اليمن_تاريخ_وثقافة
11.7K subscribers
144K photos
352 videos
2.21K files
24.7K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
استطاع الوزير بدر الدين غازي أن يضطلع بمهمة الملك، فخالف العسكر وأجتمع بالأكابر من الأمراء وفرق عليهم الأموال واستخلفهم على حكمه ووضعهم على إمارة المدن ودخل صنعاء وخطب له على منابرها، ثم خرج منها إلى اليمن الأسفل وفي الطريق وثب عليه مماليك الناصر فقتلوه في منطقة السحول[71] وذلك سنة 611هـ وقيل أن أم الملك الناصر حرضتهم على قتله انتقاماً وثأراً لدم ابنها الملك الناصر لأن الأمير غازي اتهم بقتل ولدها[72].


بقي الحكم الأيوبي بدون رجل يدير أموره واستطاعت أم الناصر التغلب على زبيد والاستيلاء على الأموال، وانتظرت وصول رجل من بني أيوب تسلمه إدارة البلاد وبعثت إلى مكة بعض غلمانها يكشف لها عن أخبار مصر والشام[73] حيث انقطعت صلة اليمن بهما على ما يبدو وما أن وصل الرسول إلى مكة حتى التقى مع الملك سليمان بن شاهنشاه بن أيوب الذي قدم إلى مكة حاجاً، فعرفه بأحوال اليمن، فسار معه حتى وصل اليمن وحضر عند الملكة أم الناصر أيوب وخلعت عليه وتزوجته وملكته اليمن وذلك في ربيع سنة 611هـ/ 1214م[74].

أساء الملك سليمان بن شاهنشاه بن عمر التصرف بالملك وتنكر لحقوق الملكة زوجته، وانشغل بالملذات، وعرف حكمه بالجور والظلم[75] هذا من العوامل التي أدت إلى ضعف حكمه وانهياره، إلى جانب هذا أساء التصرف مع السلطان العادل – الملك الأيوبي – حيث أرسل إليه كتاباً جعل في أوله ((أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم))، مما جعل الملك العادل يحكم على سوء تصرفه[76] فضلاً عما بلغ الملك العادل من أخبار تفصح عن اضطراب الحالة السياسية منها مقتل المعز وسم أخيه الناصر وما جرى من تآمر على الحكم من قبل الوزراء.. كل هذه الأمور جعلته يرى ضرورة أن يولي أمر اليمن ملكاً قوياً حازماً يدير سياستها[77].


أن ما سبق ليمثل بلاشك مرحلة ضعف وانحطاط للحكم الأيوبي ويكشف ذلك خروج بعض البلاد من سيطرتهم كصنعاء التي دخلها الإمام المنصور عبدالله بن حمزة الحسين على أثر وفاة الملك الناصر، ودانت له بعض الوقت كما حاصر ذمار واستولى على كوكبان وساد البلاد حالة من الفوضى والخراب[78] بسبب حرب الإمام للأيوبيين مستغلاً ضعف سلطتهم إلى جانب تعدد مراكز القوى والتي كان من نتائجها إنقسام البلاد إلى أقاليم إدارية يحكم في كل اقليم أمير من أمرائهم، كما أن الحكم الأيوبي في اليمن بقي في صلة مع الحكم المركزي بمصر وبلاد الشام على الرغم من فتور تلك العلاقة أحياناً ويعود الأمر إلى انشغال ذلك الحكم في الفرنج الذين استفحل أمرهم هناك بالاضافة إلى انشغال الملك العادل في تثبيت حكمه بالأقاليم الشرقية من دولته في بلاد الشام والجزيرة إذ لا يزال الملك الظاهر بن أخيه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب يحمل لواء المعارضة بالمنطقة إلى أن انتهى الأمر معه بتوقيع الصلح سنة 608هـ/ 1211م[79] وأخيراً رحل الملك العادل إلى مصر واستقر بدار الوزارة، في وقت كان قد رتب أولاده في حكم أقاليم البلاد. فكانت مصر من حصة ابنه الملك الكامل الذي يرجع إليه أمر تجهيز ولده المسعود صلاح الدين يوسف المعروف باطسيس[80] (اطسز) إلى اليمن لانقاذ الحكم الأيوبي من الضياع آلت البلاد من تمزق بسبب ضعف السياسة التي سلكها الملك سليمان بن سعد الدين شاهنشاه بن تقي الدين بن عمر باليمن إلى جانب هذا فقد وصل كتاب ابن النساخ المطرفي إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبو العباس أحمد المستضيء الذي يشكو فيه ما حل باليمن فأمر عندها الخليفة صاحب مصر الملك العادل بالتوجه إلى اليمن[81] فوقع الاختيار على ارسال حفيده المسعود إلى اليمن فرحل من مصر يوم الاثنين 17 رمضان سنة 611هـ/ 1214م. بألف من الجند وخمسمائة من الرماة[82] وأمده بالأموال، وكتب إلى الأمير شمس الدين علي بن رسول وإلى سائر الأمراء المصريين باليمن يأمرهم بحسن صحبته وخدمته[83] وكان المسعود حديث السن في حد البلوغ[84]، وجعل أتابكة ومدبر ملكه جمال الدين فليت[85]، فوصل مكة ودخلها في ثالث ذي الحجة سنة 711هـ/ 1214م واستقبله قتادة بن إدريس وحج المسعود وخطب له بمكة، فما كان على المسعود إلا أن يكرم قتادة فخلع عليه وحمل إليه ألف دينار وقماشاً بألف أخرى، وذكر بأنه أقام بمكة ستة أشهر[86]، رحل منها إلى اليمن، فوصلها ودخل زبيداً يوم السبت الثاني من المحرم سنة 712هـ/ 1215م، وأول عمل قام به هو مراسلة الملك سليمان بن تقي الدين يسأله الصلح على أن تكون الجبال لسليمان والتهائم له[87] فلما سمع بذلك الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسول سار إلى الملك المسعود وحثه بالتوجه إلى تعز لحرب سليمان[88] والعدول عن فكرة الصلح وقال له ((إنك لا تجد في الجبال من يصدك عنها والرأي أن تكتب إلى المماليك بتسليم سليمان إليك))[89] فكتب إليهم فعلاً كما سار بنفسه إلى تعز لمواجهة خصمه وراسل الجند الموجودين في داخل الحصن وأمر بالقاء القبض على سليمان فظفروا به، وبعثه المسعود تحت الحفظ إلى مصر[90]، ودخل المسعود حصن تعز يوم الأحد عاشر صفر من سنة 612هـ/1215م، وبهذا التاري
خ يبدأ حكم المسعود لليمن، حيث شرعت عساكره في إعادة المناطق التي خرجت عن حكم بني أيوب كدمار وصنعاء وبيت انعم[91] وشبام، ثم نهض إلى البلاد الحميرية والمصانع[92]، وأجبرها على الاعتراف بسلطته، وكان لأتابكة جمال المدين فليت الأثر الكبير في هذه الانتصارات حيث كان يقود جيشه في المعارك وفتح هذه المناطق. وأخيراً أجبر الإمام المنصور بالله على مراسلته، فتمت بينهما وكان من نتائجها توقيع الصلح في أواخر سنة 617هـ/ 1215م ((على يد الأمير محمد بن حاتم ولمدة ستة عشر شهراً))[93]، وعلى ما يبدو أن الصلح استمر بين الطرفين إلى سنة 614هـ/ 1219م وهي السنة التي مات فيها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، ثم قام ولده عز الدين محمد محتسباً))[94]. وقام بالامامة بعد أبيه وتلقب بالناصر لدين الله[95].


إن علاقة الملك المسعود بالأمير عز الدين محمد بن عبدالله قد ساءت من جديد ففي سنة 617هـ/ 1220م تقدم الملك مسعود إلى صنعاء ومنها سار إلى بكرة فحاصرها ثمانية أشهر[96]، إلى أن وقع الصلح بينه وبين أهل بكر وتم بموجبه شراء الملك المسعود للحصن منهم بعشرة آلاف دينار مصرية وذلك سنة 618هـ/ 1221م[97]. إن أبرز التاريخ السياسي للحكم الأيوبي باليمن خلال هذه الفترة هو انشغال الملك المسعود في الوقائع والحروب ويعكس هذا عدم استقرار حكمهم السياسي في المناطق التي سيطروا عليها وبدليل ما واجهه ذلك الحكم من مقاومة اتسمت بتحرك عساكر الأمير عز الدين محمد بن الإمام المنصور وعساكر الأشراف ضدهم[98] حيث استمرت الوقائع والحروب بين الطرفين إلى سنة 619هـ/ 1222م لم يتحقق خلالها للحكم الأيوبي السيطرة التامة على بلاد اليمن، إلا أن هذا لم يمنع المسعود من تنظيم إدارتها وكان لبني رسول[99] دور في تحمل مسؤولية تلك الإدارة وتثبيت السيطرة الأيوبية باليمن خاصة وأن رجال أسرتهم كانوا بصحبة الملك المسعود في أيام دخوله اليمن، وظلوا مقيمين معه باليمن فوثق بهم وولاهم الولايات، وأعجبته طاعتهم وشدة بسالتهم فولى أمر صنعاء إلى بدر الدين بن علي بن رسول وجعلها أقطاعاً له وولى أخاه الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول الحصون الوصابية، ثم ولاه بعدها مكة المشرفة وبقى فيها مدة إلى سنة 619هـ/ 1222م ولما عزله عن ولايتها جعله أتابكاً لابنه الملك المظفر يوسف بن عمر[100] وعليه كان لهم دور في مساندة الملك المسعود وإدارة الحكم حتى استقررت الأحوال وهدأت الحروب والفتن[101] وضبط اليمن[102] ورافقت مسيرة الحكم الأيوبي في اليمن عدة أحداث سياسية أثرت بصورة غير مباشرة على مكانته السياسية خلال هذه الفترة منها:


1- انضمام مكة إلى الحكم الأيوبي باليمن: ففي سنة 719هـ/ 1222م غادر الملك المسعود اليمن إلى مكة حاجاً فلما كان يوم عرفة، تقدمت أعلام الخليفة العباسي الناصر لدين الله لترفع على الجبل إلا أن الملك المسعود أمر بمنعها بتقديم أعلام أبيه الملك الكامل الواردة من مصر، ولم يستطع أصحاب الخليفة منعه من ذلك فلما سمع الخليفة بذلك عظم الأمر عليه[103] فراسلَ الملك الكامل لانكار ذلك، فما كان على الملك إلا أن يعلن اعتذاره وللخليفة وأن ذلك لم يكن عن أمره. فقبل الخليفة العذر[104].

وربما أثر تصرف الملك المسعود[105] على علاقته مع السلطة الأيوبية بمصر والشام – بدليل أن والده سر بموته عندما أخبره بذلك خزنداره[106] – إن لم نقل على العلاقة بين بني أيوب والخلافة العباسية.

أقام الملك المسعود باليمن بعد عودته من الحج وبعد مدة يسيرة حدثته نفسه بالخروج إلى مكة لانتزاعها من حاكمها الأمير حسن بن قتادة الحسني فسار إليها ودخلها في رابع شهر ربيع الآخر من سنة 620هـ/ 1223م[107] وقاتل صاحبها الحسن وهزمه واستولى عليها ثم عاد إلى اليمن بعد أن عين عليها الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول والياً من قبل وجعله نائباً نيابة عامة عنه[108] وباستيلائه على مكة اتسعت دائرة نفوذه وحكمه فشملت مكة والحجاز واتسعت معها مملكة أبيه الملك الكامل حتى قال ابن خلكان معلقاً على هذا الأمر (ولقد حكى لي من حضر الخطبة يوم الجمعة بمكة شرفها الله تعالى أنه لما وصل الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: مالك مكة وعبيدها واليمن وزبيدها ومصر وصعيدها والشام وصناديدها والجزيرة ووليدها سلطان القبلتين ورب العلامتين)[109].

وأخيراً يمكن القول إن موقف المعارضة للدولة الأيوبية في اليمن تغير موقفها السياسي تجاهها على الرغم من التغيير الذي حصل في الخارطة الجغرافية لسيطرتها.


2- مغادرة الملك المسعود لليمن في شهر رمضان من سنة 620هـ/ 1223م[110] تاركاً نيابة البلاد إلى الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول في حين ترك ولاية صنعاء إلى الأمير بدر الدين حسن بن علي بن رسول[111] وعلى الرغم مما أثبته آل الرسول من حسن إدارة البلاد تجسد في الحفاظ على الحكم الأيوبي إلا إن جملة من الأحداث غيرت مواقع الحكم الأيوبي باليمن حيث تعرضت البلاد إلى ثورة قادها رجل في الحقل وبلاد زبيد اسمه مرغم الصوفي[112] وزعم أنه داع الإما
م حق وأنه منصور حميد الذي سيخرج كنوزهم ويناصر المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان، فتبعه الكثير من الناس وقوى أمره بهم فما كان على الأمير نور الدين بن رسول إلا أن يقاتله فسار إليه وبصحبته راشد بن مظفر بن الهرش فوقع القتال بين الطرفين قتل فيه راشد بن مظفر وذلك سنة 622هـ/ 1225م[113] فلما كثر القتل سلب حاله وضعف مركزه بين أتباعه، وظهر للناس كذبه وفساد مذهبه فخرج هارباً من بلد إلى بلد[114] وهكذا تخلص الناس من فساد رأيه وفتنته باليمن، كما تعرضت عساكر بني أيوب إلى وقعة أخرى خاض غمارها ضدهم هذه المرة الشريف عز الدين محمد بن الامام المنصور عبدالله بن حمزة الذي خرج قاصداً صنعاء[115] إلا أن العساكر الأيوبية بقيادة الأمير بن نور الدين عمر بن علي وأخيه الحسن بن علي استطاعا أن يوقعا الهزيمة بعسكر الأشراف وسميت هذه الوقعة بوقعة عصر[116] وذلك في شهر رجب من سنة 623هـ/ 1226م[117].

كان من نتائج انتصار العساكر الأيوبية باليمن في المعركة السابقة أن تسربت أخبارها إلى مصر فلما علم بها الملك المسعود اشتد خوفه على حكم اليمن من بني رسول وذلك لما شاهده فيهم من الشجاعة والهمة، وبعد الصيت وحسن السياسة وتمام مكارم الأخلاق...... الخ[118] فخرج من مصر قاصداً اليمن فوصل تعز ودخل حصنها يوم الاثنين السابع عشر من شهر صفر من سنة 624هـ/ 1226م ثم تقدم إلى الجند فقبض على بني رسول وهم بدر الدين حسن بن علي وفخر الدين أبا بكر بن علي وشرف الدين موسى وأرسلهم إلى مصر في حين نجا أخوهم الأمير نور الدين عمر لأنه كان يميل إليه ويستأنس في رأيه دون إخوته[119]، فتقدم عنده حتى إستنابه على اليمن جميعها سنة 625هـ/ 1227م[120].


إن التنكيل بامراء بني رسول أثر على حكم الملك المسعود إذ اكسب الأمير نور الدين تجربة سياسية جعلته بأن لا يستبق الأحداث أو يستعجلها فتراه حينما يستمع بموت الملك المعز سنة 626هـ/ 1228م يقوم بأمر الملك الأيوبي خير قيام ويضمر الاستقلال عن السلطة الأيوبية فلم يغير سكة ولا خطبة لهم[121] وأرسل إلى السلطان الأيوبي الكامل الهدايا، وقال له: ((أنا نائب السلطان على البلاد)) مما كان له الأثر في أن يصرف نظر السلطان عنه ويثبته في ولايته[122] كما ولى على المدن والحصون يثق به، ويعزل من يخشاه، ويأسر أو ينقل من يظهر العصيان.

إن مغادرة الملك المسعود لليمن سنة 625هـ/ 1227م أثرت بشكل مباشر على مكانة ووجود الحكم الأيوبي فيها كما فسحت المجال أمام الأمير نور الدين عمر بن رسول بالتمكن في حكم البلاد كلها حتى ذكر أنه استدعاه عندما عزم السير إلى مصر وقال له ((قد عزمت السفر وقد جعلتك نائبي في اليمن فإن مت فأنت أولى بملك اليمن من إخوتي)).. ويمضي إلى أن يقول: وإياك أن تترك أحداً يدخل اليمن من أهلي ولو جاءك الملك الكامل والدي.. الخ))[123]. إن هذه الثقة التي أودعها المسعود في الأمير نور الدين جعلت الأخير بأن يتصرف في البلاد، وأن انفراده في حكم اليمن دون أمراء بني أيوب من المصريين هو الآخر جعله بأن يفكر في الاستقلال عن حكم الأيوبيين بمصر والشام)) بالاضافة إلى هذا فمجرد تعرفنا على بقية الحديث الذي جرى بين الملك المسعود وبينه جعله أن يتلمس وجود خلاف بين بني أيوب يمكن استغلاله في سبيل الاحتفاظ بملك اليمن[124].

وهذا يتفق مع صحة ما ذكر عن مرض الملك المسعود عندما غادر اليمن إلى مكة متوجهاً إلى مصر[125] حيث علق نور الدين عمر آماله على احتمال وفاة الملك المسعود وهذا ما يمكنه من الاستمرار في الحكم. خاصة إذا علمنا أن الملك المسعود لم يترك سوى ولداً صغيراً يعيش بكفالة جدة الملك الكامل بمصر[126] أضف إلى هذا ما اتصف به الأمير نور الدين من ((صلاح السريرة ومحبة الناس له وانقيادهم لأمره طوعاً وكرهاً وكان صاحب حلم ودهاء))[127] بالاضافة إلى سرعة تحركه لحسن الموقف مع المعارضة السياسية للحكم الأيوبي والتي تتكون من الأشراف خاصة الأمير يحيى بن حمزة وسلاطين بنو حاتم[128] ففي سنة 628هـ/ 1230م وقع الصلح معهم في حصن ذمرمر وقالوا له: ((يا مولانا نور الدين تسلطن باليمن ونحن نخدمك ونبايعك على أن بني أيوب لا يدخلون اليمن))[129] فتبايعوا على ذلك وأقرهم على البلاد.


نهاية الحكم الأيوبي باليمن:

وكل العوامل السابقة كانت قد عجلت من انهيار الحكم الأيوبي وسقوطه وآخرها وفاة الملك المسعود سنة 626هـ/ 1228م تاركاً الحكم إلى نائبه نور الدين عمر بن رسول إذا تمكن بعدها من إعلان الحكم الرسولي، وإزالة الحكم الأيوبي، وما أن حل عام 628هـ/ 1230م حتى أعلن الاستقلال باليمن وقيام الدولة الرسولية فيها فتلقب بالملك المنصور[130] ومن أجل اسدال الشرعية على حكمه كاتب خليفة بغداد العباسي المستنصر بالله أبو جعفر المنصور ابن الظاهر محمد[131] فأقره على اليمن وجعل له النيابة عليها[132].

وما أن حل عام 629هـ/ 1231م حتى جهز نور الدين بن رسول جيشه إلى مكة لانتزاعها من الحكم الأيوبي، فلما وصلها حاصر أميرها طغتكين فأضطره الهرب إلى ينبع[133].

فكاتب المل
ك الكامل بالأمر كله: مما اضطره إلى أن يجهز جيشاً من مصر بقيادة فخر الدين شيخ الشيوخ، فلما وصل مكة حاصر الجيش نور الدين وأجلاهم عنها[134] واستمر النزاع حول مكة والسيطرة عليها بين الطرفين إلى سنة 633هـ/ 1239م حيث استطاع أخيراً السلطان نور الدين أن يوقع الهزيمة بعساكر الملك الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب التي كانت تحت قيادة الأمير شيحة بن قاسم[135] حيث هرب الأمير شيحة إلى الديار المصرية ولم يستقر الحال فيها إلى أن دخلها السلطان نور الدين سنة 639هـ/ 1251م إذ استطاع أن يخضعها إلى نفوذه[136] وهكذا قضى على آخر ما تبقى من المدن الخاضعة إلى نفوذ بني أيوب في اليمن والحجاز.

إن أهم ما يمكن ملاحظته على التاريخ السياسي للأيوبيين في اليمن هو عدم استقرار حكمهم فيه على الرغم من امتداده لفترة زادت على الخمسين عاماً تعاقب في حكم البلاد خلالها ستة ملوك واتسمت معظمها بطابع الحروب كما اعتمدت سياسة دولتهم على القوة العسكرية في حكم البلاد.


وهذا يعود بلاشك إلى عدة عوامل منها تعدد مراكز القوى السياسية الموجودة في اليمن وفي الأراضي المجاورة لها إلى جانب فقدان التجانس الفكري الذي ينعكس بصورة مباشرة على أسلوب الحكم ونظامه، ومن بين تلك القوى الاشراف، وبنو حاتم إلى جانب انتشار النزعة القبلية بين غالبية سكان اليمن من العرب الذين أخذوا ينظرون إلى الأيوبيين وسلطتهم نظرة الرجل الغريب عنهم وعن بلادهم بدليل ما كانوا يطلقون على بني أيوب من الأسماء كالغز والأكراد، والاطماع الفردية كانت تلعب دورها الواضح في تحديد هوية الحكم باليمن، ومن خلال هذا المنطلق فإن المستقرئ للتاريخ السياسي الأيوبي في اليمن يلاحظ أن حالة من عدم الاستقرار والفوضى السياسية والعسكرية كانت تسيطران على الوضع السياسي في اليمن ليس فحسب على العهد الأيوبي وإنما على العهدين السابق واللاحق له. وأن ما انقاد إليهم من البلاد كان بلاشك بدافع القوة والسيف حتى تركت آثارها الواضحة لما بعد عهدهم فيها حتى قيل أصبح معه أن صاحب اليمن يهادي صاحب مصر ويداريه وذلك للامكانية التي تحتلها جغرافية مصر العربية إذ كان بالامكان تسلطها على اليمن من البحر والبر الحجازي[137] بالاضافة إلى ارتباطها التجاري والبشري مع مصر وبلاد الشام حيث كانت ولا تزال ملوك اليمن تستجلب من مصر والشام طوائف أرباب الصناعات لقلة وجودهم باليمن[138] وأخيراً فإن الأهمية السياسية لليمن تبقى غير واضحة المعالم في هذه الفترة من خلال مساهمتنا العملية من أجل خدمة المبادئ والأهداف قياساً إلى ما كانت تلعبه مصر والشام وبلاد الجزيرة من دور بارز في مقاومة الصليبيين[139] وعساكرهم، وقد يعود الأمر إلى طبيعة الحكم المحلي باليمن إلى جانب حاجة ذلك الحكم إلى مزيد من القوة العسكرية التي يمكن توظيفها واستخدامها بالرد على المعارضة والمقاومة العسكرية لحكمهم على الرغم من توفر وحدة المبادئ والأهداف التي تجمع بين اليمن ومصر والشام وبلاد الجزيرة إلا أن درجة الوفاء لتلك المبادئ والقيم من قبل أنظمة الحكم السياسية تختلف من قطر لآخر، وبصورة عامة فإن الحكم الأيوبي في اليمن لم يحقق أي هدف استراتيجي على مدى فترة وجوده باليمن، وعليه يتمكن القول أن مردوده السلبي كان أكثر مما سنتظر أن يحقق إيجابياً لأن بقاء العساكر الأيوبية مرابطة في اليمن معناه إبعادها عن مهمة التحرير التي كان يخوضها الجيش الأيوبي المركزي في بلاد الشام ومصر ضد الغزاة الصليبيين..


المصادر والمراجع

أ – المخطوطات:

1 - ابن بهادر: محمود بن محمد المؤمن (ت877هـ). فتوح النصر – دار الكتب المصرية رقم (2399). 

2 - الذهبي: شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد (ت748هـ). نسخة دار الكتب رقم 42 تاريخ الاسلام. 

3 - الخزرجي: محمد بن إبراهيم ابن أبي الفوارس الأنصاري (ت حوالي 655هـ) تاريخ دولة الأكراد والأتراك. معهد المخطوطات جامعة الدول العربية رقم 112. 

4 - الزبيدي: أبو عبدالرحمن بن علي البيع الشيباني (ت943هـ) بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد (القاهرة/ معهد المخطوطات القاهرة والآن تحت التحقيق). 


ب - المطبوعات: 

1 - ابن الأثير: أبو الحسن علي بن أبي الكرم الجزري (ت630هـ) الكامل في التاريخ 12 جزء دار صادر بيروت 1966م. 

2 - ابن أيبك: أبو بكر عبدالله الدواه داري (ت حوالي سنة 736هـ) كنز الدرر وجامع الغرر (الدر المطلوب في أخبار ملوك بني أيوب) جـ7 تحقيق سعيد عاشور القاهرة 1972م. 

3 - ابن تغري بردي: جمال الدين أبو المحاسن الأتابكي (ت704هـ) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 16 جزء – القاهرة 1929/ 1971م. 

4 - الحنبلي: أحمد بن إبراهيم (ت876هـ) شفاء القلوب في أخبار بني أيوب – تحقيق ناظم رشيد – مطبعة دار الحرية – بغداد 1978م. 

5 - الخزرجي: موفق الدين علي بن الحسن الأنصاري (ت812هـ) العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية جزءان – تحقيق محمد بسيوني عسل – مطبعة الهلال – القاهرة 1911م. 
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الغزو الايوبي لليمن

تعددت الأسباب والغزو واحد :
بعيداً عن الخلافات بين المؤرخين والتفسيرات والتأويلات حول الأسباب الحقيقية للغزو الأيوبي فإننا نجد أمامنا سبباً رئيسياً وآخر ثانوياً إضافة إلى أسباب أخرى تظافرت جميعها ودفعت بالأيوبيين إلى الاستيلاء على اليمن، فأما الرئيس فاقتصادي ويتمثل في السيطرة على ميناء عدن الذي كان يتحكم بالتجارة الشرقية الكبرى، وكان يضاهي في أهميته البندقية بل يتفوق عليه بشكل كبير جداً باعتباره ميناء يحمل عدة وظائف ، ويتفوق كذلك على بقية الموانئ والسواحل الغربية والجنوبية وإضافة إلى ما سيجنيه الأيوبيون من الموانئ اليمنية ،فإن عائدات النشاط الزراعي والتجاري ضاعف من أهمية اليمن في تلك الفترة لدرجة أن الأيوبيين حاولوا مصادرة جميع الأراضي الزراعية باليمن كما سنعرف.
وأما الثانوي فسياسي ويتمثل في الحيلولة دون نشوء دولة قوية في اليمن فقد كانت دولة بني مهدي وقتها تتوسع بشكل كبير وهو ما أثار مخاوف صلاح الدين، وفي الحقيقة فإن نشوء أي دولة قوية باليمن كان بمثابة خطر يتطلب التحرك العباسي المباشر أو عن طريق الأيوبيين ،فيما يرى آخرون أن الصراعات بين الحكام الأيوبيين بمصر جعل صلاح الدين يفكر في تسيير الحملات إلى اليمن حتى يتخلص من بعض منافسيه وخصومه أمثال نور الدين محمود زنكي ويرى بعض المؤرخين أن من أسباب الغزو ما لحق باليمنيين من ظلم على أيدي حكام دولة بني مهدي فاستدعى الأمر الاستجابة لمن طلب المعونة لرفع الظلم عنهم .
ورأي يقول إن توران شاه استجاب لتحريض شخص يدعى عمارة اليمني الذي أطمع القائد الأيوبي في اليمن بعد حديثه عن ثرواتها وخيراتها وهذا يأتي ضمن الصراعات أيضا في القاهرة ،فهناك من ربط تحريض عمارة والرغبة في إبعاد توران شاه عن مصر وهناك رأي يعيد الغزو الأيوبي لليمن إلى التعصب المذهبي لصلاح الدين ورغبته في القضاء على المذاهب المخالفة لمذهب الدولة العباسية .
منهم الشيعة الفاطميون ، وبغض النظر عن الأسباب فإن الصراعات بين اليمنيين وتحديداً محاولة بني مهدي التوسع وابتلاع دولة بني زريع المتحالفين مع بني حاتم في إشعال الحرب بينهما وهنا تهيأت الفرصة لصلاح الدين الأيوبي في غزو اليمن .

حجم الحملة وخط السير :
عين صلاح الدين شقيقه توران شاه قائداً للحملة العسكرية التي ستتولى بسط السيطرة على اليمن وكانت تلك الحملة تتكون من أهم القادة العسكريين الأيوبيين إضافة إلى 3 آلاف من الجنود من ذوي الخبرة القتالية العالية وقرر صلاح الدين تخصيص أموال كثيرة لتلك الحملة قدرت بمائتين وستين ألف دينار .
وبعد استكمال التجهيزات وجمع الجنود غادرت الحملة القاهرة المصرية متجهة إلى اليمن وذلك في سنة 1174م وبدأ خط سيرها عبر نهر النيل إلى قوص ثم براً إلى ميناء عيذاب ثم عبر السفن قاطعة البحر الأحمر إلى ميناء جدة ومنها اتجهت إلى مكة لأداء مناسك العمرة .
والسبب في سير الحملة عبر عيذاب وليس عبر السويس أو العقبة هو تأمين الحملة من التعرض للصليبيين الذين كانوا يسيطرون على فلسطين في تلك الفترة، واتجهت الحملة براً من مكة إلى جيزان ومن ثم إلى حرض وقد أعلن حاكم المخلاف السليماني قاسم بن غانم تأييده للحملة وانضمامه إليها لخلافات سابقة بينه وبني مهدي الذين سبق وأن هاجموا مناطق ابن غانم وقتلوا شقيقه وهاس ولهذا قدم ابن غانم دعمه للحملة وسار معها إلى زبيد .
وعلى ما يبدو أن دوره لم يقتصر على المشاركة الحربية بل قدم للأيوبيين معلومات عن بقية القوى اليمنية وعمل كمرشد أو كمستشار لهم.

المواجهة مع دولة بني مهدي :
كانت الدولة الأقوى على المسرح اليمني هي دولة بني مهدي فقد بسطت نفوذها على كامل تهامة وشنت الحروب على مختلف المناطق للتوسع حتى أن العباسيين والأيوبيين على حد سواء شعروا بالخطر فيما لو قرر بنو مهدي توسيع نفوذهم شمالاً إلى مكة والمدينة؛ ولهذا فقد سارعوا إلى القضاء عليها فكانت أول أهداف توران شاه الذي تقدم بجيشه في سهول تهامة الحارة، وما إن وصلت أخبار الحملة على عبدالنبي ابن مهدي حتى استنفر أتباعه واستعدوا للمواجهة، وما إن وصلت الحملة على مشارف زبيد حتى قرر الخروج إليها لقتالها حتى لايمنحها فرصة الوصول إلى أسوار المدينة ونصب السلالم لاقتحامها بالقوة فقام بحشد أتباعه حول السور من الجهة الخارجية ثم باشر التعبئة المعنوية للمقاتلين بالقول (كأنكم بهؤلاء وقد حمي عليهم الحر فهلكوا وما هم إلا أكلة رأس ) .
وفي الحقيقة أن الأيوبيين من خلال سيرهم على طول السهل التهامي الحار قد ألفوا ذلك الجو فلم تكن زبيد مفاجأة بالنسبة لهم بعد كل تلك الرحلة في المناطق الحارة ولهذا فقد أساء ابن مهدي تقدير الموقف عندما ظن أن المناخ التهامي قد أدى إلى إنهاك الأيوبيين وأن هزيمتهم مسألة وقت لا أكثر، غير أن نتائج المعركة لم تكن كما تصور ابن مهدي فكفاءة المقاتلين الأيوبيين تفوقت على اليمنيين الذين استبسلوا في الدفاع عن زبيد وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسيمة حتى أن المؤرخين أشاروا إلى أن المعر
كة استمرت لمدة ثلاثة أيام وفي اليوم الثالث نصب الأيوبيون السلالم واقتحموا الأسوار فتمكنوا من الدخول إلى وسط المدينة وبدأت بعد ذلك حملة مطاردات ضد أتباع بني مهدي.

جرائم الأيوبيين في زبيد :
كانت زبيد عاصمة دولة بني مهدي هي أول مدينة يمنية يستهدفها الأيوبيون الذين مارسوا بها أبشع أنواع الجرائم بحسب معظم المصادر التاريخية التي تحدثت عن تفاصيل ما بعد انتصار الأيوبيين على جيش بني مهدي الذي وقع الكثير من قادته في الأسر، أما عن الجرائم بحق الأهالي فتمثلت في استباحة المدينة فتسابق الغزاة للنهب والسلب بعد أن تمكنوا من نهب خزائن آل مهدي التي كانت تحتوي على ذخائر خمسة وعشرين دولة .
ولم تسلم أموال البسطاء من خيول ودواب وأمتعة وحبوب وأطعمة من النهب إضافة إلى الاعتداء على النساء، فمما يذكره المؤرخون أن الأيوبيين قاموا بسبي الكثير من نساء زبيد وبما حل بزبيد من أهوال على أيدي الأيوبيين سقطت دولة بني مهدي وسيطر توران شاه على المدينة وما حولها، أما بشأن مصير ابن مهدي فقد تضاربت الروايات إلا أن أغلبها تُجمعُ على قيام توران شاه بإعدامه شنقاً وهناك رواية أخرى أنه قُتل في المعركة .
ومما يدل على وحشية الغزاة الأيوبيين تعاملهم مع بني مهدي وأنصارهم فعندما عزم توران شاه على التقدم للمناطق الداخلية ولى على زبيد أحد القادة الأيوبيين وهو المبارك بن منقذ وأوكل إليه أمر تعذيب بني مهدي واستخلاص الأموال منهم .

أسباب هزيمة دولة بني مهدي في زبيد :
على ما يبدو أن ابن مهدي لم يستعد بما فيه الكفاية لقتال الأيوبيين فلم يبادر إلى سحب حامياته في بقية المناطق وحشد كافة قواته للدفاع عن زبيد فقد كان يراهن على ضعف الأيوبيين في القتال بمنطقة تهامة دون أن يدرك أن المقدرة القتالية للأيوبيين في المناطق المفتوحة كانت أعلى من المناطق الجبلية وزبيد من المناطق المفتوحة
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
عمارة اليمني:
شاعر سُني يمدح الفاطميين

مدح عُمارةُ اليمني العبيديين الفاطميين ودولتهم، ورثى حكامها، ودافع عن انتسابهم لآل البيت، وحزن على سقوطها على يد صلاح الدين، وكتب في ذلك القصائد، وتآمر مع الصليبيين لإعادتها، ودفع حياته ثمنا لمواقفه تلك. قد يبدو الكلام السابق طبيعيا لو أن الشاعر عمارة كان شيعياً على مذهب العبيديين الفاطميين، لكنه كان سنياً شافعياً، أغدق عليه الحكام الفاطميون ووزراؤهم المال الكثير، فجادت قريحته بمدحهم والثناء على دولتهم.

 

ترجمة الشاعر عمارة:

هو عمارة بن علي بن زيدان الحكمي المذحجي اليمني الشافعي، ولد سنة 515 هـ، وطلب العلم مدة بزبيد في اليمن، وهو شاعر فصيح وفقيه، حجّ في سنة 549 هـ، وهناك التقى بأمير مكة، قاسم بن فليتة، الذي أوفده إلى مصر، حيث خليفة الفاطميين، الفائز، فوصلها في شهر ربيع الأول من سنة 550هـ. فلما مثل عمارة أمام الفائز ووزيره الصالح طلائع بن رزّيك أنشد قصيدة قال في مطلعها:

الحمد للعيس بعد العزم والهمم                    حمدا يقوم بما أوْلت من النعم

 

ومما جاء في هذه القصيدة:

فهل درى البيت أني بعد فرقته
     ما سرت من حرم إلاّ إلى حرم

حيث الخلافة مضروب سرادقها 
      بين النقيضين من عفو ومن نقم

وللإمامة أنوار مقدسة   
          تجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم

أقسمت بالفائز المعصوم معتقدا 
   فوز النجاة وأجر البر في القسم

لقد حمى الدين والدنيا وأهلهما 
    وزيره الصالح الفراج للغمم

اللابس الفخر لم تنسج غلائله
     إلا يدا لصنيع السيف والقلم
 

لقد كانت هذه القصيدة مفتاح عمارة إلى قلوب الفاطميين وإلى مِنحهم، وأحدثت أثرا كبيرا في حياته، وقد قال هو عن قصيدته: "وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مرارا، والأستاذون وأعيان الأمراء والكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب، ثم أفيضت علي خلع من ثياب الخلافة ‏المذهبة، ودفع لي الصالح خمسمائة دينار، وإذا بعض الأستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الإمام الحافظ خمسمائة دينار أخرى، وحمل المال معي إلى منزلي، وأطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لأحد من قبلي، وتهادتني أمراء الدولة إلى‏ منازلهم للولائم، واستحضرني الصالح للمجالسة، ونظمني في سلك أهل المؤانسة، وانثالت علي صلاته وغمرني بره.."

عاد عمارة بعد ذلك إلى مكة، ومنها إلى مسقط رأسه في اليمن "ولم تبرح خياله ذكريات الأيام السعيدة التي قضاها في مصر، وما قوبل به من حفاوة وكرم، وأخذ يتحين الفرصة للعودة إليها مرة أخرى ليتخذ منها موطنا ومقاما"
من حاكم إلى حاكم:

عاد عمارة إلى مصر، وعاد إلى سيرته في مدح الدولة العبيدية الفاطمية، التي تولى العاضد حكمها بعد موت الفائز في سنة 555هـ (1660م)، وتقلبت الأوضاع في مصر في السنوات الأخيرة من عمر العبيديين الفاطميين، وتقلب معها عمارة، فقد كان مألوفاً أن يتولى الوزارة من يتمكن من التغلب على خصمه أو خصومه، ومدح عمارة الوزراء المتغلبين، وهجاهم بعد قتلهم أو الانقلاب عليهم، لا فرق عنده في ذلك بين الصالح وابنه العادل أو ضرغام أو شاور.

وبقي عمارة على هذا الحال إلى أن جاءت سنة 567هـ (1171م) ففي تلك السنة تمكن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله من القضاء على الدولة العبيدية الفاطمية، وإعادة مصر إلى مذهب أهل السنة ودولة الخلافة العباسية، فانحاز عمارة إلى الفاطميين وعطاياهم، وحنّ إلى ما كان ينعم به من ترف العيش في ظلهم، وأسف على زوال دولتهم، وقال في ذلك:

أسفي على زمن الإمام العاضد 
       أسف العقيم على فراق الواحد  
جالست من وزرائه وصحبت من
             أمرائه أهل الثناء الماجد 
لهفي على حجرات قصرك إذ خلت 
      يا ابن النبي من ازدحام الوافد

يقول د. علي الصلابي: "وأنا أستغرب من عمارة اليمني في نعيه لأيام الفاطميين وحنينه إلى بدعهم وأعيادهم وقصورهم، وتحديه للدولة السنية الجديدة في مصر، ودفاعه عن الفاطميين وأكاذيبهم في زعمهم بأنهم من النسل النبوي الكريم، فهل متاع الدنيا الزائل يفعل بالعقائد الصحيحة ما فعله بعمارة اليمني"([3]).

ولم يكن الشعر وسيلة عمارة الوحيدة لتمجيد الفاطميين والحنين إلى دولتهم بل إنه انضم إلى مشروع تآمري قام به بقايا الفاطميين والموالين لهم لاستقدام الصليبيين إلى مصر للقضاء على صلاح الدين ودولته الجديدة([4])، وقد أنشد تاج الدين الكندي في ذلك قائلا:

عمارة في الإسلام أبدى خيانة     
            وبايع فيها بيعة وصليبا
وأمسى شريك الشرك في بغض أحمد  
      فأصبح في حب الصليب صليبا
وكان خبيث الملتقى إن عجمته  
   تجد منه عودا في النفاق صليبا
سيلقى غدا ما كان يسعى لأجله 
           ويسقى صديدا في لظى وصليبا

 فما كان من صلاح الدين بعد أن انكشفت خيانة عمارة ورفاقه إلا أن قام بقتلهم، بعد استشارة الفقهاء، في سنة 569هـ، ودفع عمارة حياته ثمن مواقفه التي جعلت المال والعطايا قبل العقيدة والمبادئ "وهل العطايا والجاه والمناصب تجعل الإنسان يترك عقيدته الصحيحة و
يبكي على أطلال الدولة الفاطمية الشيعية الرافضية وينخرط في عمل تآمري ضد المشروع الإسلامي المقاوم للصليبيين في بلاد الإسلام؟ إن هذا لشيء عجاب"
 

عمارة سني:

وعلى الرغم من التودد الذي كان يبديه عمارة للفاطميين، ومجاراتهم في بعض عقائدهم الإسماعيلية، كالقسم بخليفتهم الفائز، واعتقاد العصمة فيه، وغير ذلك،  إلاّ أن ثمة شواهد عديدة تؤكد أنه سني وليس شيعيا إسماعيليا، من ذلك ما ذكره عمارة أنه "كانت تجري بحضرة الملك الصالح مسائل ومذاكرات، ويأمرني بالخوض مع الجماعة فيها، وأنا بمعزل عن ذلك، لا أنطق بحرف حتى جرى من بعض الأمراء الحاضرين ذكر السلف، فاعتمدت عند ذكره قول الله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره)([6]). ونهضت وخرجت، وانقطعت في منزلي ثلاثة أيام، ورسوله يأتي كل يوم فاستوحش من غيبتي، فقلت: إنه لم يكن بي وجع وإنما كرهت ما جرى في حق السلف وأنا حاضر فإن أمرتم بقطع ذلك حضرت. فقال: سألتك بالله ما الذي تعتقده في أبي بكر وعمر. قلت: أعتقد أنه لولاهما لم يبق الإسلام علينا وعليكم، وأن ما من مسلم إلا ومحبتهما واجبة عليه..".

 

كما يشهد له بذلك أحد أبياته التي مدح بها الفاطميين، وهو:

أفاعيلهم في الجود أفعال سنة                                وإن خالفوني في اعتقاد التشيع

وقد علق الإمام الذهبي على هذا البيت بقوله: "يا ليته تشيع فقط، بل يا ليته ترفض، وإنما يقال: هو انحلال وزندقة"
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
اليمن_تاريخ_وثقافة
#صور_يمنية
من اليمن لليمن للحضارة للفن للمدن للقرى للماضي للحاضر للارض للانسان للحرب للواقع
هنا
#اليمن

#صور_يمنية
#صور_يمنية
. #صور_يمنية

⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️⬇️
👍🏻

📸📸صورة🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪
https://tttttt.me/taye5
للاشتراك فـي القناة عبر الرابط التالي
👇👇👇👇👇👇👇👇
📸📸صورة🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪🇾🇪
لاباس عليك وستبقى شامخا مهما عتى وعدى عليك الزمن
🔵 www.telegram.me/taye5®
📸📸صور_يمنية 🇾🇪🇾🇪🇾🇪
#الزعازع وفيها الزعيمة والمساحين راسن والغيل و و كثيرا نسمع عنها ولم نرها
🔵 www.telegram.me/taye5®
📸📸صور_يمنية 🇾🇪🇾🇪🇾🇪
قلعة المصيرة #الزعازع

🔵 www.telegram.me/taye5®
📸📸صور_يمنية 🇾🇪🇾🇪🇾🇪
#الزعازع جنوب التربة الحجرية باتجاه الساحل والوازعية
🔵 www.telegram.me/taye5®
📸📸صور_يمنية 🇾🇪🇾🇪🇾🇪
#الزعازع

🔵 www.telegram.me/taye5®
📸📸صور_يمنية 🇾🇪🇾🇪🇾🇪