13 يناير المشئوم
هي حرب حدثت بين الأفرقاء في اليمن الجنوبي وكانت مدعومة من القادة الموالين للشمال برئاسة علي ناصر محمد وبين الجناح اليساري الذي يتزعمه علي سالم البيض والرئيس السابق عبد الفتاح إسماعيل.
لم تكن ثمة حاجة إلى الانتظار طويلاً للتأكد من أن ما حصل في 13 يناير-كانون الثاني من العام 1986 كان زلزالاً سياسياً بكل معنى الكلمة. لم يهز الزلزال اليمن فحسب، بل هزّ أيضاً المنطقة المحيطة بها. هز الزلزال منطقة الخليج وهز الضفة الأخرى من البحر الأحمر أي القرن الأفريقي. وفي لحظة الزلزال، فهم قليلون أن للحدث ابعاداً دولية تتجاوز اليمن والمنطقة، نظراً إلى أن ما وقع في ذلك اليوم كان الدليل الأوّل على بدء انهيار الأتحاد السوفياتي... وقد احتاج انهيار القوة العظمى الثانية في العالم خمس سنوات أخرى ليصبح أمراً واقعاً. وقعت أحداث 13 يناير في ما كان يسمّى "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية". وقتذاك، كان رئيس الدولة في جنوب اليمن علي ناصر محمد. والأهم من ذلك أن علي ناصر كان يشغل موقع الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الذي لم يكن يختلف في شيء عن الأحزاب الشيوعية التي كانت تحكم دول أوروبا الشرقية وتتحكم بها لمصلحة الأخ الأكبر الذي اسمه الاتحاد السوفياتي. كانت اليمن الجنوبية جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الأشتراكية. كانت في الواقع العملي استثماراً سوفياتياً في منطقة استراتيجية أرادت القوة العظمى الثانية في العالم أن تمتلك فيها موطئ قدم يجعلها على مشارف منابع النفط في دول الخليج وخطوطه. وبكلام أوضح أتاح الوجود العسكري للاتحاد السوفياتي في اليمن الجنوبية أن يكون على حدود المملكة العربية السعودية التي كانت ولا تزال أكبر منتج للنفط في العالم. انفجر الوضع في عدن يوم 13 يناير 1986. احتدم الصراع على السلطة بين "الرفاق" طوال أشهر عدّة، وغدر علي ناصر بخصومه قبل أن يغدروا به. كان مفترضاً ان يحضر كعادته اجتماعاً دورياً للمكتب السياسي للحزب في مقر اللجنة المركزية في حي التواهي في عدن. ولكن بدل أن يحضر، أرسل حراسه على رأسهم حّسان(شاب من ردفان) لقتل خصومه الذين كانوا أعدوا خطة للأنتهاء منه، حسب رواية أنصاره. وما يمكن أن يوفّر لهذه الرواية صدقية معينة، أن الأطراف المتصارعة كانت مستعدة للمواجهة العسكرية. وفي المجزرة التي التي وقعت في مقر اللجنة المركزية، حيث كان مفترضاً أن ينعقد اجتماع المكتب السياسي، قُتل نائب الرئيس علي عنتر الذي لم يتوقف عن التحريض العلني على علي ناصر منذ فترة طويلة وذهب إلى حدّ توجيه تهديدات مباشرة له. كذلك، قتل صالح مصلح قاسم وزير الدفاع وعلي شائع هادي وزير الداخلية. وفي المعركة التي قتل فيها الثلاثة اصيب حسّان في مقتل وفارق الحياة بعدما أفرغ رصاصات رشاشه الصغير في اجساد الخصوم المباشرين لرئيس الدولة والأمين العام للحزب في تلك الأيام. ومن المفارقات أن معظم الذين حضروا اجتماع المكتب السياسي كانوا يحملون أسلحة بما يدل على مدى الثقة المتبادلة بين الرفاق في الحزب الواحد. وكانت النتيجة ان الدماء غطت أرض الغرفة التي كان مقرراً ان تستضيف الاجتماع. وظلت رائحة الدم تنبعث منها إلى ما بعد أسبوعين من المجزرة. نجا من المجزرة عدد من أعضاء المكتب السياسي بينهم علي سالم البيض وعبد الفتاح إسماعيل. لكن الأخير قضى على الأرجح لدى محاولته الانتقال في عربة عسكرية مصفّحة إلى مكان آمن بعيداً عن مقر اللجنة المركزية في التواهي إذ أصيبت العربة بقذيفة أطلقت من حاجز أقامه رجال البحرية الموالين لعلي ناصر. وكان قائد البحرية آنذاك أحمد الحسني الذي تربطه علاقة مناطقية بعلي ناصر. أمّا البيض الذي صار لاحقاً الأمين العام للحزب الاشتراكي، فقد استطاع الوصول إلى مكان آمن على الرغم من أنه اصيب برصاصة في بطنه في أثناء محاولته الابتعاد عن مكان المجزرة سالكاً طريقاً أخرى غير التي سلكها عبد الفتاح إسماعيل. ما بدأ بمجزرة قبل أنعقاد اجتماع للمكتب السياسي تخلّف عنه علي ناصر الذي أنتقل سرّاً إلى مسقط رأسه في محافظة أبين فيما أرسل سيارته وحارسه الشخصي إلى مكان الاجتماع بقصد التمويه، تحوّل إلى حرب أهلية تواجه فيها رفاق الأمس عبر القبائل التي ينتمون اليها. وخرج علي ناصر خاسراً من تلك الحرب التي قضت عملياً على النظام في الجنوب. مع مرور الزمن، يتبين أن أحداث 13 يناير 1986 لم تكن مجرد صراع على السلطة بين تكتلين ينتمي كل منهما إلى مناطق معينة في اليمن الجنوبية، وحتى في ما كان يسمى اليمن الشمالية قبل الوحدة، نظراً إلى أنه كان هناك تكتل شمالي داخل الحزب الحاكم في الجنوب. ما يتبين اليوم هو أن الصراع الذي احتدم بين الرفاق كشف قبل كل شيء أن الاتحاد السوفياتي بعد سنة من وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة لم يعد قادراً على التحكم بالأوضاع في دولة بعيدة تدور في فلكه، حتى لا نقول دولة ذات نظام من صنعه. افلتت الأمور من يد السوفيات في تلك المرحلة. ويروي مسؤولون سابقون في عدن أن صراعاً خفياً كان ي
هي حرب حدثت بين الأفرقاء في اليمن الجنوبي وكانت مدعومة من القادة الموالين للشمال برئاسة علي ناصر محمد وبين الجناح اليساري الذي يتزعمه علي سالم البيض والرئيس السابق عبد الفتاح إسماعيل.
لم تكن ثمة حاجة إلى الانتظار طويلاً للتأكد من أن ما حصل في 13 يناير-كانون الثاني من العام 1986 كان زلزالاً سياسياً بكل معنى الكلمة. لم يهز الزلزال اليمن فحسب، بل هزّ أيضاً المنطقة المحيطة بها. هز الزلزال منطقة الخليج وهز الضفة الأخرى من البحر الأحمر أي القرن الأفريقي. وفي لحظة الزلزال، فهم قليلون أن للحدث ابعاداً دولية تتجاوز اليمن والمنطقة، نظراً إلى أن ما وقع في ذلك اليوم كان الدليل الأوّل على بدء انهيار الأتحاد السوفياتي... وقد احتاج انهيار القوة العظمى الثانية في العالم خمس سنوات أخرى ليصبح أمراً واقعاً. وقعت أحداث 13 يناير في ما كان يسمّى "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية". وقتذاك، كان رئيس الدولة في جنوب اليمن علي ناصر محمد. والأهم من ذلك أن علي ناصر كان يشغل موقع الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الذي لم يكن يختلف في شيء عن الأحزاب الشيوعية التي كانت تحكم دول أوروبا الشرقية وتتحكم بها لمصلحة الأخ الأكبر الذي اسمه الاتحاد السوفياتي. كانت اليمن الجنوبية جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الأشتراكية. كانت في الواقع العملي استثماراً سوفياتياً في منطقة استراتيجية أرادت القوة العظمى الثانية في العالم أن تمتلك فيها موطئ قدم يجعلها على مشارف منابع النفط في دول الخليج وخطوطه. وبكلام أوضح أتاح الوجود العسكري للاتحاد السوفياتي في اليمن الجنوبية أن يكون على حدود المملكة العربية السعودية التي كانت ولا تزال أكبر منتج للنفط في العالم. انفجر الوضع في عدن يوم 13 يناير 1986. احتدم الصراع على السلطة بين "الرفاق" طوال أشهر عدّة، وغدر علي ناصر بخصومه قبل أن يغدروا به. كان مفترضاً ان يحضر كعادته اجتماعاً دورياً للمكتب السياسي للحزب في مقر اللجنة المركزية في حي التواهي في عدن. ولكن بدل أن يحضر، أرسل حراسه على رأسهم حّسان(شاب من ردفان) لقتل خصومه الذين كانوا أعدوا خطة للأنتهاء منه، حسب رواية أنصاره. وما يمكن أن يوفّر لهذه الرواية صدقية معينة، أن الأطراف المتصارعة كانت مستعدة للمواجهة العسكرية. وفي المجزرة التي التي وقعت في مقر اللجنة المركزية، حيث كان مفترضاً أن ينعقد اجتماع المكتب السياسي، قُتل نائب الرئيس علي عنتر الذي لم يتوقف عن التحريض العلني على علي ناصر منذ فترة طويلة وذهب إلى حدّ توجيه تهديدات مباشرة له. كذلك، قتل صالح مصلح قاسم وزير الدفاع وعلي شائع هادي وزير الداخلية. وفي المعركة التي قتل فيها الثلاثة اصيب حسّان في مقتل وفارق الحياة بعدما أفرغ رصاصات رشاشه الصغير في اجساد الخصوم المباشرين لرئيس الدولة والأمين العام للحزب في تلك الأيام. ومن المفارقات أن معظم الذين حضروا اجتماع المكتب السياسي كانوا يحملون أسلحة بما يدل على مدى الثقة المتبادلة بين الرفاق في الحزب الواحد. وكانت النتيجة ان الدماء غطت أرض الغرفة التي كان مقرراً ان تستضيف الاجتماع. وظلت رائحة الدم تنبعث منها إلى ما بعد أسبوعين من المجزرة. نجا من المجزرة عدد من أعضاء المكتب السياسي بينهم علي سالم البيض وعبد الفتاح إسماعيل. لكن الأخير قضى على الأرجح لدى محاولته الانتقال في عربة عسكرية مصفّحة إلى مكان آمن بعيداً عن مقر اللجنة المركزية في التواهي إذ أصيبت العربة بقذيفة أطلقت من حاجز أقامه رجال البحرية الموالين لعلي ناصر. وكان قائد البحرية آنذاك أحمد الحسني الذي تربطه علاقة مناطقية بعلي ناصر. أمّا البيض الذي صار لاحقاً الأمين العام للحزب الاشتراكي، فقد استطاع الوصول إلى مكان آمن على الرغم من أنه اصيب برصاصة في بطنه في أثناء محاولته الابتعاد عن مكان المجزرة سالكاً طريقاً أخرى غير التي سلكها عبد الفتاح إسماعيل. ما بدأ بمجزرة قبل أنعقاد اجتماع للمكتب السياسي تخلّف عنه علي ناصر الذي أنتقل سرّاً إلى مسقط رأسه في محافظة أبين فيما أرسل سيارته وحارسه الشخصي إلى مكان الاجتماع بقصد التمويه، تحوّل إلى حرب أهلية تواجه فيها رفاق الأمس عبر القبائل التي ينتمون اليها. وخرج علي ناصر خاسراً من تلك الحرب التي قضت عملياً على النظام في الجنوب. مع مرور الزمن، يتبين أن أحداث 13 يناير 1986 لم تكن مجرد صراع على السلطة بين تكتلين ينتمي كل منهما إلى مناطق معينة في اليمن الجنوبية، وحتى في ما كان يسمى اليمن الشمالية قبل الوحدة، نظراً إلى أنه كان هناك تكتل شمالي داخل الحزب الحاكم في الجنوب. ما يتبين اليوم هو أن الصراع الذي احتدم بين الرفاق كشف قبل كل شيء أن الاتحاد السوفياتي بعد سنة من وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة لم يعد قادراً على التحكم بالأوضاع في دولة بعيدة تدور في فلكه، حتى لا نقول دولة ذات نظام من صنعه. افلتت الأمور من يد السوفيات في تلك المرحلة. ويروي مسؤولون سابقون في عدن أن صراعاً خفياً كان ي
دور بين الأستخبارات المعروفة ب"كي.حي.بي" وهي تابعة للحزب وبين الاستخبارات العسكرية التي بقيت مؤيدة لعلي ناصر الذي سعى إلى نوع من الأنفتاح الداخلي من جهة وعلى الجوار من جهة أخرى. وكان الدليل الأبرز على مدى الوهن الذي بدأ يعاني منه الأتحاد السوفياتي أن «يخت» ملكة بريطانيا، في ذلك الحين، ساعد في اخراج مواطنين سوفيات وجدوا أنفسهم وسط المعارك التي شهدتها عدن. لم يستطع الاتحاد السوفياتي التدخل حتى من أجل انقاذ مواطنيه، فيما تدخلت بريطانيا التي كانت تحكم جنوب اليمن قبل نيله الاستقلال في العام 1967 كاشفة أنها لا تزال لاعباً ولو ثانوياً في المنطقة... كانت أحداث عدن الدليل الأول الملموس على أن العالم بدأ يتغيّر جذرياً وأن الاتحاد السوفياتي في الطريق إلى خسارة الحرب الباردة بعدما فشل في إنقاذ النظام في اليمن الجنوبية. على الصعيد الاقليمي، كانت أحداث 13 يناير بداية النهاية لأول وآخر نظام ماركسي يقوم على أرض عربية. وقد أدى فشل التجربة في ما كان يعرف باليمن الجنوبية إلى جعل دول الخليج، التي كانت لبعضها حساسية خاصة تجاه كل ما له علاقة بالاتحاد السوفياتي، تتنفس الصعداء. أكثر من ذلك لم يمض وقت طويل الاّ وانهار نظام آخر مشابه على الضفة الأخرى من البحر الأحمر هو نظام منغيستو هايلي مريم في أثيوبيا. وثمة ملاحظة أخيرة في هذا المجال ، أي الصعيد الإقليمي للحدث، تربط بين انفجار الوضع في عدن واحتدام المعارك بين العراق وايران وقتذاك وارتباط بعض القوى في الجنوب بعلاقات ما مع النظام الإيراني أدت إلى توفير قواعد لأطلاق نوع معيّن من الصواريخ كان هذا النظام في أشدّ الحاجة اليها! بالنظر إلى أحداث 13 يناير، يتبين بوضوح أن الحدث لم يكن مجرد حدث عادي على الرغم من أن الذين تورّطوا فيه لم يدركوا في البداية معناه وأبعاده يمنياً وأقليمياً ودولياً. كان المؤشر الأول إلى بداية انهيار الاتحاد السوفياتي والمؤشر الأخير إلى أن الوحدة اليمنية ستتحقق لا محال.
وعودة لقراءة الحدث المفصلي في حياة اليمن بشكل خاص نورد لكم روايــة الأستاذ / علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني وهو يروي لنا تفاصيل ما جري في قاعة المكتب السياسي صبيحة يوم الاثنين 13 / يناير 86م .. الساعة العاشرة والربع .. ساعة الصفر الذي حددها بعض قيادات الحزب لإرتكاب المجزره .
يقول على سالم البيض :
ما حدث شيئا لم يكن متوقع بالنسبة لنا فلقد حضرنا صباح 13 يناير إلى قاعــة الاجتماعات 0
لمواصلة الاجتماع الذي بدأناه في يوم 9 يناير يوم الخميس الماضي 0 ومواصلتا للمناقشات .
التي قد بدائناها كان علينا أن نحضر الاجتماع يوم الاثنين الذي كان علي ناصر غير متحمس لانعقاد هذه الاجتماعات من بعــد المؤتمر ولكن بعدما بدئنا الاجتماعات ودخلنا في بعض الأحاديث الخاصة بكثير من المواضيع المعلقه اتفقنا أن نواصل اجتماعاتنا 0 يوم الاثنين 13 يناير وحضرنا كالعادة 00 وحضرت أنا شخصيا متأخر قليل حوالي الساعــة عشره وعشر في هذاك اليوم .
ولم احضر الساعة العاشرة تماما 00 وبعد دخولي قعدت بجانب الرفيق صالح مصلح قاسم وكان على يساري وبين الرفيق علي عنتر يفرق بيني وبينه أربعــه مقاعد على اليسار وهو يقع إلى يمين كرسي الأمين العام .
أول مقعد على الطاولة بجانب الأمين العام (علي ناصر) وجلس بعض الرفاق على يسار كرسي الأمين العام منهم عبد الفتاح إسماعيل وسالم صالح وعلي شايع وآخرين 0
وكنا بدائنا جالسين نتحدث كالعادة والكراسي التي تفرق بيني وبين علي عنتر الاربعه هذي كلها من العناصر التابعة لعلي ناصر أو التي تآمر ت معه 000 ونحن لم نلحظ ولا واحد منهم في القاعـة .
لم يكن ببالنا هذا ولم نكـن نفكر أن الناس يتآمـروا 00
جلسنا بشكل طبيعي أنا أتحدث وكان الرفيق علي عنتر يفتح شنطته وهو واقف ويتحدث معنا ، نتبادل الحديث أنا وهو وصالح مصلح قاسم ولكنه يبعد عنا بأربعة كراسي .
ثم دخل أحد الحرس يحمل شنطة الأمين العام 0 ويمر من وراء ظهر علي عنتـر ووضعها بجانب كرسي الأمين العام وعاد 0 لما عاد 00 فجأة 00الا ونسمع إطلاق النار 000 التفتنا 00 التفت وإذ بي أشوف إطلاق النار في ظهر علي عنتر من قبل هذا الحارس حسـان اخذ رشاش عنده نوع اسكروبي 42 طلقه .
وبدا يطلق النار على علي عنتر من فوق إلى تحـت وتوقف عليه الرشاش0 بعدما أطلق عدت طلقات كلها صارت في ظهر الرفيق علي عنتر وهو كان واقفا 0
نحن بسرعة نزلنا تحت الكراسي وأخذنا مسدساتنا وحاولنا نطلق النار على الحارس هذا 00 وكان يوجد في الجانب الآخر اثنين حرس آخرين 00 دخلوا واحد يحمل دبة شاي قال أيضا للامين العام والآخر بعـده 0 يطلقون النار على المجموعة الأخرى في الصف الثاني من الاجتماع .
وفجأة والقاعة كلها تمطر رصاص ونحن حاولنا أن نضرب هذا الحارس 00هو عاد من جديد وبدا يطلق النار .
وكان الوضع صعب لأنه كثر رش النيران علينا في القاعة 00 بعد ذلك وجدنا مجموعه من رفاقنا على الأرض .
الرفيق صالح مصلح والرفيق علي شايع والرفيق ع
وعودة لقراءة الحدث المفصلي في حياة اليمن بشكل خاص نورد لكم روايــة الأستاذ / علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني وهو يروي لنا تفاصيل ما جري في قاعة المكتب السياسي صبيحة يوم الاثنين 13 / يناير 86م .. الساعة العاشرة والربع .. ساعة الصفر الذي حددها بعض قيادات الحزب لإرتكاب المجزره .
يقول على سالم البيض :
ما حدث شيئا لم يكن متوقع بالنسبة لنا فلقد حضرنا صباح 13 يناير إلى قاعــة الاجتماعات 0
لمواصلة الاجتماع الذي بدأناه في يوم 9 يناير يوم الخميس الماضي 0 ومواصلتا للمناقشات .
التي قد بدائناها كان علينا أن نحضر الاجتماع يوم الاثنين الذي كان علي ناصر غير متحمس لانعقاد هذه الاجتماعات من بعــد المؤتمر ولكن بعدما بدئنا الاجتماعات ودخلنا في بعض الأحاديث الخاصة بكثير من المواضيع المعلقه اتفقنا أن نواصل اجتماعاتنا 0 يوم الاثنين 13 يناير وحضرنا كالعادة 00 وحضرت أنا شخصيا متأخر قليل حوالي الساعــة عشره وعشر في هذاك اليوم .
ولم احضر الساعة العاشرة تماما 00 وبعد دخولي قعدت بجانب الرفيق صالح مصلح قاسم وكان على يساري وبين الرفيق علي عنتر يفرق بيني وبينه أربعــه مقاعد على اليسار وهو يقع إلى يمين كرسي الأمين العام .
أول مقعد على الطاولة بجانب الأمين العام (علي ناصر) وجلس بعض الرفاق على يسار كرسي الأمين العام منهم عبد الفتاح إسماعيل وسالم صالح وعلي شايع وآخرين 0
وكنا بدائنا جالسين نتحدث كالعادة والكراسي التي تفرق بيني وبين علي عنتر الاربعه هذي كلها من العناصر التابعة لعلي ناصر أو التي تآمر ت معه 000 ونحن لم نلحظ ولا واحد منهم في القاعـة .
لم يكن ببالنا هذا ولم نكـن نفكر أن الناس يتآمـروا 00
جلسنا بشكل طبيعي أنا أتحدث وكان الرفيق علي عنتر يفتح شنطته وهو واقف ويتحدث معنا ، نتبادل الحديث أنا وهو وصالح مصلح قاسم ولكنه يبعد عنا بأربعة كراسي .
ثم دخل أحد الحرس يحمل شنطة الأمين العام 0 ويمر من وراء ظهر علي عنتـر ووضعها بجانب كرسي الأمين العام وعاد 0 لما عاد 00 فجأة 00الا ونسمع إطلاق النار 000 التفتنا 00 التفت وإذ بي أشوف إطلاق النار في ظهر علي عنتر من قبل هذا الحارس حسـان اخذ رشاش عنده نوع اسكروبي 42 طلقه .
وبدا يطلق النار على علي عنتر من فوق إلى تحـت وتوقف عليه الرشاش0 بعدما أطلق عدت طلقات كلها صارت في ظهر الرفيق علي عنتر وهو كان واقفا 0
نحن بسرعة نزلنا تحت الكراسي وأخذنا مسدساتنا وحاولنا نطلق النار على الحارس هذا 00 وكان يوجد في الجانب الآخر اثنين حرس آخرين 00 دخلوا واحد يحمل دبة شاي قال أيضا للامين العام والآخر بعـده 0 يطلقون النار على المجموعة الأخرى في الصف الثاني من الاجتماع .
وفجأة والقاعة كلها تمطر رصاص ونحن حاولنا أن نضرب هذا الحارس 00هو عاد من جديد وبدا يطلق النار .
وكان الوضع صعب لأنه كثر رش النيران علينا في القاعة 00 بعد ذلك وجدنا مجموعه من رفاقنا على الأرض .
الرفيق صالح مصلح والرفيق علي شايع والرفيق ع
لي عنتر طبعا أول واحد ضرب في مقعده ووقع على الأرض والرفيق علي اسعد خارج القاعة والرفيق علي صالح ناشر في غرفة صغيره تقع بجانب القاعـة .
غرفة السكرتارية هؤلاء الرفاق كلهم على الأرض 00وعلينا الرصاص مستمر من الخارج قاموا أيضا بإطلاق النار على كل الحراس الذي معنا وصفوهم تصفيه جسديه وبقينا نحن في القاعـة لوحدنا ما عندنا أي شيء إلا مسدساتنا 0
حاولنا ان نستعين بمسدسات رفاقنا الذين استشهدوا 00 أصبح مع الواحد أكثر من مسدس للدفاع 00 وجلسنا ساعات في هذه الوضعية الصعبة ثم استطعنا أن نستنجد 0
سمعنا صوت لحارس من حراسنا في الخارج حاولنا أن نأخذ ستاره ونقطعها ونعملهــا في شكل حـبل وننزلها من الخلف على شان يربطوا لنا بندقية ، وفعلا ربطوا لنا أول بندقية وثاني بندقية 00 وأصبحنا نملك اثنتين بندقيات داخل القاعة نحن الأحياء .
الذي بقينا وحاولنا نسعف رفاقنا ولكن البعض منهم استشهد والبعض حاولنا أن نربطهم بالستائر لكن لا توجد أي وسائل للإسعاف نستطيع من خلالها أن ننقذهم 0
بعد 00 ذلك قررنا أن ننسحب إلى غرفة أخرى إلى مكتب محمد عبد الكريم هو المكتب المالي للجنة في سكرتارية اللجنة المركزية لكي نقوم بالاتصال بالخارج 00 وقمنا بالاتصال برفاقنا بالخارج .
قمت أنا بالاتصال بكثير من الجهات نطلب منهم على الجميع أن يبذل جهـد لإيقاف هذه الكارثة الذي تعرض لها الحزب الاشتراكي اليمني وعلى رفاقنا أن يهبوا للدفاع عن الحزب وصيانة مبادئه 00
وضلينا في اللجنة المركزية حتى الساعة السابعة مساء 00 طبعا رفاقنا استشهدوا الذين أصيبوا ما كان بيدنا نعمل أي حاجه والمنطقة الأخرى كلها محاطة منهم بكل قوتهم ولربما يعتقدوا أن الناس انتهت وما فيش أحد باقي 00 نحن بقينا على اتصال واستطعنا في المساء أن نخرج من هناك بعد أن نسقنا مع الرفاق في القوات المسلحة مع الدروع بالذات هذه هي القصة
غرفة السكرتارية هؤلاء الرفاق كلهم على الأرض 00وعلينا الرصاص مستمر من الخارج قاموا أيضا بإطلاق النار على كل الحراس الذي معنا وصفوهم تصفيه جسديه وبقينا نحن في القاعـة لوحدنا ما عندنا أي شيء إلا مسدساتنا 0
حاولنا ان نستعين بمسدسات رفاقنا الذين استشهدوا 00 أصبح مع الواحد أكثر من مسدس للدفاع 00 وجلسنا ساعات في هذه الوضعية الصعبة ثم استطعنا أن نستنجد 0
سمعنا صوت لحارس من حراسنا في الخارج حاولنا أن نأخذ ستاره ونقطعها ونعملهــا في شكل حـبل وننزلها من الخلف على شان يربطوا لنا بندقية ، وفعلا ربطوا لنا أول بندقية وثاني بندقية 00 وأصبحنا نملك اثنتين بندقيات داخل القاعة نحن الأحياء .
الذي بقينا وحاولنا نسعف رفاقنا ولكن البعض منهم استشهد والبعض حاولنا أن نربطهم بالستائر لكن لا توجد أي وسائل للإسعاف نستطيع من خلالها أن ننقذهم 0
بعد 00 ذلك قررنا أن ننسحب إلى غرفة أخرى إلى مكتب محمد عبد الكريم هو المكتب المالي للجنة في سكرتارية اللجنة المركزية لكي نقوم بالاتصال بالخارج 00 وقمنا بالاتصال برفاقنا بالخارج .
قمت أنا بالاتصال بكثير من الجهات نطلب منهم على الجميع أن يبذل جهـد لإيقاف هذه الكارثة الذي تعرض لها الحزب الاشتراكي اليمني وعلى رفاقنا أن يهبوا للدفاع عن الحزب وصيانة مبادئه 00
وضلينا في اللجنة المركزية حتى الساعة السابعة مساء 00 طبعا رفاقنا استشهدوا الذين أصيبوا ما كان بيدنا نعمل أي حاجه والمنطقة الأخرى كلها محاطة منهم بكل قوتهم ولربما يعتقدوا أن الناس انتهت وما فيش أحد باقي 00 نحن بقينا على اتصال واستطعنا في المساء أن نخرج من هناك بعد أن نسقنا مع الرفاق في القوات المسلحة مع الدروع بالذات هذه هي القصة
احمد سيف #حاشد
أحداث 13 يناير المشئوووووم
(1 – 10)
(1)
“غربان يا نظيره”
في نصف العام الدراسي بكلية الحقوق كنّا على مقربة من موعد امتحان القانون الروماني.. ذهبت أنا وصديقي يحيي الشعيبي للمذاكرة على البحر في شواطئ صيرة وحُقّات.. كان التوتر السياسي حينها على أشده.. سمعنا من العابرين بلبلة وأخبار متضاربة.. سمعنا أولا أن الرصاص التي تُطلق في منطقة الفتح بالتواهي إنما تستهدف الغربان.. هكذا كان بداية مداره وتغطية ما يجري من حقيقه مؤسفة..
“غربان يا نظيره” مسرحية لعنوان بداية تختصر مستهل المشهد الدامي، ومحاولة للاستفادة من الوقت، وتغطية ما يحدث ليتم إنجاز مهمة تخلص بعض الرفاق من بعض.
ظلت الأخبار التي تتوارد وتصل من “فتح” التواهي إلى كريتر تتضارب حتى وصلنا إلى خلاصه أن الوضع بين الفريقين قد أنفجر..
(2)
موقعنا ووضعنا
ونحن مجفلين سمعنا انفجارات بعيدة.. شاهدنا أناس يتوافدون ويتسلحون من مبنى يقع خلف بريد عدن.. شاهدنا الطابور يزداد ويزدحم أمام المبنى .. أردنا أن نتسلح دون أن نعلم هذا التسليح يتبع أي جهة!! رأينا أنه لابأس أن نتسلح أولا لحماية أنفسنا، وبعدها سيكون لنا موقف وكلام.
وفي الطابور شاهدت جعفر المعيد في كلية الحقوق يستلم سلاحاً وذخيرة.. تصافحنا.. ثم شاهدت أحد أقاربي في الطابور المزدحم.. فهمت أن هذا المركز تبع أنصار فتاح وعنتر.. فيما كان معسكر عشرين المركز الرئيس للمليشيا الشعبية في نفس كريتر تابع الولاء لعلي ناصر ويبعد بحدود كيلو متر واحد من المركز الذي نستلم السلاح منه.
يا إلهي!! كريتر صارت مقسومة بين فريقين!! ثم عرفت أن “الباخشي” قائد المليشيا الشعبية في معسكر عشرين ولاؤه لفريق، فيما الأركان باسلوم ولاؤه للفريق الآخر..
يا إلهي !! ليست كريتر وحدها مقسومة قسمين ولكن أيضا القائد والأركان.
أستلمنا سلاح وذخيره واتجهنا إلى عزبه فيها أصدقاء قريبة من نفس المكان وبعد قليل صعقنا البيان من الاذاعة وخلاصته محاكمة وإعدام عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وصالح مصلح وعلي شائع بتهمة الخيانة.
أغاضنا هذا البيان وكانت الصدمة كبيره.. تسألت: متى كانت الخيانة؟! ومتى تمت المحاكمة؟! ومتى تم تنفيذ أحكام الاعدام؟!
وكان السؤال الأهم من بدأ بإشعال الحريق؟!
كنت أعرف أن هناك ما يشبه العهد بين الفريقين في المكتب السياسي، وفي العهد أن من يبدأ باستخدام السلاح في حسم الخلاف خائن، ولكن يمكن للمرء اللبيب أن يستخلص أن في الأمر خدعة، وأن البادئ من نفذ الإعدام والبادئ أظلم.
(3)
“آه يا عيالي”
كانت كريتر أقل المناطق صداما ومواجهة في أحداث 13 يناير1986مقارنة بغيرها حيث لم تشهد مصادمات واشتباكات عنيفة إلا على نحو محدود ومتقطع..
خلال هذه الأحداث لم أشترك في أي اشتباك أو قنص، ولم تخرج رصاصة واحدة من فوهة بندقيتي باستثناء مرة واحده للدفاع عن النفس في ليلة اليوم الثالث من الأحداث، حيث صرخ قريبي من السطح يخبرني أن هناك محاولة تسلل لاقتحام العمارة من الخلف، فيما كنت حينها في بوابة العمارة، وتحركت بسرعة إلى مدخل كان يؤدي مباشرة إلى خلف العمارة “الجلِّي” وبدأت أطلق دفعات الرصاص نحوه، فيما كان قريبي ومن معه في سطح العمارة يطلقون الرصاص إلى الأسفل من فوق الجدار المطل على خلف العمارة، وفي الصباح لم نجد أثرا لأحد، فبدا لنا الأمر أنه كان محاولة تسلل أو استطلاع أو مجرد جساً للنبض.
بعدها طُلب مني أن أتجه إلى منطقة متقدمة من خط التماس وتحديدا إلى شقة سالم معروف وهي قريبة من المصرف اليمني وسط كريتر على إثر مقتل شخص من فريقنا وهو من أبناء منطقة الجليلة ـ الضالع ـ وطُلب منّا رفع جثمانه إلى السيارة المعدة لنقله ومن ثم المرابطة بالشقة التي أنتقلنا إليها.
وجدنا المقتول ممدا وفي جزء منه منحنيا في بوابة العمارة ووجدنا جواره ذلك الجندي الردفاني الشجاع الذي كان قد سبق وتموضع رأس المنارة القريبة من مركز البريد.. كان الردفاني موجودا جوار هذا الرجل الذي تم قنصه من قبل الفريق الآخر.. قال لنا أنه سمع زميله المقتول وهو يتآوه قبل أن يفارق الحياة ويقول: ” آه يا عيالي”
هذه الجملة الصغيرة أحسست أنها أشبه برصاصة أصابتني في مكان مكين..
أحسست أن فأسا ضرب في رأسي .. شعرت أن عمود خرساني قسم ظهري.. ساحت الدموع من عيوني غصبا عني.. من حق الدموع أن تتمرد علينا عندما نريد قمعها في حضرت مشهد دامي ومأساوي كهذا.
(4)
قذيفة مدفعية على بعد 50 مترا
كانت الاتصالات مقطوعة والماء أيضا.. شاهدت من نافذة الشقة الأطفال والنساء وهن يجلبن الماء ويتزاحمن على مورده في المكان المقابل.. شاهدنا السكان يتكيفون مع ظروف الحرب ويعتادوها.. رأيت الناس يحاولون أن يشقّون في زحام الحرب طريقا للبقاء والحياة..
كنت مرهقا حيث لم أنم الليلة السابقة، ولا نهار ذلك اليوم.. وضعت يدي على رأسي ووجدت نتف من شعر رأسي يتساقط على نحو سهل وكأنه ليس بعض مني.. حاولت أنزع نتفا أخرى لأتأكد ما الأمر فوجدته بيدي دون أن أشعر بأنه كان نابتا في فروة ا
أحداث 13 يناير المشئوووووم
(1 – 10)
(1)
“غربان يا نظيره”
في نصف العام الدراسي بكلية الحقوق كنّا على مقربة من موعد امتحان القانون الروماني.. ذهبت أنا وصديقي يحيي الشعيبي للمذاكرة على البحر في شواطئ صيرة وحُقّات.. كان التوتر السياسي حينها على أشده.. سمعنا من العابرين بلبلة وأخبار متضاربة.. سمعنا أولا أن الرصاص التي تُطلق في منطقة الفتح بالتواهي إنما تستهدف الغربان.. هكذا كان بداية مداره وتغطية ما يجري من حقيقه مؤسفة..
“غربان يا نظيره” مسرحية لعنوان بداية تختصر مستهل المشهد الدامي، ومحاولة للاستفادة من الوقت، وتغطية ما يحدث ليتم إنجاز مهمة تخلص بعض الرفاق من بعض.
ظلت الأخبار التي تتوارد وتصل من “فتح” التواهي إلى كريتر تتضارب حتى وصلنا إلى خلاصه أن الوضع بين الفريقين قد أنفجر..
(2)
موقعنا ووضعنا
ونحن مجفلين سمعنا انفجارات بعيدة.. شاهدنا أناس يتوافدون ويتسلحون من مبنى يقع خلف بريد عدن.. شاهدنا الطابور يزداد ويزدحم أمام المبنى .. أردنا أن نتسلح دون أن نعلم هذا التسليح يتبع أي جهة!! رأينا أنه لابأس أن نتسلح أولا لحماية أنفسنا، وبعدها سيكون لنا موقف وكلام.
وفي الطابور شاهدت جعفر المعيد في كلية الحقوق يستلم سلاحاً وذخيرة.. تصافحنا.. ثم شاهدت أحد أقاربي في الطابور المزدحم.. فهمت أن هذا المركز تبع أنصار فتاح وعنتر.. فيما كان معسكر عشرين المركز الرئيس للمليشيا الشعبية في نفس كريتر تابع الولاء لعلي ناصر ويبعد بحدود كيلو متر واحد من المركز الذي نستلم السلاح منه.
يا إلهي!! كريتر صارت مقسومة بين فريقين!! ثم عرفت أن “الباخشي” قائد المليشيا الشعبية في معسكر عشرين ولاؤه لفريق، فيما الأركان باسلوم ولاؤه للفريق الآخر..
يا إلهي !! ليست كريتر وحدها مقسومة قسمين ولكن أيضا القائد والأركان.
أستلمنا سلاح وذخيره واتجهنا إلى عزبه فيها أصدقاء قريبة من نفس المكان وبعد قليل صعقنا البيان من الاذاعة وخلاصته محاكمة وإعدام عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وصالح مصلح وعلي شائع بتهمة الخيانة.
أغاضنا هذا البيان وكانت الصدمة كبيره.. تسألت: متى كانت الخيانة؟! ومتى تمت المحاكمة؟! ومتى تم تنفيذ أحكام الاعدام؟!
وكان السؤال الأهم من بدأ بإشعال الحريق؟!
كنت أعرف أن هناك ما يشبه العهد بين الفريقين في المكتب السياسي، وفي العهد أن من يبدأ باستخدام السلاح في حسم الخلاف خائن، ولكن يمكن للمرء اللبيب أن يستخلص أن في الأمر خدعة، وأن البادئ من نفذ الإعدام والبادئ أظلم.
(3)
“آه يا عيالي”
كانت كريتر أقل المناطق صداما ومواجهة في أحداث 13 يناير1986مقارنة بغيرها حيث لم تشهد مصادمات واشتباكات عنيفة إلا على نحو محدود ومتقطع..
خلال هذه الأحداث لم أشترك في أي اشتباك أو قنص، ولم تخرج رصاصة واحدة من فوهة بندقيتي باستثناء مرة واحده للدفاع عن النفس في ليلة اليوم الثالث من الأحداث، حيث صرخ قريبي من السطح يخبرني أن هناك محاولة تسلل لاقتحام العمارة من الخلف، فيما كنت حينها في بوابة العمارة، وتحركت بسرعة إلى مدخل كان يؤدي مباشرة إلى خلف العمارة “الجلِّي” وبدأت أطلق دفعات الرصاص نحوه، فيما كان قريبي ومن معه في سطح العمارة يطلقون الرصاص إلى الأسفل من فوق الجدار المطل على خلف العمارة، وفي الصباح لم نجد أثرا لأحد، فبدا لنا الأمر أنه كان محاولة تسلل أو استطلاع أو مجرد جساً للنبض.
بعدها طُلب مني أن أتجه إلى منطقة متقدمة من خط التماس وتحديدا إلى شقة سالم معروف وهي قريبة من المصرف اليمني وسط كريتر على إثر مقتل شخص من فريقنا وهو من أبناء منطقة الجليلة ـ الضالع ـ وطُلب منّا رفع جثمانه إلى السيارة المعدة لنقله ومن ثم المرابطة بالشقة التي أنتقلنا إليها.
وجدنا المقتول ممدا وفي جزء منه منحنيا في بوابة العمارة ووجدنا جواره ذلك الجندي الردفاني الشجاع الذي كان قد سبق وتموضع رأس المنارة القريبة من مركز البريد.. كان الردفاني موجودا جوار هذا الرجل الذي تم قنصه من قبل الفريق الآخر.. قال لنا أنه سمع زميله المقتول وهو يتآوه قبل أن يفارق الحياة ويقول: ” آه يا عيالي”
هذه الجملة الصغيرة أحسست أنها أشبه برصاصة أصابتني في مكان مكين..
أحسست أن فأسا ضرب في رأسي .. شعرت أن عمود خرساني قسم ظهري.. ساحت الدموع من عيوني غصبا عني.. من حق الدموع أن تتمرد علينا عندما نريد قمعها في حضرت مشهد دامي ومأساوي كهذا.
(4)
قذيفة مدفعية على بعد 50 مترا
كانت الاتصالات مقطوعة والماء أيضا.. شاهدت من نافذة الشقة الأطفال والنساء وهن يجلبن الماء ويتزاحمن على مورده في المكان المقابل.. شاهدنا السكان يتكيفون مع ظروف الحرب ويعتادوها.. رأيت الناس يحاولون أن يشقّون في زحام الحرب طريقا للبقاء والحياة..
كنت مرهقا حيث لم أنم الليلة السابقة، ولا نهار ذلك اليوم.. وضعت يدي على رأسي ووجدت نتف من شعر رأسي يتساقط على نحو سهل وكأنه ليس بعض مني.. حاولت أنزع نتفا أخرى لأتأكد ما الأمر فوجدته بيدي دون أن أشعر بأنه كان نابتا في فروة ا
لرأس.. قررت أن أتركه ولا أحاول مرة أخرى حتى لا أجد نفسي فجأة أصلعا وقلقت من احتمالية أن لا يعود الشعر المتهالك من جديد.
في الليل دوى انفجار قوى ولكنه كان في منطقة بعيدة نسبياً وبعد نصف ساعة دوى انفجار عنيف آخر ظنناه أنه أصاب العمارة المتواجدين فيها، وعند اطللنا من النافذة على الشارع وجدنا أنه انفجار قذيفة مدفعية أصابت الجزء الأسفل من مبنى مصرف اليمن والذي لا يبعد عنا أكثر من مسافة خمسين مترا. أدركنا أن هناك تصحيح للإحداثيات، وتوقعنا أن تقع القذيفة الثالثة فوق رؤوسنا، ولكن رفق بنا القدر ولم يتم معاودة القصف تلك الليلة.
(5)
يوم اكتشاف نصف الحقيقة
يوم 18 يناير فريق ينتصر فيما الفريق الآخر يخسر المعركة.. الفريق المنتصر أطلق على المهزوم “زمره” فيما أطلق الفريق المهزوم على المنتصر مصطلح “طغمه” هكذا سمّى الرفاق بعضهم..
18 يناير كان يوما فارقاً.. من ألتحق بالفريق المنتصر يوم هذا التأريخ وبعده كان ينظر إليه أنه تحصيل حاصل لا يضيف شيئا لقائمة المنتصر، بل يرونه كمن ركب موكب الانتصار بدافع المصلحة، ولم يكن له أي دور في حسم المعركة أو تقرير مصيرها.. هكذا سمعت يومها المنتصرون يتحدثون.
تم نقلي إلى ساحة مكاتب خلف بريد عدن في تاريخ 18 يناير وكان هذا اليوم بالنسبة لي مختلف، حيث اكتشفت فيه نصف الحقيقة..
كان المنتصرون يعتقلون المهزومين والمشتبه بالانتماء لهم.. سمعت أصوات تستغيث وتطلب ماء من أحد الأماكن المغلقة الأبواب.. لم أكن أعلم أنه يوجد معتقلين خلفه.. لم أكن أعلم أن خلف الباب ناس يهددهم العطش بالموت..
فتح السجان الباب وكانت مفاجأتي بمشاهدتي الاكتظاظ.. من وقف لا يستطيع الجلوس مرة أخرى إلا بشق الأنفس بسبب الزحام الشديد وهذا الاكتظاظ المميت..
عندما تم فتح باب هذا المعتقل كنت كأنني أشاهد فتح علبة تونة أو علبة لحم مفروم.. يا إلهي ما هذا؟! شيء غير معقول.. شيء لا يصدق.. يا إلهي هل أنا في حلم أو علم.. الكل يستغيث يطلب ماء .. قطرات الماء هنا صارت كل الأمل لكل معتقل.. فتح بوابة السجن لبرهة ربما أيضا تنقذ البغض ممن يكاد يموت اختناقا.
ثارت انسانيتي داخلي.. إنه مشهد بالنسبة لي غير مألوف بل صادم وغير مسبوق وغير متوقع أنني يوما سأشهد مثله.. هرعت لأحضر لهم الماء.. كدت أعترك مع أحد السجانين الذين كان يمنعني أن أمكنّهم دبة الماء.. كان يحاول يمنعني بالقوة من أيصال الماء إليهم.. كان يقول لي : “هؤلاء أجبروا رفاقنا أن يشربوا من البلاليع”..
كنت نفسيا مهيّاً أن أفعل أي شيء من أجل أن أغيث هؤلاء بالماء.. كنت مهيا لكل الاحتمالات إن تم منعي بالقوة.. نعم كنت مهيأ نفسيا لأن أفعل أي شيء.. حتى من عارض إيصال الماء للمعتقلين كان يدرك مقدار انفعالي، ولذلك تمكنت من أيصال الماء إليهم.. نعم لقد نجحت وأوصلت الماء إلى المستغيثين.. أحسست أنني نجحت في رسالة تشبه رسالة نبي أغاث القوم دون أن يقتل أحد.. نجحت في إغاثة قوم محشورين في مساحة لا يزيد طولها وعرضها عن سبعة متر في سبعة..
كريتر صارت واحدة وبيد فريق واحد ولكن صار كل ما فيها ممزق.. جروح غائرة وموت وبكاء واعتقالات..
ثم شاهدت معتقلين جدد يأتون بهم إلى غرفة تحقيق تقع على مسافة قريبة.. سمعت وقائع محزنة عن كيفية الاعتقال من قبل من يقوم بالاعتقال.. كانوا يتفاخرون ببعضها.. كانت حملات التفتيش والمداهمات للبيوت على أوجها.. كنت أتفجر وأنا أسمع الحكايات.. هذا يداهمون بيته وينزعونه من مخبأه داخل دولاب في غرفة النوم، وهذا ينتزعوه من تحت سرير النوم.. وهذا من تحت الدرج أو من الحمام أو زاوية مهملة في البيت.. وكل هذا يتم وسط فجيعة الأهل وصراخ الأطفال..
تذكرت ذلك التفتيش الذي حصل يوم لبيتنا في القرية من قبل حمله أمنية بعد مقتل أخي وكان أخواني الصغار قد انزاحوا مجبرين إلى إصطبل البقرة والحمار ولكن ما أن انتهوا من تفتيش البيت حتى أتجهوا نحو أخواني الصغار في الاصطبل لتفتيشه وهو مستقل عن المنزل، فصرخوا أخواني بالبكاء الهلع والفجيعة.. صراخ جعل القائمين على الحملة يحجمون عن تفتيشه والاكتفاء بتفتيش منزل والدي ومنزل أخي المقتول.
أما التعذيب فسأفرد لمشاهداتي مكان يلي هذا مباشرة وهي بعض من نصف الحقيقة التي عرفتها فقط في يوم هذا التاريخ 18 يناير 1986.
(6)
تعذيب
في يوم 18 يناير 1986شاهدت معتقلين يجرونهم إلى غرفة التحقيق .. عرفت بعضهم من لهجتهم ولكنتهم وسحنتهم أنهم بدو من أبين وشبوه.. ثم كنت أسمع صراخهم ألما ووجعا.. شاهدت بعض المحققين يحملون “صمول” يضربون بها بعض المعتقلين بقسوة..
كانت مشاهد صادمة لم أتوقعها.. كانت مشاهد لا تخطر على بالي يوما أنني سوف أشاهدها جهارا نهارا عيانا.. وأين وضد من؟! أنها الأسئلة الأكثر وجاهة وإيلام..
كان المحققون يبحثون عن اعترافات سريعة يحتاجونها.. كان لوقع الضرب والعنف الذي مارسه المحققين مع بعض المعتقلين يعيد ذاكرتي إلى فلم وثائقي “جرائم المخابرات المركزية الأمريكية” شاهدته في سينما “دار سعد” حالما كنت أدرس ال
في الليل دوى انفجار قوى ولكنه كان في منطقة بعيدة نسبياً وبعد نصف ساعة دوى انفجار عنيف آخر ظنناه أنه أصاب العمارة المتواجدين فيها، وعند اطللنا من النافذة على الشارع وجدنا أنه انفجار قذيفة مدفعية أصابت الجزء الأسفل من مبنى مصرف اليمن والذي لا يبعد عنا أكثر من مسافة خمسين مترا. أدركنا أن هناك تصحيح للإحداثيات، وتوقعنا أن تقع القذيفة الثالثة فوق رؤوسنا، ولكن رفق بنا القدر ولم يتم معاودة القصف تلك الليلة.
(5)
يوم اكتشاف نصف الحقيقة
يوم 18 يناير فريق ينتصر فيما الفريق الآخر يخسر المعركة.. الفريق المنتصر أطلق على المهزوم “زمره” فيما أطلق الفريق المهزوم على المنتصر مصطلح “طغمه” هكذا سمّى الرفاق بعضهم..
18 يناير كان يوما فارقاً.. من ألتحق بالفريق المنتصر يوم هذا التأريخ وبعده كان ينظر إليه أنه تحصيل حاصل لا يضيف شيئا لقائمة المنتصر، بل يرونه كمن ركب موكب الانتصار بدافع المصلحة، ولم يكن له أي دور في حسم المعركة أو تقرير مصيرها.. هكذا سمعت يومها المنتصرون يتحدثون.
تم نقلي إلى ساحة مكاتب خلف بريد عدن في تاريخ 18 يناير وكان هذا اليوم بالنسبة لي مختلف، حيث اكتشفت فيه نصف الحقيقة..
كان المنتصرون يعتقلون المهزومين والمشتبه بالانتماء لهم.. سمعت أصوات تستغيث وتطلب ماء من أحد الأماكن المغلقة الأبواب.. لم أكن أعلم أنه يوجد معتقلين خلفه.. لم أكن أعلم أن خلف الباب ناس يهددهم العطش بالموت..
فتح السجان الباب وكانت مفاجأتي بمشاهدتي الاكتظاظ.. من وقف لا يستطيع الجلوس مرة أخرى إلا بشق الأنفس بسبب الزحام الشديد وهذا الاكتظاظ المميت..
عندما تم فتح باب هذا المعتقل كنت كأنني أشاهد فتح علبة تونة أو علبة لحم مفروم.. يا إلهي ما هذا؟! شيء غير معقول.. شيء لا يصدق.. يا إلهي هل أنا في حلم أو علم.. الكل يستغيث يطلب ماء .. قطرات الماء هنا صارت كل الأمل لكل معتقل.. فتح بوابة السجن لبرهة ربما أيضا تنقذ البغض ممن يكاد يموت اختناقا.
ثارت انسانيتي داخلي.. إنه مشهد بالنسبة لي غير مألوف بل صادم وغير مسبوق وغير متوقع أنني يوما سأشهد مثله.. هرعت لأحضر لهم الماء.. كدت أعترك مع أحد السجانين الذين كان يمنعني أن أمكنّهم دبة الماء.. كان يحاول يمنعني بالقوة من أيصال الماء إليهم.. كان يقول لي : “هؤلاء أجبروا رفاقنا أن يشربوا من البلاليع”..
كنت نفسيا مهيّاً أن أفعل أي شيء من أجل أن أغيث هؤلاء بالماء.. كنت مهيا لكل الاحتمالات إن تم منعي بالقوة.. نعم كنت مهيأ نفسيا لأن أفعل أي شيء.. حتى من عارض إيصال الماء للمعتقلين كان يدرك مقدار انفعالي، ولذلك تمكنت من أيصال الماء إليهم.. نعم لقد نجحت وأوصلت الماء إلى المستغيثين.. أحسست أنني نجحت في رسالة تشبه رسالة نبي أغاث القوم دون أن يقتل أحد.. نجحت في إغاثة قوم محشورين في مساحة لا يزيد طولها وعرضها عن سبعة متر في سبعة..
كريتر صارت واحدة وبيد فريق واحد ولكن صار كل ما فيها ممزق.. جروح غائرة وموت وبكاء واعتقالات..
ثم شاهدت معتقلين جدد يأتون بهم إلى غرفة تحقيق تقع على مسافة قريبة.. سمعت وقائع محزنة عن كيفية الاعتقال من قبل من يقوم بالاعتقال.. كانوا يتفاخرون ببعضها.. كانت حملات التفتيش والمداهمات للبيوت على أوجها.. كنت أتفجر وأنا أسمع الحكايات.. هذا يداهمون بيته وينزعونه من مخبأه داخل دولاب في غرفة النوم، وهذا ينتزعوه من تحت سرير النوم.. وهذا من تحت الدرج أو من الحمام أو زاوية مهملة في البيت.. وكل هذا يتم وسط فجيعة الأهل وصراخ الأطفال..
تذكرت ذلك التفتيش الذي حصل يوم لبيتنا في القرية من قبل حمله أمنية بعد مقتل أخي وكان أخواني الصغار قد انزاحوا مجبرين إلى إصطبل البقرة والحمار ولكن ما أن انتهوا من تفتيش البيت حتى أتجهوا نحو أخواني الصغار في الاصطبل لتفتيشه وهو مستقل عن المنزل، فصرخوا أخواني بالبكاء الهلع والفجيعة.. صراخ جعل القائمين على الحملة يحجمون عن تفتيشه والاكتفاء بتفتيش منزل والدي ومنزل أخي المقتول.
أما التعذيب فسأفرد لمشاهداتي مكان يلي هذا مباشرة وهي بعض من نصف الحقيقة التي عرفتها فقط في يوم هذا التاريخ 18 يناير 1986.
(6)
تعذيب
في يوم 18 يناير 1986شاهدت معتقلين يجرونهم إلى غرفة التحقيق .. عرفت بعضهم من لهجتهم ولكنتهم وسحنتهم أنهم بدو من أبين وشبوه.. ثم كنت أسمع صراخهم ألما ووجعا.. شاهدت بعض المحققين يحملون “صمول” يضربون بها بعض المعتقلين بقسوة..
كانت مشاهد صادمة لم أتوقعها.. كانت مشاهد لا تخطر على بالي يوما أنني سوف أشاهدها جهارا نهارا عيانا.. وأين وضد من؟! أنها الأسئلة الأكثر وجاهة وإيلام..
كان المحققون يبحثون عن اعترافات سريعة يحتاجونها.. كان لوقع الضرب والعنف الذي مارسه المحققين مع بعض المعتقلين يعيد ذاكرتي إلى فلم وثائقي “جرائم المخابرات المركزية الأمريكية” شاهدته في سينما “دار سعد” حالما كنت أدرس ال
ثانوية، وهو فلم يتحدث بالصوت والصورة على انتهاكات فضيعه لحقوق الإنسان لنشطاء وسياسيين ومقاومين لأنظمة دكتاتورية في أمريكا اللاتينية والوسطى والمغرب العربي وغيرها.. كنت وأنا أشاهد الفلم أشعر أن الموت بالنسبة للمعتقل المعذب أمنية بل وربما أمنية بعيدة المنال.. ها أنا اليوم أشاهد تعذيب حي وبأم عيناي.. أسمع صراخ التعذيب دون وسيط أو تصوير..
أحدهم عرض علي أن أشارك في التحقيق بعد أن عرف أنني أدرس في كلية الحقوق.. يا إلهي.. أيعقل هذا !! أنا أحلم أن أكون قاضيا أو محاميا وهذا يريد أن يحولني إلى جلاد.. يجب أن أغادر هذا المكان..
ذهبت لمقابلة القيادة بمعاونة صديق.. كانت القيادة تتمركز في مبنى البريد.. كان أحدهم يافعي يعمل مديرا لمؤسسة اقتصادية والأخر قيادي عسكري.. طلبت الأذن بالمغادرة وأردت تسليم سلاحي.. كان صديقي ينتظر الموافقة ليستلم سلاحي وذخيرتي وبالفعل حدث هذا وعدت إلى بيتي دون سلاح أو ذخيرة.. لم يفعلها أحد ولم أسمع بمنتصر سلم سلاحه وعاد إلى بيته.
نعم في هذا اليوم 18 يناير 1986عندما كان يتجه المزايدون والنفعيون والانتهازيون للانضمام للفريق المنتصر كنت أنا أسلمّ سلاحي وذخيرتي وأغادر ساحته إلى البيت.
(7)
تصفية حسن عبد الله الأعور
عدت إلى البيت.. تواصل بي حسن عبد الله الأعور، وطلب مني المجيء إلى منزله.. كنّا جميعا نسكن في حي الثورة “القلوعة” وكنت أزوره إلى منزله في معظم الأحيان.. كانت تربطني به علاقات صداقة واحترام وفضلا عن ذلك نحن من منطقة واحده في الشمال.
حسن عبد الله رجل مكافح واعتمد على نفسه في بناء نفسه.. تغلّب على عاهة فقدان النظر في أحدى عينيه.. حسن عبد الله مكافح وناجح بعين واحده.. وصل إلى رتبة رائد أو نقيب وشغل وظيفة النائب السياسي للمليشيا الشعبية في عدن ـ معسكر20ـ حسن عبد الله رجل كادح ومعدم بناء نفسه من الصفر والعدم.. كان يتميز بتواضعه الجم وكان أكثر ما يميزه أنه خدوم جدا لكل الناس الذين يقصدونه، ولا يحمل حقدا أو غلا على من يختلف معه في الرأي السياسي..
كان يتعامل معي باحترام فائق وكنت أكنّ له كثيرا من الود والتقدير والاحترام.
حسن عبد الله كان لديه عدد كبير من الأبناء الصغار أكبرهم لم يتجاوز الـ15 سنة فيما زوجته مصابه بمرض في القلب وتعيش على دواء دائم.. حالتها الصحية تزداد تدهورا..
كنت أشعر أنه في وضع صعب وأن نجاته من هذه الأحداث العاصفة ضئيل جدا..
كنت أشعر أن الانتقام الأعماء سيكون سيد الموقف بعيد عن أي عدالة أو قانون أو محاكمة حتى ولو كانت صورية.. تصوروا حتى المحاكم الصورية كانت مستحيلة وبعيدة المنال..
كان الموت باذخا واسترخاص دماء وحياة الخصوم حد الصفر من البخس.. كنت أشعر أن أبناؤه الكثر وجميعهم قاصرين سيكونون أيضا ضحايا جنون هذه الحرب التي عصفت بالرفاق.. كنت أشعر أن ثمة مأساة سيعشونها في قادم الأيام.
ذهبت إلى منزله.. حلّق بي الصغار كأنني سفينة نجاة وأنا أنشج في داخلي وأغالب حزني الكثيف وغصص مكتومة تذبح حنجرتي من الداخل.. شاهدت الأم مرعوبة من قدر سيأتي وهي تبكي مصاب فادح وجلل سيصيبها وعيالها، وهي تحمل جبل من الهم والأسئلة لزمن عبوس سيأتي، وترجو من الأيام الرفق بها من قادم ثقيل وأسود سواد هذه الأحداث الأشد من قاتمة والأكثر من قاتلة.
جو من الكآبة والحزن حاولت أن أغادره وزوجته تبلغني أنه في منزل لقريب في مكان قريب.. وجعلت من احد أبناءها دليلي لأصل إليه.
ألتقيت به.. أحسست بمأساته وكم من المآسي ستترك هذه الحرب.. عرضت عليه أن يأتي إلى بيتنا فربما هو أكثر أمانا، فيما المنزل الذي هو فيه ربما إن لم يكن بحكم الأكيد سيتعرض للتفتيش وسيتم اعتقاله ولا ندري ما بعد الاعتقال..
عرضت عليه أن يختبئ عندي إلى أن نجد مخرجا وما جرى له جرى علينا.. غير أنه أخبرني أنه تواصل بعبد الحافظ قائد ـ وكان من الشخصيات التاريخية الهامة في الحركة الوطنية وفي موضع احترام وتقدير لدى القادة السياسيين في الحزب والدولة وهو من الرجال القلة الممتلئين ـ وقال أنه عرض وضعه عليه فنصحه أن يسلِّم نفسه وهو سيتابع موضوعه.. هو أيضا فضَّل هذا الخيار على خيار استضافتي له في البيت.. ولكن كان للقتلة خيارهم وكان القتل منفلت الزمام، ولم يكن القتلة يعبئون بالعقل ولا بالاتزان فخاب تقدير حسن وتقدير حافظنا الطيب.
سلم حسن عبد الله نفسه للفريق المنتصر وتم إرساله لسجن “صبر” في محافظة لحج وبعد أسابيع أو شهور تم تصفيته مع كثير من المعتقلين.. وبقت قلوب وعيون أطفاله وزوجته معلقة تنتظر عودته سنوات طوال.. ظل أفراد أسرة حسن يترقبون كل يوم أن يطرق حسن الباب، وحسن كان قد غادر قسرا إلى اللا عودة واللا اياب.. عذاب يومي ثقيل ومؤلم ظلت أسرته تعيشه طيلة الليل والنهار ولسنوات طوال.
لم تقتصر مثل هذه التصفيات على طرف دون آخر بل كلا الطرفين تسابقا وأثخنا بالقتل إلى حد الجنون.. خيرة كوادر الحزب والدولة وكثير من الأبرياء كانوا ضحايا هذه الحرب اللعينة والمملوءة بالجنون.. كانت هذه الحرب بدا
أحدهم عرض علي أن أشارك في التحقيق بعد أن عرف أنني أدرس في كلية الحقوق.. يا إلهي.. أيعقل هذا !! أنا أحلم أن أكون قاضيا أو محاميا وهذا يريد أن يحولني إلى جلاد.. يجب أن أغادر هذا المكان..
ذهبت لمقابلة القيادة بمعاونة صديق.. كانت القيادة تتمركز في مبنى البريد.. كان أحدهم يافعي يعمل مديرا لمؤسسة اقتصادية والأخر قيادي عسكري.. طلبت الأذن بالمغادرة وأردت تسليم سلاحي.. كان صديقي ينتظر الموافقة ليستلم سلاحي وذخيرتي وبالفعل حدث هذا وعدت إلى بيتي دون سلاح أو ذخيرة.. لم يفعلها أحد ولم أسمع بمنتصر سلم سلاحه وعاد إلى بيته.
نعم في هذا اليوم 18 يناير 1986عندما كان يتجه المزايدون والنفعيون والانتهازيون للانضمام للفريق المنتصر كنت أنا أسلمّ سلاحي وذخيرتي وأغادر ساحته إلى البيت.
(7)
تصفية حسن عبد الله الأعور
عدت إلى البيت.. تواصل بي حسن عبد الله الأعور، وطلب مني المجيء إلى منزله.. كنّا جميعا نسكن في حي الثورة “القلوعة” وكنت أزوره إلى منزله في معظم الأحيان.. كانت تربطني به علاقات صداقة واحترام وفضلا عن ذلك نحن من منطقة واحده في الشمال.
حسن عبد الله رجل مكافح واعتمد على نفسه في بناء نفسه.. تغلّب على عاهة فقدان النظر في أحدى عينيه.. حسن عبد الله مكافح وناجح بعين واحده.. وصل إلى رتبة رائد أو نقيب وشغل وظيفة النائب السياسي للمليشيا الشعبية في عدن ـ معسكر20ـ حسن عبد الله رجل كادح ومعدم بناء نفسه من الصفر والعدم.. كان يتميز بتواضعه الجم وكان أكثر ما يميزه أنه خدوم جدا لكل الناس الذين يقصدونه، ولا يحمل حقدا أو غلا على من يختلف معه في الرأي السياسي..
كان يتعامل معي باحترام فائق وكنت أكنّ له كثيرا من الود والتقدير والاحترام.
حسن عبد الله كان لديه عدد كبير من الأبناء الصغار أكبرهم لم يتجاوز الـ15 سنة فيما زوجته مصابه بمرض في القلب وتعيش على دواء دائم.. حالتها الصحية تزداد تدهورا..
كنت أشعر أنه في وضع صعب وأن نجاته من هذه الأحداث العاصفة ضئيل جدا..
كنت أشعر أن الانتقام الأعماء سيكون سيد الموقف بعيد عن أي عدالة أو قانون أو محاكمة حتى ولو كانت صورية.. تصوروا حتى المحاكم الصورية كانت مستحيلة وبعيدة المنال..
كان الموت باذخا واسترخاص دماء وحياة الخصوم حد الصفر من البخس.. كنت أشعر أن أبناؤه الكثر وجميعهم قاصرين سيكونون أيضا ضحايا جنون هذه الحرب التي عصفت بالرفاق.. كنت أشعر أن ثمة مأساة سيعشونها في قادم الأيام.
ذهبت إلى منزله.. حلّق بي الصغار كأنني سفينة نجاة وأنا أنشج في داخلي وأغالب حزني الكثيف وغصص مكتومة تذبح حنجرتي من الداخل.. شاهدت الأم مرعوبة من قدر سيأتي وهي تبكي مصاب فادح وجلل سيصيبها وعيالها، وهي تحمل جبل من الهم والأسئلة لزمن عبوس سيأتي، وترجو من الأيام الرفق بها من قادم ثقيل وأسود سواد هذه الأحداث الأشد من قاتمة والأكثر من قاتلة.
جو من الكآبة والحزن حاولت أن أغادره وزوجته تبلغني أنه في منزل لقريب في مكان قريب.. وجعلت من احد أبناءها دليلي لأصل إليه.
ألتقيت به.. أحسست بمأساته وكم من المآسي ستترك هذه الحرب.. عرضت عليه أن يأتي إلى بيتنا فربما هو أكثر أمانا، فيما المنزل الذي هو فيه ربما إن لم يكن بحكم الأكيد سيتعرض للتفتيش وسيتم اعتقاله ولا ندري ما بعد الاعتقال..
عرضت عليه أن يختبئ عندي إلى أن نجد مخرجا وما جرى له جرى علينا.. غير أنه أخبرني أنه تواصل بعبد الحافظ قائد ـ وكان من الشخصيات التاريخية الهامة في الحركة الوطنية وفي موضع احترام وتقدير لدى القادة السياسيين في الحزب والدولة وهو من الرجال القلة الممتلئين ـ وقال أنه عرض وضعه عليه فنصحه أن يسلِّم نفسه وهو سيتابع موضوعه.. هو أيضا فضَّل هذا الخيار على خيار استضافتي له في البيت.. ولكن كان للقتلة خيارهم وكان القتل منفلت الزمام، ولم يكن القتلة يعبئون بالعقل ولا بالاتزان فخاب تقدير حسن وتقدير حافظنا الطيب.
سلم حسن عبد الله نفسه للفريق المنتصر وتم إرساله لسجن “صبر” في محافظة لحج وبعد أسابيع أو شهور تم تصفيته مع كثير من المعتقلين.. وبقت قلوب وعيون أطفاله وزوجته معلقة تنتظر عودته سنوات طوال.. ظل أفراد أسرة حسن يترقبون كل يوم أن يطرق حسن الباب، وحسن كان قد غادر قسرا إلى اللا عودة واللا اياب.. عذاب يومي ثقيل ومؤلم ظلت أسرته تعيشه طيلة الليل والنهار ولسنوات طوال.
لم تقتصر مثل هذه التصفيات على طرف دون آخر بل كلا الطرفين تسابقا وأثخنا بالقتل إلى حد الجنون.. خيرة كوادر الحزب والدولة وكثير من الأبرياء كانوا ضحايا هذه الحرب اللعينة والمملوءة بالجنون.. كانت هذه الحرب بدا
ية لهزيمة كبيرة لاحقه للحزب والجنوب والوطن في 1994.
في أحدث 13 يناير ارتكبت مجازر ومذابح مروّعة بعضها يشبه جرائم “داعش” اليوم . إننا قوم لا ندرك ما بلغناه من جنون القتل والدمار إلا بعد فوات الأون والندم
(8)
خاله “خدوج”
ذهبت لزيارة خاله خدوج في المعلا.. ما أطيبها وما أطيب نساء عدن.. زوجها محمد قائد هاشم أو كما هو متداول محمد الحربي.. محمد هذا قريبي وتحديدا أبن عم أبي.. أخذه المنتصرون من بيته وغيبوه في محبس مغلق ومكتوم بالجدران، ربما يشبه ذلك المحبس الذي وقفت على بابه في كريتر، وكان المعتقلين محشروين فيه ككومة لحم، عطاشا حد الموت، ومخنوقين حد الكفر.
كان محمد يعاني مرض الربو.. مات اختناقا في محبسه.. ترك أطفالا صغارا وزوجه ثكلى معذبة بالفقدان والانتظار..
خاله خدوج تحمل من الحب لزوجها ما لا تحمله حاملة الأحمال في الأرض ولا تحمله سحابة غيث في سماء.. تزوجا عن قصة حب فيه كثير من العبور والتحِّدي.. لا أروع من قلب خاله خدوج ولا أطيب منه..
خاله خدوج مسكونة بطيبة وصبر أهل عدن.. ياااااه كم أهل عدن طيبين.. كم هم متسامحين.. كم هم لبعض عند الحاجة والشدة.. علاقاتهم سوية وغامرة بالبراءة.. متصالحين مع أنفسهم.. يحملون قلوب نقية كالكريستال.. صفحاتهم أبيض من ندف الثلج..
أهل عدن الصابرين على كل الشرور التي قذفتها الرياح في وجوههم أو صبتها الأقدار على رؤوسهم.. كم جنى المتوحشون على عدن وأبناءها الطيبين من الآحزان والآلام والمآسي العراض.
ما أشد وأقصى أن يأخذونك من بين أطفالك وأحضان زوجتك ثم يغيبونك عن جميع من يحبك ويقطعون كل أخبارك عنهم وعن عالمك الصغير .. يغيبونك للأبد دون أن يقطعون رجاء عودتك إلى أطفالك وزوجتك.. كم يتعذب من ينتظر رجاء من وهم أو أمل من سراب..
كم تتعذب الزوجة عندما يقذف القدر بحبيها للمجهول لمجرد رأي أو موقف يراه صاحبه إنه صواب ثم تظل تنتظره شهور وسنوات، وربما بقية العمر مصلوبة على جدار الانتظار.. إنه عذاب جحيمي طويل..
كثيرون هم الذين دفعوا أثمان أخطاء غيرهم.. كثيرون هم الضحايا.. كثيرون هم ضحايا الحروب والأطماع والتسلط والاستبداد.
(9)
وجه آخر من 13 يناير
لقد جاءت أحداث 13 يناير 1986 وأنا متفرغاً للدراسة سنة أولى كلية الحقوق، ولكن سأذكر هنا الشطر المتعلق بلواء الوحدة.
بعد أسبوعين من بداية الأحداث زرت اللواء ووجدت كل أصدقائي تقريبا قد تم تصفينهم ضباط وصف ضباط وجنود.. إلا ما كان في حكم النادر.. قتلوا البعض في وادي حسان وبعضهم في السجون والزنازين وبعض آخر في معسكر اللواء..
تم تصفية الكثير منهم لمجرد انتماؤهم الجغرافي للشمال أو للضالع أو ردفان أو يافع .. بعض من تم تصفيتهم كان لا يهتم ولا يكترث بالسياسة ولا تربطه رابط بها، ولكن حتى هذا لم يشفع لهم أو يخفف عنهم .. وتمت تصفيتهم دون تردد.
عند زيارتي للواء شعرت بالأسى والوحشة والحزن العميق .. شاهدت أثار الدماء على أرض الغرف والجدران .. بقايا شعر رؤوس آدمية هنا وهناك وبعضها لا زال ملتصق بجدران الغرف وآثار الرصاص لا زال شاخصا ..
ملابس عسكرية ومدنية عليها الدماء مرمية على الأرض .. رائحة الدم كانت لا تزال نفاثة .. الممرات تحكي إن الموت مر من هنا .. الموت صال وجال هنا وهناك .. الوحشة تسكن الأمكنة والزوايا .. والمجازر قابلتها مجازر من الطرف الآخر واكتظت الأرض بالضحايا..
الملازم علوان من أبناء محافظة إب كان في نفس سريتي وأيضا جاري في السكن بعدن وهو من خريجي الكلية العسكرية الدفعة الحادية عشر .. أصيب بطلقة في خاصرته عند محاولة الهرب من مصير أكيد وموت محقق لا يفصله عنه غير ساعة زمن أو أقل من ساعة.. نجا بأعجوبة ..
جاء في روايته إن لم تخنِّ الذاكرة:
أخذونا من السجن مليان بابور بعد أن ربطوا أيدينا إلى الخلف وجميعنا من أبنا الشمال ويافع والضالع وردفان .. كنت أشعر أنهم يريدون تصفيتنا، وكنت أحك الحبل الذي يقيد كفاي إلى نتوء في البابور .. وكان الوقت ليلا والظلام دامس ..
في الطريق تأكدت أنه سيتم تصفيتنا في وادي حسان.. وبعد جهد جهيد استطعت أن أمزق وثاقي بذلك النتوء الذي ظللت أحك وثاقي به .. كان بعض الزملاء بعد أن عرفوا وجهتهم وإن الموت صار قريب .. بعضهم يبكي وبعضهم يترجي ..
أحد الضباط اسمه نصر من أبناء ردفان وكان يغلب عليه حسن النية بعد أن أدرك أنه ذاهب إلى وادي حسان وإن هناك الموت ينتظر، طلب منهم التفاوض وهو يضطرب.. كان أشبه بغريق يحاول أن يمسك بقشة .. ولكنهم سخروا منه ومن طلبه .. الضابط نصر واحد من الطيبين والذين لا يعيرون بالا للسياسة ..
الكلام لا زال لعلوان: أنا الوحيد الذي استطعت تمزيق رباطي والقفز من فوق البابور فتداركوني بإطلاق النار وأصبت برصاصة في خاصرتي وثانية في يدي وكان الظلام كثيف واستمريت بالركض وأنا أنزف ولم يستطيعوا اللحاق بي وقد ساعدني الظلام على الهروب.. عصبت جرحي بقميصي وأمضيت ساعات طويلة في الركض وأنا أنزف في الصحراء حتى وصلت إلى منطقة العلم بين عدن وأبين وهناك أغمي
في أحدث 13 يناير ارتكبت مجازر ومذابح مروّعة بعضها يشبه جرائم “داعش” اليوم . إننا قوم لا ندرك ما بلغناه من جنون القتل والدمار إلا بعد فوات الأون والندم
(8)
خاله “خدوج”
ذهبت لزيارة خاله خدوج في المعلا.. ما أطيبها وما أطيب نساء عدن.. زوجها محمد قائد هاشم أو كما هو متداول محمد الحربي.. محمد هذا قريبي وتحديدا أبن عم أبي.. أخذه المنتصرون من بيته وغيبوه في محبس مغلق ومكتوم بالجدران، ربما يشبه ذلك المحبس الذي وقفت على بابه في كريتر، وكان المعتقلين محشروين فيه ككومة لحم، عطاشا حد الموت، ومخنوقين حد الكفر.
كان محمد يعاني مرض الربو.. مات اختناقا في محبسه.. ترك أطفالا صغارا وزوجه ثكلى معذبة بالفقدان والانتظار..
خاله خدوج تحمل من الحب لزوجها ما لا تحمله حاملة الأحمال في الأرض ولا تحمله سحابة غيث في سماء.. تزوجا عن قصة حب فيه كثير من العبور والتحِّدي.. لا أروع من قلب خاله خدوج ولا أطيب منه..
خاله خدوج مسكونة بطيبة وصبر أهل عدن.. ياااااه كم أهل عدن طيبين.. كم هم متسامحين.. كم هم لبعض عند الحاجة والشدة.. علاقاتهم سوية وغامرة بالبراءة.. متصالحين مع أنفسهم.. يحملون قلوب نقية كالكريستال.. صفحاتهم أبيض من ندف الثلج..
أهل عدن الصابرين على كل الشرور التي قذفتها الرياح في وجوههم أو صبتها الأقدار على رؤوسهم.. كم جنى المتوحشون على عدن وأبناءها الطيبين من الآحزان والآلام والمآسي العراض.
ما أشد وأقصى أن يأخذونك من بين أطفالك وأحضان زوجتك ثم يغيبونك عن جميع من يحبك ويقطعون كل أخبارك عنهم وعن عالمك الصغير .. يغيبونك للأبد دون أن يقطعون رجاء عودتك إلى أطفالك وزوجتك.. كم يتعذب من ينتظر رجاء من وهم أو أمل من سراب..
كم تتعذب الزوجة عندما يقذف القدر بحبيها للمجهول لمجرد رأي أو موقف يراه صاحبه إنه صواب ثم تظل تنتظره شهور وسنوات، وربما بقية العمر مصلوبة على جدار الانتظار.. إنه عذاب جحيمي طويل..
كثيرون هم الذين دفعوا أثمان أخطاء غيرهم.. كثيرون هم الضحايا.. كثيرون هم ضحايا الحروب والأطماع والتسلط والاستبداد.
(9)
وجه آخر من 13 يناير
لقد جاءت أحداث 13 يناير 1986 وأنا متفرغاً للدراسة سنة أولى كلية الحقوق، ولكن سأذكر هنا الشطر المتعلق بلواء الوحدة.
بعد أسبوعين من بداية الأحداث زرت اللواء ووجدت كل أصدقائي تقريبا قد تم تصفينهم ضباط وصف ضباط وجنود.. إلا ما كان في حكم النادر.. قتلوا البعض في وادي حسان وبعضهم في السجون والزنازين وبعض آخر في معسكر اللواء..
تم تصفية الكثير منهم لمجرد انتماؤهم الجغرافي للشمال أو للضالع أو ردفان أو يافع .. بعض من تم تصفيتهم كان لا يهتم ولا يكترث بالسياسة ولا تربطه رابط بها، ولكن حتى هذا لم يشفع لهم أو يخفف عنهم .. وتمت تصفيتهم دون تردد.
عند زيارتي للواء شعرت بالأسى والوحشة والحزن العميق .. شاهدت أثار الدماء على أرض الغرف والجدران .. بقايا شعر رؤوس آدمية هنا وهناك وبعضها لا زال ملتصق بجدران الغرف وآثار الرصاص لا زال شاخصا ..
ملابس عسكرية ومدنية عليها الدماء مرمية على الأرض .. رائحة الدم كانت لا تزال نفاثة .. الممرات تحكي إن الموت مر من هنا .. الموت صال وجال هنا وهناك .. الوحشة تسكن الأمكنة والزوايا .. والمجازر قابلتها مجازر من الطرف الآخر واكتظت الأرض بالضحايا..
الملازم علوان من أبناء محافظة إب كان في نفس سريتي وأيضا جاري في السكن بعدن وهو من خريجي الكلية العسكرية الدفعة الحادية عشر .. أصيب بطلقة في خاصرته عند محاولة الهرب من مصير أكيد وموت محقق لا يفصله عنه غير ساعة زمن أو أقل من ساعة.. نجا بأعجوبة ..
جاء في روايته إن لم تخنِّ الذاكرة:
أخذونا من السجن مليان بابور بعد أن ربطوا أيدينا إلى الخلف وجميعنا من أبنا الشمال ويافع والضالع وردفان .. كنت أشعر أنهم يريدون تصفيتنا، وكنت أحك الحبل الذي يقيد كفاي إلى نتوء في البابور .. وكان الوقت ليلا والظلام دامس ..
في الطريق تأكدت أنه سيتم تصفيتنا في وادي حسان.. وبعد جهد جهيد استطعت أن أمزق وثاقي بذلك النتوء الذي ظللت أحك وثاقي به .. كان بعض الزملاء بعد أن عرفوا وجهتهم وإن الموت صار قريب .. بعضهم يبكي وبعضهم يترجي ..
أحد الضباط اسمه نصر من أبناء ردفان وكان يغلب عليه حسن النية بعد أن أدرك أنه ذاهب إلى وادي حسان وإن هناك الموت ينتظر، طلب منهم التفاوض وهو يضطرب.. كان أشبه بغريق يحاول أن يمسك بقشة .. ولكنهم سخروا منه ومن طلبه .. الضابط نصر واحد من الطيبين والذين لا يعيرون بالا للسياسة ..
الكلام لا زال لعلوان: أنا الوحيد الذي استطعت تمزيق رباطي والقفز من فوق البابور فتداركوني بإطلاق النار وأصبت برصاصة في خاصرتي وثانية في يدي وكان الظلام كثيف واستمريت بالركض وأنا أنزف ولم يستطيعوا اللحاق بي وقد ساعدني الظلام على الهروب.. عصبت جرحي بقميصي وأمضيت ساعات طويلة في الركض وأنا أنزف في الصحراء حتى وصلت إلى منطقة العلم بين عدن وأبين وهناك أغمي
عليّ حتى وجدتني قوات الاتجاه الآخر فتم إسعافي ونجاة حياتي..
هناك روايات فاجعة كثيرة .. زميلي الملازم أول الحياني كان ضمن آخرين محشورين في غرفة بلغ عددهم فيها أكثر من ثلاثين جندي وضابط .. تم إطلاق النار الكثيف عليهم وقد أصيب بالرصاص ولكن لم يمت .. فجاء أحدهم ورمى بقنبلة إلى الغرفة لتقضي على الناجين..
هناك قصص مروعة كثيرة أرتكبها طرفي الصراع وسوف أسلط بعض الضوء على بعض تلك الجرائم التي أقترفها الطرف الآخر في موضع آخر .
(10)
المناطقية .. خراب على خراب
كانت للتعبئة المناطقية والجهوية دورا مهما في النتائج الكارثية لأحداث 13يناير.. كنت أسأل نفسي كيف لفضاء الأممية أن يصغر ويضيق إلى هذا الحد؟! لماذا تلك النخب القيادية تعدم فضاء كان يمتد إلى أمريكا اللاتينية وتستبدله بديم عصبوية أصغر من قطر عقلة أصبع؟َ!
صعدت باصا للركاب من كريتر باتجاه خور مكسر وعلى طريق ساحل أبين صعد ثلاثة من طلبة الكلية العسكرية للباص الذي كان يقلّنا يبحثون عن بطائق الهوية، وعندما تموا التحقق من الهويات أعتذر أحدهم بالقول: “آسفين نحن نبحث عن أصحاب شبوة وأبين”..
لقد كان القتل والاعتقال يتم بحسب بطاقة الهوية.. لقد كانت الهوية وليس الجرم من يحدد حقك في الحياة من عدمه.. صار الاعتقال والموت يختاران ضحاياهم بحسب البطاقة والمحافظة.
تم تصفية كثير من رفاقي وزملائي في لواء الوحدة لمجرد انتماؤهم فقط إلى الشمال أو إلى مناطق الضالع وردفان ويافع وكان بعضها قد تم بطريقة مروعة.. وفي المقابل حدثت أفعال انتقامية من الطرف الآخر لا تقل مأساة وترويع عن ما أرتكبه الفريق الأول.
لماذا تم تصفية المساعد عبده علي والمساعد حسن ابراهيم والمساعد البرح من أبناء الشمال.. لماذا تم تصفية صديقي محمود سالم من يافع والملازم نصر من ردفان والملازم الحياني من إب والعفريت وزيد وعلوان الذبحاني من التربة والعشرات من أمثالهم؟!!
لماذا قتلوا الفنان عثمان.. الفنان عثمان أرق من نسمة.. الفنان عثمان الصوت الطالع من أعماق الروح لماذا قتلوه؟! هذا الذي غنّى للشاعر أيمن أبو الشعر بلحن وصوت شجي وعميق:
علمني بوح جدار السجن أن ارادة رجل حر أقوى من قفل السجان
علمني قبر فدائي أن ركوع شهيد فوق التربة أسمى آيات الايمان
وغنى أيضا :
لمن تمشطين شعرك الجميل يا يمن
ضفيرة صنعاء ضفيرة عدن
فكي شريط الشعر كي تصحو الخصل
لمن فرقت شعرك الرطيب يا يمن ؟
ضفيرة صنعاء
ضفيرة عدن
كلا الفريقين منتصر ومهزوم دفعا ثمناً باهضاً وفادحاً، وكانت خسارة الوطن أجل وأفدح، ولازلنا نعيش آثار هذه الأحداث إلى اليوم..
كل مساحيق التجميل التي جاءت باسم التسامح لم تنجح في ردم الشروخ العميقة التي تسببت بها هذه الأحداث.. ثم جاء الخصم أو العدو وأستفاد مما بقي في الوعي وما علق في النفوس من آثار وانقسامات وتناقضات وأعاد انتاجها، وأضاف إليها انقسامات وتراكمات جديدة وأعادت النخب القديمة انتاج نفسها لتأسس من جديد صراعات جهوية ومناطقية جديدة بل وعنصرية أيضا، وتم اضافت الافدح إلى ما هو فادح، وبني خراب على خراب
هناك روايات فاجعة كثيرة .. زميلي الملازم أول الحياني كان ضمن آخرين محشورين في غرفة بلغ عددهم فيها أكثر من ثلاثين جندي وضابط .. تم إطلاق النار الكثيف عليهم وقد أصيب بالرصاص ولكن لم يمت .. فجاء أحدهم ورمى بقنبلة إلى الغرفة لتقضي على الناجين..
هناك قصص مروعة كثيرة أرتكبها طرفي الصراع وسوف أسلط بعض الضوء على بعض تلك الجرائم التي أقترفها الطرف الآخر في موضع آخر .
(10)
المناطقية .. خراب على خراب
كانت للتعبئة المناطقية والجهوية دورا مهما في النتائج الكارثية لأحداث 13يناير.. كنت أسأل نفسي كيف لفضاء الأممية أن يصغر ويضيق إلى هذا الحد؟! لماذا تلك النخب القيادية تعدم فضاء كان يمتد إلى أمريكا اللاتينية وتستبدله بديم عصبوية أصغر من قطر عقلة أصبع؟َ!
صعدت باصا للركاب من كريتر باتجاه خور مكسر وعلى طريق ساحل أبين صعد ثلاثة من طلبة الكلية العسكرية للباص الذي كان يقلّنا يبحثون عن بطائق الهوية، وعندما تموا التحقق من الهويات أعتذر أحدهم بالقول: “آسفين نحن نبحث عن أصحاب شبوة وأبين”..
لقد كان القتل والاعتقال يتم بحسب بطاقة الهوية.. لقد كانت الهوية وليس الجرم من يحدد حقك في الحياة من عدمه.. صار الاعتقال والموت يختاران ضحاياهم بحسب البطاقة والمحافظة.
تم تصفية كثير من رفاقي وزملائي في لواء الوحدة لمجرد انتماؤهم فقط إلى الشمال أو إلى مناطق الضالع وردفان ويافع وكان بعضها قد تم بطريقة مروعة.. وفي المقابل حدثت أفعال انتقامية من الطرف الآخر لا تقل مأساة وترويع عن ما أرتكبه الفريق الأول.
لماذا تم تصفية المساعد عبده علي والمساعد حسن ابراهيم والمساعد البرح من أبناء الشمال.. لماذا تم تصفية صديقي محمود سالم من يافع والملازم نصر من ردفان والملازم الحياني من إب والعفريت وزيد وعلوان الذبحاني من التربة والعشرات من أمثالهم؟!!
لماذا قتلوا الفنان عثمان.. الفنان عثمان أرق من نسمة.. الفنان عثمان الصوت الطالع من أعماق الروح لماذا قتلوه؟! هذا الذي غنّى للشاعر أيمن أبو الشعر بلحن وصوت شجي وعميق:
علمني بوح جدار السجن أن ارادة رجل حر أقوى من قفل السجان
علمني قبر فدائي أن ركوع شهيد فوق التربة أسمى آيات الايمان
وغنى أيضا :
لمن تمشطين شعرك الجميل يا يمن
ضفيرة صنعاء ضفيرة عدن
فكي شريط الشعر كي تصحو الخصل
لمن فرقت شعرك الرطيب يا يمن ؟
ضفيرة صنعاء
ضفيرة عدن
كلا الفريقين منتصر ومهزوم دفعا ثمناً باهضاً وفادحاً، وكانت خسارة الوطن أجل وأفدح، ولازلنا نعيش آثار هذه الأحداث إلى اليوم..
كل مساحيق التجميل التي جاءت باسم التسامح لم تنجح في ردم الشروخ العميقة التي تسببت بها هذه الأحداث.. ثم جاء الخصم أو العدو وأستفاد مما بقي في الوعي وما علق في النفوس من آثار وانقسامات وتناقضات وأعاد انتاجها، وأضاف إليها انقسامات وتراكمات جديدة وأعادت النخب القديمة انتاج نفسها لتأسس من جديد صراعات جهوية ومناطقية جديدة بل وعنصرية أيضا، وتم اضافت الافدح إلى ما هو فادح، وبني خراب على خراب
👆🏻👆🏻
📷مكتـوب خلـف الصـورة📷
صـورة تجمـع و فـد الأئمـة المنتخـب مـن قبـل الإمـام يحـيـي حميـد الديـن، للتشـاور مـع قيـادة جمـاعـة الإخـوان المسلمـين فـي مصـر بشـأن تنصـيب مرشـد للإخـوان فـي اليمـن، مقـابـل تقـديم الدعـم اللازم للنظـام الإمـامـي فـي اليمـن، وقـد وقـع حينهـا الاختيـار بالتـوافـق علـى شخصيـة محمـد محمـود #الزبـيري
ليكـون مرشـداً لجماعـة الإخـوان فـي اليمـن..‼️
🕸صـور مـن تحـت ركـام الحـرب🕸
الديوان
📷مكتـوب خلـف الصـورة📷
صـورة تجمـع و فـد الأئمـة المنتخـب مـن قبـل الإمـام يحـيـي حميـد الديـن، للتشـاور مـع قيـادة جمـاعـة الإخـوان المسلمـين فـي مصـر بشـأن تنصـيب مرشـد للإخـوان فـي اليمـن، مقـابـل تقـديم الدعـم اللازم للنظـام الإمـامـي فـي اليمـن، وقـد وقـع حينهـا الاختيـار بالتـوافـق علـى شخصيـة محمـد محمـود #الزبـيري
ليكـون مرشـداً لجماعـة الإخـوان فـي اليمـن..‼️
🕸صـور مـن تحـت ركـام الحـرب🕸
الديوان
انباء عن سرقة ومصادرة لوحات وكتابات من كهوف حاله شرق حديبو #سقطرى كانت في الكهوف ولايتعرض لها احد من قبل،، عبث وتهريب وتخريب للجزيرة واثارها