اليمن_تاريخ_وثقافة
11.7K subscribers
145K photos
352 videos
2.21K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
ديد مكان اتصالهم. المرور في هذا الخَبْتِ، يستغرق نحو ساعة بالسيارة؛ بسرعة 80 كم. أمَّا أزواج وأقارب نِسَاء "الحُجَرِيِّة"، فكان مرورهم فيه يستغرق وقتاً أطول. ولكم أن تتصوَّروا حجم مشاعر الوحشة والخوف التي قد تنشأ في شخص أجبرته ضرورة الحياة، وانعدام وسائل النقل، على السفر مشياً على الأقدام، لساعات طويلة، في خَبْت صحراوي مُقْفِرْ.
يقول "جوجل إرث": إن المسافة من "بئر أحمد" إلى مدينة طُور البَاحَة تبلغ 84.6 كم؛ تقطعها السيارة في زمن قدره ساعة ونصف. ووفقاً للخرائط، التي ينشرها هذا الموقع، فـ"خَبْتُ الرُّجَاعْ" يحتلّ قُرابة ثلاثة أرباع هذه المسافة والمساحة الممتدة بين المكانين. وانطلاقاً من ذلك، يُمكن القول، تقديراً، أن اليمنيين القدماء، بما فيهم "أهل الحُجَرِيَّة"، كان يسيرون نحو 13 ساعة في "خَبْتِ الرُّجَاعْ" المخيف. ومن الطبيعي أن كثيرين منهم كانوا يشعرون بالخوف والوحشة خلال سيرهم على الأقدام كل تلك الساعات في خَبْتِ مُقْفِرْ يقع ضمن مناطق بدو رُحَّل عاشوا حياتهم اعتماداً على التَّقَطُّع. على أن السفر أطول وأكثر تعباً ومشقة بالنسبة للمهاجرين الأوائل؛ ذلك أن المسافة الواقعة بين عدن ومدينة التُّرْبَة، مركز "الحُجَرِيَّة"، تبلغ 146 كم. ويفيد "جوجل إرث" أنه يُمكن قطع هذه المسافة بساعتين و57 دقيقة على السيارة، وبـ 29 ساعة سيراً على الأقدام. وستكون المعاناة أكبر، إذا ما عرفنا أن "التُّرْبَة" تقع بالقرب من رأس قمة "هَيْجَة العبد" مباشرة؛ قريبة جداً من "طُوْر الباحة"، فيما المهاجرون الأوائل إلى عدن كانوا يأتون من مختلف مناطق وقرى "الحُجَرِيَّة"، بما فيها التي تبعد عن مركزها بساعتين وأكثر؛ على السيارة طبعاً.
الصعود إلى "هَيْجَة" الموت

يأخذنا الطريق إلى نقطة تفتيش أمنية تقع بين شَقُّ جبلي؛ قبل نهاية "طُوْر البَاحَة". هذه آخر نقطة تفتيش ترفع علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. النقاط التالية ترفع علم الجمهورية اليمنية. قِيْلَ أن هذه كانت إحدى نقاط الحدود الشطرية بين الشمال والجنوب، قبل الوحدة. هُنا، أو بعد ذلك بقليل، تنتهي "بِلاد الصَّبِّيْحَة"، لتبدأ "بِلاد الحُجَرِيَّة". إذا ما مضينا قُدُماً في الطريق الاسفلتي، سندخل "مَعْبَقْ"، إحدى عُزَلْ مديرية المَقَاطِرَة، أمَّا إذا انعطفنا يميناً فستأخذنا الطريق إلى "حَيْفَان"، التي تقع على بُعْد 47.5 كم. وقد فرضت علينا وجهتنا المُضِيِّ قُدُمَاً.
تتشابه الظروف البيئة والحياتية، إلى حَدّ كبير، بين "مَعْبَقْ" والأراضي المتَّصِلَة بها من "طُوْر البَاحَة". لم نستطع التمييز بين مناطق الجانبين إلَّا في طريق العودة. على أن الأرض في "مَعْبَقْ" زراعية جبلية تخلو من أي تُربة صحراوية. وعند العودة لاحظتُ أن هناك أراضي كبيرة في "طُوْر البَاحَة" صالحة للزراعة، لكنها لم تُزْرَع، فيما أهالي "مَعْبَقْ" زرعوا كل الأراضي الممكن زراعتها، وأقاموا مدرجات زراعية كثيرة في أجزاء من الجبال المحيطة بهم. لاحظتُ، أيضاً، أن بيوت الأخيرين أفضل من بيوت إخوانهم الواقعة على الطرف الآخر من الحدود الشطرية، التي أُعِيد إحيائها، فقط، في وسائل الإعلام، ونقاط قوات الحزام الأمني في عدن. أمَّا في أرض الواقع، فحياة الناس هُنا مستقرة ومتداخلة إلى درجة التماهي والاندماج.
يعود الاختلاف النسبي في المنازل إلى طبيعة المجتمعات المحلية: أهالي "الحُجَرِيَّة" مزارعون وعُمَّال، فيما أهالي "الصَّبَّيْحَة" بدو رُحَّل. كلَّما صعدنا الجبال، كلَّما وجدنا البيوت أفضل وأحدث وأكبر. لَعَلَّ بيوت "الحُجَرِيَّة" أفضل من بيوت أغلب مناطق وقُرَى الرِّيف اليمني.
ينتهي الطريق الاسفلتي وسط "مَعْبَقْ"، ثم نسير في طريق تُرابي قصير، سنهبط منه، عبر انحدار بسيط، إلى "سَائِلَة المَقَاطِرَة". المرور في هذه السَّائِلَة، الصعبة وغير المستوية، هو أسوأ ما واجهنا في سفرنا هذا. ظَلَّت السيارة في حالة اهتزاز متواصل؛ لأنها تسير فوق أحجار صغيرة. والحال كذلك، لم نستطع الثبات في مقاعدنا. وإذا كنت في رفقة سائق سريع، كالصديق عبد الرحمن، فستدُقّ رأسك في سقف السيارة أكثر من مرة.
السَّائِلَة واسعة، وعلى يمينها هناك أثر كبير لمشروع طريق لم يُنجَز. هذا الأثر، عبارة عن بناء حجري اسمنتي مرتفع كان يُراد إقامة طريق اسفلتي عليه؛ في الجانب الأيمن من السَّائِلَة، بالنسبة للصاعد "هَيْجَة العبد". من الواضح أن الطريق كان سيُقَام في أعلى البناء الحجري، بحيث تكون ملتصقة بنهاية المنحدر الجبلي. والهدف من البناء المرتفع هو إبقاء سيول الأمطار في الأسفل، وسط السَّائِلَة، بعيداً عن السيارات والمارة. يعود هذا المشروع إلى عام 2007م، وقِيْلَ أنه توقف؛ لأن بعض الأهالي مَنَعُوا الشركة المنفذة من إقامة البناء الحجري في بعض جوانب السَّائلة؛ بدعوى أنه سيجعل الطريق تَمُرُّ في مناطق خاصة بهم! وتأكيداً لذلك، يتوقف البناء الحَجَرِي في بعض الأماكن، ثم يتواصل فيما بعدها. وشاهدنا منزلاً حديثاً تم بنائه داخل الحائط ا
لحجري؛ وسط الطَّريق الذي كانت "الدولة" تعتزم إقامته للتخفيف من عبء المرور في السَّائِلَة الخطرة، والتي يتوقف المرور فيها عند نزول سيول الأمطار. وهكذا، حال ضُعف "الدولة" دون إقامة طريق عام بالغ الأهمية. على أن المشكلة والكارثة الأكبر تقع في الأعلى.
نصعد "هَيْجَة العبد" ببطء. الطريق دون صيانة، ودون مصدَّات حماية. ولا يكمن الخطر في حقيقة أن هذه الطريق متهالكة، بل، أيضاً، في أنها عبارة عن التفافات التوائية ضيقة ومتكررة؛ أبسط خطأ فيها يعني الموت. إلى اليمين، شاهدنا بيوت قديمة بُنِيَت في مواقع متفرقة من الجبل الشاهق. بعضها على تلال صخرية يبدو أن الوصول إليها صعباً، ما بالك في البناء. مازال الناس يسكنون في هذه البيوت، ويستغرقون أوقاتاً طويلة للصعود إليها أو النزول منها. تستغرب كيف بَنَوها هناك، وكيف مازالوا مستمرين في العيش داخلها؟!؛ مع كل ما يتطلَّبَهُ ذلك من عناء ومشقة يومية. وفي أعلى الجبل تَطِلُّ عدد من البيوت، في مشهد خرافي.
في الجزء الأيسر من قمة الجبل، تنتصب "قَلعة المَقَاطِرَة" شامخة، وشاهدة على بطولة استثنائية سَطَّرَها أبناء هذه البلاد في قِتَال جيش "الإِمَام" يحيى حميد الدين، في عشرينات القرن الماضي. حتى "نساء المَقَاطِرَة" اشتركن في تلك الحرب، إذ "كن يرمين الجيش الإِمَامِيِّ بالحجارة ويضربنه بالفؤوس"؛ كما قال "البردوني" في كتاب "اليمن الجمهوري". ولا ننسَ أن "أبناء الأكَاحِلَة" شاركوا بفاعلية في تلك البطولة العظيمة.
سينما قديمة في الرِّيف

أخيراً، وَصَلنا قمة "هَيْجَة العبد"، وانعطفنا يميناً. ما إن غادرنا الشَّقْ الجبلي، الذي تَمُرُّ منه طريق الاسفلت عند القمة، حتى رأينا عدداً كبيراً من المنازل والقرى تنتشر في كل الجهات. على بُعْد أمتار، وقفنا في نقطة تفتيش تابعة لقوات الأمن الخاصة، ثم تابعنا السير، في نزول انحداري تدريجي بسيط. على يمين الطريق، تنتصب يافطة مكتوب فيها: "طريق الشيخ أحمد سيف الشَّرْجَبِيِّ"( ). تنبسط "شَرْجَبْ" على يسارنا، وعلى الجانب الآخر هناك طريق يؤدي إلى "الأكَاحِلَة"، وهناك "المَذَاحِجْ"، و"بَنِي غَازِي"، ثم "جبل صَبَرَان".
بشكل تدريجي، زاد الازدحام في الشارع الذي نَمُرُّ فيه؛ وزاد عدد المباني المرتصَّة على جانبيه، وأخذ ارتفاعها يتصاعد نحو الأعلى. مع ذلك، لم أنتبه إلى أننا وَصَلنا مدينة التُّرْبَة، وما كنت أَظُنُّ بأنها تقع على بُعد نحو عشر دقائق من "هَيْجَة العبد". لم أنتبه إلَّا عندما قال عبد الرحمن، وهو يُشِير إلى مبنى قديم ومُتهالك: "هذه السينما".
- أيش من سينما؟! سألت باندهاش.
- سينما التُّرْبَة.
- ها، قد إحنا في التُّرْبَة؟!
- أيوه، وهذا مبنى المجلس المحلي. قال ذلك، وهو يُشِير إلى مبنى حديث يقع أمام مبنى السينما، على الناصية الأخرى من الشارع.
اُفْتُتِحَتْ هذه السينما عام 1963م، وتراجع عملها في بداية التسعينات، مع ازدهار النشاط الوهابي داخل اليمن، ثم توقَّفت عن العمل عام 2000م؛ لأسباب كثيرة منها تركيز الناس على الإنترنت، و"انتعاش سوق الأفلام، وانتشار الفضائيات وسرعة مواكبتها للأفلام الجديدة"، إضافة إلى عجزها، شأن جميع دور العرض السينمائي في اليمن، "عن تغطية ما تكلفة شراء الأفلام الحديثة، وآلات العرض السينمائية"( ).
بُنِيَت دار السينما في "التُّرْبَة" على مساحة كبيرة من الأرض، وحملت اسم المدينة، كما عُرِفت بـ"سينما طارق"، نِسبة إلى نجل صاحبها عبد الكافي سفيان القدسي. هُناك من يقول إنها أول دار عرض سينمائي في تَعِزَّ. والمؤكد أنها من أوائل دور العرض السينمائية في شمال اليمن، الذي لم يعرف السينما إلَّا بعد ثورة 26 سبتمبر 1962؛ بسبب تَزَمُّت وانغلاق "الإِمَام" يحيى، ومن بعده ابنه "أحمد".
تتكوَّن "سينما التُّرْبَة" من طابقين واسعين، وفناء كبير محيط بها. كانت تُعْرَض فيها أفلام عربية وأجنبية، وعروض مسرحية. كانت "رافداً أساسياً للثقافة"، وقامت بدور تحديثي مهم في قلب ريف مُنفَتِح، ولديه رغبة حقيقية للالتحاق بالعصر. لكنها صارت، اليوم، أشبه بخرابة مُتهالكة. لقد تم تحويل أجزاء من طابقها الأرضي إلى دكاكين، أُجِّرَت لبَاعْة، فيما الجزء الداخلي الأكبر من هذا الطابق أُجِّرَ كمخزن. أمَّا طابقها الثاني، فقد تم تقسيمه إلى غُرَف أُجِّرَتْ لعدد من الطُّلَّاب الجامعيين. وفنائها، الذي كان يَضِجُّ بالحياة الحديثة ويتجمع فيه الناس قبل وبعد مشاهدة الأفلام، صار زريبة للأبقار، ومكاناً لبيع الحيوانات.
الطلاء الخارجي لـ"سينما التُّرْبَة" أصبح باهتاً. لقد أكل عليه الدهر وشَرِبَ. لسنوات طويلة، ظَلَّت هذه السينما تقاوم عوامل التعرية، وتَقَلُّب أمزجة الناس. إنها ضحية للتحولات الاجتماعية، والانتكاسات العامة، التي شهدتها البلاد. هي تجسيد حَيّ لليمن، وصورة مُصَغَّرة لها: سنوات الحماسة والاندفاع في الستينات، ثم سنوات الطموح والانفتاح في السبعينات، فسنوات البيات الشتوي والتآكل طوال العقدين التاليين، ثم الموت والخراب. إن حماسة الس
تينات، المصحوبة بالأحلام والآمال، هي التي دفعت عبد الكافي سفيان لإقامة دار عرض سينمائي في بلدة رِيفية كـ"التُّرْبَة". وفي العقد التالي، تعزَّز طموحه، ثم أخذ في التراجع، حتى توقفت فيه الحياة؛ بسبب تَغَيُّر المزاج الاجتماعي لصالح الإنترنت، والتلفزيون، وموجة التدين الوهابية. مآل هذه السينما، يشبه كثيراً المآل الذي صارت إليه اليمن؛ بفارق كبير في الكُلفة والتبعات. الزمن، هُناك، حَوَّلَ السينما إلى ما يُشبه الخَرَابَة، ومكان لبيع الحيوانات.
عام 1963م، كانت "التُّرْبَة" مجرد بلدة رِيفية. وافتتاح دار عرض سينمائي فيها، ذلك الوقت، يؤكد أن النزوع نحو التحديث بدأ مبكراً عند "أهل الحُجَرِيَّة". ويُمكن الإشارة هُنا إلى أن اهتمامهم بالتعليم كان قديماً؛ إذ يعود بدء عمل مدرستي "حَيْفَان" و"ذُبْحَانْ" إلى عشرينات القرن الفائت، و"مدرسة بني يوسف" إلى ما قبل ذلك. وقد انعكس ذلك في مسيرتهم وحياتهم اللاحقة، واستمرار تَمَيُّزَهم في الجانبين العلمي والثقافي.
رِيف استثنائي

وَصَلنا مدينة التُّرْبَة قبل دقائق من حلول ظلام المساء. وكان ثالث شيء عَرَفته فيها هو مدرسة تحمل اسم عبد الرقيب عبد الوهاب، قائد "ملحمة السبعين". قال عبد الرحمن: إن المدينة توسَّعت كثيراً، وارتفعت أسعار الأراضي فيها بشكل جنوني؛ لأسباب كثيرة بينها نُزُوح آلاف إليها، هاربين من صنعاء ومدن أخرى. ثم أضاف، وهو يبتسم: "قد معانا، في التُّرْبَة، عِمارات فيها أسانسيرات!". وبعد يومين سيُتاح لنا رؤية المدينة من على قمة مرتفعة، وستبدو أكبر من ما كُنَّا نتصَوَّر.
غادرنا "التُّرْبَة" إلى "ذُبْحَانْ"، الملتصقة بها، وبعد نحو ربع ساعة، تركنا الأخيرة وتوجَّهنا إلى منطقة أخرى تقع في الطرف الأخر من "الحُجَرِيَّة". حَرَمَنَا ظلام الليل من التمتُّع بمشاهدة المناطق والقرى التي مَرَرْنَا بها. بعد نحو ساعتين من السفر الليلي، بلغنا وجهَتَنَا، حيث كان بعض الأصدقاء في انتظارنا. تناولنا العشاء، ثم استأنفنا "تَخْزِين القات". قضينا الليل في حديث طويل عن "الحُجَرِيَّة" وما جرى ويجري فيها؛ وعن تعز بشكل عام. وفي الصباح اكتشفنا روعة المكان الذي وَصَلنا إليه ليلاً. يقع المكان قبل نهاية التقاء جبلين، وفيه أشجار طويلة تُغَطِّي أجزاء منه. صَعَدنا المدرجات الزراعية المرتصَّة على بعضها في الجبل. ما أثار انتباهي، أكثر من أي شيء آخر، هو كُبْر المداميك وارتفاع المدرجات الزراعية. لم أُشَاهِد من قبل مدرجات بهذا القدر من الارتفاع. قُلتُ إن هؤلاء الناس صنعوا أراضيهم الزراعية بأنفسهم، ولم يعثروا عليها كهبة من السماء، شأن أغلب الناس. وتذكرت ما قاله أحد الهولنديين القُدماء: "إن الله خلق العالم، أمَّا هولندا فقد خلقها الهولنديون"؛ لأن كثير من أراضيها كانت عبارة عن مستنقعات تم ردمها كي تصبح صالحة للحياة".
قضينا بقية اليوم في التنقُّل والبحث عن ما نُرِيد معرفته. صباح اليوم التالي، عُدْنَا إلى "التُّرْبَة"، مروراً بعدد غير قليل من المناطق والقُرى. وخلال ذلك، شاهدنا جمال طبيعة "الحُجَرِيَّة"، وأدركنا مدى انفتاح وتحضُّر الناس فيها. شاهدنا مجتمعاً هو أقرب إلى حياة المدينة منه إلى حياة الرِّيف. طُلَّاب وطالبات المدارس لا يبدون كأبناء رِيف. إنهم مرتَّبُون، وأثر الشمس قليل على سحناتهم؛ خلافاً لسكان بقية المناطق الرِّيفية. وإلى هذا، فأغلب البيوت جيدة وحديثة، مقارنة بمنازل غالبية قُرى اليمن. على أن الأهم هو تَمَتُّع "الحُجَرِيَّة" بشبكة طُرُق مُعَبَّدة بالإسفلت.
كل الطرق التي سِرْنَا فيها كانت مُعَبَّدَة بالإسفلت؛ باستثناء الطرق الفرعية الصغيرة، أو تلك التي داخل القرى، أو المؤدية إلى المنازل المتناثرة في التلال والجبال. لا أُبالغ إذا قُلتُ أنِّي تذكَّرت الرِّيف اللبناني؛ حيث طُرُق الإسفلت تَمُرّ بكل قرية؛ مع فارق أن الرِّيف اللبناني أكثر سحراً وتنظيماً واخضراراً وتحضُّراً.
في الرِّيف الذي أنتمي إليه، مازالت جميع الطرق الرئيسية والفرعية ترابية ووَعِرة. لَعَلَّ هذا هو ما أثار إعجابي بطبيعة "الحُجَرِيَّة". اخضرار الأشجار، زاد من جمال وسحر الطبيعة الجبلية للأخيرة. تَمُرُّ طرق الإسفلت بمرتفعات ومنخفضات جبلية، ووسط تجمعات سكانية، وأسواق ومراكز حضرية، وجوار أودية مكسُوَّة باللون الأخضر، ومُزَيَّنَة بأشجار "العِلْب". أمَّا شجرتي "القَرَضْ"، و"العَسَقْ"، فحضورهما لافت، في كل الجبال والهضاب والمرتفعات. ما يبعث على الأسف هو أن شبكة الطرق الإسفلتية بدأت في التآكل؛ لا سيما في محيط بلاد الشيخ سلطان البركاني. لكن ما يبعث على التفاؤل هو مبادرة بعض الشباب للعمل، تطوعاً، من أجل ترقيع الأماكن المتآكلة فيها بالإسمنت؛ بهدف إطالة عُمرها الافتراضي.
أُتِيح لي رؤية "وادي البركاني"، من على التَّلَّة الجبلية الواقعة قبل الوصول إليه. مازال هذا الوادي أخضراً وشديد الخصوبة، ومازالت أشجار المانجو مزروعة فيه. وحين صِرْنَا في الطريق المنبسطة على يساره، رأيت ماء جارٍ، ضعيف
فيما ترجَّلنا نحن من السيارة التي تقِلَّنا. اتَّجَهتُ مباشرة إلى الزجاج الخلفي لـ"الباص". كان عليه بوستر لاصق يتضمَّن صورة كبيرة لـ"عبد الرقيب"، محاطة بثمان صور صغيرة، كُتِبَ جوارها: "بَطَلْ حرب السبعين"، وعنوان صغير يُشِير إلى الذكرى الـ 50 لاستشهاده.
خرج نجيب عبد الوهاب (47 عاماً) من الدَّار للترحيب بنا. صافحته وهو يتأمل وجهي. عندما عَرَّفته بهويتي، قال، وهو يبتسم: "هااااا، وأنا أقول إِنِّي أعرفك". ذَكَّرَني أنه زارنا، قبل نحو تسع سنوات، إلى مقر صحيفة "الشارع" في صنعاء، عندما كانت ما تزال أسبوعية. كان هو في الـ 39 من عمره، فيما كنت أنا في بداية الثلاثينات، ولم أكن ملتحياً كالآن.
في ذلك الوقت، نَشَرْنا مادة صحفية كانت بمثابة شهادة قدَّمَها علي شعنون عن ما جرى في "ملحمة السبعين"، التي شارك فيها. بعد أيام زارنا "نجيب" إلى مقر الصحيفة بحثاً عن "شعنون".
- بعد ما أخذتُ منكم رقم شعنون، تواصلت به، ورُحت له.. وثَّقت شهادته فيديو، بالصوت والصورة.
أضاف "نجيب":
- أنا سافرت إلى محافظات ومناطق وقرى بعيدة، بحثاً عن زملاء ورفاق عبد الرقيب. التقيت بعدد منهم، وكل شيء موثَّق عندي بالصوت والصورة. كُنتُ كلَّما أسمع أن واحدا منهم مازال على قيد الحياة، أبحث عنه، وأروح له؛ كلَّما سمعت إن واحدا منهم موجود في مكان كذا، أروح له، وأسجِّل معه.
يتحدَّث "نجيب" بفخر واعتزاز عن "عبد الرقيب". لقد كَرَّس جانباً كبيراً من حياته للوفاء لشقيقه الذي قُتِلَ بعيداً عنه؛ في مواجهة غير متكافئة يغلب عليها طابع الخِسَّة والغدر. إنه نموذج للوفاء الأخوي النادر. وإذ أفاد أن شخصيات عِدَّة جاءت، من قبل، خلال فترات متقطعة، بحثاً عن المنزل الذي وُلِدَ فيه شقيقه؛ قال إنه يَرِيد تحويل الطابق الثاني من الدَّار إلى مزار يعتزم أن يعرض فيه ما تبقى من "عبد الرقيب" ورفاقه: البدلة العسكرية الخاصة بـ"عبد الرقيب"، وسلاحه الشخصي، ونحو 150 قطعة سلاح كانت خاصة به وبرفاقه، إضافة إلى البدلة العسكرية الخاصة بمحمد مهيوب الوحش، وأشياء أخرى.
قبل أن نُغادر، انتبهت إلى الروح المُبَادِرَة والقيادية التي يتمتع بها الفتى. أحد الجيران، خرج بسيارته، من فناء المنزل المجاور، يَجُرَّ عربة نقل صغيرة مُعَطَّلة. بعد أمتار، انفَكَّ الرباط الذي يَصِل العربة بالسيارة. قَفَزَ الفتى لإعادة إحكام الرباط. هذه هي روح عبد الرقيب عبد الوهاب.
ديور تعكس مدى النفوذ الذي كان يتمتع به "آل النعمان"

في طريق العودة من "ذلقيان"، توجَّهنا لزيارة ديور "آل النعمان". إنها ستة ديور مُتقاربة، ولديها ملحقات. أبرزها دار الشيخ عبد الوهاب نُعمان، الذي بُنِيَ عام 1335 هـ، كما هو منحوت على
، يسير في السَّائِلَة التي تقسمه إلى نصفين.
"الحُجَرِيَّة"، رِيف استثنائي؛ بطبيعته المتناسقة، بجباله الشاهقة، بشبكة طُرِقه الإسفلتية المتآكلة، وبأهله المكافِحون والمنفتحون على الحياة؛ أهلهُ الذين ملأوا اليمن ضجيجاً إيجابياً، وأَثَّرُوا على سير الأحداث فيها. قُلْتُ، وأنا أرى كل ذلك: هذا أهم وأفضل وأحدث رِيف في اليمن. رَدَّ صديقي "الجنوبي" (عُمَر حسن): هذا أهم وأفضل وأحدث رِيف في الجزيرة العربية.
مدرسة خاصة في قلب الرِّيف

مَرَرْنَا بـ"شجرة الغريب"، التي يُقَال إن عُمرها يُنَاهِز الألفي عام، وأن ارتفاعها "يَصِلّ إلى حوالي 16م، بينما يبلغ قطرها 8م، ومحيطها 35م". تقع هذه الشجرة في منطقة "السَّمْسَرَة"، على بُعْد 50 كم من مدينة تعز؛ على يمين الطريق الرئيسي الواصل إلى "التُّرْبَة". "السَّمْسَرَة"، التابعة لمديرية الشَّمَّايتين، هي عبارة عن منطقة "صغيرة تتوسط عِدَّة قُرَى ريفية، وتعتبر سوقاً يومياً لأبناء تلك القرى".
وفي "السَّمْسَرَة" رأيت مبنىً مطلياً بألوان باهية، وعليه يافطة تفيد أنه مدرسة خاصة. الأرجح أن عدداً كبيراً من طَلَبْة هذه المدرسة يأتوا من القُرى المجاورة. وجود مدرسة خاصة في منطقة رِيفية صغيرة كهذه، هو أمر لافت، يؤكد النزوع المديني لهذا الرِّيف.
إقامة مدرسة خاصة في منطقة رِيفية كـ"السَّمْسَرَة"، لا يرجع، فقط، إلى ارتفاع الكثافة السكانية في "الحُجَرِيَّة"، بل، أيضاً، إلى حِرص أهل هذه البلاد على تعليم أبنائهم. وهذا هو ما يُمَيِّز هذا الرِّيف عن غيره من أرياف اليمن. لم يسبق لي أن رأيت، أو سمعت بوجود مدرسة خاصة في أي قرية أو منطقة ريفية يمنية، حتى في المناطق التي ليس فيها مدارس حكومية؛ لأن أغلب أهالي قُرى الرِّيف اليمني لا يهتمون بتعليم أبنائهم، ولا يستطيعون تحمُّل تكاليف تدريسهم في مدارس خاصة.
البيت الذي وُلِدَ فيه عبد الرقيب عبد الوهاب

عُدْنَا إلى "التُّرْبَة"، صعوداً. وَصَلنا إليها قبل الظهيرة بقليل. وقبل أن ندخلها، شاهدنا "ذُبْحَان"، ممتدَّة على الجانب الأيسر منها، وفيها دِيُورْ "آل النعمان" كعلامات واضحة. على الجانب الأيمن من الطريق، قبل دخول المدينة، تنتصب صورة كبيرة لعبد الرقيب عبد الوهاب. بعد مقتله مباشرة، نُصِبَت الصورة في هذا المكان. كان ذلك بمثابة رسالة تحدي، أكد فيها "أبناء الحُجَرِيَّة" انحيازهم لهذا البطل الوطني ضد سلطة الحكم الطائفية والمناطقية التي قَتَلَتْهُ، يوم 24/ يناير/ عام 1969م، في صنعاء. وظَلَّت هذه الصورة منصوبة في مكانها طوال السبعينات والثمانينات، عندما كان الحديث عن "عبد الرقيب" من المحظورات والمحرمات. ومازالت في مكانها حتى اليوم.
أردتُ معرفة البيت الذي وُلِدَ فيه "عبد الرقيب". تَوَجَّهنا إلى "ذُبْحَانْ". وبينما نحن نسير في طريق ضيق، رأينا "باص" أجرة أمامنا، على زُجَاجِهِ الخلفي صورة كبيرة لـ"عبد الرقيب". قال الصديق عبد الرحمن، وهو يُشِير بنظره إلى "الباص": "هذا ابن نجيب عبد الوهاب". وبعد ثواني، توقَّف في محاذاته، وسأله: "وَيْنْ البيت اَلِّيِ وُلِدْ بُهْ عَمَّك عبد الرقيب؟".
- الدَّار حَقْ جَدِّيِ.
- ويْنُه؟
أدار الفتى رأسه وأشار إلى اليمين. حَالت المنازل دون رؤية الدَّار، أو التعرف على موقعه. أدرك الفتى ذلك، فسأل:
- تشْتُوا تَرُوْحُوا للدَّار؟
- أيوه.
- دَوِّرْ بالسيارة من هُناك (أشار إلى الأمام)، واِرْجَعْ.. اِمشِيِ بعدي باوَدِّيْكْ لَعِنْدُه.
بمجرد ما رأيت وجه الفتى ("عَمَّار")، شُرِغْتُ بالدمع، وشَعَرت بالحسرة تخنقني. رأيت فيه "عبد الرقيب"؛ بطلنا الوطني المغدور. رأيت فيه البطل الذي دافع عن صنعاء، ثم غَدَرَت به، وسَحَلَت جُثَّتَه في ميدانها الرئيسي. رأيت فيه البطل الذي قاد المعركة التي حالت دون سقوط ثورة سبتمبر والنظام الجمهوري، ثم تمت "تصفيته وسَحَلِهِ والتمثيل بجثته بطريقة بشعة".
الفتى (19 عاماً)، يشبه عَمَّه كثيراً. ملامحه ملامح صقر، كَعَمِّه تماماً. ومَنْ مثل عبد الرقيب عبد الوهاب في الشجاعة والإقدام؛ باستثناء صديقه محمد مهيوب الوحش، قائد مدرسة المظلات، حينها؟ "عبد الرقيب"، الذي كان، كلَّما سقط موقع أو جبل حول صنعاء، خلال "ملحمة السبعين"، يَتَّجِه إليه، متقدِّماً بعض مقاتلي "الصاعقة"، ويستعيده ببسالة وشجاعة منقطعة النظير؛ كما قال كثيرون، بينهم رفيقه العميد حمود ناجي سعيد، قائد سلاح المظلات أثناء الحصار. "عبد الرقيب"، الذي كان الناس يروه وهو "يحمل جهاز اللاسلكي على ظهره"، لإصدار الأوامر للمقاتلين، وفي نفس "يحمل على كتفه رشاشه"، محارباً في جبهات القتال؛ كما قال عمر الجاوي، في كتابه "حِصَار السبعين"، عند حديثه عن معركة تحرير "جبل عَيْبَان".
يسير الفتى "عَمَّار" في التاسعة عشرة من العمر. لونه قمحي، كعَمِّه. أوقف "الباص" جوار دار حَجَرِي قديم. بعد دقائق، سنعرف أن "عبد الرقيب" وُلِدَ في إحدى غُرَف الطابق الثاني من هذا الدَّار. توجَّه الفتى نحو المدخل المؤدي إلى باب المنزل، لاستدعاء والده،
على بابه الخشبي القديم. على اليسار يرتفع دار محمد نعمان، والد الأستاذ أحمد محمد نعمان. وإلى اليسار ما تبقى من "مدرسة ذُبْحَانْ". وفي الأسفل دارين آخرين من ديور "آل النعمان"، وفي الجهة الأخرى أكثر من دار.
في الماضي، كانت هذه المباني بمثابة قصور. وهي تعكس مدى النفوذ الذي كان يتمتع به "آل النعمان" في "الحُجَرِيَّة" وخارجها. ولإدراك حجم ذلك النفوذ، يكفي أن نُلقِي نظره على التعينات التي حَصَلُوا عليه، بفضل أحمد محمد نعمان، في "حركة 48م": لقد أُسندت وزارة الداخلية للشيخ محمد نعمان، ووزارة الزراعة لأحمد محمد نعمان، ووزارة الصحة للشيخ عبد الوهاب نعمان، كما تم إدخال عبدالله عبد الوهاب نعمان في قائمة الموظفين الشورين، حيث أسندت له وظيفة "سكرتير الأمن العام"، وتم تعيين الشيخ علي محمد نعمان "أميراً للواء رداع والبيضاء". في كتاب "رياح التغيير في اليمن"، قال أحمد محمد الشامي: إن إسناد "هذه المناصب" لـ"آل نعمان" "لفت نظر بعض الأحرار في صنعاء وغيرها". وتقتضي الإشارة هنا إلى أن أحداً منهم لم يُباشر عمله في تلك المناصب، بسبب فشل "حركة 48".
كان الشيخ عبد الوهاب نعمان "قائمقام الحُجَرِيَّة" (حاكمها) أيام العثمانيين. وبعد خروج هؤلاء من البلاد، عام 1918م، أقرَّهُ "الإِمَام" يحيى في موقعه. وعام 1923م، رفض عبد الوهاب نعمان "الأتاوات" التي فرضها عليه علي الوزير نائب "الإِمَام" يحيى على تعز. أخرج "الوزير" حملة عسكرية تم فيها نهب دار "عبد الوهاب". وعندما طلع الأخير، في العام ذاته، إلى صَنعاء، بطلب من يحيى حميد الدين، زار "الوزير" إلى منزله، وشاهد فيه قطع من الأثاث، وأشياء أخرى، تم نهبها من داره في "ذُبْحَانْ". وبعد "حركة 1948م"، تم اعتقاله، ثم أُعْدِمَ في "حَجَّة".
واستمر حضور "آل النعمان" في المشهد السياسي، بعد ثورة 26/ سبتمبر"، عبر شخصية أحمد محمد نعمان، الذي تدرج في مواقع حكومية عِدَّة حتى صار رئيساً للحكومة لمرتين؛ الأولى في 20/ أبريل/ 1965م (استقال بعد نحو شهرين وعشر أيام)، والثانية في عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الأرياني؛ منذ 3 /مايو حتى 24 /أغسطس عام 1971م. وفي حياته لمع نجم ابنه "محمد" ("النعمان الابن") حتى أصبح نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية، ثم أُغتِلَ في 28/ يونيو/ 1974م، في بيروت. أمَّا "النعمان الأب"، فقد مات في 27/ سبتمبر/ 1996م.
"مدرسة ذُبْحَانْ" وتكفير المدرِّس "حَيدَرة"

على يسار دار أحمد محمد نعمان، شاهدت ما تبقى من أطلال "مدرسة ذُبْحَانْ"، أو "مدرسة الحُجَرِيَّة"، في تسمية أخرى. لقد تهدَّم جزء غير قليل من بناء هذه المدرسة، التي يُعتقد أنها بُنِيَت في عشرينات القرن الماضي. أما المسجد الواقع أمامها، فمازال صامداً رغم تقادم السنوات. لهذه المدرسة، والمدرس محمد أحمد حيدرة قِصة تستحق أن تُروى.
قال أحمد محمد نعمان، في مذكراته ("سيرة حياته الثقافية والسياسية"، مراجعة وتحرير: الدكتور علي محمد زيد): إنه أسس هذه المدرسة، و"نادي الإصلاح" في قريته، مشيراً إلى أن هذا كان "أول ناد في اليمن". وأوضح أن أخاه الأكبر "علي"، الذي كان "مستنيراً نوعاً ما" وكان يعمل مع "الإِمَام" يحيى كحاكم لـ"منطقة في حدود الإنكليز"، جاء من "عَدن" بالمدرِّس الشاب "حيدرة"، لكي يُعَلِّم تلاميذ قريته (نحو 70 تلميذاً) مادتي التاريخ والجغرافيا، اللتين دَرَسَهما في "عَدن" والخارج. لكن المُدَرِّس "حيدرة" اُعْتُقِلَ، في النصف الأول من ثلاثينات القرن الماضي، وتَمّ ترحيله من إلى مدينة عَدْن، بعد أن كُفِّرَ واتّهم بـ"الفسق" والزَّندقة"، بسبب عزفه للعود، وقوله للطلاب إن "الأرض كروية"!
يقول أحمد محمد نعمان، الذي كان يُدَرِّس الدين واللغة العربية في مدرسة القرية: "جاء هذا الأستاذ ودخلت إليه ورأيته بلباس لا يدُل على أنه عالم وإنما سوقي. (..) فتبيِّن لي فيما بعد بأن الأستاذ يعزف على العود، فقلت بأنه فاسق ويجب طرده من البلد، لأن بقاءه سيجلب كارثة على البلد وغضباً من السماء، وبالتالي لا بد من طرده. ولكن أخي لم يقبل بطرده، بل صَمّم على بقائه". يضيف: "كان الناس قد أخذوا يتفتحون بواسطة الصحف. وبقي الأستاذ حيدرة يُعَلِّم مادتي التاريخ والجغرافية. ومرة سمعته يُعَلِّمهم أن الأرض كروية، وهنا جَنّ جنوني ولم أعد أستطيع الصبر، كيف يقول ذلك والله سبحانه وتعالى قال: "والأرض بسطها للأنام". وهذا الزنديق الكافر يقول إن الأرض كروية وإن الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور". كيف ذلك؟". يستطرد "نعمان" (ص 32): "بعض الأولاد استهوتهم الدروس الجديدة، والبعض استنكروا هذه الدروس والأفكار ورفضوها، والبعض الآخر استجابوا لها". وفي الصفحة 52 من مذكراته، قال "نعمان" إن اليمنيين كانوا يرون، بما في ذلك رجال الدين منهم، أن "الأرض مُعَلَّقة على قرن ثور"!
كان "حيدرة" شاباً "متنوراً"، ومتعدّد المواهب: يكتب مسرحيات، يكتب الشعر، يعزف العود، يلحِّن. لقد ألّف نشيداً للطلاب يقول فيه:
"الوطن الوطن يا شباب اليمن ما له من ثمن
غير أرواحنا".
لعل ذلك كان أول محاولة لتربية الأطفال/ الطلاب على الوطنية وحُبّ الوطن في اليمن، بدلاً من المذهبية وحُبّ "الإِمَام" والدعاء له. ولعل "حيدرة" هو أول من أدخل الرياضة البدنية إلى "مدارس" البلاد المنغلقة والمعزولة عن العالم (الشمال). بعد أن فَشِلَ "نعمان" في طرد "حيدرة"، ومنع الطلاب من الذهاب إلى المدرسة، قال إن المدرِّس الشاب أخذ "الأولاد جبراً إلى المدرسة"، ثُمّ أخذ "يُعَلِّمهم الرياضة البدنية 1، 2، 3، بدلاً من أن يُدخلهم إلى المسجد ليُعَلِّمهم العبادة". تالياً، نَجَحَ "نعمان" في تحريض الآباء، ومَنَعَ بعضهم الأولاد عن الذهاب إلى المدرسة، لكن ذلك لم يؤد إلى التخلُّص بشكل نهائي من المدرِّس "الكافر" و"الفاسق".
عندما فشل "نعمان" في طرد "حيدرة"، لجأ إلى السلطات العليا: "كتبنا للسيد علي الوزير، نائب الإمام في لواء تَعِزّ آنذاك، وشرحنا له القضية. كان حاكم الشريعة الموجود محمد بن علي المجاهد من أنصاري. عَلِمنا مرة بأن الأستاذ ذهب ليعزف العود هو وجماعته، فصدر القرار باعتقاله. سُلِّم للعامل الموجود، فقال الحاكم: ما القصة؟ قال العامل: والله إن لم يُعاقب لا أبقى في هذا البلد ساعة واحدة، ولا أجلس في أرضي يُعصى الله فيها. يعزف العود! هذا غير ممكن. سفِّروه إلى عدن"(ص 32 – 33).
يقول "نعمان:" إن "الأولاد" رجعوا "إلى المدرسة"، وإن "الحكومة كانت تُقَرِّر لهم الأناشيد" مثل: "اعتزل ذكر الأغاني والغزل". بدلاً من تعليم أولئك الطلاب على حُبّ الوطن، تَمّ تعليمهم بأن الغَزَل "حَرام"، والأغاني "مُحَرَّمة"!
في الصفحة 33 من مذكراته، يقرّ "نعمان" بأن "حيدرة" لَحّن نشيد "الوطن الوطن.. يا شباب اليمن" "تلحيناً مناسباً". يضيف (ص 33 – 34): "كُنت بيني وبين نفسي مسروراً من ذلك، ولكن لا يمكن أن أتراجع أمام الناس الذين حرّضتهم، وأن أُغَيِّر رأيي بسهولة. أما في قرارة نفسي فكنت متضايقاً من الوضع، وكُنت مستريحاً لما يفعله الأستاذ حيدرة وأريد اللعب وقضاء الوقت معهم، لأنني كنت متعباً من المضايقات (..) أصبح المقصود عندي هو التّطلُّع ومعرفة الجديد، تعلُّم الجغرافيا والتاريخ وغير ذلك". وعندما تَغَيَّر "نعمان"، بعد أن وقع في يده كتابي "طبائع الاستبداد" و"هُدى الرسول"، استفاد من الكتب التي جاء بها "حيدرة" من "عَدن": "كانت الشعلة الثانية ماذا أعمل؟ من أين لي الكُتب؟ كان الأستاذ حيدرة قد جلب معه الكتب العديدة وتركها وذهب. ابتدأت أقرأ فيها (..). بقيت أقرأ وألتهم الكلمات وأُغَيِّب الفصول غيباً (..). أول شيء قمت به أن عملت لإعادة الأستاذ حيدرة. أعددت له المنزل وحشدنا الطلاب وأطلقنا لهم الحرية. وقمت أنا بتدريس اللغة العربية بأسلوب حديث
كيف استقبل الناس هذا التغيير؟". يرد "نعمان": "حدثت مقاومة لنا، ولكن التغيير عندما جاء من "النبي" كان وقعه خفيفاً عليهم، لأن "النبي" كَفَرَ بآياته الأولى والناس معه. بدأت أقنعهم. وهم بدورهم أخذوا يقتنعون. كنت أدخل المساجد وأتحدث معهم. وبدأنا نُهيئ الأمور لهم شيئاً فشيئاً، وإذا بمدرسة الحُجَريِّة تنشأ وتؤثر وتشتهر. ثم أنشأنا مكتبة، وبدأت الأمور تسير رويداً رويداً، إلى أن دخلنا في صراع مع الحكومة. كان لا بد من أن يحدثوا لنا فتنة، ولا بد من أن يفصلوا هذا البلد كما فُصِل لبنان وسوريا. جاء أحد أبناء الإمام إلى الحُجَريِّة (الأمير القاسم بن الإمام يحيى حميد الدين الذي زار الحُجَريِّة في سنة 1935م)، وقال: ذُبْحَان هذه ستكون كلبنان". وذهب إلى الإمام الذي أمر بسحب الأستاذ حيدرة، فأخرجوه حالاً، وأتوا بمعلمين آخرين إلى المدرسة". بعدها، تَمّ إغلاق هذه المدرسة، و"نادي الإصلاح". يؤكد "نعمان"، في الصفحة 131 من مذكراته، أن "علي الوزير"، أمير لواء تَغِزّ، حينها، أثار "ضَجّة" حول هذه المدرسة وأغلقها، بحُجّة أنها "تُعَلِّم أفكاراً عصرية وتُخرج الناس من عقائدهم وتُعَلِّمهم العلوم الجديدة، وأنها ضد الإمام". بالمجمل، تكشف قصة المُدَرِّس "حيدرة" تَطَرُّف وتَحَجُّر النظام "الإِمَامِيِّ".
يقول "نعمان": "وحينما خرجت أول بعثة مصرية في عهد الملك فؤاد إلى اليمن، سنة 1936م، زارت الحُجَرِيَّة، ورأت النادي والمدرسة، وكتبت شهادة بأن هذا من بواكير النهضة الموجودة في اليمن. وكان زميلنا في الحجرية محمد أحمد حيدرة".
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
بلال الطيب

الذئب الأسود.. وسلاطين اليمن

كان لسقوط قلعة المقاطرة «سبتمبر 1921م»، والتنكيل بسكان تلك الناحية؛ أثره البالغ في تنامي ردة فعل الغضب الشعبي تجاه السلطات الإمامية الغاشمة؛ بل أنَّ بعض المشايخ - ممن ساهموا في ذلك السقوط، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - سيطرت عليهم عقدة الذنب، وبدأوا يفكرون جدياً في استقلال «اليمن الأسفل»، وخططوا في «فبراير» من العام «1923م» لاغتيال علي الوزير «أمير تعز»، إلا أن مُحاولتهم باءت بالفشل؛ بفعل الجواسيس الذين رافقوا تحركاتهم خطوة خطوة.

 

وقيل أنَّ أحمد بن علي باشا - «حاكم تعز» السابق - أرسل إلى علي الوزير مُحذراً بـ «إِنَّ»، وأنَّ الأخير فهم أنّ المغزى قوله تعالى في سورة الحجرات: «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ»، فاحتاط للأمر، واجتهد في كشف خيوط المؤامرة حتى أخرها، وعن ذلك «الباشا» قال المؤرخ المجاهد - ناقل هذه القصة - أنَّه «كان من الحذر إلى الحد الذي يصعب معه أن يمسك أحد ما عليه حجة، وأنَّه كان دائماً يلعب على جميع الحبال، ومحل ثقة كل الأطراف، في كل معمعة أو مناورة».

 

كان الشيخ عبدالوهاب نعمان المُتبني الرئيس لتلك الحركة، وقائدها الفعلي، وقد اتهمته السلطات الإمامية حينها بدعمه لثوار المقاطرة، وبأنَّه استغل تذمر العامة من عملية إسقاطها، فأظهر طموحه السياسي بحكم قضاء الحجرية، وعزز ذلك بعقده اتفاقيات صداقة مع سلاطين الجنوب، وبتواصله المـُستمر مع عدد من مشايخ «اليمن الأسفل»، لحثهم على التخلص من «ابن الوزير»، وإعلان الاستقلال.

 

لم يشر الأستاذ محمد أحمد نعمان ورفيق دربه القاضي محمد محمود الزبيري إلى ذلك، وجاء في رسالتهما التي بعثاها - فيما بعد - إلى المناضل عبدالله بن علي الحكيمي: «وقد هربنا نحن إلى مصر خوفاً من صولة الأمير - يقصدان علي الوزير - في ذلك الحين، وعداه الذي نصبه لبني نعمان، رغم إخلاصهم له ولحكومة الإمام، غير أنَّه دخله الحسد عندما كان ينظر ما لهم من مكانة من قلوب الناس، وما هم عليه من رغد العيش، وطيب النعيم، خشي على نفسه أنَّ مكانتهم هذه قد تتحول يوماً إلى قلب الإمام، فيرفعه من تعز، ويودع إليهم إمارة تعز أو بلادهم الحجرية على الأقل، وكيف يمكنه تركها، وقد وجد فيها مرتعاً خصباً لا يمكنه تركه..».

 

وفي المقابل هناك من يرى بأنَّ الإمام يحيى هو من زرع الفتنة بين الشيخ عبدالوهاب نعمان، والأمير علي الوزير، ليكسر شوكة الأول، ويضعف شعبية الأخير، وقد وجه فعلاً بالقبض على «عبدالوهاب» قبل محاولة الاغتيال الفاشلة؛ والسبب الاتهامات السابق ذكرها، والتي وصلت إليه من قبل جواسيسه في الحجرية، الذين كانوا من بعض أبنائها.

 

الرواية الرسمية المتوكلية لم تؤكد ذلك أو تنفيه، قالت أنَّ الأمير استبقى الشيخ عبدالوهاب نعمان، وعدداً من المشايخ بالقرب منه، ولم يأذن لهم بمغادرة مدينة تعز حتى يدفعوا ما عليهم من متأخرات زكوية، وأنَّ الأخيرين حين طالت مدة احتجازهم، خططوا لجريمتهم تلك، وعزموا على اغتيال «أمير تعز» بعد خروجه من صلاة الجمعة في «جامع المُظفر»، وأنَّهم حاولوا لذات الغرض شراء ذمم بعض العسكر، وأنَّه على ألسن هؤلاء افتضح أمرهم.

 

أمام تلك الاستدلالات الماثلة، صارت الفرصة مواتية لعلي الوزير - «الذئب الأسود» هكذا كانوا يلقبونه - للقضاء على خصومه بضربة واحدة، وبالمكر والخديعة قبض عليهم، وكان الشيخ عبدالله يحيى الصبري «عامل صبر» - حسب رواية حفيده أمين علي الضباب - أول الضحايا، كونه من سكان «جبل صبر»، ومنزله قريب من «دار النصر».

 

تمَّ بعد ذلك القبض على الشيخ عبد الوهاب نعمان، والشيخ حمود عبد الرب «عامل العدين»، والشيخ أحمد بن حسن علي باشا من مشايخ العدين، وعبدالملك حسن بشر، وعبدالله يحيى عبد الجليل، وبعضاً من إخوانه وأولاده، والجنيد عبدالله النور «عامل جبل رأس»، وقد أتهم الأخير بأنه صاحب مشورة قتل الأمير بالسم بدلاً من الرصاص، وذكر المحققون أنهم وجدوا أداة الجريمة في متاعه.

 

اقتيد المتهمون إلى صنعاء مُكبلين بالأغلال، في رحلة أستمرت ثمانية أيام، وقيل يومين، لاقوا فيها الكثير من الأهوال، أشنعها تقريع العساكر، وسباب العوام، وهو أمرٌ نفاه أمين علي الضباب نقلاً عن الحاج محمد عبدالغفور الشهير بـ «الغفوري»، والذي رافق جده في رحلته تلك خطوة خطوة، ويحفظ لنا «الموروث التعزي» غنائية حزينة صورت ذلك المشهد، جاء فيها:

في ليلة الاثنين قد شدوا سلاطين اليمن

حمود عبد الرب وبن نعمان وأحمد بن حسن

والرابع الفخري ضرب سيطه إلى بندر عدن

 

وفي المقابل تبارى شعراء الإمامة في مدح «ذئبهم الأسود»، وقد سارع أحدهم بالقول:

ما زلت تختلب القلوب بفطنة

وقَفَتْ على سرِّ الغيوب المـُبهمِ

عما نواه الخارجون عن الهدى

من كل متسم بزي المـُسلمِ

تباً لرأي المارقين فإنه

رأي ابن ملجم في الإمام الأعظمِ

 

وجه الإمام يحيى بعد ذلك بـ «قبض دورهم، والاحتياط بما فيها، ليكون من ذلك تدارك ما في ذممهم من أموال ال
له»، - حد توصيف المؤرخ عبدالكريم مطهر - وكتب أحد الأحرار الأوائل - يرجح أنه أحمد محمد نعمان - مقالاً في جريدة «الشباب» المصرية، نقل فيه تفاصيل ذلك الجرم الإمامي، جاء فيه: «ولما فرغ أمير اللواء من القضاء على هؤلاء بعث جنوداً وقواداً إلى بيوتهم لأخذ جميع ما فيها حتى ملابس الأطفال، وأمر بإخراج نسائهم وأطفالهم مُجردين من كل شيء، وجعل البيوت ثكنات للجند، ونقل كل ما جل وقل، ولم يكتفوا بذلك؛ بل ظلوا ينقرون جدران البيوت ليخرجوا بقية الكنوز، ثم حفروا فناء الدور ولم يتحصلوا على شيء، وبعد هذا بعثوا في طلب من كان يخدم هؤلاء، وقد جاء بهم الجند إلى أمير تعز.. فأمر بتعذيبهم، والإغلاق عليهم بإصطبلات البهائم».

 

وبعد هذه الحادثة كان علي الوزير شديد الحذر والقلق، ويترجم كل حركة وسكنة بحضوره على أنها تستهدفه، وبمُبالغة لا تطاق، وعاشت مدينة تعز - تبعاً لذلك - أسوأ أيامها، ودفعت - كما أفاد المؤرخ المجاهد - ثمناً باهضاً من استقرارها، أمام عنت العساكر، واستضافتهم الإجبارية في المنازل، بغرض إرهاق الأهالي وإرهابهم.

 

خلف جدران «سجن القلعة» المُوحش، لقي «سلاطين اليمن» - كما أفاد عدد من المؤرخين - حتفهم، تساقطوا فيه الواحد تلو الآخر، ولم ينجوا من الموت سوى الشيخ عبدالوهاب نعمان، وذلك لبعض الوقت، أبقاه الإمام يحيى تحت ناظريه، وعينه عاملاً لبني مطر.

 

وفي رواية مُغايرة لما سبق، أفاد أمين علي الضباب أنَّ الإمام يحيى أطلق سراح جميع المُعتقلين، وذلك بعد مرور سنتين من اعتقالهم «1925م»، وأنَّ جده الشيخ عبدالله يحيى الصبري فضل البقاء في صنعاء، واستأذن الإمام في أن يبتني لنفسه غرفتين فوق سور «غمدان»، وأنَّه ظل فيهما حتى وفاته «1931م».

 

بالعودة إلى أخبار «الذئب الأسود»، فإنه صار بعد تخلصه من أولئك المشايخ حاكماً أوحداً للواء تعز، بدت طموحاته الاستقلالية تتبدى، وكان فقط ينتظر وفاة الإمام يحيى ليعلن عن ذلك، فضحت «وثائق بريطانية» استعداداته تلك، وكشفت أنَّه صارحهم برغبته بتدريب وتسليح «1,000» رجل صومالي، ليكونوا تحت إمرته، وذلك عند حلول اللحظة المـُـنتظرة، إلا أنَّ الإنجليز الباحثين حينها عن رضا الإمام رفضوا مقترحه وبشدة.

 

يقول المؤرخ الأكوع: «وبقي علي الوزير والياً على لواء تعز عشرين عاماً، جمع خلال حكمه ثروة طائلة، من مصادر شتى، ووجوه مُختلفة، وعاش عيشة الملوك، حتى حسده الإمام يحيى نفسه»، ليقلب له الأخير بعد ذلك ظهر المجن، عزله من منصبه، وشوه سمعته، ولم يسع «ابن الوزير» بعد ذلك سوى الرحيل شمالاً، ثم ما لبث أن عاد من السعودية مقر رحلته المؤقت، ولكنها كانت عودة خافتة، بعيدة عن متعة الحكم، ولِذة الإمارة.

 

ومن طريف ما يروى، أن عبدالوهاب نعمان، وعلي الوزير التقيا قبل قيام «الثورة الدستورية» في منزل الأخير، وأنَّ «الضيف» كان يُحدق وبقوة في أثاث المنزل الصنعاني، وتحفه الثمينة والنادرة، الأمر الذي أشعر «مضيفه» بالحرج؛ لأن معظم تلك الأثاث كانت من منهوبات داره العتيق في «تربة ذبحان»، وحين اقتيد الاثنان لساحة الإعدام بعد فشل تلك الثورة، نُقل عن عبدالوهاب نعمان قوله: «لقد هانت على نفسي محنتي، ما دام آل حميد الدين، وآل الوزير قد نكبوا معاً، حتى يريح الله العباد والبلاد منهما».

 

وقد رثى الشاعر الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان والده قائلاً:

أبي ومن ذا زكيِّ الأصل مثل أبي

كأنه هو والأملاك إخوان

فإن يمت فأكفُ الأنبياء له

نعشُّ، وأجنحة الأملاك أكفان
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
صور من ذبحان الحجرية