الأمير شعفل بن علي شايف بن سيف بن عبدالهادي حسن الأميري، أمير إمارة الضالع الأميرية، كان أوّل وزير للمعارف بحكومة اتحاد الجنوب العربي، والذي شغل ـ أيضًا ـ رئاسة المجلس الأعلى للاتحاد الفيدرالي في حكومة اتحاد الجنوب العربي في عدة دورات، وهو اتحاد فيدرالي تكوّن من إمارات ومشيخات وسلطنات الجنوب العربي، تأسس في 11 شباط/فبراير 1959م.
الصورة أثناء قيادة الأمير شعفل رئاسة المجلس الأعلى الفيدرالي بمدينة الشعب ـ عدن.
• شايف الحدي
الصورة أثناء قيادة الأمير شعفل رئاسة المجلس الأعلى الفيدرالي بمدينة الشعب ـ عدن.
• شايف الحدي
اللهم كما أنعمت علينا بهذا الدين دون أن نسألك فلاتحرمنا الجنة ونحن نسألك🍂
على خطى قال بوزيد وبنفس اللحن لمن كلمات اقوى واكثر صراحه الاغنية تلميح للحزب الحاكم الديكتاتوري حينها والذي لايمكن ان يجرؤ احد ع انتقاده
كلمات رااائعه وصوت حزيين واداء رائع
كلمات رااائعه وصوت حزيين واداء رائع
من كتاب #السلوك للجندي
وَيُقَال إِن مُرَاد اسْمه زيد بن مَالك بن أدد بن يشجب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن سبأ هَكَذَا ذكره النواوي فِي شرح مُسلم وَهَذَا وَإِن لم يكن من أصل شرطنا مِمَّن رَأس ودرس فَهُوَ مِمَّن رَأس بِمَعْرِِفَة الله وَقدس وَكَانَ يَقْصِدهُ الصَّحَابَة لكنه يكره الشُّهْرَة وَلم يمنعهُ من الْوُصُول إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَيَاة غير أَنه كَانَت لَهُ وَالِدَة هُوَ بر بهَا وَكَانَ يكره فراقها خشيَة أَن يعقها
ثَبت بأسانيد متواترة فِي الْكتب الصِّحَاح أَن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا أَتَت عَلَيْهِ أَمْدَاد أهل الْيمن قَالَ لَهُم هَل فِيكُم أويس بن عَامر حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ
قَالَ أَنْت أويس قَالَ نعم
قَالَ هَل لَك وَالِدَة قَالَ نعم
قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَأْتِي إِلَيْكُم أويس بن عَامر مَعَ أَمْدَاد أهل الْيمن من مُرَاد ثمَّ من قرن كَانَ بِهِ برص فبرئ مِنْهُ إِلَّا مَوضِع دِرْهَم لَهُ وَالِدَة هُوَ بهَا بر لَو أقسم على الله عز وَجل لَأَبَره فَإِن اسْتَطَعْت يَا عمر أَن يسْتَغْفر لَك فافعل فَاسْتَغْفر لي فَاسْتَغْفر لَهُ ثمَّ قَالَ لَهُ أَيْن تُرِيدُ قَالَ الْكُوفَة
قَالَ أَلا أكتب لَك إِلَى عاملها أستوصيه بك قَالَ لِأَن أكون فِي غبر النَّاس أحب إِلَيّ ثمَّ سَافر فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل حج رجل من أَشْرَافهم فوافقه عمر فَسَأَلَهُ عَن أويس كَيفَ تَركه قَالَ رث الثِّيَاب قَلِيل الْمَتَاع فَقَالَ عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَأْتِي عَلَيْكُم أويس بن عَامر مَعَ أَمْدَاد أهل الْيمن من مُرَاد ثمَّ من قرن كَانَ بِهِ برص فبرئ مِنْهُ إِلَّا مَوضِع دِرْهَم لَهُ وَالِدَة هُوَ بهَا بر لَو أقسم على الله لَأَبَره فَإِن اسْتَطَعْت أَن يسْتَغْفر لَك فافعل فَلَمَّا قدم الرجل الْكُوفَة أَتَى أويسا وَقَالَ اسْتغْفر لي فَقَالَ لَهُ أَنْت أحدث عهد بسفر صَالح فَاسْتَغْفر لي ألقيت عمر نعم
فَاسْتَغْفر لَهُ ثمَّ فطن لَهُ النَّاس فَصَارَ يكثر التواري مِنْهُم والتغيب وكساه بَعضهم كسَاء فَكَانَ إِذا رَآهُ إِنْسَان قَالَ من أَيْن لأويس هَذَا الكساء قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة انْفَرد بِإِخْرَاج هَذَا الحَدِيث مُسلم وَأورد ابْن
(1/89)
الْجَوْزِيّ فِيهَا من مناقبه كثيرا من ذَلِك قصَّته مَعَ هرم بن حَيَّان وَهِي طَوِيلَة غير أَن مِنْهَا أَن هرم لما بلغه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل الْجنَّة بشفاعة أويس مثل ربيعَة وَمُضر قَالَ قدمت الْكُوفَة فِي طلبه فَوَجَدته جَالِسا على شاطئ الْفُرَات نصف النَّهَار يتَوَضَّأ فعرفته بالنعت الَّذِي نعت لي وَإِذا بِهِ رجل نحيل آدم شَدِيد الأدمة محلوق الرَّأْس مهيب المنظر فَسلمت عَلَيْهِ فَرد وَنظر إِلَيّ فمددت يَدي لأصافحه فَأبى فَقلت رَحِمك الله يَا أويس وَغفر لَك كَيفَ أَنْت ثمَّ خنقتني الْعبْرَة من حبي لَهُ ورقتي لما رَأَيْت من حَاله حَتَّى بَكَيْت وَبكى
ثمَّ قَالَ وَأَنت حياك الله يَا هرم بن حَيَّان كَيفَ أَنْت يَا أخي من دلك عَليّ قلت الله
قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله سُبْحَانَ الله رَبنَا إِن كَانَ وعد رَبنَا لمفعولا فَقلت من أَيْن عرفت اسْمِي وَاسم أبي وَمَا رَأَيْتُك قبل الْيَوْم وَلَا رَأَيْتنِي قَالَ أنبأني الْعَلِيم الْخَبِير عرف روحي روحك حِين كلمت نَفسِي نَفسك إِن الْمُؤمنِينَ يعرف بَعضهم بَعْضًا ويتحابون بِروح الله وَإِن لم يلتقوا وَإِن ناءت بهم الدَّار وَتَفَرَّقَتْ بهم الْمنَازل فَقلت لم لم تُحَدِّثنِي رَحِمك الله عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي لم أدْرك رَسُول الله وَلم يكن لي مَعَه صُحْبَة بِأبي هُوَ وَأمي وَلَكِنِّي قد رَأَيْت رجَالًا رَأَوْهُ وَلست أحب أَن أفتح على نَفسِي هَذَا الْبَاب لَا أكون مُحدثا وَلَا مفتيا وَلَا قَاصا فِي نَفسِي شغل عَن النَّاس ثمَّ كَانَ بَينهمَا حَدِيث يطول شَرحه من جملَته أَنه أخبر هرم بِمَوْت عمر قَالَ لَهُ هرم إِن عمر لم يمت قَالَ بلَى نعاه إِلَيّ رَبِّي عز وَجل ونعى إِلَيّ نَفسِي ثمَّ دَعَاني وأوصاني أَن لَا أُفَارِق الْجَمَاعَة وَقَالَ إِن فَارَقْتهمْ فَارَقت دينك وَأَنت لَا تعلم وَدخلت النَّار ثمَّ قَالَ لَا أَرَاك بعد الْيَوْم فَإِنِّي أكره الشُّهْرَة والوحدة أحب إِلَيّ لِأَنِّي كثير الْغم مَا دمت مَعَ هَؤُلَاءِ النَّاس حَتَّى لَا يسْأَل عني وَلَا يطلبني أحد وَأعلم أَنَّك مني على بَال وَإِن لم أرك وترني واذكرني وادع لي فَإِنِّي سأدعو لَك وأذكرك إِن شَاءَ الله فَانْطَلق أَنْت هَاهُنَا حَتَّى آخذ أَنا هَاهُنَا فحرصت على أَن أَمْشِي مَعَه سَاعَة فَأبى عَليّ ففارقته أبْكِي ويبكي وَجعلت أنظر إِلَيْهِ حَتَّى دخل بعض السكَك ثمَّ كنت أسأَل عَنهُ بعد ذَلِك فَلم أجد مخبرا وَمَا أَتَت عَليّ جُمُعَة إِلَّا ورأيته فِي مَنَ
وَيُقَال إِن مُرَاد اسْمه زيد بن مَالك بن أدد بن يشجب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن سبأ هَكَذَا ذكره النواوي فِي شرح مُسلم وَهَذَا وَإِن لم يكن من أصل شرطنا مِمَّن رَأس ودرس فَهُوَ مِمَّن رَأس بِمَعْرِِفَة الله وَقدس وَكَانَ يَقْصِدهُ الصَّحَابَة لكنه يكره الشُّهْرَة وَلم يمنعهُ من الْوُصُول إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَيَاة غير أَنه كَانَت لَهُ وَالِدَة هُوَ بر بهَا وَكَانَ يكره فراقها خشيَة أَن يعقها
ثَبت بأسانيد متواترة فِي الْكتب الصِّحَاح أَن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا أَتَت عَلَيْهِ أَمْدَاد أهل الْيمن قَالَ لَهُم هَل فِيكُم أويس بن عَامر حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ
قَالَ أَنْت أويس قَالَ نعم
قَالَ هَل لَك وَالِدَة قَالَ نعم
قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَأْتِي إِلَيْكُم أويس بن عَامر مَعَ أَمْدَاد أهل الْيمن من مُرَاد ثمَّ من قرن كَانَ بِهِ برص فبرئ مِنْهُ إِلَّا مَوضِع دِرْهَم لَهُ وَالِدَة هُوَ بهَا بر لَو أقسم على الله عز وَجل لَأَبَره فَإِن اسْتَطَعْت يَا عمر أَن يسْتَغْفر لَك فافعل فَاسْتَغْفر لي فَاسْتَغْفر لَهُ ثمَّ قَالَ لَهُ أَيْن تُرِيدُ قَالَ الْكُوفَة
قَالَ أَلا أكتب لَك إِلَى عاملها أستوصيه بك قَالَ لِأَن أكون فِي غبر النَّاس أحب إِلَيّ ثمَّ سَافر فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل حج رجل من أَشْرَافهم فوافقه عمر فَسَأَلَهُ عَن أويس كَيفَ تَركه قَالَ رث الثِّيَاب قَلِيل الْمَتَاع فَقَالَ عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَأْتِي عَلَيْكُم أويس بن عَامر مَعَ أَمْدَاد أهل الْيمن من مُرَاد ثمَّ من قرن كَانَ بِهِ برص فبرئ مِنْهُ إِلَّا مَوضِع دِرْهَم لَهُ وَالِدَة هُوَ بهَا بر لَو أقسم على الله لَأَبَره فَإِن اسْتَطَعْت أَن يسْتَغْفر لَك فافعل فَلَمَّا قدم الرجل الْكُوفَة أَتَى أويسا وَقَالَ اسْتغْفر لي فَقَالَ لَهُ أَنْت أحدث عهد بسفر صَالح فَاسْتَغْفر لي ألقيت عمر نعم
فَاسْتَغْفر لَهُ ثمَّ فطن لَهُ النَّاس فَصَارَ يكثر التواري مِنْهُم والتغيب وكساه بَعضهم كسَاء فَكَانَ إِذا رَآهُ إِنْسَان قَالَ من أَيْن لأويس هَذَا الكساء قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة انْفَرد بِإِخْرَاج هَذَا الحَدِيث مُسلم وَأورد ابْن
(1/89)
الْجَوْزِيّ فِيهَا من مناقبه كثيرا من ذَلِك قصَّته مَعَ هرم بن حَيَّان وَهِي طَوِيلَة غير أَن مِنْهَا أَن هرم لما بلغه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل الْجنَّة بشفاعة أويس مثل ربيعَة وَمُضر قَالَ قدمت الْكُوفَة فِي طلبه فَوَجَدته جَالِسا على شاطئ الْفُرَات نصف النَّهَار يتَوَضَّأ فعرفته بالنعت الَّذِي نعت لي وَإِذا بِهِ رجل نحيل آدم شَدِيد الأدمة محلوق الرَّأْس مهيب المنظر فَسلمت عَلَيْهِ فَرد وَنظر إِلَيّ فمددت يَدي لأصافحه فَأبى فَقلت رَحِمك الله يَا أويس وَغفر لَك كَيفَ أَنْت ثمَّ خنقتني الْعبْرَة من حبي لَهُ ورقتي لما رَأَيْت من حَاله حَتَّى بَكَيْت وَبكى
ثمَّ قَالَ وَأَنت حياك الله يَا هرم بن حَيَّان كَيفَ أَنْت يَا أخي من دلك عَليّ قلت الله
قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله سُبْحَانَ الله رَبنَا إِن كَانَ وعد رَبنَا لمفعولا فَقلت من أَيْن عرفت اسْمِي وَاسم أبي وَمَا رَأَيْتُك قبل الْيَوْم وَلَا رَأَيْتنِي قَالَ أنبأني الْعَلِيم الْخَبِير عرف روحي روحك حِين كلمت نَفسِي نَفسك إِن الْمُؤمنِينَ يعرف بَعضهم بَعْضًا ويتحابون بِروح الله وَإِن لم يلتقوا وَإِن ناءت بهم الدَّار وَتَفَرَّقَتْ بهم الْمنَازل فَقلت لم لم تُحَدِّثنِي رَحِمك الله عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي لم أدْرك رَسُول الله وَلم يكن لي مَعَه صُحْبَة بِأبي هُوَ وَأمي وَلَكِنِّي قد رَأَيْت رجَالًا رَأَوْهُ وَلست أحب أَن أفتح على نَفسِي هَذَا الْبَاب لَا أكون مُحدثا وَلَا مفتيا وَلَا قَاصا فِي نَفسِي شغل عَن النَّاس ثمَّ كَانَ بَينهمَا حَدِيث يطول شَرحه من جملَته أَنه أخبر هرم بِمَوْت عمر قَالَ لَهُ هرم إِن عمر لم يمت قَالَ بلَى نعاه إِلَيّ رَبِّي عز وَجل ونعى إِلَيّ نَفسِي ثمَّ دَعَاني وأوصاني أَن لَا أُفَارِق الْجَمَاعَة وَقَالَ إِن فَارَقْتهمْ فَارَقت دينك وَأَنت لَا تعلم وَدخلت النَّار ثمَّ قَالَ لَا أَرَاك بعد الْيَوْم فَإِنِّي أكره الشُّهْرَة والوحدة أحب إِلَيّ لِأَنِّي كثير الْغم مَا دمت مَعَ هَؤُلَاءِ النَّاس حَتَّى لَا يسْأَل عني وَلَا يطلبني أحد وَأعلم أَنَّك مني على بَال وَإِن لم أرك وترني واذكرني وادع لي فَإِنِّي سأدعو لَك وأذكرك إِن شَاءَ الله فَانْطَلق أَنْت هَاهُنَا حَتَّى آخذ أَنا هَاهُنَا فحرصت على أَن أَمْشِي مَعَه سَاعَة فَأبى عَليّ ففارقته أبْكِي ويبكي وَجعلت أنظر إِلَيْهِ حَتَّى دخل بعض السكَك ثمَّ كنت أسأَل عَنهُ بعد ذَلِك فَلم أجد مخبرا وَمَا أَتَت عَليّ جُمُعَة إِلَّا ورأيته فِي مَنَ
امِي مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَأسْندَ ابْن الْجَوْزِيّ بِكِتَاب الصفوة إِلَى أَسِير بن جَابر أَنه قَالَ كَانَ أويس إِذا حدث
(1/90)
يَقع حَدِيثه فِي قُلُوبنَا موقعا مَا يَقع حَدِيث غَيره مثله وَأسْندَ أَيْضا عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ مر رجل من مُرَاد على أويس الْقَرنِي فَقَالَ لَهُ كَيفَ أَصبَحت قَالَ أَحْمد الله عز وَجل قَالَ كَيفَ الزَّمَان عَلَيْك قَالَ كَيفَ هُوَ على رجل إِن أصبح ظن أَنه لَا يُمْسِي وَإِن أَمْسَى ظن أَنه لَا يصبح فمبشر بِالْجنَّةِ أَو بالنَّار يَا أَخا مُرَاد إِن الْمَوْت وَذكره لم يتْرك لمُؤْمِن فَرحا وَإِن علمه بِحُقُوق الله لم يتْرك لَهُ فضَّة وَلَا ذَهَبا وَإِن قِيَامه لله بِالْحَقِّ لم يتْرك لَهُ صديقا
وَأسْندَ أَيْضا إِلَى عمر بن الْأَصْبَغ أَنه قَالَ لم يمْنَع أويسا عَن الْقدوم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا كَانَ من بره بِأُمِّهِ فقد بَان لَك بِمَا ذَكرْنَاهُ هُنَا صِحَة مَا تقدم من أَنه لم يتَأَخَّر عَن الالتقاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا كَانَ من بره بِأُمِّهِ
ثمَّ إِنَّه كَانَ عَالما غير أَنه كَانَ كَمَا قَالَ لهرم لَا أحب أَن أكون قَاصا وَلَا مُحدثا وَلَا مفتيا رَغْبَة فِي الخمول وميلا عَن الشُّهْرَة
وَأسْندَ ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا عَن النَّضر بن إِسْمَاعِيل أَنه قَالَ كَانَ أويس يلتقط الْكسر من الْمَزَابِل فيغسلها وَيَأْكُل بَعْضهَا وَيتَصَدَّق بِبَعْضِهَا وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أبرئ إِلَيْك من كل كبد جَائِع وَلما هم بالفراق لهرم قَالَ لَهُ أوصني قَالَ يَا هرم توسد الْمَوْت إِذا نمت واجعله نصب عَيْنك مَتى قُمْت وادع الله أَن يصلح قَلْبك ونيتك وَلنْ تعالج شَيْئا أَشد عَلَيْك مِنْهُمَا بَينا قَلْبك مقبل إِذْ هُوَ مُدبر وَبينا هُوَ مُدبر إِذْ هُوَ مقبل وَلَا تنظر فِي صغر الْمعْصِيَة وَلَكِن انْظُر إِلَى عَظمَة غضب الله
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كَانَ أويس مَشْغُولًا بِالْعبَادَة عَن الرِّوَايَة غير أَنه قد أرسل الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي فَإِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا وَعند ذَلِك يَقع المقت على الأَرْض وَأَهْلهَا فَمن أدْرك ذَلِك فليضع سَيْفه على عَاتِقه ثمَّ ليلق ربه عز وَجل شَهِيدا فَإِن لم يفعل فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه
وَكَانَت وَفَاته على الشَّهَادَة يَوْم صفّين فِي أَصْحَاب عَليّ كرم الله وَجهه فِي
(1/91)
شهور سبع وَثَلَاثِينَ وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي مشتبه النِّسْبَة إِنَّه أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل وجوده وَشهد مَعَ عَليّ صفّين وَكَانَ من خِيَار النَّاس وَقيل إِنَّه توفّي فِي زمن عمر وَالْأول أصح بِدَلِيل يَوْم هرم أَنه نعى إِلَيّ رَبِّي عمر
وَمِنْهُم كَعْب بن ماتع عرف بكعب الْأَحْبَار من حمير نسبا وَفِي الدّين يَهُودِيّا قَالَ نشوان فِي شمس الْعُلُوم كَانَ من عُلَمَاء التَّابِعين من حمير ثمَّ من آل ذِي رعين وَهُوَ من المخضرمين بخاء مُعْجمَة مَفْتُوحَة وضاد مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ رَاء مخفوضة ثمَّ مِيم بعْدهَا يَاء وَنون قَالَ ابْن خلكان وَقد سمع بِالْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وأصل ذَلِك يُطلق على من أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله فِيمَن أدْرك دولتين خرج كَعْب من الْيمن يُرِيد الْمَدِينَة ويتحقق أَحْوَال الْإِسْلَام فَقَدمهَا زمن عمر فَعلم صِحَة الْإِسْلَام بعلامات يعرفهَا وَأسلم ثمَّ خرج إِلَى الشَّام فِي إِسْلَامه خلاف مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ وهم مِنْهُ إِذْ حدث مَا ذكرته هُنَا من كتب الْحَافِظ المقبول نقلهم كَأبي نعيم صَاحب الْحِلْية وَابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة والواقدي مطعون فِي رِوَايَته
وَمِنْهُم مُنَبّه بن كَامِل وَالِد وهب الْآتِي ذكره صحب معَاذًا وَقد عددته من أَصْحَابه
وَمِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن بزرج كَانَ كَبِير الْقدر شهير الذّكر كَانَ من توفيقه أَيَّام الْجَاهِلِيَّة أَنه كَانَ يدْخل فِي جمَاعَة من فتيَان صنعاء على ابْنة باذام رَئِيس الْفرس وَكلهمْ يسْجد لَهَا دونه فَكَانَت تضربه لذَلِك ثمَّ لما جَاءَ الْإِسْلَام كَانَ من أحْسنهم لَهُ تعرفا وأقرئهم لكتاب الله وأقومهم بحقوقه وَلَقَد كَانَ أهل صنعاء يعْجبُونَ مِنْهُ وَمن اجْتِهَاده وَأُخْته أم سعيد ابْنة بزرج الَّتِي كَانَ ينزل عِنْدهَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
(1/92)
جد قوم بِصَنْعَاء يعْرفُونَ ببني الشيعي قَالَه الرَّازِيّ مِنْهُم صَاحب الدعْوَة للفاطميين بالمغرب وَأَخُوهُ النُّعْمَان أسلم وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة وَعمر طَويلا تسعين سنة فِي الْإِسْلَام سَأَلَهُ عبد الْملك قَالَ أَيْن كنت يَوْم قتل الْكذَّاب قَالَ احتملت أُمِّي على عنقِي حَتَّى أدخلتها قصر غمدان مَعَ المتفرجين فَقَالَ عبد الْملك حِينَئِذٍ
(1/90)
يَقع حَدِيثه فِي قُلُوبنَا موقعا مَا يَقع حَدِيث غَيره مثله وَأسْندَ أَيْضا عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ مر رجل من مُرَاد على أويس الْقَرنِي فَقَالَ لَهُ كَيفَ أَصبَحت قَالَ أَحْمد الله عز وَجل قَالَ كَيفَ الزَّمَان عَلَيْك قَالَ كَيفَ هُوَ على رجل إِن أصبح ظن أَنه لَا يُمْسِي وَإِن أَمْسَى ظن أَنه لَا يصبح فمبشر بِالْجنَّةِ أَو بالنَّار يَا أَخا مُرَاد إِن الْمَوْت وَذكره لم يتْرك لمُؤْمِن فَرحا وَإِن علمه بِحُقُوق الله لم يتْرك لَهُ فضَّة وَلَا ذَهَبا وَإِن قِيَامه لله بِالْحَقِّ لم يتْرك لَهُ صديقا
وَأسْندَ أَيْضا إِلَى عمر بن الْأَصْبَغ أَنه قَالَ لم يمْنَع أويسا عَن الْقدوم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا كَانَ من بره بِأُمِّهِ فقد بَان لَك بِمَا ذَكرْنَاهُ هُنَا صِحَة مَا تقدم من أَنه لم يتَأَخَّر عَن الالتقاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا كَانَ من بره بِأُمِّهِ
ثمَّ إِنَّه كَانَ عَالما غير أَنه كَانَ كَمَا قَالَ لهرم لَا أحب أَن أكون قَاصا وَلَا مُحدثا وَلَا مفتيا رَغْبَة فِي الخمول وميلا عَن الشُّهْرَة
وَأسْندَ ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا عَن النَّضر بن إِسْمَاعِيل أَنه قَالَ كَانَ أويس يلتقط الْكسر من الْمَزَابِل فيغسلها وَيَأْكُل بَعْضهَا وَيتَصَدَّق بِبَعْضِهَا وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أبرئ إِلَيْك من كل كبد جَائِع وَلما هم بالفراق لهرم قَالَ لَهُ أوصني قَالَ يَا هرم توسد الْمَوْت إِذا نمت واجعله نصب عَيْنك مَتى قُمْت وادع الله أَن يصلح قَلْبك ونيتك وَلنْ تعالج شَيْئا أَشد عَلَيْك مِنْهُمَا بَينا قَلْبك مقبل إِذْ هُوَ مُدبر وَبينا هُوَ مُدبر إِذْ هُوَ مقبل وَلَا تنظر فِي صغر الْمعْصِيَة وَلَكِن انْظُر إِلَى عَظمَة غضب الله
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كَانَ أويس مَشْغُولًا بِالْعبَادَة عَن الرِّوَايَة غير أَنه قد أرسل الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي فَإِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا وَعند ذَلِك يَقع المقت على الأَرْض وَأَهْلهَا فَمن أدْرك ذَلِك فليضع سَيْفه على عَاتِقه ثمَّ ليلق ربه عز وَجل شَهِيدا فَإِن لم يفعل فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه
وَكَانَت وَفَاته على الشَّهَادَة يَوْم صفّين فِي أَصْحَاب عَليّ كرم الله وَجهه فِي
(1/91)
شهور سبع وَثَلَاثِينَ وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي مشتبه النِّسْبَة إِنَّه أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل وجوده وَشهد مَعَ عَليّ صفّين وَكَانَ من خِيَار النَّاس وَقيل إِنَّه توفّي فِي زمن عمر وَالْأول أصح بِدَلِيل يَوْم هرم أَنه نعى إِلَيّ رَبِّي عمر
وَمِنْهُم كَعْب بن ماتع عرف بكعب الْأَحْبَار من حمير نسبا وَفِي الدّين يَهُودِيّا قَالَ نشوان فِي شمس الْعُلُوم كَانَ من عُلَمَاء التَّابِعين من حمير ثمَّ من آل ذِي رعين وَهُوَ من المخضرمين بخاء مُعْجمَة مَفْتُوحَة وضاد مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ رَاء مخفوضة ثمَّ مِيم بعْدهَا يَاء وَنون قَالَ ابْن خلكان وَقد سمع بِالْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وأصل ذَلِك يُطلق على من أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله فِيمَن أدْرك دولتين خرج كَعْب من الْيمن يُرِيد الْمَدِينَة ويتحقق أَحْوَال الْإِسْلَام فَقَدمهَا زمن عمر فَعلم صِحَة الْإِسْلَام بعلامات يعرفهَا وَأسلم ثمَّ خرج إِلَى الشَّام فِي إِسْلَامه خلاف مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ وهم مِنْهُ إِذْ حدث مَا ذكرته هُنَا من كتب الْحَافِظ المقبول نقلهم كَأبي نعيم صَاحب الْحِلْية وَابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة والواقدي مطعون فِي رِوَايَته
وَمِنْهُم مُنَبّه بن كَامِل وَالِد وهب الْآتِي ذكره صحب معَاذًا وَقد عددته من أَصْحَابه
وَمِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن بزرج كَانَ كَبِير الْقدر شهير الذّكر كَانَ من توفيقه أَيَّام الْجَاهِلِيَّة أَنه كَانَ يدْخل فِي جمَاعَة من فتيَان صنعاء على ابْنة باذام رَئِيس الْفرس وَكلهمْ يسْجد لَهَا دونه فَكَانَت تضربه لذَلِك ثمَّ لما جَاءَ الْإِسْلَام كَانَ من أحْسنهم لَهُ تعرفا وأقرئهم لكتاب الله وأقومهم بحقوقه وَلَقَد كَانَ أهل صنعاء يعْجبُونَ مِنْهُ وَمن اجْتِهَاده وَأُخْته أم سعيد ابْنة بزرج الَّتِي كَانَ ينزل عِنْدهَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
(1/92)
جد قوم بِصَنْعَاء يعْرفُونَ ببني الشيعي قَالَه الرَّازِيّ مِنْهُم صَاحب الدعْوَة للفاطميين بالمغرب وَأَخُوهُ النُّعْمَان أسلم وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة وَعمر طَويلا تسعين سنة فِي الْإِسْلَام سَأَلَهُ عبد الْملك قَالَ أَيْن كنت يَوْم قتل الْكذَّاب قَالَ احتملت أُمِّي على عنقِي حَتَّى أدخلتها قصر غمدان مَعَ المتفرجين فَقَالَ عبد الْملك حِينَئِذٍ
لرجل
ثمَّ صَار الْعلم إِلَى طبقَة ثَانِيَة من عُلَمَاء الْيمن
مِنْهُم أَبُو عبد الرَّحْمَن طَاوُوس بن أبي حنيفَة كيسَان وَقيل ذكْوَان ولقب بطاووس لِأَنَّهُ كَانَ طَاوُوس قراء وفتيا من أَصْحَاب عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأجْمع الْحفاظ كَابْن الْجَوْزِيّ والحافظ أبي نعيم والرازي وَغَيرهم أَنه كَانَ مَسْكَنه الْجند حَتَّى قَالَ بَعضهم الْجند بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون من مخاليف الْيمن مولده فِي خلَافَة أبي بكر
قَالَ الرَّازِيّ سُئِلَ ابْنه عبد الله مِمَّن أَنْتُم فَإِنَّهُ بلغنَا أَنكُمْ إِلَى هَمدَان فَقَالَ لَا وَلَكِن إِلَى خولان وَإِنَّمَا تزوج جد طَاوُوس مولاة لآل هَوْذَة الحميريين فسموا موَالِي لَهُم وَلَيْسوا بموال وَقد أورد جمَاعَة من الْفُضَلَاء من أَخْبَار طَاوُوس نبذا وَلَكِن عولت من ذَلِك على مَا رَوَاهُ الرَّازِيّ فَإِنَّهُ أخبر بِأَهْل الْيمن إِذْ هُوَ مِنْهُم مولدا ومنشأ وَقد تقدم ذكره
(1/93)
قَالَ كَانَ طَاوُوس فَقِيها زاهدا ورعا مُحدثا عابدا ناسكا أدْرك خمسين من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَيْثُ صحبهم وَأخذ عَنْهُم مِنْهُم عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر ومعاذ بن جبل وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَزيد بن ثَابت وَأَبُو هرير ومعظم أَخذه عَن الْأَوَّلين قيل لِعبيد الله بن أبي زيد مَعَ من كنت تدخل على ابْن عَبَّاس فَقَالَ مَعَ عطا والعامة قيل لَهُ فطاووس قَالَ أيهات كَانَ ذَلِك يدْخل مَعَ الْخَواص وَكَانَ عَمْرو بن دِينَار الْآتِي ذكره إِذا ذكر عِنْده طَاوُوس يَقُول مَا رَأَيْت مثله
وروى عَنهُ جمَاعَة من التَّابِعين كمجاهد وَعَطَاء وَعَمْرو بن دِينَار وَابْن الزبير وَابْن الْمُنْكَدر وَابْن مُنَبّه وَالزهْرِيّ مَعَ جمع غَيرهم لَا يُحصونَ كَثْرَة
وَمن رِوَايَته المستحسنة مَا قَالَه الرَّازِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول سَمِعت جَابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وَأَبا عُبَيْدَة بن الْجراح يَقُولُونَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يخرج الرجل من بَيته صَلَاة الْغَدَاة فيجلس فِي مَجْلِسه يعلم الغلمان السكينَة وَالْوَقار وَحسن الْأَدَب أحب إِلَى الله من أَن يعبده مئتي خريف لَا يسْخط الله عَلَيْهِ وَعرضت هَذَا الْخَبَر على بعض الْفُقَهَاء فَقَالَ لي انْظُر إِلَى أدب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْخَبَر كَيفَ لم ينْسب إِلَى الْمعلم غير تَعْلِيم السكينَة وَالْوَقار وَحسن الْأَدَب تأدبا مَعَ الله إِذْ قَالَ الله {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} قَامَ طَاوُوس بِقَضَاء مخلافي الْجند وَصَنْعَاء وَكَانَ يخْتَلف بَينهمَا وَله فِي صنعاء مَسْجِد يعرف بِهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُقيم بِهِ أَيَّام لبثه بِصَنْعَاء وَلذَلِك يتَوَهَّم جمَاعَة أَن بَلَده صنعاء وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذا سُئِلَ عَنهُ قَالَ ذَلِك عَالم الْيمن
وَكَانَ وُلَاة الْيمن يعولون فِي أُمُورهم الدِّينِيَّة على قَوْله وَذَلِكَ عَن وصاة من مواليهم غَالِبا فَإِنَّهُ قد كَانَ شهرفي الْبَلَد أَنه إِمَام وقته وفقيه مصره وَكَانَ مَتى قيل لَهُ
(1/94)
أمؤمن أَنْت يَقُول آمَنت بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله لَا يزِيد وَكَانَ يَقُول اجتنبوا القَوْل فِي الْقدر فَإِن الْمُتَكَلِّمين فِيهِ لَا بُد من بَيَان مَا يَقُولَانِ بِمَا يتكلمان بِغَيْر علم
خرج ذَات يَوْم من مَدِينَة الْجند يُرِيد أَرضًا لَهُ فَمشى مَعَه رجل يُرِيد الْبركَة فنعق غراب فَقَالَ الرجل على طَرِيق الْعَادة والزجر خير خير فَغَضب طَاوُوس وَقَالَ أَي خير عِنْد هَذَا أَو شَرّ يَا جَاهِل لَا تصحبني وَلَا تسر معي
وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة أَنه صلى الْغَدَاة بِوضُوء الْعشَاء أَرْبَعِينَ سنة وَقَالَ لَقِي عِيسَى ابْن مَرْيَم إِبْلِيس فَقَالَ يَا عِيسَى أما تعلم أَنه لن يصيبك إِلَّا مَا قد قدر عَلَيْك قَالَ نعم قَالَ ارق ذرْوَة هَذَا الْجَبَل فَترد مِنْهُ ثمَّ انْظُر هَل تعيش أم لَا فَقَالَ عِيسَى أوما علمت أَن الله تَعَالَى يَقُول لَا يجربني عَبدِي فَإِنِّي أفعل مَا أَشَاء وَكَانَ يَقُول من السّنة أَن يوقر أَرْبَعَة الْوَالِد والعالم وَذُو شيبَة وَالسُّلْطَان
وَكَانَ يكره الْبَقَاء على الْقُبُور والتغوط عِنْدهَا وَيَقُول لَا تَتَّخِذُوا قُبُور إخْوَانكُمْ حشانا قلت الحشان جمع حش كحش وحشان وَقَالَ معنى قَوْله تَعَالَى {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} التثبيت فِي الدُّنْيَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي الْآخِرَة عِنْد المساءلة فِي الْقَبْر وَقَالَ أهل الْجنَّة ينْكحُونَ وَلَا يمنون لَيْسَ بهَا مني
وَقَالَ أعطي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجِمَاع قُوَّة خَمْسَة وَأَرْبَعين وَقَالَ لعطاء بن أبي رَبَاح يَا عَطاء لَا تتركن حَاجَتك لمن يغلق دُونك أبوابه وَيجْعَل عَلَيْهَا حجابه
ثمَّ صَار الْعلم إِلَى طبقَة ثَانِيَة من عُلَمَاء الْيمن
مِنْهُم أَبُو عبد الرَّحْمَن طَاوُوس بن أبي حنيفَة كيسَان وَقيل ذكْوَان ولقب بطاووس لِأَنَّهُ كَانَ طَاوُوس قراء وفتيا من أَصْحَاب عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأجْمع الْحفاظ كَابْن الْجَوْزِيّ والحافظ أبي نعيم والرازي وَغَيرهم أَنه كَانَ مَسْكَنه الْجند حَتَّى قَالَ بَعضهم الْجند بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون من مخاليف الْيمن مولده فِي خلَافَة أبي بكر
قَالَ الرَّازِيّ سُئِلَ ابْنه عبد الله مِمَّن أَنْتُم فَإِنَّهُ بلغنَا أَنكُمْ إِلَى هَمدَان فَقَالَ لَا وَلَكِن إِلَى خولان وَإِنَّمَا تزوج جد طَاوُوس مولاة لآل هَوْذَة الحميريين فسموا موَالِي لَهُم وَلَيْسوا بموال وَقد أورد جمَاعَة من الْفُضَلَاء من أَخْبَار طَاوُوس نبذا وَلَكِن عولت من ذَلِك على مَا رَوَاهُ الرَّازِيّ فَإِنَّهُ أخبر بِأَهْل الْيمن إِذْ هُوَ مِنْهُم مولدا ومنشأ وَقد تقدم ذكره
(1/93)
قَالَ كَانَ طَاوُوس فَقِيها زاهدا ورعا مُحدثا عابدا ناسكا أدْرك خمسين من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَيْثُ صحبهم وَأخذ عَنْهُم مِنْهُم عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر ومعاذ بن جبل وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَزيد بن ثَابت وَأَبُو هرير ومعظم أَخذه عَن الْأَوَّلين قيل لِعبيد الله بن أبي زيد مَعَ من كنت تدخل على ابْن عَبَّاس فَقَالَ مَعَ عطا والعامة قيل لَهُ فطاووس قَالَ أيهات كَانَ ذَلِك يدْخل مَعَ الْخَواص وَكَانَ عَمْرو بن دِينَار الْآتِي ذكره إِذا ذكر عِنْده طَاوُوس يَقُول مَا رَأَيْت مثله
وروى عَنهُ جمَاعَة من التَّابِعين كمجاهد وَعَطَاء وَعَمْرو بن دِينَار وَابْن الزبير وَابْن الْمُنْكَدر وَابْن مُنَبّه وَالزهْرِيّ مَعَ جمع غَيرهم لَا يُحصونَ كَثْرَة
وَمن رِوَايَته المستحسنة مَا قَالَه الرَّازِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول سَمِعت جَابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وَأَبا عُبَيْدَة بن الْجراح يَقُولُونَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يخرج الرجل من بَيته صَلَاة الْغَدَاة فيجلس فِي مَجْلِسه يعلم الغلمان السكينَة وَالْوَقار وَحسن الْأَدَب أحب إِلَى الله من أَن يعبده مئتي خريف لَا يسْخط الله عَلَيْهِ وَعرضت هَذَا الْخَبَر على بعض الْفُقَهَاء فَقَالَ لي انْظُر إِلَى أدب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْخَبَر كَيفَ لم ينْسب إِلَى الْمعلم غير تَعْلِيم السكينَة وَالْوَقار وَحسن الْأَدَب تأدبا مَعَ الله إِذْ قَالَ الله {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} قَامَ طَاوُوس بِقَضَاء مخلافي الْجند وَصَنْعَاء وَكَانَ يخْتَلف بَينهمَا وَله فِي صنعاء مَسْجِد يعرف بِهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُقيم بِهِ أَيَّام لبثه بِصَنْعَاء وَلذَلِك يتَوَهَّم جمَاعَة أَن بَلَده صنعاء وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذا سُئِلَ عَنهُ قَالَ ذَلِك عَالم الْيمن
وَكَانَ وُلَاة الْيمن يعولون فِي أُمُورهم الدِّينِيَّة على قَوْله وَذَلِكَ عَن وصاة من مواليهم غَالِبا فَإِنَّهُ قد كَانَ شهرفي الْبَلَد أَنه إِمَام وقته وفقيه مصره وَكَانَ مَتى قيل لَهُ
(1/94)
أمؤمن أَنْت يَقُول آمَنت بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله لَا يزِيد وَكَانَ يَقُول اجتنبوا القَوْل فِي الْقدر فَإِن الْمُتَكَلِّمين فِيهِ لَا بُد من بَيَان مَا يَقُولَانِ بِمَا يتكلمان بِغَيْر علم
خرج ذَات يَوْم من مَدِينَة الْجند يُرِيد أَرضًا لَهُ فَمشى مَعَه رجل يُرِيد الْبركَة فنعق غراب فَقَالَ الرجل على طَرِيق الْعَادة والزجر خير خير فَغَضب طَاوُوس وَقَالَ أَي خير عِنْد هَذَا أَو شَرّ يَا جَاهِل لَا تصحبني وَلَا تسر معي
وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة أَنه صلى الْغَدَاة بِوضُوء الْعشَاء أَرْبَعِينَ سنة وَقَالَ لَقِي عِيسَى ابْن مَرْيَم إِبْلِيس فَقَالَ يَا عِيسَى أما تعلم أَنه لن يصيبك إِلَّا مَا قد قدر عَلَيْك قَالَ نعم قَالَ ارق ذرْوَة هَذَا الْجَبَل فَترد مِنْهُ ثمَّ انْظُر هَل تعيش أم لَا فَقَالَ عِيسَى أوما علمت أَن الله تَعَالَى يَقُول لَا يجربني عَبدِي فَإِنِّي أفعل مَا أَشَاء وَكَانَ يَقُول من السّنة أَن يوقر أَرْبَعَة الْوَالِد والعالم وَذُو شيبَة وَالسُّلْطَان
وَكَانَ يكره الْبَقَاء على الْقُبُور والتغوط عِنْدهَا وَيَقُول لَا تَتَّخِذُوا قُبُور إخْوَانكُمْ حشانا قلت الحشان جمع حش كحش وحشان وَقَالَ معنى قَوْله تَعَالَى {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} التثبيت فِي الدُّنْيَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي الْآخِرَة عِنْد المساءلة فِي الْقَبْر وَقَالَ أهل الْجنَّة ينْكحُونَ وَلَا يمنون لَيْسَ بهَا مني
وَقَالَ أعطي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجِمَاع قُوَّة خَمْسَة وَأَرْبَعين وَقَالَ لعطاء بن أبي رَبَاح يَا عَطاء لَا تتركن حَاجَتك لمن يغلق دُونك أبوابه وَيجْعَل عَلَيْهَا حجابه
وَلَكِن أنزلهَا بِمن بَابه لَك مَفْتُوح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَمرك أَن تَدْعُو لَهُ بدعوة ضمن لَك أَن يستجيب لَك
وَذكر ابْنه عبد الله وَهُوَ أحد أَئِمَّة الْيمن أَيْضا أَن أَبَاهُ تصدق بأرضه أَو بِبَعْضِهَا على فُقَرَاء أَهله وَإِن لم يكن فيهم فَقير فعلى الْمَسَاكِين من غَيرهم ثمَّ شكّ فِي حسن ذَلِك فَاجْتمع بِحجر المدري وَكَانَ عَالما من أَصْحَاب عَليّ كرم الله وَجهه وَسَيَأْتِي ذكره وَسَأَلَهُ فَقَالَ فعلت حسنا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن تصرف صدقته على فُقَرَاء أَهله وَقَالَ كَانَ أبي إِذا سُئِلَ عَن صَحَابِيّ أورد من فَضله حَتَّى يَقُول سامعه هَذَا لَا يعرف إِلَّا هَذَا
وَله مسانيد ومراسيل فَمن مراسيله قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَالْخُرُوج بعد هدأة اللَّيْل فَإِن لله دوابا يبثها فِي الأَرْض تفعل مَا تُؤمر فَإِذا سمع أحدكُم نهاق الْحمير أَو نباح الْكلاب فليستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَإِنَّهُم يرَوْنَ مَا لَا ترَوْنَ
وَمِنْهَا إِذا ذكر
(1/95)
أَصْحَابِي فأمسكوا وَإِذا ذكر الْقدر فأمسكوا وَإِذا ذكر النُّجُوم فأمسكوا وَمِنْهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ لدي مثل أحد ذَهَبا لأحببت أَن لَا تمر بِي ثَلَاث وَعِنْدِي مِنْهُ إِلَّا مَا أرصده لدين
وَمِنْهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّحِم شُعْبَة من الرحمان تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة تَتَكَلَّم بِلِسَان طلق فَمن أشارت إِلَيْهِ بوصل وَصله الله وَمن أشارت إِلَيْهِ بِقطع قطعه الله
وَقَالَ كَانَ ابْن عَبَّاس مَتى سُئِلَ عَن رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا يَقُول لَو اتَّقى فَاعل ذَلِك لَكَانَ جعل الله لَهُ مخرجا
قَالَ وَسُئِلَ أَيْضا عَن إتْيَان الْمَرْأَة من الدبر فَقَالَ هَذَا سُؤال عَن الْكفْر وَكَانَ مُعظما فِي أهل زَمَانه
حكى أَنه اجْتمع بِمَكَّة بِجَمَاعَة من الْعلمَاء كالحسن الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وَمَكْحُول الشَّامي وَسليمَان بن مُحَمَّد الضَّحَّاك وَكَانُوا حِينَئِذٍ بِمَسْجِد الْخيف بمنى فتذاكروا الْقدر حَتَّى ارْتَفَعت أَصْوَاتهم وَكثر لغطهم فَقَالَ طَاوُوس وَكَانَ فيهم رَضِيا وَقَالَ أَنْصتُوا أخْبركُم مَا سَمِعت فأنصتوا فَقَالَ سَمِعت أَبَا الدَّرْدَاء يخبر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله افْترض عَلَيْكُم فَرَائض فَلَا تضيعوها وحد لكم حدودا فَلَا تعتدوها ونهاكم عَن أَشْيَاء فَلَا تنتهكوها وَسكت عَن أَشْيَاء من غير نِسْيَان فَلَا تتكلفوها رَحْمَة بكم من ربكُم فاقبلوها تَقول مَا قَالَ رَبنَا عز وَجل وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأُمُور كلهَا بيد الله وَمن عِنْد الله مصدرها وَإِلَيْهِ مرجعها لَيْسَ للْعَبد فِيهَا تَفْوِيض وَلَا مَشِيئَة فَقَامَ الْقَوْم وهم راضون بِكَلَامِهِ
وَقعد إِلَيْهِ أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَأَبوهُ إِذْ ذَاك خَليفَة فَلم يحتفل بِهِ بل قَامَ نافرا فَقيل لَهُ جلس إِلَيْك ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلم تلْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ أردْت أَن أعلمهُ أَن لله عبادا يزهدون بِهِ وبأبيه وَبِمَا فِي أَيْديهم
وَكَانَ من أَشد النَّاس ورعا وتنزها عَن مَا فِي أَيدي الْمُلُوك وَغَيرهم
وَكَانَ يكره الْأُمَرَاء ويحذر صحبتهم وَلَا يرى بِجَوَاز الصَّلَاة خَلفهم وَلَا يقبل لَهُم عَطاء وَلَا
(1/96)
يشرب من الْمِيَاه الَّتِي أحدثتها الْمُلُوك بِمَكَّة وطرقاتها حَتَّى أَن بغلته هوت للشُّرْب من بَعْضهَا فَمنعهَا وكبحها باللجام
وَقد أورد الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء والرازي قصَّة عَجِيبَة لَهُ مَعَ هِشَام بن عبد الْملك شهرتها تغني عَن ذكرهَا وَقَالَ فِي صفة الصفوة دخل طَاوُوس ووهب على مُحَمَّد بن يُوسُف أخي الْحجَّاج وَهُوَ إِذْ ذَاك أَمِير أَمِير الْمُؤمنِينَ فأجل طاووسا وبجله وَأَقْعَدَهُ على كرْسِي ثمَّ قَالَ يَا غُلَام هَلُمَّ بالطيلسان فألقه على أبي عبد الرَّحْمَن فجَاء بِهِ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ فَجعل يُحَرك كَتفيهِ حَتَّى أَلْقَاهُ فَتبين الْغَضَب فِي وَجه الْأَمِير ثمَّ لما خرجا قَالَ لَهُ وهب وَالله إِن كنت لغنيا أَن تغضبه علينا لَو أخذت الطليسان فَبِعْته وَأعْطيت ثمنه الْمَسَاكِين فَقَالَ نعم لَوْلَا أَخَاف أَن يُقَال من بعدِي أَخذه طَاوُوس فَلَا يصنع فِيهِ مَا أصنع لفَعَلت
وَأمر لَهُ مُحَمَّد أَيْضا بِشَيْء من المَال وَقَالَ للرسول إِن أَخذه مِنْك فلك مني كَذَا فَلَمَّا وصل الرَّسُول إِلَيْهِ قَالَ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِن الْأَمِير قد وصلك بِمَال وخصك بجعلة من وَجه حَلَال فَقَالَ لَا حَاجَة لي بِهِ أعده إِلَيْهِ
فغافله الرجل ثمَّ تَركه بكوة فِي الْبَيْت من غير علم مِنْهُ وَلَا من غَيره ثمَّ عَاد الرَّسُول فَأخْبر الْأَمِير أَن المَال صَار إِلَى طَاوُوس فَأعْطَاهُ مَا شَرط
ثمَّ بعد ذَلِك بِمدَّة بلغ الْأَمِير أَن طَاوُوس تكلم فِي حَق
وَذكر ابْنه عبد الله وَهُوَ أحد أَئِمَّة الْيمن أَيْضا أَن أَبَاهُ تصدق بأرضه أَو بِبَعْضِهَا على فُقَرَاء أَهله وَإِن لم يكن فيهم فَقير فعلى الْمَسَاكِين من غَيرهم ثمَّ شكّ فِي حسن ذَلِك فَاجْتمع بِحجر المدري وَكَانَ عَالما من أَصْحَاب عَليّ كرم الله وَجهه وَسَيَأْتِي ذكره وَسَأَلَهُ فَقَالَ فعلت حسنا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن تصرف صدقته على فُقَرَاء أَهله وَقَالَ كَانَ أبي إِذا سُئِلَ عَن صَحَابِيّ أورد من فَضله حَتَّى يَقُول سامعه هَذَا لَا يعرف إِلَّا هَذَا
وَله مسانيد ومراسيل فَمن مراسيله قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَالْخُرُوج بعد هدأة اللَّيْل فَإِن لله دوابا يبثها فِي الأَرْض تفعل مَا تُؤمر فَإِذا سمع أحدكُم نهاق الْحمير أَو نباح الْكلاب فليستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَإِنَّهُم يرَوْنَ مَا لَا ترَوْنَ
وَمِنْهَا إِذا ذكر
(1/95)
أَصْحَابِي فأمسكوا وَإِذا ذكر الْقدر فأمسكوا وَإِذا ذكر النُّجُوم فأمسكوا وَمِنْهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ لدي مثل أحد ذَهَبا لأحببت أَن لَا تمر بِي ثَلَاث وَعِنْدِي مِنْهُ إِلَّا مَا أرصده لدين
وَمِنْهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّحِم شُعْبَة من الرحمان تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة تَتَكَلَّم بِلِسَان طلق فَمن أشارت إِلَيْهِ بوصل وَصله الله وَمن أشارت إِلَيْهِ بِقطع قطعه الله
وَقَالَ كَانَ ابْن عَبَّاس مَتى سُئِلَ عَن رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا يَقُول لَو اتَّقى فَاعل ذَلِك لَكَانَ جعل الله لَهُ مخرجا
قَالَ وَسُئِلَ أَيْضا عَن إتْيَان الْمَرْأَة من الدبر فَقَالَ هَذَا سُؤال عَن الْكفْر وَكَانَ مُعظما فِي أهل زَمَانه
حكى أَنه اجْتمع بِمَكَّة بِجَمَاعَة من الْعلمَاء كالحسن الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وَمَكْحُول الشَّامي وَسليمَان بن مُحَمَّد الضَّحَّاك وَكَانُوا حِينَئِذٍ بِمَسْجِد الْخيف بمنى فتذاكروا الْقدر حَتَّى ارْتَفَعت أَصْوَاتهم وَكثر لغطهم فَقَالَ طَاوُوس وَكَانَ فيهم رَضِيا وَقَالَ أَنْصتُوا أخْبركُم مَا سَمِعت فأنصتوا فَقَالَ سَمِعت أَبَا الدَّرْدَاء يخبر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله افْترض عَلَيْكُم فَرَائض فَلَا تضيعوها وحد لكم حدودا فَلَا تعتدوها ونهاكم عَن أَشْيَاء فَلَا تنتهكوها وَسكت عَن أَشْيَاء من غير نِسْيَان فَلَا تتكلفوها رَحْمَة بكم من ربكُم فاقبلوها تَقول مَا قَالَ رَبنَا عز وَجل وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأُمُور كلهَا بيد الله وَمن عِنْد الله مصدرها وَإِلَيْهِ مرجعها لَيْسَ للْعَبد فِيهَا تَفْوِيض وَلَا مَشِيئَة فَقَامَ الْقَوْم وهم راضون بِكَلَامِهِ
وَقعد إِلَيْهِ أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَأَبوهُ إِذْ ذَاك خَليفَة فَلم يحتفل بِهِ بل قَامَ نافرا فَقيل لَهُ جلس إِلَيْك ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلم تلْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ أردْت أَن أعلمهُ أَن لله عبادا يزهدون بِهِ وبأبيه وَبِمَا فِي أَيْديهم
وَكَانَ من أَشد النَّاس ورعا وتنزها عَن مَا فِي أَيدي الْمُلُوك وَغَيرهم
وَكَانَ يكره الْأُمَرَاء ويحذر صحبتهم وَلَا يرى بِجَوَاز الصَّلَاة خَلفهم وَلَا يقبل لَهُم عَطاء وَلَا
(1/96)
يشرب من الْمِيَاه الَّتِي أحدثتها الْمُلُوك بِمَكَّة وطرقاتها حَتَّى أَن بغلته هوت للشُّرْب من بَعْضهَا فَمنعهَا وكبحها باللجام
وَقد أورد الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء والرازي قصَّة عَجِيبَة لَهُ مَعَ هِشَام بن عبد الْملك شهرتها تغني عَن ذكرهَا وَقَالَ فِي صفة الصفوة دخل طَاوُوس ووهب على مُحَمَّد بن يُوسُف أخي الْحجَّاج وَهُوَ إِذْ ذَاك أَمِير أَمِير الْمُؤمنِينَ فأجل طاووسا وبجله وَأَقْعَدَهُ على كرْسِي ثمَّ قَالَ يَا غُلَام هَلُمَّ بالطيلسان فألقه على أبي عبد الرَّحْمَن فجَاء بِهِ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ فَجعل يُحَرك كَتفيهِ حَتَّى أَلْقَاهُ فَتبين الْغَضَب فِي وَجه الْأَمِير ثمَّ لما خرجا قَالَ لَهُ وهب وَالله إِن كنت لغنيا أَن تغضبه علينا لَو أخذت الطليسان فَبِعْته وَأعْطيت ثمنه الْمَسَاكِين فَقَالَ نعم لَوْلَا أَخَاف أَن يُقَال من بعدِي أَخذه طَاوُوس فَلَا يصنع فِيهِ مَا أصنع لفَعَلت
وَأمر لَهُ مُحَمَّد أَيْضا بِشَيْء من المَال وَقَالَ للرسول إِن أَخذه مِنْك فلك مني كَذَا فَلَمَّا وصل الرَّسُول إِلَيْهِ قَالَ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِن الْأَمِير قد وصلك بِمَال وخصك بجعلة من وَجه حَلَال فَقَالَ لَا حَاجَة لي بِهِ أعده إِلَيْهِ
فغافله الرجل ثمَّ تَركه بكوة فِي الْبَيْت من غير علم مِنْهُ وَلَا من غَيره ثمَّ عَاد الرَّسُول فَأخْبر الْأَمِير أَن المَال صَار إِلَى طَاوُوس فَأعْطَاهُ مَا شَرط
ثمَّ بعد ذَلِك بِمدَّة بلغ الْأَمِير أَن طَاوُوس تكلم فِي حَق
ه كلَاما غير مرضِي فَغَاظَهُ ذَلِك فَطلب الرَّسُول الَّذِي بَعثه بِالْمَالِ وَقَالَ اذْهَبْ إِلَى طَاوُوس واطلب مِنْهُ المَال الَّذِي بَعَثْتُك بِهِ إِلَيْهِ فوصل إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَا علم لي أَيْن تركته قَالَ بِهَذِهِ الكوة
قَالَ انْظُر بهَا فَنظر وَإِذا بالعنكبوت قد بنت عَلَيْهِ
(1/97)
لم يشْعر بِهِ أحد فَأَخذه وَأَعَادَهُ للأمير
وَكَانَ إِذا صلى الْعَصْر مَعَ أَصْحَابه استقبلوا جَمِيعًا الْقبْلَة وابتهلوا بِالدُّعَاءِ وَالذكر وَلم يكلموا أحدا
وَدخل يَوْمًا على مَرِيض يعودهُ فَقَالَ لَهُ الْمَرِيض ادْع لي قَالَ ادْع أَنْت لنَفسك فَإِنَّهُ يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ
وَقَالَ إِن الْمَوْتَى يلبثُونَ فِي قُبُورهم سبعا وَلذَلِك كَانُوا يستحبون أَن يطعم عَن الْمَيِّت تِلْكَ الْأَيَّام وَكَانَ كثير الْحَج حَتَّى كَانَ يُقَال إِنَّه حج أَرْبَعِينَ سنة
وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة يَوْم التَّرويَة عقب خُرُوجه من عِنْد هِشَام سنة سِتّ ومئة وَحضر هِشَام جنَازَته وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَلما حَضرته الْوَفَاة أوصى إِلَى ابْنه فَقَالَ مَتى وَضَعتنِي فِي اللَّحْد ونصبت عَليّ اللَّبن وَلم يبْق غير يسير انظرني فَإِن وجدتني فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَإِن لم تجدني فاحمد الله
فَفعل ابْنه ذَلِك فَلم يعرف الْحَال إِلَّا بتهلل وَجهه وَبلغ عمره بضعا وَتِسْعين سنة
وَمِنْهُم أَبُو عبد الله وهب بن مُنَبّه بن كَامِل بن سنسخ بسينين مهملتين مفتوحتين بَينهمَا نون سَاكِنة ثمَّ خاء مُعْجمَة بعد السِّين الْآخِرَة وَمَعْنَاهُ بلغَة الْفرس الأسوارى أَي الْأَمِير كالبطريق عِنْد الرّوم والقيل عِنْد الْعَرَب وَقد ذكر الرَّازِيّ نسبه إِلَى مُلُوك الْفرس الْمُتَقَدِّمين
ثمَّ قَالَ هُوَ أحد أَبنَاء الْفرس الَّذين قدمُوا مَعَ سيف بن ذِي يزن وَكَانَ جده أحد الأكاسرة وَأما أَبوهُ فَهُوَ من أَصْحَاب معَاذ وَقد ذكرته وَكَانَت أمه من ذِي الْخَلِيل الْحِمْيَرِي وَكَانَت تَقول كلَاما بالحميرية مَعْنَاهُ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي ولدت ابْنا من ذهب فأوله أَبوهُ وعبره أَنَّهَا تَلد ولدا عَظِيم الشَّأْن ومولده ومنشأه صنعاء وَقد نسب إِلَى ذمار وَهُوَ خطأ وميلاده سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَقيل سنة ثَلَاثِينَ وَأورد الرَّازِيّ فِي كِتَابه بِسَنَدِهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطجع ذَات يَوْم بحجرة عَائِشَة فمرت بِهِ سَحَابَة فَقَالَ يَا عَائِشَة أَتَدْرِينَ أَيْن تُرِيدُ هَذِه السحابة فَقَالَ الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ موضعا بِالْيمن يُقَال لَهُ صنعاء يكون فِيهِ وهب يهب الله لَهُ الْحِكْمَة
وَفِي رِوَايَة يؤتيه الله
(1/98)
الْحِكْمَة وَفِي أُخْرَى ثلث الْحِكْمَة
قَالَ الرَّازِيّ وروى عبَادَة بن الصَّامِت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يكون فِي أمتِي رجلَانِ يُقَال لأَحَدهمَا وهب يهب الله لَهُ الْحِكْمَة وَالْآخر غيلَان فتْنَة على أمتِي أَشد من فتْنَة الشَّيْطَان فَكَانَ غيلَان أول من تكلم بِالْقدرِ
وَكَانَ وهب فَقِيها فصيحا مصقعا بليغا فِي الخطابة والفصاحة وَالْمَوْعِظَة لَا يُبَارى وَلَا يجارى لَقِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأخذ عَن جَابر والنعمان الأنصاريين وَأبي هُرَيْرَة وَأخذ عَن طَاوُوس وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة وَعبد الله بن الزبير وغالب أَخذه عَن ابْن عَبَّاس وَكَانَ يَقُول صَحِبت ابْن عَبَّاس قبل أَن يصاب ببصره ثَلَاث عشرَة سنة وَبعد أَن أُصِيب بِهِ وَإِنِّي مَعَه ذَات يَوْم بِمَكَّة إِذْ قَالَ لي يَا ابْن مُنَبّه قدني إِلَى مجْلِس المراء كَانَ قوم يَجْلِسُونَ بَين بَاب بني جمح إِلَى الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ يَتَكَلَّمُونَ بالجبر وَالْقدر فقدته إِلَيْهِم فَلَمَّا وقف عَلَيْهِم سلم فَردُّوا عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالُوا أَلا تجْلِس رَحِمك الله فَقَالَ وَالله مَا أَنا بجالس إِلَيْكُم أما تعلمُونَ أَن لله عبادا أسكتتهم خشيَة الله من غير عي وَأَنَّهُمْ لَهُم الفصحاء واللطفاء والنجباء الْأَوْلِيَاء إِذا ذكرُوا عَظمَة الله طاشت عُقُولهمْ وَإِذا أشفقوا بِمَا دروا إِلَى الله الْأَعْمَال الزاكية ثمَّ سكت فَقلت لَهُم إِنِّي قَرَأت شَيْئا من السّنة لعد كتب من كتب الله الَّتِي أنزلهَا الله على أنبيائه من السَّمَاء اثْنَيْنِ وَتِسْعين كتابا مِنْهَا اثْنَان وَسَبْعُونَ من الْكَنَائِس وَعِشْرُونَ فِي أَيدي النَّاس لَا يعلمهَا إِلَّا الْقَلِيل وَوجدت فِي جَمِيعهَا أَن من أضَاف إِلَى نَفسه شَيْئا من الْمَشِيئَة
(1/99)
فقد كفر وَلَقَد شاركت النَّاس فِي علمهمْ وَعلمت كثيرا مِمَّا لم يعلمُوا وَوجدت أعلم النَّاس بِهَذَا الْأَمر الَّذِي تمترون بِهِ أسكتهم عَنهُ وَرَأَيْت أجهلهم بِهِ أنطقهم وَوجدت النَّاظر فِيهِ كالناظر فِي شُعَاع الشَّمْس كلما ازْدَادَ فِيهَا تأمل
قَالَ انْظُر بهَا فَنظر وَإِذا بالعنكبوت قد بنت عَلَيْهِ
(1/97)
لم يشْعر بِهِ أحد فَأَخذه وَأَعَادَهُ للأمير
وَكَانَ إِذا صلى الْعَصْر مَعَ أَصْحَابه استقبلوا جَمِيعًا الْقبْلَة وابتهلوا بِالدُّعَاءِ وَالذكر وَلم يكلموا أحدا
وَدخل يَوْمًا على مَرِيض يعودهُ فَقَالَ لَهُ الْمَرِيض ادْع لي قَالَ ادْع أَنْت لنَفسك فَإِنَّهُ يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ
وَقَالَ إِن الْمَوْتَى يلبثُونَ فِي قُبُورهم سبعا وَلذَلِك كَانُوا يستحبون أَن يطعم عَن الْمَيِّت تِلْكَ الْأَيَّام وَكَانَ كثير الْحَج حَتَّى كَانَ يُقَال إِنَّه حج أَرْبَعِينَ سنة
وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة يَوْم التَّرويَة عقب خُرُوجه من عِنْد هِشَام سنة سِتّ ومئة وَحضر هِشَام جنَازَته وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَلما حَضرته الْوَفَاة أوصى إِلَى ابْنه فَقَالَ مَتى وَضَعتنِي فِي اللَّحْد ونصبت عَليّ اللَّبن وَلم يبْق غير يسير انظرني فَإِن وجدتني فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَإِن لم تجدني فاحمد الله
فَفعل ابْنه ذَلِك فَلم يعرف الْحَال إِلَّا بتهلل وَجهه وَبلغ عمره بضعا وَتِسْعين سنة
وَمِنْهُم أَبُو عبد الله وهب بن مُنَبّه بن كَامِل بن سنسخ بسينين مهملتين مفتوحتين بَينهمَا نون سَاكِنة ثمَّ خاء مُعْجمَة بعد السِّين الْآخِرَة وَمَعْنَاهُ بلغَة الْفرس الأسوارى أَي الْأَمِير كالبطريق عِنْد الرّوم والقيل عِنْد الْعَرَب وَقد ذكر الرَّازِيّ نسبه إِلَى مُلُوك الْفرس الْمُتَقَدِّمين
ثمَّ قَالَ هُوَ أحد أَبنَاء الْفرس الَّذين قدمُوا مَعَ سيف بن ذِي يزن وَكَانَ جده أحد الأكاسرة وَأما أَبوهُ فَهُوَ من أَصْحَاب معَاذ وَقد ذكرته وَكَانَت أمه من ذِي الْخَلِيل الْحِمْيَرِي وَكَانَت تَقول كلَاما بالحميرية مَعْنَاهُ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي ولدت ابْنا من ذهب فأوله أَبوهُ وعبره أَنَّهَا تَلد ولدا عَظِيم الشَّأْن ومولده ومنشأه صنعاء وَقد نسب إِلَى ذمار وَهُوَ خطأ وميلاده سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَقيل سنة ثَلَاثِينَ وَأورد الرَّازِيّ فِي كِتَابه بِسَنَدِهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطجع ذَات يَوْم بحجرة عَائِشَة فمرت بِهِ سَحَابَة فَقَالَ يَا عَائِشَة أَتَدْرِينَ أَيْن تُرِيدُ هَذِه السحابة فَقَالَ الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ موضعا بِالْيمن يُقَال لَهُ صنعاء يكون فِيهِ وهب يهب الله لَهُ الْحِكْمَة
وَفِي رِوَايَة يؤتيه الله
(1/98)
الْحِكْمَة وَفِي أُخْرَى ثلث الْحِكْمَة
قَالَ الرَّازِيّ وروى عبَادَة بن الصَّامِت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يكون فِي أمتِي رجلَانِ يُقَال لأَحَدهمَا وهب يهب الله لَهُ الْحِكْمَة وَالْآخر غيلَان فتْنَة على أمتِي أَشد من فتْنَة الشَّيْطَان فَكَانَ غيلَان أول من تكلم بِالْقدرِ
وَكَانَ وهب فَقِيها فصيحا مصقعا بليغا فِي الخطابة والفصاحة وَالْمَوْعِظَة لَا يُبَارى وَلَا يجارى لَقِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأخذ عَن جَابر والنعمان الأنصاريين وَأبي هُرَيْرَة وَأخذ عَن طَاوُوس وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة وَعبد الله بن الزبير وغالب أَخذه عَن ابْن عَبَّاس وَكَانَ يَقُول صَحِبت ابْن عَبَّاس قبل أَن يصاب ببصره ثَلَاث عشرَة سنة وَبعد أَن أُصِيب بِهِ وَإِنِّي مَعَه ذَات يَوْم بِمَكَّة إِذْ قَالَ لي يَا ابْن مُنَبّه قدني إِلَى مجْلِس المراء كَانَ قوم يَجْلِسُونَ بَين بَاب بني جمح إِلَى الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ يَتَكَلَّمُونَ بالجبر وَالْقدر فقدته إِلَيْهِم فَلَمَّا وقف عَلَيْهِم سلم فَردُّوا عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالُوا أَلا تجْلِس رَحِمك الله فَقَالَ وَالله مَا أَنا بجالس إِلَيْكُم أما تعلمُونَ أَن لله عبادا أسكتتهم خشيَة الله من غير عي وَأَنَّهُمْ لَهُم الفصحاء واللطفاء والنجباء الْأَوْلِيَاء إِذا ذكرُوا عَظمَة الله طاشت عُقُولهمْ وَإِذا أشفقوا بِمَا دروا إِلَى الله الْأَعْمَال الزاكية ثمَّ سكت فَقلت لَهُم إِنِّي قَرَأت شَيْئا من السّنة لعد كتب من كتب الله الَّتِي أنزلهَا الله على أنبيائه من السَّمَاء اثْنَيْنِ وَتِسْعين كتابا مِنْهَا اثْنَان وَسَبْعُونَ من الْكَنَائِس وَعِشْرُونَ فِي أَيدي النَّاس لَا يعلمهَا إِلَّا الْقَلِيل وَوجدت فِي جَمِيعهَا أَن من أضَاف إِلَى نَفسه شَيْئا من الْمَشِيئَة
(1/99)
فقد كفر وَلَقَد شاركت النَّاس فِي علمهمْ وَعلمت كثيرا مِمَّا لم يعلمُوا وَوجدت أعلم النَّاس بِهَذَا الْأَمر الَّذِي تمترون بِهِ أسكتهم عَنهُ وَرَأَيْت أجهلهم بِهِ أنطقهم وَوجدت النَّاظر فِيهِ كالناظر فِي شُعَاع الشَّمْس كلما ازْدَادَ فِيهَا تأمل
ا ازْدَادَ فِيهَا تحيرا وَكَانَ النَّاس إِذْ ذَاك قد أفاضوا فِي ذكر الْقدر وَقد قَرَأت كتب عبد الله بن سَلام وَكتب كَعْب الْأَحْبَار وقرأت التَّوْرَاة فَوجدت فِيهَا أَنا الله خَالق الْخَيْر ومقدره وطوبى لمن قدرته على يَدَيْهِ وَأَنا خَالق الشَّرّ ومقدره فويل لمن قدرته على يَدَيْهِ من خلقي وقرأت الْإِنْجِيل فَوَجَدته كَذَلِك حج سنة مئة وَحج فِيهَا جمع من الْعلمَاء فيهم الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَغَيرهمَا فَاجْتمعُوا جَمِيعًا إِلَى مَوضِع بِالْحرم وتذاكروا الْعلم ثمَّ أَرَادوا ذكر الْقدر فَقطع عَلَيْهِم وهب الْكَلَام واستفتح فِي ذكر الْحَمد وَالثنَاء وَلم يزل متكلما بذلك حَتَّى طلع الْفجْر وافترقوا وَلم يخوضوا فِي شَيْء
وَحج مرّة فَلَمَّا صَار بِمَكَّة وَقد اجْتمع فِي الحجيج جمَاعَة من الْعلمَاء فَصنعَ لَهُم عَطاء بن أبي رَبَاح طَعَاما فِي منزله ودعاهم إِلَيْهِ فَلَمَّا أَمْسوا وَكَانَ فيهم الْحسن أَيْضا وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس فَتكلم الْحسن وَغَيره فِي وصف الله وعظمته وجلاله ثمَّ قَالَ لوهب تكلم فَأخذ يتَكَلَّم فِي تَعْظِيم الرب وتنزيهه ثمَّ لم يزل كَذَلِك حَتَّى قَامُوا لصَلَاة الصُّبْح وَلم يحل وهب حبوته فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَة يَا أَبَا عبد الله كَانَ لنا فِي أَنْفُسنَا قدر فصغرته عندنَا وَجَاء رجل فَقَالَ إِنِّي سَمِعت فلَانا يشتمك فَغَضب وَقَالَ مَا وجد الشَّيْطَان إِلَيّ رَسُولا غَيْرك
ثمَّ إِن الرجل الْمَنْقُول عَنهُ أَتَى عقب ذَلِك وَسلم عَلَيْهِ وأكرمه وَمد يَده وَصَافحهُ وَأَجْلسهُ إِلَى جنبه وَقَالَ الْإِيمَان عُرْيَان لِبَاسه التَّقْوَى وزينته الحيا وجماله الْفِقْه
وَكَانَ يؤم النَّاس بِقِيَام رَمَضَان ويوتر بهم فَإِذا رفع رَأسه قنت فَيَقُول اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد الدَّائِم السرمد حمدا لَا يُحْصِيه الْعدَد وَلَا يقطعهُ الْأَبَد كَمَا يَنْبَغِي لَك أَن تحمد وكما أَنْت لَهُ أهل وكما هُوَ لَك علينا ثمَّ يرفع النَّاس أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ فَلَا يسمع مَا يَقُول وَكَانَ يرفع يَدَيْهِ حِين التَّكْبِير للرُّكُوع وَحين الرّفْع مِنْهُ وَلَا يفعل ذَلِك
وَحج مرّة فَلَمَّا صَار بِمَكَّة وَقد اجْتمع فِي الحجيج جمَاعَة من الْعلمَاء فَصنعَ لَهُم عَطاء بن أبي رَبَاح طَعَاما فِي منزله ودعاهم إِلَيْهِ فَلَمَّا أَمْسوا وَكَانَ فيهم الْحسن أَيْضا وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس فَتكلم الْحسن وَغَيره فِي وصف الله وعظمته وجلاله ثمَّ قَالَ لوهب تكلم فَأخذ يتَكَلَّم فِي تَعْظِيم الرب وتنزيهه ثمَّ لم يزل كَذَلِك حَتَّى قَامُوا لصَلَاة الصُّبْح وَلم يحل وهب حبوته فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَة يَا أَبَا عبد الله كَانَ لنا فِي أَنْفُسنَا قدر فصغرته عندنَا وَجَاء رجل فَقَالَ إِنِّي سَمِعت فلَانا يشتمك فَغَضب وَقَالَ مَا وجد الشَّيْطَان إِلَيّ رَسُولا غَيْرك
ثمَّ إِن الرجل الْمَنْقُول عَنهُ أَتَى عقب ذَلِك وَسلم عَلَيْهِ وأكرمه وَمد يَده وَصَافحهُ وَأَجْلسهُ إِلَى جنبه وَقَالَ الْإِيمَان عُرْيَان لِبَاسه التَّقْوَى وزينته الحيا وجماله الْفِقْه
وَكَانَ يؤم النَّاس بِقِيَام رَمَضَان ويوتر بهم فَإِذا رفع رَأسه قنت فَيَقُول اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد الدَّائِم السرمد حمدا لَا يُحْصِيه الْعدَد وَلَا يقطعهُ الْأَبَد كَمَا يَنْبَغِي لَك أَن تحمد وكما أَنْت لَهُ أهل وكما هُوَ لَك علينا ثمَّ يرفع النَّاس أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ فَلَا يسمع مَا يَقُول وَكَانَ يرفع يَدَيْهِ حِين التَّكْبِير للرُّكُوع وَحين الرّفْع مِنْهُ وَلَا يفعل ذَلِك
شاعر #المكلا احمد محمد بكير
أسرة بكير والجميلة المكلا:
إذا ذكرت المكلا، حاضرة السلطنة القعيطية العطرة الذكر، ذكرت معها أسرة بكير، وسبق لي أن وقفت أمام سيرة عطرة، وهي سيرة الدكتور سالم عمر بكير (1946/1998م)، عرفت أن أسرة بكير من أوائل الأسر التي سكنت المكلا.
وقفت أمام كتاب (شاعر المكلا القديم أحمد محمد بكير - 1280 - 1359هـ) للدكتور عبدالعزيز الصيغ - ص 23: «حين نعلم أن الشاعر بكير توفي عام 40م، وكان وقتها شيخاً كبيراً، نعلم أنه من مواليد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت المكلا آنذاك أشبه بقرية صغيرة تمتد من حي البلاد (ما يعرف اليوم بحي الشهيد) إلى حدود مسجد عمر؛ حيث كانت سدة مشهور تغلق على المدينة، وكانت منطقة حي السلام معروفة فيما بعد ببرع السدة، ولم تكن المدارس وقتها معروفة، وكان بحسب الإنسان معرفة أن يقرأ القرآن ويحفظه..
الانطلاقة من علمة الشيخ بازنبور
كانت بداية الانطلاقة عند شاعرنا بكير لمعرفة مبادئ الكتابة من علمة (معلامة) الشيخ عبيد بازنبور في مسجد جامع البلاد، في حين كانت العِلم الأخرى معنية بالقراءة فقط، وكان من زملائه في تلك المدرسة: علي محمد باحاتم، وأحمد طاهر بازنبور، وعلي طاهر بازنبور، ومن تلك المدرسة كانت انطلاقة الشاعر بكير إلى عالم المعرفة والشعر..
وضع الوالد محمد أبوبكر بكير الجدياني اليافعي ولده أحمد محمد بكير في المحك الصعب؛ عندما أبلغه بأنه سيجعله يعتمد على نفسه اعتماداً تاماً، وأخذه إلى التاجر المعروف وهو الشيخ عبدالله محمد بارحيم والد الشيخ أبوبكر بارحيم، عضو مجلس الدولة المعروف والرجل السياسي المجرب، فأعطى الشيخ عبدالله شاعرنا بكير مبلغاً من المال بضمانة الأب، وتفوق الشاب في إدارة أعماله وصقل شعره..
بكير شاعر حي البلاد وبانبوع شاعر حي الحارة
سخنت قريحة الشعر في النصف الأول من خمسينات القرن الماضي في الساحرة المكلا، حيث برز أحمد محمد بكير، شاعر حي البلاد، وبرزت بصماته في مسيرة الشعر الشعبي، فيما برز الشاعر سالم عبود بانبوع في حي الحارة، وبرز في الحارة أيضاً أحد أفذاذ الشعر، وهو الشاعر سعيد باحريز..
من مساجلات بكير وبانبوع
ومن مساجلات الشاعر أحمد محمد بكير وقفت أمام إحدى مساجلاته مع الشاعر سالم عبود بانبوع:
يا نجوم السماء
بانبوع:
يا نجوم السماء يا الزاهرات السوابع * اظهرن قبل لا تغرب عليّ الميازين.
لي حليلة ولكن هاجسي ما يراجع * بعض لحوال ما تنفع ولا لها قوانين.
بكير:
يا جميلي ويا جودي مع الصيف فيالع * آه يا ما بحالي عالجوخ والقناتين.
كم نفعناك حل الضيق والله نافع * بعد ما كنت عاتدفش معاوزك في الطين.
بانبوع:
من كلام الجفا بلقي عطب في المسامع * يومنا حصن لي سدة وسبعة رواشن.
بكير:
أتت بلصيص من عانيك ساجد وراكع * قال هذا ولي وأنت دمار المساكين.
شوفوا بكير والعماري وبن سنكر
التقى الفرسان الثلاثة أحمد محمد بكير، وعبدالله العماري، وعبيد بن سنكر في هذه المساجلة:
بن سنكر:
ذا فصل والثاني كتبت الخط واعطيته العنا * يقول بن سنكر حواله جات من عبدالشكور.
العماري:
يا عبيد بن سنكر فتحنا باب من أبوابنا * كلين يوزن هرجته يا أهل المعاني والفكور.
واضح وثابت قال بو عمار لي في خطنا * وإن شيء مضيع بانجيبه من غرغير الطيور.
بكير:
الناس قد حجت وقدهم صانك الله في منى * واللي خلف ما دق بشيء دق بالكرش هي والمصور.
اكتفي بهذا القدر من المساجلة الثلاثية
بكير وحسين بن حامد المحضاريتساجلان
بكير:
يا لي لقيت الزراعة قم زرع قم زرع * الزرع لا قد تحسن بايلقي سبول.
مدري وراء البندقاني ما يصيب النصع * ولا تعراض في البدوي وكثر الفضول.
ناديك والادجاجة بايكلنا الشكع * نا وعل حالي قرونه من كبار الوعول.
لي دخلوا البحر جونا طاويين النسع * جابوا محاحير ما جابو جواهر ولول.
المحضار:
وقفت كذا ما حسبناها كذا باتقع * واليوم وقعت وقدها شارقة على الطول.
بكير:
كل من يلقي قصص غبرة ويلقي بدع * له يوم معروف من أهله وداره يزول.
مساجلة شبه سياسية أطرافها بن حميد من الغيل وبانبوع وبكير من المكلا
سالم ناصر بن حميد:
يقول بن حميد يكون إلا المقدر * يغفر الله زلل فيما تقدم وما صار.
ذا زماني كما نفس الصبر ما تعبر * كلما جيت باعبره في الحلق ما سار.
الله أكبر على بعض العرب الله أكبر * دق مسمار في عين العدو دق مسمار.
سالم عبود بانبوع:
لو درى خو فرج عارضك في الفار الأحمر * طاف بك حصن في المشراف عايشر وشرار.
وأيش بايلف الطهف يا خوك لا قد تطير * كيه جربه طير به في الأرض طيار.
ما رثيتوا لسالم يوم ثوبه مشعطر * والسبب أهل جزول شعطروا الثوب شعطار.
أحمد محمد بكير:
عادنا عادنا باطرحك في الخن الأزهر * وإن تبا الصقر والطاؤوس في البحر سنجار.
عاد باجيب لك مدفع وتركي مزرزر * والجليلات مطروحة وأكياس طيار.
المقطني قبيلي والناخبي من أصل حمير *** وإحنا بونا يقع يا ذا المغني جمعدار
أسرة بكير والجميلة المكلا:
إذا ذكرت المكلا، حاضرة السلطنة القعيطية العطرة الذكر، ذكرت معها أسرة بكير، وسبق لي أن وقفت أمام سيرة عطرة، وهي سيرة الدكتور سالم عمر بكير (1946/1998م)، عرفت أن أسرة بكير من أوائل الأسر التي سكنت المكلا.
وقفت أمام كتاب (شاعر المكلا القديم أحمد محمد بكير - 1280 - 1359هـ) للدكتور عبدالعزيز الصيغ - ص 23: «حين نعلم أن الشاعر بكير توفي عام 40م، وكان وقتها شيخاً كبيراً، نعلم أنه من مواليد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت المكلا آنذاك أشبه بقرية صغيرة تمتد من حي البلاد (ما يعرف اليوم بحي الشهيد) إلى حدود مسجد عمر؛ حيث كانت سدة مشهور تغلق على المدينة، وكانت منطقة حي السلام معروفة فيما بعد ببرع السدة، ولم تكن المدارس وقتها معروفة، وكان بحسب الإنسان معرفة أن يقرأ القرآن ويحفظه..
الانطلاقة من علمة الشيخ بازنبور
كانت بداية الانطلاقة عند شاعرنا بكير لمعرفة مبادئ الكتابة من علمة (معلامة) الشيخ عبيد بازنبور في مسجد جامع البلاد، في حين كانت العِلم الأخرى معنية بالقراءة فقط، وكان من زملائه في تلك المدرسة: علي محمد باحاتم، وأحمد طاهر بازنبور، وعلي طاهر بازنبور، ومن تلك المدرسة كانت انطلاقة الشاعر بكير إلى عالم المعرفة والشعر..
وضع الوالد محمد أبوبكر بكير الجدياني اليافعي ولده أحمد محمد بكير في المحك الصعب؛ عندما أبلغه بأنه سيجعله يعتمد على نفسه اعتماداً تاماً، وأخذه إلى التاجر المعروف وهو الشيخ عبدالله محمد بارحيم والد الشيخ أبوبكر بارحيم، عضو مجلس الدولة المعروف والرجل السياسي المجرب، فأعطى الشيخ عبدالله شاعرنا بكير مبلغاً من المال بضمانة الأب، وتفوق الشاب في إدارة أعماله وصقل شعره..
بكير شاعر حي البلاد وبانبوع شاعر حي الحارة
سخنت قريحة الشعر في النصف الأول من خمسينات القرن الماضي في الساحرة المكلا، حيث برز أحمد محمد بكير، شاعر حي البلاد، وبرزت بصماته في مسيرة الشعر الشعبي، فيما برز الشاعر سالم عبود بانبوع في حي الحارة، وبرز في الحارة أيضاً أحد أفذاذ الشعر، وهو الشاعر سعيد باحريز..
من مساجلات بكير وبانبوع
ومن مساجلات الشاعر أحمد محمد بكير وقفت أمام إحدى مساجلاته مع الشاعر سالم عبود بانبوع:
يا نجوم السماء
بانبوع:
يا نجوم السماء يا الزاهرات السوابع * اظهرن قبل لا تغرب عليّ الميازين.
لي حليلة ولكن هاجسي ما يراجع * بعض لحوال ما تنفع ولا لها قوانين.
بكير:
يا جميلي ويا جودي مع الصيف فيالع * آه يا ما بحالي عالجوخ والقناتين.
كم نفعناك حل الضيق والله نافع * بعد ما كنت عاتدفش معاوزك في الطين.
بانبوع:
من كلام الجفا بلقي عطب في المسامع * يومنا حصن لي سدة وسبعة رواشن.
بكير:
أتت بلصيص من عانيك ساجد وراكع * قال هذا ولي وأنت دمار المساكين.
شوفوا بكير والعماري وبن سنكر
التقى الفرسان الثلاثة أحمد محمد بكير، وعبدالله العماري، وعبيد بن سنكر في هذه المساجلة:
بن سنكر:
ذا فصل والثاني كتبت الخط واعطيته العنا * يقول بن سنكر حواله جات من عبدالشكور.
العماري:
يا عبيد بن سنكر فتحنا باب من أبوابنا * كلين يوزن هرجته يا أهل المعاني والفكور.
واضح وثابت قال بو عمار لي في خطنا * وإن شيء مضيع بانجيبه من غرغير الطيور.
بكير:
الناس قد حجت وقدهم صانك الله في منى * واللي خلف ما دق بشيء دق بالكرش هي والمصور.
اكتفي بهذا القدر من المساجلة الثلاثية
بكير وحسين بن حامد المحضاريتساجلان
بكير:
يا لي لقيت الزراعة قم زرع قم زرع * الزرع لا قد تحسن بايلقي سبول.
مدري وراء البندقاني ما يصيب النصع * ولا تعراض في البدوي وكثر الفضول.
ناديك والادجاجة بايكلنا الشكع * نا وعل حالي قرونه من كبار الوعول.
لي دخلوا البحر جونا طاويين النسع * جابوا محاحير ما جابو جواهر ولول.
المحضار:
وقفت كذا ما حسبناها كذا باتقع * واليوم وقعت وقدها شارقة على الطول.
بكير:
كل من يلقي قصص غبرة ويلقي بدع * له يوم معروف من أهله وداره يزول.
مساجلة شبه سياسية أطرافها بن حميد من الغيل وبانبوع وبكير من المكلا
سالم ناصر بن حميد:
يقول بن حميد يكون إلا المقدر * يغفر الله زلل فيما تقدم وما صار.
ذا زماني كما نفس الصبر ما تعبر * كلما جيت باعبره في الحلق ما سار.
الله أكبر على بعض العرب الله أكبر * دق مسمار في عين العدو دق مسمار.
سالم عبود بانبوع:
لو درى خو فرج عارضك في الفار الأحمر * طاف بك حصن في المشراف عايشر وشرار.
وأيش بايلف الطهف يا خوك لا قد تطير * كيه جربه طير به في الأرض طيار.
ما رثيتوا لسالم يوم ثوبه مشعطر * والسبب أهل جزول شعطروا الثوب شعطار.
أحمد محمد بكير:
عادنا عادنا باطرحك في الخن الأزهر * وإن تبا الصقر والطاؤوس في البحر سنجار.
عاد باجيب لك مدفع وتركي مزرزر * والجليلات مطروحة وأكياس طيار.
المقطني قبيلي والناخبي من أصل حمير *** وإحنا بونا يقع يا ذا المغني جمعدار
خارطة شعريه
الرحيل بمختلف ظروفه وتنوع أهدافه وغاياته عرفه الإنسان العربي في جاهليته، وفي إسلامه، ونتجت عن تجاربه ومعاناته قصائد ومقامات، قصص وحكايات، انطباعات ومشاهدات دوّنتها أقلام مهاجرين ومغتربين ورحالة عرب لتشكل في مجملها سفراً باذخاً في الثراء والوفرة والتنوع، فضلاً عن التنامي المضطرد في تطوره مضموناً بالانتقال من التعبير عن الاختلاجات الذاتية، إلى التعبير عن الروح الجماعية بأبعادها الوطنية والقومية والإنسانية.
وقد كان أدب وقصص وأعمال الرحالة عبر التاريخ وما يزال يأخذ الألباب، وهو بقدر ما يشبع الرغبات المادية والروحية لبني البشر بما يشيعه من بهجة في النفوس، وطرب القلوب وإثارة لمشاعر الخيال، بقدر ما ينزع إلى تلبية حاجات العقل والمنطق، اللذين يشكلان الانعكاس الموضوعي للحركة والأحداث الخارجية المعبرة عن أصل الوجود والطبيعة، وحياة الناس وطبيعة معاشهم وصور تفكيرهم، وأضراب سلوكهم، واختلاف وتنوع درجة تطورهم. أضف إلى ذلك أن أدب الرحلات مفعم بالأسرار والعجائب، وهو يندفع كالسيل في اختراق الحواجز واجتياز العوائق، شاقاً طريقه في رحاب المجهول وسط السهول والوديان والجبال والصحارى، وحتى الفضاء وأعماق المحيطات، فضلاً عن الإبحار في نفس الوقت داخل النفس البشرية.
وقد ظل حرص الحضارمة من رحالة ونواخيذ وربابنة، ومهاجرين وأدباء وكتاب وشعراء على تدوين ما خلصوا إليه من خبرات وتجارب ومعارف وعلوم عن رحلاتهم وأسفارهم البرية والبحرية، ظل هذا الحرص موصولاً بما يجعله يشكل باباً بالغ الثراء والوفرة والتنوع في مضمار (أدب الرحلات).
وأصبح مألوفاً عند الشعراء الشعبيين في حضرموت تحميلهم رسائلهم المنظومة (مسرّحاتهم) لرسل (مبعوثين)- حقيقة حيناً وتخيلاً حيناً آخر- يحملونها لهم من مواطن إقامتهم إلى مَن يأتمنونهم في حملها إليه في موطن آخر، فنجد الشعراء يبدون حرصاً على تحديد معالم خطوط السير لمبعوثيهم، ربما لتسهيل مهمة المبعوث، وجعله على دراية بذلك، وربما يروم الشاعر من ذلك أن يظهر للآخرين ما لديه من معرفة وخبرة بمعالم وخطوط السفر. ومثالاً على ذلك قصيدة الشاعر الشعبي سالم أحمد بانبوع، التي سرّحها من بندر العيدروس (مدينة عدن)، إلى بندر يعقوب (مدينة المكلا)، فنجده قد استهلها بمفتتح تقليدي معهود عند الشعراء الحضارمة، يتمثل في الثناء على الله وشكره وحمده على نعمه، ثم الصلاة والتسليم على نبيه الكريم (صلى الله عليه وسلم) وآله وصحبه، فقال:
«أبدِيْ بمَنْ هُوْ خلَقْ بحراً وبَرْ
الوَاحدْ الفَردْ رَبِيْ ذا الجلالْ
يَا وَاسِعْ الجُودْ يَسّرْ ما عسَرْ
وجعَلْ لنا دَاخلْ الجنّةْ حلاَلْ
وبعد صلوا على خيرْ البشَرْ
ما حطْ مَاطرْ وعَدْ ما سيلْ سَالْ
والآلْ والصَحبْ يا نِعمْ الغررْ
لِيْ جَاهدوا في مَياديِنْ القتَالْ»
بعد ذلك يتجه بخطابه إلى من عنَّاه (كلّفه) أو (المعتني) حسب تعبيره، بإيصال رسالته (مسرّحته) فأوصاه وأرشده:
«وبعد يا معتنِيْ جَدّ السفَرْ
لاَ هزَكْ الشُوقْ وذكَرتْ العيَالْ
من بندَرْ العيدروسْ المشتهرْ
بو بكرْ حِملُه مزيّدْ عَا الحمَالْ
واشمُرْ العصَرْ لاَ رِيحَكْ سبَرْ
من المعلاْ زيَبْ ولاَّ شمَالْ»
إن (المعتني) هنا كما هو بادٍ لنا، لديه دُربة وخبرة بمسارات الإبحار، وصانع ومتخذ قرار، وإلا ما استحثه الشاعر بالجد في سفره، إذ لو لم يكن لديه وبيده شيء من ذلك، فإنه ليس بمقدوره الإسراع أو التهوين والتواني في إبحاره من مرسى السفن الشراعية في (المعلاّ)، بعدما عقد العزم على المغادرة والسفر من عدن البندر الذائع الصيت، الذي أصبح اسمه يُذكر مقروناً بالإمام العلاّمة الشاعر الصوفي أبو بكر بن عبد الله العيدروس (بندر العيدروس)، تعبيراً عن مكانته ورسوخها في الوجدان الجمعي للعدنيين.
وقد حرص على مخاطبة مبعوثه بتعابير ومفردات من قاموس بحارة السفن الشراعية لتصل إرشاداته ووصاياه لمبعوثه دون غموض أو لِبس، وربما ليظهر للأخير ما لديه من معرفة ودراية بالتعابير والمفردات التي يستخدمها البحارة. استخدم للإيعاز بالانطلاق تعبير (شمُرْ)، وتعني عند أهل البحر رفع ونصب شراع السفينة إيذاناً بإبحارها، وهذا التعبير لا يُقال في الأشخاص إلا من قبيل المجاز، فيقال عمن يمر بآخر أو بآخرين مسرعاً في عجالة من أمره لا يلوي على شيء (فلان شمَرْ) أو (فلان شَامر) أوصى صاحبه أن يشمر (يبحر) عصراً، غير أنه اشترط أن تكون الرياح مستمرة غير متقطعة ومؤاتية للإبحار (ريحك سبَر)، ولا يهم إن كانت هذه الرياح موسمية شمالية شرقية (الزيب) أو شمالية (شمال)، فهذه أو تلك ستبحر بـ(المعتني) وتوصله إلى حيث يروم إلقاء مرساة إبحاره وعصا ترحاله وسفره، ولكن ليس قبل أن يرشده من عنّاه بخط الإبحار الذي ينبغي له أن يهتد بالسير عليه، موضحاً له ما سيمر به من مواطن ومعالم, وما عليه القيام به عند التوقف أو المرور بالعض منها:
«دخُلْ لشُقرا وخُذْ فيها قدَرْ
قَصدْ السَقِيِّةْ وقصَرْ عَا الحبَالْ
عبُرْ مقَاطيِنْ وخطُفْ عَا حُوَرْ
وبَا تجِيِكْ الجُزُرْ
الرحيل بمختلف ظروفه وتنوع أهدافه وغاياته عرفه الإنسان العربي في جاهليته، وفي إسلامه، ونتجت عن تجاربه ومعاناته قصائد ومقامات، قصص وحكايات، انطباعات ومشاهدات دوّنتها أقلام مهاجرين ومغتربين ورحالة عرب لتشكل في مجملها سفراً باذخاً في الثراء والوفرة والتنوع، فضلاً عن التنامي المضطرد في تطوره مضموناً بالانتقال من التعبير عن الاختلاجات الذاتية، إلى التعبير عن الروح الجماعية بأبعادها الوطنية والقومية والإنسانية.
وقد كان أدب وقصص وأعمال الرحالة عبر التاريخ وما يزال يأخذ الألباب، وهو بقدر ما يشبع الرغبات المادية والروحية لبني البشر بما يشيعه من بهجة في النفوس، وطرب القلوب وإثارة لمشاعر الخيال، بقدر ما ينزع إلى تلبية حاجات العقل والمنطق، اللذين يشكلان الانعكاس الموضوعي للحركة والأحداث الخارجية المعبرة عن أصل الوجود والطبيعة، وحياة الناس وطبيعة معاشهم وصور تفكيرهم، وأضراب سلوكهم، واختلاف وتنوع درجة تطورهم. أضف إلى ذلك أن أدب الرحلات مفعم بالأسرار والعجائب، وهو يندفع كالسيل في اختراق الحواجز واجتياز العوائق، شاقاً طريقه في رحاب المجهول وسط السهول والوديان والجبال والصحارى، وحتى الفضاء وأعماق المحيطات، فضلاً عن الإبحار في نفس الوقت داخل النفس البشرية.
وقد ظل حرص الحضارمة من رحالة ونواخيذ وربابنة، ومهاجرين وأدباء وكتاب وشعراء على تدوين ما خلصوا إليه من خبرات وتجارب ومعارف وعلوم عن رحلاتهم وأسفارهم البرية والبحرية، ظل هذا الحرص موصولاً بما يجعله يشكل باباً بالغ الثراء والوفرة والتنوع في مضمار (أدب الرحلات).
وأصبح مألوفاً عند الشعراء الشعبيين في حضرموت تحميلهم رسائلهم المنظومة (مسرّحاتهم) لرسل (مبعوثين)- حقيقة حيناً وتخيلاً حيناً آخر- يحملونها لهم من مواطن إقامتهم إلى مَن يأتمنونهم في حملها إليه في موطن آخر، فنجد الشعراء يبدون حرصاً على تحديد معالم خطوط السير لمبعوثيهم، ربما لتسهيل مهمة المبعوث، وجعله على دراية بذلك، وربما يروم الشاعر من ذلك أن يظهر للآخرين ما لديه من معرفة وخبرة بمعالم وخطوط السفر. ومثالاً على ذلك قصيدة الشاعر الشعبي سالم أحمد بانبوع، التي سرّحها من بندر العيدروس (مدينة عدن)، إلى بندر يعقوب (مدينة المكلا)، فنجده قد استهلها بمفتتح تقليدي معهود عند الشعراء الحضارمة، يتمثل في الثناء على الله وشكره وحمده على نعمه، ثم الصلاة والتسليم على نبيه الكريم (صلى الله عليه وسلم) وآله وصحبه، فقال:
«أبدِيْ بمَنْ هُوْ خلَقْ بحراً وبَرْ
الوَاحدْ الفَردْ رَبِيْ ذا الجلالْ
يَا وَاسِعْ الجُودْ يَسّرْ ما عسَرْ
وجعَلْ لنا دَاخلْ الجنّةْ حلاَلْ
وبعد صلوا على خيرْ البشَرْ
ما حطْ مَاطرْ وعَدْ ما سيلْ سَالْ
والآلْ والصَحبْ يا نِعمْ الغررْ
لِيْ جَاهدوا في مَياديِنْ القتَالْ»
بعد ذلك يتجه بخطابه إلى من عنَّاه (كلّفه) أو (المعتني) حسب تعبيره، بإيصال رسالته (مسرّحته) فأوصاه وأرشده:
«وبعد يا معتنِيْ جَدّ السفَرْ
لاَ هزَكْ الشُوقْ وذكَرتْ العيَالْ
من بندَرْ العيدروسْ المشتهرْ
بو بكرْ حِملُه مزيّدْ عَا الحمَالْ
واشمُرْ العصَرْ لاَ رِيحَكْ سبَرْ
من المعلاْ زيَبْ ولاَّ شمَالْ»
إن (المعتني) هنا كما هو بادٍ لنا، لديه دُربة وخبرة بمسارات الإبحار، وصانع ومتخذ قرار، وإلا ما استحثه الشاعر بالجد في سفره، إذ لو لم يكن لديه وبيده شيء من ذلك، فإنه ليس بمقدوره الإسراع أو التهوين والتواني في إبحاره من مرسى السفن الشراعية في (المعلاّ)، بعدما عقد العزم على المغادرة والسفر من عدن البندر الذائع الصيت، الذي أصبح اسمه يُذكر مقروناً بالإمام العلاّمة الشاعر الصوفي أبو بكر بن عبد الله العيدروس (بندر العيدروس)، تعبيراً عن مكانته ورسوخها في الوجدان الجمعي للعدنيين.
وقد حرص على مخاطبة مبعوثه بتعابير ومفردات من قاموس بحارة السفن الشراعية لتصل إرشاداته ووصاياه لمبعوثه دون غموض أو لِبس، وربما ليظهر للأخير ما لديه من معرفة ودراية بالتعابير والمفردات التي يستخدمها البحارة. استخدم للإيعاز بالانطلاق تعبير (شمُرْ)، وتعني عند أهل البحر رفع ونصب شراع السفينة إيذاناً بإبحارها، وهذا التعبير لا يُقال في الأشخاص إلا من قبيل المجاز، فيقال عمن يمر بآخر أو بآخرين مسرعاً في عجالة من أمره لا يلوي على شيء (فلان شمَرْ) أو (فلان شَامر) أوصى صاحبه أن يشمر (يبحر) عصراً، غير أنه اشترط أن تكون الرياح مستمرة غير متقطعة ومؤاتية للإبحار (ريحك سبَر)، ولا يهم إن كانت هذه الرياح موسمية شمالية شرقية (الزيب) أو شمالية (شمال)، فهذه أو تلك ستبحر بـ(المعتني) وتوصله إلى حيث يروم إلقاء مرساة إبحاره وعصا ترحاله وسفره، ولكن ليس قبل أن يرشده من عنّاه بخط الإبحار الذي ينبغي له أن يهتد بالسير عليه، موضحاً له ما سيمر به من مواطن ومعالم, وما عليه القيام به عند التوقف أو المرور بالعض منها:
«دخُلْ لشُقرا وخُذْ فيها قدَرْ
قَصدْ السَقِيِّةْ وقصَرْ عَا الحبَالْ
عبُرْ مقَاطيِنْ وخطُفْ عَا حُوَرْ
وبَا تجِيِكْ الجُزُرْ