اليمن_تاريخ_وثقافة
11.7K subscribers
144K photos
352 videos
2.21K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
للتلال الرملية في سهل صعدة متكئاً على خواصر الكتل الصخرية البلورية لجبل الأسود، الذي يمتد نحو المملكة العربية السعودية. يتكون موقع جبل غوبير الذي تم اكتشافه خلال حملة عام 1992 من عشرات التلال الرملية ، أما السبع الأكثر أهمية من بينها فإنها تتجه شمال غرب – جنوب شرق وتفصلها عدة وديان. حيث يخترق واحد من بينها الكتلة الصخرية من جهة إلى أخرى محُدداً منطقتين. رقمت كتلها الصخرية من الجنوب إلى الشمال ب A D، C، B، الخ ( شكل رقم 140).

34وكما هو الحال في المواقع الأخرى ، تحتوي الأراضي الواقعة مباشرة أسفل اللوحات المزينة بالرسوم الصخرية على مواقع أثرية يمكن الكشف عن مواقعها بسهوله بفضل آثار بقايا الحريق، وبقايا العظام الحيوانية فضلاً عن الصناعة الحجرية المهذبة البارزة على سطح الأرض. لم يتم تحقيق أي عملية تأريخ بخصوص هذه المواد.

35كان من المتوقع القيام بعملية تنقيب خلال العام 19937، حيث تم جمع بعض العينات من المادة الحجرية والحيوانية من على السطح ومن الطبقات المصقولة من جراء حركة مياه الوادي. ففي المجموعة C ، نسبت بعض البقايا الحيوانية، التي وجدت في أسفل لوحة الخيليات (شكل رقم150) إلى الحمار الوحشي الأفريقي (Equus africanus) (الباب الرابع).

36جمعت 150 قطعة تقريبا بنفس تنوع المادة الخام السابقة (صوان عقيقي ، كوارتزيت ، ريوليت ، بلور جندلي و الأوبسيديان).

الشكل رقم 34- جبل غوبير.


Agrandir Original (jpeg, 252k)

من 1الى 4 : مكاشط (4 : من الاوبسيديان). 5: نصيلة مشذبة . 6 ،7 و 10 : أدوات صيد مكسورة. 8 و9 : قطع ذات وجهين (أشكال مختذله ؟ 8 : من الاوبسيديان). 11: رأس سهم مشذب بطريقة الضغط ، أجنحة غير منتهية (؟). 12: قطعة ذات وجهين (منجر؟)(انظر .الشكل رقم 50 : 12). 13 : حصاة ملساء مع آثار الطرق (أداة طرق؟).

عملية تصنيع الأدوات الحجرية

37تخضع لنفس القواعد التي استخدمت في المواقع السابقة: انتزاع الشظايا بالمطرقة الصلبة، ثم تتم عملية التشذيب عن طريق الضغط للتصنيع النهائي للأدوات الصيد.

- نواتان : نواة صغيرة من الصوان للشظايا الرقائقية لها سطح طرق أملس وواحدة أخرى بلا شكل محدد. مع جزء من نصيلة، وهذه هي المؤشرات الوحيدة على التهذيب في نفس المكان.

- بعض الكسر الصغيرة الناتجة عن تصنيع القطع ذات الوجهين.

- الأوبسيديان يظهر على هيئة بعض الشظايا فضلاً عن أجزاء نصلية (40 تقريباً) ، بدون نواة.

الأدوات

38بلا شك هناك العديد من الأدوات ذات اللون الأحمر الياجوري من جراء اتصالها مع كسر الهيماتيت الموجودة في الأكياس المفهرسة.

ـ المكاشط (10) مصنوعة من الشظايا، 6 منها على هيئة الظفر (شكل رقم 34: 3)، واحد منها مصنوع من الاوبسيديان (شكل رقم 34: 4).

ـ محك (مكشط)

ـ الأدوات ذات الوجهين (8) (شكل رقم 33) : إنها بالأخص من نوع بيضاوي :مع واحدة مكسورة، بساق وأجنحة : إن القطعة الوحيدة الآتية من الطبقة الأثرية كاملة ومهذبة عن طريق الضغط لكنها تبدو غير منتهية (شكل رقم 33 : 11).

ـ قطعة ذات وجهين بحد شديد الانحدار (شكل رقم 34: 12) مصنوعة من الكوارتزيت وتشبه تلك التي في جبل المخروق(شكل رقم 34: 12).

ـ حصاة (حجر) ملساء مطروقة (شكل رقم 34 : 13) ربما استعملت في الطرق بالنقر

46إن الأهمية العددية لمستوطنات عصور ما قبل التاريخ البارزة في أسفل الملاجئ المزينة بالرسوم وكذلك في أطراف البحيرات القديمة الواسعة، توحي بالتردد المنتظم على هذه الأماكن من قبل صيادين قاموا على ما يبدو بعمل اللوحات المزينة. في الواقع إن مواضيع الحيوان وطبيعة الأدوات الحجرية تذكر معظمها بالصيد. هل كانت هذه الملاجئ مرتادة أثناء فترات الصيد فقط ؟ في هذه الحالة سيكون هناك مستوطنات معاصرة تظهر أنشطة مختلفة.

47تقدم الأدوات الحجرية المهذبة بعض المؤشرات على نمط حياة صانعيها. و هكذا فإن تشكيل أدوات الصيد قد تحقق في نفس المواقع، كما تشهد على ذلك أشكال بعض الأدوات المتبقية في المواقع في حين إن المراحل المبكرة للتحضير قد تم تنفيذها خارج الملاجئ.

48تأتي هذه الملاحظة تباعا لما ذكره D.Hadjouis (الباب الخامس) والذي يلخص أن ذبح الحيوانات الثديية الكبرى كان قد تحقق هو أيضا خارج الملاجئ. في المقابل يمكن لأدوات الصيد ذات الثلاثة أوجه المحزوزة والمكسورة بطريقة متشابهة في طرفيها أن تُميز أثرها في الطريدة على شكل تمزق في مستوى الورك: إن نوعها وتشكيلها الخاص يجعلان منها أيضا علامة تقنية جيدة، لأنه من الممكن مقاربتها مع أدوات الصيد المتعرف عليها في مناطق أخرى من اليمن والتي تعود إلى الألف السابع والسادس قبل الميلاد باتجاه حضرموت(شكل رقم . 33: 1، 2، 3).

49يجب أن نحفظ في الذاكرة بأن حصار الطريدة، واستعمال الفخاخ من أجل القبض على الحيوانات الكبيرة ممارسات عادية، لم تترك أي علامة للدلالة عليها، إلا أن الملاجئ كانت تحد البحيرات الواسعة والمساقي الطبيعية من أجل الجواميس والثيران المتوحشة، أو السنوريات الكبرى.

50على الرغ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#صعدة في اليمن :
بصمات طبعها تاريخ الف عام . أسواق للمصنوعات التراثية و"الخضروات" ... والأسلحة

#صعدة ... إحدى المحافظات اليمنية الثلاث والعشرين، تقع في أقصى الشمال على الحدود مع المملكة العربية السعودية، عاصمتها مدينة صعدة التاريخية التي تربض على قاع "حوض" فسيح مساحته 30 كلم تحتضنه سلسلة جبال ترتفع عن سطح البحر 1800 متراً. وإذا بدأت رحلتك من العاصمة صنعاء تصل اليها بعد أن تقطع مسافة 243 كلم، وأول ما يستقبلك فيها شارعها الرئيسي الوحيد. شارع صنعاء الذي لا يتجاوز طوله الخمسة كلم وتصطف على جانبه عشرات المحلات والدكاكين والمطاعم وغيرها تجعل منه سوقاً نشطاً وتشرف على الشارع مباني معظمها إسمنتية مكونة في الغالب من طابقين وتحمل خليط عشوائي من الطابعين المعماريين الحديث والمحلي... وينتهي الشارع عند "باب اليمن" وهو أحد أبواد المدينة القديمة ويعتبر هذا الجزء من المدينة قلبها النابض بالحركة على الدوام حيث تتركز مجمعات المكاتب الحكومية والمرافق الخدمية وغيرها.

ونظرة واحدة يلقيها الزائر من أعلى منارة جامع الإمام الهادي - أعلى مكان في المدينة - تكفي لإدراك أن شارع صنعاء وما حوله من أحياء هو كل ما تعرفه صعدة في توسع عمراني حديث يزحف في كل اتجاه بإيقاع غير منتظم يزاحم المدينة القديمة ويحاصرها من الناحية الجنوبية الشرقية وهي بسورها تحمي أصالتها وتقاوم بشراسة زحف اللامعنى واللاهوية.

من باب اليمن يلج الزائر الى معلم من معالم صعدة العتيقة... سوقها الشعبي الذي يضج بالحركة والنشاط خصوصاً الأحد من كل أسبوع فهو يوم تسوق للأهالي، ويفد المزارعون من مختلف أنحاء المحافظة لبيع منتجاتهم كالبرتقال والرمان والعنب والجوافة وغيرها... وفي السوق مجموعة كبيرة من البازارات تبيع أنواع المشغولات اليدوية من حلى ومجوهرات ومصوغات فضية وذهبية بالإضافة الى الأواني المصنوعة من سعف النخل والأواني الحجرية المقالي. كما يباع في السوق كل ما يمت للآثار بصلة... أسلحة بيضاء ونارية قديمة، أدوات منزلية، حلي وأدوات زينة، أزياء وملابس شعبية... تشتري من أهالي القرى لتباع للسياح الذين يفدون بأفواج كبيرة على هذه المحافظة على رغم أن القانون يحظر بيع أنواع منها...!

وتشتهر مدينة صعدة بسوق بيع الأسلحة المعروف بسوق "الطلح" ويقتني منه الناس أسلحتهم من مسدسات ورشاشات آلية محمولة وذخائر وهي أسلحة مجلوبة من مختلف بلدان العالم وخصوصاً روسيا وأوكرانيا والصين والولايات المتحدة.

ويطل على السوق أقدم معالم صعدة وأهمها على الإطلاق... جامع الإمام الهادي الذي أسسه في عام 288هـ - 900م الإمام يحيى ابن الحسين ابن القاسم الملقب بالهادي الى الحق توفى 298هـ - 910م والجامع يعد واحد من أقدم الجوامع في اليمن وما يزال يحتفظ بطابعه وشكله القديم على رغم عمليات التوسعة والترميم العديدة التي أجريت له... وتحيط بجدران الجامع من الداخل نقوش قديمة هي عبارة عن قصيدة شعرية تحكي قصة إحدى عمليات التوسعة التي شهدها في الماضي. وللجامع منبرين - قديم وجديد - ومأذنة كبيرة تشاهد من أعلاها المدينة كلها ويلحق به مجموعة من القباب تحوي قبور الإمام الهادي وابنه القاسم وزوجته وأحفاده، إضافة الى 42 غرفة يبيت فيها من يطلق عليهم بـالمهاجرين وهم من يقصدون الجامع من مناطق بعيدة بهدف التعبد، كما يلحق به بناء كبير مبني من الطين مكون من 82 غرفة يعرف شعبياً بـالسمسرة عمره من عمر الجامع تقريباً وكان يستخدم ولا يزال كمخازن للعائدات التي تأتي في أوقاف الجامع وهي كبيرة جداً ومعظمها محاصيل وحبوب زراعية ينتفع بها القائمون على الجامع وطلاب العلم والمهاجرون.

وحول جامع الإمام الهادي وتحديداً منذ 910 ميلادية نشأت مدينة صعدة القديمة وتوسعت على مر السنين وأحيطت كل حارة بسور خاص بها وتوقف زحف عمرانها بعد أن طوقت كلها بسور جديد سنة ـ940هـ - 1533م ومن حاراتها وأحيائها التي ما زالت حتى الآن تحتفظ بطابعها القديم حارات: شيبان، عليان، الجربة، الدوار، سمارة، الهادي، القصر، السلام... وحينما تتجول في هذه الأحياء، في شوارعها الضيقة وأزقتها الأكثر ضيقاً يداهمك شعور بأنك خارج زمانك وعصرك وكأنك عدت الى الوراء أكثر من 1000 سنة، يأسرك المكان بتاريخه الذي يفرض حضوره بقوة، وتبهرك مبانيها العتيقة المشيّدة من الطين بقسماتها الجميلة وتكوينها البديع وطابعها المعماري الفريد... وأبوابها ونوافذها الخشبية المزخرفة بالنقوش والتي تعلوها العقود "القمريات" التي يتميز بها الطابع المعماري اليمني عن غيره.

ولا تكمل متعة الزائر لصعدة إلا بالصعود على سورها الذي يعود تاريخه بشكله الحالي الى أكثر من خمسمائة سنة حينما شيده الإمام المتوكل يحيى شرف الدين 1506م - 1557م وارتفاع السور غير منتظم ويصل في بعض الأجزاء الى خمسة أمتار، أما سماكته أو عرضه فيزيد عن الثلاثة أمتار وطوله يقترب من الأربعة كلم وهو يحيط بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم ويمكن للمتجول عليه أن يرى معظم معالم المدينة القديمة
وله خمسة أبواب هي: باب اليمن، نجران، المنصورة، جعران، السلام... ولأنه مبني من الطين بدأت بعض أجزاءه في التساقط... والطريقة التي صمم بها السور تظهر وعي قدماء اليمنيين بفنون الدفاع فعلى سبيل المثال صممت أبواب السور بحيث تمكن حراسها من رؤية الشخص القادم بينما هذا الأخير لا يراهم...!

وصعدة واحدة من مجموعة مدن يمنية تمتلك بالإضافة الى رصيدها التاريخي قيمة روحية وفكرية عظيمة تجعلها على الدوام موطناً لعلماء الدين ولطلاب العلم، إلا أن صعدة تتميز عن غيرها بالتناقض الصارخ والمدهش في تركيبتها الاجتماعية وذلك من النواحي العرقية والدينية والثقافية والفكرية وحتى السياسية وهي تناقضات تغذي بعضها البعض ورثت من مراحل وعصور تاريخية مختلفة تعود الى مئات السنين عاشتها اليمن كلها لكن صعدة احتفظت لنفسها ببصمة لكل منها.

ففي صعدة بقايا الديانة اليهودية التي دخلت اليمن قبل الميلاد إذ يعيش في ضواحيها مئات من اليهود اليمنيين معظمهم يعمل بالحرف اليدوية ويميزون أنفسهم بزنانير ظفائر من الشعر تتدلى الى أعناقهم. وفي إطار المذهب الزيدي الذي يتمذهب به أبناء صعدة وجزء من الشعب اليمني وهو يعد أقرب مذاهب الشيعة الى السنة مذهب الجزء الآخر من الشعب توجد الهادوية وهي وفقاً لتعريف الموسوعة اليمنية ومصادر أخرى فرقة من فرق الزيدية تنسب آراؤها الفقهية الى الإمام الهادي الى الحق يحيى ابن الحسين الذي أسس دولة الأئمة الزيدية في اليمن انطلاقاً من صعدة عام 897م واستمر حكمها بين الضعف والقوة طوال إحدى عشر قرناً الى أن سقط نظام آخر أئمتها البدر بن أحمد يحيى حميد الدين مع قيام ثورة 26 أيلول سبتمبر 1962 التي أسست النظام الجمهوري، ويتخذ أتباع هذا المذهب من جامع الإمام الهادي حيث قبره وقبور آله مزاراً ومحجاً ويؤخذ عليهم تعصبهم المذهبي. وفي وادعة - إحدى ضواحي صعدة - يقطن الشيخ مقبل الوادعي وهو واحد من كبار علماء الحديث في العالم الإسلامي ورمزاً من رموز التيار السلفي يقصده أتباعه من مختلف أنحاء اليمن ومن مختلف أنحاء العالم الإسلامي قبل أن تضع الدولة حداً لذلك لتلقي علوم الحديث والسنة النبوية على يديه ويستضيفهم في مجمع سكني كبير يعلوه مسجد يستخدم كمدرسة.

ويوجد في صعدة من يطلق عليهم بـ"السادة" وهم مجموعة عائلات وأسر تنتمي الى بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت الى وقت قريب تشكل نخبة المجتمع وفئة ارستقراطية تحتكر الثروة والسلطة والعلم وتغير هذا الوضع كثيراً بعد قيام ثورة سبتمبر التي قلصت من هذه الامتيازات لمصلحة توسيع قاعدة المشاركة في الثلاثي السابق الذي كان وما يزال محور الصراع في اليمن. ويعيش في المدينة آلاف من المواطنين ممن يتمذهبون بالمذهب الشافعي قدموا من محافظات أخرى ويشغلون وظائف في المكاتب الحكومية ويزاولون أعمال التجارة وبعض الحرف وهي أعمال وحرف كان أبناء القبائل في صعدة يأنفون ممارستها بسبب بعض الأعراف القبلية التي تحتقر هذه المهن وهي أعراف بدأت تنقرض وخصوصاً في إطار المدينة التي تشهد نشاطاً تجارياً واستثمارياً كبيراً يشكل عنصر جذب للأيدي العاملة
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
/خالد أحمد السفياني –
– النقوش والرسومات الصخرية في المسلحقات عمرها 5000 سنة و”قصر كهلان ” الحميري مازالت آثاره في القلات

● تعد مدينة صعدة “ عاصمة المحافظة ” واحدة من أهم المدن التاريخية والأثرية في اليمن حيث تضم في طياتها العديد من المعالم التاريخية الإسلامية والشواهد الأثرية القديمة التي ظلت صامدة وشامخة رغم تقادم الزمن وتقلبات العصور والأحداث الجسام التي جرت في ساحاتها عبر القرون الماضية .
والزائر لمدنية صعدة يستشعر للوهلة الأولى بثمة عناق بين الأزمنة فالماضي لا تزال بعض مظاهره وصوره وآثاره في حاضر المدينة فيما يطل المستقبل ببعض ملامحه راسماٍ صورة الغد الذي سيأتي حيث يشعر الزائر بأنه يرى أمام عينيه صور متفاوتة ومتباينة تحكي الأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل كما تتدخل فيها الفصول الأربعة الشتاء والخريف والصيف والربيع ولا يستشعرها الناس إلا من خلال تناوب فواكه المواسم التفاح والرمان والحمضيات والبرتقال .
إن كثيراٍ من المدن اليمنية والعربية لا تحكي صورتها العامة ومظاهرها إلا حاضرها فقط باستثناء مدن قديمة تجمع أجواءها بين عبق التاريخ والزمن الماضي والحاضر المعاش وفي مقدمتها “ مدينة صعدة ” التاريخية التي تعتبر المدنية العربية الوحيدة التي مازالت داخل سور أثري وتاريخي متكامل حتى اليوم .

معالم أثرية ونقوش صخرية
تقع مدينة صعدة في الجزء الجنوبي لقاع صعدة الرحب المسمى بـ”الصعيد ” وتحيط بها الجبال من الناحية الجنوبية والشرقية والغربية حيث تنتصب في قمم هذه الجبال القلاع والحصون الأثرية والتاريخية كـ”حصن العبلاء ” الأثري من الناحية الشرقية وهو حصن شيد قبل الإسلام وترجع مصادر تاريخية إن في هذا الحصن كانت توقد النار التي كانت تعبدها اليمن في تلك الحقبة الزمنية وبجاور العبلاء سلسلة جبلية تتجه نحو الشرق يطلق عليها “ كهلان ” ويوجد بها هضاب جبلية صغيرة تعرف بـ”المسلحقات ” يوجد بها نقوش ورسومات صخرية وكتابات باللغة الحميرية القديمة وأكدت البعثات الأثرية أن هذه النقوش والرسومات الصخرية تعود إلى ما قبل 5000 سنة تقريباٍ وفي شرق المسلحقات توجد أعمدة رخامية طويلة وكبيرة يصل طولها إلى 2 . 5 متر لكل عمود متناثرة تؤكد أن “ قصر كهلان الأثري ” الذي شيد في عصر الدولة الحميرية الأولى قد شيد في هذا الموقع في منطقة “ القْلات ”.

ثاني السدود القديمة في اليمن
ومن جنوب المدينة يوجد جبلي “ الصمع ” و”السنارة ” وفي قمة كل منهما قلعة ضخمة ذات بناء إسلامي هما “ قلعة السنارة ” و”حصن الصمع ” وقد شيدا في ظروف الاحتلال العثماني لليمن وبين الجبلين توجد منطقة “ الخانق ” وهي عبارة عن مضيق جبلي شيد فيه “ سد الخانق ” الشهير قبل الإسلام وعرفت بأسم “ منطقة الخنفرين ” والتي منها القيل اليماني محمد بن أبان الخنفري ويعد هذا السد ثاني أهم وأكبر السدود في اليمن بعد سد مارب في العصر القديم وظل باقياٍ حتى هدمه القائد العباسي المعروف إبراهيم بن موسى العلوي الملقب بالجزار عند دخوله صعدة وتدميرها وهدم السد في 200 هـ .
وفي جنوب المدنية يوجد أيضا “ جبل تلمص ” وبه آثار حصن تلمص القديم حيث كان هذا الحصن مقراٍ للوالي الحميري نوال بن عتيك والذي كان والياٍ للملك سيف بن ذي يزن على مخلاف صعدة وكان والياٍ جباراٍ مولعاٍ بسفك الدماء “ جبل تلمص ” هو الموقع الذي نشأت فيه صعدة الأولى الأقدم وقد ظلت عامرة حتى دمرت على يد الأمام أحمد بن سليمان بن المطهر في القرن الخامس الهجري .
كما أن مسجد صعدة الذي شيدة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في السنة السادسة للهجرة ضمن ثلاثة مساجد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببنائها في اليمن وهي “ مسجد صنعاء ” و”مسجد الجند ” و”مسجد صعدة ” ويطلق على هذه المساجد بالمساجد الشريفة لأنها شيدت بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ذات العام ويعتقد أن هذا المسجد شيد في هذا الموقع الأثري و”تلمص ” بكل مآثرها باستثناء حصنها مطمورة كلياٍ وتم العثور على آثار وشواهد خلال سنوات مضت من قبل الأهالي خلال عملية بناء المنازل لهم وهناك الكثير من الآثار والشواهد التي لا يتسع الحيز لذكرها .
في قلب المدينة التاريخية
عندما يلج المرء مدينة صعدة القديمة من أحد الأبواب الأربعة السور صعدة يجد أمامه مدينة تاريخية يتصاعد منها عبق التاريخ القديم أحياء عدة شيدت البيوت جوار بعضها البعض في خط طويل من جانبين يتوسطهما شارع ينتهي بأبواب مستقلة “ مداخل ومخارج ” لكل حي وشيدت هذه البيوت من الطين “ الزابور ” بأشكال وصور متباينة وبنمط عمارة موحدة هي “ العمارة الإسلامية ” في القرنين الخامس والسادس الهجري وتعد الأحياء الشمالية “ حي
ة مازالوا يمتهنون هذه الحرفة حتى اليوم كابراٍ عن كابر وهذا أعطى مقبرة القرضين أهمية تاريخية كبيرة فمن خلال هذه الشواهد التاريخية والأضرحة مفردها “ ضريح ” تم العرف على تراجم كثير من العلماء العظام في اليمن أمثال “ ابن الزحيف ابراهيم الكينعي ابن مظفر الدواري بهران …” ومن خلال هذه الأضرحة تم التعرف على أنساب كثير من الأسر والتقاء هذه الأسر ببعضها واتصال بعض هذه الأسر برجال من الصحابة حيث أكدت بعض هذه الشواهد القديمة انتساب بعض الأسر ومنها آل عقبة إلى الصحابي الجليل عمرو بن معد يكرب الزبيدي وبعضها إلى الصحابي الجليل سلمان الفارسي وغير ذلك إن مقبرة القرضين في حد ذاتها تاريخ مستقل تدفع المرء إلى الانبهار والإعجاب بها وقد الفت عن مضامين شواهدها وأعلام الرجال المدفونين فيها كتب مستقلة منها كتاب لمؤلف مصري يدعى “ شحاتة ” حول الشواهد الأثرية في المقبرة
عليان ” “ السفال ” “ المصموط ” شيبان ” أقدم هذه الأحياء وهناك قرابة 27 مسجداٍ تاريخياٍ قديماٍ في المدينة لكن اهمها واعظمها “ جامع الهادي ” الذي اختطه الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي سنة 284هـ وشيد جامعه الموجود في الجزء القبلي للمسجد وتوفي وهو دون القامة وشهد الجامع توسيعات عديدة وأضافات منها تشيد المئذنة في 751 هـ على يد المهدي علي بن محمد والتوسعة الكبرى التي أقامها شمس الدين بن شرف الدين في 947 هـ إبان النضال ضد الاحتلال العثماني حيث تم استكمال بناء المسجد من ثلاثة اتجاهات الشرقية والغربية والجنوبية لتلتقي مع الجامع الأصلي لتشكل مربعاٍ وسطه شمسية “ صوح كبير ” مماثل للجامع الكبير بصنعاء ثم جاء القاسم بن محمد بن القاسم وأبناؤه من بعده خلال حكمهم لليمن ليضيفوا المشاهد الخلفية ذات القباب الرائعة والتطريزات المعمارية الفريدة من الداخل وبها قبور الهادي وابناؤه والمهدي علي بن محمد وعدد من امراء القاسم إبان الدولة القاسمية في القرن الحادي عشر الهجري .
ويعتبر جامع الهادي من أروع وأجمل المساجد التاريخية في اليمن يعكس طراز العمارة الإسلامية اليمنية وتعكس ابداعات المعماريين اليمنيين القدماء في الزخرفة والتشييد والبناء وهو من أهم ملامح ومعالم المدينة القديمة .
وفي الجامع “ المؤخر ” الذي شيده شمس الدين بن شرف الدين نقوش وزخرفة وحزام كتبت عليه قصيدة رائعة ذكر فيها تاريخ تشييد وبناء المسجد في 947هـ .

روعة التخطيط والبناء
وعلى مقرية من جامع الهادي تنتصب “ قلعة صعدة ” داخل سورها الطيني القديم وقد أقيمت على هضبة متوسطة كانت مادة الحديد تصهر فيها وتشكلت من خبث الحديد وبقايا اعمال الصهر للحديد حيث كان يوجد قرابة 3000 فرن بدائي لصهر الحديد في مدينة صعدة في القرنين السادس والسابع وزادت بعد ذلك وكانت تصدر مادة الحديد إلى تركيا في القرن العاشر الهجري القلعة حجرية ذات طوابق أربعة ضخمة البنيان دائرية الشكل وواجهة للمدنية ويحيط بها سور طيني في قمة الروعة الهندسية والبناء ويوجد بداخل السور مرافق ومباني حراسة وترتبط القلعة بنفق تحت الأرض إلى خارج السور وقد شيدت في 947هـ على يد الأمير شمس الدين بن شرف الدين بن المطهر الذي شيد تكملة جامع الهادي وشيد سور صعدة الذي يحيط بالمدنية دائرياٍ وله أربعة أبواب “ باب جعراف ” الشرقي و”باب اليمن ” الجنوبي و”باب نجران ” الشمالي و”باب ستران ” الغربي وكان شمس الدين قد اقام قصراٍ لأخيه المطهر بن شرف الدين عند الباب الغربي من الداخل وقد تدمر ونشأت في موقعه “ حارة القصر ” وكان المطهر ملكاٍ مهابا قاد اليمن في نضالاتهم ضد الأتراك العثمانيين في القرن العاشر الهجري وكبدهم هزائم مرة في ثلاء وصعدة وصنعاء وغيرها .
ويمتد سور صعدة دائرياٍ بطول 4 . 5 كم وبشكل متعرج وبارتفاع 6 - 8 أمتار وعرض 2 - 2 . 5 متر وساتر في اعلاه به فتحات مايلة كانت تستخدم للقنص دفاعاٍ عن السور وبه عدد ابراج ونوب للحراسة عند المداخل الأربعة وصممت تعاريج لأخفاء أبواب السور ولا يضاهي روعة بنائة إلا روعة التخطيط والتمويه والحصانة فقد شيد لأغراض حربية وعسكرية بحتة في فترة النضال ضد الاحتلال العثماني الأول لليمن .

مقبرة القرضين
> ولعل ابرز ما يلفت نظر الزائر لمدينة صعدة هي تلك المقابر الواسعة الامتداد غرب وشمال المدنية القديمة والتي تشكل مساحتها أكبر من مدينة صعدة نفسها ويزيد عدد الموتى فيها عن عدد سكان المدنية حيث يقدر عمرها بثمانية قرون كاملة وتعود أقدم القبور فيها إلى القرن السادس الهجرة كما هو موضع في الشواهد والأضرحة الكبيرة المنصوبة عليها وتسمى المقبرة بـ”القرضين ” وهي أكبر مقابر اليمن وثاني مقبرة على مستوى الوطن العربي برغم أن العمران الحديث اقتص اجزاء منها واقيمت بعض البنايات الجديدة بعد أن ازيلت القبور من مواقعها مستدلين بقول بعض الفقهاء أن “ الحي أبقى وأولى من الميت بالانتفاع بهذه الأرض ” وقد سورت اجزاء مقبرة القرضين في 1986م خشية من توسع العمران فيها .
أن مقبرة القرضين بصعدة واحدة من أعجب المقابر تتناثر فيها القباب القديمة التي شيدت بين القرنين السادس والعاشر الهجري فوق أضرحة بعض كبار العلماء والحكام علاوة على أن كل القبور في هذه المقبرة عليها أضرحة حجرية كبيرة وضعت على شكل زوايا حادة وهي مصنوعة من احجار البلق البيضاء وكعادة الصعديين في دفن الموتى يكتب أسم الميت ونسبه كاملاٍ ليصل إلى أثني عشر اسماٍ وتاريخ وفاته وصفته واعماله إن كان من كبار العلماء والفقهاء ورجال والقضاة وبعض السور القصيرة كسورتي “ الفاتحة ” و”الإخلاص ” ويتم الكتابة والنقش على الأضرحة بخطوط جميلة من خلال عمال متخصصوين ومهرة في نقش الأضرح
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الامام ؛ المُتوكل
الذي وحد اليمن ....
والذي طغى في البلاد!!

بخروج الأتراك من اليمن، منتصف القرن الـ «11» الهجري، صار «اليمن الأسفل» ميراثاً سهلاً لـ «الدولة القاسمية»، لتدخل «الزيدية» دولة، ومذهب، مرحلة اختبار حقيقي، في كيفية تعاملها مع الآخر، ظلت فتاوي الفقهاء حول ذلك تراوح مكانها، حتى تولى الإمامة الفقيه المُتعصب «المتوكل» إسماعيل، صنع الأخير بفتاويه أعداء وهميين، احتوى أقاربه الطامحين، وجيش القبائل المتعطشة للفيد جنوباً، مؤسساً بذلك اسوأ احتلال عرفته تلك المناطق، على مدى تاريخها.
 
قاد القاسم بن محمد، مؤسس «الدولة القاسمية»، مقاومة عنيفة ضد الأتراك، بعد أكثر من «7» عقود من تواجدهم الأول في اليمن، مُستغلاً ركونهم للاستقرار، وتقليصهم لعدد قواتهم، ليعلن مع مطلع العام «1006هـ»، من جبل «قارة»، بنفسه إماماً، مسنوداً بعدد من القبائل المتُحفزة، وتلقب بـ «المنصور».
 
بِسرعة خاطفة سيطر على أغلب مناطق «اليمن الأعلى»، وبسرعة خاطفة خسرها، بعد أن تم إسناد الوالي العثماني حسن باشا، بالمال والرجال، صد الأخير توغلاته، وحصره وأنصاره في حصن «شهارة»، لينجح «المنصور» في العام «1016هـ» بالهروب متخفياً، تاركاً ولده «محمد» مكانه، لم يصمد «الابن» كثيراً، فخرج طالباً الأمان.
 
أما «الأب» فقد ذهب وجماعة من أصحابه إلى منطقة منقطعة، حتى انقطعت أخباره، لم يمض وقت طويل، حتى ظهر واستعاد مكانته الدينية والقبلية، دارت حروب كثيرة بينه وبين الأتراك، نجحوا في أسر ولده «الحسن»، ساوموه بالإفراج عنه، مقابل انسحابه من المناطق التي استولى عليها، رفض مطلبهم، فشلوا في تحقيق أي نصر عليه، فاعترفوا بسلطاته على مناطق شمال الشمال.
 
توفى «المنصور» مُنتصف العام «1029هـ»، خلفه ولده «محمد»، وتلقب بـ «المؤيد»، وفي العام التالي، هرب الأمير الأسير من سجنه بصنعاء، وفي العام الذي يليه، عمَّ القحط البلاد، تجددت المواجهات، وجُددت المصالحة، لم تدم طويلاً، نقضها «المؤيد» مطلع العام «1036هـ»، حقق انتصارات خاطفة وسريعة، تجسدت بعد عامين، بدخول قواته «إب، ثم صنعاء، ثم تعز»، بقيادة أخواه «الحسن» و«الحسين»، لينتهي التواجد التُركي الأول، بخروجهم من تهامة نهاية العام «1046هـ».
 
الصراع «القاسمي ـ القاسمي» أبتدأ منتصف العام «1049هـ»، بتمرد أحمد بن الحسن، على عمه «المؤيد»، اعتراضاً على عدم إحلاله مكان أبيه المتوفي، ناصرته بعض القبائل، دارت مواجهات محدودة، كلفت الجانبين عشرات الضحاياً، تم الصلح، فكان للأمير المُتمرد خيار الذهاب إلى «الغراس»، ليستقر في حصن «ذي مرمر»، على أوضاع جُعلت بين يديه، فيها كفايته وكفاية أصحابه.
 
مع بداية العام «1051هـ» تجدد ذات الصراع، بعد رفض الأمير الطامح تسليم خزنة أبيه، وجه «المؤيد» عماله بالقبض عليه، هرب إلى «قعطبة»، لحق به العسكر، هزموه، اخذوا الخزنة، أكمل مسيره صوب عدن، أواه صاحبها، الحسين ابن عبد القادر، ثم توجه إلى «يافع»، تزوج منهم، وعاود بهم غاراته على «قعطبة»، نجح «المؤيد» في استمالته، فانتهت القطيعة، وهمد الخلاف.
 
ومن طريف ما يروى، أن أمير «اللحية» النقيب سعيد المجزبي، نجح في تلك الفترة، بأسر حوالي «70» جندياً «برتغالياً»، كانوا يتحرشون بسواحل البحر الأحمر، أرسلهم إلى «شهارة»، عرض «المؤيد» عليهم الإسلام، أسلموا حفاظاً على رقابهم، فوجه بـ «ختانهم» على الفور.
 
توفي «المؤيد»، منتصف العام «1054هـ»، أعلن أخواه «أحمد» من «شهارة»، و«اسماعيل» من «ضوران»، بنفسيهما إمامين منفصلين، تلقب الأول بـ «الداعي»، وتلقب الثاني بـ «المتوكل»، قال المؤرخ «ابن الوزير»، في كتابه «طبق الحلوى»، عن ذلك: «ورجح المتوكل من رجح، لرسوخ قدمه في العلوم سيما الفقه، ورجح أخاه من رجح، لتقدم دعوته، وتوسم أنه أنهض»، كما أعلن ابن أخيهما محمد بن الحسن، بنفسه إماماً على مناطق «اليمن الأسفل».
 
تخلى محمد بن الحسن، عن دعوته، وساند عمه «المتوكل»، ونجح وأخيه «أحمد»، باستقطاب قبائل «خولان» و«الحداء» و«سنحان»، وتوجها بهم لحصار صنعاء، التي كانت حينها تحت قبضة أنصار «الداعي»، ومن «شهارة» عزم الأخير، على التوجه إليها، وحين بلغه نبأ حصارها، غير مساره نحو «ثلا»، لحق به محمد بن الحسن، لتدور معركة وحيدة وفاصلة، هُزم فيها، فخرج طالباً الأمان، مكملاً مسيره إلى «ضوران»، خاضعاً مُبايعاً.
 
توجس «المتوكل» إسماعيل خيفة من طموحات أقاربه، ومن أطماع قبائل الفيد المتوحشة، واستباقاً لأي طارئ، قد يعترض مسار إمامته، وجه جيشه القبلي المُنتشي بالنصر صوب عدن، وجعل عليه ابن أخيه الأمير الطامح أحمد بن الحسن، لم تكن الجولة الأولى للحرب لصالح الأخير، خسر مئات الأفراد، حتى أفرد لهم صاحب «عدن وأبين»، الحسين بن عبد القادر، مقبرة كبيرة، احتوتهم، وسميت باسمه.
 
كانت الجولة الثانية من الحرب، لصالح «ابن الحسن»، أقتحم عدن، وضمها لإقطاعيات «الدولة القاسمية»، وعاد إلى الحضرة الإمامية مزهواً بالنصر، بعد أن جعل عليها من ينوب عنه، أم
ا صاحبها وصاحبه، من أواه بالأمس، فقد «لجأ إلى يافع، بعد أن علم أن ليس له عاصم ولا نافع».
 
خطب بدر بن عمر الكثيري «صاحب حضرموت، والشحر، وظفار» لـ «المتوكل» إسماعيل، مطلع العام «1064هـ»، وأشيع حينها أنه أصبح «زيدي» المذهب، الأمر الذي ألب عليه كبراء دولته، قبضوا عليه بمساعدة ابن أخيه بدر بن عبد الله، زجوا به بالسجن، ونصبوا الأخير سلطاناً.
 
في مطلع العام التالي، حشد «المتوكل» زهاء «10,000» مقاتل، لإخضاع المناطق الجنوبية وحضرموت، ممهداً لذلك بمراسلة المشايخ والسلاطين، وحثهم على الانضمام إلى دولته سلماً، أستعد «الهيثمي» و«العولقي» و«الواحدي»، و«الفضلي»، و«هرهره»، و«الكثيري»، للمواجهة، فيما تولى حليفهم حسين الرصاص، شيخ البيضاء، قيادة المقاومة، وتنظيم حشودها، إلا أنهم خذلوه، وتركوه وحيداً، مع أول مواجهة.
 
نجح عساكر «المتوكل» بمساعدة بعض قبائل يافع؛ في تطويق «الرصاص» وقواته، من أكثر من اتجاه، أستبسل الأخير حتى لقي حتفه، مثَّل «المتفيدون» بجثته، ثم حزوا رأسه، وأرسلوه للحضرة الإمامية، حل أخوه «محمد» مكانه، انحاز بأهله وعشيرته وأنصاره إلى البيضاء، مُفسحاً الطريق للعساكر الغازية.
 
كانت «يافع» الوجهة التالية، رفض الشيخ عبدالله هرره الخضوع لـ «الدولة القاسمية»، واحتمى ومن معه بالشواهق العالية، وحين جاءه المدد من حضرموت، بقيادة الشريف سالم بن حسين الحسيني، تقطع له عساكر «المتوكل» في «دثينة»، ولم يكن أمامه حينها من خيار، سوى الاستبسال والمقاومة، على الرغم من قلة العدة، وضعف العتاد.
 
نجح عساكر «المتوكل» في اقتحام جبل «العر»، بوابة يافع الشمالية، بعد أكثر من محاولة فاشلة، فشل أبناء «يافع» في استعادته، بسبب البنادق ورصاصها الذائبة، التي كانت تتلقفهم الواحد تلو الأخر، وما أن علموا بوصول الأمير أحمد بن الحسن، ومعه حشد كبير من القبائل، حتى راعهم المشهد، فأعلنوا استسلامهم، طالبين الأمان، من صهرهم، وحليفهم بالأمس.
 
دخل سلاطين ومشايخ الجنوب، مذلة الخضوع لـ «الدولة القاسمية»، فحق فيهم المثل القائل: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، حتى سُلطان حضرموت، أطلق عمه من الحبس، وأعاد الخطبة لـ «المتوكل»، وجه الأخير بإرسال السلطان المفرج عنه إلى «ظفار»، والياً عليها، لتتوحد بذلك اليمن للمرة الخامسة في تاريخها، إلا أن تلك الوحدة تخللها خلال سنواتها الأولى، تمرد في «يافع»، وثورة في «حضرموت»، وتقطع في «أحور»، وانفصال في «ظفار».
 
طرد أبناء «يافع» عاملهم شرف الدين بن المطهر، حافياً؛ وقتلوا بعض أصحابه، أرسل إليهم «المتوكل» ولده «محمد»، بجيش كبير، لتبدأ مع وصوله بحلول العام «1066هـ» حرب عصابات، كلفته الكثير، قاد تمرد «يافع» الشيخان «الناخبي» و«ابن العفيف»، هُزم الأخير، فطلب الأمان، أما «الناخبي» فصمد وقتل عشرات العساكر، جلهم من «آنس»، وحين استسلم طالباً الأمان، قتله أبناء ذات القبيلة غدراً، انتقاماً لقتلاهم.
 
وفي حضرموت، توجه جعفر بن عبدالله الكثيري، نهاية العام «1068هـ»، صوب «ظفار»، بإيعاز من أخيه السُلطان، استولى عليها، وطرد عمه منها، وقتل ابنه، ليرسل إليهم «المتوكل» مع نهاية العام التالي، ابن أخيه، أحمد بن الحسن، بجيش كبير، كادت صحراء مأرب أن تفتك به، فتم تعزيزه بجيش آخر عن طريق «رداع».
 
استبقى أحمد بن الحسن حشد من عساكره في الطريق، لحراستها، وتأمين وصول الإمدادات، وجعل عليهم محمد بن أبي الرجال، أرسل الأخير «20» فرداً إلى «أحور»، طالباً من الأهالي جمالهم، لحمل بعض المؤن، رفضوا، وفتكوا بالعسكر عن آخرهم، توجه إليهم بنفسه، فالحقوه بهم، اسروا من جاء معه، ثم قتلوهم.
 
أجتاح أحمد بن الحسن حضرموت «1070هـ»، بمساعدة شيخ «وادى دوعن»، عبدالله العمودي، وبعض المشايخ الذين راسلهم ورشاهم؛ بمساعدة هذا الأخير، خذل «الحضارم» سلطانهم بدر بن عبدالله، ولم يقاتل معه إلا خواصه، التجأ إلى أخواله بجبل «السناقر»، طلب لنفسه الأمان، فأعطيه، عاد «ابن الحسن»  أدراجه، بعد أن سلم حضرموت لسلطانها «الزيدي»، بدر بن عمر.
 
أما «ظفار»، فقد استولى عليها سلطان عُمان، سلطان بن سيف، وهي سيطرة لم تدم كثيراً، استعادها «الكثيريون» «1073هـ»، فجعل «المتوكل» عليها الحاج عثمان زيد، ثم الشيخ زيد بن خليل «1079هـ»، ليختلف ابن هذا الأخير، مع أهاليها، قتلوا حوالي «20» من أصحابه، فأرسل «المتوكل» عبده الحاج عثمان زيد، والياً عليها، ليتحقق في عهده، انفصال «ظفار» عن «الدولة القاسمية»، على يد أحد قادة «الدولة الكثيرية».
 
نكل «المتوكل» إسماعيل بيهود اليمن أشد تنكيل، وأشيع أنه أفتى بنهب ممتلكاتهم «1077هـ»، كي لا يبيعوها، ويذهبوا إلى فلسطين، وفي ذلك قال «ابن الوزير»: «وتنوقل هذا الكلام، حتى اتصل بكوكبان وشبام، فهتكوا حريم من عندهم من اليهود، وأخذوا ما معهم من الأثاث، والحلى والنقود، ولما صرخ الصارخ بشبام، أن هذا عن أمر الإمام، بادر أهل حاز والغرزة إلى نهب من عندهم».
 
رغم إنكار «المتوكل» لتلك الفتوى في حينه، إلا أنه
لم ينتصر لليهود «المنهوبين»، بل ضاعف من عقوبتهم، بذريعة ادعاء أحدهم الزعامة، رغم قتله إياه، وهو لم يفق بعد من سكره، يقول «ابن الوزير»: «وعند ذلك ضاعف الإمام الآداب على اليهود، وأسقط عمائمهم عن الرؤوس، ورفع كبارهم إلى الحبوس»، ليرفع عنهم تلك العقوبات «1080هـ»، بعد أن أسلم بعضهم، ومات أغلبهم من الجوع.
 
كان «المتوكل» إسماعيل شديد التعصب لمذهبه، لديه فتوى شهيرة كفر بها أبناء المناطق الشافعية، أسماها «إرشاد السامع، في جواز أخذ أموال الشوافع»، ألزم فيها «الشوافع» بدفع الجزية، تحت مسميات عديدة، كما ألزمهم بفتوى أخرى، أن يزيدوا في الأذان بـ «حي على خير العمل»؛ وترك الترضي عن الشيخين؛ وحين وصل إليه بعض مشايخ «جبل صبر»، بداية العام «1083هـ»، شاكين من عاملهم راجح الأنسي، أعرض عنهم، وأنتصر للعامل الظالم.
 
يقول «ابن الوزير»: «ولما أعرض عنهم الإمام، لمخامل ظهرت له، تحزبوا على الخلاف، وساعدهم على ذلك أهل الحجرية الأجلاف، فكفوا يد العامل، وأشرعوا أسنة العوامل، وحذفوا حي على خير العمل من الأذان، وقتلوا من العسكر ثلثه، فوجه إليهم الإمام السيد المقدام، صالح عقبات، واعتنى محمد بن أحمد بن الحسن، في إطفاء شرارهم، وقمع أشرارهم».
 
حدثت بـ «ضوران» بعد ذلك، حوالي «30» هزة أرضية، ارتعب الناس، وضنوا قُرب قيام الساعة، وهنا يعترف «ابن الوزير»، أنها انتقام رباني، بسبب الظلم الذي طال سكان «اليمن الأسفل»، ثم عدد تلك المظالم، بقوله: «وكان قد تضاعف على أهل اليمن الأسفل، مطالب غير الزكاة، والعطرة، والكفارة، مثل مطلب الصلاة على المصلي، وغيره، ومطلب التنباق، ومطلب الرباح، ومطلب الرصاص والبارود، ومطلب سفرة الوالي، ومطلب العيد».
 
فتوى التكفير السابق ذكرها، اصدرها «المتوكل» في البدايات الأولى لتوليه الإمامة، راجعه فيها عدد من أقاربه، وفقهاء مذهبه، بعد أن ساءهم الظلم والاعتساف الذي طال بسببها سكان «اليمن الأسفل»، إلا أنه تعصب لرأيه، وأفحمهم بقوله: «أن هذه الأصول معلومة عندنا بأدلتها القطعية، ومدونة في كتب أئمتنا».
 
وأضاف: «المجيرة والمُشبهة كفار، والكفار إذا استولوا على أرض ملكوها، ولو كانت من أراضي المسلمين، ويدخل في حكمهم من والاهم، واعتزى إليهم، ولو كان معتقده يخالف معتقدهم، وأن البلد التي تظهر فيها كلمة الكفر، بغير جوار كفرية، ولو سكنها من لا يعتقد الكفر، ولا يقول بها أهله، فإذا استفتح الإمام شيئا من البلاد التي تحت أيديهم، فله أن يضع عليها ما شاء، سواء كان أهلها ممن هو باق على ذلك المذهب، أم لا».
 
بوفاة «المتوكل» إسماعيل منتصف العام «1087هـ»، دخلت «الدولة القاسمية» نفقاً مظلماً، عمَّت الفوضى البلاد، وعاد الأخوة الأعداء ليختلفوا ويتقاتلوا من جديد، وانحصر صراعهم شمالاً، والأسوأ من ذلك، أن تصرفات «المتوكل» الرعناء، صارت سلوكاً مُريعاً، لازم غالبية الأئمة «المُستبدين» من بعده