دراسة تحليلية لنقش سبئي جديد على مذبح أضحية
سالـم بن أحمد بن طيران
أستاذ مساعد ، قسم الآثار والمتاحف ، كلية الآداب ، جامعة الملك سعود
الرياض ، المملكة العربية السعودية
( قدم للنشر في2/8/1421هـ؛ وقبل للنشر بتاريخ 7 /1/1422هـ )
ملخص البحث . يشتمل هذا البحث على دراسة تحليلية لنقش سبئي جديد مكتوب على مذبح أضحية من الحجر الرسوبي الرملي ، عثر عليه في منطقة مأرب باليمن .
النقش يمثل نصاً تذكارياً يبين أن مذبح الأضحية هذا (م ذ ب ح ت) ، الذي يذبح عليه صاحب النص وأبناؤه أضحياتهم ، في اليوم السابع من شهر الحج ذي أبهي (ذ أ ب هـ ي) ، قد أهدي إلى معبود سبأ المقه ووضُع في حفظه وحمايته .
تم نقل معنى النص إلى اللغة العربية الفصحى ، ودراسة مفرداته دراسة اشتقاقية ، إضافة إلى توضيح دلالات أسماء الأعلام الواردة فيه ، وضبطها بالشكل، قياساً على ما ورد على شاكلتها في الكتب العربية . ومما يجعل النص أكثر أهمية ، احتواؤه على مفردة جديدة تضاف إلى معجم اللغة السبئية ؛ حيث لم ترد هذه المفردة قبل ذلك في النصوص السبئية المعروفة حتى الآن ، بل وغيرها من النصوص العربية الجنوبية القديمة . وقد جاءت هذه المفردة في شكل فعل مضارع في حال الجمع (ي م خ س ن ن) مشتق من الجذر (م خ س) على الأرجح ، والذي يحتمل من خلال سياق النص أن يكون معناه "نحر أو ضحى."
تمهيــد
احتل المعبد في مجتمع جنوب الجزيرة العربية القديم مكانة بارزة في إطار المؤسسة الدينية. فهو بيت المعبود ، ومصدر القوة الإلهية . لذلك فقد شيدت للآلهة معابد كثيرة في أماكن متفرقة من جنوب الجزيرة العربية . وأصبح لكل منطقة ولكل شعب معابد خاصة به.
واعتقد الإنسان القديم، في جنوب الجزيرة العربية، بوجود معبوداته بصفة أو بأخرى في تلك المعابد؛ لذلك كانت تقدم فيها القرابين والنذور والهبات للآلهة، وتمارس فيها الطقوس، والشعائر الدينية المختلفة الأخرى ، كالطهارة المقدسة والحج والاعتراف العلني والاستسقاء ؛ كما تقام فيها أيضا الاحتفالات والمناسبات الدينية الخاصة .
إن ممارسة العبادات وأداء الطقوس والشعائر الدينية المصاحبة لها في المعبد اقتضى توافر ما يسمى بالأثاث الشعائري؛(1) ويتمثل في ما عثر عليه في المعابد من أدوات خاصة بالطقوس والشعائر الدينية، مثل مذابح الأضاحي (م ذ ب ح ، م ذ ب ح ت ، م ن ط ف ت) ، ومناضد إراقة الخمر والزيت والعسل (م س ل م ، م ص ر ب) ، ومجامر حرق البخور (م ج م ر ، م ف ح م ، م ق ط ر) ، والتماثيل (ص ل م) ، والنصوص النقشية (م س ن د) .
كثير من أدوات الأثاث الشعائري هذه حملت نصوصا مكتوبة، تارة بالقلم المسند الغائر وتارة أخرى بالخط البارز ، تذكر إهداء المذبح أو المنضدة أو المجمرة أو التمثال للمعبود ، من قبل شخص أو عدة أشخاص أو أسرة بعينها . وبلغ الاهتمام بدراسة تلك الكتابات شأوا بعيدا ، لما تضيفه من معلومات تاريخية وحضارية ولغوية قيمة، ساعدت في إثراء معرفتنا بتاريخ جنوب الجزيرة العربية وحضارتها.
موضوع هذه الدراسة هو مثال لما سبق ذكره من الكتابات أو النصوص على الأدوات الخاصة بالشعائر والطقوس الدينية؛ وعلى وجه الخصوص الكتابات على مذابح الأضاحي . فمذبح الأضحية أو القربان (م ذ ب ح / م ذ ب ح ت) غالباً ما يكون في شكل منضدة من الحجر أو المرمر ،في سطحها العلوي تجويف منبسط، قليل العمق ، مزود بمجرى ينتهي غالباً برأس ثور.(2) ويذبح عليه عادة الذبائح أو الأضاحي التي تكون في الغالب من البقر والثيران والإبل والغنم والماعز . كما أن مذابح الأضاحي هذه كانت تهُدى للمعبود المقه،(3) أو توضع في حمايته وحفظه.(4)
وصف المذبح والنقش
عثر على هذا المذبح في منطقة مأرب ، وهو عبارة عن حجر رسوبي رملي، مستطيل الشكل،(5) طوله 83سم ، وارتفاعه (عرضه) 15سم ، وسمكه يتراوح ما بين 14-15.5سم (لوحة رقم 1) . السطح العلوي للحجر مصقول، وبه تجويف قليل ا لعمق ، طوله 17.5سم ، وعرضه نحو 9سم . أما عمقه فيبلغ نحو 1.5سم . وعلى وجهه نقش مكتوب بالخط المسند على امتداد طول الحجر في سطرين غائرين من اليمين إلى اليسار (لوحة رقم 2) .
لوحة رقم 1. المذبح من الأمام وعليه النقش.
لوحة رقم 2. السطح العلوي للمذبح
والنقش على الواجهة
تأريخ النص
ليس في النص حقيقة أو واقعة تاريخية يمكن الاعتماد عليها في إعطاء تاريخ محدد له . فهو يتحدث عن امتلاك شخصية دينية أو اجتماعية لهذا المذبح الذي قُدّم للمعبود المقه ووضع في حمايته . ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان طرح تاريخ دقيق لهذا النص . غير أنه، بالاعتماد على الخط وأشكال الحروف المستخدمة في كتابته، يمكن الوصول إلى تاريخ تقريبي له . فلو أمعنا النظر في شكل الحرف المستخدم في كتابة هذا النص، لوجدنا شبهاً بين رسم حروفه وبين أشكال الحروف في المرحلة الوسيطة في الخط المسند ، حيث الميل إلى الزخرفة ، وإحلال الزوايا الحادة محل الزوايا القائمة كما في حروف الألف والباء والسين والنون ، واتخاذ بعض الحروف مذنبات في نهاياتها كما في حروف الراء والفاء والميم
سالـم بن أحمد بن طيران
أستاذ مساعد ، قسم الآثار والمتاحف ، كلية الآداب ، جامعة الملك سعود
الرياض ، المملكة العربية السعودية
( قدم للنشر في2/8/1421هـ؛ وقبل للنشر بتاريخ 7 /1/1422هـ )
ملخص البحث . يشتمل هذا البحث على دراسة تحليلية لنقش سبئي جديد مكتوب على مذبح أضحية من الحجر الرسوبي الرملي ، عثر عليه في منطقة مأرب باليمن .
النقش يمثل نصاً تذكارياً يبين أن مذبح الأضحية هذا (م ذ ب ح ت) ، الذي يذبح عليه صاحب النص وأبناؤه أضحياتهم ، في اليوم السابع من شهر الحج ذي أبهي (ذ أ ب هـ ي) ، قد أهدي إلى معبود سبأ المقه ووضُع في حفظه وحمايته .
تم نقل معنى النص إلى اللغة العربية الفصحى ، ودراسة مفرداته دراسة اشتقاقية ، إضافة إلى توضيح دلالات أسماء الأعلام الواردة فيه ، وضبطها بالشكل، قياساً على ما ورد على شاكلتها في الكتب العربية . ومما يجعل النص أكثر أهمية ، احتواؤه على مفردة جديدة تضاف إلى معجم اللغة السبئية ؛ حيث لم ترد هذه المفردة قبل ذلك في النصوص السبئية المعروفة حتى الآن ، بل وغيرها من النصوص العربية الجنوبية القديمة . وقد جاءت هذه المفردة في شكل فعل مضارع في حال الجمع (ي م خ س ن ن) مشتق من الجذر (م خ س) على الأرجح ، والذي يحتمل من خلال سياق النص أن يكون معناه "نحر أو ضحى."
تمهيــد
احتل المعبد في مجتمع جنوب الجزيرة العربية القديم مكانة بارزة في إطار المؤسسة الدينية. فهو بيت المعبود ، ومصدر القوة الإلهية . لذلك فقد شيدت للآلهة معابد كثيرة في أماكن متفرقة من جنوب الجزيرة العربية . وأصبح لكل منطقة ولكل شعب معابد خاصة به.
واعتقد الإنسان القديم، في جنوب الجزيرة العربية، بوجود معبوداته بصفة أو بأخرى في تلك المعابد؛ لذلك كانت تقدم فيها القرابين والنذور والهبات للآلهة، وتمارس فيها الطقوس، والشعائر الدينية المختلفة الأخرى ، كالطهارة المقدسة والحج والاعتراف العلني والاستسقاء ؛ كما تقام فيها أيضا الاحتفالات والمناسبات الدينية الخاصة .
إن ممارسة العبادات وأداء الطقوس والشعائر الدينية المصاحبة لها في المعبد اقتضى توافر ما يسمى بالأثاث الشعائري؛(1) ويتمثل في ما عثر عليه في المعابد من أدوات خاصة بالطقوس والشعائر الدينية، مثل مذابح الأضاحي (م ذ ب ح ، م ذ ب ح ت ، م ن ط ف ت) ، ومناضد إراقة الخمر والزيت والعسل (م س ل م ، م ص ر ب) ، ومجامر حرق البخور (م ج م ر ، م ف ح م ، م ق ط ر) ، والتماثيل (ص ل م) ، والنصوص النقشية (م س ن د) .
كثير من أدوات الأثاث الشعائري هذه حملت نصوصا مكتوبة، تارة بالقلم المسند الغائر وتارة أخرى بالخط البارز ، تذكر إهداء المذبح أو المنضدة أو المجمرة أو التمثال للمعبود ، من قبل شخص أو عدة أشخاص أو أسرة بعينها . وبلغ الاهتمام بدراسة تلك الكتابات شأوا بعيدا ، لما تضيفه من معلومات تاريخية وحضارية ولغوية قيمة، ساعدت في إثراء معرفتنا بتاريخ جنوب الجزيرة العربية وحضارتها.
موضوع هذه الدراسة هو مثال لما سبق ذكره من الكتابات أو النصوص على الأدوات الخاصة بالشعائر والطقوس الدينية؛ وعلى وجه الخصوص الكتابات على مذابح الأضاحي . فمذبح الأضحية أو القربان (م ذ ب ح / م ذ ب ح ت) غالباً ما يكون في شكل منضدة من الحجر أو المرمر ،في سطحها العلوي تجويف منبسط، قليل العمق ، مزود بمجرى ينتهي غالباً برأس ثور.(2) ويذبح عليه عادة الذبائح أو الأضاحي التي تكون في الغالب من البقر والثيران والإبل والغنم والماعز . كما أن مذابح الأضاحي هذه كانت تهُدى للمعبود المقه،(3) أو توضع في حمايته وحفظه.(4)
وصف المذبح والنقش
عثر على هذا المذبح في منطقة مأرب ، وهو عبارة عن حجر رسوبي رملي، مستطيل الشكل،(5) طوله 83سم ، وارتفاعه (عرضه) 15سم ، وسمكه يتراوح ما بين 14-15.5سم (لوحة رقم 1) . السطح العلوي للحجر مصقول، وبه تجويف قليل ا لعمق ، طوله 17.5سم ، وعرضه نحو 9سم . أما عمقه فيبلغ نحو 1.5سم . وعلى وجهه نقش مكتوب بالخط المسند على امتداد طول الحجر في سطرين غائرين من اليمين إلى اليسار (لوحة رقم 2) .
لوحة رقم 1. المذبح من الأمام وعليه النقش.
لوحة رقم 2. السطح العلوي للمذبح
والنقش على الواجهة
تأريخ النص
ليس في النص حقيقة أو واقعة تاريخية يمكن الاعتماد عليها في إعطاء تاريخ محدد له . فهو يتحدث عن امتلاك شخصية دينية أو اجتماعية لهذا المذبح الذي قُدّم للمعبود المقه ووضع في حمايته . ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان طرح تاريخ دقيق لهذا النص . غير أنه، بالاعتماد على الخط وأشكال الحروف المستخدمة في كتابته، يمكن الوصول إلى تاريخ تقريبي له . فلو أمعنا النظر في شكل الحرف المستخدم في كتابة هذا النص، لوجدنا شبهاً بين رسم حروفه وبين أشكال الحروف في المرحلة الوسيطة في الخط المسند ، حيث الميل إلى الزخرفة ، وإحلال الزوايا الحادة محل الزوايا القائمة كما في حروف الألف والباء والسين والنون ، واتخاذ بعض الحروف مذنبات في نهاياتها كما في حروف الراء والفاء والميم
(6) (انظر شكل رقم 1) .
فالخط في هذا النص شبيه على سبيل المثال بخط النقشين RES 4085 و Gl 1321 واللذين يعودان إلى الفترة نحو 25ق.م. كما أنه يشبه خط النقشين Ja 855 و Istanbul 7628 ويعودان إلى الفترة من 75م-85م.(7)
إضافة إلى ذلك، لعل ذكر المعبود الوثني المقه، في هذا النص، دون غيره من المعبودات التي تكون معه، مجمع الآلهة السبئي ، ينبئنا أننا على مشارف القرن الأول الميلادي . ففي هذه الفترة، بدأت في سبأ تختفي تدريجياً أسماء المعبودات الخاصة بكل شعب، وأصبح المعبود المقه هو المعبود الذي يبتهل إليه في نهاية النقوش، كما هـو الحال في معظم النقوش التي عثر عليها في معبد أوام (محرم بلقيس).( من هذا المنطلق، يجوز لنا أن نقترح تأريخا تقريبيا للنص في الفترة ما بين الربع الأخير من القرن الأول قبل الميلاد والربع الأخير من القرن الأول الميلادي .
شكل رقم 1. أشكال حروف النقش مرتبة ترتيبا ألفبائيا
النص بحروف عربية
(انظر شكل رقم 2) .
م ذ ب ح ت / ع ب د م / و ب ن ي هـ و / ب ن ي / س ق ر ن / أ د م / ذ ع ق ب ن .
ذ ت / ب ع ل ي هـ / ي م خ س ن ن / ب س ب ع م / ذ أ ب هـ ي / و ر ث د هـ أل م ق هـ .
قراءة النص
مذبح ( قربان) عبد وأبنائه (من) بني سقران أتباع (أو موالي) قبيلة ذي عقبان .
الذي عليه (أي المذبح) يذبحون (أو ينحرون وذلك) في اليوم السابع (من شهر) ذي أبهى. وقد وضع (عبد) هذا المذبح في حماية المعبود المقه .
الحاشيـة
السطر الأول : م ذ ب ح ت : اسم مفرد مؤنث بمعنى "مذبح ، موضع تقريب ذبيحة" ، والصيغة المذكورة منه م ذ ب ح.(9) والمذبح في اللغات السامية مصطلح عام للمذبح أو المكان الذي تجلب إليه الأضاحي وتذبح عليه ؛ وهو مشتق من الجذر السامي ذ ب ح بمعنى "ذبح ، ضحى ، نحر". (10) وفي اللغة العربية الفصحى، المذابح أيضاً المحاريب ، والمقاصير ، وبيوت كتب النصارى.(11)
الاسم م ذ ب ح مشهود في النقوش العربية الجنوبية القديمة،(12) بمعنى "مذبح ، منحر ، موضع ذبح أو نحر".(13) ولعل كلمة م ذ ب ح(14) يقصد بها، في الأصل، المذبح المبني أو الثابت في المعبد، أي المذبح غير المتحرك أو غير المنقول(15) . أما كلمة م ذ ب ح ت ، فهي الصيغة المؤنثة لكلمة م ذ ب ح ، وترد كثيرا في النقوش العربية الجنوبية القديمة، وخاصة السبئية منها.(16)
ع ب د م : اسم علم بسيط، من المرجح قراءته قياساً على الاسم عَبْد في الموروث العربي(17) ، وفي آخره حرف الميم (التمييم) الذي يلحق بعض أسماء الأعلام في النقوش العربية القديمة . والاسم ع ب د م مشهود في النقوش السببئية،(18) والقتبانية،(19) ونقوش قرية الفاو،(20) وهو اسم شائع في النقوش السامية عدا الأكادية.(21)
و ب ن ي هـ و : الواو حرف عطف . ب ن ي هـ و : كلمة البنوة، في حال الجمع، بمعنى بنيه أو أبناؤه . ويلاحظ أن الكاتب قد أثبت الواو في ضمير الغائب المتصل – هـ و .
ب ن ي / س ق ر ن : بني سقران اسم علم يطلق على قبيلة ، مشهود في النقوش السبئية(22) على أنه اسم لقبيلة المدينة القديمة حاز . ويرجح قراءته على وزن فعلان، من الجذر س ق ر ، أي بني سقران .
والسقر في اللغة : البعد ، والسَّقْرُ من جوارح الطير، معروف لغة في الصقر . والسقّارُ : اللّعان الكافر . وسقرته الشمس، أي لفحته بحرها . وسقر اسم من أسماء جهنم ممنوع من الصرف.(23)
وقد ورد أيضاً اسم القبيلة ب ن و / س ق ر ن،في النقش السبئي يمن 16 من حقة همدان.(24)
أدم : اسم جمع بمعنى "أتباع ، موال ، رعية".(25) وهو اسم يحتوي على الجذر السامي أدم والذي يعني "رجل إنسان ، بشر"(26)، واسم العلم آدم يقصد به أبو البشر،عليه السلام ،وقيل سُمي آدم لأنه خُلق من أُدمَة الأرض أو لأُدْمَةٍ جعلها الله تعالى فيه . وأُدمة الأرض وأديمها وجهها ، والأُدْمة: السمرة الشديدة.(27)
ذ ع ق ب ن :اسم قبيلة، تسبقه أداة النسب إليها ذو ، ويرجح قراءته عقبان على وزن فعلان، من الجذر ع ق ب الذي يعني "عمل قائدا ، عمل واليا ، عمل عاقبا(28) . واسم القبيلة هذا مشهود في النقوش السبئية؛(29) ويرد كذلك بصغية ذ ع ق ب م، في النقوش السبئية من محرم بلقيس.(30) وفي كتابات الحضر الأرامية يرد اسم القبيلة (ب ت ع ق ب أ) و (ب ت ع ق ي ب أ) ويرد أيضاً اسم العلم ع ق ب ن.(31)
السطر الثاني : ذ ت : اسم موصول للمفرد المؤنث، بمعنى "التي" . والمقصود هنا المذبح (م ذ ب ح ت) .
ب ع ل ي هـ : حرف جر بمعنى "عليها"، أي الـ (م ذ ب ح ت) . وحرف الجر الأساسي هنا هو ع ل ي مسبوقا بالباء في أوله.(32) أما الهاء الأخيرة فهي ضمير متصل للمفرد الغائب المؤنث .
ي م خ س ن ن : فعل مضارع منون في حال جمع الغائبين ، مشتق من الجذر م خ س . ومبلغ علمي أن الجذر م خ س لم يرد في النصوص العربية الجنوبية القديمة سوى في هذا النقش . كما لا يوجد في المعاجم والقواميس العربية ما يساعد على الوصول إلى تفسير مقبول لمعنى الفعل ي م خ س ن ن . غير أنه من سياق النص، يمكن تقدير معنى الفعل ي م خ س ن ن بما له علاقة بعملية ذبح القربان أو الأضحية عل
فالخط في هذا النص شبيه على سبيل المثال بخط النقشين RES 4085 و Gl 1321 واللذين يعودان إلى الفترة نحو 25ق.م. كما أنه يشبه خط النقشين Ja 855 و Istanbul 7628 ويعودان إلى الفترة من 75م-85م.(7)
إضافة إلى ذلك، لعل ذكر المعبود الوثني المقه، في هذا النص، دون غيره من المعبودات التي تكون معه، مجمع الآلهة السبئي ، ينبئنا أننا على مشارف القرن الأول الميلادي . ففي هذه الفترة، بدأت في سبأ تختفي تدريجياً أسماء المعبودات الخاصة بكل شعب، وأصبح المعبود المقه هو المعبود الذي يبتهل إليه في نهاية النقوش، كما هـو الحال في معظم النقوش التي عثر عليها في معبد أوام (محرم بلقيس).( من هذا المنطلق، يجوز لنا أن نقترح تأريخا تقريبيا للنص في الفترة ما بين الربع الأخير من القرن الأول قبل الميلاد والربع الأخير من القرن الأول الميلادي .
شكل رقم 1. أشكال حروف النقش مرتبة ترتيبا ألفبائيا
النص بحروف عربية
(انظر شكل رقم 2) .
م ذ ب ح ت / ع ب د م / و ب ن ي هـ و / ب ن ي / س ق ر ن / أ د م / ذ ع ق ب ن .
ذ ت / ب ع ل ي هـ / ي م خ س ن ن / ب س ب ع م / ذ أ ب هـ ي / و ر ث د هـ أل م ق هـ .
قراءة النص
مذبح ( قربان) عبد وأبنائه (من) بني سقران أتباع (أو موالي) قبيلة ذي عقبان .
الذي عليه (أي المذبح) يذبحون (أو ينحرون وذلك) في اليوم السابع (من شهر) ذي أبهى. وقد وضع (عبد) هذا المذبح في حماية المعبود المقه .
الحاشيـة
السطر الأول : م ذ ب ح ت : اسم مفرد مؤنث بمعنى "مذبح ، موضع تقريب ذبيحة" ، والصيغة المذكورة منه م ذ ب ح.(9) والمذبح في اللغات السامية مصطلح عام للمذبح أو المكان الذي تجلب إليه الأضاحي وتذبح عليه ؛ وهو مشتق من الجذر السامي ذ ب ح بمعنى "ذبح ، ضحى ، نحر". (10) وفي اللغة العربية الفصحى، المذابح أيضاً المحاريب ، والمقاصير ، وبيوت كتب النصارى.(11)
الاسم م ذ ب ح مشهود في النقوش العربية الجنوبية القديمة،(12) بمعنى "مذبح ، منحر ، موضع ذبح أو نحر".(13) ولعل كلمة م ذ ب ح(14) يقصد بها، في الأصل، المذبح المبني أو الثابت في المعبد، أي المذبح غير المتحرك أو غير المنقول(15) . أما كلمة م ذ ب ح ت ، فهي الصيغة المؤنثة لكلمة م ذ ب ح ، وترد كثيرا في النقوش العربية الجنوبية القديمة، وخاصة السبئية منها.(16)
ع ب د م : اسم علم بسيط، من المرجح قراءته قياساً على الاسم عَبْد في الموروث العربي(17) ، وفي آخره حرف الميم (التمييم) الذي يلحق بعض أسماء الأعلام في النقوش العربية القديمة . والاسم ع ب د م مشهود في النقوش السببئية،(18) والقتبانية،(19) ونقوش قرية الفاو،(20) وهو اسم شائع في النقوش السامية عدا الأكادية.(21)
و ب ن ي هـ و : الواو حرف عطف . ب ن ي هـ و : كلمة البنوة، في حال الجمع، بمعنى بنيه أو أبناؤه . ويلاحظ أن الكاتب قد أثبت الواو في ضمير الغائب المتصل – هـ و .
ب ن ي / س ق ر ن : بني سقران اسم علم يطلق على قبيلة ، مشهود في النقوش السبئية(22) على أنه اسم لقبيلة المدينة القديمة حاز . ويرجح قراءته على وزن فعلان، من الجذر س ق ر ، أي بني سقران .
والسقر في اللغة : البعد ، والسَّقْرُ من جوارح الطير، معروف لغة في الصقر . والسقّارُ : اللّعان الكافر . وسقرته الشمس، أي لفحته بحرها . وسقر اسم من أسماء جهنم ممنوع من الصرف.(23)
وقد ورد أيضاً اسم القبيلة ب ن و / س ق ر ن،في النقش السبئي يمن 16 من حقة همدان.(24)
أدم : اسم جمع بمعنى "أتباع ، موال ، رعية".(25) وهو اسم يحتوي على الجذر السامي أدم والذي يعني "رجل إنسان ، بشر"(26)، واسم العلم آدم يقصد به أبو البشر،عليه السلام ،وقيل سُمي آدم لأنه خُلق من أُدمَة الأرض أو لأُدْمَةٍ جعلها الله تعالى فيه . وأُدمة الأرض وأديمها وجهها ، والأُدْمة: السمرة الشديدة.(27)
ذ ع ق ب ن :اسم قبيلة، تسبقه أداة النسب إليها ذو ، ويرجح قراءته عقبان على وزن فعلان، من الجذر ع ق ب الذي يعني "عمل قائدا ، عمل واليا ، عمل عاقبا(28) . واسم القبيلة هذا مشهود في النقوش السبئية؛(29) ويرد كذلك بصغية ذ ع ق ب م، في النقوش السبئية من محرم بلقيس.(30) وفي كتابات الحضر الأرامية يرد اسم القبيلة (ب ت ع ق ب أ) و (ب ت ع ق ي ب أ) ويرد أيضاً اسم العلم ع ق ب ن.(31)
السطر الثاني : ذ ت : اسم موصول للمفرد المؤنث، بمعنى "التي" . والمقصود هنا المذبح (م ذ ب ح ت) .
ب ع ل ي هـ : حرف جر بمعنى "عليها"، أي الـ (م ذ ب ح ت) . وحرف الجر الأساسي هنا هو ع ل ي مسبوقا بالباء في أوله.(32) أما الهاء الأخيرة فهي ضمير متصل للمفرد الغائب المؤنث .
ي م خ س ن ن : فعل مضارع منون في حال جمع الغائبين ، مشتق من الجذر م خ س . ومبلغ علمي أن الجذر م خ س لم يرد في النصوص العربية الجنوبية القديمة سوى في هذا النقش . كما لا يوجد في المعاجم والقواميس العربية ما يساعد على الوصول إلى تفسير مقبول لمعنى الفعل ي م خ س ن ن . غير أنه من سياق النص، يمكن تقدير معنى الفعل ي م خ س ن ن بما له علاقة بعملية ذبح القربان أو الأضحية عل
ى المذبح؛ومن ثم فإن معنى الفعل يكون على الأرجح "ذبح، نحر ، ضحى".(33) هذا المعنى يرد في النقوش العربية الجنوبية القديمة لألفاظ أخرى، مثل اللفظ (ذ ب ح ) الذي يأتي في النقوش السبئية ، كفعل ماض مجرد بمعنى "ذبح ، قتل ، ضحى،" وكفعل مزيد بالهاء في أوله (هـ ذ ب ح)، ويعني "جعل (أحداً) يضحي." والاسم (ذ ب ح) وجمعه (أ ذ ب ح)، بمعنى "ذبيحة ، أضحية."(34) إضافة إلى ذلك، فإن الفعل (هـ ر ج) مشهود في النقوش العربية الجنوبية بمعنى "قتل ، ذبح."(35)
وقد كانت الذبائح الحيوانية من وسائل التقرب للآلهة . فالذبح أو نحر الحيوان يحدث في مناسبات خاصة ، كالاحتفال عند انتهاء بناء منشأة ما، أو تعبير عن الشكر والحمد للآلهة على تحقيقها لرغبات المتعبدين وأمنياتهم، كمنحهم أولادا ذكورا أصحاء أو غير ذلك ، أو في مناسبات عامة، كالاحتفالات الدينية أو الحج أو غيرها . ومن الحيوانات التي تذبح للتقرب إلى الآلهة تأتي الثيران في المرتبة الأولى، ثم البقر والغنم والماعز ، بالإضافة إلى حيوانات أخرى ، كما يتضح لنا في أحد النقوش الحضرمية(36) من منطقة العقلة ؛ حيث يسجل الملك الحضرمي يدع أل بيّن بن رب شمس رحلة صيد واحتفالاً ، تم خلاله ذبح مجموعة من الحيوانات هي خمس وثلاثون بقرة ، اثنان وثمانون حواراً (جملاً صغيراً) ، خمس وعشرون ظبياً ، وثمانية فهود .
ب س ب ع م / ذ أ ب هـ ي : أي "في سبع (من شهر) ذي أبهي." فالباء في لفظه بسبعم حرف جر ، ، وسبعم : اسم عدد مفرد ، الميم فيه علامة التمييم . والمقصود اليوم السابع من (شهر) ذي أبهي .
ذو أبهي اسم لشهر ، أي ذو البهاء . والبهاء : المنظر الحسن الرائع . والبهي: الشيء ذو البهاء مما يملأ العين حسنة وجمالة.(37) فهو الشهر الذي يملأ العين حسناً وجمالا، لما فيه من أيام دينية تعد أعياداً يجتمع الناس فيها لأداء الشعائر الدينية المفروضة عليهم، ثم الاحتفال معاً بما يدخل على أنفسهم الفرح والسرور .
وقد أرخ به السبئيون نقوشهم، وخاصة في المراحل الأولى من تاريخ دولتهم . فمن دراسة النقوش،أمكن التعرف على اسم هذا الشهر، وأسماء شهور أخرى مبكرة، ترتبط غالباً بالأمور الدينية ؛ وبعضها له دلالات مرتبطة بالزراعة ، مثل الشهور د ث أ ، ذ أ ب هـ ي ، ذ أ ل أ ل ت ، ذ س ح ر ، ذ ع ث ت ر ، ذ ص ر ر.(38) . حيث ورد الشهر ذ أ ب هـ ي ، في نقوش سبئية مؤرخة وفق نظام عهود الأشخاص Eponymat.(39) وثمة أمثلة جمة تشير إلى ذلك، نذكر منها :
و ك و ن / ذ ن / و ت ف ن / ب و ر خ / ذ أ ب هـ ي / ذ خ ر ف / و د د ا ل / ب ن / أ ب ك ر ب / ب ن / ح ذ م ت.(40)
وكان هذا العقد / الوثيقة (الوتف) في شهر ذي أبهي من سنة (كهانة) و د د ال بن أب كرب بن حذمة .
ب و ر خ / ذ أ ب هـ ي / ذ خ ر ف / ت ب ع ك ر ب / ب ن / و د د أل / ب ن / ك ب ر / خ ل ل.(41)
في شهر ذي أبهي من سنة (كهانة) تبع كرب بن ودد إل من أسرة بني كبير خليل .
ب و ر خ / ذ أ ب هـ ي / ذ خ ر ف / ن ش أ ك ر ب / ب ن / م ع د ك ر ب / ب ن / ح ذ م ت / ث ل ث ن.(42)
وذلك في شهر ذي أبهي من سنة (كهانة) نشأ كرب بن معد كرب من بني حذمة (الثالثة) .
غير أنه من الملاحظ أن اسم هذا الشهر (ذ أ ب هـ ي) قد تلاشى استخدامه في نقوش المرحلة الحميرية؛ وذلك بسبب ظهور أسماء شهور أخرى، ذات علاقة بالتقويم الحميري.(43) .وكان للسبئيين، في شهر ذي أبهي، مناسبة دينية عامة، ذات طابع سياسي، تسمى في النقوش العربية الجنوبية القديمة (ح ض ر ) ، والجمع منها (أ ح ض ر) ، وهي في الواقع حج أو عيد أو زيارة،(44) تقوم به سبأ والقبائل الخاضعة لها؛ حيث يأتي الناس، في كل عام، من شتى أنحاء الدولة السبئية ، ويجتمعون بمعبد الإله المقه أوام في مأرب ، في وقت محدد من شهر ذي أبهي لأداء مناسك الحج، ولتجديد الولاء للاتحاد السبئي وللمعبود الرئيس المقه .
والحج في جميع الأديان يقصد به الذهاب إلى الأماكن المقدسة ، أو بيوت الآلهة، في أزمنة معلومة من العام، لتأدية الطقوس والشعائر التعبدية ، وتقديم القرابين والنذور للآلهة . وهو في اليمن القديم بالمعنى نفسه أي زيارة معبود معين في مكان معين وفي زمان محدد من العام . ولذلك أصبحت بعض معابد الآلهة بمثابة المزار أو المكان المقدس الذي يحج إليه الناس، في فترات محددة من العام . وقد أشارت كتب المؤرخين المسلمين إلى الحج في اليمن القديم ؛ فيذكر الهمداني، في كتاب الإكليل ، "أن ريام بيت كان منسكاً ينسك عنده ويحج إليه ، وهو في رأس جبل أتوه من بلد همدان."(45) والمقصود أن ريام معبد قديم من بلد همدان، كان الناس قديماً يفدون إليه للحج، وآداء مناسك دينية، ذات علاقة بمعتقداتها . كما يروي ابن الكلبي، في كتاب الأصنام "أنه كان لحمير بيت يقال له ريام ، يعظمونه ويتقربون عنده بالذبائح ، وكانوا – فيما يذكرون – يكلمون منه … ."(46)
وكان في اليمن عدد من المدن القديمة التي طفق الناس يزورونها، ويحجون إليها، مثل مدينة يثل (براقش) في الجوف ، ومدينة شبوة، في حضرموت ، ومدينة مأرب، في سبأ .
وفي النقوش السبئية
وقد كانت الذبائح الحيوانية من وسائل التقرب للآلهة . فالذبح أو نحر الحيوان يحدث في مناسبات خاصة ، كالاحتفال عند انتهاء بناء منشأة ما، أو تعبير عن الشكر والحمد للآلهة على تحقيقها لرغبات المتعبدين وأمنياتهم، كمنحهم أولادا ذكورا أصحاء أو غير ذلك ، أو في مناسبات عامة، كالاحتفالات الدينية أو الحج أو غيرها . ومن الحيوانات التي تذبح للتقرب إلى الآلهة تأتي الثيران في المرتبة الأولى، ثم البقر والغنم والماعز ، بالإضافة إلى حيوانات أخرى ، كما يتضح لنا في أحد النقوش الحضرمية(36) من منطقة العقلة ؛ حيث يسجل الملك الحضرمي يدع أل بيّن بن رب شمس رحلة صيد واحتفالاً ، تم خلاله ذبح مجموعة من الحيوانات هي خمس وثلاثون بقرة ، اثنان وثمانون حواراً (جملاً صغيراً) ، خمس وعشرون ظبياً ، وثمانية فهود .
ب س ب ع م / ذ أ ب هـ ي : أي "في سبع (من شهر) ذي أبهي." فالباء في لفظه بسبعم حرف جر ، ، وسبعم : اسم عدد مفرد ، الميم فيه علامة التمييم . والمقصود اليوم السابع من (شهر) ذي أبهي .
ذو أبهي اسم لشهر ، أي ذو البهاء . والبهاء : المنظر الحسن الرائع . والبهي: الشيء ذو البهاء مما يملأ العين حسنة وجمالة.(37) فهو الشهر الذي يملأ العين حسناً وجمالا، لما فيه من أيام دينية تعد أعياداً يجتمع الناس فيها لأداء الشعائر الدينية المفروضة عليهم، ثم الاحتفال معاً بما يدخل على أنفسهم الفرح والسرور .
وقد أرخ به السبئيون نقوشهم، وخاصة في المراحل الأولى من تاريخ دولتهم . فمن دراسة النقوش،أمكن التعرف على اسم هذا الشهر، وأسماء شهور أخرى مبكرة، ترتبط غالباً بالأمور الدينية ؛ وبعضها له دلالات مرتبطة بالزراعة ، مثل الشهور د ث أ ، ذ أ ب هـ ي ، ذ أ ل أ ل ت ، ذ س ح ر ، ذ ع ث ت ر ، ذ ص ر ر.(38) . حيث ورد الشهر ذ أ ب هـ ي ، في نقوش سبئية مؤرخة وفق نظام عهود الأشخاص Eponymat.(39) وثمة أمثلة جمة تشير إلى ذلك، نذكر منها :
و ك و ن / ذ ن / و ت ف ن / ب و ر خ / ذ أ ب هـ ي / ذ خ ر ف / و د د ا ل / ب ن / أ ب ك ر ب / ب ن / ح ذ م ت.(40)
وكان هذا العقد / الوثيقة (الوتف) في شهر ذي أبهي من سنة (كهانة) و د د ال بن أب كرب بن حذمة .
ب و ر خ / ذ أ ب هـ ي / ذ خ ر ف / ت ب ع ك ر ب / ب ن / و د د أل / ب ن / ك ب ر / خ ل ل.(41)
في شهر ذي أبهي من سنة (كهانة) تبع كرب بن ودد إل من أسرة بني كبير خليل .
ب و ر خ / ذ أ ب هـ ي / ذ خ ر ف / ن ش أ ك ر ب / ب ن / م ع د ك ر ب / ب ن / ح ذ م ت / ث ل ث ن.(42)
وذلك في شهر ذي أبهي من سنة (كهانة) نشأ كرب بن معد كرب من بني حذمة (الثالثة) .
غير أنه من الملاحظ أن اسم هذا الشهر (ذ أ ب هـ ي) قد تلاشى استخدامه في نقوش المرحلة الحميرية؛ وذلك بسبب ظهور أسماء شهور أخرى، ذات علاقة بالتقويم الحميري.(43) .وكان للسبئيين، في شهر ذي أبهي، مناسبة دينية عامة، ذات طابع سياسي، تسمى في النقوش العربية الجنوبية القديمة (ح ض ر ) ، والجمع منها (أ ح ض ر) ، وهي في الواقع حج أو عيد أو زيارة،(44) تقوم به سبأ والقبائل الخاضعة لها؛ حيث يأتي الناس، في كل عام، من شتى أنحاء الدولة السبئية ، ويجتمعون بمعبد الإله المقه أوام في مأرب ، في وقت محدد من شهر ذي أبهي لأداء مناسك الحج، ولتجديد الولاء للاتحاد السبئي وللمعبود الرئيس المقه .
والحج في جميع الأديان يقصد به الذهاب إلى الأماكن المقدسة ، أو بيوت الآلهة، في أزمنة معلومة من العام، لتأدية الطقوس والشعائر التعبدية ، وتقديم القرابين والنذور للآلهة . وهو في اليمن القديم بالمعنى نفسه أي زيارة معبود معين في مكان معين وفي زمان محدد من العام . ولذلك أصبحت بعض معابد الآلهة بمثابة المزار أو المكان المقدس الذي يحج إليه الناس، في فترات محددة من العام . وقد أشارت كتب المؤرخين المسلمين إلى الحج في اليمن القديم ؛ فيذكر الهمداني، في كتاب الإكليل ، "أن ريام بيت كان منسكاً ينسك عنده ويحج إليه ، وهو في رأس جبل أتوه من بلد همدان."(45) والمقصود أن ريام معبد قديم من بلد همدان، كان الناس قديماً يفدون إليه للحج، وآداء مناسك دينية، ذات علاقة بمعتقداتها . كما يروي ابن الكلبي، في كتاب الأصنام "أنه كان لحمير بيت يقال له ريام ، يعظمونه ويتقربون عنده بالذبائح ، وكانوا – فيما يذكرون – يكلمون منه … ."(46)
وكان في اليمن عدد من المدن القديمة التي طفق الناس يزورونها، ويحجون إليها، مثل مدينة يثل (براقش) في الجوف ، ومدينة شبوة، في حضرموت ، ومدينة مأرب، في سبأ .
وفي النقوش السبئية
ي أيضا كفعل مزيد بحرف التاء (ر ت ث د)، بمعنى "جعل في حمايته ، وضع في حمايته"(57) . وجدير بالذكر أن مذابح الأضاحي كانت، في الغالب، تقدم كقربان للمعبود المقه،كما في النص السبئي المذكور أعلاه : "…/ ش م / م ذ ب ح ت ن / ل أ ل م ق هـ / ل ذ ب ح هـ م و،"(58) أو توضع في حمايته وحفظه كما في النص السبئي(59) الذي فحواه :
م ذ ب ح ت / أل أو س / ب ن / ص ب ح هـ م و / ج ذ و ي ن /
و ر ث د هـ / أل م ق هـ .
مذبح (أضحية أو أضاحي) إل أوس بن صبحهم الجذوي . وقد وضعه (أي المذبح) في حماية وحفظ المعبود المقه(60). والمقه الذي وضع هذا المذبح في حمايته وحفظه يمثل المعبود القمر، كما يستدل من الرموز الحيوانية التي كانت تُذكر ، أو تُصّور مرتبطةً به .
يرد اسم (ا ل م ق هـ)، في معظم النقوش اليمنية القديمة، حتى القرن الأول الميلادي ؛ في حين جاء بصيغة ( ا ل م ق هـ و)، أي بزيادة حرف الواو في آخره ، في النقوش التي ترجع إلى القرن الثاني الميلادي وما بعده . وقد اختلف العلماء كثيراً حول اشتقاق اسم المقه ، ولم يستقروا إلى الآن على تفسير له . وجاء اختلافهم في التفسير نتيجة تباين قراءاتهم لهذا الاسم . فمنهم من رأى أن الاسم يتألف من جزئين هما اسم الإله السامي القديم إل واسم الفاعل م ق هـ من الجذر و ق هـ ،بمعنى أمر أي "الإله الآمر" أو "الإله الأمّار." ومنهم من رأى أن اللفظ م ق هـ يعني خِصْب، فيصبح اسم الإله بمعنى "إله الخصب." وأحدث الآراء ، في هذا الشأن ، ما ذكره إبراهيم الصلوي من أن اسم الإله ا ل م ق هـ (و) يتألف من ثلاثة أجزاء هي (إل) اسم الإله السامي القديم، و (م ق) ويقرأ ماقي كاسم فاعل بمعنى "صائن ، حافظ ، حام" من الجذر مقا ، ثم (هـ و) ضمير المفرد الغائب للمذكر . وعليه تصبح قراءة الاسم (إل ما قي هو) بمعنى "الإله الصائن ، الحافظ ، الحامي."(61)
ونستدل من النقوش السبئية المبكرة مثل نقش صرواح الكبير، أو نقش النصر(62) أن المقه كان في أول الأمر، معبودا لقبيلة سبأ ؛ وعندما أصبحت هذه القبيلة هي الحاكمة، ارتفعت مكانته وأصبح معبود دولة سبأ الرسمي. ثم انتشرت عبادته في كثير من مناطق اليمن القديم، إلى جانب الآلهة المحلية هناك . وقد احتل المقه المرتبة الثانية ، بعد المعبود عثتر، في صيغ الدعاء ، التي عادةً ما تختتم بها النقوش.(63)
أُوقف لهذا المعبود كثير من الأملاك والأراضي الزراعية ، كما أقيم له معابد عدة، منها معبد أوام (محرم بلقيس) ، وهو المعبد الرئيس لمملكة سبأ ، ومعبد برأن (عرش بلقيس أو العمائد)، وكلاهما خارج مدينة مأرب ، ومعبد أو عال صراوح، ويقع في مدينة صرواح ، العاصمة السبئية الأولى ، إضافة إلى معابد أخرى له ، في المناطق المعينية والقتبانية . ولذلك فقد عُرف المعبود المقه بصفات وألقاب عديدة ، تدل على انتشار معابده ، في المناطق التي عثر فيها على النقوش التي ذكرت اسمه مع تلك الألقاب(64) مثل (ا ل م ق هـ/ ب ع ل / أ و م)(65) أي "المقه رب معبد أوام" ، أو (ال م ق هـ / ث هـ و ن / ب ع ل / أ و م)(66) ، و (ا ل م ق هـ / ب ع ل / أو ع ل / ص ر و ح)(67) أي "المقه رب معبد أو عال صرواح" ، و ( / ب ع ل / ح ر و ن م)(68) أي"المقه رب معبد حرونم." وبما أن عبادة المقه أصبحت رمزا للولاء والطاعة للحكم المركزي في سبأ ، فقد كان الناس يتوجهون، في أيام معلومة من السنة، من مختلف المناطق، إلى معبد أوام، إما للحج وإقامة الشعائر الدينية، أو لتقديم القرابين والنذور، طلبا للنجاة أو الحماية من المصائب والكوارث.(69)
م ذ ب ح ت / أل أو س / ب ن / ص ب ح هـ م و / ج ذ و ي ن /
و ر ث د هـ / أل م ق هـ .
مذبح (أضحية أو أضاحي) إل أوس بن صبحهم الجذوي . وقد وضعه (أي المذبح) في حماية وحفظ المعبود المقه(60). والمقه الذي وضع هذا المذبح في حمايته وحفظه يمثل المعبود القمر، كما يستدل من الرموز الحيوانية التي كانت تُذكر ، أو تُصّور مرتبطةً به .
يرد اسم (ا ل م ق هـ)، في معظم النقوش اليمنية القديمة، حتى القرن الأول الميلادي ؛ في حين جاء بصيغة ( ا ل م ق هـ و)، أي بزيادة حرف الواو في آخره ، في النقوش التي ترجع إلى القرن الثاني الميلادي وما بعده . وقد اختلف العلماء كثيراً حول اشتقاق اسم المقه ، ولم يستقروا إلى الآن على تفسير له . وجاء اختلافهم في التفسير نتيجة تباين قراءاتهم لهذا الاسم . فمنهم من رأى أن الاسم يتألف من جزئين هما اسم الإله السامي القديم إل واسم الفاعل م ق هـ من الجذر و ق هـ ،بمعنى أمر أي "الإله الآمر" أو "الإله الأمّار." ومنهم من رأى أن اللفظ م ق هـ يعني خِصْب، فيصبح اسم الإله بمعنى "إله الخصب." وأحدث الآراء ، في هذا الشأن ، ما ذكره إبراهيم الصلوي من أن اسم الإله ا ل م ق هـ (و) يتألف من ثلاثة أجزاء هي (إل) اسم الإله السامي القديم، و (م ق) ويقرأ ماقي كاسم فاعل بمعنى "صائن ، حافظ ، حام" من الجذر مقا ، ثم (هـ و) ضمير المفرد الغائب للمذكر . وعليه تصبح قراءة الاسم (إل ما قي هو) بمعنى "الإله الصائن ، الحافظ ، الحامي."(61)
ونستدل من النقوش السبئية المبكرة مثل نقش صرواح الكبير، أو نقش النصر(62) أن المقه كان في أول الأمر، معبودا لقبيلة سبأ ؛ وعندما أصبحت هذه القبيلة هي الحاكمة، ارتفعت مكانته وأصبح معبود دولة سبأ الرسمي. ثم انتشرت عبادته في كثير من مناطق اليمن القديم، إلى جانب الآلهة المحلية هناك . وقد احتل المقه المرتبة الثانية ، بعد المعبود عثتر، في صيغ الدعاء ، التي عادةً ما تختتم بها النقوش.(63)
أُوقف لهذا المعبود كثير من الأملاك والأراضي الزراعية ، كما أقيم له معابد عدة، منها معبد أوام (محرم بلقيس) ، وهو المعبد الرئيس لمملكة سبأ ، ومعبد برأن (عرش بلقيس أو العمائد)، وكلاهما خارج مدينة مأرب ، ومعبد أو عال صراوح، ويقع في مدينة صرواح ، العاصمة السبئية الأولى ، إضافة إلى معابد أخرى له ، في المناطق المعينية والقتبانية . ولذلك فقد عُرف المعبود المقه بصفات وألقاب عديدة ، تدل على انتشار معابده ، في المناطق التي عثر فيها على النقوش التي ذكرت اسمه مع تلك الألقاب(64) مثل (ا ل م ق هـ/ ب ع ل / أ و م)(65) أي "المقه رب معبد أوام" ، أو (ال م ق هـ / ث هـ و ن / ب ع ل / أ و م)(66) ، و (ا ل م ق هـ / ب ع ل / أو ع ل / ص ر و ح)(67) أي "المقه رب معبد أو عال صرواح" ، و ( / ب ع ل / ح ر و ن م)(68) أي"المقه رب معبد حرونم." وبما أن عبادة المقه أصبحت رمزا للولاء والطاعة للحكم المركزي في سبأ ، فقد كان الناس يتوجهون، في أيام معلومة من السنة، من مختلف المناطق، إلى معبد أوام، إما للحج وإقامة الشعائر الدينية، أو لتقديم القرابين والنذور، طلبا للنجاة أو الحماية من المصائب والكوارث.(69)