غِرَاسُ السَّلَفِ 📚
2.56K subscribers
1.87K photos
49 videos
27 files
151 links
قال شيخُ الإسلامِ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ سُفيانُ بنُ سعيدٍ الثَّوريُّ: "إنِ استطعتَ ألَّا تحكَّ رأسَك إلَّا بأثَرٍ فافْعَلْ!".

بوت القناة: @G_Salafi_bot
Download Telegram
قال الإمامُ أحمدُ في الزُّهدِ ( ٩٩٥ ): حدَّثني كثيرٌ، حدَّثنا جعفرٌ، حدَّثنا يزيدُ بنُ الأصمِّ قال: سمعتُ أبا هُرَيرةَ يقولُ: "يُبصِرُ أحدُكم القذاةَ في عينِ أخيه، وينسى الجَذعَ أوِ الجِذلَ في عينِه".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مُسلِمٍ.
وكثيرٌ هو ابنُ هِشامٍ، وجعفرٌ هو ابنُ بُرقانَ.

ورواه أبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في الصَّمتِ ( ١٩٤ ) وفي ذمِّ الغِيبةِ ( ٥٧ ) من طريقِ كثيرِ بنِ هِشامٍ، به.

ورواه البُخاريُّ في الأدَبِ المُفرَدِ ( ٥٩٢ ) من طريقِ مِسكينِ بنِ بُكَيرٍ الحرَّانيِّ، عن جعفرِ بنِ بُرقانَ، عن يزيدَ، عن أبي هُرَيرةَ موقوفًا.

وخالفَ مُحمَّدُ بنُ حِميَرَ كثيرَ بنَ هِشامٍ، ومِسكينَ بنَ بُكَيرٍ؛ فرواه مرفوعًا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:

رواه ابنُ صاعدٍ في زوائدِ الزُّهدِ لابنِ المُبارَكِ ( ٢١٢ )، وابنُ حِبَّانَ ( ٥٧٦١ )، وأبو الشَّيخِ في أمثالِ الحديثِ ( ٢١٧ )، والقُضاعيُّ في مُسنَدِ الشَّهابِ ( ٦١٠ )، وأبو نُعَيمٍ في الحِليةِ ( ٤ / ٩٩ )، والبيهقيُّ في الشُّعَبِ ( ٦٣٣٧ ) من طريقِ مُحمَّدِ بنِ حِميَرَ، عن جعفرِ بنِ بُرقانَ، عن يزيدَ بنِ الأصمِّ، عن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

قال أبو نُعَيمٍ: "غريبٌ من حديثِ يزيدَ؛ تفرَّدَ به مُحمَّدُ بنُ حِميَرَ، عن جعفرٍ". اهـ

أي: تفرَّدَ برفعِه.
ومُحمَّدُ بنُ حِميَرَ وإن كان صدوقًا؛ إلَّا أنَّ روايةَ مَن أوقفَ الأثرَ على أبي هُرَيرةَ أصحُّ، ورُواتُه أقوى.
وهو -أي مُحمَّدُ بنُ حِميَرَ- مُختَلفٌ فيه.

والحديثُ قد صحَّحهُ الشَّيخُ الألبانيُّ مرفوعًا وموقوفًا.

وهذا الأثَرُ يُضرَبُ مثَلًا لمن يرى الصَّغيرَ من عُيوبِ النَّاسِ، وفيه من العُيوبِ ما نِسبتُه إليه كنِسبةِ الجِذعِ إلى القذاةِ!

وقال البُخاريُّ: قال أبو عُبَيدٍ: "الجِذلُ: الخشبةُ العاليةُ الكبيرةُ".

ورُوِيَ عن عَمرِو بنِ العاصِ رضي اللهُ عنه من قولِه:

قال البُخاريُّ في الأدَبِ المُفرَدِ ( ٨٨٦ ): حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ قال: حدَّثني مُوسى بنُ عُلَيٍّ، عن أبيه، عن عمرِو بنِ العاصِ قال: "عجبتُ من الرجلِ يفرُّ من القَدَرِ وهو مُواقِعُه، ويرى القذاةَ في عينِ أخيه ويَدَعُ الجِذعَ في عينِه، ويُخرِجُ الضّغنَ من نفسِ أخيه ويَدَعُ الضّغنَ في نفسِه، وما وضعتُ سِرِّي عند أحدٍ فلُمتُه على إفشائِه، وكيف ألومُه وقد ضِقتُ به ذَرعًا؟".

وهذا إسنادٌ حسنٌ؛ عبدُ اللهِ صدوقٌ، لكنَّه مُتابَعٌ.

ومُوسى بنُ عُلَيٍّ: ثِقةٌ ثبتٌ مِصريٌّ، وكان أميرَ مِصرَ لأبي جعفرٍ المنصورِ.

ووالدُه: هو عُلَيُّ -بضمِّ العينِ وفتحِ اللَّامِ- بنُ رَباحٍ اللَّخْميُّ المِصريُّ.
اسمُه: عَلِيٌّ، ولقَبُه: عُلَيٌّ -بالتَّصغيرِ-، وكان لا يرضى هذا اللَّقبَ.
وقِيلَ: إنَّ أباهُ رباحًا مَن غيَّرَ اسمَه لمَّا بلَغَهُ أنَّ بني أُمَيَّةَ كان يقتلونَ كلَّ مَن كان اسمُه عَلِيًّا!!
لكن في هذا نظرٌ..

وعُلَيٌّ من كبارِ التَّابعينَ وثِقاتِهم وأئِمَّتِهم وعُلَمائِهم.
وعُمِّرَ دهرًا طويلًا، وله وفادةٌ على مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ.
وكان أعورَ؛ ذهبَتْ عينُه في غزوةِ ذاتِ الصَّواري.

ورواه البيهقيُّ في القضاءِ والقدرِ ( ٥٠١ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٤٦ / ١٨٩ ) من طريقِ اللَّيثِ بنِ سعدٍ.

ورواه ابنُ حبَّانَ في روضةِ العُقَلاءِ ( ص١٨٨ ) من طريقِ بكرِ بنِ يُونسَ بنِ بُكَيرٍ.

كلاهما ( اللَّيثُ وبكرٌ ) عن مُوسى بنِ عُلَيٍّ، عن أبيه، به.

ورواه ابنُ المُبارَكِ في الزُّهدِ ( ١١٢٢ ) قال: أخبرنا ابنُ لهيعةَ، أخبرني الحارثُ بنُ يزيدَ، عن عُلَيِّ بنِ رباحٍ قال: قال عمرُو بنُ العاصِ: "انتهى عجبي إلى ثلاثٍ: المرءُ يفرُّ من القَدَرِ وهو لاقيه، وهو يُبصِرُ في عينِ أخيه القذى فيعيبُه ويكونُ في عينِه الجِذعُ فلا يعيبُه، ويكونُ في دابَّتِه الصَّعَرُ فيُقوِّمُها بجَهدِه، ويكونُ فيه الصَّعَرُ فلا يُقوِّمُ نفسَهُ".

وقولُه: "الصَّعَر": الصَّعَر: ميلٌ في الوجهِ أو في أحدِ الشِّقَّينِ.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
وابنُ المُبارَكِ سمع من ابنِ لهيعةَ قديمًا.

ورواه اللَّالكائيُّ في شرحِ أُصولِ الاعتِقادِ ( ١٢٣٥ )، والخطيبُ في تاريخِ بغدادَ ( ٨ / ٦٧٨ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٤٦ / ١٩٠ ) من طريقِ المُقرِئِ، عن ابنِ لهيعةَ، عن الحارثِ بنِ يزيدَ، به.

وسماعُ عبدِ اللهِ بنِ يزيدَ المُقرِئِ من ابنِ لهيعةَ قديمٌ أيضًا.

وورد أيضًا -أعني الأثرَ- عن الإمامِ التَّابعيِّ الحسنِ البصريِّ رحمه اللهُ:

قال أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ ( ٣٨٣٧٢ ): حدَّثنا عفَّانُ قال: حدَّثنا أبو الأشهبِ قال: سمعتُ الحسنَ يقولُ: "يا ابنَ آدمَ، تُبصِرُ القذى في عينِ أخيكَ، وتَدَعُ الجِذلَ مُعتَرِضًا في عينِكَ".

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رِجالُه ثِقاتٌ.
وأبو الأشهبِ هو جعفرُ بنُ حيَّانَ العُطارِديُّ.
ورواه ابنُ أبي شيبةَ ( ٣٨٣٧٢ ) قال: حدَّثنا أبو أُسامةَ.
ورواه أحمدُ في الزُّهدِ ( ١٦٤٨ ) قال: حدَّثنا عبدُ الصَّمدِ.
ورواه أبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في الصَّمتِ ( ٢٠٢ ) وفي ذمِّ الغِيبةِ ( ٦٥ ) من طريقِ ابنِ المُبارَكِ.

وثلاثتُهم ( أبو أُسامةَ وعبدُ الصَّمدِ وابنُ المُبارَكِ ) عن أبي الأشهبِ، عن الحسنِ، به.

فائدةٌ:
قال المُناويُّ رحمه اللهُ في فيضِ القديرِ ( ٦ / ٤٥٧ ): "هذا الحديثُ مَثَلٌ من أمثالِ العرَبِ السَّائرةِ المُتَداوِلةِ". اهـ
( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ).

قال الحافظُ أبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في الرِّضا عن اللهِ ( ٧ ): حدَّثنا عليُّ بنُ الجعدِ قال: أخبرنا أبو مُعاوِيةَ، عن الأعمشِ، عن أبي ظبيانَ، عن علقمةَ في قولِه تعالى: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال: "هي المُصيبةُ تُصِيبُ الرجلَ فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ فيُسلِّمُ لها ويرضى".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ.

أبو مُعاويةَ هو مُحمَّدُ بنُ خازمٍ الضَّريرُ، والأعمشُ هو سُلَيمانُ بنُ مِهرانَ الأسديُّ، وأبو ظبيانَ هو حُصَينُ بنُ جُندبٍ الجَنَبيُّ، وعلقمةُ هو ابنُ قيسٍ النَّخَعيُّ.

ابنُ أبي الدُّنيا وعليُّ بنُ الجعدِ بغداديَّانِ، والباقونَ كُوفِيُّونَ.

وأبو ظبيانَ وعلقمةُ تابعيَّانِ كبيرانِ.

وعلقمةُ تابعيٌّ جليلٌ كبيرٌ، راهبُ أهلِ الكُوفةِ عبادةً وعِلمًا وفضلًا وفِقهًا، وكان إمامًا مُقرِئًا طيِّبَ الصَّوتِ بالقُرآنِ، وهو من أجلِّ طُلَّابِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه، وكان أشبهَ النَّاسِ بابنِ مسعودٍ هديًا ودَلًّا وسمتًا، وكان طُلَّابُه يسألونَه ويتفقَّهونَ به والصَّحابةُ مُتَوافِرُونَ.

ورواه الطَّبَريُّ في التَّفسيرِ ( ٢٣ / ١٢ - ١٣ )، وإسماعيلُ القاضي في أحكامِ القُرآنِ ( ٣٨٧ ) من طُرُقٍ، عن الأعمشِ، عن أبي ظبيانَ، به.

وقال إسماعيلُ القاضي في أحكامِ القُرآنِ ( ٣٨٦ ): حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ قال: حدَّثنا أبي، عن الأعمشِ، عن أبي ظبيانَ قال: كان علقمةُ يُعرَضُ، فتحضرُه، فمرَّ بهذه الآيةِ ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )، فسألناه، فقال: "هو الرجلُ تُصيبُه المُصيبةُ، فيُسلِّمُ ويرضى، ويعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ".
وهذا إسنادٌ صحيحٌ.

وقولُه: "يُعرَضُ، فتحضرُه": أي يُعرَضُ عليه المُصحَفُ، فتحضرُه آيةٌ فيقفُ عندها.

ورواه البيهقيُّ في السُّنَنِ الكُبرى ( ٧٢١٤ ) وفي شُعَبِ الإيمانِ ( ٩٥٠٣ )، والثَّعلبيُّ في الكشفِ والبيانِ ( ٣١٥٥ ) من طريقِ وكيعِ بنِ الجرَّاحِ، عن الأعمشِ، عن أبي ظِبيانَ قال: كنَّا نعرضُ المصاحفَ عند علقمةَ بنِ قيسٍ فمَرَرْنا بهذه الآيةِ: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) فسألناه عنها، فقال: "هو الرجلُ تُصِيبُه المُصَيبةُ فيعلمُ أنَّها من عِندِ اللهِ فيرضى ويُسلِّمُ".

قال البيهقيُّ: "ورُوِيَ هذا عن ابنِ مسعودٍ".

قلتُ: قال البُخاريُّ في الصَّحيحِ / في كتابِ التَّفسيرِ: "سُورةُ التَّغابُنِ، وقال علقمةُ، عن عبدِ اللهِ: ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )، هو الذي إذا أصابَتْهُ مُصِيبةٌ رضيَ، وعرف أنَّها من اللهِ".

قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في فتحِ الباري ( ١٠ / ٧١٣ ): وهذا التَّعليقُ وصَلَهُ عبدُ الرَّزَّاقِ عن ابنِ عُيَينةَ عن الأعمشِ عن أبي ظبيانَ عن علقمةَ مِثلَهُ، لكن لم يَذكُر ابنَ مسعودٍ، وكذا أخرجه الفِريابيُّ عن الثَّوريِّ، وعبدُ بنُ حُمَيدٍ عن عُمَرَ بنِ سعدٍ عن الثَّوريِّ عن الأعمشِ، والطَّبريُّ من طريقٍ عن الأعمشِ.
نعم أخرَجَهُ البَرقانيُّ من وجهٍ آخرَ فقال: عن علقمةَ قال: شهدنا عنده -يعني عند عبدِ اللهِ- عَرْضَ المصاحفِ، فأتى على هذه الآيةِ ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال: هي المُصِيباتُ تُصِيبُ الرجلَ فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ فيُسلِّمُ ويرضى". اهـ

وانظُرْ تغليقَ التَّعليقِ ( ٣ / ٣٤٢ - ٣٤٣ ) للحافظِ ابنِ حجرٍ.

وقال السُّيوطيُّ في الدُّرِّ المنثورِ ( ١٤ / ٥١٦ ): وأخرجَ سعيدُ بنُ منصورٍ عن ابنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه في الآيةِ قال: هي المُصيباتُ تُصيبُ الرجلَ فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ فيُسلِّمُ لها ويرضى. اهـ

وذكَرَهُ ابنُ الأثيرِ في جامع الأصولِ ( ٢ / ٣٩٥ - ٣٩٦ برقم ٨٥١ ) عن علقمةَ قال: شَهِدْنا عند عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وعرَضَ المصاحِفَ، فأتى على هذه الآية: ( وَمَنْ يُؤمِنْ باللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال: هي المُصِيباتُ تُصيبُ الرجلَ، فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ، فيُسلِّمُ ويرضى.
قال ابنُ الأثيرِ: "أخرَجَهُ البُخاريُّ".

قلتُ: ذكَرَهُ البُخاريُّ تعليقًا كما تقدَّمَ.

ورواه سعيدُ بنُ منصورٍ في سُنَنِه ( ٨ / ١٠٣ برقم ٢٢٣١ ): نا أبو مُعاويةَ، نا الأعمشُ، عن أبي ظبيانَ، عن علقمةَ قال: شَهِدْنا عنده عَرْضَ المصاحفِ، فأتى على هذه الآيةِ: ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال: "هي المُصيباتُ تُصيبُ الرَّجلَ، فيعلمُ أنَّها من عندِ اللهِ، فيُسلِّمُ لها ويرضى".
وهذا إسنادٌ كُوفيٌّ صحيحٌ.
ويُحتَملُ أنَّ جُملةَ: "شَهِدْنا عنده" من قولِ علقمةَ، فيكونُ الضَّميرُ عائدًا على عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، كما ذكرَ الحافظُ ابنُ حجرٍ، فيكونُ الأثرُ من قولِ ابنِ مسعودٍ.
ويُحتَملُ أن تكونَ من قولِ أبي ظبيانَ، فيكونُ الضَّميرُ عائدًا على علقمةَ، فيكونُ الأثرُ من قولِ علقمةَ.
واللهُ أعلمُ.

ولا أستبعدُ أن يكونَ قد قاله ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه، وأخَذَهُ منه علقمةُ؛ فإنَّ علقمةَ من خواصِّ طُلَّابِ ابنِ مسعودٍ، وكان مُلازِمًا له، وهو أجلُّ أصحابِ ابنِ مسعودٍ مع مسروقٍ والأسودِ.

وعزاه شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ في مواضعَ من كُتُبِه لعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه؛ كما في منهاجِ السُّنَّةِ ( ٣ / ٢٦ و٨٣ )، والفُرقانِ ( ص١٣٥ )، ومجموعِ الفتاوى ( ٧ / ٢٣٠ ) و ( ٨ / ٤٥٤ ) و ( ١١ / ٢٥٩ ) و ( ١٧ / ٩٧ ).

وقال كما في مجموعِ الفتاوى ( ٨ / ٣١٩ ): قال ابنُ مسعودٍ أو غيرُه: فذكره..

وقال أيضًا كما في المجموعِ ( ٨ / ١٧٨ ): قال بعضُ السَّلَفِ -إمَّا ابنُ مسعودٍ وإمَّا علقمةُ-: فذكره..

وعزاه في مواضعَ أُخرى لعلقمةَ؛ كما في المِنهاجِ ( ٥ / ١٣٦ )، ومجموعِ الفتاوى ( ٢ / ١٠٩ ) و ( ٨ / ٧٧ ).

وعزاه في مواضعَ لطائفةٍ من السَّلَفِ أو بعضِ السَّلَفِ؛ كما في الاستغاثةِ ( ص٤٢٦ )، والعُبوديَّةِ ( ص٣٤ )، واقتِضاءِ الصِّراطِ المُستَقِيمِ ( ٢ / ٣٩٠ )، ومجموعِ الفتاوى ( ٢ / ٣٢٦ ) و ( ٣٠ / ٣٦٢ ) و ( ٥ / ١٦٢ ) و ( ٨ / ١٠٧ ).
قال الخطيبُ البغداديُّ في تاريخِ بغدادَ ( ١٤ / ١٧٢ ): أخبرني الأزهريُّ قال: أخبرنا عليُّ بنُ مُحمَّدٍ بنُ لُؤلُؤٍ الورَّاقُ قال: حدَّثنا هيثمٌ الدُّوريُّ قال: حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ سُوَيدٍ الطَّحَّانُ قال: كنا عند عاصمِ بنِ عليٍّ، ومعنا أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلَّامٍ وإبراهيمُ بنُ أبي اللَّيثِ وذكرَ جماعةً، وأحمدُ بنُ حنبلٍ يُضرَبُ ذلك اليومَ، فجعل عاصمٌ يقولُ: ألا رجلٌ يقومُ معي فنأتيَ هذا الرجلَ فنُكلِّمَهُ؟ قال: فما يُجِيبُه أحدٌ، قال: فقال إبراهيمُ بنُ أبي اللَّيثِ: يا أبا الحُسَينِ، أنا أقومُ معك.
فصاح: يا غُلامُ خُفِّي، فقال له إبراهيمُ: يا أبا الحُسَينِ، أبلُغُ إلى بَنَاتِي فأُوصِيهم وأُجدِّدُ بهم عهدًا.
قال: فظنَنَّا أنَّه ذهب يتكفَّنُ ويتحنَّطُ، ثم جاء، فقال عاصمٌ: يا غُلامُ خُفِّي، فقال إبراهيمُ: يا أبا الحُسَينِ، إنِّي ذهبتُ إلى بناتي، فبكَينَ.
قال: وجاء كتابُ ابنَتَي عاصمٍ من واسطَ: يا أبانا! إنَّه بلَغَنا أنَّ هذا الرجلَ أخذ أحمدَ بنَ حنبلٍ، فضرَبَه على أن يقولُ: القُرآنُ مخلوقٌ، فاتَّقِ اللهَ ولا تُجِبْهُ، فواللهِ لأن يأْتِيَنا نَعيُكَ أحبُّ إلينا من أن يأتيَنا أنَّكَ أجبتَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ بغداديٌّ صحيحٌ.

وقولُه: "فنأتيَ هذا الرجلَ فنُكلِّمَهُ": يعني الذي يمتحنُ النَّاسَ بخلقِ القُرآنَ، فنكلِّمُه أن يكفَّ عن الإمامِ أحمدَ.
وهو إمَّا المُعتصمُ -وهو الأغلبُ- أو ابنُه الواثقُ.

وقولُه: "فما يُجِيبُه أحدٌ": يعني خوفًا ورهبةً من أن يُمتحَنوا أو يُضرَبوا.

وقولُه: "يا غلامُ، خُفِّي": يعني يا غُلامُ أعطِني خُفِّي لألبسَه كي نخرجَ.
والخُفُّ هو ما يُنتَعَلُ في الرِّجلِ حِذاءً كان أو غيرَهُ.

وقولُ ابنُ أبي اللَّيثِ: "يا أبا الحُسَينِ، أبلُغُ إلى بَنَاتِي فأُوصِيهم وأُجدِّدُ بهم عهدًا": يعني أنَّه وضعَ الموتَ أمامَ عينَيهِ عندما يذهبُ مع عاصمٍ، فذهب لبناتِه يُودِّعُهنَّ.

وقولُ الرَّاوي: "فظنَنَّا أنَّه ذهب يتكفَّنُ ويتحنَّطُ": يعني أنَّ عاصمًا وابنَ أبي اللَّيثِ تجهَّزا للموتِ بسببِ ذهابِهما للسُّلطانِ وإنكارِهما عليه.

وقولُ ابنِ أبي اللَّيثِ: "يا أبا الحُسَينِ، إنِّي ذهبتُ إلى بناتي، فبكَينَ": يعني أنَّه رفضَ الذَّهابَ بسببِ إشفاقِه على بناتِه وحُرقتِه عليهنَّ.

وعاصمُ بنُ عليٍّ: إمامٌ عالِمٌ من أهلِ واسطَ، من أئمَّةِ المُحدِّثينَ، قدم بغدادَ وحدَّثَ بها زمانًا طويلًا، وتكاثروا عليه، ثم رجع إلى واسطَ، وهو صدوقُ الحديثِ.

يروي عن أبيه، وشُعبةَ -وكان من أصحابِه-، والمسعوديِّ، وأبي الأحوصِ، وشريكٍ، واللَّيثِ بنِ سعدٍ، وأبي عوانةَ، وغيرِهم.
وروى عنه: أحمدُ بنُ حنبلٍ، والبُخاريُّ، والدَّارميُّ، وأبو حاتمٍ الرَّازيُّ، وعمرٌو الفلَّاسُ، وغيرُهم.

قال فيه الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ -كما في سُؤالاتِ أبي داودَ له ( ٤٤١ )-: "قام من الإسلامِ بموضعٍ أرجو أن يُثيبَهُ اللهُ به الجنَّةَ".

وقال الذَّهبيُّ في السِّير ( ٩ / ٢٦٣ ): "كان عاصمٌ رحمه اللهُ ممَّن ذبَّ عن الدِّينِ في المِحنةِ". ثم ذكرَ الأثرَ.

وروى الأثرَ ابنُ الجوزيِّ في مناقبِ الإمامِ أحمدَ ( ص٤٥٢ - ٤٥٣ ) وفي المُنتَظَمِ ( ١١ / ٦٩ ) من طريقِ الخطيبِ البغداديِّ، بهذا الإسنادِ.

وذكرَه المِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ١٤ / ٥١٤ - ٥١٥ )، والذَّهبيُّ في تاريخِ الإسلامِ ( ٥ / ٥٩١ ) وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ٩ / ٢٦٤ ).
من طرائفِ المُحدِّثينَ:

قال الحسنُ بنُ سُفيانَ: سمعتُ فيَّاضَ بنَ زُهَيرٍ النَّسائيَّ يقولُ: تشفَّعْنا بامرأةِ عبدِ الرَّزَّاقِ عليه، فدخلنا، فقال: هاتوا، تشفَّعتُم إليَّ بمَن ينقلبُ معي على فِراشي؟ ثم قال:
ليسَ الشَّفيعُ الذي يأتيكَ مُتَّزِرًاً ** مِثلَ الشَّفيعِ الذي يأتيكَ عُريانا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواه ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٣٦ / ١٧٧ ) من طريقِ أبي بكرٍ الإسفرايينيِّ، عن الحسنِ بنِ سُفيانَ، به.

وذكَرَهُ الذَّهبيُّ في السِّير ( ٩ / ٥٦٧ ) وفي تاريخِه ( ٥ / ٣٧٧ ).

وعبدُ الرَّزَّاقِ هو ابنُ همَّامٍ الصَّنعانيُّ، الحافظُ الكبيرُ، عالِمُ اليمنِ ومُحَدِّثُها.

وبيتُ الشَّعرِ لأبي فراسٍ الفرزدقِ.. في قصَّةٍ طريفةٍ حصَلَتْ بينه وبين النَّوَّارِ بنتِ أعينَ.
انظُرْها في الشِّعرِ والشُّعَراءِ ( ١ / ٤٧٦ - ٤٧٧ ) لابنِ قُتَيبةَ، وفي الأغاني ( ٢١ / ٢٠١ ) للأصفهانيِّ.
كم نفتقرُ إلى أدَبِ الإمامِ الشَّافعيِّ:

قال يُونسُ بنُ عبدِ الأعلى الصَّدَفيُّ: ما رأيتُ أعقلَ من الشَّافعيِّ؛ ناظرتُه يومًا في مسألةٍ ثم افتَرَقْنا، ولَقِيَني، فأخذ بيدي، ثم قال: "يا أبا مُوسى، ألا يستقيمُ أن نكونَ إخوانًا وإن لم نتَّفِقْ في مسألةٍ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواه ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٥١ / ٣٠٢ ).
وذكَرَهُ الذَّهَبيُّ في السِّير ( ١٠ / ١٦ )، والمقريزيُّ في المُقفَّى الكبيرِ ( ٥ / ٣٣٩ ).

قال الذَّهبيُّ تعليقًا: "هذا يدلُّ على كمالِ عقلِ هذا الإمامِ وفِقهِ نفسِه، فما زال النُّظَراءُ يختلفونَ".
غِراسُ السَّلَفِ

قال شيخُ الإسلامِ الإمامُ سُفيانُ بنُ سعيدٍ الثَّوريُّ: "إنِ استطعتَ ألَّا تحكَّ رأسَك إلَّا بأثَرٍ فافْعَلْ!".

رابط القناة:
https://tttttt.me/Salafi_s

بوت القناة:
@G_Salafi_bot

موقع صراحة:
http://saifalddin.srahha.com
أرجو منكم دعم القناة ونشرها.
قال الإمامُ أحمدُ في الزُّهدِ ( ٦٦٠ ): حدَّثنا يزيدُ، أنبأنا إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ، عن مُصعَبِ بنِ سعدٍ قال: قالَتْ حفصةُ بنتُ عُمَرَ: "يا أميرَ المُؤمِنِينَ، لو لبستَ ثوبًا هو ألينُ من ثوبِكَ وأكلتَ طعامًا هو أطيبُ من طعامِكَ فقد وسَّعَ اللهُ عزَّ وجلَّ من الرِّزقِ وأكثرَ من الخيرِ"، قال: "إنِّي سَأخصِمُكِ إلى نفسِكِ؛ أما تَذكُرِينَ ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يلقى من شِدَّةِ العيشِ؟" فما زال يُذكِّرُها حتَّى أبكاها، فقال لها: "إن قلتُ لكِ ذاك إنِّي واللهِ لئنِ استطعتُ لَأُشارِكَنَّهُما بمِثلِ عيشِهِما الشَّدِيدِ، لعلِّي أُدرِكُ معهما عَيشَهُما الرَّخِيَّ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ رِجالُه ثِقاتٌ، لكنَّ مُصعَبًا لم يُدرِكْ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ، وقد أدركَ حفصةَ.. رضي اللهُ عن الجميعِ.

فهو صحيحٌ إن كان مُصعَبٌ سَمِعَه من حفصةَ، وإلَّا فهو مُرسَلٌ صحيحُ الإسنادِ، كما قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في المطالبِ ( ١٣ / ٢٣٣ )، والبوصيريُّ في الإتحافِ ( ٧ / ٤٦٠ ).

ويزيدُ هو ابنُ هارونَ الواسطيُّ.

ومُصعَبٌ هو ابنُ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، تابعيٌّ كبيرٌ، سمع أباهُ، وعبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وغيرَهما.

وقولُه: "لَأُشارِكَنَّهُما": يعني: رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللهُ عنه.

ورواه ابنُ سعدٍ في الطَّبَقاتِ الكُبرى ( ٣ / ٢٥٨ )، وأبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في الجُوعِ ( ١٨٥ ) وفي إصلاحِ المالِ ( ٣٧٢ )، والبلاذريُّ في أنسابِ الأشرافِ ( ١٠ / ٣١٤ - ٣١٥ )، وأبو نُعَيمٍ في حِليةِ الأولياءِ ( ١ / ٤٨ - ٤٩ )، والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ١٠١٢١ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دِمشقَ ( ٤٤ / ٢٩٠ ) من طريقِ يزيدَ بنِ هارونَ.

ورواه إسحاقُ بنُ راهَويه ( ١٩٦٦ )، وهنَّادٌ في الزُّهدِ ( ٦٨٧ )، والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٥٧٧٧ ) من طريقِ أبي أُسامةَ.

كلاهما ( يزيدُ وأبو أُسامةَ ) عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ، عن مُصعَبِ بنِ سعدٍ، به.

ورواه ابنُ المُبارَكِ في الزُّهدِ ( ٥٢٩ ) قال: أخبرنا إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ، عن أخيه، عن مُصعَبٍ، به.

ورواه الحاكمُ ( ٤٢٤ )، والبيهقيُّ ( ١٠١٢٢ )، وابنُ عساكرَ ( ٤٤ / ٢٨٩ - ٢٩٠ ) من طريقِ ابنِ المُبارَكِ، عن إسماعيلَ، عن أخيه، عن مُصعَبٍ به.

ورواه النَّسائيُّ في السُّنَنِ الكُبرى ( ١١٨٠٦ ) من طريقِ سُوَيدِ بنِ نصرٍ، عن ابنِ المُبارَكِ، عن إسماعيلَ، عن مُصعَبٍ، به.
ليس فيه: عن أخيه.

ورواه عبدُ بنُ حُمَيدٍ ( ٢٥ )، وأبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ ( ٣٧٠٥٣ )، ويعقوبُ في المعرفةِ والتَّاريخِ ( ٢ / ١٨٨ - ١٨٩ )، والبيهقيُّ في الشُّعَبِ ( ١٠١٢٣ )، وأبو القاسمِ الأصبهانيُّ في سِيَرِ السَّلَفِ ( ص١١٤ )، وابنُ عساكرَ ( ٤٤ / ٢٨٨ - ٢٨٩ )، والضِّياءُ المقدسيُّ في الأحاديثِ المُختارةِ ( ١١١) من طريقِ مُحمَّدِ بنِ بِشرٍ، عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ، عن أخيه، عن مُصعَبٍ، به.

لإسماعيلَ من الإخوةِ: أشعثُ، وخالدٌ، وسعيدٌ، والنُّعمانُ.

أمَّا أشعثُ وسعيدٌ؛ فوثَّقهما العِجليُّ.
وأمَّا النُّعمانُ؛ فقد قال فيه الإمامُ أحمدُ: "ليس به بأسٌ"، ووثَّقه العِجليُّ.
وأمَّا خالدٌ؛ فمجهولُ الحالِ.

والذي هنا هو النُّعمانُ كما جاء مُصَرَّحًا عند ابنِ أبي شيبةَ ويعقوبَ وأبي القاسمِ والضِّياءِ.

فالَّذي يتلخَّصُ معنا من التَّخريجِ: أنَّ الأثَرَ رواهُ إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ، واختُلِفَ عنه؛ فرواه يزيدُ بنُ هارونَ، وأبو أُسامةَ عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ، عن مُصعَبٍ، عن حفصةَ.
ولم يذكرا بينهما أخا إسماعيلَ.

وخالَفَهما: عبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ، ومُحمَّدُ بنُ بِشرٍ العَبديُّ؛ فروياهُ عن إسماعيلَ، عن أخيه النُّعمانِ، عن مُصعَبٍ، عن حفصةَ.

وأربعَتُهم -يزيدُ وأبو أُسامةَ وابنُ المُبارَكِ وابنُ بِشرٍ- ثِقاتٌ أثباتٌ حُفَّاظٌ مُتقِنُونَ!

وقد صوَّبَ الإمامُ الدَّارَقُطنيُّ في العِلَلِ ( ١ / ١٧٤ - ١٧٥ ) طريقَ ابنِ المُبارَكِ ومُحمَّدِ بنِ بِشرٍ.

وقال الحاكمُ بعد أن رواه: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِهما، فإنَّ مُصعَبَ بنَ سعدٍ كان يدخلُ على أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو من كِبارِ التَّابعينَ، من أولادِ الصَّحابةِ رضي اللهُ عنهم".
وردَّه الذَّهبيُّ في التَّلخيصِ بقولِه: "فيه انقِطاعٌ".

إذن يتلخَّصُ من ذلك: أنَّ في الأثَرِ عِلَّتَينِ:

- الأولى: الانقِطاعُ.
- الثَّانيةُ: أنَّ إسماعيلَ لم يَسمَعْه من مُصعَبٍ، وإنَّما سَمِعَهُ من أخيه النُّعمانِ، وهذا الوجهُ رجَّحه الدَّارَقُطنيُّ.

والجوابُ على ذلك:
أنَّ عِلَّةَ الانقِطاعِ غيرُ مُسلَّمٍ بها؛ فمُصعَبُ بنُ سعدٍ من كِبارِ التَّابعينَ، ومن أبناءِ الصَّحابةِ، وكان يدخلُ على أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما نصَّ على ذلك الحاكمُ النَّيسابوريُّ.
ويُؤيِّدُه إخراجُ الضِّياءِ المقدسيِّ له في الأحاديثِ المُختارةِ، ممَّا يُفيدُ صِحَّةَ السَّماعِ.
وكذلك لم يُشِرِ الدَّارقُطنيُّ إلى هذه العِلَّةِ حيثُ أورَدَهُ في العِلَلِ، واكتفى بذِكرِ عِلَّةِ الاختِلافِ.

وإن كان إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ لم يَسمَعْه من مُصعَبٍ، وإنَّما سَمِعَهُ من أخيه النُّعمانِ؛ فإنَّ النُّعمانَ وإن لم يروِ عنه غيرُ أخيه، فإنَّه على أقلِّ حوالِه صدوقٌ حَسَنُ الحديثِ، لقولِ الإمامِ أحمدَ فيه، وتوثيقِ العِجليِّ له.

فالأثَرُ صحيحٌ واللهُ أعلمُ، وله شواهدُ:

١ - الأوَّلُ:
رواه عبدُ الرَّزاقِ في المُصنَّفِ ( ١١ / ٢٢٣ برقم ٢٠٣٨١ ) قال: عن مَعمَرٍ، عن ابنِ طاوسٍ، عن عِكرِمةَ بنِ خالدٍ، أنَّ حفصةَ، وابنَ مُطيعٍ، وعبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ كلَّموا عُمَرَ بنَ الخطَّابِ فقالوا: لو أكلتَ طعامًا طيِّبًا كان أقوى لك على الحقِّ؟ قال: "أكلُّكم على هذا الرَّأيِ؟"، قالوا: نعم، قال: "قد علمتُ أنَّه ليس منكم إلَّا ناصحٌ، ولكنِّي تركتُ صاحبيَّ على الجادَّةِ، فإن تركتُ جادَّتَهم لم أدرِكْهما في المنزلِ".
قال: وأصابَ النَّاسَ سَنةٌ، فما أكلَ عامئذٍ سمنًا ولا سمينًا حتَّى أُحيِيَ النَّاسُ.

ورواه البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٥٢٨٦ ) من طريقِ عبدِ الرَّزاقِ، بهذا الإسنادِ.

وهذا إسنادٌ رِجالُه كلُّهم ثِقاتٌ.

- مَعمَرٌ هو ابنُ راشدٍ الأزديُّ، ثقةٌ فاضلٌ ثبتٌ.
- وابنُ طاوسٍ هو عبدُ اللهِ بنُ طاوسِ بنِ كيسانِ، إمامٌ ابنُ إمامٍ.
- وعِكرِمةُ هو ابنُ خالدٍ المخزوميُّ، تابعيٌّ ثقةٌ حُجَّةٌ.
سمع ابنَ عُمَرَ، ورِوايتُه عن عُمَرَ مُرسَلةٌ، فيُحتَملُ أنَّ ابنَ عُمَرَ حدَّث بهذا عِكرمةَ.
- وحفصةُ هي أُمُّ المُؤمنينَ بنتُ أميرِ المُؤمنينَ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، وزوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
- وابنُ مطيعٍ هو عبدُ اللهِ بنُ مُطِيعِ بنِ الأسودِ القُرَشيُّ، صحابيٌّ ابنُ صحابيٍّ، من فُرسانِ قُرَيشٍ، استُشهِدَ مع ابنِ الزُّبَيرِ في وقعةِ الحرَّةِ.

٢ - الثَّاني:
رواه ابنُ سعدٍ في الطَّبَقاتِ الكُبرى ( ٣ / ٢٦٩ ) قال: أخبرنا يزيدُ بنُ هارونَ قال: أخبرنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ قال: أُصِيبَ بعيرٌ من المالِ -زعم يحيى من الفيءِ- فنحَرَهُ عُمَرُ، وأرسل إلى أزواجِ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منه، وصنعَ ما بقي، فدعا عليه من المُسلِمِينَ، وفيهم يومئذٍ العبَّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلبِ، فقال العبَّاسُ: يا أميرَ المُؤمنينَ، لو صنعتَ لنا كلَّ يومٍ مثلَ هذا فأكلْنا عندك وتُحدِّثُنا، فقال عُمَرُ: "لا أعودُ لمِثلِها، إنَّه مضى صاحبانِ لي - يعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبا بكرٍ- وقد عملا عملًا وسلكا طريقًا، وإنِّي إن عملتُ بغيرِ عمَلِهِما سُلِكَ بي طريقٌ غيرُ طريقِهِما".

وهذا إسنادٌ مُرسَلٌ ورِجالُه ثِقاتٌ؛ سعيدُ بنُ المُسيَّبِ لم يُدرِكْ هذه الحادثةَ.

ورواه البلاذريُّ في أنسابِ الأشرافِ ( ١٠ / ٣٤١ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِه ( ٤٤ / ٣٤٠ - ٣٤١ ) من طريقِ يحيى بنِ سعيدٍ، عن سعيدٍ، به.

٣ - الثَّالثُ:
رواه أبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في الجوعِ ( ٣٧ ) قال: حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ يُونُسَ قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني أبو مَعشَرٍ، عن مُحمَّدِ بنِ قيسٍ قال: قَدِمَ ناسٌ على حفصةَ بنتِ عُمَرَ فقالوا: إنَّ أميرَ المُؤمنينَ قد بدا عِلباءُ رقبتِه من الهُزالِ، فلو قلتِ له أن يأكلَ طعامًا هو ألينُ من طعامِه، ويلبسُ ثِيابًا ألينَ من ثِيابِه، فقد رأينا إزارَه مُرقَّعًا برُقَعٍ غيرِ لونِ ثوبِه، ويتَّخذَ فِراشًا ألينَ من فِراشِه، فقد أوسعَ اللهُ على المُسلمينَ، فيكونُ ذلك أقوى له على أمرِهِم.
فبعثوا إليه حفصةَ، فذكَرَتْ ذلك له، فقال: "أخبِرِيني بألينِ فِراشٍ فَرَشتِيهِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قط؟ قالَتْ: عباءةٌ تُثنِّيها له باثنَينِ، فلمَّا غلظتْ عليه جعلتُهما له بأربعةٍ، قال: فأخبِرِيني بأجودِ ثوبٍ لَبِسَهُ؟ قالَتْ: نَمِرةٌ صنعناها له، فرآها إنسانٌ قال: اكسُنِيها، فأعطاها إيَّاهُ.
قال: إيتوني بصاعِ تمرٍ، فأمرهم، فنزَعُوا نواهُ، ثم قال: انزِعُوا تفاريقَه، ففعلوا، ثم أكَلَهُ كلَّهُ؛ فقال: واللهِ إنِّي لَأشتهي الطَّعامَ، إنِّي لَآكُلُ السَّمنَ وعندي اللَّحمُ، وآكُلُ الزَّيتَ وعندي السَّمنُ، وآكلُ المِلحَ وعندي الزَّيتُ، وآكُلُ بَحتًا وعندي مِلحٌ، ولكنَّ صاحبيَّ سلكا طريقًا، فأخافُ اختِلافَهما فيُخالَفُ بي.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ أبي مَعشَرٍ -واسمُه: نَجِيحُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ السّنديُّ-.
وروايةُ مُحمَّدِ بنِ قيسٍ المدنيِّ عن الصَّحابةِ مُرسَلةٌ.

واللهُ أعلمُ..
قال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبَلٍ: سمعتُ مُحمَّدَ بنَ داودَ يقولُ: "لم يُحفَظْ في دهرِ الشَّافعيِّ كُلِّه أنَّه تكلَّمَ في شيءٍ من الأهواءِ، ولا نُسِبَ إليه، ولا عُرِفَ به، مع بُغضِه لأهلِ الكلامِ والبِدَعِ".

رواه الهَرَويُّ في ذمِّ الكلامِ ( ١١١٧ )، ومن طريقِه: ابنُ المِبرَدِ في جمعِ الجُيوشِ والدَّساكرِ ( ص٨١ - ٨٢ ).
وذكَرَهُ الذَّهبيُّ في سِيَرِ الأعلامِ ( ١٠ / ٢٦ ).
من طرائفِ المُحدِّثينَ:

قال الخطيبُ البغداديُّ في تاريخِ بغدادَ ( ١٤ / ٢٠٥ ): أَخبرنا البَرقانيُّ قال: سمعتُ أبا حامدٍ أحمدَ بنَ الحُسَينِ الحاكمَ يقولُ: سمعتُ عُمَرَ بنَ أحمدَ الجوهريَّ يقولُ: سمعتُ جعفرَ بنَ مُحمَّدٍ الصَّائغَ يقولُ: اجتمعَ عليُّ ابنُ المدينيِّ، وأبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وعفَّانُ بنُ مُسلِمٍ، فقال عفَّانُ: ثلاثةٌ يُضَعَّفونَ في ثلاثةٍ، عليُّ ابنُ المدينيِّ في حمَّادِ بنِ زيدٍ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ في إبراهيمَ بنِ سعدٍ، وأبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ في شريكٍ.
قال عليُّ ابنُ المدينيِّ: ورابعٌ معهم، قال: مَن ذاك؟ قال: وعفَّانُ في شُعبةَ.

قال عُمَرُ بن أحمدَ: وكلُّ هؤلاءِ أقوياءُ ليس فيهم ضعيفٌ، ولكن قال هذا على وجهِ المزاحِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلتُ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه كلُّهم -مع الذين في المتنِ- ثِقاتٌ أئِمَّةٌ.

وقد سَمِعَ أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ من شريكٍ النَّخَعيِّ وهو ابنُ أربعَ عشرةَ سنةً.

وكذا إبراهيمُ بنُ سعدٍ من كبارِ شُيوخِ أحمدَ بنِ حنبلٍ، يروي عنه مباشرةً، ويروي عنه بواسطةٍ.

وكذا حمَّادُ بنُ زيدٍ من كبارِ شُيوخِ عليِّ ابنِ المدينيِّ.

وقال هذا الإمامُ عفَّانُ -كما قال الجوهريُّ- على سبيلِ المزاحِ، وأيضًا -كما قال الذَّهبيُّ- لأنَّهم كتبوا عن شيوخِهم المذكورينَ وهم صِغارٌ.

قال الذَّهبيُّ في السِّيَرِ مُعلِّقًا: "قلتُ: لأنَّهم كَتَبُوا وهم صِغارٌ عن المذكورينَ". اهـ

وقال أيضًا في الميزانِ: "هذا منهم على وجهِ المُباسَطةِ؛ لأنَّ هؤلاءِ من صغارِ مَن كتبَ عن المذكورينَ". اهـ

وقال أيضًا في تاريخِه: "قلتُ: هذا على وجهِ المزاحِ، وإلَّا فهؤلاءِ ثقاتٌ في شُيوخِهم المذكورينَ، لا سيما عفَّانُ في شُعبةَ؛ فإنَّ الحُسَينَ بنَ حبَّانَ قال: سألتُ ابنَ معينٍ فقلتُ: إذا اختلفَ أبو الوليدِ وعفَّانُ في شُعبةَ؟ قال: القولُ قولُ عفَّانَ، قلتُ: فأبو نُعَيمٍ وعفَّانُ؟ قال: عفَّانُ أثبتُ". اهـ

وقال أيضًا في التَّذكرةِ: "هذا على وجهِ المزاحِ والتَّعنُّتِ؛ فإنَّهم أربعتَهم كتبوا عن المذكورينَ وهم أحداثٌ، فغيرُهم أثبتُ في المذكورينَ منهم". اهـ

قلتُ: قولُ الإمامِ الذَّهبيِّ: "فغيرُهم أثبتُ في المذكورينَ منهم":
يعني أنَّ روايةَ أصحابِ حمَّادٍ مِثلِ: سُلَيمانَ بنِ حربٍ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ مهديٍّ، وعفَّانَ بنِ مُسلِمٍ، وأبي النُّعمانِ عارمٍ: أقوى من روايةِ عليِّ ابنِ المدينيِّ عن حمَّادِ بنِ زيدٍ؛ لأنَّهم أكبرُ منه، وأكثرُ مُلازمةً منه لحمَّادٍ.

وكذلك روايةُ يزيدَ بنِ هارونَ، وإسحاقَ الأزرقِ، وعبَّادِ بنِ العوَّامِ عن شريكٍ النَّخَعيِّ أقوى من روايةِ أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ عنه؛ لأنَّ روايةَ مَن سَمِعَ من شريكٍ بواسطَ أقوى من روايةِ مَن سَمِعَ منه بالكُوفةِ.

وكذا إبراهيمُ بنُ سعدٍ؛ فإنَّ أحمدَ بنَ حنبلٍ روى عنه قليلًا مباشرةً، وروى عنه كثيرًا بواسطةِ أصحابِ إبراهيمَ، مِثلِ: سُلَيمانَ بنِ داودَ الهاشميِّ، وأبي كاملٍ مُظفَّرِ بنِ مُدرِكٍ، ويزيدَ بنِ هارونَ، وهاشمِ بنِ القاسمِ، وغيرِهم.

فائدةٌ:
عليُّ ابنُ المدينيِّ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وأبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ أقرانٌ في العِلمِ والحِفظِ، وهم مُتقارِبونَ في السِّنِّ.
وعفَّانُ بنُ مُسلِمٍ شيخُهم.

وذكَرَ هذا الأثَرَ: المِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ٢٠ / ١٦٧ )، والذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٠ / ٢٤٦ ) وفي ميزانِ الاعتدالِ ( ٣ / ٨٢ ) وفي تاريخِ الإسلامِ ( ٥ / ٣٩٩ ) وفي تذكرةِ الحُفَّاظِ ( ١ / ٣٨٠ ).

وقد رُوِيَ نحوُ هذه القِصَّةِ من طريقٍ آخرَ، وفيها يحيى بنُ مَعِينٍ بدَلَ أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ:

قال الحافظُ ابنُ عَدِيٍّ في مُقدِّمةِ الكاملِ في ضُعَفاءِ الرِّجالِ ( ١ / ٣٠٧ - ٣٠٨ ): حدَّثنا مُوسى بنُ القاسمِ الأشيبُ، عن بعضِ شُيوخِه قال: كان أحمدُ ويحيى وعليٌّ عندَ عفَّانَ أو سُلَيمانَ بنِ حربٍ، فأُتِيَ بصَكٍّ فشَهِدوا فيه، وكتب يحيى فيه: شَهِدَ يحيى بنُ أبي عليٍّ.
وقال عفَّانُ لهم: أمَّا أنتَ يا أحمدُ فضعيفٌ في إبراهيمَ بنِ سعدٍ، وأمَّا أنتَ يا عليُّ فضعيفٌ في حمَّادِ بنِ زيدٍ، وأمَّا أنتَ يا يحيى فضعيفٌ في ابنِ المُبارَكِ.
قال: فسكت أحمدُ وعليٌّ، وقال يحيى: وأمَّا أنتَ يا عفَّانُ فضعيفٌ في شُعبةَ.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالةِ شيخِ مُوسى الأشيبِ.

ورواه الخطيبُ البغداديُّ في تاريخِه ( ١٦ / ٢٧١ ) قال: أخبرنا أبو سعدٍ المالينيُّ قال: أخبرنا ابنُ عديٍّ، به.

ورواه الذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١١ / ٨٢ ) من طريقِ الخطيبِ البغداديِّ، عن أبي سعدٍ المالينيِّ، به.

وقال الخطيبُ عَقِبَ القِصَّةِ: "قلتُ: لم يكن واحدٌ منهم ضعيفًا، وإنَّما جرى هذا الكلامُ بينهم على سبيلِ المزاحِ". اهـ

وقال الذَّهبيُّ: "قلتُ: كلٌّ منهم صغيرٌ في شيخِه ذلك، مُقِلٌّ عنه". اهـ
فائدةٌ أخرى:

أحمدُ بنُ حنبلٍ أصغرُ سِنًّا من قرينَيهِ يحيى بنِ معينٍ وعليِّ ابنِ المدينيِّ؛ ولهذا أدركا مَن لم يُدرِكْه هو؛ فقد روى ابنُ معينٍ عنِ ابنِ المُبارَكِ، وابنُ المدينيِّ عن حمَّادِ بنِ زيدٍ، ولم يُدرِكْهُما أحمدُ.

قال أحمدُ: "ذهبتُ لأسمعَ منِ ابنِ المُبارَكِ فلمْ أُدرِكْهُ، وكان قد قَدِمَ بغدادَ فخرج إلى الثَّغرِ، فلم أسمَعْ منه، ولم أرَهُ". اهـ

وقال أيضًا: "طلبتُ الحديثَ سنةَ تِسعٍ وسبعينَ، وجاءَنا رجلٌ وأنا في مجلسِ هُشَيمٍ فقال: مات حمَّادُ بنُ زيدٍ". اهـ
قال الإمامُ الحافظُ أبو عُمَرَ الهِلالُ بنُ العلاءِ الرَّقِّيُّ: "منَّ اللهُ على هذه الأُمَّةِ بأربعةٍ في زمانِهم: بالشَّافعيِّ تفقَّهَ بحديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبأحمدَ بنِ حنبلٍ ثبت في المِحنةِ، لولا ذلك كفرَ النَّاسُ، وبيحيى بنِ معينٍ نفى الكذبَ عن حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبأبي عُبَيدٍ القاسمِ بنِ سلَّامٍ فسَّرَ الغريبَ من حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولولا ذلك لاقتحمَ النَّاسُ في الخطأ".

وفي روايةٍ: "منَّ اللهُ تعالى ذِكرُه على هذه الأُمَّةِ بأربعةٍ: بالشَّافعيِّ بفِقهِ أحاديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبأبي عُبَيدٍ فسَّرَ غرائبَ أحاديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبيحيى بنِ معينٍ نفى الكذبَ عن أحاديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبأحمدَ بنِ حنبلٍ ثبتَ في المِحنةِ بأمرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لولاهم لَذَهَبَ الإسلامُ".

رواه الحاكمُ في معرفةِ عُلومِ الحديثِ ( ص٨٨ )، والبيهقيُّ في مناقبِ الشَّافعيِّ ( ٢ / ٢٧٧ - ٢٧٨ )، والخطيبُ في تاريخِ بغدادَ ( ١٤ / ٤٠٠ )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٥ / ٣١٨ ) و ( ٤٩ / ٦٥ - ٦٦ ) و ( ٥١ / ٣٥٧ )، والجوزقانيُّ في الأباطيلِ والمناكيرِ ( ٢٦٩ )، وابنُ نُقطةَ في التَّقييدِ ( ص٤٢ - ٤٣ )، والمِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ٢٣ / ٣٦١ )، والذَّهبيُّ في السِّير ( ١٠ / ٤٩٩ ).
وإسنادُه صحيحٌ.

وذكَرَهُ الأنباريُّ في نُزهةِ الألِبَّاءِ ( ص١٢٤ )، والقِفطِيُّ في إنباهِ الرُّواةِ ( ٣ / ١٨ )، والمِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ١ / ٤٦٣ )، وابنُ كثيرٍ في طبقاتِ الشَّافعِيِّينَ ( ص١٥٢ ) وفي البِدايةِ والنِّهايةِ ( ١٤ / ٢٦٨ - ٢٦٩ ).
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

ورد نحو هذا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: "البرّ شيء هيّن، وجه طليق، وكلام ليّن".

رواه أبو بكر بن أبي الدّنيا في مداراة النّاس ( ١٠٩ ) وفي الصّمت ( ٣١٦ )، والخرائطيّ في مكارم الأخلاق ( ١٥٠ )، والدّينوريّ في المجالسة وجواهر العلم ( ١٤٩٥ )، وابن عساكر في تاريخ دمشق ( ٣١ / ١٧٦ ) من طريق حمّاد بن سلمة، عن حُمَيد الطّويل، عن ابن عمر، به.

وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه؛ فإنّ حُمَيدًا الطّويل لم يسمع من ابن عمر.
قال الإمامُ أحمدُ في الزُّهدِ ( ١٩٢ ): حدَّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن هِلالٍ، عن فَروةَ بنِ نَوفَلٍ الأشجعيِّ قال: كنتُ جارًا لخبَّابٍ، فخرجتُ يومًا من المسجدِ، وهو آخِذٌ بيدي، فقال: "يا هَناهْ، تقرَّبْ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بما استطعتَ؛ فإنَّكَ لن تَقرَّبَ إليه بشيءٍ أحبَّ إليه من كلامِه".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ كُوفيٌّ صحيحٌ، على شرطِ مُسلِمٍ، ورجالُه ثِقاتٌ أئِمَّةٌ أعلامٌ.

جريرٌ هو ابنُ عبدِ الحميدِ الضَّبِّيُّ الكُوفيُّ القاضي.
ومنصورٌ هو ابنُ المُعتَمِرِ السُّلَميُّ الكُوفيُّ.

وهِلالٌ هو ابنُ يَسافٍ الأشجعيُّ الكُوفيُّ.
وهو من كبارِ التَّابعينَ، أدرك عليَّ بنَ أبي طالبٍ، ويروي عن سعيدِ بنِ زيدٍ، والبراءِ بنِ عازبٍ، وسَمُرةَ بنِ جُندبٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ، وسُوَيدِ بنِ مُقرِّنٍ، وعِمرانَ بنِ حُصَينٍ، وأُمِّ المُؤمنينَ عائشةَ، وغيرِهم من الصَّحابةِ.

وفَروةُ بنُ نَوفَلٍ الأشجعيُّ: مُختَلَفٌ في صُحبَتِه، والصَّوابُ أنَّ الصُّحبةَ لأبيه نَوفَلٍ كما قال أبو حاتمٍ وابنُ حجرٍ وغيرُهما.
وروى فروةُ: عن أبيه نَوفَلٍ الأشجعيِّ، وعليِّ بنِ أبي طالبٍ، وأُمِّ المُؤمنينَ عائشةَ.

وخبَّابٌ هو ابنُ الأرَتِّ، الصَّحابيُّ الجليلُ، من نُجَباءِ المُهاجِرينَ السَّابِقينَ، ممَّن كان يُعذَّبُ في اللهِ، شهد بدرًا والمشاهدَ كلَّها مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
مات بالكُوفةِ سنةَ ( ٣٧هـ ) وصلَّى عليه عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنهما.

وقولُه: "يا هَناهْ": يعني: يا هذا، وللأُنثى: يا هَنْتاهْ، بتسكينِ النُّونِ وقد تُحَرَّكُ بالفتحةِ، والهاءُ الأخيرةُ ساكنةٌ وقد تُضَمُّ.

قال ابنُ الأثيرِ في النِّهايةِ في غريبِ الحديثِ والأثَرِ ( ٥ / ٢٨٠ ): قال الجوهريُّ: هذه اللَّفظةُ تُختَصُّ بالنِّداءِ"

وروى الأثرَ أيضًا: أحمدُ في الزُّهدِ ( ١١٢٣ ) وابنُه عبدُ اللهِ في السُّنَّةِ ( ١١١ )، وأبو عُبَيدٍ في فضائلِ القُرآنِ ( ص٧٧ )، والدَّارميُّ في الرَّدِّ على الجهميَّةِ ( ٣١٠ )، والبغويُّ في مُعجَمِ الصَّحابةِ ( ٢ / ٢٧٣ )، والحاكمُ في المُستَدرَكِ ( ٣٦٥٢ )، والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ١٨٦٣ ) وفي الأسماءِ والصِّفاتِ ( ٥١٩ ) وفي الاعتقادِ ( ص١٠٨ )، وابنُ بطَّةَ في الإبانةِ الكُبرى -القسم الثّالث- ( ١ / ٢٤٦ - ٢٤٧ برقم ٢٠ ) من طريقِ جريرِ بنِ عبدِ الحميدِ الضَّبِّيِّ.

ورواه أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ ( ٣٢٠٩٥ )، والبيهقيُّ في الأسماءِ والصِّفاتِ ( ٥٢٠ )، وابنُ بطَّةَ في الإبانةِ -القسم الثّالث- ( ١ / ٢٤٤ - ٢٤٦ برقم ١٩ )، والرَّازيُّ في فضائلِ القُرآنِ ( ٧٣ ) من طريقِ عَبِيدةَ بنِ حُمَيدٍ الحذَّاءِ.

ورواه البغويُّ في مُعجَمِ الصَّحابةِ ( ٢ / ٢٧٣ )، والآجُرِّيُّ في الشَّريعةِ ( ١٥٧ )، واللَّالكائيُّ في شرحِ أُصولِ الاعتقادِ ( ٥٥٨ )، وابنُ المُحِبِّ الصَّامتِ في صفاتِ ربِّ العالَمينَ ( ٥٦٢ ) من طريقِ أبي حفصٍ الأبَّارِ.

ثلاثتُهم ( جريرٌ وعَبِيدةُ وأبو حفصٍ ) عن منصورِ بنِ المُعتَمِرِ، عن هِلالِ بنِ يسافٍ، عن فروةَ بنِ نَوفَلٍ، به.

وذكرَهُ البُخاريُّ في خلقِ أفعالِ العبادِ ( ٩٣ ) تعليقًا بدونِ إسنادٍ، وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ في الاستِقامةِ ( ١ / ٣٤٥ )، وابنُ القيِّمِ في الصَّواعقِ المُرسَلةِ ( ٤ / ١٤١٤ )، وابنُ رجبٍ في جامعِ العُلومِ والحِكَمِ ( ص٦٨٠ ).

وصحَّحهُ الحاكمُ، والبيهقيُّ، والذَّهبيُّ.
قال القاضي أبو الحسَنِ عليُّ بنُ عبدِ العزيزِ الجُرجانيُّ في قصيدَتِه المشهورةِ في شرَفِ العِلمِ وأخلاقِ العُلَماءِ وشمائِلِهم:

يقولونَ لي فيكَ انقِباضٌ وإنَّما *** رأوْا رجلًا عن مَوقِفِ الذُّلِّ أحجما

أرى النَّاسَ مَن داناهمُ هان عندهم *** ومَن أكرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفسِ أُكرِما

ولم أقضِ حقَّ العِلمِ إن كان كُلَّما *** بدا طَمَعٌ صيَّرتُهُ ليَ سُلَّما

وما زِلتُ مُنحازًا بعِرضِيَ جانبًا *** من الذُّلِّ أعتدُّ الصِّيانةَ مَغنَما

إذا قِيلَ هذا مَنهَلٌ قلتُ قد أرى *** ولكنَّ نَفْسَ الحُرِّ تحتملُ الظَّما

أُنزِّهُها عن بعضِ ما لا يَشِينُها *** مخافةَ أقوالِ العِدا فِيمَ أو لِما

فأُصبِحُ عن عَيبِ اللَّئيمِ مُسلَّمًا *** وقد رُحتُ في نَفْسِ الكريمِ مُعظَّما

فإن قلتَ زَنْدَ العِلمِ كابَ فإنَّما ** كبا حيثُ لم تُحمى حِماهُ وأظلَما

وإنِّي إذا ما فاتَني الأمرُ لم أَبِتْ *** أُقلِّبُ فِكري إِثرَهُ مُتَندِّما

ولكنَّهُ إن جاء عَفوًا قَبِلتُهُ *** وإن مال لم أُتْبِعْهُ هلَّا ولَيتَما

وأقبِضُ خَطوِي عن حُظوظٍ كثيرةٍ *** إذا لم أَنَلْها وافِرَ العِرضِ مُكرَما

وأُكرِمُ نفسي أن أُضاحِكَ عابِسًا *** وأن أتلقَّى بالمديحِ مُذَمَّما

وكم طالِبٍ رِقِّي بنُعماهُ لم يَصِلْ *** إليه وإن كان الرَّئيسَ المُعَظَّما

وكم نعمةٍ كانَتْ على الحُرِّ نِقمةً *** وكم مَغنَمٍ يعتدُّهُ الحُرُّ مَغرَما

ولم أبتَذِلْ في خِدمةِ العِلمِ مُهجَتي *** لأَخدُمَ مَن لَاقَيتُ لكن لأُخدَما

أأشقى به غَرسًا وأجنِيهِ ذِلَّةً *** إذًا فاتِّباعُ الجَهلِ قد كان أَحزَما

ولو أنَّ أهلَ العِلمِ صانُوهُ صانَهم *** ولو عَظَّمُوهُ في النُّفوسِ لَعُظِّما

ولكنْ أهانُوهُ فهانَ ودَنَّسُوا *** مُحيَّاهُ بالأطماعِ حتَّى تَجَهَّما

وما كلُّ بَرقٍ لاحَ لي يستفزُّني *** ولا كلُّ مَن في الأرضِ أرضاهُ مُنعِما

ولكنْ إذا ما اضطَرَّني الضُّرُّ لم أَبِتْ *** أُقلِّبُ فِكري مُنجِدًا ثم مُتْهِما

إلى أن أرى ما لا أغصُّ بذِكرِهِ *** إذا قلتُ قد أسدى إليَّ وأنعَما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* النَّاظمُ:
هو القاضي العلَّامةُ أبو الحسَنِ عليُّ بنُ عبدِ العزيزِ الجُرجانيُّ.
كان شاعرًا وفقيهًا شافعيًّا، ولي القضاءَ فحُمِدَ فيه، وسمع الحديثَ، وكان صاحبَ فُنونٍ، وصاحبَ يَدٍ طُولى في براعةِ الخطِّ.

قال الثَّعالبيُّ: "هو فردُ الزَّمانِ، ونادرةُ الفلكِ، وإنسانُ حدقةِ العلمِ، وقُبَّةُ تاجِ الأدبِ، وفارسُ عسكرِ الشِّعرِ، يجمعُ خطَّ ابنِ مُقلةَ إلى نثرِ الجاحظِ إلى نظمِ البُحتريِّ". اهـ

وله كتابٌ اسمُه: "الوَساطةُ بين المُتَنَبِّي وخُصومِه"، وهو مطبوعٌ.

له ترجمةٌ في يتيمةِ الدَّهرِ ( ٤ / ٣ ) للثَّعالبيِّ، ومُعجَمِ الأُدَباءِ ( ٧ / ١٧٩٦ ) لياقوتَ، وسِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٧ / ١٩ ) للذَّهبيِّ، وطبقاتِ الشَّافعيَّةِ ( ٣ / ٤٥٩ ) للسُّبكيِّ.

* قالوا عن هذه القصيدةِ:

- قال الذَّهبيُّ في السِّير ( ١٧ / ٢٠ ) من ترجمتِه: "هو صاحبُ تِيكَ الأبياتِ الفائقةِ". اهـ

- قال السُّبكيُّ في الطَّبقاتِ ( ٣ / ٤٦٠ - ٤٦١ ): "ومن شِعرِ أبي الحسنِ السَّائرِ الفائقِ ما أنشدَناهُ الحافظُ أبو العبَّاسِ بنُ المُظَفَّرِ…". ثم رواها بسندِه.
ثم قال: "للهِ هذا الشِّعرُ ما أبلَغَهُ وأصنَعَهُ، وما أعلى على هامِ الجوزاءِ مَوضِعَهُ، وما أنفَعَهُ لو سَمِعَهُ مَن سَمِعَهُ، وهكذا فلْيكُنْ، وإلَّا فلا، أدبُ كلِّ فقيهٍ، ولمِثلِ هذا النَّاظمِ يحسُنُ النَّظمُ الذي لا نظيرَ له ولا شبيهَ، وعند هذا ينطقُ المُنصِفُ بعظيمِ الثَّناءِ على ذهنِه الخالصِ لا بالتَّمويهِ". اهـ

- قال الحِميريُّ في الرَّوضِ المِعطارِ ( ص١٦٢ ): "هو صاحبُ الأبياتِ المشهورةِ الشَّريفةِ". اهـ

- قال الشَّيخُ بكر أبوزيد في حِليةِ طالبِ العِلمِ ( ص٧٣ ): "وقد كان العُلَماءُ يُلَقِّنونَ طُلَّابَهم حِفظَ قصيدةِ الجُرجانيِّ". اهـ
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

الإمام ابن حبّان رحمه الله ألّف صحيحه بطريقة فريدة، سمّاها التقاسيم والأنواع، فهو ليس على الأبواب ولا المسانيد.
فجاء الأمير علاء الدين ابن بلبان ( تـ٧٣٩هـ ) فرتّبه على الكتب والأبواب، وسمّاه: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان.
قال الإمامُ العابدُ أحمدُ بنُ حربٍ النَّيسابوريُّ: "عبدتُ اللهَ خمسينَ سنةً، فما وجدتُ حلاوةَ العِبادةِ حتَّى تركتُ ثلاثةَ أشياءٍ: تركتُ رِضى النَّاسِ حتَّى قدرتُ أن أتكلَّمَ بالحقِّ، وتركتُ صُحبةَ الفاسِقينَ حتَّى وجدتُ صُحبةَ الصَّالِحينَ، وتركتُ حلاوةَ الدُّنيا حتَّى وجدتُ حلاوةَ الآخرةِ".

ذكَرَهُ الذَّهبيُّ في السِّير ( ١١ / ٣٤ ) وفي تاريخِه ( ٥ / ٧٥٦ ).