عبدالجبار الرفاعي
3.77K subscribers
618 photos
51 videos
270 files
1.09K links
مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضۚ
Download Telegram
تجديد الدين يبدأ بتجديد علم الكلام

عبدالجبار الرفاعي

الدينُ لا يموت ما يموت هو الصورُ المتوحشة العنيفة لله التي صنعها الإنسان ، ما يموت هو كلُّ شيء يصنعه الإنسان و يضع الدينَ في مواجهة الاحتياجات الأساسية للروح والقلب والعواطف والضمير والجسد والعقل ، اللهُ حيٌّ لا يموت ما يموت هو ما يصنعه الإنسانُ من صورٍ لله يستعملها في خدمة مصالحه و احتياجاته، للاستحواذ على المال والثروة والسلطة بإسم الله.
تجديد الدين يبدأ بتجديد علم الكلام ، أية بداية للتجديد في الإسلام لا تبدأ بعلم الكلام ومسلّماته المنطقية والفلسفية، فإنها تقفز إلى النتائج من دون المرور بالمقدّمات ، تجديد الفقه مثلًا يبتني على تجديد علم الكلام؛ ذلك أن قبليات ومسبقات أصول الفقه، الذي يبتني عليه الاستنباط الفقهي، ليست سوى مسلّمات ومقولات لاهوتية حقلها هو علم الكلام و مما لا شك فيه أنه لا يمكن تخطي القراءة السلفية المغلقة للنصوص، وإنتاج قراءة تواكب العصـر ما لم يعد النظر بالبنية التحتية العميقة لإنتاج تفسير النصوص، تتخطّى آليات النظر و الفهم المتوارثة.
تجديد علم الكلام يستوعب غربة الواقع بأزماته ومشكلاته المزمنة و يتجاوز غربة التراث؛ ذلك أن التراث ينتمي إلى واقع مضـى، فالإصرار على استدعائه بتمامه يعني استدعاء ذلك الواقع و من ثم إلغاء عنصـرَي الزمان والمكان و نفي الصيرورة والتحوّل،ط والنزوع نحو سكونية لا تاريخية يتكرّر فيها الماضي والحاضر والمستقبل، وتغدو عملية التقدم هروبًا ارتداديًّا إلى الوراء و توغلًا في الماضي ، واستئنافًا للأفكار و المواقف والنماذج التاريخية ذاتها و كأن الأموات في حياتنا أشدّ حياة من الأحياء و كأن حاضرنا و مستقبلنا يقبض عليه و يصنعه الأموات أكثر مما نقبض عليه ونصنعه نحن…
تتمة النص على هذا الرابط:
https://littleencyclopedia.com/1721/
مَن يُلهِم المحبّة لغيره يعيش بسلام
د. عبد الجبار الرفاعي
يقعُ التناقضُ أحيانًا بين ما يرغبُ في فعله الإنسانُ ويتمناه بوصفه يكفلُ سلامَه الداخلي، وما تفرضه عليه طبيعتُه من نزوع للعنف، بوصف هذه الطبيعة ملتقى الأضداد. ترويضُ الطبيعة الإنسانية بالتربية الروحية والأخلاقية والجمالية يكفلُ احتواءَ هذا التناقض إلى حدٍّ كبير، إذ يخفض فاعلية عناصر الشرّ الكامنة في النفس الإنسانية، ويبعث ويغذّي عناصرَ الخير والمحبة والتراحم الكامنة فيها.
التربيةُ عمليةٌ ديناميكية وليست ميكانيكية، إنها كالمعادلات الكيمياوية التي تختلفُ نتائجها تبعًا لاختلاف كيفيات عناصرها وكمياتها، فقد تكون ثمرتُها الاستعباد،كما هو نمط تربية أكثر المؤسسات في مجتمعنا الوارثة لتقاليد الاستبداد وثقافته، وقد تكون ثمرتُها الحرية، وهذه قليلًا ما نعثر عليها في مجتمعنا. التربيةُ إن كانت ترتكز على معطيات العلوم والمعارف الإنسانية والقيمِ الأخلاقية والروحية والجمالية فإنها تكون تربيةً خلّاقة، تثري الشخصية وتنتج الرأسمالَ البشري النوعي، الذي هو أثمن رأسمال في العالم. وحين تغيب في التربية القيمُ والمعايير والاستراتيجيات والأساليب العلمية، وتجهل روحَ عصرها، فإنها تصير كجرعة السمّ التي تقوّض الحياةَ العقلية، وتمرض الحياةَ الروحية، وتطفئ الضميرَ الأخلاقي، وتُفسِد الذائقةَ الجمالية.
قوةُ الانسانِ بقوة المعاني الروحية والأخلاقية والجمالية المشبَعة فيها حياته. تكمنُ قوةُ الإنسانِ بغزارة منابعِ إلهامِ المعنى لحياتِه وعمقِ شعورِه فيها، وسعيه المتواصل لإفاضة المعنى على حياة إنسان آخر. الحبُّ من أعذبِ منابعِ المعنى، إنْ أحسَنّا إدارتَه بما يُصَيّرهُ مُلهِمًا للضوءِ والجمالِ والسلام الباطني. الحُبّ يعتمد على حكمتنا في إدارته وتوظيفه. إن أحسنا توظيفه والإفادة منه أسعد حياتنا، وإن أسأنا توظيفه والإفادة منه فتك بحياتنا. يشعر الإنسان السويّ بالحب كأنّه سياحةٌ في مدنِ الضوء.
الحُبّ الأخلاقي أسمى مراتب الأمن الروحي والعاطفي والنفسي. الضميرُ الأخلاقي سياجُ المحبة وكلّ العلاقات الإنسانية الأصيلة. الضميرُ الأخلاقي يدعو الإنسان لاحترام ذاته والصدق معها أولاً، والحرص على نقاء صورته وصفائها أمام ذاته، قبل حرصه على صفاء صورته أمام الناس، الوضوحُ والصراحة مع الذات تطهّرُ الحُبّ والعلاقاتِ الإنسانية من الرياءِ والمراوغةِ والنفاقِ. الحُبّ كما يعيشه الإنسانُ الأخلاقي يتجلّى فيه الصدقُ مع الذات، والأمان والحمايةُ والرعايةُ والتهذيبُ واللطفُ في التعاملِ مع الآخر. الحُبّ ثقةٌ ومسؤوليةٌ، والمسؤوليةُ أعلى مراتبِ الالتزام، من ثمرات الحُبّ المسؤوليةُ الأخلاقيةُ تجاه مَن نحبّ، الحُبّ بلا شعورٍ بمسؤوليةٍ أخلاقيةٍ حيال مَن نحبّ كذبة. الحُبّ يعكسُ أعذبَ درجاتِ اهتمامِ الإنسانِ بالإنسانِ الذي يشعرُ أنَّه الأنا بصورتِها الأجملِ.
العمل الذي يبدأ بالحُبّ والشغف يتفوق مقارنة بأمثاله. الحُبّ الأصيل يعتقنا من الانزواء والعزلة في حياتنا، أن نحبّ إنسانًا جديرًا بالحُبّ يصيّرنا مثلما يصيّره إنسانًا جديدًا. للحُبّ طاقة خلّاقة يكتسب فيها كلُّ شيء يتوالد منه تفوقًا وفرادة. مادام الإنسان يُحبّ فهو يحلم بالأجمل، ومادام يحلم بالأجمل فعقله يصبح خلّاقًا، وقلبه لن يغادر الشباب. الصلات بين إنسان وآخر بحُبّ تجعل العلاقات الحياتية المتنوعة يسودها الودادُ والوئام والسلام، التفكير بحُبّ يفتح آفاقًا مضيئة في الذهن، الكتابة بحُبّ تكتسي فيها الكلماتُ كيمياءَ مؤثرة، إنجاز أي منجز بحُبّ يجعله متفردًا. ‏لولا الحُبّ ما تمكّن الكتّابُ وأنا منهم من الكتابة عن الحُبّ وغيره، بل أستطيع القول: ما يُكتَب بعناية وإبهار هو ثمرة للشغف والحُبّ. ‏عندما ينضب الشغفُ بالأعمال والأشخاص والأفكار يُصاب الإنسانُ بالسأم والإحباط، الذي يقود إلى اليأس، وقد ينتهي إلى فقدان كلّ معنى، وأخيرًا الاكتئاب الحاد.
ما دُمْتَ تُلهِم المحبة لإنسان فأنت سعيد، حضورك في ضمير كلِّ إنسان يتجلى ببصمتك المضيئة في قلب هذا الإنسان. الحُبّ مُلهِم لتغيير الذات، بلا إكراهٍ أو قهر. ‏ الحُبّ مُلهِم لما أنجزته الإنسانيةُ من إبداعات واختراعات واكتشافات في العلوم والفنون والآداب المختلفة.كان ومازال الحُبّ والشغفُ يمدّان الإنسانَ بالصبرِ الطويل، والطاقةِ الضرورية لإنجاز الأحلام الكبيرة. إيقاظُ الحُبّ وتغذيةُ منابعِ المحبة ضرورةٌ تربويةٌ وأخلاقيةٌ وروحية وجمالية. الحُبّ أساس بناءِ العائلة السعيدة، وعيشِ المجتمع في فضاء التنوع والاختلاف، وترسيخِ أُسُسِ السِّلم الأهلي، وتعزيزِ بنية المجتمع والدولة.
مَن يُلهِم الحُبّ لغيرة يعيش بسلام، مَن يُلهِمون الحُبّ لغيرهم قليلون ‏وربما نادرون. أكثر الناس غير قادرين على العطاء العاطفي والروحي، لذلك ينبغي أن ينتقي الإنسان أولئك القادرين على منح حياته أعذب معانيها. حُبّ الإنسان شاقٌّ على الإنسان، الحُبّ الأصيل عطاء، وليس كلُّ إنسان قادرًا على العطاء. الشُحّ ليس استثناءً في حياة الإنسان، استعدادُ الإنسان للشُحّ أشدُّ من استعداده للعطاء، استعدادُ الإنسان للندم ومحبة الغير بعد رحيلهم للعالَم الآخر أشدُّ من استعداده للامتنان والتقدير والاعتراف بمزايا غيره ومحبته وتقديره في حياته. طالما سمعنا ثناءً على موتى من أشخاصٍ كانوا لا يعترفون لهم بفضلٍ في حياتهم، مهما كانت آثارهم، وما قدموه من أجلِ إسعادِ الإنسان، لكن بعد رحيلهم من هذا العالم، وحضورِ أعمالِهم الكريمةِ في المجتمع والاحتفاء بها، يعودُ هؤلاء الذين لم يعترفوا بهم أو كانوا يهجونهم للاعترافِ بما قدموه من آثار مهمة.
أسوأ أنواعِ الشُحّ العجزُ عن إكرام الإنسان بكلمةِ محبّةٍ صادقة، وتجاهلُ الاعتراف بمواهبه ومنجزاته.كلمةُ المحبّة الصادقة بصمةُ القلوب المضيئة، تصدر مثلُ هذه الكلمة عن الضمير الأخلاقي اليقظ، الذي يرى إنسانية الإنسان قبل أن يرى دينه ومعتقده وإثنيته وثقافته وموطنه. نحن لا نشكّل أهميّةً لغيرِنا إلا بالقدرِ الذي نمنحُهم ‏ما يحتاجونَه من معنىً لحياتِهم، مكانتُك عند الآخرين يتحكم بها شعورُهم بالحاجة إليك، وقدرتُك على تلبيتها بلطف وأريحية، الأمان والحُبّ والتقدير والامتنان من أهم ما يحتاجه كلُّ إنسان.
لا يمكن أن يمنحَ الإنسانُ الحُبّ لغيره إن كان كارهًا لنفسه، ولا يمكن أن يرحمَ الإنسانُ غيرَه إن كان عنيفًا مع نفسه. بعضُ الناس عاجزٌ عن إنتاج الحُبّ، على الرغم من حاجته الشديدة إليه، ربما يكون ذلك الإنسانُ عاطفيًّا بلا حدود، ربما يمتلكُ حساسيةً فائقةً يفتقر إليها كثيرٌ من الناس، غير أن عجزَه عن إنتاج الحُبّ يعود لعقدٍ نفسيةٍ وعاهاتٍ تربوية، وجروح طفولة غاطسة في البنية اللاشعورية في أعماقه، تفرض عليه حياةً خانقة كئيبة، لا يمكنه الخلاصُ منها أو تخفيفُ وطأتها إلا بمراجعة مصحّ نفساني. أحيانًا لا يعجز الإنسانُ عن الحُبّ فقط، بل يعجز عن الخلاص من كراهية الناس وامتلاء القلب بالغلّ والحقد عليهم. تجده يتعذّب بكُرْه كلِّ الناس، ولو فرضنا أنه في يوم ما لا يجد مَنْ يكرهه فإنه يعود إلى ذاته ليكرهها.
مَن يحتقر ذاته يحتقره الآخرون، ولا يحظى باحترام أحد. ومَن يُكرم ذاته يُكرمه الآخرون، ويفرض احترامه على الجميع. أما من يركن للخنوع والضِّعَة والهوان، ويغرق في الشعور بالدونية والاحتقار، فإنه يُصبح إنسانًا رخيصًا مبتذلًا، يمكن لأي شخص أن يستعبده. مثل هذا الإنسان يكون مستعدًّا لفعل أي شيء، من دون تحكيم ضميره أو الالتزام بالقيم أو القانون. وقد يُسخِّر ذاته لأبشع الأفعال، ويُصبح أداةً بيد الآخرين تُستغّل لأداء أقذر المهمات.

https://alsabaah.iq/106355-.html
Forwarded from محمد بحر العلوم
IMG_6332.MP4
7.5 MB
عبدالجبار الرفاعي
IMG_6332.MP4
‏تعريف بكتاب: مفارقات وأضداد في توظيف الدين والتراث.
اعداد: محمد علي بحر العلوم.
الدّين والظمأ الأنطولوجي؛ الأفق والمعنى أو تحرير الدّين من إكراهات التّاريخ والموروث

د. أحمد يعقوب، كاتب من جنوب السودان

يحارُ المرء من أي مدخل يلجُ لقراءة كتاب “الدّين والظّمأ الأنطولوجي”  للدكتور #عبدالجبار_الرفاعي ؛  الكتاب الذي صدر في العام  2016عن مكتبة التنوير،وصدرت 2022 الطبعة الرابعة عن دار الرافدين ومركز دراسات فلسفة الدين، وطبعته الخامسة عام 2024 عن  مؤسسة هنداوي. وترجم إلى أكثر من لغة، وقيد الترجمة إلى لغات أخرى. سبب الحيرة أن كتاب ” الدّين والظمأ الانطولوجي” كتاب مفتوح على كل المصارع  ؛ مصارع الذات والتجربة الشخصية، وآفاق الإيمان والمعنى  . وأنا لا أطمح في خُطاطتي هذه ؛ سوى أن أقرأ ما قرأته؛ أعني تأويل ما أعتبره قراءاتي للنّص؛ إذ لا قراءة تتطابق مع قراءة بل وحتى مع النّص المُراد قراءاته؛ فالمغايرة عملٌ معرفي ومطلوبٌ في قراءة النّصوص، خاصة نص الدّين والظمأ الأنطولوجي؛ لأنه ليس نصّ في الدين والوجود فقط بل هو أيضاً سيرة ذاتية  وأشواقٌ روحية وتأملات مكتوبة بعمق معرفي وتحاور موضوعات فلسفية  لم تحسمها الفلسفة حتى الآن. ولم تحسمه الفلسفة ليس لقصورها ولكنها معنية بالسؤال أكثر من الإجابة؛ وهكذا يضعنا د. الرفاعي في مواجهة أسئلتنا الذاتية في أفق المعنى الديني ويحاورنا ( كذات) من ذات الحقل …

تتمة المقال على هذا الرابط:

https://altanweeri.net/15043/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%91%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%85%D8%A3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%B7%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%9B-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D9%82-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85/?amp
يسعدني حضوركم عصر الجمعة بتاريخ 6.12.2024 الساعة 4 ونصف إلى الساعة 8 في جناح دار الرافدين حفل توقيع الكتابين اللذين صدرا حديثا:
1. ثناء على الجيل الجديد.
2. الدرس الفلسفي في المدارس الدينية.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
منشأ #التعددية_الدينية ‏هو تعدد وتنوع صور الله
يسعدني حضوركم عصر الاثنين غدا بتاريخ 9.12.2024 الساعة 4 إلى الساعة 7 في جناح خطوط وظلال حفل توقيع كتابي: "مبادئ الفلسفة الإسلامية" الصادر في مجلدين بطبعة منقحة جديدة.
‏تلقيت اليوم نسخة من كتاب: "فلسفة التجديد عند #عبدالجبار_الرفاعي"، تأليف: الدكتورة صافية مناد، أستاذة فلسفة في جامعة الجزائر. صدر الكتاب عن دار كنوز في الجزائر.

https://l.facebook.com/l.php?u=https%3A%2F%2Fkkonouz.com%2F%3Ffbclid%3DIwZXh0bgNhZW0CMTEAAR3hrsmyagxgQfcxJOiZZuBCO7pRk1vdfXcX59i1ccVuf6gheLPD5KI_d1M_aem_H5bJ9B72sznTBbBal0EKjQ&h=AT1Y_MT0_EHIqyWoBOYcHE91q0ehNrldz61w9Em3jFnzVfhCa0hEk9cAFmhitNG6MgDZGPRmxZJr08V1Dx8fNx6iTxt-uRPMgjEFU4Dx7BSr-pbOAC9YrRmNo09ERsc&s=1
فلسفة_التجديد_عند_عبدالجبار_الرفاعي_د_صافية_مناد.pdf
2.1 MB
كتاب فلسفة التجديد عند عبدالجبار الرفاعي- د. صافية مناد
إيمان الحُبّ يُطهِّر الأرضَ من الكراهية

د. عبد الجبار الرفاعي
‏ بإيمان الحُبّ والرحمة والجمال يسترد الدين شيئًا من الضوء الذي أطفأه التشدّد والتطرف والعنف، وينقذ الإيمانُ الإنسانَ من القبح الذي ‏يتفشى في تديّن متوحش يثير الاكتئاب في الحياة. الحُبُّ بوصلةُ القلوب المتلهفة للارتواء من كلِّ معنى جميل ‏في الوجود، الحُبُّ أعذب لغة يتحدثها الإنسانُ مع الله، وأجمل معنى لتكريس علاقات ثمينة داخل العائلة والجماعة والمجتمع، لكن الحُبَّ عصيّ على أكثر الناس، ومتعذّر على بعضهم الآخر. ‏عندما يتحدثُ الإنسان بحُبّ، ويقرأ بحُبّ، ويكتبُ بحُبّ، ويبني صلاتِه بكلّ شيء حوله بحُبّ؛ تشرقُ أنوارُ الأبد على قلبه. لا يضيء ‏القلبَ إلا إيمانُ الحُبّ، إيمان الحُبّ يبعث سكينة الروح وطمأنينة القلب، ويُطهِّر الأرض من الكراهية والعنف. لا ينتج الإيمانُ السكينةَ مالم يكن تجربةً وجودية يضيؤها الحُبّ الإلهي. الحُبّ الإلهي مقامٌ لا يتكاملُ فيه الإنسانُ إلا بارتياضٍ روحي وتسامٍ أخلاقي لا يطيقه إلا الأفذاذ.
مَن يريد أن يعيش في أفق المعنى، ويحقّق لقلبه الطمأنينةَ ولروحه السكينة، عليه أن يبدأ باكتشاف ذاته، يبدأ بهذا الاكتشاف أولًا ويواصل رحلة اكتشافه بلا نهاية، ويتعرّف بمختبر الذات على نفسه. من خلال التعرّف على ذاته يعمل على اكتشاف الكينونة الوجودية للإنسان بما هو إنسان، ويتعرّف أكثر على الطبيعة الإنسانية المشتركة، ويروّض نفسَه على احترام معتقدات الإنسان المختلِف وتكريمه، وذلك يتطلب كدحًا شاقًا، وممارساتٍ تربوية روحية وأخلاقية متواصلة. ويعمل باستمرار على تدريب نفسه على التراحم والشفقة على الخلق، ويسعى لمحبّتهم إن أمكنه ذلك، ‏بغضّ النظر عن أديانهم أو معتقداتهم ومذاهبهم وأعراقهم وثقافاتهم، وتلك بدايةٌ ثانية ليس لها نهايةٌ أيضًا. هذا هو الطريقُ الذي يبدأ فيه الإنسانُ أسفاره إلى الله، وهو طريق تتواصل فيه الرحلةُ الأبدية. كلّما واصل الإنسانُ هذه الأسفارَ تكرّست صلتُه بالله وتكامل وجودُه، إذ ينتقل من طورٍ وجودي أدنى إلى طورٍ وجودي أسمى، في رحلةِ تكاملٍ وجودي لا تنتهي ولا تقف عند حدّ. هذا هو الطريق، طريق أسفار الإنسان إلى الله عبر اكتشافِ الذات، واكتشافِ الإنسان المختلِف واحترامِه وتكريمِه ومحبّته. هكذا تبدأ وتتواصل أسفار الذات في رحلة إيمان المحبّة والتراحم.
يبدأ ‏كلُّ ما هو جميل في هذا العالم بالإنسان، ‏يبدأ حُبّ الله بحُبّ الإنسان، ويبدأ حُبّ الإنسان بحُبّ الذات. ‏الإنسان هو جسر العبور إلى الله، مَن لا يحُبّ الإنسان لا يحُبّ الله. ‏لا حُبّ لله يتحقّق خارجَ حُبّ الإنسان. نمط الحضور الحقيقي للإنسان في الوجود يتحقّق بنمط صِلاته بالآخر، ويستمدّ قوة حضوره أو هشاشتها تبعًا لكيفية صِلاته الأخلاقية بالآخر. محبّة الإنسان الجدير بالمحبة هي الطريق إلى حُبّ الله، وحُبّ الله هو النور الذي لا ينطفئ أبدًا. مَن يدعو إلى حُبّ الله بدون حُبّ الإنسان، أو قبل حُبّ الإنسان، لا يدلنا على الطريق إلى الله. حُبّ الله طريقه الوحيد هو حُبّ الإنسان الجدير بالمحبّة والإكرام. فضاء إيمان الحُبّ ضيق في التديّن الكلامي والسياسي، وأوضح وأوسع حضورًا في التديّن الشعبي تديّن الأمهات والآباء. القلب مرآة الأنوار الإلهية، ‏إن كان صاحُبّ القلب تسعده سعادة الآخرين، ويروّض ذاتَه على رحمة الخلق ومحبّتهم. النداء الإلهي يصغي إليه كلّ قلب يسكنه الحُبّ والرحمة والشفقة في الأرض.‏ عندما يتوطن حُبّ الله قلبَ إنسانٍ يجعله مرآةً تعكس الأنوارَ الإلهية البهيجة.