اليمن_تاريخ_وثقافة
11.5K subscribers
144K photos
352 videos
2.2K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
مملكة #البنط المفقودة “أرض الله” وحضارة اليمن السابعة

 #شهاب_الأهدل 

أسماها الفراعنة ” أرض الله ” وبلاد البنط، وموطن الأجداد، وقالوا هي المكان الذي تشرق منه الشمس، وبلاد البخور واللبان والعطريات الفاخرة، ورأوا أن الطريق إليها يكون بالسفر نحو الشمس عبر البحر الأحمر. وفي تحديد مكانها ترك الفراعنة إشارات متخبطة وأوصافا محيرة، وانتهى عصر الفراعنة وانقضت حضارتهم ليختفي ذكر أرض البنط مع مرور آلاف السنين. وجاء القرن العشرون ليتم الكشف عن النقوش الفرعونية التي ذكرت مملكة البنط، فكان السؤال الأهم: أين كان موقعها؟
 يستعرض هذا المقال أدلة على حضارة يمنية قديمة ومجهولة، عرفت الكتابة وأنشأت المدن ومارست الزراعة والتعدين وأسست مجتمعات منظمة، وكانت خلال زمن الفراعنة المجتمع الساحلي الأكثر تطوراً في البحر الأحمر. وبالاستعانة بالنقوش المصرية القديمة ونتائج المسوحات الميدانية يطرح هذا المقال فرضية كون هذه الحضارة هي مملكة البنط المفقودة.
أين كانت هذه الحضارة؟
تتحدث النقوش الفرعونية من الألفية الثانية قبل الميلاد عن مملكة بعيدة تدعى” البنط “. وضعت غالبية هذه النقوش أرض البنط في اتجاه الشرق. مع ذلك، بعد اكتشاف نقوش تحتمس الثالث العائدة إلى عام 1425 قبل الميلاد والتي وضعت البنط ضمن قائمة البلدان الواقعة جنوب مصر، ساد اعتقاد بين العلماء على أنها من البلدان الأفريقية الواقعة جنوب مصر كالسودان وارتيريا والصومال1. وقد تجاهل هذا الاعتقاد النقوش الأخرى الكثيرة التي وضعت البنط في جهة الشرق والجنوب الشرقي. أما نتائج المسوحات الميدانية، فإنها لم تخرج بدليل واحد يؤكد وجود مجتمعات متقدمة في الساحل الأفريقي المطل على البحر الأحمر خلال عصر الفراعنة. في المقابل، كشفت المسوحات التي أجريت على سواحل اليمن عن بقايا مدن متطورة ازدهرت خلال عصر الفراعنة2، وهو ما يجعلنا نفترض أنها موطن مملكة البنط المفقودة.

حضارة اليمن السابعة
 كشفت المسوحات الميدانية على سواحل اليمن الغربية عن بقايا حضارة ازدهرت خلال الألفية الثالثة والثانية قبل الميلاد3. وأظهرت أن هذه الحضارة قد مارست القليل من الكتابة والزراعة وأنتجت الفخار وأسست مجتمعات هرمية منظمة ذات سلطة مركزية، كما أنشأت مدناً واسعة ومخططة بأسوار وشوارع وأرصفة، وبيوتاً فسيحة مبنية من الطوب واللبن مع أفنية داخلية4، وكذلك معابد وأفران وورش للتعدين5، وفي الأرياف حيث كانت البيوت أكواخ بسيطة، فقد زرُعت الحقول وأُنشِئت السدود وقنوات الري وصهاريج المياه والمحاجر والمناجم. ويعود الغموض الذي يلف بقايا هذه الأثار إلى انعدام النقوش الكتابية التي خلفها السكان، باستثناء نقش واحد باللغة اليمنية المبكرة6 (السامية الجنوبية الغربية). وهذا يبدو منطقياً خلال تلك الفترة القديمة والتي تعرف بحقبة تعلم الكتابة في الجزيرة العربية، حيث كان الظهور المبكر والتدريجي للكتابة اليمنية القديمة.
امتدت مستوطنات هذه الحضارة على طول سهل تهامة وصولاً إلى عدن، وتمركزت بكثافة على ضفاف نهر زبيد الجاف حاليا3، حيث عُثر على بقايا قرى احتوت بعضها تماثيل وأوعية خزفية وأخراز ذهبية وسبائك وخناجر نحاسية تعود إلى بدايات الألفية الثانية قبل الميلاد، بالإضافة إلى أعمدة حجرية ومنحوتات حيوانية. وعند مصب النهر وجدت آثار مدينة مخططة بمباني من الحجر والطوب والسراميك المزينة، ويُعتقد أنها كانت ميناءً وسوقاً لتبادل البضائع مع الخارج6. وبالقرب من عدن وجدت بقايا مدينة بتخطيط متطور يوحي بوجود ثقافة متقدمة، حيث قسمت المدينة إلى أحياء سكنية وصناعية ودينية. عاشت مجتمعات هذه الحضارة اتحاداً له ملامح فدرالية3. و قد انتمى جميع سكان هذه المستوطنات الحضرية إلى ثقافة ودين واحد، وانقسموا إلى فئات اجتماعية مختلفة7 : منهم صيادون سكنوا الساحل، وتجار سكنوا المدن، ومزارعون عملوا في زراعة الدخن وتربية النحل في ضواحي المدن والأرياف8.

رحلات الفراعنة إلى البنط
في القرن الماضي وجدت نقوش ورسومات توثق رحلة قام بها الفراعنة إلى أرض البنط في حوالي العام 1475 قبل الميلاد. وفي النقش يتحدث تحتمس الثاني إلى زوجته حتشبسوت قائلاً:
“يا صاحبة الجلالة، لقد استمعت إلى وصية إلهي بأن أجعل منزله كأرض البنط بغرس أشجار أرض الله بجانب معبده في بستانه كما أمر. فعلت ذلك للوفاء بالنذور الواجبة علينا، فجعلت حديقته كبلاد البنط، كما هي أرض الله. لم يطأ أحد أرض المرّ التي لم يعرفها الناس، ولكنهم سمعوا عنها عبر روايات الأجداد”
هنا يتضح أن الفراعنة لم تطأ أقدامهم أرض البنط قبل هذه الرحلة. وإن كانت البنط في أرتيريا أو الصومال، فكيف يمكن فهم عدم وصول التجار والمهاجرين والحملات الاستكشافية إلى مناطق بهذا القرب في زمن العربات والخيول؟