زينبيات العصر في اليمن
1.27K subscribers
4.33K photos
1.79K videos
480 files
15.2K links
🔮 قناة شاملة في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي على بلدنا الحبيب 🇾🇪
⭕️اخبارية
📚 ثقافية:
✌️ جهادية :
📕 توعوية:
🎼 اروع الزوامل :
♻️ شاملة :كل مايخص المسيرة القرآنية

زينبيـ العصر ـات فـ اليمن ـي
ஜ═━━━━━━━━━━━━━━━━━═ஜ
📝 @wksqzh 🔏
🎧 ⓣ.me/wksqzh
Download Telegram
#حروب_الجيل_الخامس.
#كن مساهماً في نشر الوعي.
💻الحَـــــــرَبُ الألكتـرونــية

━ ━ ━ ━ ━ ━ ━ ━ ━ ━ ━ ━ ━
#حروب_الجيل_الخامس.
#5GWar
🔰 @the_powersoft
🔰 t.me/war5G
Forwarded from "كتب 📚 الثقافة القرآنية" (أبو خليل)
مسؤولية_المرأة_الى_جانب_المراكز_الصيفية_في_تربية_الابناء.pdf
1.5 MB
اليكم مسؤولية المرأة المسلمة في تربية الأبناء الى جانب المراكز الصيفية
https://tttttt.me/WrotetheKoranicculture
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
شواهد وحقائق تاريخية معاصرة شاهد المقطع لا يفوتك

https://tttttt.me/history_facts1
📖 من أروع ما قرأت 📖
🖋️ للدكتور العلامة/ خالد القروطي.
في ذكرى وفاة العالم الرباني السيد العلامة / بدرالدين اميرالدين الحوثي "عليه السلام"

(هو حلال)
في ذكرى وفاة شيخنا السيد العلامة البدر بدر الدين الحوثي رحمه الله
أعيد نشر هذا المقال الذي وفقني الله لكتابته عنه.
بعنوان:
                       هو حلال

من الطبيعي
إن
تجد عالما يتميز في جانب من جوانب الاخلاق والمعاني والمثل والطاعات
فتراه معروفا بالإحسان مثلا
أو تجده مشهورا بكثرة الحياء
أو يسيطر على شخصيته جانب حسن استقبال زائريه
وآخر يتميز بالعزلة عن المجتمع
وهكذا
ولكن
ان تبحث عن عالم وشخصية علمائية متكاملة
فهذا يعني انك
ستتعب
وستعاني
وسيحتاج ذلك منك الوقت الكبير
حتى
ليس ان تجد
بل حتى
ان تعرف وتسمع عن ذلك.
في أواخر التسعينيات
وبينما كنت لا أزال طالبا في جامعة صنعاء كلية التربية
طرق سمعي أن عالما وصل من صعدة إلى العاصمة صنعاء وتحديدا الجراف الغربي
على بعد مسافة قريبة من بيت والدتي الذي أقيم فيه معها
عزمت على زيارته والتتلمذ على يديه، وفعلا ومن اليوم التالي صليت الفجر واتجهت إلى المنزل الذي يسكن فيه، وقد بلغني أيضا مواعيد الدروس التي يقوم بها لطلابه،  وكان منها بعد صلاة الفجر.
وصلت وطرقت الباب وفتح لي الباب أحد أولاده والذي هو اليوم من كبار القادة المجاهدين حفظه الله.
لحظات ويصل ذلك العالم فقمت للسلام عليه ومعي بعض من حضروا لطلب العلم على يديه
وجه مشرق بشوش، رغم السمرة والأدمة التي تميز بشرته.
يبادرنا قائلا وهي العبارة التي حفظتها عنه مع كل من يلقاه أو يقابله:
اهلا وسهلا  حيا الله من جاء مرحبا.
يشعرك وكأنك الشيخ وهو الطالب.
هيبة إيمانية تسيطر عليه أمامنا لم نكن نعرف ما أسبابها.
وقار عجيب يلف جوانبه لا ندرك بعد له تفسيرا.
كنت اظنه واحدا ممن قد عرفتهم من العلماء والمشايخ.
لكنه كان مختلفا
يشهد الله
وها هو الآن بين يدي ربه لا يسمعني
كان مختلفا يا إخوتي
مختلفا في كل شيء
كثير الصمت لا عن عبوس ولا تجهم ولا كبر.
كثير الحياء لا عن ذلة ولا خوف ولا  ادعاء.
كثير المهابة لا عن ظلم ولا تجبر ولا غرور.
لكنا كطلاب
لم ندرك سبب ذلك بعد، ولا تفسيرا لذلك.
ومع مرور الأيام
واسمعوها
وانا استشعر أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اسمعهوها من طالب له، لم يتغيب عن دروسه يوما ثلاث سنوات متواصلات والحمد لله
ومع مرور الأيام والشهور الأولى:
بدأت تظهر لنا جوانب تلك المهابة
بدأت تتكشف لنا مصاديق ذلك الوقار
بدأت تتبدى لنا تفسيرات تلك الشخصية.
فطوال مدة الدراسة
كنا ننتظر إن يخرج علينا أحد أولاده أو أحفاده ليقول لنا بأن والدي يعتذر اليوم عن الدرس، وهو المريض بالربو،  ولكن هذا والله لم يحدث.
بل ذات يوم
توفيت زوجته، فقلنا خلاص اليوم لن يكون هناك دروس،
دفنا عزيزته ورجعنا، وقلنا نستاذنكم سيدي.
ولكنه فاجأنا قائلا: والدروس، فقلنا: يا سيدي أنتم مشغولون بالعزاء، فقال: لا دفناها والحمد لله والآن نفعل دروسنا.
صدقوني
كان يعتمد أسلوب التعليم والتربية بالفعل لابالقول في جميع دروسه
وطالما رأيته وهو منهمك في الدروس التي يلقيها علينا وفجأة يتوقف ويقوم من مكانه ويتجه إلى داخل البيت او طرف الغرفة فيحضر كتابا  لأن مصطلحا أو مفردة اشكلت عليه، أو مسألة أراد استيضاحها.
ونحن بين يديه
كلنا شوق وشرف بأن يكلف واحدا منا بأن يقوم ويحضر ما يريد،
ولكنه لا ولم يفعل يوما ذلك.
وذات يوم
وكنت اقرأ درسا بين يديه وكان بعد صلاة العصر وتحديدا في كتاب الأحكام للإمام الهادي يحي بن الحسين فاخطات خطا فظيعا في نطق جملة بحيث تغير الحكم الشرعي، فإذا به ينبهني بابتسامة لطيفة خففت توتري نتيجة ذلك الخطا، وصحح لي الخطأ بأسلوب عال راق من الخطاب يزيدك بذلك الخلق اطمئنانا بانك على الخبير وقعت.
ولأنه سلام الله عليه كان يراني كثير الحضور إلى منزله وتحديدا غرفة الدروس الخارجية المنعزلة عن البيت منزله، قال لي ذات يوم:
عادك هنا لله درك،
فأعجبني ذلك المدح من جهته لي، وكأنه سلام الله عليه أدرك ذلك مني فقام بتوحيهي توجيها لم انسه ما حييت، حيث قال لي: إذا أردت أو اضطررت لمدح أحد فلا تقل فيه ما ليس فيه ولا تكذب
فالله تعالى يقول: ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)، ثم قال: ولكن امدحه بمثل ما قلت لك الآن: ( لله درك) فانت بهذا إنما تمدح الحليب الذي شرب منه والذى تغذى عليه.
ذات ليلة احتجت لزيارته بعد صلاة العشاء لتقديم شيء إليه
وطرقت الباب فإذا بي اتفاجأ به من يفتح لي الباب بيده اليسرى ويمسك الآلي الكلاشينكوف باليمنى.
وهو درس تطبيقي عملي لقوله تعالى: ( واعدوا لهم).
ودرس بليغ لعدوه بألا يظن أنه لقمة سائغة،.
ودرس عظيم لتلاميذه بأن هكذا يجب أن يكون العالم يقظا واعيا مستعدا.
كان يدهشني تسارع خطاه وتقارب قدميه عند المشي
فدعاني الفضول لسؤاله:
سيدي لماذا تسارع الخطى في مشيك.
لم أكن أتوقع ذلك الجواب.
ولم يخطر  على بالي ذلك الرد.
رد علي في هدوء وابتسامة قائلا :
( ذلك انفى للكبر).
هل سمعتم الجواب؟
الرجل يربي نفسه
الرجل يجاهد نفسه
الرجل لا يترك بابا من أبواب إفساد النفس والعمل إلا سده والله.
(ذلك انفى للكبر)
فهو رضوان الله عليه
لا يكتفي بمجرد الدعاء (ونعوذ بك من الكبر)،.
بل يسعى إلى نفيه عن خلقه وشخصيته.
ذات صباح
وبعد صلاة فجر أحد الأيام وقبل بداية الدروس قال لنا:
أنصحكم بالا  تهجروا القرآن في أي يوم، وليكن لكم ورد منه تقرأونه، جزء أو نصف او ربع ولو حتى صفحة)، وهي النصيحة التي لم أغفل عنها منذ ذلك اليوم.
بل كان أبلغ جواب عن أي شخصية إسلامية علمائية أو قيادية إذا ما سالناه عنها،  كمستفسرين عن رأيه فيها، فكان رده الذي لا ثاني له: 
( كان قرأنيا)، وقد سمعت باذني هذا الجواب عن شخصيتين ،تم سؤاله عنهما.
وكفى به مدحا ووصفا
حينما تكون قرآنيا
فلم يكتف رضوان الله عليه
بأن يتمثل القرآن،
ويتحرك بالقرآن،
ويطبق القرآن،
ويحفظ القرآن،
ويعمل بالقرآن.
بل أصبح
معيار التزكية والذم بالنسبة إليه
هو
قربك أو بعدك من القرآن.
لكن
أبلغ درس تعلمته منه، وكله دروس.
أعظم خلق رأيته ماثلا فيه وكله خلق عظيم.
أشد سلوك كان يطبقه،
بينما كلنا
وصدقوني كلنا
كبارا وصغارا
علماء وجهلة
كلنا نفتقده
أو بالأصح
كلنا نتجاهله،  فهو محرج لنا وللآخرين
هذا الدرس
ذلك الخلق
ذاك السلوك
الذي انفرد به
هو
(هو حلال)
نعم
هو حلال
هذه هي الكلمة المقدسة لديه
فبالرغم من عفة النفس التي تميزت بها شخصيته.
إلا أنه كان إذا ما قدمت له هدية، أو ضيافة، او ، أو، او،
كان يشدد ويتحرى ويتاكد
(هو حلال)
هذا الأمر الذي لا تبالي به تحت مبررات واهية
تجويز الرضا
حسن الظن
مال عام
كل مغيب طاهر أو حلال
وهكذا
لكنه لم يكن يترك لشيء من تلك التبريرات مجالا
حتى بعد استشهاد ابنه الشهيد القائد ودخوله بعد الحرب الأولى صنعاء في بيت الوالد علي العماد في بينون،.
تخيلوا
تأملوا
بعد استشهاد ابنه الشهيد القائد
بعد الحرب الأولى
والنظام في أشد حالات غطرسته وغروره
من سيقبل بالسيد العلامة بدر الدين الحوثي في منزله،؟
من سيفتح له بابه؟
فكان ذلك هو الوالد علي العماد رحمة الله عليه.
ولكن ورغم ذلك
يذهب السيد بدر الدين الحوثي إليه قائلا:
(هو حلال)؟
هل بيتكم هذا الذي نحن فيه حقكم حلال؟
دائم الحذر
دائم التربية
دائم الانتباه
دائم الترقب
على نفسه
ولنفسه
وهذا
الخلق والسلوك
هو ما جعله طوال مسيرة حياته
بعيدا من الطغاة والجبابرة
قريبا من الضعفاء والمساكين
بعيدا من المشايخ والمسؤولين
قريبا من العامة والمواطنين
بعيدا من الحرام سواء كان فكرا وهابيا أو امويا أو مالا سعوديا أو سلطويا.
قريبا من الحلال، سواء كان فكرا قرآنيا، أو مالا قليلا لا يكفي ولا يفي.
بعيدا من الشيطان
قريبا من الله
ولذلك
ظهرت بركة وآثار تلك المعاهدة والتربية لنفسه ولأهله وطلابه
فانتجت
مسيرة قرآنية
و
انصارا لله
و
امة مجاهدة
سيعود
أجر جهادها، 
وثمرة عطائها،
وبركة بذلها
عليه
وابلا من الرحمة
مزنا من المغفرة
سيولا من الأجر والمثوبة
فرحمة الله
وسلامه عليه
يوم ولد
ويوم توفي
ويوم يبعث حيا
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله
تلميذه: خالد القروطي
👇 النص الكامل لوصية الإمام علي عليه السلام للإمام الحسن عليه السلام عند انصرافه من صفين 👇

مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ -

الْمُسْتَسْلِمِ لِلدُّنْيَا -

السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى والظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً -


إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا لَا يُدْرِكُ -

السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ -

غَرَضِ الأَسْقَامِ ورَهِينَةِ الأَيَّامِ -

ورَمِيَّةِ الْمَصَائِبِ وعَبْدِ الدُّنْيَا وتَاجِرِ الْغُرُورِ -

وغَرِيمِ الْمَنَايَا وأَسِيرِ الْمَوْتِ -

وحَلِيفِ الْهُمُومِ وقَرِينِ الأَحْزَانِ -

ونُصُبِ الآفَاتِ وصَرِيعِ الشَّهَوَاتِ وخَلِيفَةِ الأَمْوَاتِ أَمَّا بَعْدُ -

فَإِنَّ فِيمَا تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي -

وجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ وإِقْبَالِ الآخِرَةِ إِلَيَّ -

مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ -

والِاهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي -

غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي -

فَصَدَفَنِي رَأْيِي وصَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ -

وصَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي -

فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لَا يَكُونُ فِيه لَعِبٌ -

وصِدْقٍ لَا يَشُوبُه كَذِبٌ ووَجَدْتُكَ بَعْضِي -

بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي -

حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي -


وكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي –

فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي -


فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي -

مُسْتَظْهِراً بِه إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ
فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّه أَيْ بُنَيَّ ولُزُومِ أَمْرِه
-

وعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِه والِاعْتِصَامِ بِحَبْلِه -

وأَيُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّه -

إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِه -

أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ وأَمِتْه بِالزَّهَادَةِ - وقَوِّه بِالْيَقِينِ ونَوِّرْه بِالْحِكْمَةِ -

وذَلِّلْه بِذِكْرِ الْمَوْتِ وقَرِّرْه بِالْفَنَاءِ -

وبَصِّرْه فَجَائِعَ الدُّنْيَا -


وحَذِّرْه صَوْلَةَ الدَّهْرِ وفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي والأَيَّامِ -

واعْرِضْ عَلَيْه أَخْبَارَ الْمَاضِينَ -

وذَكِّرْه بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ -

وسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وآثَارِهِمْ -

فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وعَمَّا انْتَقَلُوا وأَيْنَ حَلُّوا ونَزَلُوا -

فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ -

وحَلُّوا دِيَارَ الْغُرْبَةِ -

وكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ -

فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ ولَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ -

ودَعِ الْقَوْلَ فِيمَا لَا تَعْرِفُ والْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ -

وأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَه -

فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِه -

وأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ ولِسَانِكَ -

وبَايِنْ مَنْ فَعَلَه بِجُهْدِكَ -

وجَاهِدْ فِي اللَّه حَقَّ جِهَادِه -

ولَا تَأْخُذْكَ فِي اللَّه لَوْمَةُ لَائِمٍ -

وخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وتَفَقَّه فِي الدِّينِ -

وعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوه -

ونِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُرُ فِي الْحَقِّ -

وأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ -

فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ ومَانِعٍ عَزِيزٍ -

وأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ -

فَإِنَّ بِيَدِه الْعَطَاءَ والْحِرْمَانَ -

وأَكْثِرِ الِاسْتِخَارَةَ وتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي -

ولَا تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً -

فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ -

واعْلَمْ أَنَّه لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ -

ولَا يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لَا يَحِقُّ تَعَلُّمُه أيْ بُنَيَّ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً -

ورَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً -

بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ -

وأَوْرَدْتُ خِصَالًا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي -

دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي -

أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي -

أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وفِتَنِ الدُّنْيَا -

فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ -

وإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ -

مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْه -

فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ -

ويَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِ -

مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَه وتَجْرِبَتَه -

فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ -
وعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ -

فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيه -

واسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْه أَيْ بُنَيَّ إِنِّي وإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي -

فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ -

وسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ -

بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ -

قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ -

فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِه ونَفْعَه مِنْ ضَرَرِه -

فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَه -

وتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَه وصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَه -

ورَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ -

وأَجْمَعْتُ عَلَيْه مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ -

وأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ ومُقْتَبَلُ الدَّهْرِ -

ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ ونَفْسٍ صَافِيَةٍ -

وأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ -

وتَأْوِيلِه وشَرَائِعِ الإِسْلَامِ وأَحْكَامِه وحَلَالِه وحَرَامِه -

لَا أُجَاوِزُ ذَلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِه -

ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ -

مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيه مِنْ أَهْوَائِهِمْ وآرَائِهِمْ -

مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ -

فَكَانَ إِحْكَامُ ذَلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَه أَحَبَّ إِلَيَّ -

مِنْ إِسْلَامِكَ إِلَى أَمْرٍ لَا آمَنُ عَلَيْكَ بِه الْهَلَكَةَ -

ورَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللَّه فِيه لِرُشْدِكَ -

وأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هَذِه واعْلَمْ يَا بُنَيَّ -

أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِه إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللَّه -

والِاقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَه اللَّه عَلَيْكَ -

والأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْه الأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ -

والصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ -

فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ -

وفَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ -

ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذَلِكَ إِلَى الأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا -

والإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا -

فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا -

فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذَلِكَ بِتَفَهُّمٍ وتَعَلُّمٍ -

لَا بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ وعُلَقِ الْخُصُومَاتِ -

وابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذَلِكَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِإِلَهِكَ -

والرَّغْبَةِ إِلَيْه فِي تَوْفِيقِكَ -

وتَرْكِ كُلِّ شَائِبَةٍ أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَةٍ -

أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلَالَةٍ -

فَإِنْ أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ -

وتَمَّ رَأْيُكَ فَاجْتَمَعَ -

وكَانَ هَمُّكَ فِي ذَلِكَ هَمّاً وَاحِداً -

فَانْظُرْ فِيمَا فَسَّرْتُ لَكَ -

وإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ -

وفَرَاغِ نَظَرِكَ وفِكْرِكَ -

فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ وتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ -

ولَيْسَ طَالِبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَطَ -

والإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ أَمْثَلُ فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي -

واعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الْحَيَاةِ -

وأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِيتُ -

وأَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ الْمُعِيدُ وأَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعَافِي -

وأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ -

إِلَّا عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّه عَلَيْه مِنَ النَّعْمَاءِ والِابْتِلَاءِ -

والْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ -

أَوْ مَا شَاءَ مِمَّا لَا تَعْلَمُ -

فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْه عَلَى جَهَالَتِكَ -

فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ بِه جَاهِلًا ثُمَّ عُلِّمْتَ -

ومَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الأَمْرِ ويَتَحَيَّرُ فِيه رَأْيُكَ -

ويَضِلُّ فِيه بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُه بَعْدَ ذَلِكَ فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ ورَزَقَكَ وسَوَّاكَ -

ولْيَكُنْ لَه تَعَبُّدُكَ -

وإِلَيْه رَغْبَتُكَ ومِنْه شَفَقَتُكَ -

واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللَّه سُبْحَانَه -

كَمَا أَنْبَأَ عَنْه الرَّسُولُ ( ص ) -

فَارْضَ بِه رَائِداً وإِلَى النَّجَاةِ قَائِداً -

فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً -

وإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ -

وإِنِ اجْتَهَدْتَ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ : واعْلَمْ يَا بُنَيَّ -

أَنَّه لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأَتَتْكَ رُسُلُه -

ولَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِه وسُلْطَانِه -

ولَعَرَفْتَ أَفْعَالَه وصِفَاتِه -

ولَكِنَّه إِلَه وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَه -
لَا يُضَادُّه فِي مُلْكِه أَحَدٌ ولَا يَزُولُ أَبَداً ولَمْ يَزَلْ -

أَوَّلٌ قَبْلَ الأَشْيَاءِ بِلَا أَوَّلِيَّةٍ -

وآخِرٌ بَعْدَ الأَشْيَاءِ بِلَا نِهَايَةٍ -

عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُه بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ -

فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَافْعَلْ -

كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَه فِي صِغَرِ خَطَرِه -

وقِلَّةِ مَقْدِرَتِه وكَثْرَةِ عَجْزِه -

وعَظِيمِ حَاجَتِه إِلَى رَبِّه فِي طَلَبِ طَاعَتِه -

والْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِه -

والشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِه فَإِنَّه لَمْ يَأْمُرْكَ إِلَّا بِحَسَنٍ -

ولَمْ يَنْهَكَ إِلَّا عَنْ قَبِيحٍ: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وحَالِهَا -

وزَوَالِهَا وانْتِقَالِهَا -

وأَنْبَأْتُكَ عَنِ الآخِرَةِ ومَا أُعِدَّ لأَهْلِهَا فِيهَا -

وضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا الأَمْثَالَ -

لِتَعْتَبِرَ بِهَا وتَحْذُوَ عَلَيْهَا -

إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ -

نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ -

فَأَمُّوا مَنْزِلًا خَصِيباً وجَنَاباً مَرِيعاً -

فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ وفِرَاقَ الصَّدِيقِ -

وخُشُونَةَ السَّفَرِ وجُشُوبَةَ المَطْعَمِ -

لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ ومَنْزِلَ قَرَارِهِمْ -

فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَماً -

ولَا يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيه مَغْرَماً -

ولَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ -

وأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلَّتِهِمْ -

ومَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ -

فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ -

فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَه إِلَيْهِمْ ولَا أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ -

مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيه -

إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْه ويَصِيرُونَ إِلَيْه يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَ غَيْرِكَ -

فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ -

واكْرَه لَه مَا تَكْرَه لَهَا -

ولَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ -

وأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ -

واسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُه مِنْ غَيْرِكَ -

وارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاه لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ -

ولَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ وإِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ -

ولَا تَقُلْ مَا لَا تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ -

واعْلَمْ أَنَّ الإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ وآفَةُ الأَلْبَابِ –

فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ ولَا تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ -

وإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ :

واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ -

ومَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ -

وأَنَّه لَا غِنَى بِكَ فِيه عَنْ حُسْنِ الِارْتِيَادِ -

وقَدْرِ بَلَاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ -

فَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ -

فَيَكُونَ ثِقْلُ ذَلِكَ وَبَالًا عَلَيْكَ -

وإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ -

فَيُوَافِيكَ بِه غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْه -

فَاغْتَنِمْه وحَمِّلْه إِيَّاه -

وأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِه وأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْه -

فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُه فَلَا تَجِدُه -

واغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ -

لِيَجْعَلَ قَضَاءَه لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ -

واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَئُوداً -

الْمُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْمُثْقِلِ -

والْمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالًا مِنَ الْمُسْرِعِ -

وأَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لَا مَحَالَةَ -

إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ -

فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ ووَطِّئِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ -

فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ ولَا إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ واعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِه خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ -

قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ -

وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإِجَابَةِ وأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَه لِيُعْطِيَكَ -

وتَسْتَرْحِمَه لِيَرْحَمَكَ -

ولَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَه مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْه -

ولَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْه -

ولَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ -

ولَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ -

ولَمْ يُعَيِّرْكَ بِالإِنَابَةِ ولَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى -

ولَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الإِنَابَةِ -

ولَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ -

ولَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ -

بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً -

وحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً -
وحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً -

وفَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ وبَابَ الِاسْتِعْتَابِ -

فَإِذَا نَادَيْتَه سَمِعَ نِدَاكَ -

وإِذَا نَاجَيْتَه عَلِمَ نَجْوَاكَ -

فَأَفْضَيْتَ إِلَيْه بِحَاجَتِكَ -

وأَبْثَثْتَه ذَاتَ نَفْسِكَ وشَكَوْتَ إِلَيْه هُمُومَكَ -

واسْتَكْشَفْتَه كُرُوبَكَ واسْتَعَنْتَه عَلَى أُمُورِكَ -

وسَأَلْتَه مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِه مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِه غَيْرُه -

مِنْ زِيَادَةِ الأَعْمَارِ وصِحَّةِ الأَبْدَانِ -

وسَعَةِ الأَرْزَاقِ -

ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِه -

بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيه مِنْ مَسْأَلَتِه -

فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِه -

واسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِه -

فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِه -

فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ -

ورُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لأَجْرِ السَّائِلِ -

وأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ -

ورُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلَا تُؤْتَاه -

وأُوتِيتَ خَيْراً مِنْه عَاجِلًا أَوْ آجِلًا -

أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ -

فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَه فِيه هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَه -

فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُه -

ويُنْفَى عَنْكَ وَبَالُه -

فَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ ولَا تَبْقَى لَه
واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلآخِرَةِ لَا لِلدُّنْيَا -

ولِلْفَنَاءِ لَا لِلْبَقَاءِ ولِلْمَوْتِ لَا لِلْحَيَاةِ -

وأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ ودَارِ بُلْغَةٍ -

وطَرِيقٍ إِلَى الآخِرَةِ -

وأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لَا يَنْجُو مِنْه هَارِبُه -

ولَا يَفُوتُه طَالِبُه ولَا بُدَّ أَنَّه مُدْرِكُه فَكُنْ مِنْه عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وأَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ -

قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ -

فَيَحُولَ بَيْنَكَ وبَيْنَ ذَلِكَ -

فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ -

يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْه -

وتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْه -

حَتَّى يَأْتِيَكَ وقَدْ أَخَذْتَ مِنْه حِذْرَكَ -

وشَدَدْتَ لَه أَزْرَكَ -

ولَا يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ -

وإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلَادِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا -

وتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا فَقَدْ نَبَّأَكَ اللَّه عَنْهَا -

ونَعَتْ هِيَ لَكَ عَنْ نَفْسِهَا وتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا -

فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلَابٌ عَاوِيَةٌ وسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ -

يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ويَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا -

ويَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا -

نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ وأُخْرَى مُهْمَلَةٌ -

قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا ورَكِبَتْ مَجْهُولَهَا -

سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ -

لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا ولَا مُسِيمٌ يُسِيمُهَا -

سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى -

وأَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى -

فَتَاهُوا فِي حَيْرَتِهَا وغَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا -

واتَّخَذُوهَا رَبّاً فَلَعِبَتْ بِهِمْ ولَعِبُوا بِهَا -

ونَسُوا مَا وَرَاءَهَا -

رُوَيْداً يُسْفِرُ الظَّلَامُ -

كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الأَظْعَانُ -

يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ واعْلَمْ يَا بُنَيَّ -

أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُه اللَّيْلَ والنَّهَارَ -

فَإِنَّه يُسَارُ بِه وإِنْ كَانَ وَاقِفاً -

ويَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وإِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً -

واعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ ولَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ -

وأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ -

فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ وأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ -

فَإِنَّه رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ -

ولَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ -

ولَا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ -

وأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ -

وإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ -

فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً -

ولَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وقَدْ جَعَلَكَ اللَّه حُرّاً -

ومَا خَيْرُ خَيْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ -

ويُسْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْرٍ -

وإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ -

فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ -

وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّه ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ -

فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وآخِذٌ سَهْمَكَ -

وإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّه سُبْحَانَه أَعْظَمُ وأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِه -
وإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْه وتَلَافِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ -

أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ -

وحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ -

وحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ -

ومَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ -

والْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ -

والْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّه ورُبَّ سَاعٍ فِيمَا يَضُرُّه -

مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ ومَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ -

قَارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ -

وبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ -

بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ -

وظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ -

إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً كَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً -

رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً والدَّاءُ دَوَاءً -

ورُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ وغَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ -

وإِيَّاكَ والِاتِّكَالَ عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى -

والْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ -

وخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ -

بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً -

لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ ولَا كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ -

ومِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةُ الزَّادِ ومَفْسَدَةُ الْمَعَادِ -

ولِكُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ سَوْفَ يَأْتِيكَ مَا قُدِّرَ لَكَ -

التَّاجِرُ مُخَاطِرٌ ورُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ لَا خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍ ولَا فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ -

سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُه -

ولَا تُخَاطِرْ بِشَيْءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْه -

وإِيَّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللَّجَاجِ احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِه عَلَى الصِّلَةِ -

وعِنْدَ صُدُودِه عَلَى اللَّطَفِ والْمُقَارَبَةِ -

وعِنْدَ جُمُودِه عَلَى الْبَذْلِ -

وعِنْدَ تَبَاعُدِه عَلَى الدُّنُوِّ -

وعِنْدَ شِدَّتِه عَلَى اللِّينِ -

وعِنْدَ جُرْمِه عَلَى الْعُذْرِ -

حَتَّى كَأَنَّكَ لَه عَبْدٌ وكَأَنَّه ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ -

وإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِه -

أَوْ أَنْ تَفْعَلَه بِغَيْرِ أَهْلِه -

لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ -

وامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ -

حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً -

وتَجَرَّعِ الْغَيْظَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً -

ولَا أَلَذَّ مَغَبَّةً -

ولِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ فَإِنَّه يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ -


وخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّه أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ - وإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَه مِنْ نَفْسِكَ -

بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَه ذَلِكَ ط يَوْماً مَا -

ومَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّه -

ولَا تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالًا عَلَى مَا بَيْنَكَ وبَيْنَه -

فَإِنَّه لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّه -

ولَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ -

ولَا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ -

ولَا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِه -

ولَا تَكُونَنَّ عَلَى الإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الإِحْسَانِ -

ولَا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ -

فَإِنَّه يَسْعَى فِي مَضَرَّتِه ونَفْعِكَ -

ولَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَه واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ -

رِزْقٌ تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُكَ -

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِه أَتَاكَ -

مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ -

والْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى -

إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا أَصْلَحْتَ بِه مَثْوَاكَ -

وإِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ -

فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ -

اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ -

فَإِنَّ الأُمُورَ أَشْبَاه -

ولَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُه الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِه -

فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالآدَابِ -

والْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْبِ -

اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ -

وحُسْنِ الْيَقِينِ -

مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ -

والصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ -

والصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُه -

والْهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى -

ورُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ -

وقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ -

والْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَه حَبِيبٌ -

مَنْ تَعَدَّى الْحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُه -

ومَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِه كَانَ أَبْقَى لَه -

وأَوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِه -
سَبَبٌ بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّه سُبْحَانَه -

ومَنْ لَمْ يُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ -

قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكاً إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلَاكاً -

لَيْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ ولَا كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ -

ورُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَه وأَصَابَ الأَعْمَى رُشْدَه -

أَخِّرِ الشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَه -

وقَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ -

مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَه ومَنْ أَعْظَمَه أَهَانَه -

لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ -

إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ -

سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ -

وعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَكُونُ مُضْحِكاً -

وإِنْ حَكَيْتَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِكَ وإِيَّاكَ ومُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ -

فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ وعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ -

واكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ -

فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ -

ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ -

مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِه عَلَيْهِنَّ -

وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ -

ولَا تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا -

فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ولَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ -

ولَا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا ولَا تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا -

وإِيَّاكَ والتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ -

فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ -

والْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ -

واجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلًا تَأْخُذُه بِه -

فَإِنَّه أَحْرَى أَلَّا يَتَوَاكَلُوا فِي خِدْمَتِكَ -

وأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ -

فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِه تَطِيرُ -

وأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْه تَصِيرُ ويَدُكَ الَّتِي بِهَا تَصُولُ -
.
.
.
.
.
أكذوبة بني امية وشيعة آل أبي سفيان بصوم عاشوراء ..

جاء في دوائر المعارف البريطانية الإنجليزية والفرنسية والألمانية، أن احتفال اليهود بنجاة موسى وبني إسرائيل يمتد سبعة أيام لا يوماً واحداً فقط.

أما صوم اليهود فهو في اليوم العاشر، ولكنه ليس العاشر من المحرم، بل من شهرهم الأول: تشري الموافق لجمادى الأولى من الأشهر العربية القمرية وليس شهر المحرم، ويسمّونه يوم "كيپور"، أي يوم الكفّارة، وهو اليوم الذي تلقّى فيه الإسرائيليون اللوح الثاني من ألواح الشريعة العشرة، ولم يكن ذلك يوم نجاتهم من فرعون، بل بعد نجاتهم من فرعون، وميقات موسى عليه السلام، وابتلائهم بعبادة العجل إلهاً لهم، ورجوع موسى من الميقات إليهم، وإعلان اشتراط قبول توبتهم بقتل بعضهم لبعض، وبحصولهم على العفو من رفقائهم، ولذلك فقد خُصّص اليوم الذي قبل كيپور بتبادل العفو فيما بينهم، وخُصّص يوم كيپور للصيام والصلاة والتأمل، لاعتباره أقدس أيام اليهود.

والتقويم اليهودي المستعمل اليوم عندهم شهوره قمرية، ولذلك فعدد أيام السنة في السنوات العادية 355 أو 354 أو 353 ولكنهم جعلوا سنواتهم شمسية بشهور قمرية، ولذلك فلهم سنوات كبيسة، ففي كل سنة كبيسة يضاف شهر بعد آذار الشهر السادس باسم آذار الثاني فيكون الشهر السابع، ويكون نيسان السابع الشهر الثامن، وعليه تكون أيام السنة الكبيسة 385 أو 384 أو 383 يوماً.

هذا هو التقويم اليهودي المستعمل لديهم قديماً واليوم، ولم يُنقل عنهم أيّ تقويم غيره. وتلك احتفالاتهم بنجاتهم من الفراعنة تمتد أسبوعاً لا يوماً واحداً فقط، وليس لهم فيه يوم صوم ولهم يوم صوم هو يوم عيد كيپور العاشر من شهرهم الأول تشري، ولكنه يوم كفارتهم وقبول توبتهم وليس يوم نجاتهم من الفراعنة.

فإذن لم يكن يوم عاشوراء، يوم نجاة موسى ـ عليه السلام ـ وبني إسرائيل من فرعون،وبالتالي لا يصحّ ما نُسب إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من أخبار في عاشوراء، تتضمن أنه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من الفراعنة.
▪️الأمويون وأحاديث فضل صيام عاشوراء

▪️ #العلامة_عدنان_الجنيد

لا يوجد من يجهل ماهو يوم عاشوراء، إنه العاشر من شهر محرم الحرام، اليوم الذي استشهد فيه أحدُ خمسة أهل الكساء، أحد سَيِّدَيْ شبابِ أهل الجنة، سبطُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ابن (عليٍّ ، والزهراء)، الإمام (الحسين) عليه السلام، في (كربلاءَ) على أيدي أحذية (يزيد بن معاوية بن أبي سفيان) "الدعي بن الدعي"، الذي ورث الملك عن أبيه، فقضى بالعسف، وجار وطغى، وارتكب كل المنكرات، وعلى رأسها قتله للحسين..
- فهل يوم عاشوراء يوم عيد للمسلمين، أم هو يوم حزن وكآبة؟!!..
- هل للمسلمين أن يبدوا فيه الأفراح أم الأتراح؟!!..
- هل يصومون ويلبسون الجديد ابتهاجاً به، أم يستذكرون مآثر البطل الذي أنقذ العالم بثورته، وغير مسار التاريخ بتضحيته هو وأهله وبنو عمومته، والسير على نهجه وطريقته؟!..
- فمن أين أتانا تشريع صيام يوم عاشوراء والإبتهاج فيه، باعتباره عيداً، ويوماً سعيداً؟!!..
- وما مدى تأثير (النواصب، واليهود) على شعائرنا الدينية، بمقياس عاشوراء ؟!!!..
   • هذا ما أتناوله في مختصر هذه الدراسة، وبالله التوفيق، وعليه التكلان.

    نحن لا نرى بأساً في صيام أي يوم من أيام السنة، باستثناء العيدين، ولكن الغرابة في الاهتمام الشديد، لدى الكثير من الناس، بصيام يوم العاشر من شهر المحرم، وإظهار الفرح فيه، واعتباره سنةً مؤكدةً، بل فريضة أمر بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.. هذا عند البعض، والبعض الآخر يرى أن صومه كان فريضة، إلا أنه نُسخ بقوله تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..)[البقرة : 185].

    كُلّ هذا يجعلنا في موضع استغراب ودهشة من هذا الاهتمام، الذي جاء في غير محله…
والعجيب أن الناسَ في اليمن، سيما في السنوات الماضية وماقبلها، كانوا في كل سنة في بداية شهر المحرم، يستعدون لصيام عاشوراء ولهم به شغَفٌ واهتمامٌ، وكأنه صومٌ مفروضٌ عليهم.. بل وجدنا خطباء المنابر، في أول جمعة من شهر المحرم، يحثون الناس على صيامه، ويسردون الأحاديث في فضله، ناهيك عن توزيع  المنشورات، ولصق الملصقات، التي تتكلم عن فضائل هذا اليوم، على جُدران المساجد..
    فيا ترى لماذا لم يكن هناك مثل هذا الإهتمام في صيام (يوم عرفة) مثلاً، وهو أفضلُ من (يوم عاشوراء)، من حيثُ غفران الذنوب وزيادة الأجور؟!
ولماذا أيضاً لم يوجه اهتمامهم لصيام (الست من شوال)، أَوْ أي يوم وردت بفضله الأحاديث ؟!.

    إن سر اهتمامهم بصيام عاشوراء، وإظهار الفرح بهذا اليوم بالتحديد، سنعرفه في ثنايا هذه الدراسة المختصرة.

   وسأبدأ بذكر أدلتهم التي تمسكوا بها في صيام عاشوراء، وأقوم بمناقشتها، حتى يتضح، للقارئ المنصف، الحق من الباطل، والرفع من الوَضع..

   روى البخاري(1) بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : “قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يوم نَجَّى اللهُ بني إسرائيل من عدوهم، فصامه (موسى). قال: فأنا أحق بموسى منكم، وأمر بصيامه “.

• قلت: إن قدومه "صلى الله عليه وآله وسلم" المدينةَ كان في ربيع الأول، فكيف وجدهم يصومون عاشوراء، وهو العاشر من شهر المحرم؟!

- فإن قالوا: بأنه صلى الله عليه وآله وسلم انتظر حتى جاء شهر المحرم، فوجد اليهود يصومون عاشوراء، فأمر المسلمين أن يصوموه..!!

• قلنا لهم: كيف وجدهم يصومون عاشوراء مع أنَّ حسابهم للشهور غير حساب المسلمين؟!

- فإذا قالوا: ربما كان حسابهم بالسنين الشمسية، فصادف يومُ عاشوراء بحسابهم اليومَ الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وَآله وسلم..!!

• نقول: وهل كُلّ سَنَة يصادف حسابُهم يومَ عاشوراء؟!
هذا عدا عن أن إسم عاشوراء إسلامي، لم يُعرف في الجاهلية، كما في (النهاية) لابن الأثير..

     والعجبُ أن هناك روايةً تقول : أن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : –بعد أن أمرهم بصيام عاشوراء - " فإذا كان العام الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا اليوم التاسع  قَالَ - أي الراوي -  فلم يأت العام الْمُقْبِلُ حتى تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "(2)

• أقول: إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رأى اليهود يصومون عاشوراء في السنة الثانية –إن لم نقل في الأولى، أَوْ حتى في الثالثة أَوْ الرابعة أَوْ الخامسة- .. فلماذا لم يصم تاسوعاء في العام الذي يليه، طالما أنه قال : “ إذا كان العام الْمُقْبِلُ صُمْنَا اليوم التاسع "!!..
ومعلوم أن وفاتَه صلى الله عليه وآله وسلم كانت في السنة الحادية عشرة؟!..

    فهل يُعقل أن يبقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة تسع سنوات –إذا فرضنا أنه صام عاشوراء في السنة العاشرة– ولم يعلم بصوم عاشوراء، ولم يَرَ اليهود يصومون هذا اليوم، أو يسمع بذلك إلا قبل وفاته بسنة، ثم توفي ولم يدرك صوم تاسوعاء!!
هذا مع أن اليهود في يوم عاشوراء يفعلون العكس، فهو بالنسبة لهم يوم عيد (يسمى بعيد الفصح كما في كتبهم)، وليس يوم صيام، بل يجب عليهم فيه الذبح والأكل .. انظر العهد القديم (التوراة – سفر الخروج ) تجد صدقَ ما قلناه..

    ولقد اطلعتُ على بعض المواقع والمجلات، وفيها أن أحدَ الباحثين قام بالإتصال بجامعة (ستانفورد) في الولايات المتحدة، فسألهم عن صيام اليهود في عاشوراء، فأجابوه بأن اليهود لا يصومون هذا اليوم أصلاً.. وأكد الباحث  ذلك بقوله: يمكن التأكد من هذا بالاتصال بالجامعة عن طريق الإنترنت..

    ثم إن هذه الروايات تنسب الجهل إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم"، ففي بعضها أنه قال : (سلوهم لِمَ يفعلون ذلك ؟ ).. وكأنه "صلوات الله عليه وآله" لا يعلم شيئاً من التشريع !!..

    ومما يدل على عدم صحة أحاديثهم التي تحث على صيام عاشوراء، هو أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يكرهُ موافقة أهل الكتاب في كُلّ أحوالهم، حتى قالت اليهود: “ما يريد هذا الرجلُ أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا”.
وفي الحديث: “من تشبه بقوم فهو منهم”..

    هذا إذا كان اليهود يصومون هذا اليوم، مع أنك قد علمت سابقاً بأنهم لا يصومون هذا اليوم، بل يفعلون عكس ذَلك..

     ولو سلّمنا -جدلاً- بأنهم يصومون عاشوراء، فهل يعقل أن يتبع الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" شرائع اليهود الذين حرّفوا الكلم عن مواضعه؟!.. قال تعالى: ( مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ)[النساء :46]..
لا يُعقل ذَلك؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى المسلمين عن اتباعهم والأخذ عنهم…
فقد روي عن أحمد(3)، عن جابر بن عبدالله، أن عمرَ بن الخطاب أتى النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" فغضب وقال: (أمهوّكون فيها يا بن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لو أن موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني).
    وفي رواية: فغضب، وقال: (لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أَوْ بباطل فتُصَدِّقوا).
  وروى البخاري(4)، من حديث الزهري، عن ابن عباس، أنه قال: “كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدث الكتب، تقرأونه محضاً لم يُشَبْ (5)، وقد حدثتكم أن أهل الكتاب بدّلوا كتاب الله وغيّروه، وكتبوا بأيدهم الكتاب وقالوا هو من عند الله، ليشتروا به ثمناً قليلاً!!.. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم! لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل إليكم!!”.

   وروى ابن جرير، عن عبدالله ابن مسعود، أنه قال: “لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق، أَوْ تصدقوا بباطل”(6)..

• قلتُ: وأما الأحاديث التي تبيح الأخذ عن بني إسرائيل، فإنها مفتعلة من قبل أحبار اليهود، الذين أرادوا بوضعها تمهيد السبل، لبث خرافاتهم، ودجلهم، وأكاذيبهم في مصادر ثقافتنا الإسلامية، وهدفهم من وراء ذلك كله هو إبعاد المسلمين عن كتاب الله تعالى، وتشويش الفكر الإسلامي.

    وفعلاً استطاع الكاهنان (كعب، ووهب) أن يبعدوا كثيراً من الناس عن كتاب الله، وذَلك أن بعضَ الصحابة قد اغـتروا بإسلامهما، فأخذوا يروون عنهما تلك الإسرائيليات، التي ملأت كتبَ التفاسير، والتي تتعارض مع كتاب الله تعالى، وتتنافى مع عصمة الأنبياء عليهم السلام، وتتنافى أيضاً مع الذوق السليم والعقل السليم.

    ممَا مَرَّ سابقاً، يتضح بجلاء، لكل ذي لب وإنصاف، بأنَ الأحاديثَ التي يستدلون بها على صيام عاشوراء باطلة..
   وأما الأحاديث التي وردت في فضل عاشوراء فهي موضوعة، وقطعاً افتعلها الأمويون، بقصد أن ينسى المسلمون (فاجعة كربلاء) التي استشهد فيها (الإمام الحسين) سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. الذي قال فيه الرسولُ الأكرم: (حسيـــن مني وأنا من حسيـــن. أحـــــب الله من أحـــــب حسينـــــا).
فقد كان استشهاده هو وأهل بيته "عليهم السلام" في العاشر من المحرم، ولأن المسلمين كانوا يقيمون في هذا اليوم المعازي والمآتم الحسينية، فقد خاف الأمويون على ملكهم من قيام ثورات حسينية، ومن ثم عمدوا إلى وضع أحاديث في الفضائل، تنص على (الصيام، وبذل الصدقة، وإطعام الطعام، والفرح، والاستبشار) بيوم عاشوراء، وكأنه عيد.

    يقول البيروني -بعد ذكر ما جرى على الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء- : “فأما بنو أمية، فقد لبسوا فيه ما تجدد، وتزينوا، واكتحلوا وعيدوا، وأقاموا الولائم والضيافات، واطعموا الحلاوات، وجرى الرسمَ في العامة على ذلك أيام ملكهم، وبقي فيهم بعد زواله عنهم، وأما أهل البيت وشيعتهم فأنهم ينوحون ويبكون أسفاً لقتل سيد الشهداء فيه”.(7).
ويقول المقريزي (8) -بعدما ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن تتعطل فيه الأسواق- : “… فلما زالت الدولة، اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسعون فيه على عيالهم، وينبسطون في المطاعم، ويتخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون، ويدخلون الحمام جرياً على عادة أهل الشام، التي سنَّها الحجاجُ في أيام عبدالملك ابن مروان، ليرغموا به شيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، الذين يتخذون يوم عاشوراء يومَ عزاء وحزن على الإمام الحسين؛ لأنه قتل فيه...، -إلى أن قال- وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب، من اتخاذ عاشوراء يوم سرور وتبسط…”..

     إذاً فهذه الأحاديث، التي وردت في فضل عاشوراء، موضوعة، وقد أنكرها كثيرٌ من الأئمة، فهذا الإمام (جعفر الصادق) يقول: (لما قُتل الحسين عليه السلام، تقرَّب الناس بالشام إلى يزيد، فوضعوا له الأخبار،َ وأخذوا عليها الجوائز من الأموال، فكان مما وضعوا له أمرُ هذا اليوم، فقالوا إنه يوم بركة، ليعدل الناسُ فيه عن الجزع والبكاء والمصيبة والحزن، إلى الفرح والسرور والتبرك).

وقد أنكر (ابن حجر الهيثمي) أحاديثَ فضائل عاشوراء، في صواعقه المحرقة (9) ..

   وحتى (ابن تيمية)، وهو مرجع الوهابية، حكم عليها بالوضع، إذ يقول في كتابه (10) “اقتضاء الصراط المستقيم”: (… وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة، المقابلة للرافضة).

    والعجيب أن الفقهاء تقبلوا هذه الأحاديث، في فضائل عاشوراء، تقليداً أعمى لمن سبقهم، دون تمحيص لها..

     والأعجب أن الناس، في يوم عاشوراء، كانوا (يُنَصِّرون) على أسقف بيوتهم (أي بإشعال النيران) فرحاً واستبشاراً بهذا اليوم، وهذا كان يحدث قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً في اليمن، بحسب ما أخبرني الثقاة.. وهذا (التنصير) كان يحدث في قرى ( مديرية صَبِرْ -  محافظة تَعِز)، حتى أن الناس كانوا لا يدرون لماذا (ينصّرون)، ومع مرور الزمن، تبين لهم أن هذا الفعلَ (التنصير) إنما أحدثه النواصب، فرحاً بمقتل (الإمام الحسين) وأهل بيته وشيعتهم عليهم السلام.

    وفعلاً انتهى (التنصير) إلى يومنا هذا، في قرى (صَبِرْ) وما حولها، بفضل جهود الصالحين.

    وهذا (التنصير) إنما ابتدأ به (صلاح الدين الأيوبي)، فقد جعل من يوم عاشوراء عيداً في (مصر)، ولم يكن معروفاً فيها، وقد سبق أن ذكرنا ما ذكره المقريزي آنفاً.

  • قلت: ولا يُلامُ من بكى على شهيد الإنسانية (الإمام الحسين) عليه السلام، فإذا كان سيدُنا (يعقوب) عليه الصلاة والسلام بكى على فقدان ولده سيدنا (يوسف) عليه الصلاة والسلام، حتى ابيضَّت عيناه من الحزن، كما أخبرنا الله تعالى عنه في القرآن الكريم، فكيف لا يبكي عشاقُ (الحسين) ومحبوه، وقد ذبحه كلابُ النار، وفصلوا رأسه عن جسده، عليهم من الله اللعنة السوداء، فلا غرو أن يحزن الناس، بل الإنسانية جمعاء لها أن تبكيَ عليه إلى قيام الساعة..

   وما أحوج أبناء الأمة الإسلامية في هذا العصر، إلى التأسي بالإمام (الحسين)، والسير على نهجه، في الوقوف ضد الطغاة والمستكبرين، وعدم الإستسلام لهم، وليكن شعارهم في مواجهة المستكبرين، ماقاله الإمام (الحسين) لطغاة عصره وجبابرة مصره (هيهات منا الذلة)..

    فسلامُ الله على الحسين ..
وعلى أصحاب الحسين ..
وعلى مَن والَى الحسين إلى يوم الدين.


.........الهامش.........

(1) صحيح البخاري [2/953] برقم (2539).

(2) رواه مسلم (1916)

(3) “مسند أحمد بن حنبل”[349/23] برقم(15156) مؤسسة الرسالة. الطبعة الثانية.

(4) “صحيح البخاري” [953/2] برقم (2539).

(5) أي لم يخلط بشيء غيره، ولم يبدل، ولم يغير.

(6) انظر: “جامع البيان” لابن جرير الطبري [49/20] و “أضواء على السنة المحمدية” ص 136 للشيخ محمود أبو ريَّة. دار المعارف- الطبعة السادسة.

(7) " الكنى والألقاب" للبيروني [ 431/1]

(8) في كتابه ”الخطط والآثار”  [490/1].

(9) انظر: (الصواعق المحرقة) لابن حجر [534/2]. الطبعة الأولى 1997م.

(10) “اقتضاء الصراط المستقيم ” [300/1] الطبعة الأولى . تحقيق محمد حامد الفقي.
__
محور المناسبات الدينية +.pdf
8.2 MB
اليكم أفضل مكتبة اذاعات محور المناسبات الدينية لعام 1445هـ تشمل جميع المناسبات الدينية للعام بكله.
https://tttttt.me/WrotetheKoranicculture