تكتب سفيتلانا أليكسيفيتش الحائزة على جائزة نوبل سنة 2015: "اخترت نوعا تتكلم فيه الأصوات البشرية تلقائياً من غير وسيط... لا أسجل التاريخ المجرد والحقائق الجافة، أنا أكتب تاريخ المشاعر الإنسانية، ما يفكر به الناس، وما يسمعونه أو يبتكرونه خلال وقوع الأحداث، ما يؤمنون به أو ما لا يثقون به، ما يتوهمونه، والآمال والمخاوف التي يمرون بها... لقد استغرقت ثلاث أو أربع سنوات لكتابة كل واحد من كتبي. أنا أصادف وأسجل لقاءاتي مع ٥٠٠-٧٠٠ شخص في كل كتاب. التاريخ الذي أكتبه يضم عدة أجيال، يبدأ من ذكريات الناس الذين عاصروا ثورة ١٩١٧ ومروا بالحروب وبكولاك ستالين، ووصلوا إلى وقتنا الراهن سالمين. هذه هي حكاية الروح الروسية السوفييتية" .
لا يجد الكاتبُ نفسَه على حالة واحدة حين يكتب، ربما يكتب نصًا لحظة توهجٍ ما لن يعود قادرًا على كتابة ما يشبهه في لحظة آتية. الكاتبُ الحقيقي مبدع، الإبداع اختراقٌ للقوانين المتعارَفة للكتابة وخروجٌ على الطرق المرسومة من قبل، ومغادرةٌ للأساليب المملة. أحيانًا يعجب الكاتبَ نصٌّ، ينزلق قلمَه عندما يحاول تقليده، لا هو ارتقى إلى لغته، ولا استطاع أن ينتج نصَّه الخاص. أحيانًا يحاول أن يستأنف محاكاةَ نصِّه الذي أنتجه كما هو مرةً أخرى، فيجد قلمَه يعاند تكرارَ التجربة مهما حاول أن يكرهَه على ذلك.
النصُّ كائن حيّ يختلف باختلاف مثابرة وموهبة ولغة وعصر وحالة مَن يكتبه. لو كان الكاتبُ يكرّرُ ما يكتبُه غيرُه ويطابقُه، لأصبحت الكتابةُ نسخةً واحدة، ولما تمايز كاتبٌ عن كاتبٍ وإبداعٌ عن إبداع، ولصار كلُّ الروائيين دوستويفسكي، وكلُّ الفلاسفة إيمانويل كانط، وكلُّ العرفاء النفّري ومحيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي، وكلُّ الأدباء العرب الجاحظ وطه حسين ونجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف.
https://alzawraapaper.com/content.php?id=378860
لا يجد الكاتبُ نفسَه على حالة واحدة حين يكتب، ربما يكتب نصًا لحظة توهجٍ ما لن يعود قادرًا على كتابة ما يشبهه في لحظة آتية. الكاتبُ الحقيقي مبدع، الإبداع اختراقٌ للقوانين المتعارَفة للكتابة وخروجٌ على الطرق المرسومة من قبل، ومغادرةٌ للأساليب المملة. أحيانًا يعجب الكاتبَ نصٌّ، ينزلق قلمَه عندما يحاول تقليده، لا هو ارتقى إلى لغته، ولا استطاع أن ينتج نصَّه الخاص. أحيانًا يحاول أن يستأنف محاكاةَ نصِّه الذي أنتجه كما هو مرةً أخرى، فيجد قلمَه يعاند تكرارَ التجربة مهما حاول أن يكرهَه على ذلك.
النصُّ كائن حيّ يختلف باختلاف مثابرة وموهبة ولغة وعصر وحالة مَن يكتبه. لو كان الكاتبُ يكرّرُ ما يكتبُه غيرُه ويطابقُه، لأصبحت الكتابةُ نسخةً واحدة، ولما تمايز كاتبٌ عن كاتبٍ وإبداعٌ عن إبداع، ولصار كلُّ الروائيين دوستويفسكي، وكلُّ الفلاسفة إيمانويل كانط، وكلُّ العرفاء النفّري ومحيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي، وكلُّ الأدباء العرب الجاحظ وطه حسين ونجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف.
https://alzawraapaper.com/content.php?id=378860
جريدة الزوراء العراقية
غــــواية الكتـابـــة
غوايةُ الكتابة واحدةٌ من نتائج غير محسوبة لعصر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات. صار الهوسُ بالكتابة والنشر، بلا موهبة، ولا قراءة مكثفة، ولا تفكير صبور،كهوس تكديس الشهادات العليا بلا تكوينٍ علمي. إذ يورث الحضورُ في
[](https://jabbaralrefae.com/tag/%25D9%2581%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2581%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%258A%25D9%2586/)
علم الكلام الجديد، في رؤية الرفاعي، يستند إلى الثالوث الفلسفي الذي وضعه في هذه الثلاثية: 1. الظمأ الأنطولوجي، 2. الاغتراب الميتافيزيقي، 3. الإنسانية الإيمانية.
فالظمأ الأنطولوجي هو الدافع الأساسي للتفكير الديني، حيث يمثل السؤال الوجودي الأول الذي يحرك الإنسان نحو البحث عن المعنى. والاغتراب الميتافيزيقي هو التحدي الذي يواجه هذا البحث، نتيجة الأدلجة والانحراف عن الجوهر الروحي للدين. أما فضاء الإنسانية الإيمانية فهو الحل، حيث يتم استعادة الدين كتجربة وجودية تحرر الإنسان من الاغتراب وتروي ظمأه الأنطولوجي.
يؤسس الرفاعي علم الكلام الجديد على مبدأ نقد ترحيل الدين إلى الأيديولوجيا، وإعادة الاعتبار للعقل والتجربة الإنسانية في التفكير الديني. ركز على الوحي كظاهرة ميتافيزيقية تتفاعل مع الواقع الاجتماعي والإنساني. ويسعى علم الكلام الجديد لدى الرفاعي إلى تحرير الفكر الديني من الجزمية والقمعية والإكراه، وإعادة صياغته كمشروع مفتوح يحترم تعددية الرؤى وتنوع الطرق إلى الحقيقة.[](https://jabbaralrefae.com/tag/%25D9%2581%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2581%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%258A%25D9%2586/)
الخلاصة: الثالوث الفلسفي لتجديد الفكر الديني الذي وضعه ال الرفاعي:
يشكل الظمأ الأنطولوجي نقطة البداية، كتعبير عن النزوع الإنساني الأصيل نحو الله. حيث يؤدي فقدان الصلة بالله، بفعل الأدلجة، إلى الاغتراب الميتافيزيقي، الذي يترك الإنسان في فراغ وجودي. يقدم الرفاعي فضاء الإنسانية الإيمانية كأفق للارتواء، حيث يستعيد الدين دوره كمصدر للمعنى والكرامة، متجاوزًا القيود الأيديولوجية. هذا الثالوث – الظمأ، الاغتراب، والإنسانية الإيمانية – يشكل أساس علم الكلام الجديد، الذي يهدف إلى تجديد التفكير الديني عبر نهج فلسفي يجمع بين العقل والروح، والوحي والتجربة الإنسانية، في سعي دائم نحو الحقيقة النسبية التي تتعدد وجوهها بتعدد زوايا النظر إليها.
هكذا، يقدم الرفاعي مشروعًا فلسفيًا عميقًا يعيد الدين إلى أصله الأنطولوجي، ويحرره من قيود الأيديولوجيا، ويؤسس لتفكير ديني يحترم كرامة الإنسان وحريته في البحث عن المعنى.[](https://jabbaralrefae.com/tag/%25D9%2581%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2581%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%258A%25D9%2586/)[](https://www.hindawi.org/contributors/81287234/)[](https://www.hindawi.org/books/30847268/)
علم الكلام الجديد، في رؤية الرفاعي، يستند إلى الثالوث الفلسفي الذي وضعه في هذه الثلاثية: 1. الظمأ الأنطولوجي، 2. الاغتراب الميتافيزيقي، 3. الإنسانية الإيمانية.
فالظمأ الأنطولوجي هو الدافع الأساسي للتفكير الديني، حيث يمثل السؤال الوجودي الأول الذي يحرك الإنسان نحو البحث عن المعنى. والاغتراب الميتافيزيقي هو التحدي الذي يواجه هذا البحث، نتيجة الأدلجة والانحراف عن الجوهر الروحي للدين. أما فضاء الإنسانية الإيمانية فهو الحل، حيث يتم استعادة الدين كتجربة وجودية تحرر الإنسان من الاغتراب وتروي ظمأه الأنطولوجي.
يؤسس الرفاعي علم الكلام الجديد على مبدأ نقد ترحيل الدين إلى الأيديولوجيا، وإعادة الاعتبار للعقل والتجربة الإنسانية في التفكير الديني. ركز على الوحي كظاهرة ميتافيزيقية تتفاعل مع الواقع الاجتماعي والإنساني. ويسعى علم الكلام الجديد لدى الرفاعي إلى تحرير الفكر الديني من الجزمية والقمعية والإكراه، وإعادة صياغته كمشروع مفتوح يحترم تعددية الرؤى وتنوع الطرق إلى الحقيقة.[](https://jabbaralrefae.com/tag/%25D9%2581%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2581%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%258A%25D9%2586/)
الخلاصة: الثالوث الفلسفي لتجديد الفكر الديني الذي وضعه ال الرفاعي:
يشكل الظمأ الأنطولوجي نقطة البداية، كتعبير عن النزوع الإنساني الأصيل نحو الله. حيث يؤدي فقدان الصلة بالله، بفعل الأدلجة، إلى الاغتراب الميتافيزيقي، الذي يترك الإنسان في فراغ وجودي. يقدم الرفاعي فضاء الإنسانية الإيمانية كأفق للارتواء، حيث يستعيد الدين دوره كمصدر للمعنى والكرامة، متجاوزًا القيود الأيديولوجية. هذا الثالوث – الظمأ، الاغتراب، والإنسانية الإيمانية – يشكل أساس علم الكلام الجديد، الذي يهدف إلى تجديد التفكير الديني عبر نهج فلسفي يجمع بين العقل والروح، والوحي والتجربة الإنسانية، في سعي دائم نحو الحقيقة النسبية التي تتعدد وجوهها بتعدد زوايا النظر إليها.
هكذا، يقدم الرفاعي مشروعًا فلسفيًا عميقًا يعيد الدين إلى أصله الأنطولوجي، ويحرره من قيود الأيديولوجيا، ويؤسس لتفكير ديني يحترم كرامة الإنسان وحريته في البحث عن المعنى.[](https://jabbaralrefae.com/tag/%25D9%2581%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2581%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%258A%25D9%2586/)[](https://www.hindawi.org/contributors/81287234/)[](https://www.hindawi.org/books/30847268/)
أسس فلسفة عبد الجبار الرفاعي الدينية في سياق مؤلفاته الأساسية:
تتجلى في أعمال الرفاعي الرئيسية رؤيته لتجديد الفكر الديني في الإسلام، وهذه الأعمال هي: *الدين والظمأ الأنطولوجي*، *الدين والاغتراب الميتافيزيقي*، *الدين والكرامة الإنسانية*، *الدين والنزعة الإنسانية*، و*مقدمة في علم الكلام الجديد*، التي تشكل نسيجًا معرفيًا عميقًا يسعى إلى إعادة تأسيس التفكير الديني على أسس أنطولوجية وروحية واخلاقية وجمالية، متجاوزًا الأطر الأيديولوجية التقليدية. في هذا النص، سنستكشف كيف يتفاعل "الظمأ الأنطولوجي" مع "الاغتراب الميتافيزيقي"، وكيف يجدان ارتواءهما في "فضاء الإنسانية الإيمانية"، وكيف يشكل هذا الثالوث الأساس الذي اشتق منه الرفاعي رؤيته لتأسيس علم الكلام الجديد، بنهج فلسفي دقيق وعميق.
الظمأ الأنطولوجي: العطش إلى الارتواء من المقدس
في كتاب *الدين والظمأ الأنطولوجي*، يعرّف الرفاعي الظمأ الأنطولوجي بأنه "الظمأ للمقدس، أو الحنين للوجود"، وهو عطش كينوني ينبع من أعماق الإنسان بوصفه كائنًا ميتافيزيقيًا يبحث عن معنى لوجوده. هذا الظمأ ليس مجرد رغبة عابرة، بل هو نزوع وجودي أصيل يعكس توق الإنسان إلى تجاوز الحدود المادية والحسية للعالم، نحو استكشاف "معنى المعنى"، أي الدلالات العميقة التي تمنح الحياة تماسكًا وغائية. يرى الرفاعي أن الدين، في جوهره، هو استجابة لهذا الظمأ، حيث يوفر إطارًا ميتافيزيقيًا يربط الإنسان بالمقدس، ويعيد صياغة وجوده في أفق روحي وأخلاقي وجمالي.[](https://www.hindawi.org/books/30847268/)
الظمأ الأنطولوجي، إذن، هو حالة وجودية دائمة، تنشأ من وعي الإنسان بمحدودية وجوده الزمني، وتوقّه إلى ما هو أبعد من الظواهر الحسية. إنه تعبير عن الحاجة إلى الانتماء إلى مطلق الوجود، كي يتجاوز الفردية والعزلة، وتفتح أمام الإنسان أفقًا للمعنى يتجاوز السطحي والعابر.
الاغتراب الميتافيزيقي: فقدان الصلة بالله:
في كتاب *الدين والاغتراب الميتافيزيقي*، يعالج الرفاعي الاغتراب الميتافيزيقي كنتيجة لانفصال الإنسان عن أصله الأنطولوجي، أي عن الله، الذي يروي اتصاله به ظمأه الوجودي. هذا الاغتراب يتولد عندما يتم ترحيل الدين من مجاله الأنطولوجي – حيث يعمل كمصدر للمعنى والانتماء – إلى المجال الأيديولوجي، حيث يصبح أداة للتنميط والتدجين. يرى الرفاعي أن الأيديولوجيا الدينية، التي تفرض أنماطًا جزمية من التفكير والسلوك، تحجب الحقيقة وتُفقر الدين من طاقته الروحية، مما يؤدي إلى إحساس الإنسان بالعزلة والضياع في عالم فقد تماسكه الدلالي.[](https://www.hindawi.org/books/30847268/)
الاغتراب الميتافيزيقي، في هذا السياق، هو حالة من الفراغ الروحي الناتج عن فقدان الصلة بالمقدس، حيث يجد الإنسان نفسه محاصرًا في عالم مادي يفتقر إلى العمق الميتافيزيقي. هذا الاغتراب يتفاقم بفعل الأدلجة، سواء كانت دينية أو علمانية، التي تحاول فرض إجابات جاهزة على الأسئلة الميتافيزيقية الكبرى، مما يعطل العقل ويمنع الإنسان من استكشاف الحقيقة بنفسه.
فضاء الإنسانية الإيمانية: الارتواء بالمعنى عبر الصلة بالله
في كتابي: *الدين والكرامة الإنسانية* و*الدين والنزعة الإنسانية*، إذ يقدم الرفاعي "فضاء الإنسانية الإيمانية" كحل للظمأ الأنطولوجي والاغتراب الميتافيزيقي. هذا الفضاء هو أفق وجودي يجمع بين البعد الروحي للدين والبعد الجمالي للوجود، حيث يتم استعادة كرامة الإنسان ككائن يحمل في داخله نزوعًا إلى الاتصال بالله، ولكنه في الوقت ذاته يتمتع بحرية العقل والضمير. الإنسانية الإيمانية، كما يراها الرفاعي، هي التوازن بين التسليم بالوحي كمصدر للمعنى، والتأكيد على الإنسان كفاعل أخلاقي ومعرفي يسعى إلى تحقيق وجوده في إطار روحي وأخلاقي.[](https://www.hindawi.org/contributors/81287234/)
في هذا الفضاء، يرتوي الظمأ الأنطولوجي عبر استعادة الصلة بالله، ليس كمجرد طقوس أو أيديولوجيا، بل كتجربة وجودية عميقة تعيد للإنسان إحساسه بالانتماء إلى الكون وإلى الإله. كما يتم التغلب على الاغتراب الميتافيزيقي من خلال تحرير الدين من الأطر الأيديولوجية، وإعادته إلى دوره الأصلي كمصدر للمعنى الروحي والأخلاقي والجمالي. إذ يؤكد الرفاعي أن الدين، في هذا الفضاء، يصبح حياة في أفق المعنى، تتجاوز القمع والإكراه وتستجيب لحاجة الإنسان إلى الكرامة والحرية.[](https://www.hindawi.org/books/30847268/)
علم الكلام الجديد: في التأسيس الفلسفي للثالوث في كتاب *مقدمة في علم الكلام الجديد*، يضع الرفاعي إطارًا منهجيًا لتأسيس علم الكلام الجديد كمشروع فلسفي يهدف إلى إعادة بناء التفكير الديني. ينطلق هذا العلم من إدراك أن الأسئلة الميتافيزيقية الكبرى – مثل معنى الوجود، وطبيعة الإله، ومصير الإنسان – لا تملك إجابات نهائية، بل تتطلب تجديدًا مستمرًا في ضوء تطور الوعي البشري. يرى الرفاعي أن الحقيقة واحدة في ذاتها، لكن معرفتها نسبية، تتعدد بتعدد زوايا النظر إليها.
تتجلى في أعمال الرفاعي الرئيسية رؤيته لتجديد الفكر الديني في الإسلام، وهذه الأعمال هي: *الدين والظمأ الأنطولوجي*، *الدين والاغتراب الميتافيزيقي*، *الدين والكرامة الإنسانية*، *الدين والنزعة الإنسانية*، و*مقدمة في علم الكلام الجديد*، التي تشكل نسيجًا معرفيًا عميقًا يسعى إلى إعادة تأسيس التفكير الديني على أسس أنطولوجية وروحية واخلاقية وجمالية، متجاوزًا الأطر الأيديولوجية التقليدية. في هذا النص، سنستكشف كيف يتفاعل "الظمأ الأنطولوجي" مع "الاغتراب الميتافيزيقي"، وكيف يجدان ارتواءهما في "فضاء الإنسانية الإيمانية"، وكيف يشكل هذا الثالوث الأساس الذي اشتق منه الرفاعي رؤيته لتأسيس علم الكلام الجديد، بنهج فلسفي دقيق وعميق.
الظمأ الأنطولوجي: العطش إلى الارتواء من المقدس
في كتاب *الدين والظمأ الأنطولوجي*، يعرّف الرفاعي الظمأ الأنطولوجي بأنه "الظمأ للمقدس، أو الحنين للوجود"، وهو عطش كينوني ينبع من أعماق الإنسان بوصفه كائنًا ميتافيزيقيًا يبحث عن معنى لوجوده. هذا الظمأ ليس مجرد رغبة عابرة، بل هو نزوع وجودي أصيل يعكس توق الإنسان إلى تجاوز الحدود المادية والحسية للعالم، نحو استكشاف "معنى المعنى"، أي الدلالات العميقة التي تمنح الحياة تماسكًا وغائية. يرى الرفاعي أن الدين، في جوهره، هو استجابة لهذا الظمأ، حيث يوفر إطارًا ميتافيزيقيًا يربط الإنسان بالمقدس، ويعيد صياغة وجوده في أفق روحي وأخلاقي وجمالي.[](https://www.hindawi.org/books/30847268/)
الظمأ الأنطولوجي، إذن، هو حالة وجودية دائمة، تنشأ من وعي الإنسان بمحدودية وجوده الزمني، وتوقّه إلى ما هو أبعد من الظواهر الحسية. إنه تعبير عن الحاجة إلى الانتماء إلى مطلق الوجود، كي يتجاوز الفردية والعزلة، وتفتح أمام الإنسان أفقًا للمعنى يتجاوز السطحي والعابر.
الاغتراب الميتافيزيقي: فقدان الصلة بالله:
في كتاب *الدين والاغتراب الميتافيزيقي*، يعالج الرفاعي الاغتراب الميتافيزيقي كنتيجة لانفصال الإنسان عن أصله الأنطولوجي، أي عن الله، الذي يروي اتصاله به ظمأه الوجودي. هذا الاغتراب يتولد عندما يتم ترحيل الدين من مجاله الأنطولوجي – حيث يعمل كمصدر للمعنى والانتماء – إلى المجال الأيديولوجي، حيث يصبح أداة للتنميط والتدجين. يرى الرفاعي أن الأيديولوجيا الدينية، التي تفرض أنماطًا جزمية من التفكير والسلوك، تحجب الحقيقة وتُفقر الدين من طاقته الروحية، مما يؤدي إلى إحساس الإنسان بالعزلة والضياع في عالم فقد تماسكه الدلالي.[](https://www.hindawi.org/books/30847268/)
الاغتراب الميتافيزيقي، في هذا السياق، هو حالة من الفراغ الروحي الناتج عن فقدان الصلة بالمقدس، حيث يجد الإنسان نفسه محاصرًا في عالم مادي يفتقر إلى العمق الميتافيزيقي. هذا الاغتراب يتفاقم بفعل الأدلجة، سواء كانت دينية أو علمانية، التي تحاول فرض إجابات جاهزة على الأسئلة الميتافيزيقية الكبرى، مما يعطل العقل ويمنع الإنسان من استكشاف الحقيقة بنفسه.
فضاء الإنسانية الإيمانية: الارتواء بالمعنى عبر الصلة بالله
في كتابي: *الدين والكرامة الإنسانية* و*الدين والنزعة الإنسانية*، إذ يقدم الرفاعي "فضاء الإنسانية الإيمانية" كحل للظمأ الأنطولوجي والاغتراب الميتافيزيقي. هذا الفضاء هو أفق وجودي يجمع بين البعد الروحي للدين والبعد الجمالي للوجود، حيث يتم استعادة كرامة الإنسان ككائن يحمل في داخله نزوعًا إلى الاتصال بالله، ولكنه في الوقت ذاته يتمتع بحرية العقل والضمير. الإنسانية الإيمانية، كما يراها الرفاعي، هي التوازن بين التسليم بالوحي كمصدر للمعنى، والتأكيد على الإنسان كفاعل أخلاقي ومعرفي يسعى إلى تحقيق وجوده في إطار روحي وأخلاقي.[](https://www.hindawi.org/contributors/81287234/)
في هذا الفضاء، يرتوي الظمأ الأنطولوجي عبر استعادة الصلة بالله، ليس كمجرد طقوس أو أيديولوجيا، بل كتجربة وجودية عميقة تعيد للإنسان إحساسه بالانتماء إلى الكون وإلى الإله. كما يتم التغلب على الاغتراب الميتافيزيقي من خلال تحرير الدين من الأطر الأيديولوجية، وإعادته إلى دوره الأصلي كمصدر للمعنى الروحي والأخلاقي والجمالي. إذ يؤكد الرفاعي أن الدين، في هذا الفضاء، يصبح حياة في أفق المعنى، تتجاوز القمع والإكراه وتستجيب لحاجة الإنسان إلى الكرامة والحرية.[](https://www.hindawi.org/books/30847268/)
علم الكلام الجديد: في التأسيس الفلسفي للثالوث في كتاب *مقدمة في علم الكلام الجديد*، يضع الرفاعي إطارًا منهجيًا لتأسيس علم الكلام الجديد كمشروع فلسفي يهدف إلى إعادة بناء التفكير الديني. ينطلق هذا العلم من إدراك أن الأسئلة الميتافيزيقية الكبرى – مثل معنى الوجود، وطبيعة الإله، ومصير الإنسان – لا تملك إجابات نهائية، بل تتطلب تجديدًا مستمرًا في ضوء تطور الوعي البشري. يرى الرفاعي أن الحقيقة واحدة في ذاتها، لكن معرفتها نسبية، تتعدد بتعدد زوايا النظر إليها.
www.hindawi.org
الدين والظمأ الأنطولوجي | عبد الجبار الرفاعي | مؤسسة هنداوي
يمكنك تحميل كتب ومؤلفات «عبد الجبار الرفاعي» مجانا من خلال موقعنا، بالإضافة إلى العديد من الكتب المجانية الأخرى.
عجز العلوم عن قراءة لغة الغيب
د. عبد الجبار الرفاعي
يفتح النص الديني أفقا واسعا لفهم الطبيعة عبر مناهج التحقيق العلمي، إذ يمكن دراسة ما يتعلق بالطبيعة في آيات القرآن، من أرض وسماء، وشمس وقمر ونجوم، وليل ونهار، ورياح ومطر، وجبال وبحار، ونبات وحيوان ومعادن، بمناهج تكتشف القوانين الطبيعية، وتدرس من منظور علمي النظام الكوني ودقته المدهشة.كما يتيح التفسير التاريخي، المستند إلى معطيات علم الآثار والجغرافيا التاريخية لعصر النزول، فهم الحوادث والوقائع التي ذكرها القرآن في آياته، والشخصيات التاريخية، والأقوام مثل: قوم نوح وإبراهيم وموسى ولوط وعاد وثمود وقوم صالح وشعيب ويونس وغيرهم، ودراسة الأماكن، كأرض مدين وطور سيناء ومصر والمسجد الأقصى والمسجد الحرام والكعبة ومكة ويثرب وبدر وحنين وتبوك والحجاز، ليفتح أفقًا علميًا لتجديد التفسير، ويؤسس لفهم جديد للوحي. وتتيح مناهج علوم الإنسان المجتمع الحديثة فهم أحوال النفس البشرية، وما تحدثت عنه الآيات القرآنية من ضعف الإنسان وهشاشته وظمئه الأنطولوجي واغترابه الميتافيزيقي، ودراسة وتحليل عوامل نهوض الأمم وسقوطها، وأمثال ذلك فيما يخصّ الإنسان فردًا ومجتمعًا.
كل شيء تتسع له هذه الحقول يمكن دراسته في ضوء مناهج البحث العلمي وآخر معطيات العلوم والمعارف البشرية، لكن من العبث تطبيق هذه المناهج في اكتشاف الحقائق غير المادية وما هو خارج الطبيعة. عوالم الغيب حقائق تنتمي إلى ما وراء الطبيعة، لذلك لا يصح تطبيق مناهج علم النفس وعلم الاجتماع والانثربولوجيا وغيرها من العلوم الإنسانية والطبيعية وأدواتها في الكشف عنها وتحليل مضمونها ومعرفة ماهيتها. عندما تحاول نظريات هذه العلوم تفسير البعد الغيبي في الوحي، فإن أول ما تبدأ به هو نزع مضمونه الغيبي، والنظر إليه في أفق الطبيعة والمادة. أخفقت محاولات اكتشاف الغيب بمناهج العلوم المعروفة، وأدخلت الإنسان في متاهات، تبدأ بالإنكار وتنتهي بالإنكار،كمن يحاول معرفة ذات الله وحقيقته وكنهه بأدوات العلوم ومناهجها المعروفة. الغيب لا يُدرك بالعقل التجريبي، ولا بالأدوات التي صُممت لفهم الظواهر المادية. الغيب يشعر به الإنسان بالتجربة الروحية، ويتجلى في لحظة صفائه الباطني، ويشهده الإنسان بالبصيرة، ويتذوقه بالقلب.
لا يمكن ترجمة الغيب إلى معادلات أو نظريات. إنه سرّ لا يُمسك ولا يُحاط به، ولا يُفهم إلا بعد تجليه على روح الإنسان وقلبه، حين تصفو بصيرته، وتستعد لتلقي إشراقات النور الإلهي. محاولة اختزال الغيب إلى موضوع للبحث العلمي بالمعنى التجريبي تنتزع منه محتواه الميتافيزيقي، وتختزل حضوره في الأرقام والحسابات والمعادلات. الغيب في حقيقته ليس شيئًا يُمتلك، بل معنى يُعاش، وحقيقة يشعر بها الإنسان الذي يؤمن به. الغيب يشهد تجلياته الإنسان في الطبيعة، فينبعث من تجلياته نور يضيء روح الإنسان ويبث السكينة في باطنه. ما لم ندرك أن الغيب لا يُعرف إلا بقدر ما ينكشف لمن يتأهل لمشاهدته، سنظل نبحث عنه في الموضع الخطأ، بأدوات لا توصل الإنسان إليه، ولن يبصر منه إلا ظلالًا باهتة لا تُضيء للإنسان الطريق إليه.
التعرف على الغيب في القرآن إنما يكون من خلال ما تتحدث به آياته، وهكذا في الكتب السماوية التي تتحدث عن الغيب. في الحياة الروحية تنكشف تجليات الغيب في حياة الإنسان وتنعكس تمثلاته، الأفق الذي يتجلى فيه الغيب، بوصفه منبعًا لإرواء الظمأ الأنطولوجي، لا يتحقق في العالم الحسي الذي تحكمه قوانين الطبيعة. لا يخضع الغيب في اكتشاف حقيقته ومعرفة كيفيته للعلم ومناهج البحث العلمي، وإن كانت العلوم هي الأداة الأساسية في التعرف على تأثير الغيب في الإنسان فردًا ومجتمعًا والواقع الذي يعيش فيه، ودراسة تمثلاته في الحياة الفردية والمجتمعية. حضور الغيب لا يُقاس بأجهزة قياس حسية، ولا يبرهن عليه بالبراهين التجريبية، بل يُعاش بالتجربة الروحية، ويُذاق بالتأمل، ويُشهد بالبصيرة. الغيب في حياة الإنسان لا يعبر عن ذاته بلغة الأرقام، بل بلغة المعنى. حين يتحدث الكتاب الكريم عن الغيب، فإنه لا يقدم تقريرًا وصفيًا، بل يوقظ شعورًا، ويبث تذوقًا، ويعيد تشكيل صلة الإنسان بالحقّ، ويهبه أفقًا يتجاوز المحسوس، وينقله من ظواهر الأشياء المادية إلى عمق معانى الوجود والحياة.
د. عبد الجبار الرفاعي
يفتح النص الديني أفقا واسعا لفهم الطبيعة عبر مناهج التحقيق العلمي، إذ يمكن دراسة ما يتعلق بالطبيعة في آيات القرآن، من أرض وسماء، وشمس وقمر ونجوم، وليل ونهار، ورياح ومطر، وجبال وبحار، ونبات وحيوان ومعادن، بمناهج تكتشف القوانين الطبيعية، وتدرس من منظور علمي النظام الكوني ودقته المدهشة.كما يتيح التفسير التاريخي، المستند إلى معطيات علم الآثار والجغرافيا التاريخية لعصر النزول، فهم الحوادث والوقائع التي ذكرها القرآن في آياته، والشخصيات التاريخية، والأقوام مثل: قوم نوح وإبراهيم وموسى ولوط وعاد وثمود وقوم صالح وشعيب ويونس وغيرهم، ودراسة الأماكن، كأرض مدين وطور سيناء ومصر والمسجد الأقصى والمسجد الحرام والكعبة ومكة ويثرب وبدر وحنين وتبوك والحجاز، ليفتح أفقًا علميًا لتجديد التفسير، ويؤسس لفهم جديد للوحي. وتتيح مناهج علوم الإنسان المجتمع الحديثة فهم أحوال النفس البشرية، وما تحدثت عنه الآيات القرآنية من ضعف الإنسان وهشاشته وظمئه الأنطولوجي واغترابه الميتافيزيقي، ودراسة وتحليل عوامل نهوض الأمم وسقوطها، وأمثال ذلك فيما يخصّ الإنسان فردًا ومجتمعًا.
كل شيء تتسع له هذه الحقول يمكن دراسته في ضوء مناهج البحث العلمي وآخر معطيات العلوم والمعارف البشرية، لكن من العبث تطبيق هذه المناهج في اكتشاف الحقائق غير المادية وما هو خارج الطبيعة. عوالم الغيب حقائق تنتمي إلى ما وراء الطبيعة، لذلك لا يصح تطبيق مناهج علم النفس وعلم الاجتماع والانثربولوجيا وغيرها من العلوم الإنسانية والطبيعية وأدواتها في الكشف عنها وتحليل مضمونها ومعرفة ماهيتها. عندما تحاول نظريات هذه العلوم تفسير البعد الغيبي في الوحي، فإن أول ما تبدأ به هو نزع مضمونه الغيبي، والنظر إليه في أفق الطبيعة والمادة. أخفقت محاولات اكتشاف الغيب بمناهج العلوم المعروفة، وأدخلت الإنسان في متاهات، تبدأ بالإنكار وتنتهي بالإنكار،كمن يحاول معرفة ذات الله وحقيقته وكنهه بأدوات العلوم ومناهجها المعروفة. الغيب لا يُدرك بالعقل التجريبي، ولا بالأدوات التي صُممت لفهم الظواهر المادية. الغيب يشعر به الإنسان بالتجربة الروحية، ويتجلى في لحظة صفائه الباطني، ويشهده الإنسان بالبصيرة، ويتذوقه بالقلب.
لا يمكن ترجمة الغيب إلى معادلات أو نظريات. إنه سرّ لا يُمسك ولا يُحاط به، ولا يُفهم إلا بعد تجليه على روح الإنسان وقلبه، حين تصفو بصيرته، وتستعد لتلقي إشراقات النور الإلهي. محاولة اختزال الغيب إلى موضوع للبحث العلمي بالمعنى التجريبي تنتزع منه محتواه الميتافيزيقي، وتختزل حضوره في الأرقام والحسابات والمعادلات. الغيب في حقيقته ليس شيئًا يُمتلك، بل معنى يُعاش، وحقيقة يشعر بها الإنسان الذي يؤمن به. الغيب يشهد تجلياته الإنسان في الطبيعة، فينبعث من تجلياته نور يضيء روح الإنسان ويبث السكينة في باطنه. ما لم ندرك أن الغيب لا يُعرف إلا بقدر ما ينكشف لمن يتأهل لمشاهدته، سنظل نبحث عنه في الموضع الخطأ، بأدوات لا توصل الإنسان إليه، ولن يبصر منه إلا ظلالًا باهتة لا تُضيء للإنسان الطريق إليه.
التعرف على الغيب في القرآن إنما يكون من خلال ما تتحدث به آياته، وهكذا في الكتب السماوية التي تتحدث عن الغيب. في الحياة الروحية تنكشف تجليات الغيب في حياة الإنسان وتنعكس تمثلاته، الأفق الذي يتجلى فيه الغيب، بوصفه منبعًا لإرواء الظمأ الأنطولوجي، لا يتحقق في العالم الحسي الذي تحكمه قوانين الطبيعة. لا يخضع الغيب في اكتشاف حقيقته ومعرفة كيفيته للعلم ومناهج البحث العلمي، وإن كانت العلوم هي الأداة الأساسية في التعرف على تأثير الغيب في الإنسان فردًا ومجتمعًا والواقع الذي يعيش فيه، ودراسة تمثلاته في الحياة الفردية والمجتمعية. حضور الغيب لا يُقاس بأجهزة قياس حسية، ولا يبرهن عليه بالبراهين التجريبية، بل يُعاش بالتجربة الروحية، ويُذاق بالتأمل، ويُشهد بالبصيرة. الغيب في حياة الإنسان لا يعبر عن ذاته بلغة الأرقام، بل بلغة المعنى. حين يتحدث الكتاب الكريم عن الغيب، فإنه لا يقدم تقريرًا وصفيًا، بل يوقظ شعورًا، ويبث تذوقًا، ويعيد تشكيل صلة الإنسان بالحقّ، ويهبه أفقًا يتجاوز المحسوس، وينقله من ظواهر الأشياء المادية إلى عمق معانى الوجود والحياة.
لغة الدين المختصة بالغيب ضرب من الترجمة لإشارات الغيب ورموزه، ومحاولة لرسم صورة عنه في لغة الإنسان، وتجلٍّ لكلمة الله بكلمات خلقه. الترجمة لا تطابق الأصل، ولا تعكس صورته كما هي، ولا تكشف كل ملامحه، إنها تومئ إليه، وتعكس شيئًا من ملامحه. يظل فهم الغيب في الكتاب الكريم نسبيًا، المفسّر الذي يمتلك أدوات التفسير لآيات الغيب لا يكون تفسيره لها نهائيًا، لأنه يخضع في تفسيره لمشروطيات الذات، وأحكامها المسبقة، وأفق انتظارها، والزمان، والمكان، والواقع، والعوامل والمعطيات المختلفة التي تؤثر في حياته بوصفه فردًا، وفي حياته بضمن المجتمع الذي ينتمي إليها، وليس بوسعه الإفلات النهائي من تأثير هذه العوامل المتنوعة على فهمه، مهما حاول أن يكون محايدًا. لا يمكن الحديث عن تفسير نهائي أبدي لنصوص الكتب المقدسة، ولا عن قراءة أخيرة لمعاني الغيب، بل نحن بإزاء معانٍ تتجدد بتجدد أدوات القراءة وشروط التلقي، وتنبسط كلما اتسعت الرؤية، وتنقبض حيث يضيق أفق الرؤية.كل فهم نوع من التأويل، وكل تأويل اجتهاد بشري في الإصغاء لما يبوح به النص من دلالات في حالات معينة، وظرف بعينه. هذا التأويل ليس نهائيًا في تفسير الغيب، إنه ليس سوى صورة من صور التلقي المحدود.
لغة الغيب عندما تشرح وتصف تنشد أن ترسم أفقًا للشهود. هذه اللغة رؤيوية، تسعى للقبض على معنى لا محسوس، ولا تاريخي، ولا زماني، ولا مكاني، ولا مرئي، ولا محدود، وإيداعه في قالب محسوس ومرئي وضيق ومحدود. لغة الغيب تتعدد مراتبها، وتنشد تلبية مستويات متنوعة من الفهم، ومراعاة درجات مختلفة للتذوق. هذه اللغة يتخطى نداؤها العقل، إنها نداء يتجه لإيقاد طاقات الروح، وإيقاظ الضمير، وإحياء القلب، وشحذ المشاعر، وإثارة الأحاسيس، وتغذية الروح. إنها لغة لا تشرح بقدر ما تلمّح، ولا تكتفي بإبلاغ المعنى، بل تفتح أفقًا للتأمل في المعنى، تنتقل من ظاهر الحرف إلى دلالاته المحتجبة، فيتحسسها الإنسان في شعوره قبل أن تبلغ عقله. لا تُفسَّر هذه اللغة تفسيرًا واحدًا، بل تتعدد تأويلاتها بتعدد اشراقاتها على القلوب، وتتنوع أنوارها بتنوع البصائر، وتتكشف أسرارها بحسب استعداد المتلقي وقدرته على التذوق. لما كان الغيب لا يتسع له العقل، فإن اللغة التي تحكي عنه تتعدد فيها طبقات المعنى، لذلك تتوسل بالمجاز والاشارة والرمز والإيحاء،كي تستنطق ما لا يُقال بالكلمات، وتوقظ ما خفي، وتفتح أفق الشهود لما لا يُرى.
حين تصير الكلمة مرآةً للغيب، تغدو العبارة طريقًا إلى المعنى، لا قيدًا عليه، وتتحول اللغة من أداة إخبار إلى وسيلة حضور. هذه اللغة لا تنتجها قوالب الجدل الكلامي، ولا تختزل في حدود مقولة اعتقادية، ولا تقف عند ظاهر اللفظ، بل تفيض من عمق التجربة الروحية، وتنبعث من الحاجة الأنطولوجية للإنسان إلى المعنى والسلام والسكينة والطمأنينة والمحبة والرحمة الإلهية. حين ينطق بها القلب، يتدفق من الكلمة دفء، وتنبعث من العبارة حياة، ويشع من النص نور يهدي الإنسان إلى الله، لا بالخوف بل بالشوق، لا بالرهبة بل بالمحبة، لا بالإكراه بل بالوجد.
اللغة التي تتحدث عن الغيب لا تعلّم فقط، بل تُلهم؛ لا تُقنع فقط، بل تُضيء، لا تشرح فقط، بل توقظ شيئًا خفيًا في باطن الإنسان.كل فهم للغيب تأويل، وكل تأويل للغيب هو سفر إلى ما لا يراه الإنسان ولا يدركه بحواسه الظاهرة، لا يُرشد إليه إلا القلب المستعد، والروح والبصيرة المتأهبة لاستقبال النداء الذي لا يسمع بالأذن، بل يدرك في لحظة انكشاف عميق. في هذه اللحظة، تنكشف الكلمة لا بوصفها علامة صوتية، بل ككائن ينبض بالمعنى، وتتحول العبارة إلى قناة للفيض، وتكون الآية مرآة لما وراء الظاهر. هنا لا يعود النص مجرد بنية لغوية، بل يُصبح نداءً روحيًا يشرق بنداء الغيب، ويعود إليه، ويتوسل بالقلب ليفهم، وبالذوق ليُذاق، وبالبصيرة ليُرى. في هذا الأفق، يتبدى الغيب لا كغربة، بل كحنين دائم إلى الحقّ، وسفر لا ينتهي في طلب المعنى، وانتظار مستمر لإشراق الكلمة في ليل الحيرة.
بهذه المناسبة أود الإشارة إلى أنه تأتيني بين حين وآخر أسئلة من قراء مختلفين، يتساءلون عن: التفسير الذي يمكن أن يعتمد عليه الإنسان في فهم القرآن الكريم، ويثق برؤيته ثقة مطلقة؟ وغالبًا ما أكرّر الجواب ذاته، مؤكدًا أن الكتاب الكريم لا يختص به المفسرون دون غيرهم، ولا يمنح أحدًا امتياز احتكار معناه، لأنه نزل لكل الناس، في كل زمان، ولكل من يتلقاه بقلبه وروحه وعقله، من دون تمييز أو وصاية لفرد أو جماعة. لهذا وجه القرآن خطابه لعامة الناس من دون تخصيصه بفئة معينة، فورد بصيغة "يا أيها الناس" عشرين مرة، و"هدى للناس" ثلاث مرات، و"ذكرى للناس" ثلاث مرات أيضًا، و"بيان للناس" مرتين، و"بلاغ للناس" مرتين كذلك.
لغة الغيب عندما تشرح وتصف تنشد أن ترسم أفقًا للشهود. هذه اللغة رؤيوية، تسعى للقبض على معنى لا محسوس، ولا تاريخي، ولا زماني، ولا مكاني، ولا مرئي، ولا محدود، وإيداعه في قالب محسوس ومرئي وضيق ومحدود. لغة الغيب تتعدد مراتبها، وتنشد تلبية مستويات متنوعة من الفهم، ومراعاة درجات مختلفة للتذوق. هذه اللغة يتخطى نداؤها العقل، إنها نداء يتجه لإيقاد طاقات الروح، وإيقاظ الضمير، وإحياء القلب، وشحذ المشاعر، وإثارة الأحاسيس، وتغذية الروح. إنها لغة لا تشرح بقدر ما تلمّح، ولا تكتفي بإبلاغ المعنى، بل تفتح أفقًا للتأمل في المعنى، تنتقل من ظاهر الحرف إلى دلالاته المحتجبة، فيتحسسها الإنسان في شعوره قبل أن تبلغ عقله. لا تُفسَّر هذه اللغة تفسيرًا واحدًا، بل تتعدد تأويلاتها بتعدد اشراقاتها على القلوب، وتتنوع أنوارها بتنوع البصائر، وتتكشف أسرارها بحسب استعداد المتلقي وقدرته على التذوق. لما كان الغيب لا يتسع له العقل، فإن اللغة التي تحكي عنه تتعدد فيها طبقات المعنى، لذلك تتوسل بالمجاز والاشارة والرمز والإيحاء،كي تستنطق ما لا يُقال بالكلمات، وتوقظ ما خفي، وتفتح أفق الشهود لما لا يُرى.
حين تصير الكلمة مرآةً للغيب، تغدو العبارة طريقًا إلى المعنى، لا قيدًا عليه، وتتحول اللغة من أداة إخبار إلى وسيلة حضور. هذه اللغة لا تنتجها قوالب الجدل الكلامي، ولا تختزل في حدود مقولة اعتقادية، ولا تقف عند ظاهر اللفظ، بل تفيض من عمق التجربة الروحية، وتنبعث من الحاجة الأنطولوجية للإنسان إلى المعنى والسلام والسكينة والطمأنينة والمحبة والرحمة الإلهية. حين ينطق بها القلب، يتدفق من الكلمة دفء، وتنبعث من العبارة حياة، ويشع من النص نور يهدي الإنسان إلى الله، لا بالخوف بل بالشوق، لا بالرهبة بل بالمحبة، لا بالإكراه بل بالوجد.
اللغة التي تتحدث عن الغيب لا تعلّم فقط، بل تُلهم؛ لا تُقنع فقط، بل تُضيء، لا تشرح فقط، بل توقظ شيئًا خفيًا في باطن الإنسان.كل فهم للغيب تأويل، وكل تأويل للغيب هو سفر إلى ما لا يراه الإنسان ولا يدركه بحواسه الظاهرة، لا يُرشد إليه إلا القلب المستعد، والروح والبصيرة المتأهبة لاستقبال النداء الذي لا يسمع بالأذن، بل يدرك في لحظة انكشاف عميق. في هذه اللحظة، تنكشف الكلمة لا بوصفها علامة صوتية، بل ككائن ينبض بالمعنى، وتتحول العبارة إلى قناة للفيض، وتكون الآية مرآة لما وراء الظاهر. هنا لا يعود النص مجرد بنية لغوية، بل يُصبح نداءً روحيًا يشرق بنداء الغيب، ويعود إليه، ويتوسل بالقلب ليفهم، وبالذوق ليُذاق، وبالبصيرة ليُرى. في هذا الأفق، يتبدى الغيب لا كغربة، بل كحنين دائم إلى الحقّ، وسفر لا ينتهي في طلب المعنى، وانتظار مستمر لإشراق الكلمة في ليل الحيرة.
بهذه المناسبة أود الإشارة إلى أنه تأتيني بين حين وآخر أسئلة من قراء مختلفين، يتساءلون عن: التفسير الذي يمكن أن يعتمد عليه الإنسان في فهم القرآن الكريم، ويثق برؤيته ثقة مطلقة؟ وغالبًا ما أكرّر الجواب ذاته، مؤكدًا أن الكتاب الكريم لا يختص به المفسرون دون غيرهم، ولا يمنح أحدًا امتياز احتكار معناه، لأنه نزل لكل الناس، في كل زمان، ولكل من يتلقاه بقلبه وروحه وعقله، من دون تمييز أو وصاية لفرد أو جماعة. لهذا وجه القرآن خطابه لعامة الناس من دون تخصيصه بفئة معينة، فورد بصيغة "يا أيها الناس" عشرين مرة، و"هدى للناس" ثلاث مرات، و"ذكرى للناس" ثلاث مرات أيضًا، و"بيان للناس" مرتين، و"بلاغ للناس" مرتين كذلك.
لما كانت لغة الغيب في القرآن رمزية، انفتح المعنى فيها على تعدد التأويل، وصار كل إنسان يستوحي من رموزها ما يلهمه روحيًا، وما يضيء بصيرته، ويغذي شعوره بصلته بالله. وحين يشكّل القرآن منبعًا أساسيًا للحياة الروحية، وتتفتح هذه الحياة في آفاق ما تلهمه للتجربة الروحية من معانٍ، وما تستلهمه من اللغة الحاكية عن الغيب، تتضح كيفية هذه التجربة بوصفها تجربة شخصية لا ينوب فيها أحد عن أحد، ولا يقدر إنسان أن يهبها لغيره، ولا أن يؤديها نيابة عنه. لذلك يغدو من الطبيعي أن يبني الإنسان صلته بالقرآن بنفسه، ويتلقى نداء الله كما ينكشف له، وينصت لصوته بوصفه نورًا ينبثق في داخله، لا كما يُملى عليه من خارج ذاته، ولا كما يتلقاه من وصيّ على الفهم.
التجربة الروحية تنبع في داخل الإنسان، وتتخلق بحسب تذوق قلبه، وبصيرة روحه، واستعداد وعيه، وما يتسع له وعاء وجوده. لا تنشأ هذه التجربة خارج الذات، ولا تهبها قراءة التفسير جاهزة، ولا يكتمل معناها بتكرار قراءة تفاسير آيات الغيب. يبني الإنسان صلته بالله بنفسه، في سياق آيات الغيب في كتابه بوصفها خطابًا شخصيًا موجهًا إليه، ويصغي لصوت الله كما يتردد صداه في أعماقه، ويتعرف عليه بقلبه، ويتذوق بهجة حضوره في روحه.
القرآن ليس كتابًا خاصًا بالمفسرين، ولا يحتكر معناه أحد، لأنه نزل لكل إنسان، ولكل من ينصت لصوت الله فيه. إذا استعصى عليك فهم بعض مفرداته، يمكنك الرجوع إلى معاجم اللغة لاستيضاح معناها، من دون أن تبتعد عن نداء الله في القرآن، أو تستسلم لفهم المفسّر، كما لو كان هو المتلقى الوحيد لكلمات الله. الرجوع إلى التفسير في كل آية، واستعارة معنى جاهز من خارج التجربة الروحية، يضعف صلتك المباشرة بالقرآن، ويحوّل اللقاء بالله إلى وعي مستعار لا ينبع من ذاتك. التفاسير اجتهادات بشرية متنوعة ومتباينة، تتعدد بتعدد ثقافات المفسرين، ومذاهبهم، وعصورهم، وآفاقهم المعرفية، وكيفيات انتظاراتهم من معاني الآيات.
لا يعني هذا الكلام دعوة إلى إهمال ما أنجزه المفسرون من جهود كبيرة، أو تجاهل الإفادة منها، إنما أنشد هنا التنبيه إلى أن الحياة الروحية لا تنبع من وصاية أحد، ولا يهبها أحد لغيره، ولا يكتمل معناها إلا إذا أنشأ الإنسان صلته المباشرة بالله، وتلقّى كتابه كما لو كان نازلًا عليه.
https://alsabaah.iq/118252-.html
التجربة الروحية تنبع في داخل الإنسان، وتتخلق بحسب تذوق قلبه، وبصيرة روحه، واستعداد وعيه، وما يتسع له وعاء وجوده. لا تنشأ هذه التجربة خارج الذات، ولا تهبها قراءة التفسير جاهزة، ولا يكتمل معناها بتكرار قراءة تفاسير آيات الغيب. يبني الإنسان صلته بالله بنفسه، في سياق آيات الغيب في كتابه بوصفها خطابًا شخصيًا موجهًا إليه، ويصغي لصوت الله كما يتردد صداه في أعماقه، ويتعرف عليه بقلبه، ويتذوق بهجة حضوره في روحه.
القرآن ليس كتابًا خاصًا بالمفسرين، ولا يحتكر معناه أحد، لأنه نزل لكل إنسان، ولكل من ينصت لصوت الله فيه. إذا استعصى عليك فهم بعض مفرداته، يمكنك الرجوع إلى معاجم اللغة لاستيضاح معناها، من دون أن تبتعد عن نداء الله في القرآن، أو تستسلم لفهم المفسّر، كما لو كان هو المتلقى الوحيد لكلمات الله. الرجوع إلى التفسير في كل آية، واستعارة معنى جاهز من خارج التجربة الروحية، يضعف صلتك المباشرة بالقرآن، ويحوّل اللقاء بالله إلى وعي مستعار لا ينبع من ذاتك. التفاسير اجتهادات بشرية متنوعة ومتباينة، تتعدد بتعدد ثقافات المفسرين، ومذاهبهم، وعصورهم، وآفاقهم المعرفية، وكيفيات انتظاراتهم من معاني الآيات.
لا يعني هذا الكلام دعوة إلى إهمال ما أنجزه المفسرون من جهود كبيرة، أو تجاهل الإفادة منها، إنما أنشد هنا التنبيه إلى أن الحياة الروحية لا تنبع من وصاية أحد، ولا يهبها أحد لغيره، ولا يكتمل معناها إلا إذا أنشأ الإنسان صلته المباشرة بالله، وتلقّى كتابه كما لو كان نازلًا عليه.
https://alsabaah.iq/118252-.html
جريدة الصباح
عجز العلوم عن قراءة لغة الغيب » جريدة الصباح
د. عبد الجبار الرفاعي يفتح النص الديني أفقا واسعا لفهم الطبيعة عبر مناهج التحقيق العلمي، إذ يمكن دراسة ما يتعلق بالطبيعة في آيات القرآن، من أرض وسماء، وشمس وقمر ونجوم، وليل ونهار، ورياح ومطر، وجبال وبحار، ونبات وحيوان ومعادن، بمناهج تكتشف القوانين الطبيعية،…