ابوبكر سالم. بالفقيه
قال المعنى بن حسن
اغنية قديمة متميزة من بدايات الفنان الرائعه اداء متميز من فنان يثق في فنه ولحن رائع بفرقه موسيقية متكامله وابداع في التصوير
قال المعنى بن حسن
اغنية قديمة متميزة من بدايات الفنان الرائعه اداء متميز من فنان يثق في فنه ولحن رائع بفرقه موسيقية متكامله وابداع في التصوير
الأيوبيون أو أيوبيو اليمن: فرع من السلالة الأيوبية حكم في اليمن ما بين 1173-1228 م(569 هـ - 626 هـ )، ولم يتجاوز ثمانية وخمسين سنة ، وقد شهدت اليمن خلاله قيام الصراعات الداخلية بين القوى المحلية المختلفة، وعلى رأسها الزيدية و الأيوبيين الوافدين إلى اليمن، والذين حاولوا توحيد بلاد اليمن وبسط نفوذهم وسيطرتهم عنها، وعلى الرغم من ذلك فقد حدثت في اليمن تغييرات هامة في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
اليمن في العصر الأيوبيأيوبيو
اليمن1173 م – 1228 م
حكم الأيوبيين عام 1189
نظام الحكم
سلطنة
اللغة العربيةالديانةالإسلام
الحاكمالتاريخ
التأسيس1173 م
الزوال1228 م
اليمن في العصر الأيوبيأيوبيو
اليمن1173 م – 1228 م
حكم الأيوبيين عام 1189
نظام الحكم
سلطنة
اللغة العربيةالديانةالإسلام
الحاكمالتاريخ
التأسيس1173 م
الزوال1228 م
الأيوبيّون في اليمن تاريخهم السّياسي من (569هـ - 626هـ)
(1174م – 1226م)
تمهيد:
أصبح بمقدور الدولة الأيوبية على عهد ملكها صلاح الدين بأن تمارس الحكم السياسي في اليمن إذ استطاعت هذه الدولة بأن تخضع اليمن إلى نفوذها منذ سنة 569هـ/ 1174م. حيث يعود الدور الأكبر إلى الملك تورانشاه بن أيوب في فرض مثل تلك السيطرة إلا أن وفاة هذا الملك سنة 576هـ/ 1180م. فسح المجال أمام نوابه من الأمراء الأيوبيين في التحرك باتجاه الاستقلال عن دولة صلاح الدين في مصر والشام.
وكان للظروف المرحلية التي تمر فيها الدولة الأيوبية[1] في مصر والشام أثر كبير في ذلك التحرك والذي انتهى في نشوب الخلاف بين الأميريين خطاب (حطان) بن مبارك بن منقذ الكناني والي زبيد – والأمير عز الدين بن عثمان الزنجيلي – والي عدن[2] – حيث عكس هذا انطباعاً عاماً لدى الجميع عن ضعف الحكم الأيوبي في اليمن: كما نتج عنه ادراك صلاح الدين ابن يوسف صاحب مصر والشام خطورة ما يبيته ذلك الوضع السياسي في اليمن بالنسبة للحكم الأيوبي، وكما ذكر في المصادر التاريخية عن خوف صلاح الدين بأن تخرج اليمن من حكمه[3]، ولهذا كله بعث مملوكه خطاباً (قتلغ أية) على رأس حملة عسكرية إلى اليمن وما أن وصلها حتى استقرت الأحوال السياسية فيها إلا أن خطاب مات تاركاً حكم اليمن، وبهذا فسح المجال أمام الأميرين حطان الكناني، وعز الدين الزنجيلي بالعودة إلى ولايتيهما فاستجد الخلاف بينهما من جديد واشتدت الفتنة باليمن، وما أن تسربت أخبار اليمن إلى صلاح الدين هذه وحرصاً منه على استقرار الأوضاع السياسية والقضاء على الفتنة بادر إلى تجهيز حملة عسكرية ترك قيادتها إلى أخيه الملك سيف الإسلام طغتكين وذلك في أواخر سنة 577هـ/ 1181 لتعود اليمن في وصوله إليها/ سنة 578هـ/ 1182م إلى الحكم الأيوبي.
إن عودة اليمن إلى الحكم الأيوبي يعني بلاشك عودة الوحدة بين مصر والشام، واليمن، كما يعني فتح الطريق أمام الجيش الأيوبي للوصول إلى مكة المكرمة. لتنضم هي الأخرى إلى وحدة العرب ودولة المسلمين.
لقد تركت المنازعات السياسية بين حكام اليمن أثرها الواضح في تسهيل، مهمة مد دولة صلاح الدين في مصر باتجاه اليمن وتوسيع رقعتها الجغرافية، فقد كانت عدن ومخلاف في يد بني زريع، وكانت صنعاء وبعض مخاليفيها في يد بني حاتم وكانت صعده والجوف في يد الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان وكان المخلاف السليماني في يد الشريف غانم بن يحيى بن حمزة وزبيد وما حولها في يد عبد النبي مهدي الحميري، وكانت الخلافات مستفحلة بين تلك الأطراف السياسية الحاكمة كتلك التي دفعت بين حاكم مخلاف السليماني الشريف غانم، وبين حاكم زبيد إبان وصول عسكر بني أيوب إلى اليمن مما سهل مهمة فتح اليمن ومد سيطرتهم فوق أراضيها.
لقد وفر الحكم الأيوبي في اليمن لنفسه الكثير من الضمانات السياسية التي مكنته بالبقاء والاستمرار بالرغم من ضعف الحكم وفي بعض الفترات الزمنية منها ما سجله صلاح الدين من انتصارات في مصر وبلاد الشام على القوى الصليبية وخاصة في تحريره لفلسطين وبيت المقدس... مما لفت معه نظر الجماهير العربية والإسلامية، بأن تلتف حوله إلى جانب ما أسدله اعتراف الخليفة العباسي على حكمهم من شرعية وهيبة في النفوس ومن ضمنها اعترافه في حكمهم على اليمن واحتلالهم لمكة المكرمة فضلاً عما سجله الحكم الأيوبي بنفسه من انتصارات ساحقة على المعارضة القبلية والسياسية في اليمن بالاضافة إلى ما أثبته حكمهم من تقدم على طريق البناء الحضاري[4].
إن ما سبق لا يعني بأن الحكم الأيوبي لا يخلو من الصعوبات التي واجهها وعلى رأسها المعارضة السياسية والتي تكشفها سلسلة الوقائع والحروب التي خاضتها عساكرهم والتي استغرقت الكثير من الوقت وعلى مدى خمسين عاماً من حكمهم تقريباً، مما يفصح لنا أن حكمهم لم يستقر، كما أنه لا يملك القدرة الكاملة في فرض هيمنته على جميع الأراضي اليمانية، وقد تمثل هذا في الفتنة التي عصفت بحكمهم على إثر وفاة الملك المعظم تورانشاه بن أيوب، وأخيه سيف الاسلام طغتكين.
وأخيراً فإن فاعلية الحكم الأيوبي في السيطرة المباشرة كانت قد تمت منذ سنة 578هـ/ 1182م على اليمن على الرغم من معرفتنا بأن الحكم بدأ منذ سنة 569هـ/ 1174م، وعلى أَثر وصول أَول حملة أَيوبية إلى اليمن بقيادة تورانشاه بن أيوب وبالرغم مما اتصف به حكمه من الحزم والشدة إلا أن عودته إلى مصر والشام جعلت نوابه يتمتعون بالحكم الذاتي، ولهذا كان عام 578هـ يمثل مرحلة جديدة للحكم الأيوبي في اليمن.
الملك سيف الاسلام طغتكين وحكم اليمن:
اختير الملك طغتكين ليكون قائداً للحملة الأيوبية إلى اليمن من قبل صلاح الدين فوصل إلى زبيد سنة 578هـ فخاف حاكمها خطاب بن منقذ وتحصن في بعض القلاع فلاطفه طغتكين حتى أَمن جانبه فنزل إليه وتلقاه طغتكين مترجلاً وقال له ((أَنت أَخي))[5] فأحسن صحبته، وأَخيراً أَذن له بالعودة إلى الشام[6] فلما كان الغد دخل على سيف الاسلام ليودعه فقبض عليه وأَودعه السجن
(1174م – 1226م)
تمهيد:
أصبح بمقدور الدولة الأيوبية على عهد ملكها صلاح الدين بأن تمارس الحكم السياسي في اليمن إذ استطاعت هذه الدولة بأن تخضع اليمن إلى نفوذها منذ سنة 569هـ/ 1174م. حيث يعود الدور الأكبر إلى الملك تورانشاه بن أيوب في فرض مثل تلك السيطرة إلا أن وفاة هذا الملك سنة 576هـ/ 1180م. فسح المجال أمام نوابه من الأمراء الأيوبيين في التحرك باتجاه الاستقلال عن دولة صلاح الدين في مصر والشام.
وكان للظروف المرحلية التي تمر فيها الدولة الأيوبية[1] في مصر والشام أثر كبير في ذلك التحرك والذي انتهى في نشوب الخلاف بين الأميريين خطاب (حطان) بن مبارك بن منقذ الكناني والي زبيد – والأمير عز الدين بن عثمان الزنجيلي – والي عدن[2] – حيث عكس هذا انطباعاً عاماً لدى الجميع عن ضعف الحكم الأيوبي في اليمن: كما نتج عنه ادراك صلاح الدين ابن يوسف صاحب مصر والشام خطورة ما يبيته ذلك الوضع السياسي في اليمن بالنسبة للحكم الأيوبي، وكما ذكر في المصادر التاريخية عن خوف صلاح الدين بأن تخرج اليمن من حكمه[3]، ولهذا كله بعث مملوكه خطاباً (قتلغ أية) على رأس حملة عسكرية إلى اليمن وما أن وصلها حتى استقرت الأحوال السياسية فيها إلا أن خطاب مات تاركاً حكم اليمن، وبهذا فسح المجال أمام الأميرين حطان الكناني، وعز الدين الزنجيلي بالعودة إلى ولايتيهما فاستجد الخلاف بينهما من جديد واشتدت الفتنة باليمن، وما أن تسربت أخبار اليمن إلى صلاح الدين هذه وحرصاً منه على استقرار الأوضاع السياسية والقضاء على الفتنة بادر إلى تجهيز حملة عسكرية ترك قيادتها إلى أخيه الملك سيف الإسلام طغتكين وذلك في أواخر سنة 577هـ/ 1181 لتعود اليمن في وصوله إليها/ سنة 578هـ/ 1182م إلى الحكم الأيوبي.
إن عودة اليمن إلى الحكم الأيوبي يعني بلاشك عودة الوحدة بين مصر والشام، واليمن، كما يعني فتح الطريق أمام الجيش الأيوبي للوصول إلى مكة المكرمة. لتنضم هي الأخرى إلى وحدة العرب ودولة المسلمين.
لقد تركت المنازعات السياسية بين حكام اليمن أثرها الواضح في تسهيل، مهمة مد دولة صلاح الدين في مصر باتجاه اليمن وتوسيع رقعتها الجغرافية، فقد كانت عدن ومخلاف في يد بني زريع، وكانت صنعاء وبعض مخاليفيها في يد بني حاتم وكانت صعده والجوف في يد الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان وكان المخلاف السليماني في يد الشريف غانم بن يحيى بن حمزة وزبيد وما حولها في يد عبد النبي مهدي الحميري، وكانت الخلافات مستفحلة بين تلك الأطراف السياسية الحاكمة كتلك التي دفعت بين حاكم مخلاف السليماني الشريف غانم، وبين حاكم زبيد إبان وصول عسكر بني أيوب إلى اليمن مما سهل مهمة فتح اليمن ومد سيطرتهم فوق أراضيها.
لقد وفر الحكم الأيوبي في اليمن لنفسه الكثير من الضمانات السياسية التي مكنته بالبقاء والاستمرار بالرغم من ضعف الحكم وفي بعض الفترات الزمنية منها ما سجله صلاح الدين من انتصارات في مصر وبلاد الشام على القوى الصليبية وخاصة في تحريره لفلسطين وبيت المقدس... مما لفت معه نظر الجماهير العربية والإسلامية، بأن تلتف حوله إلى جانب ما أسدله اعتراف الخليفة العباسي على حكمهم من شرعية وهيبة في النفوس ومن ضمنها اعترافه في حكمهم على اليمن واحتلالهم لمكة المكرمة فضلاً عما سجله الحكم الأيوبي بنفسه من انتصارات ساحقة على المعارضة القبلية والسياسية في اليمن بالاضافة إلى ما أثبته حكمهم من تقدم على طريق البناء الحضاري[4].
إن ما سبق لا يعني بأن الحكم الأيوبي لا يخلو من الصعوبات التي واجهها وعلى رأسها المعارضة السياسية والتي تكشفها سلسلة الوقائع والحروب التي خاضتها عساكرهم والتي استغرقت الكثير من الوقت وعلى مدى خمسين عاماً من حكمهم تقريباً، مما يفصح لنا أن حكمهم لم يستقر، كما أنه لا يملك القدرة الكاملة في فرض هيمنته على جميع الأراضي اليمانية، وقد تمثل هذا في الفتنة التي عصفت بحكمهم على إثر وفاة الملك المعظم تورانشاه بن أيوب، وأخيه سيف الاسلام طغتكين.
وأخيراً فإن فاعلية الحكم الأيوبي في السيطرة المباشرة كانت قد تمت منذ سنة 578هـ/ 1182م على اليمن على الرغم من معرفتنا بأن الحكم بدأ منذ سنة 569هـ/ 1174م، وعلى أَثر وصول أَول حملة أَيوبية إلى اليمن بقيادة تورانشاه بن أيوب وبالرغم مما اتصف به حكمه من الحزم والشدة إلا أن عودته إلى مصر والشام جعلت نوابه يتمتعون بالحكم الذاتي، ولهذا كان عام 578هـ يمثل مرحلة جديدة للحكم الأيوبي في اليمن.
الملك سيف الاسلام طغتكين وحكم اليمن:
اختير الملك طغتكين ليكون قائداً للحملة الأيوبية إلى اليمن من قبل صلاح الدين فوصل إلى زبيد سنة 578هـ فخاف حاكمها خطاب بن منقذ وتحصن في بعض القلاع فلاطفه طغتكين حتى أَمن جانبه فنزل إليه وتلقاه طغتكين مترجلاً وقال له ((أَنت أَخي))[5] فأحسن صحبته، وأَخيراً أَذن له بالعودة إلى الشام[6] فلما كان الغد دخل على سيف الاسلام ليودعه فقبض عليه وأَودعه السجن
وصادر أَمواله وذخائره[7]، وهكذا استطاع الملك طغتكين من ردع خطاب وعودة زبيد إلى بني أَيوب.
أَما عدن فإن حاكمها عثمان الزنجيلي لما علم بما حل في صاحب زبيد خاف وأرتحل إلى الشام هارباً مما أَتاح الفرصة أَمام طغتكين أن يرسل نائبه إلى عدن فتسلمها وعندها صفت بلاد اليمن لسيف الاسلام وامتدت سيطرته على البلاد الواقعة بين زبيد وحضرموت[8] وبلغ الجوف وغيره وأخضع لحكمه جميع الحصون وما أَن حل عام 581هـ/ 1185م حتى سيطر على حصن خدد وريمة الحديا ونعم.
لم تقتصر الانتصارات التي حققها سيف الاسلام طغتكين باليمن وعلى مدى خمس سنوات من حكمه فيها على ازالة الفتن والمستغلين على الحكم من أمرائه فحسب وإنما اتخذت بعداً سياسياً آخر شمل تحديد موقفه السياسي من بعض الأمراء المحليين من حكام اليمن كبني همدان (بنو حاتم) في صنعاء وما جاورها فليس من السهل أن يذعن أولئك الحكام إلى الحكم الجديد كما لا يمكن للحكم الجديد أن يستمر مالم يوفر الحماية الكافية له وخاصة وأنه ينشأ دولته في وسط أَنظمة متعددة تمثل الخوارج والباطنية ذات النزعة القبلية... وضمن هذا الاتجاه سارت سياسة طغتكين في اليمن.
كانت صلته الأولى مع بني همدان (بني حاتم) عندما نزل على حصن قب ليفتحه وجد فيه السلطان زياد بن حاتم الزريعي.. مما دعا زياد أَن يستنجد بالسلطان علي الوحيد بن حاتم وبغيره. وعلى الرغم من استعداد زياد لنجدته إلا أَنه حدث ما أَفسد الحال بينهما مما أَدى إلى خذلانه بالاضافة إلى أَن سيف الاسلام توجه إلى مكة سنة 581هـ/ 1185م فإذا ما رجع من مكة عاود الحصار إلى أن فتحه سنة 582هـ/ 1186م[9] وقد أَعطاه هذا الانتصار القوة السياسة ودفعه إلى أَن يتقدم لاكمال مهمة السيطرة على مناطق أخرى بالاضافة إلى اعلان وجوه البلاد الطاعة له[10] ثم سار بعسكره حتى وصل إلى ذمار فأوقع بقبيلة جنب فاستولى على بلادها وملك مهران – أَما علي بن حاتم فلم يبق أَمامه شيء إلا أَن يصدر الأمر إلى أَتباعه بخراب قصر غمدان وسور صنعاء وذلك سنة 583هـ/ 1187م مما يدل على عدم امتلاكه القدرة لمقاومة سيف الاسلام ويؤكد لنا هذا انتقاله مع أخيه إلى حصن براش شاحناً العتاد والذخائر منه[11] بعد أن أحرق جميع ما كان لهما من غلة، أمر الرعايا بالخروج إلى حيث يمتنعو عن وطأة الجيش الأيوبي[12] فلجأوا إلى اتباع سياسة المهادنة إلا أن جميع التدابير تلك لا تنفع بنو حاتم بتوفير الحماية الكافية لحكمهم ونفوذهم. فقد قدم حاتم بن أسعد إلى سيف الاسلام وهو مقيم في مشرق ذمار فعرض عليه الصلح فصالحه على ثمانين ألف دينار ومائة حصان، ولمدة سنة. ثم عاد سيف الاسلام إلى اليمن (صنعاء) تاركاً الأمير مظفر الدين قيماز حاكماً على ذمار إلا أن قبيلة جنب عاودت الهجوم على عسكره بذمار يقودها الشيخ عمران الجنبي[13] تسندها قبيلة عيسى مما اضطر سيف الاسلام أن يسرع لنجدة عسكره في ذمار، فلما رأت جنب عساكر بني أيوب ولت الأدبار فتبعها سيف الاسلام وأوقع بها وشتت شملها[14] وغنم أموالها وقتل الكثير من رجالها، ولهذا اضطر علي بن حاتم أن يعقد الصلح مع الأيوبيين للعام المقبل وعلى شروط الصلح نفسها للسنة السابقة[15].
لم يذعن بنو حاتم إلى السلطة الأيوبية واستمرت الحرب سجالاً بين الطرفين ففي سنة 584هـ تقدم سيف الاسلام إلى الدملوة[16] فحاصرها وطال أمد الحصار حتى استسلم صاحبها جوهر المعظمي[17] فنزل وعرض بيعها بعشرة آلاف دينار ملكية واشترط أن لا ينزل من الدملوة ولا يطلع إليه أحد حتى يصل أولاد مولاه – أي موضع يقصدونه من جزائر بحر اليمن – فوافقه الملك الأيوبي إلا أنه نقض هذا، حيث هرب متخفياً وبصحبة أهله إلى الحبشة عن طريق البحر بعد أن ترك نائبه في الدملوة[18] فلما علم سيف الاسلام بأمره أرسل إلى نائبه يطلب منه تسليم الحصن فامتنع فحاصرها وبينما هو على هذه الحال وصل إليه بشر بن حاتم فأحسن ضيافته وأكرمه إلا أن قومه خالفوه فرجع إلى سيف الاسلام بالأمر فقال له ((تعهد لّنا وكن منا ونطلق رهائنك))[19] فتعهد له وكساه وأطلق رهائنه وأستمر تهديد طغتكين لقلاعهم وحصونهم حتى اضطرهم إلى مفاوضته وطلب الأمان فخرج كل من الأخوين عمر بن بشر ابن حاتم وعلوان من حصن الفص إلى ذي مرمر بصحبة عوائلهم فتسلم الحصن، وأتجه منه إلى قتال أهل الظفر حتى أجبر أميره سالم بن علي بن حاتم على التسليم[20]، وأخيراً حاصر حصن كوكبان وضربه بالمنجنيقات وفي داخله عمر بن حاتم، فلما سئمت رجاله الحصار والحرب اضطر الأمير إلى طلب الصلح من بني أيوب فوقع ذلك على أن يكون لبني حاتم العروس وبلاد يعينها الملك طغتكين[21] لعمر بن علي بن حاتم وأن يطلق له أمواله فحصل ذلك، ودخل الأيوبيون كوكبان منتصرين.
إن الصلح السابق لم يضع حداً للحروب بين الطرفين بل استمرت إلى سنة 593هـ على ما يبدو، وانتهت بسيطرة الملك طغتكين على سائر جبال اليمن ومدنه وحصونه ومخالفه من صعدة إلى عدن[22] وزالت مع هذه السيطرة دولة آل الصليحي وآل حاتم الاسماعيلية من اليمن.
شهدت فترة حكم سيف ال
أَما عدن فإن حاكمها عثمان الزنجيلي لما علم بما حل في صاحب زبيد خاف وأرتحل إلى الشام هارباً مما أَتاح الفرصة أَمام طغتكين أن يرسل نائبه إلى عدن فتسلمها وعندها صفت بلاد اليمن لسيف الاسلام وامتدت سيطرته على البلاد الواقعة بين زبيد وحضرموت[8] وبلغ الجوف وغيره وأخضع لحكمه جميع الحصون وما أَن حل عام 581هـ/ 1185م حتى سيطر على حصن خدد وريمة الحديا ونعم.
لم تقتصر الانتصارات التي حققها سيف الاسلام طغتكين باليمن وعلى مدى خمس سنوات من حكمه فيها على ازالة الفتن والمستغلين على الحكم من أمرائه فحسب وإنما اتخذت بعداً سياسياً آخر شمل تحديد موقفه السياسي من بعض الأمراء المحليين من حكام اليمن كبني همدان (بنو حاتم) في صنعاء وما جاورها فليس من السهل أن يذعن أولئك الحكام إلى الحكم الجديد كما لا يمكن للحكم الجديد أن يستمر مالم يوفر الحماية الكافية له وخاصة وأنه ينشأ دولته في وسط أَنظمة متعددة تمثل الخوارج والباطنية ذات النزعة القبلية... وضمن هذا الاتجاه سارت سياسة طغتكين في اليمن.
كانت صلته الأولى مع بني همدان (بني حاتم) عندما نزل على حصن قب ليفتحه وجد فيه السلطان زياد بن حاتم الزريعي.. مما دعا زياد أَن يستنجد بالسلطان علي الوحيد بن حاتم وبغيره. وعلى الرغم من استعداد زياد لنجدته إلا أَنه حدث ما أَفسد الحال بينهما مما أَدى إلى خذلانه بالاضافة إلى أَن سيف الاسلام توجه إلى مكة سنة 581هـ/ 1185م فإذا ما رجع من مكة عاود الحصار إلى أن فتحه سنة 582هـ/ 1186م[9] وقد أَعطاه هذا الانتصار القوة السياسة ودفعه إلى أَن يتقدم لاكمال مهمة السيطرة على مناطق أخرى بالاضافة إلى اعلان وجوه البلاد الطاعة له[10] ثم سار بعسكره حتى وصل إلى ذمار فأوقع بقبيلة جنب فاستولى على بلادها وملك مهران – أَما علي بن حاتم فلم يبق أَمامه شيء إلا أَن يصدر الأمر إلى أَتباعه بخراب قصر غمدان وسور صنعاء وذلك سنة 583هـ/ 1187م مما يدل على عدم امتلاكه القدرة لمقاومة سيف الاسلام ويؤكد لنا هذا انتقاله مع أخيه إلى حصن براش شاحناً العتاد والذخائر منه[11] بعد أن أحرق جميع ما كان لهما من غلة، أمر الرعايا بالخروج إلى حيث يمتنعو عن وطأة الجيش الأيوبي[12] فلجأوا إلى اتباع سياسة المهادنة إلا أن جميع التدابير تلك لا تنفع بنو حاتم بتوفير الحماية الكافية لحكمهم ونفوذهم. فقد قدم حاتم بن أسعد إلى سيف الاسلام وهو مقيم في مشرق ذمار فعرض عليه الصلح فصالحه على ثمانين ألف دينار ومائة حصان، ولمدة سنة. ثم عاد سيف الاسلام إلى اليمن (صنعاء) تاركاً الأمير مظفر الدين قيماز حاكماً على ذمار إلا أن قبيلة جنب عاودت الهجوم على عسكره بذمار يقودها الشيخ عمران الجنبي[13] تسندها قبيلة عيسى مما اضطر سيف الاسلام أن يسرع لنجدة عسكره في ذمار، فلما رأت جنب عساكر بني أيوب ولت الأدبار فتبعها سيف الاسلام وأوقع بها وشتت شملها[14] وغنم أموالها وقتل الكثير من رجالها، ولهذا اضطر علي بن حاتم أن يعقد الصلح مع الأيوبيين للعام المقبل وعلى شروط الصلح نفسها للسنة السابقة[15].
لم يذعن بنو حاتم إلى السلطة الأيوبية واستمرت الحرب سجالاً بين الطرفين ففي سنة 584هـ تقدم سيف الاسلام إلى الدملوة[16] فحاصرها وطال أمد الحصار حتى استسلم صاحبها جوهر المعظمي[17] فنزل وعرض بيعها بعشرة آلاف دينار ملكية واشترط أن لا ينزل من الدملوة ولا يطلع إليه أحد حتى يصل أولاد مولاه – أي موضع يقصدونه من جزائر بحر اليمن – فوافقه الملك الأيوبي إلا أنه نقض هذا، حيث هرب متخفياً وبصحبة أهله إلى الحبشة عن طريق البحر بعد أن ترك نائبه في الدملوة[18] فلما علم سيف الاسلام بأمره أرسل إلى نائبه يطلب منه تسليم الحصن فامتنع فحاصرها وبينما هو على هذه الحال وصل إليه بشر بن حاتم فأحسن ضيافته وأكرمه إلا أن قومه خالفوه فرجع إلى سيف الاسلام بالأمر فقال له ((تعهد لّنا وكن منا ونطلق رهائنك))[19] فتعهد له وكساه وأطلق رهائنه وأستمر تهديد طغتكين لقلاعهم وحصونهم حتى اضطرهم إلى مفاوضته وطلب الأمان فخرج كل من الأخوين عمر بن بشر ابن حاتم وعلوان من حصن الفص إلى ذي مرمر بصحبة عوائلهم فتسلم الحصن، وأتجه منه إلى قتال أهل الظفر حتى أجبر أميره سالم بن علي بن حاتم على التسليم[20]، وأخيراً حاصر حصن كوكبان وضربه بالمنجنيقات وفي داخله عمر بن حاتم، فلما سئمت رجاله الحصار والحرب اضطر الأمير إلى طلب الصلح من بني أيوب فوقع ذلك على أن يكون لبني حاتم العروس وبلاد يعينها الملك طغتكين[21] لعمر بن علي بن حاتم وأن يطلق له أمواله فحصل ذلك، ودخل الأيوبيون كوكبان منتصرين.
إن الصلح السابق لم يضع حداً للحروب بين الطرفين بل استمرت إلى سنة 593هـ على ما يبدو، وانتهت بسيطرة الملك طغتكين على سائر جبال اليمن ومدنه وحصونه ومخالفه من صعدة إلى عدن[22] وزالت مع هذه السيطرة دولة آل الصليحي وآل حاتم الاسماعيلية من اليمن.
شهدت فترة حكم سيف ال
اسلام طغتكين لليمن حروباً ومعارك متعددة أظهر خلالها شجاعة فائقة ومع ذلك فإن تلك الحروب لم تشغله عن الانصراف إلى البناء الحضاري فقد عين الأمراء نواباً على مدن اليمن وترك عند كل أمير ما يحتاج إليه من الخيل والعسكر هذا في مجال البناء الاداري أما في مجال العمارة والبناء فقد انصرف في فترة استقرار إلى بناء الدور وتشييد القصور بالاضافة إلى بنائه مدينة المنصورة[23].
أشاد الكثير من المؤرخين في سياسة دولته التي أمتدت من زبيد إلى حضرموت، وما أن حل شوال من سنة 593هـ/ 1199م حتى توفي الملك المعظم سيف الاسلام طغتكين في مدينة المنصورة بعد أن دام حكمه ست عشرة سنة[24].
اليمن في عهد الملك اسماعيل بن طغتكين بن أيوب:
هو الملك اسماعيل بن طغتكين بن أيوب بن شاذي الملك شمس الملوك بن العزيز كان أكبر أخوته سناً وأكثرهم قرباً إلى أبيه حيث يعول أكثر أمور الدولة إليه[25] إلا أنه لم يستمر بالعيش قريباً من الحكم إذ طرده والده إلى الحجاز[26] الأمر الذي جعله ينقم عليه[27] إلا أن وفاة أبيه أعقبت خروجه فأدركه العلم بها[28] وهو في المخلاف السليماني فرجع إلى اليمن وتسلم حكمها فدخل زبيد في 19 ذي القعدة سنة 593هـ/ 1196م ومنها رحل إلى تعز ثم جبلة[29] وكان يهدف من هذه الجولة التأكد عن مدى ولاء هذه المناطق لحكمه السياسي حيث نراه في مطلع عام 594هـ يختتم جولته هذه بالسير إلى صنعاء وهناك يقدم على قتل الأمير الهمام – نائب أبيه على صنعاء – وجعل في عهدته شهاب الجزري[30] وما أن تأكد من ولاء صنعاء له حتى نراه يعود إلى اليمن...
وعلى الرغم من تلك الجولة التي قام بها الملك المعز بن طغتكين فلا تزال بعض الصعوبات تعترض حكمه مما استوجب عليه معالجتها منها.
إعادة النظر في علاقة بني أيوب مع الحواتم من بني همدان – لقد استجد على ساحة اليمن السياسية بعض الأمور التي كان لها الأثر في تحديد علاقة بني أيوب مع الحواتم منها تجديد إمامة المنصور عبدالله بن حمزة الحسين، وأخذ البيعة له من أعيان اليمن ومن بينهم السلطان علي بن حاتم فأجابه وأعانه[31] في وقت كانت علاقة بني أيوب غير طيبة مع الإمام المنصور بالله حيث أوقعوا في جيشه الهزيمة وقتلوا الأمير محمد بن علي أحد قادته[32].. وهنا يتوجب على الملك المعز أن يجابه صعوبة التحالف السياسي بين الإمام المنصور والسلطان علي بن حاتم ولم يبق أمامه سوى مراسلة علي بن حاتم فكتب إليه يستميله إلى طاعته وأنه سيعطيه صنعاء فاتفق الأمر بينهما فبعث إليه علي بن حاتم أخاه بشراً وولده عمر بن علي فلما وصلا ألقى القبض عليهما ناقضاً عهده مما أسفر عنه ثبات علي بن حاتم على موالاة الإمام المنصور[33] حيث لجأ الأمير إلى معاضدة السلطان علي بن حاتم مصافياً له وجرت بينهما عهود منها أن الإمام إذا تمكن من البلاد ومن صنعاء ترك حصون السلطان علي بن حاتم جميعها وتكون صنعاء بينهما نصفين[34] إلا أن تحالف الإمام مع الأمير حاتم ضد بني أيوب لم يستمر طويلاً والسبب يعود إلى تراجع الإمام عن شروط الاتفاق فقد رفض تسليم صنعاء إلى الأمير علي بن حاتم إذ منعه أصحابه وصرفوه عن العهد فلما رأى علي ذلك لزم حصنه ذمرمر وبقي فيه إلى أن توفى سنة 597هـ/ 1202م[35]. هكذا تخلص الملك المعز منه أما موقف بقية أمراء بني حاتم من حكم الملك المعز فقد وقفوا موقف المعارضين لحكمه ومنهم الأمير بشر بن حاتم الذي استطاع الملك المعز القاء القبض عليه وايداعه السجن بحصن التعكر[36] أما عمرو بن علي بن حاتم فهو الآخر تلقى الهزيمة على يد الملك المعز حينما حاصر كوكبان في سنة 591هـ/ 1199م وفيه عمرو بن علي بن حاتم. مقيماً وبصحبته عسكر من حمير وغيرهم، فأضطرهم المعز إلى الهروب من شبام فتسلمها منهم[37].
إن الانتصارات المتلاحقة التي حققها بنو أيوب ضد بني حاتم أجبرتهم إلى سلوك خط العود للتحالف مع الإمام المنصور على حرب الملك المعز، وعلى الرغم من اجتماع أهل الرحبة من حمير وأهل سنجان حول عسكر الإمام بقيادة أخيه الأمير الحسن بن حمزة وهجومهم على الجيش الأيوبي ولجوئهم إلى قطع طريق اليمن الأسفل، لمنع ايصال الامدادات إلى الجيش الأيوبي، لم ينجحوا في قهر بني أيوب وذلك لاضطراب البلاد وانقطاع المواد عن محطة كوكيان وارتفاع الأسعار كل هذا اضطرهم إلى عقد الصلح مع الملك المعز على (أن يكون كوكيان وبكر له مقابل أن يطلق سراح الأمير بشر بن حاتم من سجنه)[38] وما أن تقرر الصلح حتى دخل المعز كوكيان من جديد وأذعنت لسلطته وعندها وصله بشر بن حاتم فأكرمه وخلع عليه وهكذا تقرر الصلح بين الطرفين في اليمن.
أما القوة السياسية الثانية التي ظلت تحمل لواء المعارضة للوجود الأيوبي في اليمن وتشكل إحدى الصعوبات المهمة التي وجب على بني أيوب تجاوزها هي قوة الإمام المنصور عبدالله بن حمزة الحسيني والذي توجه الملك المعز إلى حربه وبصحبته الأمير سيف الدين جكوا بن محمد الكردي وذلك سنة 594هـ/ 1197م فإذا ما التقى الجيشان ثبت جكوا وقاتل بشجاعه حتى هزم جيش الإمام ودخل المعز صنعاء
أشاد الكثير من المؤرخين في سياسة دولته التي أمتدت من زبيد إلى حضرموت، وما أن حل شوال من سنة 593هـ/ 1199م حتى توفي الملك المعظم سيف الاسلام طغتكين في مدينة المنصورة بعد أن دام حكمه ست عشرة سنة[24].
اليمن في عهد الملك اسماعيل بن طغتكين بن أيوب:
هو الملك اسماعيل بن طغتكين بن أيوب بن شاذي الملك شمس الملوك بن العزيز كان أكبر أخوته سناً وأكثرهم قرباً إلى أبيه حيث يعول أكثر أمور الدولة إليه[25] إلا أنه لم يستمر بالعيش قريباً من الحكم إذ طرده والده إلى الحجاز[26] الأمر الذي جعله ينقم عليه[27] إلا أن وفاة أبيه أعقبت خروجه فأدركه العلم بها[28] وهو في المخلاف السليماني فرجع إلى اليمن وتسلم حكمها فدخل زبيد في 19 ذي القعدة سنة 593هـ/ 1196م ومنها رحل إلى تعز ثم جبلة[29] وكان يهدف من هذه الجولة التأكد عن مدى ولاء هذه المناطق لحكمه السياسي حيث نراه في مطلع عام 594هـ يختتم جولته هذه بالسير إلى صنعاء وهناك يقدم على قتل الأمير الهمام – نائب أبيه على صنعاء – وجعل في عهدته شهاب الجزري[30] وما أن تأكد من ولاء صنعاء له حتى نراه يعود إلى اليمن...
وعلى الرغم من تلك الجولة التي قام بها الملك المعز بن طغتكين فلا تزال بعض الصعوبات تعترض حكمه مما استوجب عليه معالجتها منها.
إعادة النظر في علاقة بني أيوب مع الحواتم من بني همدان – لقد استجد على ساحة اليمن السياسية بعض الأمور التي كان لها الأثر في تحديد علاقة بني أيوب مع الحواتم منها تجديد إمامة المنصور عبدالله بن حمزة الحسين، وأخذ البيعة له من أعيان اليمن ومن بينهم السلطان علي بن حاتم فأجابه وأعانه[31] في وقت كانت علاقة بني أيوب غير طيبة مع الإمام المنصور بالله حيث أوقعوا في جيشه الهزيمة وقتلوا الأمير محمد بن علي أحد قادته[32].. وهنا يتوجب على الملك المعز أن يجابه صعوبة التحالف السياسي بين الإمام المنصور والسلطان علي بن حاتم ولم يبق أمامه سوى مراسلة علي بن حاتم فكتب إليه يستميله إلى طاعته وأنه سيعطيه صنعاء فاتفق الأمر بينهما فبعث إليه علي بن حاتم أخاه بشراً وولده عمر بن علي فلما وصلا ألقى القبض عليهما ناقضاً عهده مما أسفر عنه ثبات علي بن حاتم على موالاة الإمام المنصور[33] حيث لجأ الأمير إلى معاضدة السلطان علي بن حاتم مصافياً له وجرت بينهما عهود منها أن الإمام إذا تمكن من البلاد ومن صنعاء ترك حصون السلطان علي بن حاتم جميعها وتكون صنعاء بينهما نصفين[34] إلا أن تحالف الإمام مع الأمير حاتم ضد بني أيوب لم يستمر طويلاً والسبب يعود إلى تراجع الإمام عن شروط الاتفاق فقد رفض تسليم صنعاء إلى الأمير علي بن حاتم إذ منعه أصحابه وصرفوه عن العهد فلما رأى علي ذلك لزم حصنه ذمرمر وبقي فيه إلى أن توفى سنة 597هـ/ 1202م[35]. هكذا تخلص الملك المعز منه أما موقف بقية أمراء بني حاتم من حكم الملك المعز فقد وقفوا موقف المعارضين لحكمه ومنهم الأمير بشر بن حاتم الذي استطاع الملك المعز القاء القبض عليه وايداعه السجن بحصن التعكر[36] أما عمرو بن علي بن حاتم فهو الآخر تلقى الهزيمة على يد الملك المعز حينما حاصر كوكبان في سنة 591هـ/ 1199م وفيه عمرو بن علي بن حاتم. مقيماً وبصحبته عسكر من حمير وغيرهم، فأضطرهم المعز إلى الهروب من شبام فتسلمها منهم[37].
إن الانتصارات المتلاحقة التي حققها بنو أيوب ضد بني حاتم أجبرتهم إلى سلوك خط العود للتحالف مع الإمام المنصور على حرب الملك المعز، وعلى الرغم من اجتماع أهل الرحبة من حمير وأهل سنجان حول عسكر الإمام بقيادة أخيه الأمير الحسن بن حمزة وهجومهم على الجيش الأيوبي ولجوئهم إلى قطع طريق اليمن الأسفل، لمنع ايصال الامدادات إلى الجيش الأيوبي، لم ينجحوا في قهر بني أيوب وذلك لاضطراب البلاد وانقطاع المواد عن محطة كوكيان وارتفاع الأسعار كل هذا اضطرهم إلى عقد الصلح مع الملك المعز على (أن يكون كوكيان وبكر له مقابل أن يطلق سراح الأمير بشر بن حاتم من سجنه)[38] وما أن تقرر الصلح حتى دخل المعز كوكيان من جديد وأذعنت لسلطته وعندها وصله بشر بن حاتم فأكرمه وخلع عليه وهكذا تقرر الصلح بين الطرفين في اليمن.
أما القوة السياسية الثانية التي ظلت تحمل لواء المعارضة للوجود الأيوبي في اليمن وتشكل إحدى الصعوبات المهمة التي وجب على بني أيوب تجاوزها هي قوة الإمام المنصور عبدالله بن حمزة الحسيني والذي توجه الملك المعز إلى حربه وبصحبته الأمير سيف الدين جكوا بن محمد الكردي وذلك سنة 594هـ/ 1197م فإذا ما التقى الجيشان ثبت جكوا وقاتل بشجاعه حتى هزم جيش الإمام ودخل المعز صنعاء
منتصراً[39].
إن الانتصار الذي سجله الملك المعز على الإمام المنصور لم يغير من موقف الأخير تجاه الأيوبيين وحكمهم بل استطاع أن يسيطر على جهات صعدة وتنقل بين معين وبراقش[40] وفي الحصن الأخير وردت إليه كتب الأشراف والسلاطين يعرضون قوتهم عليه ومعاضدتهم له على حرب بني أيوب وقد وقع ما يشير إلى ذلك حيث اجتمعت عساكر الإمام على حربهم فتحالف بنو حاتم مع الإمام سنة 596هـ/ 1199م وأشاروا عليه بقطع الطريق على جيش الأيوبيين وذلك بالتحرك في اتجاه صنعاء، فأرسل أخاه الأمير الحسن إلى ذي مرمر، وهناك تحالف مع العرب من حمير وسنحان إلا أن خططهم فشلت جميعاً ولم يبق أمام تلك القوى السياسية والمحالفات العسكرية سوى عقد الصلح مع بني أيوب بسبب ما حققوه من انتصارات متتالية[41].
يتضح لنا مما سبق قدرة الملك اسماعيل على تجاوز الصعوبات التي واجهت حكمه بما فيها تحرك القوى السياسية المتواجدة في المناطق المحيطة بالأراضي التي يحكموها، وهذا ناتج بلاشك من نظرة تلك القوى إلى بني أيوب بأنهم يمثلون القوة السياسية الغريبة على بلادهم وجب إزالتها فضلاً عن انعدام التجانس المذهبي بينهم وبين بني أيوب، وقد كانت هذه النظرة وذلك التجانس يمثلان الدافع الرئيسي الذي يحرك جماهير اليمن باتجاه المعارضة السياسية والعسكرية لحكم بني أيوب وعلى طيلة فترة حكمهم في اليمن، ومع هذا فإن حكم الملك إسماعيل بن طغتكين لا يخلو من السلبيات التي وقع فيها وكان ذلك من العوامل المهمة في إنهاء حكمه، ومنها:
1 - مغايرته لمذهب أسرته: - ففي سنة 593هـ/ 1196م خرج من زبيد إلى تعز وهناك أظهر مذهبه المتمثل في مخالفة مذهب السنة وتشيعه (مذهب أسرته) فقويت به الاسماعيلية مما نتج عنه آثار سيئة انعكست على سياسته الداخلية وشق وحدة الأهالي.
2 - ادعى أنه أموي ورام الخلافة كما ادعى أنه قرشي النسب وخوطب بأمير المؤمنين وتلقب بالهادي[42]، وقطع خطبة العباسيين من منابر اليمن فلما سمع عمه الملك العادل ذلك أنكره وساءه فعله وكتب إليه يلومه ونهاه عن ذلك ووبخه[43] ففي تصرفه هذا أعطى بلاشك الصورة السيئة عن ضعف شخصيته وعدم اقتداره على تحمل المسؤولية كحاكم سياسي بحيث يتفق والارتفاع إلى مستوى تلك المسؤولية ولهذا سقط في نظر ملوك بني أيوب في الشام ومصر والجزيرة بالاضافة إلى سقوط شخصيته من نظر جماهير اليمن وحكامها.
3 - ادعاءها النبوة: فكان هذا سبباً رئيساً في خروج جماعة من مماليك أبيه عن طاعته وقتاله فانتصر عليهم[44] إلا أن نقمتهم لم تزل مما حبا بهم إلى الاتفاق مع جماعة من الأكراد للتخطيط لقتله وفعلاً نجحوا بمهمتهم وقتلوه في القوير من أعمال زبيد سنة 599هـ/ 1202م وأقاموا أخاه الناصر محله على حكم اليمن[45].
4 - ظلمه للرعية وغلبة الشح في عطائه للجند بل ذكر أنه منع أرزاقهم في حين كان يصرفها على الشعراء والمسافر (المتمسخرين)[46].
وهكذا اجتمعت عدة عوامل تمثل في مجموعها سوء سلوكيته وسياسته مع الأهالي وعساكره كما تعكس لنا من الجانب الآخر التناقض الواضح في الولاء المزدوج للمبادئ والقيم التي وجد ممن أجلها الحكم الأيوبي في اليمن وهو وحدة الأمة عن طريق توفير الحماية العسكرية لظهور المقاتلين العرب والمسلمين في الشام ومصر ضد الغزاة الصليبيين. خاصة وأنه نعت من قبل بعض المؤرخين بأنه كان شهماً شجاعاً، وشاعراً فصيحاً متأدباً سفاكاً للدماء سريع البطش[47].
سمات الحكم الأيوبي باليمن بعد وفاة الملك اسماعيل بن طغتكين:-
تركت وفاة الملك المعز اسماعيل بن طغتكين آثاراً واضحة على الحكم الأيوبي في اليمن منها: ليس هناك شخص قدير من الأسرة الأيوبية يتولى حكم المملكة مما اضطر الأمراء الأكراد إلى تنصيب الملك الناصر سيف الدين بن العزيز بالملك أخي الملك المغر وهو طفل صغير، وعينوا اتكاباً له الأمير سيف الدين سنقر مملوك والده فتولى الأتابك تدبير أمر المملكة[48].
بالاضافة إلى هذا فقد كان لمقتل المعز أثر في اضطراب الحالة السياسية باليمن فقد تحرك الأكراد إلى زبيد ونهبوها[49]، كما اضطربت الأمور على الأمير سيف الدين سنقر في كثير من البلاد، وتحركت عليه العساكر وقاتلوه، وجرت حروب كثيرة بينهم حتى انتصر عليهم[50] وذكر أنه كاتب الأكراد وصالحهم[51] وأقطع الأمير علم الدين ورؤساء صنعاء والأمير حسام الدين بكتمر السيفي تهامة ما خلا زبيداً والكدري[52]، وحالف أهل صنعاء على وردسار[53]، وبهذا تحرك كبار الأمراء ضد حكم بن أيوب وعلى الرغم من ذلك فإن المحالفات والمصانعات هذه لم تستمر طويلاً ففي عام 599هـ/ 1202م نقض الأكراد واستبدوا بملك زبيد وما وراءها من التهائم فأمر نائبه الأمير وردسار بمصالحة الإمام المنصور، ففعل وأتفق على قصد الأكراد فما كان على الإمام المنصور إلا أن يوافقه على هذا فخرج بجيش كثيف حتى التقى مع جيش الأتابك سيف الدين سنقر. وعندها جرت المعركة مع الأكراد. وثبت الأمير علم الدين وردسار في وسط المعركة انتهت بانتصار جيش الأتابك[54] وقتل جماعة من الأكراد والأتراك، وأ
إن الانتصار الذي سجله الملك المعز على الإمام المنصور لم يغير من موقف الأخير تجاه الأيوبيين وحكمهم بل استطاع أن يسيطر على جهات صعدة وتنقل بين معين وبراقش[40] وفي الحصن الأخير وردت إليه كتب الأشراف والسلاطين يعرضون قوتهم عليه ومعاضدتهم له على حرب بني أيوب وقد وقع ما يشير إلى ذلك حيث اجتمعت عساكر الإمام على حربهم فتحالف بنو حاتم مع الإمام سنة 596هـ/ 1199م وأشاروا عليه بقطع الطريق على جيش الأيوبيين وذلك بالتحرك في اتجاه صنعاء، فأرسل أخاه الأمير الحسن إلى ذي مرمر، وهناك تحالف مع العرب من حمير وسنحان إلا أن خططهم فشلت جميعاً ولم يبق أمام تلك القوى السياسية والمحالفات العسكرية سوى عقد الصلح مع بني أيوب بسبب ما حققوه من انتصارات متتالية[41].
يتضح لنا مما سبق قدرة الملك اسماعيل على تجاوز الصعوبات التي واجهت حكمه بما فيها تحرك القوى السياسية المتواجدة في المناطق المحيطة بالأراضي التي يحكموها، وهذا ناتج بلاشك من نظرة تلك القوى إلى بني أيوب بأنهم يمثلون القوة السياسية الغريبة على بلادهم وجب إزالتها فضلاً عن انعدام التجانس المذهبي بينهم وبين بني أيوب، وقد كانت هذه النظرة وذلك التجانس يمثلان الدافع الرئيسي الذي يحرك جماهير اليمن باتجاه المعارضة السياسية والعسكرية لحكم بني أيوب وعلى طيلة فترة حكمهم في اليمن، ومع هذا فإن حكم الملك إسماعيل بن طغتكين لا يخلو من السلبيات التي وقع فيها وكان ذلك من العوامل المهمة في إنهاء حكمه، ومنها:
1 - مغايرته لمذهب أسرته: - ففي سنة 593هـ/ 1196م خرج من زبيد إلى تعز وهناك أظهر مذهبه المتمثل في مخالفة مذهب السنة وتشيعه (مذهب أسرته) فقويت به الاسماعيلية مما نتج عنه آثار سيئة انعكست على سياسته الداخلية وشق وحدة الأهالي.
2 - ادعى أنه أموي ورام الخلافة كما ادعى أنه قرشي النسب وخوطب بأمير المؤمنين وتلقب بالهادي[42]، وقطع خطبة العباسيين من منابر اليمن فلما سمع عمه الملك العادل ذلك أنكره وساءه فعله وكتب إليه يلومه ونهاه عن ذلك ووبخه[43] ففي تصرفه هذا أعطى بلاشك الصورة السيئة عن ضعف شخصيته وعدم اقتداره على تحمل المسؤولية كحاكم سياسي بحيث يتفق والارتفاع إلى مستوى تلك المسؤولية ولهذا سقط في نظر ملوك بني أيوب في الشام ومصر والجزيرة بالاضافة إلى سقوط شخصيته من نظر جماهير اليمن وحكامها.
3 - ادعاءها النبوة: فكان هذا سبباً رئيساً في خروج جماعة من مماليك أبيه عن طاعته وقتاله فانتصر عليهم[44] إلا أن نقمتهم لم تزل مما حبا بهم إلى الاتفاق مع جماعة من الأكراد للتخطيط لقتله وفعلاً نجحوا بمهمتهم وقتلوه في القوير من أعمال زبيد سنة 599هـ/ 1202م وأقاموا أخاه الناصر محله على حكم اليمن[45].
4 - ظلمه للرعية وغلبة الشح في عطائه للجند بل ذكر أنه منع أرزاقهم في حين كان يصرفها على الشعراء والمسافر (المتمسخرين)[46].
وهكذا اجتمعت عدة عوامل تمثل في مجموعها سوء سلوكيته وسياسته مع الأهالي وعساكره كما تعكس لنا من الجانب الآخر التناقض الواضح في الولاء المزدوج للمبادئ والقيم التي وجد ممن أجلها الحكم الأيوبي في اليمن وهو وحدة الأمة عن طريق توفير الحماية العسكرية لظهور المقاتلين العرب والمسلمين في الشام ومصر ضد الغزاة الصليبيين. خاصة وأنه نعت من قبل بعض المؤرخين بأنه كان شهماً شجاعاً، وشاعراً فصيحاً متأدباً سفاكاً للدماء سريع البطش[47].
سمات الحكم الأيوبي باليمن بعد وفاة الملك اسماعيل بن طغتكين:-
تركت وفاة الملك المعز اسماعيل بن طغتكين آثاراً واضحة على الحكم الأيوبي في اليمن منها: ليس هناك شخص قدير من الأسرة الأيوبية يتولى حكم المملكة مما اضطر الأمراء الأكراد إلى تنصيب الملك الناصر سيف الدين بن العزيز بالملك أخي الملك المغر وهو طفل صغير، وعينوا اتكاباً له الأمير سيف الدين سنقر مملوك والده فتولى الأتابك تدبير أمر المملكة[48].
بالاضافة إلى هذا فقد كان لمقتل المعز أثر في اضطراب الحالة السياسية باليمن فقد تحرك الأكراد إلى زبيد ونهبوها[49]، كما اضطربت الأمور على الأمير سيف الدين سنقر في كثير من البلاد، وتحركت عليه العساكر وقاتلوه، وجرت حروب كثيرة بينهم حتى انتصر عليهم[50] وذكر أنه كاتب الأكراد وصالحهم[51] وأقطع الأمير علم الدين ورؤساء صنعاء والأمير حسام الدين بكتمر السيفي تهامة ما خلا زبيداً والكدري[52]، وحالف أهل صنعاء على وردسار[53]، وبهذا تحرك كبار الأمراء ضد حكم بن أيوب وعلى الرغم من ذلك فإن المحالفات والمصانعات هذه لم تستمر طويلاً ففي عام 599هـ/ 1202م نقض الأكراد واستبدوا بملك زبيد وما وراءها من التهائم فأمر نائبه الأمير وردسار بمصالحة الإمام المنصور، ففعل وأتفق على قصد الأكراد فما كان على الإمام المنصور إلا أن يوافقه على هذا فخرج بجيش كثيف حتى التقى مع جيش الأتابك سيف الدين سنقر. وعندها جرت المعركة مع الأكراد. وثبت الأمير علم الدين وردسار في وسط المعركة انتهت بانتصار جيش الأتابك[54] وقتل جماعة من الأكراد والأتراك، وأ
لقى القبض على القسم الآخر وهكذا أصبح الحكم الأيوبي للأتابك باليمن[55] حيث استولى على زبيد والتهائم بأسرها.
إن ما سبق يمثل انقسام قادة الحكم الأيوبي باليمن، ويعكسه بلاشك تحرك الأمراء للاستئثار بالحكم، وما اضطراب الحالة السياسية إلا دليل على ذلك مستغلين غياب الحاكم السياسي عن الساحة السياسية، كما يفصح عن ضعف السلطة وفقدان سيطرتها.
والأثر الآخر الذي تركته وفاة الملك المعز باليمن هو إعادة الخطبة العباسية في زبيد وصنعاء[56] بعد أن قطعها الملك المعز ((إذ خطب لنفسه بالخلافة على منابر اليمن، وخطب بنفسه على المنبر يوم الجمعة))[57].
أما موقف السلطة الأيوبية المركزية في مصر والشام من أحداث اليمن هذه فلم تقدم لنا المصادر التاريخية معلومات عدا توفر نص تاريخي بيننا يشير إلى كتاب أرسل من المختص والي البر بحماة إلى الملك المنصور صاحب حماة، وكان المختص قد حج سنة 598هـ/ 1201م يخبره بمقتل الملك المعز باليمن[58] ويكشف لنا هذا أن السلطة الأيوبية في الشام كانت على صلة مع أخبار وحوادث الحكم الأيوبي في اليمن ومما يفصح عن هذا أكثر هو أن الشخص الذي تولى الكتابة إلى الشام الأمير شهاب الدين الجزري صاحب صنعاء إذ أرسل كتاباً إلى الملك العادل الأيوبي صاحب مصر والشام يذكر فيه جملاً من الحوادث في اليمن منها مقتل المعز بن طغتكين وذكره لإمامه الإمام المنصور[59]، ومن المحتمل أن الكتاب نفسه الذي أرسله المختص والي البر في حماة إلى الملك المنصور وربما أوصله الملك المنصور بعد ذلك إلى الملك العادل ملك الأيوبيين وسلطانهم. أما علاقة الحكم الأيوبي مع الأمراء الموجودين باليمن فكانت تقوم على المهادنة والمصانعة تارة وعلى نقض العهود والمواثيق تارة أخرى، ووفق ما تمليه الظروف المرحلية التي يمر بها الحكم الأيوبي هناك ففي صنعاء كان يحكم الأمير شهاب الدين الجزري ولا يزال يدين بالولاء والتبعية إلى الحكم الأيوبي وأنه نائبهم في صنعاء[60] أما الأمير وردسار ففي هذه الفترة أظهر الطاعة للإمام المنصور وعلى أثر وفاة الملك المعز، فما كان على الامام المنصور إلا أن يكرمه ويقدمه على جيشه الذي سار إلى صنعاء وبصحبته الأمير محمد بن إبراهيم، بعد أن أعطاه حصاناً وخلع عليه الجند ووعده بولاية صنعاء فيما إذا انتصر على من فيها[61] وما أن تجهز الأمير وردسار حتى وصله كتاب من الغز (الأيوبين) بصنعاء يستدعونه للسير إليهم ففعل، وما أن دخل المدينة اجتمع بالأمير شهاب الدين الجزري وعرفه بما يريده من موالاة الإمام المنصور: هو تحقيق هدف مرحلي يتجسد في تمرير الحوادث الجسام التي تسيطر على اليمن وذلك عن طريق الاعتصام بطاعته وفعلاً تمت المراسلة بين الأمير الجزري والامام انتهت بمبايعته للامام واعلان الطاعة له وبهذا يكون قد وقف علمياً إلى جانب وردسار وأعطى صوته بالتأييد ظاهرياً لسلطة الإمام المنصور[62].. أما موقف الأمير سيف الدين سنقر فقد وافاه رسول الإمام، في الجند[63]، يدعوه إلى الطاعة والولاء وطالبه بالجواب، فقال له لا يكون الجواب إلا بعد الاجتماع بوردسار[64]، وعلى الرغم من ذلك لم يظهر الأمير سنقر أي ميل إلى تأييد الإمام بل ماطل رسوله بالوعود حتى انصرف عنه، فإذا كان هذا أمر زبيد، وصنعاء فتهامة لا تختلف عنهما بشيء إذ كانت هي الأخرى خاضعة إلى حكم بني أيوب، وكتب الإمام المنصور بالله إلى أمير نصبه بنو أيوب يعرف بشيبرياك[65] يدعوه بالدخول في طاعته وما أن وصل الرسول وأبلغه الأمير الانقياد إلى الإمام ألقى بكتابه إلى الأرض ورد رسوله، وتم هذا كله في عام 598هـ/ 1201م وأثبت لرسول الإمام أنه قادر على صيانة البلاد واستقلالها من الغزو الخارجي خاصة وقد وجده على حالة كبيرة، وعنده من الخيل والمماليك مثلما كان عند المعز بن طغتكين[66].
أضف إلى هذا فقد سجلت عساكر الأيوبيين عدة إنتصارات وعلى مدى خمس سنوات من حكم الأمير سنقر شملت تحرير الكثير من الأراضي الواقعة ما بين زبيد وصنعاء كان آخرها قهر بالسيف لبراقش[67] واستمرت الحرب بين الطرفين إلى سنة 608هـ/ 1211م/ حيث تمت المراسلة بين الأمير سنقر والإمام المنصور انتهت بتوقيع الصلح بينهما لمدة سنتين[68]، وبهذا الصلح انتهى الخلاف مع أقوى شخصية باليمن آنذاك تمثل المعارضة للأيوبيين في اليمن.
كانت الخطوة التالية هو إلقاء القبض على الأمير شهاب الدين الجزري من قبل سنقر فأودعه السجن في قلعة تعكر، منها توجه إلى تعز فأدركته الوفاة فيها سنة 608هـ/ 1211م. مما أتاح الفرصة أمام الملك الناصر أيوب أن يستقل بحكم اليمن على الرغم من حداثة سنه وأسند أمر دولته إلى الأمير علم الدين وردسار[69] الذي استطاع أن ينقذ موقف الحكم الأيوبي من التداعي والانهيار خاصة وأن الإمام المنصور عبدالله بن حمزة عاد إلى قتال العساكر الأيوبية وبقي الأمير وردسار في الحكم إلى سنة 609هـ/ 1212م. حيث مات في هذا العام، ثم توفي بعده الملك الناصر أيوب وذلك في أوائل سنة 611هـ/ 1214م تاركاً حكم اليمن إلى وزيره بدر الدين غازي[70].
إن ما سبق يمثل انقسام قادة الحكم الأيوبي باليمن، ويعكسه بلاشك تحرك الأمراء للاستئثار بالحكم، وما اضطراب الحالة السياسية إلا دليل على ذلك مستغلين غياب الحاكم السياسي عن الساحة السياسية، كما يفصح عن ضعف السلطة وفقدان سيطرتها.
والأثر الآخر الذي تركته وفاة الملك المعز باليمن هو إعادة الخطبة العباسية في زبيد وصنعاء[56] بعد أن قطعها الملك المعز ((إذ خطب لنفسه بالخلافة على منابر اليمن، وخطب بنفسه على المنبر يوم الجمعة))[57].
أما موقف السلطة الأيوبية المركزية في مصر والشام من أحداث اليمن هذه فلم تقدم لنا المصادر التاريخية معلومات عدا توفر نص تاريخي بيننا يشير إلى كتاب أرسل من المختص والي البر بحماة إلى الملك المنصور صاحب حماة، وكان المختص قد حج سنة 598هـ/ 1201م يخبره بمقتل الملك المعز باليمن[58] ويكشف لنا هذا أن السلطة الأيوبية في الشام كانت على صلة مع أخبار وحوادث الحكم الأيوبي في اليمن ومما يفصح عن هذا أكثر هو أن الشخص الذي تولى الكتابة إلى الشام الأمير شهاب الدين الجزري صاحب صنعاء إذ أرسل كتاباً إلى الملك العادل الأيوبي صاحب مصر والشام يذكر فيه جملاً من الحوادث في اليمن منها مقتل المعز بن طغتكين وذكره لإمامه الإمام المنصور[59]، ومن المحتمل أن الكتاب نفسه الذي أرسله المختص والي البر في حماة إلى الملك المنصور وربما أوصله الملك المنصور بعد ذلك إلى الملك العادل ملك الأيوبيين وسلطانهم. أما علاقة الحكم الأيوبي مع الأمراء الموجودين باليمن فكانت تقوم على المهادنة والمصانعة تارة وعلى نقض العهود والمواثيق تارة أخرى، ووفق ما تمليه الظروف المرحلية التي يمر بها الحكم الأيوبي هناك ففي صنعاء كان يحكم الأمير شهاب الدين الجزري ولا يزال يدين بالولاء والتبعية إلى الحكم الأيوبي وأنه نائبهم في صنعاء[60] أما الأمير وردسار ففي هذه الفترة أظهر الطاعة للإمام المنصور وعلى أثر وفاة الملك المعز، فما كان على الامام المنصور إلا أن يكرمه ويقدمه على جيشه الذي سار إلى صنعاء وبصحبته الأمير محمد بن إبراهيم، بعد أن أعطاه حصاناً وخلع عليه الجند ووعده بولاية صنعاء فيما إذا انتصر على من فيها[61] وما أن تجهز الأمير وردسار حتى وصله كتاب من الغز (الأيوبين) بصنعاء يستدعونه للسير إليهم ففعل، وما أن دخل المدينة اجتمع بالأمير شهاب الدين الجزري وعرفه بما يريده من موالاة الإمام المنصور: هو تحقيق هدف مرحلي يتجسد في تمرير الحوادث الجسام التي تسيطر على اليمن وذلك عن طريق الاعتصام بطاعته وفعلاً تمت المراسلة بين الأمير الجزري والامام انتهت بمبايعته للامام واعلان الطاعة له وبهذا يكون قد وقف علمياً إلى جانب وردسار وأعطى صوته بالتأييد ظاهرياً لسلطة الإمام المنصور[62].. أما موقف الأمير سيف الدين سنقر فقد وافاه رسول الإمام، في الجند[63]، يدعوه إلى الطاعة والولاء وطالبه بالجواب، فقال له لا يكون الجواب إلا بعد الاجتماع بوردسار[64]، وعلى الرغم من ذلك لم يظهر الأمير سنقر أي ميل إلى تأييد الإمام بل ماطل رسوله بالوعود حتى انصرف عنه، فإذا كان هذا أمر زبيد، وصنعاء فتهامة لا تختلف عنهما بشيء إذ كانت هي الأخرى خاضعة إلى حكم بني أيوب، وكتب الإمام المنصور بالله إلى أمير نصبه بنو أيوب يعرف بشيبرياك[65] يدعوه بالدخول في طاعته وما أن وصل الرسول وأبلغه الأمير الانقياد إلى الإمام ألقى بكتابه إلى الأرض ورد رسوله، وتم هذا كله في عام 598هـ/ 1201م وأثبت لرسول الإمام أنه قادر على صيانة البلاد واستقلالها من الغزو الخارجي خاصة وقد وجده على حالة كبيرة، وعنده من الخيل والمماليك مثلما كان عند المعز بن طغتكين[66].
أضف إلى هذا فقد سجلت عساكر الأيوبيين عدة إنتصارات وعلى مدى خمس سنوات من حكم الأمير سنقر شملت تحرير الكثير من الأراضي الواقعة ما بين زبيد وصنعاء كان آخرها قهر بالسيف لبراقش[67] واستمرت الحرب بين الطرفين إلى سنة 608هـ/ 1211م/ حيث تمت المراسلة بين الأمير سنقر والإمام المنصور انتهت بتوقيع الصلح بينهما لمدة سنتين[68]، وبهذا الصلح انتهى الخلاف مع أقوى شخصية باليمن آنذاك تمثل المعارضة للأيوبيين في اليمن.
كانت الخطوة التالية هو إلقاء القبض على الأمير شهاب الدين الجزري من قبل سنقر فأودعه السجن في قلعة تعكر، منها توجه إلى تعز فأدركته الوفاة فيها سنة 608هـ/ 1211م. مما أتاح الفرصة أمام الملك الناصر أيوب أن يستقل بحكم اليمن على الرغم من حداثة سنه وأسند أمر دولته إلى الأمير علم الدين وردسار[69] الذي استطاع أن ينقذ موقف الحكم الأيوبي من التداعي والانهيار خاصة وأن الإمام المنصور عبدالله بن حمزة عاد إلى قتال العساكر الأيوبية وبقي الأمير وردسار في الحكم إلى سنة 609هـ/ 1212م. حيث مات في هذا العام، ثم توفي بعده الملك الناصر أيوب وذلك في أوائل سنة 611هـ/ 1214م تاركاً حكم اليمن إلى وزيره بدر الدين غازي[70].
استطاع الوزير بدر الدين غازي أن يضطلع بمهمة الملك، فخالف العسكر وأجتمع بالأكابر من الأمراء وفرق عليهم الأموال واستخلفهم على حكمه ووضعهم على إمارة المدن ودخل صنعاء وخطب له على منابرها، ثم خرج منها إلى اليمن الأسفل وفي الطريق وثب عليه مماليك الناصر فقتلوه في منطقة السحول[71] وذلك سنة 611هـ وقيل أن أم الملك الناصر حرضتهم على قتله انتقاماً وثأراً لدم ابنها الملك الناصر لأن الأمير غازي اتهم بقتل ولدها[72].
بقي الحكم الأيوبي بدون رجل يدير أموره واستطاعت أم الناصر التغلب على زبيد والاستيلاء على الأموال، وانتظرت وصول رجل من بني أيوب تسلمه إدارة البلاد وبعثت إلى مكة بعض غلمانها يكشف لها عن أخبار مصر والشام[73] حيث انقطعت صلة اليمن بهما على ما يبدو وما أن وصل الرسول إلى مكة حتى التقى مع الملك سليمان بن شاهنشاه بن أيوب الذي قدم إلى مكة حاجاً، فعرفه بأحوال اليمن، فسار معه حتى وصل اليمن وحضر عند الملكة أم الناصر أيوب وخلعت عليه وتزوجته وملكته اليمن وذلك في ربيع سنة 611هـ/ 1214م[74].
أساء الملك سليمان بن شاهنشاه بن عمر التصرف بالملك وتنكر لحقوق الملكة زوجته، وانشغل بالملذات، وعرف حكمه بالجور والظلم[75] هذا من العوامل التي أدت إلى ضعف حكمه وانهياره، إلى جانب هذا أساء التصرف مع السلطان العادل – الملك الأيوبي – حيث أرسل إليه كتاباً جعل في أوله ((أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم))، مما جعل الملك العادل يحكم على سوء تصرفه[76] فضلاً عما بلغ الملك العادل من أخبار تفصح عن اضطراب الحالة السياسية منها مقتل المعز وسم أخيه الناصر وما جرى من تآمر على الحكم من قبل الوزراء.. كل هذه الأمور جعلته يرى ضرورة أن يولي أمر اليمن ملكاً قوياً حازماً يدير سياستها[77].
أن ما سبق ليمثل بلاشك مرحلة ضعف وانحطاط للحكم الأيوبي ويكشف ذلك خروج بعض البلاد من سيطرتهم كصنعاء التي دخلها الإمام المنصور عبدالله بن حمزة الحسين على أثر وفاة الملك الناصر، ودانت له بعض الوقت كما حاصر ذمار واستولى على كوكبان وساد البلاد حالة من الفوضى والخراب[78] بسبب حرب الإمام للأيوبيين مستغلاً ضعف سلطتهم إلى جانب تعدد مراكز القوى والتي كان من نتائجها إنقسام البلاد إلى أقاليم إدارية يحكم في كل اقليم أمير من أمرائهم، كما أن الحكم الأيوبي في اليمن بقي في صلة مع الحكم المركزي بمصر وبلاد الشام على الرغم من فتور تلك العلاقة أحياناً ويعود الأمر إلى انشغال ذلك الحكم في الفرنج الذين استفحل أمرهم هناك بالاضافة إلى انشغال الملك العادل في تثبيت حكمه بالأقاليم الشرقية من دولته في بلاد الشام والجزيرة إذ لا يزال الملك الظاهر بن أخيه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب يحمل لواء المعارضة بالمنطقة إلى أن انتهى الأمر معه بتوقيع الصلح سنة 608هـ/ 1211م[79] وأخيراً رحل الملك العادل إلى مصر واستقر بدار الوزارة، في وقت كان قد رتب أولاده في حكم أقاليم البلاد. فكانت مصر من حصة ابنه الملك الكامل الذي يرجع إليه أمر تجهيز ولده المسعود صلاح الدين يوسف المعروف باطسيس[80] (اطسز) إلى اليمن لانقاذ الحكم الأيوبي من الضياع آلت البلاد من تمزق بسبب ضعف السياسة التي سلكها الملك سليمان بن سعد الدين شاهنشاه بن تقي الدين بن عمر باليمن إلى جانب هذا فقد وصل كتاب ابن النساخ المطرفي إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبو العباس أحمد المستضيء الذي يشكو فيه ما حل باليمن فأمر عندها الخليفة صاحب مصر الملك العادل بالتوجه إلى اليمن[81] فوقع الاختيار على ارسال حفيده المسعود إلى اليمن فرحل من مصر يوم الاثنين 17 رمضان سنة 611هـ/ 1214م. بألف من الجند وخمسمائة من الرماة[82] وأمده بالأموال، وكتب إلى الأمير شمس الدين علي بن رسول وإلى سائر الأمراء المصريين باليمن يأمرهم بحسن صحبته وخدمته[83] وكان المسعود حديث السن في حد البلوغ[84]، وجعل أتابكة ومدبر ملكه جمال الدين فليت[85]، فوصل مكة ودخلها في ثالث ذي الحجة سنة 711هـ/ 1214م واستقبله قتادة بن إدريس وحج المسعود وخطب له بمكة، فما كان على المسعود إلا أن يكرم قتادة فخلع عليه وحمل إليه ألف دينار وقماشاً بألف أخرى، وذكر بأنه أقام بمكة ستة أشهر[86]، رحل منها إلى اليمن، فوصلها ودخل زبيداً يوم السبت الثاني من المحرم سنة 712هـ/ 1215م، وأول عمل قام به هو مراسلة الملك سليمان بن تقي الدين يسأله الصلح على أن تكون الجبال لسليمان والتهائم له[87] فلما سمع بذلك الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسول سار إلى الملك المسعود وحثه بالتوجه إلى تعز لحرب سليمان[88] والعدول عن فكرة الصلح وقال له ((إنك لا تجد في الجبال من يصدك عنها والرأي أن تكتب إلى المماليك بتسليم سليمان إليك))[89] فكتب إليهم فعلاً كما سار بنفسه إلى تعز لمواجهة خصمه وراسل الجند الموجودين في داخل الحصن وأمر بالقاء القبض على سليمان فظفروا به، وبعثه المسعود تحت الحفظ إلى مصر[90]، ودخل المسعود حصن تعز يوم الأحد عاشر صفر من سنة 612هـ/1215م، وبهذا التاري
بقي الحكم الأيوبي بدون رجل يدير أموره واستطاعت أم الناصر التغلب على زبيد والاستيلاء على الأموال، وانتظرت وصول رجل من بني أيوب تسلمه إدارة البلاد وبعثت إلى مكة بعض غلمانها يكشف لها عن أخبار مصر والشام[73] حيث انقطعت صلة اليمن بهما على ما يبدو وما أن وصل الرسول إلى مكة حتى التقى مع الملك سليمان بن شاهنشاه بن أيوب الذي قدم إلى مكة حاجاً، فعرفه بأحوال اليمن، فسار معه حتى وصل اليمن وحضر عند الملكة أم الناصر أيوب وخلعت عليه وتزوجته وملكته اليمن وذلك في ربيع سنة 611هـ/ 1214م[74].
أساء الملك سليمان بن شاهنشاه بن عمر التصرف بالملك وتنكر لحقوق الملكة زوجته، وانشغل بالملذات، وعرف حكمه بالجور والظلم[75] هذا من العوامل التي أدت إلى ضعف حكمه وانهياره، إلى جانب هذا أساء التصرف مع السلطان العادل – الملك الأيوبي – حيث أرسل إليه كتاباً جعل في أوله ((أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم))، مما جعل الملك العادل يحكم على سوء تصرفه[76] فضلاً عما بلغ الملك العادل من أخبار تفصح عن اضطراب الحالة السياسية منها مقتل المعز وسم أخيه الناصر وما جرى من تآمر على الحكم من قبل الوزراء.. كل هذه الأمور جعلته يرى ضرورة أن يولي أمر اليمن ملكاً قوياً حازماً يدير سياستها[77].
أن ما سبق ليمثل بلاشك مرحلة ضعف وانحطاط للحكم الأيوبي ويكشف ذلك خروج بعض البلاد من سيطرتهم كصنعاء التي دخلها الإمام المنصور عبدالله بن حمزة الحسين على أثر وفاة الملك الناصر، ودانت له بعض الوقت كما حاصر ذمار واستولى على كوكبان وساد البلاد حالة من الفوضى والخراب[78] بسبب حرب الإمام للأيوبيين مستغلاً ضعف سلطتهم إلى جانب تعدد مراكز القوى والتي كان من نتائجها إنقسام البلاد إلى أقاليم إدارية يحكم في كل اقليم أمير من أمرائهم، كما أن الحكم الأيوبي في اليمن بقي في صلة مع الحكم المركزي بمصر وبلاد الشام على الرغم من فتور تلك العلاقة أحياناً ويعود الأمر إلى انشغال ذلك الحكم في الفرنج الذين استفحل أمرهم هناك بالاضافة إلى انشغال الملك العادل في تثبيت حكمه بالأقاليم الشرقية من دولته في بلاد الشام والجزيرة إذ لا يزال الملك الظاهر بن أخيه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب يحمل لواء المعارضة بالمنطقة إلى أن انتهى الأمر معه بتوقيع الصلح سنة 608هـ/ 1211م[79] وأخيراً رحل الملك العادل إلى مصر واستقر بدار الوزارة، في وقت كان قد رتب أولاده في حكم أقاليم البلاد. فكانت مصر من حصة ابنه الملك الكامل الذي يرجع إليه أمر تجهيز ولده المسعود صلاح الدين يوسف المعروف باطسيس[80] (اطسز) إلى اليمن لانقاذ الحكم الأيوبي من الضياع آلت البلاد من تمزق بسبب ضعف السياسة التي سلكها الملك سليمان بن سعد الدين شاهنشاه بن تقي الدين بن عمر باليمن إلى جانب هذا فقد وصل كتاب ابن النساخ المطرفي إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبو العباس أحمد المستضيء الذي يشكو فيه ما حل باليمن فأمر عندها الخليفة صاحب مصر الملك العادل بالتوجه إلى اليمن[81] فوقع الاختيار على ارسال حفيده المسعود إلى اليمن فرحل من مصر يوم الاثنين 17 رمضان سنة 611هـ/ 1214م. بألف من الجند وخمسمائة من الرماة[82] وأمده بالأموال، وكتب إلى الأمير شمس الدين علي بن رسول وإلى سائر الأمراء المصريين باليمن يأمرهم بحسن صحبته وخدمته[83] وكان المسعود حديث السن في حد البلوغ[84]، وجعل أتابكة ومدبر ملكه جمال الدين فليت[85]، فوصل مكة ودخلها في ثالث ذي الحجة سنة 711هـ/ 1214م واستقبله قتادة بن إدريس وحج المسعود وخطب له بمكة، فما كان على المسعود إلا أن يكرم قتادة فخلع عليه وحمل إليه ألف دينار وقماشاً بألف أخرى، وذكر بأنه أقام بمكة ستة أشهر[86]، رحل منها إلى اليمن، فوصلها ودخل زبيداً يوم السبت الثاني من المحرم سنة 712هـ/ 1215م، وأول عمل قام به هو مراسلة الملك سليمان بن تقي الدين يسأله الصلح على أن تكون الجبال لسليمان والتهائم له[87] فلما سمع بذلك الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسول سار إلى الملك المسعود وحثه بالتوجه إلى تعز لحرب سليمان[88] والعدول عن فكرة الصلح وقال له ((إنك لا تجد في الجبال من يصدك عنها والرأي أن تكتب إلى المماليك بتسليم سليمان إليك))[89] فكتب إليهم فعلاً كما سار بنفسه إلى تعز لمواجهة خصمه وراسل الجند الموجودين في داخل الحصن وأمر بالقاء القبض على سليمان فظفروا به، وبعثه المسعود تحت الحفظ إلى مصر[90]، ودخل المسعود حصن تعز يوم الأحد عاشر صفر من سنة 612هـ/1215م، وبهذا التاري
خ يبدأ حكم المسعود لليمن، حيث شرعت عساكره في إعادة المناطق التي خرجت عن حكم بني أيوب كدمار وصنعاء وبيت انعم[91] وشبام، ثم نهض إلى البلاد الحميرية والمصانع[92]، وأجبرها على الاعتراف بسلطته، وكان لأتابكة جمال المدين فليت الأثر الكبير في هذه الانتصارات حيث كان يقود جيشه في المعارك وفتح هذه المناطق. وأخيراً أجبر الإمام المنصور بالله على مراسلته، فتمت بينهما وكان من نتائجها توقيع الصلح في أواخر سنة 617هـ/ 1215م ((على يد الأمير محمد بن حاتم ولمدة ستة عشر شهراً))[93]، وعلى ما يبدو أن الصلح استمر بين الطرفين إلى سنة 614هـ/ 1219م وهي السنة التي مات فيها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، ثم قام ولده عز الدين محمد محتسباً))[94]. وقام بالامامة بعد أبيه وتلقب بالناصر لدين الله[95].
إن علاقة الملك المسعود بالأمير عز الدين محمد بن عبدالله قد ساءت من جديد ففي سنة 617هـ/ 1220م تقدم الملك مسعود إلى صنعاء ومنها سار إلى بكرة فحاصرها ثمانية أشهر[96]، إلى أن وقع الصلح بينه وبين أهل بكر وتم بموجبه شراء الملك المسعود للحصن منهم بعشرة آلاف دينار مصرية وذلك سنة 618هـ/ 1221م[97]. إن أبرز التاريخ السياسي للحكم الأيوبي باليمن خلال هذه الفترة هو انشغال الملك المسعود في الوقائع والحروب ويعكس هذا عدم استقرار حكمهم السياسي في المناطق التي سيطروا عليها وبدليل ما واجهه ذلك الحكم من مقاومة اتسمت بتحرك عساكر الأمير عز الدين محمد بن الإمام المنصور وعساكر الأشراف ضدهم[98] حيث استمرت الوقائع والحروب بين الطرفين إلى سنة 619هـ/ 1222م لم يتحقق خلالها للحكم الأيوبي السيطرة التامة على بلاد اليمن، إلا أن هذا لم يمنع المسعود من تنظيم إدارتها وكان لبني رسول[99] دور في تحمل مسؤولية تلك الإدارة وتثبيت السيطرة الأيوبية باليمن خاصة وأن رجال أسرتهم كانوا بصحبة الملك المسعود في أيام دخوله اليمن، وظلوا مقيمين معه باليمن فوثق بهم وولاهم الولايات، وأعجبته طاعتهم وشدة بسالتهم فولى أمر صنعاء إلى بدر الدين بن علي بن رسول وجعلها أقطاعاً له وولى أخاه الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول الحصون الوصابية، ثم ولاه بعدها مكة المشرفة وبقى فيها مدة إلى سنة 619هـ/ 1222م ولما عزله عن ولايتها جعله أتابكاً لابنه الملك المظفر يوسف بن عمر[100] وعليه كان لهم دور في مساندة الملك المسعود وإدارة الحكم حتى استقررت الأحوال وهدأت الحروب والفتن[101] وضبط اليمن[102] ورافقت مسيرة الحكم الأيوبي في اليمن عدة أحداث سياسية أثرت بصورة غير مباشرة على مكانته السياسية خلال هذه الفترة منها:
1- انضمام مكة إلى الحكم الأيوبي باليمن: ففي سنة 719هـ/ 1222م غادر الملك المسعود اليمن إلى مكة حاجاً فلما كان يوم عرفة، تقدمت أعلام الخليفة العباسي الناصر لدين الله لترفع على الجبل إلا أن الملك المسعود أمر بمنعها بتقديم أعلام أبيه الملك الكامل الواردة من مصر، ولم يستطع أصحاب الخليفة منعه من ذلك فلما سمع الخليفة بذلك عظم الأمر عليه[103] فراسلَ الملك الكامل لانكار ذلك، فما كان على الملك إلا أن يعلن اعتذاره وللخليفة وأن ذلك لم يكن عن أمره. فقبل الخليفة العذر[104].
وربما أثر تصرف الملك المسعود[105] على علاقته مع السلطة الأيوبية بمصر والشام – بدليل أن والده سر بموته عندما أخبره بذلك خزنداره[106] – إن لم نقل على العلاقة بين بني أيوب والخلافة العباسية.
أقام الملك المسعود باليمن بعد عودته من الحج وبعد مدة يسيرة حدثته نفسه بالخروج إلى مكة لانتزاعها من حاكمها الأمير حسن بن قتادة الحسني فسار إليها ودخلها في رابع شهر ربيع الآخر من سنة 620هـ/ 1223م[107] وقاتل صاحبها الحسن وهزمه واستولى عليها ثم عاد إلى اليمن بعد أن عين عليها الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول والياً من قبل وجعله نائباً نيابة عامة عنه[108] وباستيلائه على مكة اتسعت دائرة نفوذه وحكمه فشملت مكة والحجاز واتسعت معها مملكة أبيه الملك الكامل حتى قال ابن خلكان معلقاً على هذا الأمر (ولقد حكى لي من حضر الخطبة يوم الجمعة بمكة شرفها الله تعالى أنه لما وصل الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: مالك مكة وعبيدها واليمن وزبيدها ومصر وصعيدها والشام وصناديدها والجزيرة ووليدها سلطان القبلتين ورب العلامتين)[109].
وأخيراً يمكن القول إن موقف المعارضة للدولة الأيوبية في اليمن تغير موقفها السياسي تجاهها على الرغم من التغيير الذي حصل في الخارطة الجغرافية لسيطرتها.
2- مغادرة الملك المسعود لليمن في شهر رمضان من سنة 620هـ/ 1223م[110] تاركاً نيابة البلاد إلى الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول في حين ترك ولاية صنعاء إلى الأمير بدر الدين حسن بن علي بن رسول[111] وعلى الرغم مما أثبته آل الرسول من حسن إدارة البلاد تجسد في الحفاظ على الحكم الأيوبي إلا إن جملة من الأحداث غيرت مواقع الحكم الأيوبي باليمن حيث تعرضت البلاد إلى ثورة قادها رجل في الحقل وبلاد زبيد اسمه مرغم الصوفي[112] وزعم أنه داع الإما
إن علاقة الملك المسعود بالأمير عز الدين محمد بن عبدالله قد ساءت من جديد ففي سنة 617هـ/ 1220م تقدم الملك مسعود إلى صنعاء ومنها سار إلى بكرة فحاصرها ثمانية أشهر[96]، إلى أن وقع الصلح بينه وبين أهل بكر وتم بموجبه شراء الملك المسعود للحصن منهم بعشرة آلاف دينار مصرية وذلك سنة 618هـ/ 1221م[97]. إن أبرز التاريخ السياسي للحكم الأيوبي باليمن خلال هذه الفترة هو انشغال الملك المسعود في الوقائع والحروب ويعكس هذا عدم استقرار حكمهم السياسي في المناطق التي سيطروا عليها وبدليل ما واجهه ذلك الحكم من مقاومة اتسمت بتحرك عساكر الأمير عز الدين محمد بن الإمام المنصور وعساكر الأشراف ضدهم[98] حيث استمرت الوقائع والحروب بين الطرفين إلى سنة 619هـ/ 1222م لم يتحقق خلالها للحكم الأيوبي السيطرة التامة على بلاد اليمن، إلا أن هذا لم يمنع المسعود من تنظيم إدارتها وكان لبني رسول[99] دور في تحمل مسؤولية تلك الإدارة وتثبيت السيطرة الأيوبية باليمن خاصة وأن رجال أسرتهم كانوا بصحبة الملك المسعود في أيام دخوله اليمن، وظلوا مقيمين معه باليمن فوثق بهم وولاهم الولايات، وأعجبته طاعتهم وشدة بسالتهم فولى أمر صنعاء إلى بدر الدين بن علي بن رسول وجعلها أقطاعاً له وولى أخاه الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول الحصون الوصابية، ثم ولاه بعدها مكة المشرفة وبقى فيها مدة إلى سنة 619هـ/ 1222م ولما عزله عن ولايتها جعله أتابكاً لابنه الملك المظفر يوسف بن عمر[100] وعليه كان لهم دور في مساندة الملك المسعود وإدارة الحكم حتى استقررت الأحوال وهدأت الحروب والفتن[101] وضبط اليمن[102] ورافقت مسيرة الحكم الأيوبي في اليمن عدة أحداث سياسية أثرت بصورة غير مباشرة على مكانته السياسية خلال هذه الفترة منها:
1- انضمام مكة إلى الحكم الأيوبي باليمن: ففي سنة 719هـ/ 1222م غادر الملك المسعود اليمن إلى مكة حاجاً فلما كان يوم عرفة، تقدمت أعلام الخليفة العباسي الناصر لدين الله لترفع على الجبل إلا أن الملك المسعود أمر بمنعها بتقديم أعلام أبيه الملك الكامل الواردة من مصر، ولم يستطع أصحاب الخليفة منعه من ذلك فلما سمع الخليفة بذلك عظم الأمر عليه[103] فراسلَ الملك الكامل لانكار ذلك، فما كان على الملك إلا أن يعلن اعتذاره وللخليفة وأن ذلك لم يكن عن أمره. فقبل الخليفة العذر[104].
وربما أثر تصرف الملك المسعود[105] على علاقته مع السلطة الأيوبية بمصر والشام – بدليل أن والده سر بموته عندما أخبره بذلك خزنداره[106] – إن لم نقل على العلاقة بين بني أيوب والخلافة العباسية.
أقام الملك المسعود باليمن بعد عودته من الحج وبعد مدة يسيرة حدثته نفسه بالخروج إلى مكة لانتزاعها من حاكمها الأمير حسن بن قتادة الحسني فسار إليها ودخلها في رابع شهر ربيع الآخر من سنة 620هـ/ 1223م[107] وقاتل صاحبها الحسن وهزمه واستولى عليها ثم عاد إلى اليمن بعد أن عين عليها الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول والياً من قبل وجعله نائباً نيابة عامة عنه[108] وباستيلائه على مكة اتسعت دائرة نفوذه وحكمه فشملت مكة والحجاز واتسعت معها مملكة أبيه الملك الكامل حتى قال ابن خلكان معلقاً على هذا الأمر (ولقد حكى لي من حضر الخطبة يوم الجمعة بمكة شرفها الله تعالى أنه لما وصل الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: مالك مكة وعبيدها واليمن وزبيدها ومصر وصعيدها والشام وصناديدها والجزيرة ووليدها سلطان القبلتين ورب العلامتين)[109].
وأخيراً يمكن القول إن موقف المعارضة للدولة الأيوبية في اليمن تغير موقفها السياسي تجاهها على الرغم من التغيير الذي حصل في الخارطة الجغرافية لسيطرتها.
2- مغادرة الملك المسعود لليمن في شهر رمضان من سنة 620هـ/ 1223م[110] تاركاً نيابة البلاد إلى الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول في حين ترك ولاية صنعاء إلى الأمير بدر الدين حسن بن علي بن رسول[111] وعلى الرغم مما أثبته آل الرسول من حسن إدارة البلاد تجسد في الحفاظ على الحكم الأيوبي إلا إن جملة من الأحداث غيرت مواقع الحكم الأيوبي باليمن حيث تعرضت البلاد إلى ثورة قادها رجل في الحقل وبلاد زبيد اسمه مرغم الصوفي[112] وزعم أنه داع الإما