعمل على تفكيك وتحليل الظواهر الدينية**، متسائلًا عن أصولها وأبعادها الفلسفية والأنطولوجية. كما أنه يتبنى موقفًا نقديًا تجاه التوظيف الأيديولوجي للدين، بينما الداعية يستخدم الدين غالبًا كأداة لتوجيه المجتمع نحو التزام سلوكي معين.
**ثانيًا: الفرق بينه وبين المتكلم القديم
المتكلمون في التراث الإسلامي (كالأشاعرة والمعتزلة) كانوا يهدفون إلى الدفاع العقلي عن العقائد الدينية**، مستخدمين أدوات المنطق والجدل، وكان اهتمامهم الأساسي هو إثبات صحة العقيدة الإسلامية أمام الخصوم الفكريين. أما الرفاعي، فهو لا ينشغل بالدفاع عن عقيدة معينة، بل يتعامل مع الدين بوصفه **تجربةً روحية وإنسانية تستجيب للظمأ الوجودي. يقول في كتابه *"الدين والظمأ الأنطولوجي"*: "الدين ليس منظومة مغلقة من العقائد والطقوس، بل هو استجابة وجدانية عميقة لحاجة الإنسان إلى المعنى والطمأنينة". كما أن المتكلم يعتمد على أصول كلامية قديمة، بينما الرفاعي يوظف مفاهيم الفلسفة الحديثة في مقاربته للدين، مثل التأويل والظاهراتية والأنطولوجيا.
عبد الجبار الرفاعي فيلسوف دين (3-3).

(3)
ثالثًا: الفرق بينه وبين الفقيه
الفقيه يهتم بالأحكام الشرعية وتفاصيل الحلال والحرام، ويشتغل ضمن منهجية نصية استنباطية تقوم على الاجتهاد الفقهي ضمن المذاهب الإسلامية التقليدية. أما الرفاعي، فهو لا يتناول الأحكام الشرعية، بل ينشغل بأسئلة أعمق تتعلق بماهية الدين ودوره في حياة الإنسان**، مثل: لماذا يحتاج الإنسان إلى الدين؟ وما العلاقة بين الدين والكرامة الإنسانية؟ وما أثر الدين في تكوين المعنى الوجودي للإنسان؟ وهذه الأسئلة لا تقع ضمن نطاق علم الفقه. في كتابه *"الدين والكرامة الإنسانية"*، يقول: "الدين ليس أداة للسيطرة ولا مجرد منظومة أوامر ونواهٍ، بل هو منبع للكرامة والرحمة والتآخي الإنساني".
**لماذا يُعد الرفاعي فيلسوف دين؟
لأنه يتناول الدين بمنهج فلسفي تأويلي**، وليس بمنهج فقهي أو كلامي أو وعظي. ينطلق من قضايا **الإنسان والوجود والمعنى**، ويستفيد من **فلسفات الدين الغربية**، مثل بول تيليش وجون هيك، بدلًا من الاقتصار على المناهج التراثية. كما أن مشروعه الفكري يتمحور حول **تحرير الدين من التوظيف السلطوي والأيديولوجي**، والدعوة إلى فهمه بوصفه تجربةً **جمالية وأخلاقية وروحية**، لا منظومة من الأحكام والقوانين.
### **تحليل تعريف الرفاعي للدين من منظور فلسفة الدين
عبد الجبار الرفاعي لا يعرف الدين باعتباره مجرد مجموعة من العقائد والطقوس والأحكام**، كما يفعل الفقهاء أو المتكلمون التقليديون، بل ينظر إليه باعتباره **استجابةً عميقةً لحاجة الإنسان الوجودية إلى المعنى. فهو يرى أن الدين ليس مجرد نصوص وقوانين، بل هو تجربة أنطولوجية تتصل بوجود الإنسان وحاجته إلى السكينة والطمأنينة. إذ يقول في تعريفه للدين: "الدين حياة في أفق المعنى، تفرضها حاجة وجودية للمعاني الروحية والأخلاقية والجمالية في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية".
في كتابه *"الدين والظمأ الأنطولوجي"*, يؤكد الرفاعي أن الدين هو استجابة للظمأ الروحي العميق الذي يعانيه الإنسان، وهو بذلك يعيد ربط الدين بالبعد الأنطولوجي والفلسفي**، وليس بالجدل الكلامي أو الفقهي. وهذا التناول يتماشى مع منهج **فلسفة الدين الحديثة التي تبحث في الأسس الوجودية للدين بدلًا من التركيز على التشريعات أو الجدل العقدي.
### إبراز المعاني الروحية في الدين
يرى الرفاعي أن جوهر الدين ليس في التشريعات والأحكام، بل في التجربة الروحية التي تمنح الإنسان معنى لحياته. فهو يركز على البعد التأملي والصوفي للدين**، ويعتبر أن الدين يمنح الإنسان **الشعور بالأمان الداخلي**، وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال القوانين فقط. يقول في *"إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين"*: "كل تجربة دينية أصيلة هي بحث عن الطمأنينة الروحية، لا مجرد امتثال خارجي للأوامر والنواهي".
بخلاف الفقيه الذي ينظر إلى الدين من زاوية التشريع، والمتكلم الذي ينظر إليه من زاوية الدفاع العقدي، يعيد الرفاعي الاعتبار إلى **البعد الروحي للدين**، متأثرًا بفلاسفة الدين مثل **بول تيليش وويليام جيمس**، الذين يرون أن **التجربة الدينية هي جوهر الإيمان**، وليست مجرد التزام حرفي بالنصوص.
### **البعد الأخلاقي في تعريفه للدين
يؤكد الرفاعي، خصوصًا في كتاب *"الدين والكرامة الإنسانية"*, أن الدين يجب أن يكون مصدرًا لتعزيز كرامة الإنسان**، لا أداة للهيمنة والسيطرة. فهو ينتقد القراءات الفقهية التي تجعل الدين مجرد منظومة أوامر ونواهٍ، ويعيد التأكيد على أن الدين في جوهره **يهدف إلى تحقيق العدالة والرحمة. يقول: "لا يمكن أن يكون الدين الحقيقي أداة لإذلال الإنسان، بل هو ينبوع الكرامة والتحفيز الأخلاقي".
هذه الرؤية تتطابق مع فلسفة الدين الأخلاقية**، كما طوّرها **إيمانويل كانط وجون هيك، حيث يصبح الدين أساسًا للتحفيز الأخلاقي وليس مجرد طقوس وشعائر. هنا يبتعد الرفاعي عن التصورات الفقهية التقليدية التي تختزل الأخلاق في الامتثال للنصوص، ويقترب من الرؤية الفلسفية التي ترى أن الإنسانية والأخلاق جوهر أي تجربة دينية حقيقية.
### البعد الجمالي في الدين
في العديد من كتاباته، يشير الرفاعي إلى أن الدين ليس مجرد التزام عقائدي أو فقهي، بل هو تجربة جمالية ترتبط بالإحساس بالسمو والقداسة. وهو يرى أن كثيرًا من القراءات التقليدية للدين أفقدته حسّه الجمالي، وجعلته جافًا ومجردًا من الروحانية. يقول: "الدين بلا جمال يتحول إلى أيديولوجيا مغلقة، تفقده جوهره الروحي العميق".
هذه النظرة تتماشى مع فلسفات الدين التي ترى أن الجمال عنصر جوهري في التجربة الدينية**، مثل فلسفة **شلايرماخر الذي أكد أن التدين الأصيل هو ذلك الذي يوقظ الإحساس بالجمال والسمو، وليس ذلك الذي يفرض القواعد الصارمة فقط.